انوار الفقاهه - کتاب الطهاره

اشارة

نام کتاب: أنوار الفقاهة- کتاب الطهارة موضوع: فقه استدلالی نویسنده: نجفی، کاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر تاریخ وفات مؤلف: 1262 ه ق زبان: عربی قطع: وزیری تعداد جلد: 1 ناشر: مؤسسه کاشف الغطاء تاریخ نشر: 1422 ه ق نوبت چاپ: اول مکان چاپ: نجف اشرف- عراق

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ

و به نستعین

کتاب الطهارة

الطهارة و هی (لغة) النزاهة و النظافة من القذرات الحسیة و النجاسات الظاهریة و تستعمل کثیرا فی الکتاب و السّنة. فی النزاهة من الأدناس المعنویة و الأرجاس الباطنیة علی وجه الاشتراک المعنوی و اللفظی لغة أو المجاز المشهور و (شرعاً) علی وجه الحقیقة الشرعیة بناءً علی ثبوتها فیما استعمله الشارع فی المعانی الجدیدة کثیرا حتی شاع فی زمانه اسم الاستعمال، طهور مشروط بالنیة له تأثیر فی استباحة العبادة المترتبة علیه علی وجه الاشتراک المعنوی بین الوضوء و الغسل و التیمم لا الاشتراک اللفظی لأنه خلاف الأصل، و الاستعمال طهور رافع للخبث الشرعی علی وجه الاشتراک بینهما شرعاً، لفظاً لا معنی؛ لما فی الاشتراک المعنوی فی تکلف قدر مشترک بینهما غیر متبادر منها عرفا عند المتشرعة و غیر ظاهر فی کلام الشارع علی أن التردد فی الفهم و الإجمال دلیل الاشتراک اللفظی و دعوی الفرق بین لفظ الطهارة فیختص لفظها بالأول علی وجه الحقیقة و بین مشتقاتها فتعِمُ الأمرین علی وجه الاشتراک اللفظی أو المعنوی لاستعمالها فی الثانی کثیراً بعید کل البعد و علی ما ذکرناه فالطهارة شاملة للرافع للحدث و الخبث و للمبیح و موضوعة لنفس استعمال الطهور لا لأثره المترتب علیه و لا للحالة الحاصلة بعده من الابتهاج النفسانی و القرب الروحانی کما یدعیه بعض الأولیاء و مختصة بها فلا تصدق علی وجه الحقیقة علی غیر المبیح سواء کان مکملًا للعبادة المترتبة علیه کالوضوء التجدیدی و الوضوء لغُسل الجنابة، و غسل الزیارة، و غسل الإحرام، و نحوها أو مزیدا فی ثوابها کغُسل التوبة، أو رافعاً لشبهة نقصانها

[فی معنی الطهارة لغة و اصطلاحا]

ص: 2

کالوضوء للرعاف، و مس باطن الفرج، و الدبر، و التقبیل، و الکذب، و الظلم، و إنشاد الشعر، و نحوها إذا سبقته طهارة محققة أو کان مؤثراً فی غیر العبادة حسناً أو دفع قبیح متوهم کالوضوء للنوم أو للجماع أو للأکل أو للشرب للمجنب أو لم یکن کذلک کوضوء الحائض و شبهه مع احتمال أنه مکمّل لذکر الله تعالی فی جلوسها و غسل الجمعة و العیدین و جمیع الأوقات المندوب لها الغسل و احتمال تکمیلها بعید و الدلیل علی ذلک کله شیوع استعمال الشارع لها فی ذلک دون غیره و ما ورد من نفی الطهر عن الحائض و ثبوت الوضوء لها و الاقتصار علی مورد الیقین فی الوضع یقضی به و أما التقسیم إلی المبیح و غیره فلا یقضی بالتعمیم و لا تصدق علی کل طهارة قد اختل بعض شروطها أو نقصت بعض أجزائها ففسدت لظهور کون اسمها موضوعاً للصحیح دون الأعم و تصدق علی ما کان مکملًا لغایته کالوضوء لقراءة القرآن، و المس، و الطواف المندوب، و صلاة الجنازة، لأنه فی جمیع ذلک دافع و مبیح علی الأقوی و إن کان شرع للتکمیل و اختلاف حدودهم فی المقام فالشی ء عن اختلافهم فی المعنی الشرعی الموضوع له اللفظ شرعا لا فالشی ء عن تباین اصطلاحاتهم فی المنقول إلیه و لا عن تسامحهم فی الحدود لعدم ثبوت اصطلاح جدید لهم و لتدقیقهم فی الإخراج و الإدخال مع احتمال ذلک و انهم یریدون تمیز الأسماء فی الجملة بأی طریق کان و علی کل حال فلا حاجة إلی تطویل الکلام بذکرها و نقضها طرداً و عکساً.

[البحث فی الوضوء]

بحث الوضوء الواجب

یجب الوضوء للصلاة الواجبة وجوبا غیریاً قضی به الخطاب التبعی للصلاة لمکان الشرطیة و الخطاب الأصلی الغیری و ذلک بالإجماع، و الکتاب، و السنة، و کذا لأجزائها المنسیة و رکعاتها الاحتیاطیة و الأحوط إلحاق سجود السهو بهما و کذا یجب للطواف الواجب لأنه صلاة الظاهر فی الاستناد إلی الخبر الطواف بالبیت صلاة و فیه أن هذا الخبر قاصر السّند یحمل الدلالة بل لم یرد مسندا فی طرقنا کما صرح به الفاضل فی مسألة شرائط ستر العورة فالأولی الاستناد إلی الإجماع المنقول مستفیضاً و النصوص المستفیضة ألغی منها الصحیح و غیره و لعله ترک ذلک اعتماداً علی الظهور

ص: 3

فتم إلی هنا و یدخل فی الصلاة الواجبة المنذورة و المستأجر علیها و فی الطواف الواجب و المنذور و المستأجر علیه أن قلنا بشرطیة الوضوء للطواف المندوب و کذا یجب لمس المصحف و للفظ الجلالة الواجبین بنذر أو شبهه أو لعروض ما یوجب تعظیمها کرفعهما من القذارات و شبهها و هو مبنی علی تحریم (مس المحدث) لهما کما یستفاد من الروایة المعتضدة بالأخبار و کلام الأخبار و کذا یجب بالنذر له و للطهارة الداخل فیها أو بالاستئجار علیه لمیت أو لحی و لا یجب لنفسه للأصل و الإجماعات المنقولة و الشهرة المحصلة و السیرة القاطعة و خلو الأخبار و المواعظ و الوصایا و النصائح و کلام المتقدمین عنه و ما جاء من الأخبار من الأمر به محمول علی بیان الشرطیة کما ورد فی غسل الأخبار أو علی الاستحباب و عدم فهم الأصحاب منها الوجوب النفسی و إعراضهم عنه یورث الظن الواجب الأتباع فی ظواهر الخطاب بعدم إرادته و یدل علی عدمهِ أیضاً قوله (علیه السلام) إذا دخل الوقت وجوب الطهور و الصلاة لظهور عدمها عند عدم دخوله و احتمال تسلط الحکم علی المجموع فینتفی المجموع بعدم دخوله و یکفی فی انتفائه وجوب الصلاة فقط کاحتمال تسلط النفی فی المفهوم علی الکلیة و یکفی فی نفسها السلب الجزئی بعیدان کان احتمال تقید المنطوق بوجوب الطهور لها فینتفی فی المفهوم ذلک فلا یفید نفی النفس للزوم الاعتماد علیه سد باب المفهوم رأسا واصلا و لا یساعده عرف و لا لغة و قوله تعالی" إِذٰا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلٰاةِ" إلی آخر الآیة فإنها تدل عرفا علی الوجوب الغیری (کخذ سلاحک إذا لقیت الأسد) و تدل بالمفهوم علی ذلک أیضاً لانتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط مطلقاً و الطعن فی الاستدلال بها من جهة عدم عموم المنطوق أو من جهة عدم عموم المفهوم أو من جهة عدم ظهور المفهوم لظهور فائدة أخری غیره و هی بیان وجوبه الغیری أو الشرطی للصلاة أو من جهة احتمال تقید المنطوق بکونه للصلاة فینتفی کونه لها بالمفهوم لا مطلقا فلا یدل علی نفی الوجوب النفسی کله ضعیف لا یرکن إلیه کما لا یرکن لمن ضعف المفهوم بأن القول به مخالف للإجماع للزوم عدم الوجوب عند عدم القیام المتجوز به عن التهیؤ أو المحذوف منه الإرادة عند دخول الوقت و لا قائل به و ذلک لأن خروج بعض المفهوم

ص: 4

بالإجماع لا یسقطه عن الحجیة کما أن المنطوق لا یستدل به علی الوجوب النفسی من جهة شموله للوقت و ما قبله و لا یکون وجوبه قبله إلا نفسیا لأن ظهور الإرادة و التهیؤ فی المتصلتین الحاصلتین فی الوقت دون المنفصلتین و تعلیق الوجوب بالقیام المؤول بهما مما یبعد ذلک کل البعد علی أنه یلزم علی القول بالوجوب النفسی إیجاد واجبات متعددة لا یتصف تارکها بالذم و العقاب کمن توضأ وضوءات متعددة بعد أحداث متعددة کل وضوءین حدثین لم یتفق واحد منهما بظن الفوات و لا یضیق مشروط به و هو بعید و النقض بلزوم مثل ذلک علی القول بالوجوب الغیری مردود بأن الوضوء الغیری ما لم یترتب علیه المشروط به کأن وقع الحدث قبل فعل المشروط به لا یکون واجبا و إن تخیل وجوبه ابتداء لانکشاف عدم وجوبه بعد ذلک.

بحث الوضوء المندوب

یندب الوضوء لغایات کثیرة منها ما یکون شرطا فی صحتها کصلاة النافلة و الطواف المندوب و أن قلنا بشرطیته له و أن قلنا انه مکمل له کما هو الأظهر فلیس من هذا القسم و منها ما یحرم فعلها بدونه کالمس المندوب لتبرک أو تعظیم أو شبههما و منها ما یکون مؤثرا فیها کمالًا کطلب الحاجة و حمل المصحف و أفعال الحج عدا الطواف و الصلاة و صلاة الجنازة و زیارة قبور المؤمنین و تلاوة القرآن و نوم الجنب و جماع المحتلم و جماع غاسل المیت و لما یغتسل و مرید غسل المیت و هو مجنب و ذکر الحائض و التأهب للفرض قبل وقته و التجدید و الکون علی الطهارة و جماع الحامل و اکل الجنب و دخول المساجد و النوم و المجامع إذا أراد الجماع مرة أخری و کتابة القرآن و القدوم من السفر لأهله و للزوجین لیلة الزفاف و جلوس القاضی مجلس القضاء و إدخال المیت القبر و تکفینه إذا أراد تکفینه و غسل الجنابة و جمیع الأغسال المسنونة و قد یندب لأمور کثیرة لشبهها بالنواقض کالضحک فی الصلاة منها القهقهة و الکذب و الظلم و الإکثار من إنشاد الشعر الباطل و إنشائه مطلقاً أو ما یزید علی أربعة أبیات و الودی (بالدال المهملة) بعد البول و الاستبراء منه و المذی و الرعاف و القی ء و التحلیل بما یسیل الدم و مس باطن الدبر و باطن الإحلیل و نسیان الاستنجاء قبل الوضوء و التقبیل بشهوة و مس باطن الفرج و الغضب و بعد الأکل و لمن لم یستنجی بالماء حتی توضّأ و إن کان استجمر.

ص: 5

و هنا فوائد

أحدها: أکثر ما قدمناه قد ورد فیه روایات خاصة

و حکم به مشهور الأصحاب و منه ما لم نعثر به علی روایة خاصة لکنه قد قضت به العمومات کالوضوء قبل الاغسال المسنونة و منه ما لم نعثر به علی دلیل مطلقا سوی فتوی الفقهاء و بعض الاستحسانات العقلیة کجلوس القاضی مجلس القضاء و الأظهر جواز الأخذ بالکل لما تقرر من جواز التسامح بأدلة السنن و جواز الاستناد بها إلی الخبر الضعیف و فتوی الفقیه الواحد بل و إلی الاستحسان العقلی و ذلک لأن ما شرع أصله من صلاة أو دعاء أو زیارة أو ذکر أو وضوء و شک فی خصوصیاته من زمان و مکان و حال و لم یکن هناک معارض لمشروعیة تلک الخصوصیة سوی التشریع قطع العقل بحسن فعله لتلک الخصوصیة لاحتمال تحصیل ما یترتب علیها من الثواب و شمله دلیل الاحتیاط و کان منفعة خالٍ عن أمارة المفسدة و احتمال المفسدة من جهة التشریع یرفعها الحسن العقلی و الاحتیاط الشرعی فیکون فعله راجحا.

ثانیها: کثیر مما جاءت به الروایات موافق لفتوی العامة

فحمله علی الندب دون طرحه و حمله علی التقیة محتاج إلی الترجیح و الظاهر أن الراجح ذلک لأولویة تقدم الحمل علی الندب لشیوع الندب و أکثریته من الورود مورد التقیة و لکونه عملا بالدلیل فی الجمل و التقیة تقضی بطرحه بالکلیة و لأن المتیقّن من الحمل علی التقیة و وجوب الأخذ بخلافهم إنما فی هو فی مقام التعارض دون الأحکام السالمة عن المعارضات و قد یتخیل فی جملة من الأخبار إنها خارجة مخرج التقیة بظاهرها الدال علی الوجوب و مراد بها مع ذلک الحکم الندبی فتفید الندب إرادة و تنزل علی التقیة ظاهراً و هو مشکل جدا لا یساعده عرف و لا استعمال و لا یجوز أن یقال أن حمل الوجوب علی التقیة لا ینافی بقاء الرجحان الضمنی استصحابا فیثبت الاستحباب لعدم معقولیة ذلک من ظاهر الخطاب إلا بالقرینة المباینة و لیس فلیس.

ثالثها: لا فرق فی إثبات الندب من الأخبار بین ما ورد الخطاب به صریحا لغیره و بین ما ورد الخطاب بغیره متصفا به

فیفهم منه أن الشارع قد رتب الثواب علی ذلک الغیر لاتصافه به فیفهم إرادته و ترتیب الثواب علیه لذلک الغیر من باب مفهوم الاقتضاء أو الإشارة و هو کثیر فی أخبارنا کمن دخل المسجد متطهر أو نام کذلک أو فعل کذلک کان له کذلک و یؤیده أیضا فهم الفقهاء و طریقتهم.

ص: 6

رابعها: الأقوی و الأظهر أن الوضوء لو صادف الحدث الأصغر منویا به التقرب رفعه

لأنه من الأسباب المقتضیة لذلک و رفع الحدث من الآثار المترتبة علیه اللازمة له فیقع قهرا و لا یحتاج بعد نیة القربة إلی نیة الاستباحة أو رفع الحدث فلو لم ینوهما عمدا أو سهوا مع اعتقاد قابلیة المحل لنیتهما أو مع اعتقاد عدمه لزعم أنه مجنب أو أنها حائض أو أنه متوضئ قبل ذلک أو مغتسل للجنابة کذلک صح الوضوء فی جمیع ذلک و ارتفع الحدث قهرا إذا صادف إمکان ارتفاعه کما إذا تبین عدم کونه جنبا و عدم کونها حائضاً و عدم کونه متطهرا بالطهارة الأولی لخلل فیها أو لعدم فعلها بل لو نوی عدم رفع الحدث أو عدم الاستباحة أو عدمهما صح الوضوء و وقعت النیة لغوا قهرا و کذا لا یحتاج فی الوضوء إلی نیة سبب خاص من أسبابه و لا غایة معینة من غایاته بل لو نوی وضوء مطلقا أو وضوء للکون علی الطهارة أجزأه عن کل غایة و کذا لو نوی غایة خاصة فإنها تجری عن جمیع الغایات و ذلک لأن الأسباب و الغایات غیر منوعة للوضوء کغایات الغسل و أسبابه حتی یجب تعین السبب و الغایة لتعین النوع منه و مما یدل أیضا علی أن کل وضوء رافع للحدث الأخبار الدالة علی أن الوضوء لا ینقضه إلا حدث أو إلا ما یخرج من الطرفین لأنه لو لم یرفع الحدث بمجرد حصوله لما نقضه الحدث و کذا ما دل علی المنع من الوضوء بعد الوضوء لکن دون یقین الحدث و ظاهر أن الوضوء لا یراد به معیناً لعدم المعهودیة و لا واحد إلّا بعینهِ لعدم الفائدة فلا بد من إرادة المعنی العام الشامل للکلّ و احتمال أن الوضوء رافع للحدث بالنسبة إلی غایة معینة دون غیرها کاحتمال أنه مع رفعه للحدث تجب إعادته للصلاة الأمر به لها بعیدان جدا بل لا یقولهما أحد و مع ذلک فالاحوط أن لا یصلی إلّا فی وضوء غایة مشروطة صحتها برفع الحدث و أدنی من ذلک فی الاحتیاط أنه لا یصلی فی الوضوء المصادف لاعتقاد ارتفاع الحدث قبله کالتجدیدی و سائر النواقض المندوب لها الوضوء و المصادف لاعتقاد وجود الحدث الأکبر کوضوء الجنب و الحائض و إعادته بعد ذلک و عدم الاجتزاء به و یشتد الاحتیاط فیما إذا صادف اعتقاد الاتصاف لبقاء الحدث الأکبر لأنه یئول إلی نیة عدم الرفع و یضعف الاحتیاط فی التجدیدی لأن الظّاهر أنَّ

ص: 7

مشروعیته لرفع الحدث المتوهم أو المحتمل و للأصحاب هنا أقوال و کلمات لا حاجة للتعرض لها.

خامسها: إنما یشرع الوضوء عند دخول الوقت المشروط به إن کان له وقت

أو عند إرادة فعله إن لم یکن کذلک و لا یجوز تقدیمه علی الوقت بنیّة الوجوب فی الواجب الموسّع لتبعیة وجوبه لوجوب مشروطه و لیس فلیس، نعم فی الواجب المضیق کلام سیأتی إن شاء الله تعالی، و یحتمل القول بجواز تقدیمه بنیة الوجوب فی الموسع استنادا إلی إطلاق أوامر بالوضوء للصلاة و إن کانت غیرته فإذا أعلم المکلف بقاءه إلی دخول الوقت أو ظن بالاستصحاب جاز له نیّة الوجوب و إلی أن الواجب الموسّع یجوز فعله فی أول الوقت و هو موقوف علی فعل الشرط قبله فیجب فعله موسعا لمشروطه لکن هذا الاحتمال ضعیف و الاحتیاط یقضی بترکه و لو قلنا به فلا بد أن تقتصر علی جواره قبل الوقت فی الجملة بزمان قلیل لأنه هو المتیقن کما أن الوضوء لأحد الغایات لا بد من سبقه علیها بزمان یحکم أهل العرف أنه لها فلو قدمه قبلها شهرا أو أکثر لم یترتب علیه ثوابها، نعم لو فعله للغایة و لم یتفق وقوعها بعده صَحّ الوضوء و انکشف فساد نیته الخاصة و هل یثاب ثواب الفاعل للغایة أم لا؟ وجهان أقربهما الأخیر و یتفرع علی الوجوب الغیری قبل الوقت عدم جواز إهراق الماء قبل دخول الوقت لمن علم عدم تمکنه فی الماء بعد دخول الوقت و وجوب الوضوء علی من علم بعدم التمکن بعد الوقت قبله.

سادسها: الوضوء التجدیدی بعد ثبوته

کما دلت علیه الأخبار و کلام الأصحاب یتحقق بتجدد کل صلاة نافلة أو فریضة کما یُفهم من الأخبار سیّمَا المغرب و العشاء و الصبح و الأقوی جواز التجدید و إن لم یتجدّد للمتوضئ صلاة مطلقاً لإطلاق الأخبار و لا فرق بین حصول الفاصل الطویل و عدمه و بین احتمال النقض و عدمه و بین زیادته علی الثلاثة و عدمها و النهی عن إحداث وضوء آخر عند الیقین بالوضوء و الأول مخصوص لغیر التجدیدی و بغیر ما نَصّ علیه فی الروایات، و کلمات الأصحاب فما کان شبه لناقض کما تقدم أو مخصوص بما أعتقد عند فعله بطلان الأول

ص: 8

ففعل ابتداء و الاحوط الاقتصار فی التجدیدی علی المرتین إذا لم تتجدد لصلاة تفصّیاً من شبهه من قصره علی المرتین حملا لما ورد من أن الوضوء مثنی مثنی و الثالثة لا یؤجر علیها علی التجدیدی کما أن الأحوط عدم التجدید للغایات الأخر غیر الصلاة من غیر فرق بین ما أثرت به فیه کمالا أو أثرت صحة کالطواف الواجب سواء اختلفت و تعددت لاختلافها أو اتحدت و تکررت و هل یندب التجدیدی بعد غسل الجنابة و غیره من الاغسال الرافعة أم لا؟ وجهان و الأقوی ندبه بعدها و الأحوط الترک کما أن الأحوط عدم جواز تجدید الوضوء المجامع للحدث الأکبر لعدم کون الأول طهارة.

بحث الأظهر وفاقا للأشهر عدم جواز مس القرآن محدثا بالأصغر و الأکبر

للأخبار المعتبرة المنجبرة بفتوی المشهور و عملهم و المناسبة لأدلة التعظیم و الاحترام و الموافقة لقوله تعالی:" لٰا یَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" لظهور لفظ المسیس فی الحس و الطهارة فی المعنی الشرعی و لظهور کون الجملة من صفات القرآن دون کتاب مکنون و ان قرب لسیاق الکلام و لظهورها فی إرادة النهی و إلّا لزم الکذب و لظهور عموم الطّهارة الکبری و الصغری و إلّا لزم التخصیص من غیر دلیل بل و للخبث إذا مس بما خبث من الجسم و کذا الأظهر تحریم مس لفظ الجلالة نفسه للأولویة فی التعظیم و الأحوط إلحاق الأسماء المختصة به بل و جمیع الأسماء الحسنی له عز و جل بلفظ الجلالة و أما اسم النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الأئمة (علیهم السلام) و الزهراء (علیها السلام) و باقی الأنبیاء و الملائکة (علیهم السلام) و غیر القرآن من الصحف و الأحادیث القدسیة و الروایات الإمامیة المنقولة باللفظ فلا یبعد کراهة مسها محدثا فیندب لها الوضوء و کذا نفس بدن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أو الإمام أو الملائکة المشرفة کنفس الکعبة و نفس الضریح فإنه لا یبعد کراهة مسها محدثا و لا فرق فی القرآن بین منسوخ الحکم و عدمه و بین کتابته بالعربی و غیره ما لم تکن نفس ألفاظه مغیرة کما إذا ترجم بلسان أخر و بین کون الآیة فی المصحف و غیره و بین المکتوب قصداً و غیره إذا کان مختصاً بالقرآنیة غیر مشترک بینه و بین غیره و فی المشترک لا بد من قصد

ص: 9

الکاتب بأنه قُرآن و إلا جاز مسه و لو اشترک إتیان فی رسم مشترک فقصد أحدهما القرآن دون الآخر غلب قصد الأول و بین المکتوب بخط و بین غیره من نقش أحجار أو تسطیر بناء أو نقش فی أرض أو تخطیط فی قرطاس بمسمار و شبهه و فی وضع خیط أو حبل علی شکل آیة من القرآن أو علی هیئة اسم الجلالة أو قَصّ قرطاس علی ذلک الشکل إشکال و الأحوط تجنّبه و لو کتبت الحروف علی غیر النّهج المُتعارف فی الکتابة اصطلاحا برقم الهندسة أو نحوها ما لم یکن من الکتابات المتعارفة أو وضع حرف مکان حرف اصطلاحا من الکاتب فالأحوط تجنبه أیضا و لو تفطرت الأرض أو أثر الریح فیها کشکل آیة فالأحوط تجنبها و لا فرق فی الحروف بین المتواصلة و المقطعة علی إشکال فی الأخیر و لا بین المقلوب و المستقیم علی إشکال فی الأول و لا بین المس فیما تحله الحیاة و بین غیره لإطلاق الأخبار سوی الشعر فالأظهر عدم حرمة المس به لخروجه عن إطلاق لفظ البدن و المدّ و التشدید داخلان فی القرآن دون الإعراب لعدم تیقّن صدق القرآن علیه و لتجرید الصحف الأول عنه و الأحوط للولی منع الصبی عن مسه محدثا للتعظیم إلا إذا کان ممیزا متطهراً فإن الأقوی إن عبادته شرعیة و لو کتب المحدث علی بدنه قرآناً فالأحوط إزالته و لو نشر القرطاس إلی خلف فالاحوط تجنّبه.

بحث یجب الغسل بحصول أسبابه لغایات مترتبة علیه فی الجملة إجماعاً و ضرورة

فیجب غسل الجنابة للصلاة الواجبة ابتداءً أو بنذر أو استئجار إجماعاً و کتاباً و سنة بأمر أصلی توصّلی و بأمر تبعی للصلاة المأمور بها و یجب للطواف الواجب الأصلی لأنه صلاة و یجب للمسّ الواجب بنذر أو استئجار و شبههما و یحب لدخول المسجدین و للمکث فی المساجد الباقیة إن وجبا بأحد الأسباب أو بعض العوارض و یحب لقراءة العزائم کُلًا أو بعضاً إن وجبت بأحد الأسباب الموجبة و یحب بنذر الطهارة أو بنذره خصوصا أو بالاستئجار علیه و کذا غسل الحیض یجب کذلک بالإجماع و الأخبار فی الثلاثة الاول و بالإجماع المنقول و الشهرة المحصلة فی الأخیرین و استصحابا لحکم المنع المحقق فیهما ما دام المحیض سائلًا و تغیر الموضوع مع الانقطاع قبل الغسل لم یثبت

ص: 10

لصدق الحائض علی من نقت قبل الغسل فی الأخبار و کلام الأصحاب و إن قلنا أن المشتق حقیقة فی المتلبس دون الماضی و لأنّ حدث الحیض أعظم من حدث الجنابة کما یفهم من الأخبار و لان ترتیب الغسل و الوضوء علیه یشعر بأکبریته و لا معنی لکونه حدث أکبر إلا ترتب أمر زائد علی ما یوجبه الحدث الأصغر و غسل النفاس کغسل الحیض لأنه حیض فی المعنی کما سیجی ء و کذا غسل الاستحاضة فیجب فی الأولین إجماعا محصلا و منقولا و للأخبار. و یجب فیما بعدهما أیضا للإجماع المنقول علی مساواتها للحائض قبل الغسل و أنها بعد الغسل یکون حکمها حکم الطاهر و ذهب جمع إلی عدم وجوبه للمسّ لعدم ثبوت تحریم المسّ علیها قبل الأغسال و جمع إلی عدم تحریم المساجد علیها لعدم ثبوت ذلک قبلها و کذا قراءة العزائم أیضاً و الأظهر ما ذکرناه هو و الأحوط و یجب لمس المیت بعد برده لجمیع الغایات المتقدمة علی الأظهر بناء علی أن المس حدث أکبر لأشعار ترتیب الغسل و الوضوء علیه و ترتبهما مُشعر بأکبریة حدثه خلافاً لمن لم یوجب بغسل فیه أصلا لأنه مخالف للأخبار و کلام الأخیار و خلافا لمن أوجبه تعبداً لأنه المخالف لما جاء فی بعض الأخبار من إطلاق لفظ الطُّهر علیه و من إیجاب الوضوء الذی لا یکون إلا رافعا فی غیر ما قام الدلیل علیه المؤیدة بفتوی مشهور الأخبار بل کاد یکون إجماعا فی الفقه الرضوی ما یؤذن بذلک و السیرة دالة علیه و خلافا لمن جعل المس حدثا أصغر اقتصاراً علی مورد الیقین من ناقضیته و علی المتیقن من الروایات لأنه منافٍ لما تشعر به الأخبار من ترتّب الغُسل و الوضوء معا علیه و دعوی أن الوضوء رافع لحدثیته و الغسل تعبدی لیس أولی فی العکس و ظاهر ترتیب الطهارة الکبری أنه حدث أکبر یمنع غیر ما یمنعه الأصغر و مع ذلک فالخروج عن الأصل مشکل بمثل ما ذکرناه و الاحتیاط لا یخفی. نعم لا یجب غسل المس للصوم للأصل و ظاهر الأصحاب و السّیرة القاضیة بتغسیل الأموات نهارا فی أشهر الصیام و الأقوی وجوب غیره للصوم الواجب بل و المندوب و لأن الأصل الاشتراک فی الحکم بین الواجب و المندوب إلا ما أخرجه الدلیل و یدل علی وجوب غسل الجنابة للصوم الواجب الإجماع المنقول بل المحصل و الاحتیاط و السیرة القطعیة

ص: 11

و أَخبار القضاء و القضاء مع الکفارة علی من نام جنباً فبدون النوم یثبت البطلان بالطریق الأولی و خبر (أبی بصیر) الموجب للکفارة علی من أصبح جنبا فی شهر رمضان فما عن (الصدوق) من عدم اشتراطه للصوم استناد الروایات نافیة لوجوبه و فیها حکایة فعل رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (و فی الإصباح جنبا) ضعیف جدا و أخباره محمولة علی التقیّة لمنافاتها لمنصب النبوة و شذوذها بین أصحابنا و یلحق بصوم شهر رمضان قضاؤه و إن اختصّت الروایة به لأصالة المشارکة بین الصومین و لعدم القائل بالفرق ممن یُعتدُّ به، نعم نفی شرطیته جماعة فی الصوم المندوب و هو لا یخلو من قوة إلا أن الاحتیاط و أصالة المشارکة تقتضی بالشرطیة و علی وجوب غسل الحیض للصوم أیضا الاجماعات المنقولة و الاحتیاط و کون حدثه أعظم من حدث الجنابة و روایة (أبی بصیر) الموجبة للقضاء علی من نقت بلیلها و لم تغتسل حتی أصبحت و النفاس حکمه حکم الحیض لأنه حیض فی المعنی کما تدل علیه الأخبار و کلمات الأصحاب وجوب الغسل فی الصوم قبل دخول وقته قضی به الإجماع و ظاهر الأمر بالمضیق فإن الأمر بالمضیق إذا علم أن له مقدمة قبله یقضی بوجوبها و إن لم یتحقق و قد یقال أن الأمر بالمضیق بفرض تقدمه هاهنا علی قدر زمن فعل المقدمة و إن تأخر زمن فعل المأمور به جمعا بین ما دل علی عدم تقدم الخطاب بالمقدمة علی الخطاب بینها و بین ما دل علی أن أول زمان الصوم هو الفجر لکنه علی الوجه الأول لا یشترط فی وجوبها بقاء قدر أدائها من أخر الوقت بل تجب وجوبا موسعا من أول اللّیل و لو لا الإجماع لقلنا بوجوبها قبله بکثیر ما لم تخرج عن کونها مقدمة عرفا فإن تقدم المقدمة علی ذیها فی الزمان الکثیر فما یخرج بها عن سمة الربط و المقدمیة علی الأظهر بخلاف الثانی فإنها لا تجب إلا أن یبقی زمان بقدر أدائها اقتصارا علی مورد الیقین من تقدم الأمر علی المأمور به لخروجه عن ظاهر الخطاب و احتیاجه إلی التکلف لأن ظاهر الخطاب مقارنة الأمر للمأمور به عند دخول الوقت و أما تکلّف الوجُوب النفسی لهذا الغسل کما صنعه العلامة فوراً من لزوم وجوب المقدمة قبل وجوب ذیها أو تکلف تنزیل الواجب علی التوطین علی الغسل کما صنعه (البهائی) فهما ضعیفان لأن الظاهر فی إیجاب

ص: 12

الفقهاء للغسل للصوم أنه واجب غیری له لا نفسی و الظّاهر أنَّ الواجب هو نفس الغسل لا التوطین للنفس علیه علی أن فی وجوب التوطین منع، نعم لو ترکنا ما علیه الفقهاء من وجوب الغسل قبل وجوب الصوم جاز لنا أن نقول أن الغسل مندوب و إن کان لا بد من جهة کونه مقدمة لکنّه یتأدّی به الشرط لأن الشرط وجوده و قد حصل و یجزی فی المقدمات غیر المأمور به عن المأمور کما یظهر فی (ابن إدریس) و لا ینافی ذلک وجوب المشروط لأنّ عدم وجوب المقدمة لا ینافی وجوب ذیها إنما المنافی له المنع عنها و تارک ذی المقدمة لو ترکه لجواز المقدمة عوقب علی ترکه لا علی ترکها و ما بالاختیار لا ینافی الاختیار و لذلک أن النافی لوجوب المقدمة لا یرد علیه خروج الواجب عن کونه واجبا کما تخیل بعض و جاز لنا أیضاً أن ننفی أصل وجوب المقدمة و إن کان الغُسل لا بد منه قضاء لحق الشرطیة و الثمرة فی هذا الکلام کله إنما تظهر علی القول باشتراط نیة الوجه و أما مع القول بعدم اشتراطها فلا ثمرة لأن الغسل فی اللیل مندوب قطعا و هو مجز عن الواجب و لا بد من الإتیان به علی کل حال فلا ثمرة حینئذ إلا فی نذر أو یمین أو فی عقاب و شبهه علی القول بثبوت العقاب علی المقدمات و یجب غسل المستحاضة للصوم للإجماع المنقول و فتوی المشهور و روایة (علی بن مهزیار) الآمرة بقضاء الصوم عند الإخلال بالغسل و هل یتوقف صوم کل یوم علی أفعال نهاره خاصة أو فجره خاصة أو لیلته اللاحقة خاصة أو السابقة خاصة أو اللیلتین معا أو علی أفعال نهاره و لیلته السابقة إن لم تقدم غسل الفجر لیلا إذا جوزنا الفصل بین الصلاة و الغسل فإن قدمت غسل الفجر لیلًا توقف علی أغسال النهار فقط لأجزاء غسل الفجر عنه وجوه أقواها الأخیر لظاهر الروایة فی توقف الصوم علی جمیع الأغسال سوی غسل المستقبل لأن المستقبل إنما وجب بعد مضی الصوم و انعقاده صحیحاً فلا یؤثر فیما تقدمه و لا یتفاوت الحال فی أجزاء غسل الفجر بین أن یکون قبل الفجر أو بعده إذا وقع قبل صلاة الفجر سواء تقدم سببه علی الفجر أم تأخر لأن الغسل لصلاة الفجر و هو نفسه شرط فی الصوم، نعم لو تقدّم سببه فانقطع الدم قبل الفجر کان الأحوط تقدیمه علی الفجر للصوم و یقوی القول بجواز تأخیره إلی إرادة لصلاة فیجزی

ص: 13

الغسل لها عنه مع احتمال أن غسل الانقطاع لو أوجبناه للصلاة لا نوجبه للصوم لعدم ثبوت حدثیة الانقطاع للصوم و عدم ثبوت کونه مانعا و حینئذ فلو انقطع قبل الفجر جاز صومها و إن ترکت الغسل و الصلاة حتی طلعت الشمس لکنهُ مخالف للاحتیاط و هل یجب الغسل لنفسه کما یجب لغیره أم لا؟ و المشهور فی غیر غسل الجنابة العدم بل کأنه مجمع علیه و الأصل قاض به و فی غسل الجنابة قولان أشهرهما و أقواهما العدم للأصل أیضا و لظاهر الآیة الشریفة حیث أن سیاقها یقضی بالوجوب الغیری للصلاة للاهتمام به أکثر من الوجوب النفسی و لمکان عطف (إِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) علی جواب الشرط لقربة أو علی مقدر تقدیره (إذا قمتم من حدث النوم و کنتم محدثین بالأصغر فاغسلوا و أن کنتم جنبا من جهة الاحتلام فاغتسلوا) و یقربه تقدیره فی الصحیح (إذا قمتم من النوم) حتی ادعی إجماعا المفسرین علیه و کونه أقرب للسیاق و عدم التکریر فی قوله تعالی:" أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ*" حیث أنه یراد بهما ما قابل حدث النوم و یکون وجوب الوضوء و الغسل بالمفهوم و لذکر التیمم مرتبا علیهما عند فَقْد الماء و هو واجب لغیره فیشعر السیاق بوجوبهما لغیرهما أیضا و قوله (علیه السلام): (إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة) و قوله (فیمن تغتسل عن الجنابة فجاءها الحیض قد جاءها ما یفسد الصلاة فلا تغتسل) فإن إشعارهُ بالوجوب الغیری لا ینکر و احتمال بیان توسعة الغسل عند مجی ء الحیض أو بیان إفساد الحیض للغسل بعید عن ظاهر الخطاب و قد جاءت أخبار أخری أیضاً دالة علی الأمر بتأخیر غسل الجنابة عمن جاءها الحیض و هی مشعرة بالوجوب الغیری إذ لو کان الغسل واجبا لنفسه لکان الراجح فعله لرجحان البدار إلی الواجب الموسع و کان الأمر بتأخیره مستبعد جدا و دعوی تنزیل الأخبار علی بیان بطلان غسل الجنابة بحدوث الحیض لأنه مانع من رفع الحدث فلا یصح معه الغسل لا نقول به لأنا لا نمنع فی الأحداث الکبریات من رفع أحدها و بقاء الآخر و التداخل فی الأغسال رخصة لا عزیمة و أما ما استدل به القائلون بالوجوب النفسی من إطلاق الأخبار الآمرة بغسل الجنابة کقوله (علیه السلام): (إنما الماء من الماء و إذا التقی الختانان وجب الغسل) فمردودة بحملها علی الوجوب الشرطی

ص: 14

کالأخبار الواردة فی الوضوء و غسل الأخباث بل الظاهر منها ذلک و لو لم یکن إلا فهم الأصحاب منها ذلک و إعراضهم عن الأخذ بظاهرها لکفی فی توهینها و عدم جواز الأخذ بظاهرها و عدم اشتهار الوجوب النفسی و عدم عدّهِ من الواجبات و المحافظة علیه فی الوصایات و النیابة عن الأموات دلیل علی عدمه و کذا ما استدلّوا به من الأمر فی بعض الأخبار بالغسل بعد الجنابة و إن لم یکن وقت مشروط به و بالغسل به قبل النوم کذلک و من الحثّ علیه خوف فواته بالموت محمول علی الاستحباب لا الفرض و الإیجاب لأن الغسل للجنابة مستحبٌ لنفسه و الکون علی الطهارة منه مندوب و کذلک بل الظاهر أنه مندوب لجملة من غایات الوضوء المطلوب منها الطهارة فتحمل علی ذلک الأخبار عن الهداة الأطهار.

بحث فی التیمم

و یجب التیمم بدل المائیة من وضوء أو غُسل عند عدم وجدان الماء أو عدم إمکان استعماله للصلاة الواجبة عند ضیق وقتها فی الأول مُطلقاً و فی الثانی إذا کان راجیا زوال العذر فی وجه قوی و کذا للطواف الواجب علی الأظهر خلافا لمن نفی بدلیته عن الغسل للطواف و لکل مشروط بالطهارة من غسل أو وضوء إذا وجب مضیقاً و لم یکن هنالک ماء أو لم یمکن استعماله لعارض أو مرض أو غیر ذلک و الأقوی أنه یندب لکل ما تندب له الطهارة المائیة من غایة أو سبب فیندب لغایات الوضوء عند عدم التمکن من الماء إذا ندب لها حتی الکون علی الطهارة و التجدید و النوم و جماع الحامل و النوم للجنب و جماع المجنب و ذکر الحائض و یندب لأسباب الوضوء المندوبة من خروج الودی و الرعاف و الضحک فی الصلاة و ما شابهها و یندب لغایات الاغسال الرافعة و المستحبة و غیرهما من أغسال الأوقات و الأمکنة و الأسباب المندوب لها الأغسال من الأفعال و الأحوال کل ذلک لعموم المنزلة المفهومة من الأخبار کقوله (علیه السلام): (یکفیک الصعید عشر سنین) و قوله (علیه السلام): (التراب طهور المسلم و لو إلی عشر حجج) و قوله (علیه السلام): (التیمم أحد الطهورین) و قوله (علیه السلام): (هو بمنزلة الماء) و قوله (علیه السلام): (جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا) و قوله (علیه السلام):

ص: 15

(فإن الله عز و جل جعلهما طهورا الماء و الصعید) و ما ورد من استباحة وطئ الحائض به فغیره بالطریق الأولی و یندب لصلاة الجنازة و لو وجد الماء و لم یخف فوتها للأخبار المطلقة و ظاهر الإجماع المنقول و اشتراط خوف الفوت ذهب کما إلیه الشیخ أحوط و یندب النوم و إن تمکن من الماء فی وجه الأحوط خلافه و منع جمع من أصحابنا وجوبه للصوم بدلا عن جمیع الأغسال و منع جمع آخر من مشروعیته لغیر ما یشترط فیه الطهارة المائیة و یظهر من آخرین اختصاص مشروعیته بالبدلیة عن الوضوء و الغسل فی الصلاة و الطواف دون ما هی شرط فیه من غیرهما و یظهر من آخرین منع التجدید فیه و الکون علی طهارة و من آخرین منع بدلیته عن الأغسال المندوبة أصالة الغیر مستحبة و من آخرین منع بدلیته عن الوضوء المندوب لبعض الأسباب و من آخرین منع استباحة وطئ الحائض به إلی غیر ذلک من کلامهم نقیاً و طاهراً و الأقوی ما ذکرناه و الأحوط الاقتصار فی بدلیته علی الوضوءات و الأغسال المبیحة لما هی شرط فیه من صلاة، و طواف، وصوم و مس کتابة لو وجبت بنذر أو شبهه و کذا قراءة عزائم أو دخول مساجد لو وجبا و هل یجب التیمم للخروج من المسجدین أم لا؟ الأظهر و الأشهر الوجوب خلافا (لابن حمزة) للصحیح أن من نام فاحتلم أو أصابته جنابة فلیتیمم و لا یمر فی المسجد إلا متیمما و لا الاجتیاز للجنب محرماً فیجب التیمُّم لتحلیله هذا إن کان ما یتیمّم به موجودا و إلّا وجب الخروج علیه فورا و لو حصل الماء و نقص الغسل عن زمن الخروج وجب الغسل و إن زاد وجب الخروج و أن تساویا تخیر و هذا التیمم مُبیح لجمیع الغایات لو تبین فقدان الماء لأنه بعد حصوله مبیح قهرا و الظاهر عدم الفرق فی إیجاد التیمم بین أن تکون الجنابة باحتلام أو غیره و بین أن تکون اختیارا أو اضطرارا و بین أن تکون داخل المسجد أو خارج المسجد فدخل ساهیا أو مضطرا أو متعمدا و بین أن یقصر التیمم عن زمن الخروج أو یزید علیه أو یساویه لتنقیح المناط و إلغاء الفارق لعدم تعقل خصوصیة الاحتلام بل و یلحق به حدث الحیض لقوله (علیه السلام) فی المرفوعة و کذلک الحائض إذا اصابها الحیض تفعل کذلک و إن وهَی ضعف سندها إلا أنها مناسبة للمذهب و موافقة للاعتبار من جهة التعظیم

ص: 16

و الاحترام و لتحریم المرور علیها بغیر التیمم و هذا کله فیمن نقت من حیفها و لم تغتسل و أما ما لم تنق منه فالاحوط علیها التیمم لإطلاق المرفوعة و لقربها من الطهارة و إن لم یکن تیممها طهارة لاستمرار الحیض معها و النفاس حکمه حکم الحیض و أما الاستحاضة فالأظهر أنها مع سیلان الدم حکمها حکم الجنب و أما مع الانقطاع فالأحوط التیمُّم أیضاً و اعلم أن طاهر النص یعطی وجوب التیمم للخروج مطلقاً سواء زاد زمن التیمم أو هو و مقدماته علی زمن الخروج أو ساواه أو نقص عنه و لا بأس به اخذ بظاهر النَّص و ترک التفصیل فی کلام الإمام (علیه السلام) بالنسبة إلی مورد النص من الاحتلام و الجنابة مطلقا و أما فی غیر مورد النص فمشکل لتعارض حرمة المرور جنبا و مع حرمة زیادة المکث للتیمم و الحکم بترجیح زیادة اللبث للمرور متیمما علی الخروج بسرعة لا یخلو من إشکال و کذا یقضی ظاهر النص بوجوب التیمم علی من تمکن من الماء و علی من لم یتمکن أما لعدم وجوده أو لتأدیة استعماله إلی تلویث المسجد و نحو ذلک و هو أیضا فی الأول مشکل جدا لأن التیمم طهارة اضطراریة و یقتصر فیها علی مورود الیقین و الفرد المتیقن من الروایة و المنصرف إلیه الإطلاق هو ما إذا لم یوجد الماء أو لم یتمکن من استعماله من جهة خوف التلویث و شبهه خصوصا للمحتلم و شبهه فیبقی من تمکن من استعمال الماء جاریاً علی القواعد الشرعیة و ما ذکره فی المدارک من عدم التسلیم اشتراط صحة التیمُّم بعدم وجود الماء فی غیر تیمُّم لصلاة لعدم دلیل علی ذلک لا یلتفت إلیه من جهة النص و الفتوی و ما ذکر من أن الاحتیاط یقضی بالتیمم مطلقا أیضا لا عبرة به و حینئذ فمن تمکن من الغسل بزمن ینقص زمن غسله أو غسله و مقدماته عن زمن التیمم أو التیمم و مقدماته أو یساوی زمنه زمن التیمم علی نحو ما ذکرنا وجب علیه تقدیم الغسل علی التیمم رجوعا للقواعد المائیة بل لو زاد زمن الغسل علی زمن التیمم بحیث إنه ساوی زمن التیمم و الخروج أو نقص عنهما ساوی زمن الخروج أو زاد علیه کان الأقوی حینئذ وجوب الغسل و أن کون الشهید أنه لا قائل به لأن عدم القول به لا یقضی بالعدم، نعم لو زاد زمن الغسل علی زمن التیمم و الخروج معا قوی القول بوجوب التیمم

ص: 17

فرارا من زیادة الکون جنبا فی المسجد و الحال أن الخروج مأمور به فیقدم الخروج مع التیمم علی الغسل کما أنه یقوی القول بوجوب التیمم للغسل إذا ساوی زمنه زمن الخروج فیکون التیمم مبیحا للمکث زمن الغسل کما أنه یبیح الخرج و المرور.

بحث فی نذر الطهارة

لو نذر الطهارة کفاه الإتیان بالمائیة و کذا الترابیة علی الأظهر بناء علی شمول لفظ الطهارة لها شرعا و عرفا و لکنه لا یخلو من نوع توقف فی انصراف قصد الناذر إلیه و هل یجزی عن النذر الطهارة الواجبة للصلاة أو غیرها فی ما یجب له إذا قصد بها الوفاء لأنها طهارة فیصدق علیها النذور أم لا یجزی لأصالة عدم تداخل الأسباب و ظهور أن المنذور هو غیر ما وجب علیه وجهان أقربهما الثانی و لو نذر أنواع الطهارة وجب النوع المنذور و یجری علیه ما تقدم إلا أنه لا یجب فیها الإتیان بما هو مبیح لصدق اسمها علی الأعم و لو نذر الطهارة فی وقت فصادفه متطهرا وجب نقضها ثمّ الطهارة و لو نذر التیمُّم فی وقت فهل یجب علیه إراقة الماء فیه ثمّ التیمُّم؟ الظاهر العدم لأنه بمنزلة الواجب المشروط بفقد الماء هذا لو قلنا بانعقاد النذر و لو نذر التجدید لکل فریضة وجب ذلک حتی تجدید التیمم لو شرعناه و لو اشتبهت القبلة فصلی أربعاً أو نسی فریضة جدَّد لکل واحدة من المشتبهات و لکل واحد من المأتی بها لتحصیل المنسی و یحتمل سقوط التجدید هنا لانصرافه إلی الفریضة الأصلیة و هی واحدة مشتبهة. نعم لو أوجبنا لناذر التجدید التجدید لأول فریضة وجب علیه الوضوء أولا ثمّ التجدید ثانیا للأربع جمعا و المنسیات کذلک و لو نسی صلاة تعین فی یوم فإن أوجبنا الخمس التیمُّم خمس تیمُّمات تجدیدا لغیر الأولی أو ست تیمُّمات إن أوجبناه للأولی أیضاً و أربع إن أوحینا الثلاث و أوجبناه للأولی و ثلاث إن لم نوجبه و یحتمل الاقتصار علی اثنین فیصلی بالأولی الفجر و الظهرین و المغرب و بالثانی الظهرین و العشائین فیخرج عن العهدة لأنه صَلّی الظُّهر و العصر و المغرب مرّتین بتیمُّمین فإن کانت الغایة أحدها فقد أداها مرتین بتیممین و إن کانت إلغائیتان الفجر و العشاء فقد أدی الفجر بالتیمم الأول و العشاء بالثانی و إن کانت أحدهما من الثلاث و الأخری من الأخیرین فکذلک و کذا لو نسی ثلاث صلوات فی یوم تیمم و صلی الصبح و الظهرین ثمّ تیمَّم و صَلّی الظهر و العصر و المغرب ثمّ تیمم و صلی العصر و المغرب و العشاء و الاحتیاط فی ترک ذلک للشک فی مشروعیة الزیادة.

ص: 18

الماء المطلق و المضاف

الماء مطلق و مضاف و (المطلق) ما تبادر من إطلاق اسم الماء الخالی عن قید علیه و (المضاف) ما لم یتبادر أو ما صح سلب الماء الخالی عن ذلک علیه و التقید فی المطلق بیان لأفراده کماء البحر و النهر و التقید فی المقید بیان لمفهومه أما لکونه قرینة تجوز فی إطلاق اسم الماء و علیه و أما لکونه جزء من الاسم الموضوع فیکون المجموع من المضاف و المضاف إلیه موضوع بالوضع النوعی لأفراد المیاه المضافة و تفید الماء المطلق بالإطلاق لیس تمیزاً المفهوم و لا تقیداً بل توضیحاً لما اقتضاه الإطلاق فمعنی (الماء المطلق) هو الماء الخالی عن التقیُّد و حینئذ فالماء بلا ذکر وصف و الماء المطلق و مطلق الماء کلها معنی واحد و احتمال شمول الأخیر للمیاه المضافة بعید و الماء المطلق بعد العلم بإطلاقه و الشک فی تفسیره لعروض القادح أو قدح لعارض یحکم علیه بالإطلاق جزما قضاء لحق الاستصحاب و أما قبل العلم بإطلاقه کأن حصل الشک فی ماء مطروح هل هو مطلق أو مضاف فلا یحکم علیه بأحدهما مع احتمال أصالة المیاه المطلقة حتی یثبت خلافها و لک أن تقول أن المشکوک فیه کذلک لا یرفع حدثا و لا خبثا و لکنه لا یتنجس إن کان کرا و لا ینجس أیضا فلا تجری جمیع أحکام المطلق و لا جمیع أحکام المضاف و المطلق بجمیع أنواعه طاهر مطهر بالإجماع بقسمیه و الأخبار و قوله تعالی: [مٰاءً طَهُوراً] و قوله تعالی: [لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ] و غیر ذلک و المراد فی الطهور فی الکتاب و السنة هو الطاهر المطهر و الإیراد علی الآیة من جهة دلالتها علی ماء السماء و الدعوی أعم و من کون ماء نکرة فی سیاق الإثبات فلا تعم و من جهة أن (طهور) مأخوذ من فعل لازم فلا یتعدی فیراد منه المبالغ فی طهارته و وصف المطهر به لغیره أمر خارج عن مصداق اللفظ فلا یحکم علیه به مردود بعدم القائل بالفصل أو بأن الماء کله من السماء کما دلت علیه الأخبار فی الأول و بأن النکرة فی سیاق الإثبات و الامتنان تفید العموم فی الثانی و أما الثالث فالجواب عنه أما بان لفظ الطهور یجی ءُ اسماً لما یُتطهّر به کالشحور و الغسول کما نصَّ علیه أهل اللغة و ورد فی کثیر من الاستعمال فإرادته بقرینة المقام أولی من إرادة غیره و یکون بدلا من الماء أو وصفاً علی سبیل التأویل و أما

ص: 19

بإرادة معنی الوصفیة و المبالغة من لفظ الطهور لکن لا علی معنی المبالغة فی الطهارة لعدم قبولها الشدة و الضعف بل علی معنی فعل التطهیر فیکون معنی الطهور هو الطاهر المطهر علی وجه الحقیقة اللغویة أو العرفیة العامة أو المجاز المشهور کما نص علی وروده کذلک أهل اللغة و ورد به الاستعمال الشائع حتی ادعی جماعة من اللغویین و النحویین أن معنی المبالغة هاهنا هی المطهریّة و إن استعماله فی البالغ فی الطهارة نادر علی غیر القیاس کما ورد ریقهُنَّ طهور مع احتمال إرادة الطاهر المطهر هاهنا مبالغة و یدل علی إرادة أحد هذین المعنیین تصفح الأخبار عن الهداة الأبرار و کون الآیة فی سیاق الامتنان و هو مما یناسب إرادة هذین المعنیین و فهم الفقهاء و المفسرین و العلماء و المتبحرین لذلک و قوله تعالی: [لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ] و قوله (علیه السلام): (کان بنو إسرائیل إذا أصابتهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقارض و قد وسع الله علیکم ما بین السماء و الأرض و جعل لکم الماء طهورا) و نسب الشیخ عدم الفرق بین ماء طهور و ماء مطهر إلی أهل اللغة و قد ذکر هذا المعنی أکثر المفسّرین و أهل اللغة و نطق به العرف و الاستعمال الشائع فلا معنی لإنکاره کما نسب (لأبی حنیفة) زاعماً أن فعولًا للمبالغة لا تتعدی و اسم فاعلها" لازم" و أن (طهورا) بمعنی طاهر مبالغة فی الطهارة و هو خطأ مخالف لکلام أهل اللغة و النحو و الاستعمال فی خصوص هذه المادة لاتفاق الکل علی تعدیتها و إن کان علی غیر القیاس و عن (الترمذی) أنه متعد و أن أخذ من فعل لازم و هو من أکابر أهل اللغة و قد ورد أیضا بعض (صیغ المبالغة) متعدیة و اسم فاعلها لازم فی شعر العرب علی أن (طهور) بمعنی طاهر غیر مطرد فلا یُقال (خشب طهور) و (ثوب طهور) و نحو ذلک وَ قد یستدل علی إرادة المطهریة من لفظ الطهور هاهنا أن المبالغة فی الطهارة لا تعقل إلّا بهذا المعنی لعدم تعقل الزیادة و التکرار فیها و لیس هو من باب إثبات اللغة بالترجیح بل هو من باب إثبات المعنی المراد بالأمارات العرفیة کالحمل علی أقرب المجازات و الحمل علی المعنی الظاهر و نحو ذلک و یمکن أن یُراد بلفظ (طهور) المصدریة لأن المصدر منه مضموم و مفتوح و یراد بالمصدر هاهنا معنی المطهریة بقرینة السّیاق و المقام و الآیات الأخر و هو أیضا لا بأس به

ص: 20

إلا أنه معنی مجازی للّفظ غیر مشهور و غیر معروف و الإیراد علی الآیة بإجمال لفظ الطهارة مردود أما بالتزام کون لفظها حقیقة فی رفع الحدث و الخبث معا و أما بالتزام کونه حقیقة فی الأول و لا قائل بالفصل و أما بالتزام کون رفع الخبث أولی بالامتنان و أما بالتزام الملازمة بین رفع الحدث و رفع الخبث و أما بالتزام إرادة المعنی اللغوی و هو شامل لهما.

بحث من طهوریة الماء

اشارة

بعد القول أن الماء طاهر مطهر فهل طهوریته المدلول علیها بالکتاب و السنة قضیّة مُهملة تفید ثبوت المُطهریّة فی الجملة فیتوقف بیان کیفیتها من الاحتیاج إلی العصر و عدمه و علوّ ماء الغُسالة و عدمه و الاکتفاء بالاتصال و عدمه و تعددها فی الاکتفاء بالمرة أو الاحتیاج إلی المرتین و عدمه إلی دلیل یدل علی ذلک فلا یحکم علی الماء بالطهوریة للمتنجس إلا أن یدل دلیل علی کیفیة التطهیر أو أن قضیتها قضیة مطلقة بمنزلة العام فتفید المطهریة علی أی نحو کان و علی طریق لابس المتنجس و بأی فرد کان إلا ما قام الدلیل علی احتیاجه للامتزاج و عدم کفایة الاتصال فیه و احتیاجه للعصر أو احتیاجه للتعدد أو غیر ذلک وجهان أقواهما الأول

بحث: یستوی فی طهوریة الماء جمیع أفراده فی النازل من السماء و النابع من الأرض و المتصاعد من الأبخرة

و المذاب من الثلج و البرد و الواقع علی الأشجار و الزرع فی الظل و ماء البحر و النهر و یستوی فی ذلک الخالص و المخالط لأجسام طاهرة لا تسلبه الإطلاق سواء تغیر بها أم لا فی طین و أشنان و ملح عارضة له أو کانت مصاحبة له ابتداءً کالکبریت و نحوه و یستوی فی ذلک المتغیر بسبب کثرة البقاء فی الأرض أو المتغیر بسبب کثرة الاستعمال و المزاولة ککثیر من ماء الحمامات و کثیر من ماء الحفر التی تکون فی أراضی المیاه و غیر المتغیر و یستوی فی المتغیر تغیر الطعم و الریح و اللون و غیرها کل ذلک لعموم الأدلة و الإجماع بقسمیه.

بحث: الماء حار و محقون و ماء بئر

اشارة

و قد علقت علی لفظ الجاری و لفظ البئر فی الأخبار و کلام الأصحاب أحکام کثیرة سیجی ء بیانها إن شاء الله تعالی و المراد بالجاری علی ما

ص: 21

یظهر الأخبار و کلام الأصحاب معنی یغایر المعنی اللغوی فکأنه حقیقة عرفیة خاصة

فیه و هو کل ماء أتصل بمادة فی الأرض غیر معلوم حصرها عرفاً أنه بئر فلو لم یتصل عادة کالماء الجاری فی غدیر أو فی حوض أو فی السواقی و الدوالی لم یکن منه و کذا ما اتصل عادة فی علو کالمتصل بماء المطر و إن شارکه فی الحکم و کذا ما لم یتصل بمادة أن انقطعت فی أصلها أو انقطع عنها فی زمان یعتد به و کذا ما اتصل بمادة معلوم حصرها و عدم تجدد الماء فیها بعد نقصانه کماء المد و ماء کثیر فی الأراضی بعد فیض الماء علیها عند زیادة الماء إلا فی صورة ما إذا علم عدم نفوذ الماء فی تلک المادة

فی ذلک المحصور بل کان بحیث کلما نقصت المادة تجدد فیها الماء بقدرة

الله تعالی فإن ذلک یکون من الجاری لکنه نادر الوجود و یدخل

فی الجاری کلما اتصل بالمادة اتصالًا ظاهراً أو خفیاً بجذب و جریان

أو من دون جذب و جریان لتساوی السطوح سواء اتصل بها بینبوع أو رشح أو نزیز إلا إذا قل الرشح جداً بحیث کان کالعرق الخفی فإن إدخاله فی الجاری و حکمه لا یخلو من إشکال و لو کان اتصاله بالتقاطر فإن کان متتالیاً فهو من الجاری و إن کان بینها فواصل معتد بها فهو فی حال اتصال القطرة من الجاری و فی حال انفصالها

لیس منه و ماء البئر هو کل ماء متصل بمادة یسمی محله

بئراً و سیجی ء أحکامها إن شاء الله تعالی

و یقع الکلام فی الجاری فی مقامات.

أحدها: لا ینجس الجاری إلا إذا تغیر الماء عن طبیعته الخلقیة بنجاسة حلت فیه

تغیراً لونیاً أو طعمیاً أو ریحیاً و هو معنی قولهم إذا تغیر لونه أو طعمه أو ریحه لأن الماء لا ریح له بل و لا لون و طعمه لیس کسائر الطعوم و یدل علی نجاسته بذلک الإجماع بقسمیه و الأخبار العامة و الخاصة المعتبرة و المنجبرة بفتاوی الأصحاب و عملهم من غیر مخالف یعتد به.

ثانیها: لا یشترط فی تنجیسه بالتغیر أن یکون التغیر بنفس لون النجاسة أو طعمها أو ریحها

بل لو أحدثت لوناً آخر أو طعما آخر و ریحا آخر جری علیه

ص: 22

الحکم و کذا لو اجتمعت عدة نجاسات ذوات ألوان فأحدثت لونا آخر کان الماء من المتغیر بالنجاسة.

ثالثها: لا عبرة بتغیر الماء بغیر الثلاثة المتقدمة

من الأوصاف من برودة و سخونة و خفة و ثقل و غیر ذلک اقتصاراً علی المتیقن فی الأخبار بعد إحراز أصل الطهارة و حملا لما دل علی التّنجیس بالتغیّر علی ما دل علی خصوص هذه مطلقاً أو علی سبیل الحصر حملا للمطلق علی المقید و العام علی الخاص.

رابعها: لا عبرة بالتغیّر الناشئ من المجاورة

لظهور أخبار المُتغیّر فی حلول المغیر فی الماء و هو المقتضی الأفعال دون مجاورته له.

خامسها: لو وقع فی الماء نجس لا وصف له و لم یستهلک الماء و لا غیّره من الإطلاق إلی الإضافة

لم ینجّس الماء و لو کان بحیث لو قدر له وصفا لغیره للإجماع المنقول و للأصل السالم عن معارضة أخبار التغیر لظهورها فی التغیر الحسی و الأقوی إلحاق مسلوب الوصف بعده إن وجده مما لا وصف له لما قدمناه من الأصل و اختصاص أخبار التغیر بالتغیر الحسّی و للشکّ فی قاهریة النجس للماء ما دام خالٍ عن الوصف لقوة احتمال أن مقهوریة الماء إنما تدور مدار واجد لصفة دون فاقدها فلا یلزم من مقهوریة الماء بالنجس عند اتصافه بوصف فعلا یخالف الماء مقهوریته عند خلوه من ذلک الوصف إذا کان بحیث لو اتصف به لقهره علی أنا لا نسلم الملازمة بین مقهوریة الماء و تنجیسه لدوران التنجیس مدار الوصف دون المقهوریة و ما یظهر من بعض الأخبار من اعتبار المقهوریة منزل علی المقهوریة الخاصة و الغلبة الخاصة و دعوی أن المقهوریة و الغلبة واقعیان و الوصف دلیل علیها فلو قطع بحصول الوصف عند تقدیره لحصلتا معاً و هما المقتضیان للتنجیس غیر مسموعة بعد ما قدمنا من منع الصُّغری و الکبری.

سادسها: علی القول بالتقدیر فی مسلوب الصفة فهل یقدّر الوصف الذی علیه کان سابقا

أو یقدر الوصف الأشد للاحتیاط أو الأضعف للأصل أو الوسط لأغلبیته و لانصراف التقدیر إلیه وجوه أوجهها الأخیر و کذا الکلام فی فاقدها ابتداء و هل یحتاج

ص: 23

إلی تقدیر وصف الماء خفة وصفاء و طعما و أضدادهما مما یختلف باختلافه تأثیر وصف النّجاسة أم لا یحتاج؟ وجهان أقواهما عدم الاحتیاج علی ذلک التقدیر.

سابعها: لو تغیر الماء یوصف المتنجس اللّاحق له لذاته أو لطرو مُغیّر ظاهر له لم ینجس الماء

للأصل السالم عن معارضة ما یصلح أن یکون شاملا لهذا التغیر لظهور أدلة التغیر فی المتغیر بالنجاسة و کذا لو استند التغیر إلیهما بحیث کان کل منهما جزء تسبب فی التغیر، نعم لو کان بحیث لو انفرد کان مُغیّراً أو کان الماء علی صفة عین النجاسة کما وقع فیه دم و کان أحمرا بصفته الأصلیة کبعض المیاه الکبریتیة أو عارضیة کالمخلوط بدبس أو خل أحمر و کان لو لا صفته لتغیّر بالنجاسة فإنه یحکم علیه بالتنجیس لحصول التأثیر بالنجاسة حساً و إن منع من ظهورها مانع.

ثامنها: لو تغیر الماء بالمتغیر بوصف النجاسة الواقعة فیه

فإن صاحب المتغیر نفس النجاسة نجس المتغیر به و إن لم نصاحبه نفس النجاسة احتمل تنجسه به لإطلاق روایات التنجیس بالتغیر و لإطلاق کثیر من الأصحاب الحکم بنجاسة المُتغیّر بالمتغیر و لحکمهم بنجاسة البئر المتغیرة بماء البالوعة المتغیر بالنجاسة و لحکمهم بتطهیر المتغیر بإلقاء کُرّ فکرّ علیه دفعة حتی یزول تغیره و لو لا نجاسة التغیر بالمتغیر لکفی الکُرّ الأوّل لعدم انفعاله حینئذ و عدم تنجّسه و إن شاعت أجزاؤه فی المتغیر فیطهّر المتغیر الأول بعد زوال تغیّره أیضاً لعدم حلول النجاسة فیه و قد لاقاه کُرّ طاهر بعد زوال النجاسة و التغیر منه بل و قبل زوال التّغیر أو من البعید وجود ماء واحد طاهر و نجس فی مکان واحد مختلط و لصدق أن الماء قد تغیّر بالنجاسة علیه و لأن نجاسة المُتغیّر بحلول النّجاسة فیه إنما هی بالمُتغیّر الملاقی للنجاسة لان الجزء الملاقی للنجاسة غیر الجزء الذی یلیه و الذی یلیه غیر ما یلیه و هکذا فیلزم من ذلک تنجس کل متغیر بالمتغیر و هو المطلق و احتمل عدمه و بقاؤه علی الطهارة للأصل و العمومات السالم عن المعارض سوی إطلاقات أدلة انفعال الماء بالتغیر و هی ظاهرة بالتّغیّر بعین النجاسة لا بالمتنجّس بها و إن کان التغیر لوصفها و کذا إطلاق کلام الفقهاء أیضاً ینزل علی ذلک سوی کلام من ذهب إلی أن التغیر بالمتنجّس من جهة وصفهِ اللازم أو العارض له منجس فإنه لا یمکن

ص: 24

تنزیله و لکنا لا نقول به و أما حکم الفقهاء بنجاسة البئر بالماء المتغیر فالظاهر منه أنه لحلول عین النجاسة فیه کما هو الغالب فی البالوعة و مع عدم حلولها فیه لا نقول به و أما حکمهم بتطهیر المتغیر بإلقاء کر فکر علیه حتی یزول تغیره فهو أما مبنی علی حالة بقاء عین النجاسة فی الماء المتغیر أولا أو علی أن أجزاء الأول عند شیوعها فی الثانی زال حکم الطهوریة منها قضاء لحق الإشاعة لا من جهة التغیر بالمتغیّر علی أنا یمکن أن نقول ببقاء طهوریّته و بقاء نجاسة المتغیر الأول حتی یزول التغیر عنهما فیطهر الأول و یکون المجموع طاهر و یمکن أن نقول بتطهیره الأول أیضا و أن بقی وصف التغیر إذا ارتفعت عین النجاسة منه و لا بأس به لما دل علی أن الماء طهور و أما الحکم بصحة إطلاق التغیر بالنجاسة علیه فممنوع و کذا الحکم بتنجّس المُتغیّر عند حلول النجاسة فیه من جهة تغیره بالمتغیر الملاقی فإنه ممنوع و إنما نحکم بتنجیسه من جهة أنه ماء تغیر بعین النجاسة الحالة فیه و کل ماء تغیر بذلک فهو نجس من غیر حاجة إلی معرفة أن هذا التغیر کان بنفس تلک النجاسة أو بالمتغیر بها.

تاسعها: لا یشترط فی الجاری کریة نفس و لا کریة مادته و لا کریّتهما

علی الأظهر الأشهر للأخبار الدالة علی طهوریة الماء مطلقاً و الدالة علی طهوریته ما لم یتغیر و الدالة علی طهوریة الجاری خصوصاً و الدالة علی طهوریة ذی المادة و أنه لا یفسده شی ء لأن له مادة و الأخبار الدالة علی طهوریة ماء الحمام لأنه بمنزلة الجاری و لأن له مادة و الأخبار النافیة للباس عن الماء الجاری یبال فیه و للإجماع المنقول و الشهرة المحصلة نعم لو علم انحصار المادة و عدم کونها مما تتجدد بنقصان الماء کان حکم هذا الماء حکم المحقون فإن بلغ هو کرا أو هو و مادته و کان بینهما اتصال عرفی لا کاتصال الرشح و العرق کان طهورا و إلا کان کالماء القلیل تنجس بالملاقاة و اشترط العلامة کریة الماء الجاری بنفسه أو هو و مادته إذا کان بینهما اتصال عرفی لعموم الأدلة الدالة علی انفعال ما لم یبلغ کرا و الأدلة الدالة علی انفعال الماء القلیل بالملاقاة و هو مردود أولا بمنع العموم فی أدلة انفعال الماء القلیل سوی عموم المفهوم الناشئ من قولهم (علیهم السلام): (إذا کان الماء قدر کر لم یحمل خبثاً) و هو ضعیف لا یقاوم تلک الأدلة

ص: 25

علی أن فی عمومه نظر و تأمل سیما فی هذا المقام الظاهر فی عدم إرادة العموم لابتنائه علی جواب السؤال عن الماء الکائن فی أرض الحجاز و هی فی الأغلب غیر جاریة بل إما میاه غدران أو أوانی و شبههما و السؤال و إن لم یخصص الجواب لکنه یوهن عمومه فی أمثال هذه المقامات و ثانیاً أن بین عمومه و عموم أدلة طهارة الماء مطلقاً (عموم مطلق) و شرط التخصیص المقاومة و بینه و بین أدلة الجاری عموم من وجه و یجب الأخذ فیه بالرّاجح عند التّعارض و لا شک أن أدلة الجاری أرجح لاعتضادها بما تقوی به علیه و کذا بینها و بین ما دل علی طهوریة ذی المادة و المناقشة فی الروایة لمعلله لعدم فساد الماء بکونه له مادة بأن التعلیل لیس له بل لطیب الماء طعماً و ریحاً کالمناقشة فی الأخبار النافیة للیأس عن البول لا فی الماء الجاری بأنه لرفع الکراهة لا لبیان الطهوریة ضعیفتان لا یلتفت إلیهما.

عاشرها: لو جری ماء البئر علی وجه الأرض أو جرت الآبار بعضا علی بعض کأن کان لها جاذب یجذبها من الأسفل کان من الجاری

و لا یلحقها حکم البئر علی الأظهر.

حادی عشرها: إذا تغیر بعض الماء الجاری دون بعض فله صور.

أحدها: أن تکون سطوحه متساویة

و لا یقطع التغیر عموم الماء فلا شک فی نجاسة المُتغیّر و طهارة غیره و لو کان دون الکُر علی المختار.

الثانیة: المصورة بحالها

و کأن المتغیر قاطعها عمود الماء عرضا و عمقا و کان المنحدر عن المتغیّر کُراً و المتصل بالمادة کذلک و لا شک أیضا بنجاسة المُتغیّر و طهارة الفوق و التحت و کذا لو کان المُتّصل بالمادة دون الکُر علی المختار بل حتی علی کلام (العلامة) علی وجه و هو أن المتصل بالمادة أعلی بالقوة فلا ینفعل بما تحته من التغیر و هو ضعیف.

الثالثة: الصورة بحالها إلا أن ما تحت الماء المتغیر دون الکر

و الظاهر بنجاسته و اتصاله بالمتغیر المتّصل بالمُتّصل بالمادة غیر مجد لأن المتغیّر قد اسقط الشارع اعتباره فلا یؤثر الاعتصام و ناقش بذلک بعضهم لصدق أنه ماء متصل بالمادة فلا ینفعل و لا أقل

ص: 26

من الشکّ و الأصل الطهارة و فیه أنه ماء قلیل لاقی نجسا فالأصل متنجّسه ما لم یقطع باعتصامه و لا قطع عند قطع المُتغیّر عمود الماء.

الرابعة: أن تختلف السطوح و کان الماء منحدرا

و کان قدر الکر مستوی السطوح و لا یقطع التغیر عمود الماء و لا شک فی طهارة غیر المتغیّر.

الخامسة: الصورة بحالها و کان ما وراء المتغیّر و المتغیر أعلی مما اتصل بالمادة

و هذا حکم مبنی علی صحة اعتصام الأعلی بالأسفل.

السادسة: الصورة بحالها و کان ما وراء المتغیّر فقط أعلی مما تقدم

و الظاهر هنا طهارته إلا علی القول بانفعال الأعلی من الأسفل.

السابعة: أن یقطع المتغیر عمود الماء و السُّطوح مختلفة و کان المنحدر کُرّاً و ما فوق المتغیّر کذلک

فلا شک فی الطهارة إذا تساوت سطوح قدر الکر.

الثامنة: الصورة بحالها و لکن کان کل من المنحدر و ما فوقه أقل من الکر

و الظاهر هنا طهارة ما فوق و نجاسة المنحدر.

التاسعة: الصورة بحالها و لکن کان المنحدر أعلی من النجاسة

و هذه مبنیة علی الفعال الأعلی بما تحته.

العاشرة: أن یکون الکرّ بنفسه غیر متساوی السطوح

و هذه مبنیة علی أن تساوی السطوح شرط فی اعتصام الکر أو لیس بشرط و سیجی ء إن شاء الله تعالی بیانه فإن بینا علی أن تساوی السطوح شرط تنجس الکر الغیر المستوی السطوح و إلا فلا و لا نرید الغیر المتساوی هو کل منحدر من الماء لاجتماع صفة الانحدار مع تساوی السطوح عرفا بل مع کونه أعلی و لو کان کل منحدر من الماء غیر متساوی السطوح للزم تنجیس الأنهار الکبار و القنوات بملاقاة شی ء من النجاسة فی صدرها لعدم اعتصامها بالمنحدر عنها فکُلّما ینحدر یکون نجسا حینئذ ما دامت النجاسة باقیة فی صدرها بل و عند زوالها هذا فی غیر الجاری و فی الجاری أیضا علی ما ذهب إلیه العلامة (رحمه الله) لعدم خروج کر دفعة یُطهّر ما بعده غالبا بل کلّما یخرج ینجس بما بعده و هکذا.

ص: 27

حادی عشرها: یطهر الجاری بزوال التغیر عنه لکفایة الاتصال علی الأظهر

لعموم أدلة طهوریة الماء و خصوص قوله (علیه السلام): (ماء النهر یطهر بعضه بعضاً) و لأنّ الاتصال هاهنا بمعنی الامتزاج لأن کل جزء من النجس یلاقی الطاهر أما أن نحکم بطهارته و هکذا فیثبت المطلوب أو یبقی نجسا و لا معنی له لامتزاجه بآخر جزء من الطاهر و المفروض أن الامتزاج مطهر أو ینجس الطاهر و هو لا نقول به لأن ما له مادة لا ینجس و اشترط بعضهم الامتزاج أما الاشتراط فی التطهیر مطلقاً أو لاشتراطه هاهنا من جهة انخفاض المادة لأن الاتصال کافٍ مع علو المادة أو مساواتها و هو ضعیف لمساواة ما علی من المادة له و لصدق الماء الواحد عرفا علیه و لأن الاتصال کاف مطلقا بعد صیرورة الماءین ماء واحد عرفا و علی ما ذهب إلیه العلامة (رحمه الله) من اشتراط الکریة لا بد فی تطهیر الجاری عند زوال تغیّره من بقاء کُر طاهر غیر متغیر ابتداء یمازج ما تنجس أومن إلقاء کُر من خارج علیه فیمتزج معه و بدون ذلک لا یطهر لأن کلما خرج من المادة تدریجاً دون الکر یتنجس بالماء النجس و هکذا فیبقی علی النجاسة بدون احد الأمرین المتقدمین و کما لا یشترط الامتزاج لا یشترط التدافع من المادة علیه و اغلبیته له لعموم الأدلة و لو اتصل ماء واقف بماء جارٍ اعتصم به و إن کان نجسا بالغیر متغیر طهّرهُ و لا حاجة إلی الامتزاج إن کان الاتصال علی سبیل تساوی السطوح أو انحدار الواقف و إن کان الواقف أعلی فإن عُدّ ماء واحد عرفا فکذلک و إلا فالأظهر عدم اعتصامه به و عدم تطهیره به لعموم أدلة نجاسة الماء القلیل فی الأول و لاستصحاب النجاسة فی الثانی کما أن العالی لا ینجس بالسافل و لا ینفعل به للأصل و الاستصحاب.

بحث ورد فی کثیر من الأخبار أن ماء الحمام سبیله سبیل الجاری إذا کان له مادة

اشارة

و أنه لا باس بِهِ إذا کانت له مادة و ورد أنه کماء النهر یُطهّر بعضه بعضاً و ورد أنه لا ینجسه شی ء و ورد أنه طهور بعد السؤال عن اغتسال من لا یعرف أنه یهودی أو نصرانی به و الجنب من غیر الجنب و ورد نفی البأس عن مائه بعد استعمال الجنب له و مساورته له

ص: 28

و اغتساله فیه و غیر ذلک و جاء فی جملة من کلام الأصحاب أیضا إن ماء الحمَّام کماء الجاری إذا کان له مادة و یراد بالحمام فی الأخبار و فی کلام الأخیار هو ما نُسمّی حماما عرفا سواء جمع جمیع الأماکن المعلومة له من المسلخ و النورخانة و الحوض الکبیر و البیت الداخل و البیوت الصغار و الخزانة و بیتها و الحیاض الکبار المتوسطة و الحوض الصغیر و غیر ذلک أو نقص عن ذلک إلی أن ینتهی إلی حوض الماء المسخن و البیت المشتمل علیه للجلوس و إزالة الوسخ و سواء کان مبنیا فی دار أو فی محله مستقل بنفسه أو کان محمولًا کما تحمله العظام من الأمراء و المراد بمائه کما یظهر من النص إطلاقا و الفتوی نصّاً هو الماء الکائن فی الحیاض الصغار لا الماء المرشوش فی الأرض و لا ماء الغسالة المجتمع فی الجیة و لا الماء البارد الکائن فی المجرز و لا الماء الحار المستمد منه الماء إلی الحیاض الصغار لانصراف الإطلاق إلی ذلک و لقضاء قرائن السؤال و الجواب بذلک و کذا التعلیل بالمادة و تشبیههِ بالجاری و فی بعض الأخبار دلالة علی ذلک أیضا فما تشعر به الأخبار من إرادة ماء أرضه أو الماء من المتقاطر ممن اغتسل فیه أو غیر ذلک لا یصلح لمعارضة ما ذکرنا، نعم قد یقوی بشموله للحوض الکبیر و یکون التساؤل عنه من جهة کثرة تردد الناس إلیه و کثرة استعمال المجنبین له و کثرة حلول الأوساخ فیه و إن کان فی الأغلب یبلغ کُرّاً فما فوق و لکن تعلیله بالمادة و تشبیهه بالجاری مما یبعد ذلک لانقطاع الحوض الکبیر عن مادته غالبا کما تراه الیوم و مقتضی التعلیل بالمادة و شبیهه بالجاری أن الحکم بذلک مخصوص بحال اتصال ماء الحیاض الصغار بالمادة فلو انقطع عنها کان حکمه حکم الماء القلیل ثمّ أنه بعد ذلک فهل یشترط فی طهوریة ماء الحیاض عند اتصالها بالمادة کریة المادة أو یکفی کریة المجموع أو یکفی مسمی المادة و أن نقص المجموع منها و من ماء الحیاض عن الکریة و علی أی تقدیر فهل یشترط استواء السطوح بین المادة و بین ماء الحیاض أو لا یشترط ذلک بل یکفی کونها أعلی تسریحیا أو تسنیمیا بل و کونها أسفل وجوه و احتمالات و فی کثیر منها أقوال أقواها کفایة بلوغ المجموع کُرّاً إذا تساوت السطوح أو کانت المادة أعلی تسنیمیاً أو تسریحیاً لعموم أدلة طهوریة الماء و خصوص أدلة طهوریة ماء الحمام السالمة عن

ص: 29

معارضة أدلة انفعال ماء القلیل مفهوماً و منطوقاً لضعفها أو لا عن مقاومتها بعد أن کان بینها عموم من وجه و یجب فیه تقدیم الراجح و لعدم شمولها للبالغ کُرّاً عند اجتماعه مع المادة لصدق الکُریّة علیه عرفا و احتمال عدم صدق الکُریّة علیه باعتبار تعدّد محلّه و شرط الکُرّ فی عدم الانفعال وحدة الماء و عدم صدق إنهما ماء ان عرفا ضعیف لأنه مع تساوی السطوح لا شبهة فی کونه ماء واحداً عرفاً و مع علوّ المادة فهو إما کذلک سیَّما فی التسریحی أو أقوی من ذلک لاعتصام السافل بالعالی و قوة العالی علیه فیشکُّ فی شمول أدلة انفعال الماء القلیل المجتمع علی ذلک النحو لانصراف المفهوم فی أخبار الکُرّ لغیر المجتمع مطلقاً و موردها أیضا المیاه المتفرقة فی الأوانی و الحیاض الغیر البالغة ذلک و لو لا الشک فی اعتصام العالی بالسافل و فی قوته به لقلنا بعدم انفعال العالی إذا بلغ مع السافل کرا أو لقلنا بعدم تنجیس العالی القلیل إذا کان متصلا بالجاری و شبهه علی نحو المساواة أو علی نحو علو الواقف علیه بل و لقلنا بتطهیر السافل للعالی المتنجس إذا اتصل به علی أی نحو من أنحاء الاتصال و لکنا لا نقول ذلک لأن السافل لا یعصم العالی و لا ینفعل العالی به و ذهب جمع من أصحابنا منهم المحقق إلی کفایة الاتصال بالمادة فی عدم الانفعال و لو لم یبلغ مجموع ماء المادة و الحیاض کرا تمسکا بعموم أدلة طهوریة ماء الحمام إذا کانت له مادة و بإطلاقات الأصحاب لذلک أیضا و فیه أن الأدلة بینهما عموم من وجه و الترجیح بجانب أدلة انفعال القلیل لقوتها بفتوی المشهور و عمل الجمهور و الاحتیاط و ظهور ماء الحمام فی البالغ کرا فما زاد لندرة الناقص عن کُرّ إطلاقا و مصداقا و أطلق کثیر من المتأخرین اشتراط کریّة المادة حین اتصالها بالحیاض لملاقیه للنجاسة استنادا لعدم وحدة الماء و تعدده فلا یعتصم الحوض الصغیر إلا بالکُر و فیه أن ذلک مع تساوی السُّطوح لا معنی له لاکتفاء جملة منهم فی غیر الحمام لبلوغها کُرّاً باستواء سطوح المیاه إذا تعدّدت محالّها فإن لم یکن الحمّام أخف فلا یکون اشد و فی مختلف السطوح بتسنم و انحدار و أن أمکن المیل إلیه لشبهة إنهما ماء ان عرفا لکن لا نرتضیه أیضا لان الأقوی کونهما ماء واحداً عرفا فیعتصم السافل بالعالی مطاقا لضعفه و قوّة العالی علیه بل و یعتصم

ص: 30

مطلقاً لو لا ضعف السافل فیقع الأشکال من جهته و یحصل الشک فیما إذا تنجس العالی فی اعتصامه بالسافل للشک فی دخوله تحت إطلاق الکُر المحکوم بطهارته لعدم العموم المحقق بأن کل کر علی أی نحو من أنحاء الوضع و أنحاء الملاقاة لم یحمل خبثاً و یمکن حمل کلام کثیر منهم علی خصوص العالی بتسنم کما هو الغالب فی ماء الحمام فیهون الأمر أو یحمل علی اشتراط الکریّة فی الرفع عند نجاسة الحیاض دون الدفع أو یحمل اشتراطها علی المحافظة علی عدم النقصان عن الکر من المجموع منها و من الحیاض الصّغار.

فوائد

أحدها: لو شک ببلوغ مجموع ماء المادة و الحیاض الکریّة أو شک فی کریّة المادة

بناء علی اشتراطها فالأظهر أنه إن علم الحالة المتقدمة استصحبها سواء قضت بتطهیر أو تنجیس و استصحاب الموضوع حاکم علی أصل الطهارة عند الشکّ و أن لم یعلم حالته الأولیة فالأظهر الحکم هنا بالکریة عملا بالظاهر المعتضد بأصل الطهارة و بعمل المسلمین لاستعمالهم ذلک من غیر سؤال عن المادة و اختبار لها من أحد و یکون الحمام ممتازا من غیره بهذه الخصوصیة للزوم السؤال فی غیره تحکیما لأصالة عدم الکریة حتی فی الماء المشکوک به ابتداء الغیر المعلوم حاله سابقاً و تحمل الخصوصیة فی الأخبار علی ذلک و لا یتفاوت الحال بین الشک بالکریّة حالة الاتصال بالمادة أو حالة الانقطاع و تنجیس الحوض الصغیر للسیرة و عمل المسلمین.

ثانیها: تثبت الکُریّة عند الشک بشاهدین أو شاهد واحد

علی الأظهر مع العدالة فی الکل و تثبت بقول صاحب الحمام لأنه ذو ید.

ثالثها: إذا تنجّسَ الحوض الصغیر کفی اتصاله بالمادة

إذا کانت کرا أو کان مشکوکا بکریتها مع العلم بها سابقا أو مطلقا علی الأظهر و علیه عمل المسلمین فی جمیع الأعصار و الأمصار و لو علم بعدم بلوغها الکریة لم تؤثر تطهیرا.

ص: 31

رابعها: یکفی فی التطهیر نفس الاتصال

و لا یشترط الممازجة و لا الإلقاء دفعة کما فی غیر الحمام من المیاه عند تطهیرها و تخیل بعضهم أن للحمام هاهنا خصوصیة بعدم اشتراط ذلک و لیس کذلک.

خامسها: لا یشترط زیادة المادة علی الکُرّ عند اتصالها بالحیاض فی دفعه النجاسة عند الملاقاة

و لا فی رفعها للنجاسة بعد حصولها بملاقاة الحوض الصغیر لها لعموم طهوریة الماء کتاباً و سنة و لصیرورة الجمیع ماءً واحداً أو لأن ممازجة المتصل لما اتصل به و هکذا ما اتصل به ممازج للذی بعده و هکذا فاشتراط بعضهم فی الرفع زیادة المادة علی ما یحصل به الامتزاج مع ماء الحوض الصغیر أو زیادتها علی ما یحصل به الاتصال معه أو زیادتها بمقدار ما فی الساقیة و ما بعدها إلی أن یتصل بالحوض ضعیف مبنی علی ضعیف.

بحث فی النجاسة ما دون الکر

اشارة

یُنجّس ما دون الکر بملاقاة النجاسة للإجماع المنقول و الشهرة المحصّلة بل ربما یدعی الإجماع المحصل و خصوص الإجماع المنقول علی نجاسة سؤر الیهودی و النصرانی و الإجماع علی غسل الإناء من الولوغ ثلاثا فإنهما بإطلاقهما شاملان لما إذا کان المائع ماء أو غیره و الإجماع المنقول علی نجاسة ما یغتسل به الجنب إذا کانت علی بدنه نجاسة و الإجماع المنقول علی سبب الطهوریة عن الماء المزیل للنجاسة و للأخبار المتواترة معنی فی الدلالة علی التّنجیس لدلالة کل جزء منها علی معنی یلزمه التنجیس لما نفهم شرعا من لزوم وصف النجاسة لتلک الآثار کالنهی عن الوضوء فیه و الأمر بغسل الإناء من سُؤر الکلب فی روایة و الأمر بغسله منه فی اخری و الأمر بغسله لسبع فیما شرب منه الخنزیر فی ثالثة و نهیه عن الوضوء من ماء قطرت فیه قطرة من رعاف فی رابعة و تقیده بما إذا کانت الید نظیفة للأخذ من الماء القلیل فی الساقیة فی خامسة و نفی الباس عن إدخال الیدین فی الإناء قبل غسلها إذا لم یصب یده شی ء فی سادسه و الأمر یکفی الإناء إذا أدخلت فیه الید القذرة فی سابعه و تشبیه ماء الحمام بالجاری فیفهم منه أن غیر الجاری ینفعل فی ثامنه و تعلیله بأن له مادة فیفهم أن منه ماء لا مادة له ینفعل

ص: 32

بالملاقاة فی تاسعه و النهی عن سؤر الیهودی و النصرانی فی عاشره و نقی الیاس عن إدخال الید فی الإناء إذا لم یصبها منی فی حادیة عشر و النهی عن الوضوء فی ماء قد شرب منه طرفی منقاره دم فی ثانیة عشر و الأمر بإعادة الوضوء و غسل الثیاب لمن تَوضّأ بماء قد وقعت فیه فارة فماتت فی ثالثة عشر و الأمر باهراق الماء لمن أدخل یده فی إناء و فیها منیّ أو بول فی رابعة عشر و الأمر بالإهراق لمن أدخل اصبعه فی رکوة و کانت قذرة فی خامسة عشر و الأمر بإهراق الماء فی ولوغ الکلب فی سادسة عشر و الأمر بصبه فی سابعة عشر و الحکم بتنجیس الحب من النبیذ فی ثامنة عشر و الأمر بإهراق الحب إذا قطرت فیه قطرة من مسکر فی تاسعة عشر و بیان عدم صلوحیة ماء الحب للشرب و الوضوء إذا وقع فیه واقة بول فی العشرین و الأمر بإهراق الماء و التیمُّم عند سقوط قذر فی إحدی الإناءین فی الواحد و العشرین و غیر ذلک من الأخبار المتضمنة لحکم التنجیس بالملازمة الشرعیة و لا قائل بالفرق بین أنواع النجاسات لأن العاصم للماء القلیل عاصم له بجمیع أنواعه من کل النحاسات علی أن فی جملة منها ترک الاستفصال و ترک التفصیل فی مقام البیان و هو یفید العموم إلا أن فی شمولها للکیفیة فی التنجیس من ورود النجاسة علی الماء أو وروده علیها محل بحث و تأمل و للأخبار الدالة علی عدم انفعال الماء بالنجاسة و الخبث إذا بلغ کُرّاً فإنها تقضی بمفهومها نجاسة الأقل من کُرّ و تحمله الخبث و هی معتبرة حتی ادعی تواترها و مستفیضة قطعاً و معمول علیها بین الطائفة و موافقة للاحتیاط و المناقشة فیها بعدم حجیة المفهوم مطلقاً أو عدم حجیته إذا احتملت فائدة أخری غیره و هی هنا محتملة لاحتمال أن التنصیص علی الکر لکونه أقوی فی رفع القذارة عن التغیر بها و عن سلب الإطلاق عن مائه عند مخالطته لها أو غیر ذلک أو عدم عموم المفهوم فیکفی فیه السلب الجزئی أو عدم عمومه لعدم عموم منطوقه أما لعدم عموم السؤر فیه أو عدم عموم الکر فیه أو لعدم عموم جواب الشرط بالنسبة إلی الخبث أو لعدم عموم الخبث المقدر فی المفهوم لأنه نقیض عموم المنطوق فیکفی فیه ثبوت طبیعة الخبث أو عدم ثبوت إرادة المعنی الشرعی من لفظ النجاسة و الخبث فلعل المراد المعنی اللغوی ضعیفة جدا لأن الظاهر من

ص: 33

الأخبار و من قرائن السؤال و الجواب ضبط قاعدة کلیة فیما لا ینفعل من المیاه لأن فیها سألته عن قدر الماء الذی لا ینجسه شی ء؟ فاجاب بأنه کر و المأتی به فی مقام القاعدة و البیان یقضی بالعموم و إن کان من سور الإهمال علی أن ترک التفصیل فی جملة منها مما یقضی بالعموم و إلا لزم الاغراء بالجهل و لأن حمل الماء علی معین ترجیح من دون مرجح و حمله علی واحد ما یعود باللغو علی کلام الحکیم فلیس إلّا الحمل علی الطبیعة المفیدة للعموم و دعوی انصراف لفظ الماء للمسئول عنه فی بعض الأخبار کمیاه الغدران فتکون اللام للعهد لا وجه لها لخلو أکثر الأخبار عن السؤال عن ذلک و لظهور ما فیه السؤال بإرادة بیان ضبط قانون الأصل حکم الماء لا للماء المسئول عنه فقط و لأن لفظ ینجّسه و خبثاً فکرة فی سیاق النفی فتفید العموم و لأن الظاهر منهما المعنی الشرعی فی لسان الأئمة (علیهم السلام) لثبوت کون النجاسة حقیقة شرعیة فی ذلک الزمان و کون المحتاج إلی البیان هو الخبث الشرعی و هو النجاسة دون المعنی اللغوی و لثبوت حجیة المفهوم و لأن احتمال المفهوم الفائدة لا تسقطه عن الحجیة و إلا لبطل المفهوم رأساً نعم طهورها مسقط و هو هاهنا ممنوع و لثبوت عموم المفهوم عرفا کما حقق فی الأصول و لثبوت عمومه علی نحو عموم المنطوق فی الشرط و لثبوت عموم الخبث بالمفهوم فی جهة عدم القول بالفعل إلا بالنسبة للفرق بین الورودین کما یأتی إن شاء الله تعالی أو من جهة فهم أن الکر علة فی التطهیر وجوداً و عدماً أو من جهة فهم عموم لفظ الخبث فیه کما هو فی المنطوق للمقابلة فی مقام البیان فظهر ضعف ما أورد علی الروایة مفهوما و منطوقا و أما ما احتج به (ابن أبی عقیل) من عمومات أدلة طهارة الماء کتابا و سنة نبویة و إمامیة ففیه إنها مخصوصة بما ذکرناه لقوة الخاص فیحکم علی العام و من الأصول العقلیة ففیه إنها معارضة باستصحاب شغل لذمة فی العبادات المشروطة بها و من أنه لو لم یحکم بطهارة الماء القلیل لما صَحّ تطهیر متنجّس لأن المتنجس لا یطهر المتنجس ففیه أنه لا ملازمة بین الحکم بعدم الطهارة و الحکم بعدم التطهیر بعد ورود الدلیل أو أنه یحکم بطهارة هذا الفرد دون غیره للدلیل کما یحکم بطهارة ماء الاستنجاء للدلیل و من أن اختلاف الأخبار فی الکر دلیل الاستحباب و من

ص: 34

أن غالب أحوال المسلمین عدم الاجتناب عن مساورة الصبیان و الجوار و من لا یعرف النجاسة فی أوانیهم المشتملة علی الماء القلیل و من أن الحکم بالتنجیس یؤدی للعسر و الحرج و المشقّة و یوصل للوسواس المنهی عنه و من أن حمل أخبار الکُرّ علی الاستحباب أقرب لوجه الجمع بین الأخبار و کذا حمل أخبار المنهی علی الکراهة و الأمر علی الاستحباب فی الأخبار المستدل بها علی التنجیس و من أن أخبار التنجیس مفهومیة و أخبار التطهیر منطوقیة و الأول لا یعارض الثانی و من أن ما دل علی النهی عن الوضوء محمول علی إرادة التنزه عن خصوص الوضوء لأن ماءه لیس کباقی المیاه ففی جمیع ذلک أنه بعد تسلیمه إنما یصلح أن یکون إمارة أو مؤیدا للدلیل عند خلوه عن المعارض القوی و مع المعارض الأقوی لا یصلح جمیع ذلک لإثبات حکم شرعی لضعفه و عدم سلامته أکثره و بنائه علی أصول و قواعد لا نقول بها نعم (لابن أبی عقیل) الاستدلال بالأخبار المتضمنة لجواز استعمال الغدیر الواقع فیه الجیفة فی روایة و استعمال الماء یمر به الرجل و فیه المیتة و الجیفة فی اخری و استعمال الماء الذی یلغ فیه الکلب فی ثالثه و استعمال الماء فیه دابة میتة قد أنتنت إذا لم یغلب النتن علی الماء فی رابعه و الأمر بالوضوء من الناحیة التی لیست فیها المیتة فی خامسه و جواز الوضوء فی الغدیر الذی یکون فیه العذرة و یبول فیه الصبی و الدابة المعلل بأن الدین لیس بضیق فی السادسة و نفی الیأس عن الحیاض التی یبال فیها إذا لم یغلب البول الماء فی سابعه و نفی لباس عمن غمس یده فی الماء و هی قذرة فی ثامنه و تجویز النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) استعمال الماء الوالغة فیه الکلاب فی تاسعة و غیر ذلک من الأخبار الدالة بإطلاقها علی طهارة الماء الشامل للقلیل و الکثیر و کذا بالروایة الدالة علی طهارة الماء إذا لم یتغیر بسقوط الفارة و الجرذ فیموتون و کذا الروایة الدالة علی صلوحیّة لوضوء من ماء الإناء الذی أصابه دم من رعاف إذا لم یستبین و الرّوایة الدالة علی نفی البأس عن غسالة ماء الحمام و الروایة الدالة علی تطهیر العجین الواقع فی مائه میتة لأن النار أکلت ما فیه و هو لا یصلح للتعلیل فلیس إلا لعدم انفعال الماء القلیل و الروایة الدالة علی جواز استعمال الماء القلیل بوصف القلة و یداه قذرتان و الروایة الدالة علی نفی البأس عن

ص: 35

الاستقاء بجلد الخنزیر و الأخری النافیة للبأس عن الاستقاء بحبل شعر الخنزیر و الروایة الدالة علی وضوء الامام (علیه السلام) من دلو خرجت فیه عذرة یابسة و الروایة الدالة علی طهارة ماء الراویة الواقع فیها فارة أو جرذ و لم یتفسخا و الروایة الدالة علی نفی البأس عن ماء الإناء الواقع فیه ماء واقع من أرض یبال فیها و الروایات الدالة علی جواز استعمال الماء الملاقی للنجاسة عند الضّرورة أو عند عدم غیره و لو کان نجساً لما جاز استعماله مطلقا و الروایة المعلّلة لطهارة ماء الاستنجاء بأن الماء أکثر من القذر و مقتضی العلة تسریة الحکم و غیر ذلک مما شابه ذلک و الجواب عن هذه کلها أنا لو خلینا و ورود هذه الأخبار من دون معارض یقوی علیها للزم الأخذ بمضمونها لتکثرها و موافقتها لعموم الکتاب و السنة و اعتضاد بعضها ببعض و لکن لماّ عارضها ما هو أقوی منها سندا و أکثر عددا و أشهر فتوی و ابعد عن فتاوی العامة و أقرب لمذاق الخاصة و انسب للاحتیاط و أوفق للإجماع المنقول و لما علیهِ عمل القدماء الفحول وجب تقدیم المعارض علیها و اطراحها أو تأویلها و لو أن الماء القلیل حکمه کما یقول (ابن أبی عقیل) لما خفی علی أهل الشرع جیلا بعد جیل و لکان أمره واضح السبیل و لجرت علیه سیرة الأمة و أصحاب الأئمة لتوفر الدواعی إلی ذلک و تکثر الرغبات لما هنالک و لو ضممنا إلی ذلک المناقشة فی سند الأخبار لوجدناها غیر نقیة لو دققنا فی دلالتها لوجدناها ضعیفة غیر قویة لأن کثیراً منها عمومه من ترک الاستفصال و شرط عمومه عدم ظهور فرد ینصرف إلیه الإطلاق و المفروض أن الفرد الظاهر منها کون الماء المسئول عنه کُراً و أزید و ذلک کأخبار الغدران و جملة منها یدل علی الطهارة بلوازم غیر مسلمة کروایة حبل الخنزیر و روایة العذرة و من المحتمل عدم أصابته و أصابتها الماء مع عدم تحقُّق إرادة العذرة النجسة و کروایة جلد الخنزیر و من المحتمل أن السؤال عن جواز استعماله لا عن طهارة الماء أو عن سقی الخضروات به و الزرع و شبهه و کروایة الإناء و من المحتمل وقوعها فیه لا فی الماء و کروایة الرعاف و من المحتمل إرادة العلم بالوقوع من لفظ الاستبانة لا الروایة البصریة و کروایة المرکن و من المحتمل أن حکمه حکم ماء الغسالة و أن غسله فی المرة الأخیرة بماء جدید و کروایة العجین و من المحتمل

ص: 36

طهره فی النار أو تأخُّر وقوع المیتة فی العجین و کروایة الحمَّام و من المحتمل طهارة غسالته لعدم العلم بنجاستها و کروایات الضرورة و من المحتمل حملها علی التقیة و کذا روایة الأذن مع عدم وجود غیره بل الظاهر ذلک إلی غیر ذلک.

فوائد:

أحدها: لا فرق فی انفعال القلیل بالنجاسة بین النجس و المتنجس

لإطلاق مفاهیم الأخبار و ترک الاستفصال فی جملة منها بین النجاسة و المتنجس لإطلاق الخبث و القذر فیها و لم نر مخالفا فی ذلک یعتد به و لا فرق أیضاً بین کثیر النجاسة و قلیلها و بین من لا یدرکه الطرف منها و ما یدرکه و بین أن تکون ما لا یدرکه الطرف و ما بین أن یکون غیره و بین أن یرد الماء علی النجاسة و بین أن ترد علیه و بین أن یکون الوارد للغسل من الخبث و بین أن لا یکون کذلک وفاقا للمشهور لعموم المفهوم فی أخبار الکُر لعموم الماء فی المفهوم و لظهور إرادة التقسیم فی المیاه بین الکُر و الأقل منه سیما فی مقام البیان فیقضی بحملان الخبث فی القلیل علی أی نحو کان و بأی خبث کان لعدم القائل بالفصل إلا فیما سیأتی إن شاء تعالی و لترک الاستفصال فی جملة من الأخبار بین وقوع النجاسة فیه أو وقوعه علیها لأن وجودها فی الماء أعم منهما و لحکم الامام (علیه السلام) بنجاسة الماء الواقع فیه نجاسة مع احتمال وقوعه علیها و الأصل الطهارة و لتنقیح المناط بین الورودین نعم ما عَلیَّ علی الوارد نفسه المتصل بالنجاسة طاهر لا یسری إلیه الخبث و إلا لنجّست کل الأوانی عند غسلها لو سرت النجاسة من السافل إلی العالی و ذهب الشیخ (رحمه الله) إلی عدم نجاسة القلیل مما لا یدرکه الطرف من النجاسة مطلقا أو من نجاسة الدّم بالخصوص و استضعافا لعموم الخبث فی المفهوم و لشمول أدلة نجاسة ماء القلیل لما لا یدرکه الطرف و لروایة (علی بن جعفر) الدالة علی طهارة الماء إذا لم یستبین فیه الدم و فیه أن الخبث و إن لم یکن عاما فی نفسه لکنه فی مقام البیان و التفصیل ظاهر فی العموم و کثیر من أدلة نجاسة الماء القلیل شامل للقلیل من النجاسة و الکثیر و صحیحة (علی بن جعفر) إن لم تکن ظاهرة فی إرادة العلم بالوقوع من الاستبانة فهی محتملة لذلک احتمالا مساویا یسقط معه الاستدلال بها و ذهب المرتضی إلی عدم نجاسة

ص: 37

الماء بوروده علی النجاسة استنادا للأصل مع الشک فی شمول المفهوم الوارد من الماء و الشک فی شمول الأدلة الباقیة له و لروایة (عمر بن یزید) الدالة علی طهارة الماء الواقع علی الأرض التی یبال فیها و یغتسل من الجنابة الواقع فی الإناء و لأنه لو حکم بنجاسة الوارد لما طهر الماء نجسا یرد علیه ما عدا المعتصم لأن النجس لا یطهر و فیه أن العموم و إن لم یقضِ به اللفظ و لکنه یقضی به المقام و کثیر من أدلة نجاسة ماء القلیل شامل لذلک لترک الاستفصال فیها و الروایة لیست صریحة فی وقوع الماء علی الماء و من المحتمل وقوعها فی الإناء فقط أو کون الماء الواقع لم یباشر نفس موضع البول بل الأرض المشتبهة و ما باشر المشتبه المحصور طاهر و الملازمة بین التطهیر و الطهارة ممنوعة أولا أو نسلّمه لکن فیما تستوی نجاسة الماء لحالة التطهیر ثانیاً أو القول بها للدلیل من سیرة أو إجماع ثالثاً أو الحکم باقتران التطهیر للتنجیس إناء واحد رابعا علی أن فی روایة العیص دلالة علی انفعال ماء الغسالة.

ثانیها: یطهر القلیل النجس إذا لم یکن متغیراً باتصاله بالکثیر

سواء کان متساوی السطوح مع الکثیر أم کان أعلی و سواء امتزج به أو لم یمتزج و سواء القی علیه الکثیر إلقاء من فوق أو نَزَّ علیه من تحت و سواء کان الإلقاء دفعة أو تدریجا کل ذلک لعموم أدلة طهوریة الماء و أصالة عدم اشتراط شی ء آخر من إلقاء أو امتزاج أو دفعة لسریان الطهارة من کل جزء إلی الجزء الآخر من الماء و لصیرورتهما ماء واحدا عرفا فلا یکون بعضه طاهر و بعضه نجس کما هی القاعدة المأخوذة من الاستطراد، نعم لو کان الکثیر أسفل تسنیمیاً أو تسریحاً لم یؤثر تطهیراً فی الأعلی لضعف السافل عن رفع نجاسة الأعلی کما یضعف السافل عن سریان النجاسة منه إلی الأعلی فی جمیع المائعات لأن السرایة علی خلاف الأصل لأصالة الطهارة، نعم فی المتساوی المائع تتحقق السرایة لصدق أنه ماء و لاقته النجاسة مع قابلیة کل جزء منه لتنجیس الجزء الآخر مع قابلیته للانفعال دفعة بخلاف السافل مع العالی و بخلاف الجامد من المائعات کالشحم و العسل فی الشتاء فإنه و إن أمکن أن یقال أن کل جزء منه لاقا جزء آخر رطبا فینجّسه لکنه مشکوک بقابلیته للانفعال فیه لمنع کلّیة هذه المقدمة فی مفروض المسألة لأن

ص: 38

عمدة دلیلها الإجماع و هو غیر متحقق فی مفروض المقام و علی کل حال فمشترط الدفعة أو مشترط الإلقاء من فوق أو مشترط الامتزاج أو مشترط الفوقیة أو المساواة لإخراج النابع من تحت کما یظهر من عباراتهم لا نقول به و لا یطهر القلیل باتصاله بالقلیل و إن علی الطاهر علیه الانفعال کلما یصل إلیه من الماء القلیل و لأن المتیقّن من تطهیر الماء هو اتصال ما لا ینفعل به من مادة و کر و شبههما کما تشیر إلیه الأخبار و أما القلیل فلما کان شأن التطهّریة نفوذ ماء الغسالة من المُتطهّر به و کان ذلک غیر ممکن فی الماء فلم یکن القلیل حینئذ قابلا لتطهیر الماء بل کان الغالب علیه النجاسة لانفعاله و تنجسه فلا یحصل التطهیر به حتی علی القول بطهارة الماء القلیل فإن القائل بطهارته لا یلتزم بلا یدیه تطهیره للماء النجس نعم یلتزم بوجود ماء بعضه طاهر و بعضه نجس و أوجب بعض إلقاء الکر دفعة لتطهیر الماء لأنه المتیقن و لروایة مرسلة و نسب لمشهور المتأخّرین و هما ضعیفان لا یصلحان سندا لمطلوبهم سواء فسرت الدفعة بوقوع الماء علی الماء دفعة واحدة عرفیة بمعنی أنه لا ینزل تدریجا أو فُسّرت بوقوع الماء علی الماء متواصلا حتی یتم کرا بمعنی أنه لا ینقطع فی الأثناء بحیث یکون وقوعه دفعات فإنا لا نوجبها بکلا المعنیین لکفایة الاتصال بالکر عندنا نعم لو ألقی شی ء من الکر و عند نزول ذلک الشی ء انقطع اتصاله بالکر قبل اتصاله بالماء النجس لم یکن مفیدا للتطهیر و کان بخسا عند وقوعه علی الماء النجس لأنه ماء قلیل لاقی نجساً و یظهر من بعضهم وجوب الإلقاء من فوق فلا یکفی المساواة بین الماءین و هو أبعد من سابقه و یظهر من آخرین وجوب المساواة أو الفوقیة فلا یکفی النبع من تحت و لا یکفی الرشح و إن کان دفعة و هو بعید أیضا و ذهب جمع إلی اشتراط الامتزاج بین الماء الطاهر و الماء النجس لأنهما مع عدمه ماء ان فیلحق کل منهما حکمه استصحابا و لا شأن التطهر فی الماء نفوذه فیما یطهره و لیس هنا إلا الامتزاج و لأن سرایة الطهارة من جزء إلی آخر خلاف الأصل کسرایة النجاسة إلا أنه قام الدلیل علی أن النجاسة متی حلت فی ماء قلیل أو مضاف نجست جمیعه و لم یعلم أن ذلک من جهة السرایة أو من جهة التعبُّد و لم یقم إجماع علی أن طهارة البعض تسری إلی طهارة المجموع و لأنه مع عدم الامتزاج یجوز اتصاف

ص: 39

ماء واحد بأن بعضه نجس و بعضه طاهر و لا دلیل علی منع ذلک و لعدم عموم أدلة طهوریة الماء لجمیع کیفیات التطهیر و أحواله حتی أنه ینقطع استصحاب النجاسة کما أنه لا عموم فیه لتطهیر جمیع أفراد المتنجّسات و کونه فی سیاق الامتنان إنما یقضی بعموم الماء لجمیع أفراده من حیث قابلیته للتطهر و لا یقضی بعموم أفراد المتطهر به و کیفیات التطهیر و لم یقم دلیل خاص علی أن الماء یطهر الماء فکان بمقتضی القاعدة بقاؤه علی النجاسة کغیره من المائعات و لا یطهر إلا بالاستهلاک و لکنا خرجنا عن القاعدة مع الامتزاج للإجماع فبدونه یبقی علی القاعدة و لأنه ورد أن الماء یُطَهّر و لا یطهر خرج من ذلک مع الامتزاج و بقی غیره تحت الروایة و هذا المذهب قوی فی النظر إلّا أنه لا یخلو عن نظر لأن الناظر فی أخبار الحمام الدالة علی أن ماءَه کالجاری یطهر بعضه بعضا و أنه لا ینجّسه شی ء لأن له مادة و غیر ذلک یجد أن للماء خصوصیة من دون باقی المائعات فی التطهیر و أنه یکفی فیه مجرّد الاتصال و أنه لا یفتقر إلی نزوله من فوق و إلی وقوع الکر علی الماء النجس دفعة و أن اتصال أجزاء الماء بعضها ببعض قاض بالتطهیر دفعة واحدة کما تقضی بالتنجیس بل هو امتزاج بالحقیقة لامتزاج کل جزء بالجزء المتصل به و هکذا و أن اتصاف ماء واحد بان بعضه طاهر و بعضه نجس فی محل واحد غیر ممکن لأنه أما أن یغلب الطاهر فیطهر بعضه بعضا أو یغلب النجس فینجس الطّاهر کالماء القلیل و لا قائل بالثانی فی الکثیر و ان اتصال القلیل بالکثیر یصیرهما ماء واحداً عرفاً فیدخل تحت قوله (علیه السلام): (إذا کان الماء قدر کر لم یحمل خبثا و لم ینجسه شی ء و لا یکون ماء واحداً بعضه طاهر و بعضه نجس) کما یشهد به الاستقراء لموارد الأخبار و کلام الأخبار و علی ما ذکرنا فیطهر الماء القلیل باتصاله بالکثیر و إن لم یغلب طعم الکثیر علیه و لم تخلطه أجزاء منه بنیة فیه و لا یتفاوت بین و ضعة فی الکثیر کقارورة فیها ماء حلو توضع فی کیّ مالح بحیث لم یتغیر طعم الحلو و بین وضع الکُر علیه و لا یشترط زیادة المطهر علی الکُر علی جمیع الأقوال المتقدمة بناء علی اعتصام السافل بالعالی و کونهما ماءً واحداً عرفاً، نعم علی القول بعدم الاعتصام یلزم اشتراط الزیادة علی الکر بقدر ما یجری منه إلی الماء القلیل إذا کان

ص: 40

أسفل منه أو کانا فی محَلین متغایرین قلنا لعدم اعتصام ما بینهما بالطاهر لتعدد المحل و لکنا لا نقول بشی ء من ذلک لقوله (علیه السلام): (إذا بلغ الماء قدر کُر لم یحمل خبثاً).

ثالثها: لا یطهر القلیل بإتمامه کُرّاً من الماء طاهر أو ماء نجس

للاستصحاب و الشک فی کون بلوغ الکریّة من المطهّرات و للأخبار الناهیة عن غسالة ماء الحمام و لأن کل قلیل ینجس عند ملاقاة النجس فیحتاج للتطهیر فلا یؤثر فیه إتمامه کرا و ذهب جمع إلی طهارته بإتمامه کرا من ماء طاهر و آخرون إلی طهارته بإتمامه مطلقاً و نقل علیه الإجماع و استند لروایته لم یحمل خبثاً و إلی أن الماء قد قوی بعد الاتّصاف بالکُریّة سقط فیرفع عن نفسه ذلک کما انه یدفعه و إلّا إنه لو لم یحکم بطهارة ماءٍ وجد فیه نجاسة لاحتمال یسقیها علی الکُرّیة و فیه أن الإجماع ممنوع الانفراد بفعله و مصیر الأکثر إلی خلافه و الروایة ظاهرة فی الرفع بعد طهارته لا فی الدفع بعد نجاسته کما یقال (فلان لا یحمل الضیم) علی أنها مرسلة و نقل الإجماع علی مضمونها لم یثبت کما ذکرنا إن لم یثبت العدم و قیاس الرفع علی الدفع قیاس مع الفارق لنقصان قوة الدفع عن الرفع بعد حصوله قطعاً و الحکم بطهارة الماء الواقع فیه نجاسة عند الشک فی وقوعها إنما کان لأصالة الطهارة لا لطهارة الماء المجتمع من النجس.

رابعها: لا یطهر الکُرّ إذا کان نجساً إلا باتصاله بجار أو ماء مطر أو کر آخر

سواء وقع علیه أو وقع هو علیه أو اتصلا فقط و سواء کان الوقوع دفعة أو تدریجا و سواء امتزج به أو لم یمتزج لظاهر أخبار الحمام الدالة علی أن المادة رافعة لنجاسة الماء الذی ما تحتها و دافعة لها مطلقا و لصیرورة الماءین ماء واحداً و المفهوم من الاستقراء عدم اتصاف ماء واحد بنجاسة بعض و طهارة آخر، نعم لو کان الکر الطاهر اسفل من الکر النجس بتسنیم و کان الکر النجس جاریا علیه لم یؤثر فیه تطهیر العدم قوته و قاهریته و شرط المطهر القوة و القاهریة کما هو المتیقن من الأخبار و کلام الأصحاب و أن سمّی الماء ان ماءً واحداً کما أن الکُرّ المجتمع من الماء الأعلی و الأسفل إذا بلغ مقدار کر لا یعصم نفسه إلّا إذا وقعت النجاسة فی أسفله و لو وقعت فی أعلاه تنجّس الأعلی و أن سمی ماء واحداً الضعف اعتصامه بالسافل و لا یطهر الکر النجس

ص: 41

لنفسه عند زوال التغیر عنه کما ذهب إلیه جمع لعموم قوله (لم یحمل خبثاً) و لقوته فی الرفع کقوته فی الدفع لما ذکرناه من ضعف الروایة سندا و دلالة علی المطلوب و من أن قیاس الرفع علی الدفع قیاس مع الفارق.

خامسها: لو جمد الکُر کان کسائر الجامدات ینفعل بالملاقاة

و لا تسری نجاسته إلی جمیعه لجموده و لأصالة عدم السرایة و لو ذاب بعضه دون بعض جری علی الذائب حکم الماء المنفرد من القلة و الکثرة و علی الجامد حکم الجامد و هل یطهر الجامد بغسله فی الماء القلیل أو لا یطهر وجهان أقواهما الطهارة.

سادسها: لو وجد فی الکُر نجاسة شک فی زمن وقوعها إنها بعد حصول الکریة أو قبلها

فالأصل طهارة الماء و إجراء أحکام الطاهر علیه لتعارض اصلی تأخّر کل من وصفی وقوع النجاسة و بلوغ الکُرّیة عن الآخر و تساقطهما و بقاء أصل الطهارة سلیما عن المعارض و یحتمل ضعیفاً الحکم بالتّنجیس لأصالة انفعال الماء إلا مع البلوغ کُراً و هو مشکوک فیه و الأصل عدمه و لأن الکریة شرط لعدم الانفعال و الأصل عدم حصول الشرط و یحتمل احتمالا موافقاً للاحتیاط أنه إن علم تاریخ النجاسة حکم بتأخیر بلوغ الکرّیة عنها فیحکم بالنجاسة و إلا فیحکم بالطهارة و الأقوی الأول لقوة أصل الطهارة الشرعیة و العقلیة استصحابا و براءة و لو وجدنا فی ماء نجاسة و شک فی نقصانه عن الکُر بعد حصول وصف الکُرّیة له فلا شک فی الحکم بطهارته للأصل و الاستصحاب و لو شک فی کریته ابتداء احتمل الحکم بطهارته و إن کان الأصل عدم حصول وصف الکُرّیة لأصل الطهارة الشرعی و الاستصحابی و البرائی و احتمل الحکم تنجیسه مطلقاً لأن أصالة عدم الکُرّیة أصل موضوعی فهو حاکم علی الأصل الحکمی و مثبت للوازمه و احتمل الحکم بتنجیسه بالنسبة لاستعماله فی الطهارات دون الأکل و الشرب لأصالة الشغل فیها و احتمل الحکم بتنجیسه بالنسبة إلیهما أیضا دون تنجیس ما باشره الاستصحاب طهارة المباشر فهو نجس لا ینجس و احتمل وجوب اختباره عند وجوب استعماله للتطهیر أو الأکل و الشرب و غیر الوجوه الحکم بنجاسته مطلقاً.

ص: 42

سابعها: عدم انفعال الکُر شامل لکل ماء مطلق

بأی مکان کان فی غدیر أو حوض أو آنیة أو قربة أو غیر ذلک لعموم أدلة عدم الانفعال الناشئ من ترک الاستفصال فی أکثر الأخبار و ما فی بعض الأخبار من السؤال عن الغدران لا یخصص الباقی و دعوی انصراف ما فی الأخبار إلی میاه الغدران و نحوها دون الحیاض و الأوانی ممنوع فی ماء الغدران أکثر وجوده و الأکثریة لا تستلزم انصراف الإطلاق إلیها علی أن الأخبار خارجة مخرج القاعدة فلا تتصرف إلی المسئول عنه و لا إلی الأکثر وقوعا و قد ورد فی خصوص الحیاض التی بین مکة و المدینة روایة تقضی بأن حکم الحیاض حکم غیرها کما هو فتوی المشهور و علیه عمل الجمهور و لا قائل بالفصل بینهما و بین الأوانی و ذهب جمع إلی نجاسة الکر فی الحیاض و الأوانی و کأنه استند إلی ترک الاستفصال فی الحکم نجاسة ماء الأوانی عند وقوع النجاسة فیها کما ذکرنا ذلک فی أدلة نجاسة الماء القلیل و هو ضعیف لانصراف میاه الأوانی فی السؤال و الجواب إلی الأقل من کُر کما هو المعهود إطلاقاً لقدرة بلوغ ماء الأوانی کراً و بلوغ نفس الآنیة قدر کر قطعاً.

بحث فی الماء الکر

یدور اسم الکر مدار وحدة الماء عرفا فکل ماء صدق علیه أن قدره کر کان رافعا و الظاهر أنه یکفی فی صدق الوحدة اتصال الماء بعضه مع بعض اتصالا ظاهراً أو خفیاً من بلیلة أو ساقیة رفیعة أو انبوبة أو غیر ذلک و لا یتفاوت الحال بین تعدد الإناءات و عدمه فلو وصل بین إناءات متعددة فی حوب أو قرب أو غیر ذلک من صغار أو کبار و لو بواصل ضیق کان کاف فی ثبوت الموحدة کما أنه لا یتفاوت الحال بین استواء سطوح الماء و بین عدمه و لا فی العالی و السافل بین کون العلو تسریحیاً أو تسنیمیاً لکن الذی یقوی فی النظر أنه مع الحکم بالاتحاد یشترط فی اعتصام بعضه ببعض قوة المعتصم بحیث یساویه فی السطوح أو یعلو علیه و یکون أسفل منه تسریحیّاً أو تسنیمیّاً لکنه ساکن فلو أصابت السافل أو المساوی نجاسة لم ینفعل الماء لانقهاره بالعالی المتمم له کُرّاً و لو أصابت العالی الجاری إلی السافل نجاسة لم یعتصم بالسافل

ص: 43

إذا کان السافل تسنیمیاً لضعفه عن عصمة العالی لانقهاره به کما أنه فی الرفع بعد حصول النجاسة لو تواصل الماء إن کان العالی عند بلوغه کُرّاً رافعا لنجاسة ما تحته و کذا المساوی و المنحدر و السافل غیر رافع لنجاسة ما فوقه إذا کان ما فوقه جاریا إلیه، نعم لو کان ما فوقه ساکنا غیر واقع علیه اعتصم به أیضاً فعلی ذلک کل سافل یعتصم بالعالی فی الدفع و یتقوی به و یتأثر بالعالی فی الرفع و یطهر به إذا کان العالی معصوما و العالی إذا کان واقعاً علی السافل لا یعتصم به فی الدفع و لا یتأثر به فی الرفع و دعوی أن القول بوحدة الماء مستلزم لاعتصام کل منهما بکل منهما لأنه داخل فی عموم إذا بلغ الماء قدر کر لم یحمل خبثاً و مستلزم لتطهیر کل منهما لکل منهما إذا کان المطهر معصوماً لاستحالة اتصاف ماء واحد بأن بعضه طاهر و بعضه نجس فما معنی للتفرقة مردودة بأن المتبادر من أدلة اعتصام الکر بعضه ببعض کونه متساوی السطوح أو مجتمع فی مکان واحد أو فی مکانین لا یضعف أحدهما عن عصمة الآخر و السافل ضعیف عن عصمة العالی کما أنه فی الرفع لا یکفی وحدة الماء فقط بل لا بد من قوة المطهر و قاهریّته و الأسفل عند جریان الأعلی إلیه یکون مقهورا فلا یؤثر به رفعا و کون أن الماء الواحد لا یصیر بعضه طاهر و بعضه نجس مسلم فی المجتمع فی مکان واحد عرفا لا مطلقاً و یظهر من جمع من أصحابنا الحکم بتعدد الماءین عند اختلاف السطوح بالتسنیم أو مطلقاً فعلی ذلک لا یعتصم أحدهما بالآخر فی الدفع و لا یؤثّر فیه فی الرفع إلا إذا کان العالی معصوماً و وقع علی السافل فإنه یعصمه و یرفع عنه النجاسة لا لکونهما ماءً واحداً بل لکون العالی مطهر و عاصم إذا کان معصوماً للدلیل الدال علی ذلک من أخبار الحمّام و شبهها المشتملة علی التعلیل بالمادة و المشبهة بالجاری.

بحث فی حدّ الماء الکُر

الکُر من الماء ما بلغ وزنه ألف و مائتا رطل و الخلیط الغیر المعتاد لا یحتسب من الموزون علی الأقوی و الأظهر لفتوی المشهور و عمل الجمهور و الأخبار المعتبرة المنزّلة منزلة الصحیح علی المذهب الصحیح لأن مراسیل (ابن أبی عمر) مُنزّلة منزلة الصحاح إذا صح إلیه السند و للإجماع المنقول کما یظهر من الفحول و المراد بالرطل

ص: 44

الرطل العراقی کما نسب لفتوی المشهور و نقل علیه الإجماع و لأن الراوی عراقی و کذا السائل بقرینة روایة (ابن أبی عمر) عنه و کونه من أصحابه فیحمل اللفظ علی اصطلاحه لأن الظاهر من حال المتکلم العالم متعدد الاصطلاح المرید للبیان الجری علی الاصطلاح المخاطب للتفهیم إلا مع نصب قرینة علی إرادة اصطلاحه أو علم بعلم المخاطب باصطلاحه و حمل اللفظ من المخاطب علیه و کلامهما الأصل عدمه لأصالة عدم القرینة و عدم علم المخاطب باصطلاح المتکلم و دعوی أن الأصل فی الکلام حمل اللفظ علی اصطلاح المتکلم لأن استعماله فی اصطلاح المخاطب مجاز لا یُصار إلیه مُسلّمة فیما إذا علم کل منهما باصطلاح الآخر و علم کل منهما بعلم الآخر بالتعدُّد و إذا لم یعلم المتکلم بتعدد الاصطلاح أصلا و ممنوعة عند جهل المخاطب بالتعدُّد لأن وظیفة الشارع البیان کما أن دعوی استعمال اللفظ علی اصطلاح المخاطب مجاز ممنوعة أیضاً لأنه تنزیل المتکلم نفسه منزلة المخاطب فی الاصطلاح لا یصیره مجازا علی الأظهر و یدل علی أن المراد بالأرطال الأرطال العراقیة ورود الصّحیح بأنه ست مائة رطل بحمله علی المکیة لأنها ضعف العراقی و هو خیر من طرحها و لما قیل أن (محمد بن مسلم) طائفی و إشعار بعض الروایات بإرادة العراقی من الرطل فی کلام الإمام (علیه السلام) مطلقاً و فهم المشهور أیضا فإن فهمهم معین لأخذ فردی المشترک لوجوب اتباع الظن فی موضوعات الألفاظ و عدم معلومیة کون السؤال بالمدینة کی یرجح الحمل علی المدنی و أن الکر فی الأصل مکیال لأهل العراق و ذهب (المرتضی) و جمع إلی أن الأرطال هی الأرطال المدنیة و هو رطل و نصف بالعراقی لأن المسئول مدنی و الظاهر الحمل علی اصطلاحه و للاحتیاط و للإجماع المنقول منه و لقربه لروایة الأشبار المشهورة و فیه نظر لأن عزم السائل مقدمة هنا علی عرف المسئول لما ذکرنا و الإجماع ممنوع لمصیر المشهور إلی خلافه و معارضته بمثله و الاحتیاط معارض بمثله کذلک فی کثیر من الموارد علی أن الأصل شرعاً و عقلا الطهارة و غایة ما خرج منه ما لیس بکُر قطعاً فالمشکوک به علی أصل الطهارة و هو أوان لم یخلو عن نظر لأن الأخبار دلّت علی أن الکُر لا ینفعل و الأقل منه ینفعل فالمشکوک فیه ما یقضی الأصل

ص: 45

بعدم کُرّیته فیحکُم علیه بالنجاسة لکنه یصلح أن یکون مؤیدا کما یصلح أن یکون مؤیدا أصالة عدم زیادة الکر و عدم سعته و کثرته و لا یصلح أن یکون دلیلا لأن الأصل لا یجری فی معرفة الموضوعات اللفظیة و أما قربه من روایة الأشبار فهی و إن صلحت للتأیید لکنها لا یعارض ما قدمنا و الرطل عبارة عن مائة و ثلاثین درهما وفاقا للمشهور و الاحتیاط و علیه شهرة الفتوی و النقل و الدراهم کل عشرة سبعة مثاقیل شرعیة و المثقال هو الذهب الصنمی الدینار فالرطل واحد و تسعون مثقالا شرعیا و الخلیط المعتاد فی الوزن یحتسب فی الوزن و ذهب العلامة (رحمه الله) إلی أن الرطل مائة و ثمانیة و عشرین درهما و اربعة أسباع دراهم فیکون عبارة عن تسعین مثقالا و الأول أقوی لقوة الأخذ بالمشهور فی الموضوعات اللغویة و مکاتبة الهمذانی لأبی الحسن (علیه السلام).

بحث آخر فی حد الکر

و للکُر حد بالمساحة و الأقوی فیها أنه ما بلغ ثلاثة أشبار طولًا فی مثلها عرضا فی مثلها عمقا فالمجموع من مساحته سبعة و عشرین شبرا کما ذهب إلیه القُمّیون لقربها من روایة الأرطال علی المذهب المشهور و قربها من روایة (الحب و القُلتین) و أکثر من روایة و أقربیته للجمع بین الروایات بحمل الزائد علی الاستحباب و لصحیحة (إسماعیل بن جابر) الکر ثلاثة أشبار فی ثلاثة أشبار و الظاهرة فی مخاطبات أهل العراق فی إرادة بیان الأبعاد الثلاثة و إن ترک البعد الثالث للاختصار و قد ورد کثیر مثله فی العرف و اللغة و ورودها بطریقین فی أحدهما (محمد بن منان) غیر ضائر لاشتمال الأخری علی عبد الله و لا کلام فیه و لوثاقة (محمد ابن سنان) علی الأظهر و القول باشتباه (عبد الله) بمحمد فی الثانیة لیس بأولی من القول باشتباه محمد بعبد الله فی الثانیة و توسط کل منهما بین ابن خالد و ابن جابر و جائز لاستوائهما فی الطبقة و لروایة المجالس المصرحة بما اخترناه و لصحیحة ابن جابر الأخری المصرحة بان الکُر ذراعان عمقه فی ذراع و شبر سعته بناء علی أن الذراع شبران کما یلوح من أخبار المواقیت و بناء علی أن المراد بالسعة هی قطر المستدیر کما هو الظاهر من لفظ السعة و من أن

ص: 46

التعارف استدارة الکُر لأنه مکیال زمن الصدور لأهل العراق فإذا ضرب نصف القطر (القطر الخط المستقیم الواصل بین جانبی الدائرة مع وقوعه علی مرکزها) و هو واحد و نصف بنصف المحیط و هو أربعة و نصف لأن کل قطر فی المستدیر ثلث المحیط به بلغ ستة و ثلاثة أرباع فإذا ضربت فی أربعة العمق حصل المکسر سبعة و عشرون شبرا و لقربه من روایة (أبی بصیر) الدالة علی القول المشهور عند حملها علی خلاف ما ذهبوا إلیه من بیان الأبعاد الثلاثة من إرادة بیان الشکل المستدیر فی الضّرب فیکون القُطر ثلاثة و نصف و العمق کذلک و یکون الحاصل من ضرب نصف القطر و هو واحد و ثلاثة من نصف المحیط و هو خمسة و ربع و المجموع فی ثلاثة و نصف ثلاثة و ثلاثین تقریباً لا تحقیقاً و ابقاء صحیحة (إسماعیل) و روایة (أبی بصیر) علی ما فهمه کثیر من الأصحاب منهما یؤدی إلی إرادة الستة و ثلاثین شبراً فی الأول و اثنین و أربعین شبراً و سبعة أثمان فی الثانیة و لا قائل بالأولی و لا مقاربة لسائر الأخبار فی الثانی و ذهب المشهور علی النقل المشهور إلی أن الکُر ما بلغ مکسره اثنین و أربعین شبراً و سبعة أثمان و نقل علیه الإجماع و هو الأوفق بالاحتیاط و استدل علیه بروایة (أبی بصیر) إذا کان الماء ثلاثة أشبار و نصف فی مثله ثلاثة أشبار و نصف فی عمقه فی الأرض فذلک الکر من الماء و روایة (الحسن بن صالح الثوری) فی تحدید الکر فی البئر ثلاثة أشبار و نصف عمقها فی ثلاثة أشبار و نصف عرضها و تحصیل الشهرة المحقّقة لم یثبت و منقول الإجماع مع معارضة فتوی الاساطین لا یفید الظن و الاحتیاط یفید الاستحباب لا لإیجاب و الروایة الأخیرة ظاهرة فی الشکل المستدیر کما هو فی شکل البئر و الروایة الأولی لا تخلو من ضعف فی السند و الدلالة أما الأول فلاشتماله علی (أحمد بن محمد بن یحیی) و هو مجهول و (عثمان بن عیسی) و هو واقفی و (أبی بصیر) و هو مشترک بین الثقة و الضعیف و هذا و إن أمکن الجواب عنه بأن (أحمد بن محمد بن یحیی) وقع التهذیب کذلک و لکنه فی الکافی و هو أضبط (محمد بن یحیی) عن (أحمد بن محمد) و الظاهر أنه (أحمد بن محمد) بن عیسی لروایته (عثمان بن عیسی) مکرراً و روایة (محمد بن یحیی العطار) عنه کذلک أو (محمد بن خالد) لروایته عنه أیضاً و کلاهما ثقة

ص: 47

فتحمیل روایة التهذیب علی التصحیف و أما (عثمان بن عیسی) فهو و إن کان واقفیاً إلا أنه قد نقل الشیخ الإجماع علی العمل بروایته و روایة أمثاله و نقل عن الکشّی قولًا بأنه من أهل الإجماع فیکون خبره حجة علی أنه مجبور بالشهرة المنقولة و أما أبا بصیر فالظاهر أنه (لیث المرادی) بقرینة روایة ابن مسکان عنه مکررا و الظاهر أنه (عبد الله) و هی قرینة فی تعین المشترکات و لا یضر ما نقل بعضهم من أن ابن مسکان قد نقل عن (أبی بصیر) الحی (ابن القاسم) لأنه لو سلم فهو من النادر و (عبد الله بن مسکان) من أهل الإجماع علی أنه نقل بعض العلماء أن أبا بصیر مشترک بین ثلاثة کلهم ثقاة و لکنه مع ذلک یؤثر ضعفا فی الروایة عند التعارض و الترجیح بین الأدلة و أما الثانی فلظهور الروایة فی الدوری لعدم اشتمالها علی البعد الثالث و هو مشعر ببیان الشکل المستدیر دون غیره کروایة الحسن بن صالح المتقدمة فیکون الحاصل من ضرب نصف القطر الذی هو ثلث المحیط بنصف المحیط و المجموع فی العمق اثنین و ثلاثین و ثمن و ربع ثمن و ما تکلفه بعضهم من أن الروایة قد اشتملت علی الأبعاد الثلاثة لظهور مثل هذا الخطاب فی بیان الثلاث و أن ترک الثالث مدفوع بأن ذلک فی الضرب المجرد عن ذکر بعض الأبعاد کثلاثة فی ثلاثة لا الضرب المشتمل علی أحدها کقوله فی عمقه فی الأرض فإن الظاهر اشتماله علی بعدین أحدهما عمق لأن فی عمقه نعت لثلاثة أو حال من مثله و ثانیهما أما الطول أو العرض فیکون مجملا و یسقط معه الاستدلال أو واحد یقوم مقامهما و هو القطر و هو الأقرب فی أمثال هذه المقامات فلا یصلح أن یکون دلیلا لهم بل هو قریب لقولنا و کذا ما تکلفه آخرون فی بیان أنه مشتمل علی الأبعاد الثلاثة من أن تأدیة الطول و العرض فی قوله فی مثله و تأدیة العمق من قوله ثلاثة، إلی آخره. و من أن إرجاع العمق فی عمقه إلی المقدار فیکون المعنی فی عمق ذلک المقدار فی الأرض فیؤدی قدر الأبعاد الثلاثة کلاهما بعید عن سوق الخطاب و صوغ الکلام فلا یلتفت إلیهما بوجه و علی کل حال فهذا القول و إن کان قوی جداً بفتوی المشهور و موافقة الاحتیاط إلا أن الأول أقوی منه و نسب (لابن الجنید) أن الکر ما بلغ مُکسّره مائة شبر و هو ضعیف لا یرکن إلیه و (للقطب الراوندی) أنه ما بلغت أبعاده الثلاثة عشر و نصف

ص: 48

و هو محتمل لأداة الضرب فیها فیؤول إلی المشهور و هو ما بلغ مُکسّرهُ اثنین و أربعین شبرا و سبعة أثمان و دلیله دلیلهم علی إرادة معنی الجمع من دون الضرب و محتمل لإرادة ما یقرب منه کما لو فرض طوله ثلاثة و عرضه کذلک و عمقه أربعة و نصف و محتمل لإرادة ما یبعد عنه جداً کما لو فرض طوله ستة و عرضه أربعة و عمقه نصف شبر فإن مساحته تکون أثنی عشر شبر و کذا لو فرض أن کلا من طوله و عرضه شبر و عمقه عشرة أشبار و نصف فإنه یکون عشرة أشبار و نصف أو أثنی عشر و نصف أو أن طوله تسعة أشبار و عرضه شبر و عمقه نصف شبر فإن مساحته تکون أربعة أشبار و نصف و الکل ضعیف مخالف للمشهور بل الجمع علیه و خال عن المستند و (لابن طاوس) من العمل بکل ما روی علی سبیل التخیر و هو رجوع لمذهب القمیین و حمل ما زاد علی الندب أو علی أن الکر متواطئ بین أفراد کثیرة ناقصة و زائدة فهو مکیال مختلف و هو یرجع إلی ما ذکرناه و للمحقق فی المعتبر من أنه ما بلغ مکسره ستة و ثلاثین شبر استناداً للصحیحة الدالة علی أنه ذراعان عمق و ذراع و شبر سعة و هو ضعیف لظهورها فی المستدیر أولًا و لعدم القابل بها ثانیاً و لإجمال الذراع فیها ثالثا و ینبغی أن یعلم أن الکر إن علم بلوغه الوزن کفی عن تقدیره بالمساحة و إن علم بلوغه المساحة کفی عن تقدیره فی الوزن فیکتفی بالسابق منهما و لا یفتقر إلی اجتماعهما اتفاقاً حتی لو علم اختلافهما بحیث علم تحقق أحدهما دون الآخر کفی و ذلک ظاهر من الأخبار و کلام الأخیار و یکون فائدة التحدید له بالحدین هی التسهیل فی معرفة قدر الماء لا ینجسه شی ء فإن قلت أن الکر مکیال خاص فأما أن یلاحظ قدره من الوزن فیراعی الوزن و لا معنی للمساحة حینئذٍ و أما أن یلاحظ المساحة فلا معنی للوزن حینئذٍ قلنا الکر قدر من الماء لا ینجسه شی ء معلوم عند الشارع معین فی نفسه و له علامتان یحصل بهما أحدهما الوزن و الآخر المساحة فأیتهما حصلت حصل ذلک المُعین أو أنّ الکُر قدر معلوم مشترک بین ما یبلغ وزنه الوزن المعلوم و بیان ما یبلغ قدره القدر المعلوم و أیهما بلغ یکتفی به لأن الحکم معلق علی الاسم أو أن الکر مکیال أصله المساحة و لکن الشارع جعل الوزن مثله فی الحکم و أطلق علیه الاسم فجاز

ص: 49

للمقاربة و المشارفة أو أنه أصله الوزن و الکیل علامة له فالکر وزن للماء المعلوم و الکیل قائم مقامه و علی کل حال فالثمرة قلیلة بل لا ثمرة بعد بیان الحکم و أنه یکتفی بالسابق من الأمرین فی عدم الانفعال.

بحث فی أحکام ماء البئر

(البئر) مجمع ماء نابع من الأرض لا یتعداها غالبا و لا یخرج عن مُسمّاها عرفا فیشترط فی صدقها أن یکون مجمع ماء و المراد به المطلق فلو کانت مجمع غیر ماء مطلق من المائعات أو المیاه المضافة لم یکن بئر و أن یکون ذلک الماء نابعاً غیر محقون أو ماء مطر أو جاری انحبس فی مکان عمیق لا علی نحو شکل البئر فما لم یکن نابعا لم یکن ماء بئر و الظاهر أن النابع هنا شامل للخارج من ینبوع و من غیره کالرشح و النضح و النزُّ لحکم العرف بذلک نعم ما کان خروجه مثل العرق بحیث لا یبین للحس إبانة ظاهرة یشکل إدخاله فی حکم البئر بل إلحاقه بالمحقون أولی و أن یکون الماء لا یتعداها فی أغلب الأوقات بمعنی أنه غالباً غیر متعد و مع التعدی نادراً لا یخل بصدق البئر و لو فی حال التعدی لصدق عدم التعدی غالباً علیها زمن التعدی نادراً مع احتمال خروجها عن مسمی مع احتمال البئر عرفاً عند التعدی و لا یراد نادراً بعدم التعدی غالباً نفی غلبة التعدی حتی یکون المتساوی فی التعدی و عدمه داخل فی البئر فالمراد تقیده للنفی لا للمنفی کما یراد بالغلبة الغلبة بالزمان لا بالأفراد حتی یکون النادر من الأفراد لو تعدی غالباً داخلا فی البئر و أن یکون مجمع الماء غیر خارج عن مُسمّاها عرفا بمعنی أنه یصدق علیه اسم البئر عرفا فلو لم یصدق ذلک عرفا کالمحفور هیئة نهر طویل کبیر أو هیئة البرکة العظیمة المسرحة الحواشی فی الأرض لم یُسم بئر أو بیان ذلک أن البئر لیس لها حقیقة شرعیة بل یرجع فیها إلی العُرف و اللغة تستکشف بالعرف لأصالة عدم النقل فما علم صدق لفظ البئر علیه عرفا و شک فی صدقه لغة حکمنا أنه کذلک لغة و ما علم عدم صدق البئر علیه عرفا أو صدقها علیه عرفا و لکن قطعنا بعدم صدقها علیه لغة کآبار النجف و الشام لم نحکم بجریان حکم البئر علیها زمن الصدور للقطع بأن البئر زمن الصدور هی النابعة من الأرض لا الجاریة تحت الأرض من عین و شبهها

ص: 50

أو بئر أخری کآبار النجف و الشام لا یقال أن الحکم هنا معلق علی الاسم فیدور مداره و أن اختلاف العرف کالمأکول و المشروب و المکیل و الموزون لأنا نقول فرق ظاهر بین تعلیق الحکم علی وصف فیختلف الموصوف لاختلاف الزمان کالمکیل و الموزون فإنه لا یتبدل الحکم به و بین تعلیقه علی ذات قد وضع لها اللفظ زمن الصدور فیتبدل الوضع فی زمن آخر لذات أخری فإن الحکم هنا لا یتبع الاسم ضرورة أن الأحکام لا تتبع المنقولات الحادثة و البئر من هذا الأخیر لا من الأول و دعوی أن البئر الآن تطلق علی النابع و الجاری کآبار النجف عرفا علی وجه الاشتراک المعنوی فتکون کذلک لغة لأصالة عدم النقل دعوی بعیدة لأن المفهوم منها فی اللغة بشهادة الاستقراء و فی العرف العام هو ما کان ماؤها نابعا لا ما کان جاریا.

بحث فی احکام البئر

اشارة

أحکام البئر مخالفة للأصل فیقتصر فیها علی المتیقن الإرادة من إطلاق لفظ البئر فی الأخبار و کلام الأصحاب و حینئذ فلو اتصل بها ماء جار أو ماء مطر أو کر أو تواصلت الآبار فجری بعضها علی بعض أو خرجت البئر عن هیئتها عرفا إلی اسم آخر لم یجرِ علیه أحکام البئر و لا بد فی لحوق أحکام البئر لها من اتصال النبع عادة بها قطعا أو ظنا بعد العلم بتواصله لحجیة الاستصحاب و ما لم یعلم بتواصله فی آن من الآنات المتقدمة فإنه یحکم علیه بالانفعال إذا لم یبلغ کرا قطعا و هل ینفعل ماء البئر بالانفعال مطلقا أم لا ینفعل مطلقا أم ینفعل مع عدم البلوغ کرا و لا ینفعل مع البلوغ أقوال أحدها الانفعال مطلقا استنادا الإجماعات المنقولة و للعمومات الدالة علی نجاسة الماء بوقوع أحد النجاسات إلا ما أخرجه الدلیل و للشهرة المحکیة عن قدماء الأصحاب و للأخبار الدالة علی انفعال ماء القلیل مطلقا و للصحیح الدال علی أن نزح بع الدلاء یطهر البئر و الظاهر من الطهارة ضد النجاسة و للخبر الدال علی نهی الجنب عن الوقوع فی البئر و إیجاب التیمم حذرا من إفسادها مع أن جواز التیمم مشروط بفقد الماء الطاهر و الظهر من الافساد هو التنجیس و للمکاتبة المسئول فیها عن الذی یطهر البئر بعد أن یقطر فیها بول أو دم أو یسقط فیها عذرة فأجاب (علیه السلام) بأن ینزح منها

ص: 51

دلاء و لروایة زرارة المسئول فیها عن بئر یجری البول تحتها أ ینجسها المجاب فیها بأن البئر أن کانت فوق الوادی و البول تحتها و بینهما ثلاثة أذرع أو کانت البئر فی الأسفل و کان یمر علیها البول و بینهما تسعة أذرع فلا تنجس البئر و إلا فتنجس و فی جمیع الأدلة ضعف لضعف الإجماع المنقول بإطباق المتأخرین علی مخالفته و بموافقته للتقیة و بمعارضة لما هو أقوی منه من الأخبار و بمخالفة کثیر من الفحول له من القدماء و المتأخرین و بمخالفته لأدلة تقی العسر و الحرج و بمنافاته للسیرة القاطعة علی استعمال الآبار فی سایر الإعصار و سائر الأمصار ممن یقطع بنجاستهم و تنجیسهم و عدم تجنب الناس عن استعمالها و عدم إنکار أهل العصمة (علیهم السلام) علیهم و أما الشهرة فهی موهونة بمثلها من المتأخرین علی أن تحققها غیر معلوم حتی أن العلامة ناقش فی نسبیة القول بالتنجیس للأکثر و أما الأخبار النزح فلا تدل علی التنجیس و لیس من لوازمه للأمر فی ما لیس منجسا عند وقوعه بها و لیس النزح کالغسل عرفا و شرعا فلیحمل المزح علی الوجوب التعدی الأصلی أو علی الندب للتنزیه و رفع القذارة أو علی الوجوب الشرطی فی استعمال مائها للتطهیر عن الحدث أو هو و الخبث و أما عمومات أدلة انفعال الماء القلیل فممنوع أولا و غیر شامل لنحو ماء البئر ثانیا لانصرافه لغیره بدیهة من میاه الأوانی و المائعات و أشباهها و أما الروایات فالأولی محمولة علی إرادة النزاهة و النظافة من لفظ التطهیر أو إرادة ارتفاع الکراهة الحاصلة فی الماء من وقوع تلک الأشیاء فیها تجوز المشابهة المعنی المؤدی للکراهة بالنجاسة و الثانیة علی إرادة إظهار الرائحة الکامنة فیها و القذرات الحاصلة منها بالوقوع بها من لفظ الفساد و من المعلوم إرادة الشارع التجنب عن ذلک لأنها للمسلمین کافة و الحادة منهم ماسة إلیها و لا یبعد تحریم إفسادها علیهم و لذلک شرع له التیمم حرصا علی عدم الإفساد و لیس مشروعیة التیمم مخصوصة بفقدان الماء الطاهر بل یمکن أن یکون لخوف الفساد أو لخوف الهلاک عند وقوعه بها أو للمشقة أو لغیر ذلک و الثالثة محمولة علی ما ذکرناه فی الأولی مضافا إلی أن لفظ التطهر منکور فی کلام الراوی و من المحتمل أن الجواب لا یقدر فیه أن النزح یطهرها بل أن النزح مشروع لها و یکون مفادها مفاد الروایات الدالة علی النزح

ص: 52

و یکون الامام (علیه السلام) قد اضرب عن جوابه فی قوله بتطهیرها تقیة أو لغرض آخر علی أن راوی هذه الروایة قد روی روایة التطهیر الآتیة و الرابعة مسوقة مساق الروایات الدالة علی التباعد بین البئر و البالوعة و سیجی ء إنشاء تعالی کلام علیها.

ثانیها: عدم الانفعال مطلقا ما دام ماؤها متصلا بمادتها للأصل و العمومات الأصلیة و عمومات طهوریة ما له مادة و عمومات طهارة الکر من الماء و لعمومات نفی العسر و الحرج و سهولة الشریعة و لاستبعاد الحکم بطهارة الکر إذا خرج عنها و نجاسة ألف کر ما دام فیها و استبعاد أنها طهارة الکر عند ملاقاته إذا کان خارجا عنها فإذا وقع فیها نجسها و استبعاد إنها أن سدت ینابیعها لم تنفعل و أن فتحت انفعلت بالملاقاة و الحکم بانفعالها ما دامت علی هیئتها و عدمه عند تبدلها بهیئة أخری بحیث یصدق علیها اسم آخر و استبعاد تطهر الدلو و الحبل و الحواشی بعد نجاستها بالتبعیة من غیر دلیل علی ذلک و کذا ید النازح و ثیابه و کذا ما یتقاطر من الدلو علیها و استفادة طهارة کل ذلک من الأخبار محارفة و لموافقة أخبار النزح للتقیة و لضعفها باختلاف مقادیرها و عدم تحدید الدلو فیها و التخیر بین الأقل و الأکثر فیها و کل ذلک لیس شعائر الواجب و لورود الأمر بالنزح لما لا یوجب تنجیسا من الأمور الطاهرة و لأسعارها بالتسامح فی أمر النزح لظاهر من الندب و لترک بیان حکم الماء الخارج منها بالنزح و الدواعی تتوفر لبیانه لو کان نجسا و للأخبار الخاصة المتکثرة الدالة علی الطهارة کالصحیح ماء البئر واسع لا یفسده شی ء إلا أن یتغیر ریحه أو طعمه فینزح حتی یذهب الریح و یطیب طعمه لأن له مادة فإن حکمه بالسعة و نفی الفساد عنه علی وجه العموم و استثناؤه بحالة التغیر فقط فی مقام البیان و اکتفاؤه فی التطهیر بالنزح المذهب للتغیر و تعلیله له بأن له مادة نص علی طهارة ماء البئر و الطعن فیها بأنها مکاتبة أو بأن ما دل علی تنجیس البئر بالأشیاء المخصوصة خاص و ما دلت علیه عام و العام مقدم علی الخاص أو بان المراد بقوله لا یفسده شی ء یعنی إفساد إلا یجوز الانتفاع بشی ء منه إلا إذا یغیر و عند عدم التغیر یفسد فی الجملة لجواز الانتفاع به بعد نزح المقدر ضعیف لحجیة المکاتبة و لأنها مرویة بطریقین فی أحدهما کتب إلی رجل أسئلة أن یسأل أبا الحسن فقد یکون

ص: 53

هذا الراوی سمع تارة مشافهة و أخری مکاتبة و لأن کون أخبار النزح خاصة ممنوع لعدم دلالة النزح علی النجاسة علی أن أخبار النزح قد أخذت دلیلا علی أصل النجس فالمعارضة التباین لا العموم المطلق و لأن احتمال تنزیل الافساد علی ذلک المعنی تأویل من غیر دلیل یشبه الألغاز و المعمیات علی أن ما وجب له نزح الجمیع من الأشیاء الواقعة فیها یقضی بعدم الانتفاع مطلقا أیضا فلا معنی للتعمیم و التخصیص و أن التغیر قد لا یوجب فسادا لا ینتفع به إلا بنزح الجمیع لإمکان زواله بنزح البعض و الصحیح الآخر عن بئر ماء وقع فیه زنبیل عذرة یابسة أو رطبة أو زنبیل من سرقین أ یصلح الوضوء منها قال لا یأس و وجه الدلالة واضح و الطعن فیها بأن السرقین و العذرة أعم من النجس و بأن وقوع الزنبیل لا یقضی بوقوعهما لأصالة الطهارة و بأن نفی البأس لعلة یراد بعد نزح الخمسین ضعیف مخالف للظاهر من أن العذرة فضلة الانسان عرفا و لغة و من أن الظاهر مماستها للماء عند وقوع الزنبیل عادة و من أن تعید نفی الباس بما بعد الخمسین من باب تأخیر البیان عن وقت الخطاب أو الحاجة و أحدهما بعید و الآخر ممنوع و الصحیح الثالث لا یغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما رفع فی البئر إلا أن ینتن فإن نتن علی الثوب و أعاد الصلاة و الطعن فیها بحماد و یصدق لفظ البئر علی النابعة و المحقونة فلعل السؤال عن الثانیة ضعیف لظهور حماد فی حماد بن عیسی لروایة الحسین بن سعید عنه و روایة عم معاویة بن عمار و التبادر البئر النابعة من لفظ البئر علی أن تنجیس المحقونة أولی و الصحیح الرابع فی الفأرة تقع فی البئر فیتوضأ الرجل منها و یصلی و هو لا یعلم أ یعید الصلاة و یغسل ثوبه قال لا یعید الصلاة و لا یغسل ثوبه و هو طاهر فی کون الفأرة میتة و فی أن الاستعمال وقع بعد العلم بکونها میتة فی البئر کما یشعر به السؤال و الجواب فالطعن فیها بعدم ثبوت أن الاستعمال کان بعد ثبوت الموت فیها و الأصل الطهارة ضعیف و الصحیح الخامس عن البئر یقع فیها المیتة فقال أن کان لها ریح ینزح عشرین دلوا فیدل بالمفهوم علی عدم وجوب النزح عند عدم الریح و الصحیح السادس أو الموثق عن الفأرة تقع فی البئر لا یعلم بها إلا بعد أن یتوضأ منها أ یعاد الوضوء قال لا و هو طاهر فی سبقها علی

ص: 54

الاستعمال و الموثوق السابع عن بئر یستسقی منها و یتوضأ به و غسل منها الشاب و عجن به ثمّ علم أنه کان فیها میت قال لا بأس و لا یغسل الثوب و لا تعاد الصلاة و هو طاهر فی أنه علم بوقوع المیت قبل الاستعمال و الصحیح الثامن عن الفأرة تقع فی البئر فلا یعلم أحد إلا بعد الوضوء و صلاته و یغسل ما أصابه قال لا فقد استسقی أهل الدار و رشوا لی غیر ذلک من الأخبار المتکثرة الدالة علی الطهارة من الحسن و الضعیف و الموثق المجبورة بفتوی المتأخرین حتی کاد أن یکون إجماعا و بمخالفة العامة و بالأصول و القواعد المحکمة القاضیة بالطهارة فالترجیح لهذه دون تلک و العمل علی الراجح لازم قطعا ثالثها عدم الانفعال إذا بلغ ماؤها کرا و الانفعال مع عدمه استناد لروایات الکر فی الاول و بخصوص ما دل علی ان الماء کان فی الرکی کرا لم ینجسه شی ء و لروایات انفعال الماء القلیل و مفهوم الروایة المتقدمة و لروایات النزح القاصیة بالتنجیس فی الثانی و لا یخفی ضعفه لعدم معارضته لما ذکرناه من عدم الانفعال مطلقا و لمنع العموم فی أدلة الماء القلیل و لضعف الروایات الخاصة منطوقا و مفهوما و لعدم دلالة وجوب النزح علی التنجیس.

فوائد

أحدها: أنه علی المختار من الطهارة فهل النزح واجب تعبدی لنفسه أو تعبدی من جهة الاستعمال

و علیها فیکون وجوب الإزالة کوجوب إزالة النجاسة عن المسجد أو واجب شرطی للتطهر من الحدث و الخبث فالماء طاهر لا یطهر أو للحدث فقط أو بشرطی للاستعمال مطلقا أو مندوب تعبدی علی الوجهین السابقین أو مندوب و لغیره من الاستعمال مطلقا أو التطهر من الحدث و الخبث و الحدث فقط وجوه أقواها مندوبا لغیره من سائر الاستعمالات المترتبة علی الماء لدفع قذارته و النقرة الحاصلة من وقوع تلک الأشیاء فیه للأصل و طاهر بعض الروایات السابقة النافیة للفساد و الآمرة بعدم إعادة الوضوء و الصلاة و الآمرة بالنزح إلی أن یذهب التغیر من دون أمر آخر فی مقام البیان و إطلاق الدلاء فی کثیر الأخبار من دون تعین و الجمع بین المختلفات و التفریق بین المتماثلات و التخیر بین عدد و غیره أزید أو أنقص فی کثیر من النجاسات

ص: 55

و الأمر بالنزح لکثیر من الأشیاء الطاهرة کالجنب و العقرب و شدة التعارض و الاختلاف فی أخبار النزح و لندرة القاتل بالوجوب التعبدی بل قد یدعی أنه خرف للإجماع المرکب أو مخالفة للشهرة المرکبة و هذه و أن لم یکن کل واحد منهما قرینة مستقلة علی الاستحباب فالمجموع صالح لکونه قرینة صارفة عن الوجوب سیما و أن المندوب فی أخبار أهل البیت (علیه السلام) فی مثل هذه المقامات مما یقوی الظن فی إرادته من الخطابات علی أن استعمال صیغة أفعل فی الندب مجاز و الاستعمال فی الوجوب الشرطی أو الغیری مجاز أیضا و الترجیح لإرادة المندوب لحصول الظن به مما ذکرناه و حملها علی الوجوب التعبدی الصف الذی هو الحقیقة صیغة أفعل لا قابل به.

ثانیها: الأظهر علی القول بالتنجیس عدم انحصار المطهر بالنزح

و إن ظهر ذلک من الأخبار و کلام الأصحاب لتنزیل کلام الأصحاب علی بیان الطریق الأسهل فی التطهیر و إلا فیجوز تطهیرها بإلقاء کر دفعة أو متواصلًا علیها أو اتصال ماء جار أو ماء مطر لعموم أدلة تطهیرها و عدم إمکان اجتماع ماء واحد طاهر و نجس فی مکان واحد و لو أُلقی فی بئر قدر کر من ماء و لم یستهلک فی ماء البئر قوی القول باعتصام مائها به و لا یجب النزح و لا یستحب و هل تطهر البئر بانسداد ینابیعها و نشف مائها أو غور مائها و عوده أو شرب دابة له دفعة أو جریان مائها متدافعاً علی أرض أخری أو بئر آخر أم لا؟ تطهر و لا یرتفع حکم کراهة الاستعمال قیل النزح وجهان أقواهما الطهارة علی القول بالنجاسة و ارتفاع الکراهة علی القول بالطهارة لحصول الغرض من النزح بإخراج الماء منها بما هو مثله أو أقوی منه لخلوّه عن التقاطر و رجوع شی ء من المنزوح إلیه و أما غور بعض من الماء أو شرب دابة له بحیث یساوی المقدر من الدلاء کالسبع و الثلاث و شبهها فلا یخلو من إشکال لاحتمال أن فی النزح خصوصیة لتطهیر الباقی و لاحتمال أن الغرض ذهاب بعض الماء و قد حصل و لکن الأول أقوی و لو غار جمیع ماء البئر فعاد فإن علم أنه الأول جری علیه حکم النزح و إلا فالأقوی طهارته للأصل و احتمل وجوب نزح الجمیع له و احتمل وجوب نزح المقدر إن کان و إلا فالجمیع و إلا فالتراوح.

ص: 56

ثالثها: الأظهر علی القول بالتنجیس و الطهارة بالنزح طهارة الدلو و الرّشاء و حواشی البئر

بل و ید النازح و ثیابه و آلات المتوقف علیها النزح عند طهارة البئر بالتبعیة للزوم العسر و الحرج مع عدم الطهارة و لخلو الأخبار عن بیان حکمه مع بیان حکم النزح فیفهم منه أن لا شی ء بعد النزح لازم فی تطهیر البئر و لا فیما یتبعها و للسکوت عن حکم الدلو النازح مع کونه هو المستقی فی الغالب و الأظهر أیضاً العفو عن القطرات الواقعة فیها من الدلو و شبهه لما ذکرنا هذا إذا کان معتاداً و لو وقع فیها غیر المعتاد کان کما لو وقع فی البئر شی ء من الماء المنزوح من بئر أخری فیحتمل وجوب نزح المقدّر مما نزح له إذ لا یزید الفرع علی أصله و هو الأقوی و احتمل وجوب نزح الجمیع لعدم التقدیر شرعا فیرجع للمتیقن من التطهیر و هو نزح الجمیع و احتمل نزح مقدار ما یزیل التغیر لو کان متغیرا بها تقدیراً و احتمل علی ضعف نزح الأقل من المقدّرات من النجاسات و لو سقط من الدلو ما لا یعتاد فهل یجب أن یکمل بقدره أو یعاد أو یزاد شی ء علی العدد أو ینزح الکل أو ینزح المقدر لتلک النجاسة أو ینزح أقل عدد وجب نزحه لأی نجاسة أو ینزح قدر المغیر تقدیراً وجوه أقواها الأول.

رابعها: الأظهر علی القول بالتنجیس و علی التعبد کغایة الرجوع بالدلو إلی العرف زمن الصدور

و یکفی عند الشک الأخذ بالمعتاد من الدلو لتلک البئر فی تلک البلد و لو اختلف المعتاد أخذ بالأغلب و إن تکثر الأغلب تخیر بین الدلاء و کفایة الدلو الکبیر فیقوم واحد مقام الکثیر إذا کان بقدره و کفایة أخذ الماء إلی مکان آخر بقدر الدلاء و کفایة أخذ آنیة صغیرة و لو یکف قدر المقدر من الدلاء.

خامسها: لا نزح لغیر المقدر علی القول بالطهارة و استحباب النزح

و کذا علی القول بوجوبه لعدم الدلیل و علی القول بالنجاسة فهل یجب نزح الکل لاستصحاب النجاسة و یقین التطهّر به دون غیره و هو الأقوی لأن التقدیر حاصل واقعا غیر معین عندنا فیجب من باب الاحتیاط نزح المقطوع بتطهیره و هو الکل أو الأربعین لروایة ضعیفة سندا و دلالة أو الثلاثین لروایة کذلک أو قدر ما یزیل به التغیر لو کان لکفایة ذلک فی الصحیح مع حصول التغیر بالفعل فمع عدمه أولی و احتمل عدم وجوب

ص: 57

النزح مطلقاً و احتمل وجوب الأقل مما یزول به التغیر التقدیری و فی الأربعین أو الأقل منه أو من الثلاثین و احتمل وجوب الأکثر مما یزول به التغیر و الأربعین أو الأکثر منه و من الثلاثین.

سادسها: لو تکثرت النجاسة الواقعة فی البئر و کان فیها المقدر نزح الجمیع أو غیر المقدر

وجب نزح الجمیع إن وقع غیر المقدر أو لا أو ما قدر له الجمیع کذلک و إن وقع بعد ما وقع ماله مقدر احتمل وجوب نزح الجمیع لوقوع ما لا قدر له و احتمل الاکتفاء بنزح المقدر للواقع أولا تنجس البئر به و لا معنی للنجاسة بعد النجاسة و لو وقع فیها نجاسات مقدرة دخل الأقل فی الأکثر و المتعدد فی المتحد سواء کان جنس واحد یصدق علی کثیرة و قلیلة کالدم أو لا یصدق کالکلب أو کانا جنسین مختلفین علی الأظهر لأن المراد مجرد حصول النزح و قد حصل و احتمل وجوب تعدد النزح بتعدد أسبابه و هو أحوط و احتمل الفرق بین النجاسات المتعددة المتماثلة و بین المختلفة فیحکم بتداخل المتماثلة دون المختلفة و یحتمل الفرق بین تعدد الوقوع و اتحاد الواقع فیکفی التداخل و بین تعدد الواقع و إن اتحد الوقوع فیجب أخذ کل لسببهِ و یحتمل الفرق بین الداخل تحت مصداق آخر کالکثیر و شبهه فیلحقه حکمه و بین غیره فلا یتداخل.

سابعها: لا حاجة فی النزح إلی نیّة و لا إلی قصد

فلو أخرج الدّلو المجنون أو الحیوان أجزأ و لا یشترط حلیة النزح و لا آلة النزح من دلو و غیره کل ذلک لظاهر الأخبار و کلام الأخیار.

ثامنها: لا یکتفی فی النزح المقدر إلا بعد إخراج النجاسة

فلا یحتسب ما خرج و النجاسة فی البئر و أما الدلو الأول المخرج للنجاسة فلا یبعد احتسابه لکن الأحوط عدمه و لو صاحب جمیع الدلاء أو أکثرها عین النجاسة المنزوح لها من دم أو خمر حتی انتهی احتمل احتساب تلک من النزح المفید تطهیراً لإطلاق الأخبار و لکونه کالغسل المزیل للعین فإنه کاف فی التطهیر و احتمال عدمه و أن النزح للتطهیر عن الواقع فلا یمکن إلا بعد زواله و الأول أقوی.

ص: 58

تاسعها: لو تغیرت البئر بالنجاسة فهل یکفی علی القول بنجاستها نزح ما یزول به التغیر مطلقاً

أو لا بد من نزح الجمیع مطلقاً إن أمکن و إلا فالتراوح أو لا بد من نزح الجمیع فی غیر المقدّر و إلّا فالتراوح و أما فی المقدر فلا بدّ من نزح الأکثر مما یزول التغیر و من المقدر أو لا بد من نزح المقدر بعد ما یزول به التغیر فی المقدر و نزح الکل فیما لا تقدیر فیه أو التراوح أو لا بد من نزح الجمیع مع الإمکان و إلا کفی ما یزول به التغیر أولا أو لا بد من نزح الجمیع و إلّا کفی نزح المقدر إذا زال به التغیر و إلا فأکثر الأمرین وجوه و أقوال أقواها وجوب نزح أکثر الأمرین فی المقدر من المقدر و مما یزول به التغیر لدلالة الأخبار علی حصول التطهیر بذهاب التغیر مطلقاً و دلالتها علی حصول التطهیر ینزح المقدر و بین الأدلة عموم من وجه و لا یمکن تخصیص کل منهما بالآخر و لا طرح أحدهما بعینه للزوم الترجیح من غیر مرجح فلیس إلا الأخذ بها معافی غیر محل الشافی و هو یوجب ذلک و هذا کل فی المقدر و لو بنزح الجمیع و أما غیر المقدر فیجب له نزح الجمیع لاستصحاب النجاسة و عدم تیقن التطهیر بغیره و لقوة احتمال أن ما لا نص فیه لا یخلو عن تقدیر و هو مجهول فینزح له الکل من باب المقدمة کما قدر له نزح الجمیع أیضاً و احتمال کفایة ما یزول به التغیر قوی هنا للأخبار الدالة علی أن زوال التغیر مطهر مطلقاً بل یقوی القول بکفایة ذلک مطلقاً للأخبار الدالة علی ذلک و فیها ما اشتمل علی ذکر المقدر من النجاسات و لم یتعرض لتقدیره فی المتغیّر فتحتمل أخبار التقدیر علی غیر صورة التغیر و دعوی أولویة المتغیر للتقدیر علی غیره مما لیس بمتغیر ممنوعة نعم قد تسلم الأولویة فیما تقدیره نزح الجمیع من دون تغیر فإنّهُ قد یقال أن فی نزح جمیعه مع التغیر أولی و یؤید ببعض الأخبار الدالة علی نزح الجمیع مع التغیر و لکن ذلک یرجع إلی التقدیر و نحن قلنا بلزوم الأخذ به لو زاد علی التقدیر بزوال التغیر و علی کل حال فالأخذ بأخبار التقدیر مطلقاً و التغیر مطلقاً أوجه لأن فیه جمعا بین الأخبار فی محل إمکان الاجتماع و طرحا لمحل التنافی بینهما لعدم جواز ترجیح أحدهما علی الآخر من دون مرجح و دعوی قوة أخبار التغیر فیجب تقدیمها أو قوة أخبار التقدیر فیجب الأخذ بها بعد زوال التغیر أو قوة أخبار الجمیع

ص: 59

للمتغیر مطلقاً أو مع عدم الإمکان یرجع إلی أخبار التقدیر أو یرجع إلی أخبار التطهر بزوال التغیر دعوی ضعیفة بالنسبة إلی ما ذکر.

عاشرها: لو وقع فی البئر متنجس بأحد النجاسات المقدر لها النزح

قوی القول بوجوب نزح المقدر لعدم زیادة الفرع علی أصله و احتمل وجوب نزح الجمیع بناء علی وجوبه فیما لا تقدیر فیه و احتمل تقدیره مغیرا فینزح حتی یذهب التغیر التقدیری.

حادی عشرها: لو نقص ماء البئر عن النزح المقدر

قوی القول بالاکتفاء بنزح الجمیع و احتمل تتمیم المقدّر بما یخرج من الماء بعد ذلک و هو بعید و لو وقع فی البئر النجاسة المقدرة و ماء النزح فالأقوی الاکتفاء بمقدار النجاسة و احتمل الحکم ینزح الجمیع لأن الماء لا مقدر له و احتمل نزح ما یزول به التغیر تقدیراً.

ثانی عشرها: ینزح ماء البئر کله إلّا الرطوبة المتعارف عدم إمکان إخراجها إن صب فیها خمر

للأخبار و الإجماع و مثل الصب الوقوع مطلقاً لإطلاق الصب علیه و لإلغاء الفارق و لا فرق بین القلیل و الکثیر للإجماع المنقول و الشهرة المحصلة فما ذهب إلیه (الصدوق) من إیجاب قطرة الخمر لعشرین دلواً استناداً لروایة ضعیفة سندا و متنا لاشتمالها علی ما لا یقولون ضعیف و کذا ما ورد من إیجابها ثلاثین و یلحق بالخمر کل مسکر أما لدخوله فیه اسما لأنه اسم لکل ما یخمر العقل أو حکماً لما ورد أن کل مسکر خمر و التشبیه تقضی بإعطاء جمیع أحکام المشبه به للمشبه و أما للإجماع المنقول و فتوی المشهور و ینزح کُلّهُ للفقاع أیضاً للإجماع المنقول و فتوی المشهور و لدخوله فی الاسم أو الحکم لورود أنه استصغره الناس و أما العصیر العنبی فما لا نص فیه و ینزح للمنیّ أیضاً من کل ذی نفس سائلة للإجماع المنقول و فتوی المشهور و لا یختص بمنی الإنسان لتبادره منه کما قیل و ینزح لأحد الدماء الثلاثة أیضا لفتوی المشهور و الإجماع المنقول أو لأنه لا نص فیه و ما جاء فی الدم منه ما هو خاص بدم شاة و شبهها و منها ما هو مطلق ینصرف لغیر الدماء الثلاثة و ینزح لموت البعیر فیها أو وقوعه میتاً لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و الصحیح الدال علی ذلک و الظاهر أن

ص: 60

البعیر کالإنسان یشمل الذکر و الأنثی کما نقل علیه کلام أهل اللغة و دعوی أن العرف بخلافه ممنوع لاشتباه العرف کما أن الظاهر شموله للصغیر و الکبیر کما حکم به جمعٌ من أصحابنا و نسب لبعض أهل اللغة و قیل باختصاصه بالبازل و قیل بأنه اسم لما جذع من الإبل و الأول أقوی و ینزح للثور أیضاً للصحیح و نسب لفتوی المشهور و قد یلحق به البقرة لقوله فی الصحیح فإن مات فیها ثور و نحوه نزح الماء کله نعم یشک فی شمول الثور و البقرة للصغیر منهما و الوحش لظهورهما فی الکبیر و الأهلی و لکنهما یدخلان فیما لا مقدر له و الأقوی فیه نزح الجمیع أیضاً کنزحها لوقوع الفیل و عرق الجنب من المحرّم و عرق الجلالة و وقوع روث و بول ما لا یؤکل لحمه و وقوع الکلب و خروجه حیا و کذا الخنزیر کل ذلک إن قلنا به فنقول به لعدم النص.

ثالث عشرها: إذا تعذر نزح الجمیع أو تعسر بحیث أضر بالحال إخراج تمام الماء منها

کفی نزف أربعة رجال یتراوحون علیها اثنین اثنین یوما من طلوع الفجر إلی ذهاب الحمرة المشرقیة لبعض الأخبار المنجبرة بفتوی مشهور الأخبار و منقول الإجماع و عدم ما یعتد به من النزاع و الموجود فی روایة (عمار قوم) و هو حقیقة فی الرجال دون النساء للمقابلة فی قوله" لٰا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ وَ لٰا نِسٰاءٌ مِنْ نِسٰاءٍ" و قوله (أقوم آل حصن أم نساء) و لما یظهر من کلام جملة من النقلة فعلی ذلک فلا یکفی الخناثی بل و لا النساء بل و لا الصبیان لعدم النصّ إلا مع المساواة فی التأثیر فیمکن الحکم بالاجتزاء بهما لتنقیح المناط کالأجزاء بالحیوان کذلک لو کان مساویا فی التأثیر و الموجود فیها یتراوحون اثنین اثنین و مقتضاه للزوم الأربعة فصاعدا لأنه أقل عدد ینقسم اثنین اثنین فما فوقها من الستة و الثمانیة إلا إذا أدت الکثرة لزیادة بطوء فیشک فی شمول الإطلاق لها و هل یجزی الاثنین یتراوحون أو الثلاثة إذا قاموا فی العمل مقام الواحد أم لا؟ لا یبعد الأجزاء و الموجود فیها یوما إلی اللیل و الظاهر منه یوم الصوم من طلوع الفجر إلی غیاب الحمرة لأنه هو الظاهر شرعا و عرفا و انصرافه إلی ما دون ذلک فی الإجارة خلاف الظاهر لکنه جاء به خطاب الإجارة بالخصوص فصارت الإجارة کالقرینة علی إرادة ما دون ذلک و حکم بعضهم أن الیوم من الغدوة إلی اللیل

ص: 61

لا ینافی ذلک لإطلاق الغدوة علی ما بین الفجر و طلوع الشمس و الظاهر أن المراد بالیوم التحقیق لا التقریب فیجب الأخذ من باب المقدمة له ابتداء و ختاماً، نعم لا یضر الاشتغال بالأشیاء الیسیرة المعتادة من قبل قملة أو دابة أو حک جلد أو تغوط و نحو ذلک و جوز لهم جمع من أصحابنا الاجتماع للغداء و الصلاة جماعة و هو مشکل و یکفی فی الأیام أی یوم کان من قصیر أو طویل و فی أجزاء قدر یوم من اللیل أو قدر یوم ملفق فی الیوم و اللیل متواصلا أو قدر یوم ملفق من یومین مع الانفصال أو قدر نصف یوم الثمانیة أو أربعة لستة عشر لو کانت بئرا واسعة أو یومین لأثنین أو أربعة لواحد أو قدر ما یخرج فی الیوم و لو بساعة کما إذا کان الإخراج بدلو کبیر علی حیوان کبیر أو غیر ذلک إشکال و بقوی الأجزاء فیما یقع بإلغاء الخصوصیة دون ما یحصل به شک معتبر و لو حصل عارض فی أثناء الیوم عن إتمام النزح احتمل التلفیق من اللیل أو یوم آخر أو احتمل لزوم استئناف العمل و لو تغیر حال البئر فی أثناء النزح إلی ما یمکن نزحه أحتمل وجوب نزح الجمیع و احتمل الاکتفاء بإتمام الیوم و الظاهر أن کیفیة النزح أن یستقی کل اثنین دفعة لا أن یدخل الدلو فی الماء واحد و یناوله الآخر مع احتمال ذلک و کیفیة التراوح أن علی اثنین إلی أن یتعبأ ثمّ یعطیانه للآخر و هکذا لا أنهما یقتسمان النهار إنصافا مع احتمال ذلک.

رابع عشرها: ینزح کُرّاً لموت الحمار و البغل

للروایة المؤیّدة بفتوی المشهور فلا یضرّ ضعف السند و الاشتمال علی ذکر الحمار و یلحق بهما الفرس للإجماع المنقول و فتوی المشهور و یحتمل لزوم الدلاء فی الفرس للصحیح الدال علی ذلک و لکن الجمع بینهُ و بین فتوی المشهور و الإجماع المنقول حمل الدلاء علی ما یبلغ کرا فی الفرس و الحق جمع البقرة بذلک و لکن إلحاقها بالثور أولی و لا یتفاوت الحال بین الأهلیة و الوحشیة فی الحمیر و الخیل علی الأظهر

خامس عشرها: ینزح سبعین لموت الإنسان فیها أو وقوعه میتا لإلغاء الفارق

و إن کان مورد الروایة الأول و لا یتفاوت بین الصغیر و الکبیر و لا بین المسلم و الکافر لإطلاق النص المعتضد بفتوی المشهور المشتمل علی بیان حکمه حیا و میتا لأن مورده

ص: 62

الإنسان یقع فیموت فلو وقع و لم یمت و کان کافرا فهو أولی بوجوب السبعین و یقوی وجوب نزح الجمیع لموت الکافر لوجوب نزح الجمیع له لو وقع حیا فبالأولی لو مات فیها و لأن الموت إن لم یشدد نجاسته لا یضعفها و لا استصحاب ما کان علیه فی حال الحیاة من وجوب نزح الکل و لانصراف الخبر للمسلمین لقلة وقوع الکفار فی تلک الآبار و لأن إیجاب السبعین من جهة الموت لا ینافی إیجاب الکل من جهة الکفر و لأن نجاسة الکفر مستصحبة زمن الحیاة و أن زال الکفر بالموت بزوال الاعتقاد.

سادس عشرها: ینزع للعذرة الیابسة و هی فضلة الإنسان کما عن أهل اللغة عشرة دلاء

لفتوی المشهور و الإجماع المنقول فإن ذابت فأربعون أو خمسون تخیر أو خمسون تعینا کما أفتی به المشهور و لاحتمال کون التردید من الراوی و حکم النجاسة مستصحب و یزیده ضعف الحکم بالتخیر بین الأقل و الأکثر لقلة وجوده بل و عدم إمکانه فی حکم الذوبان التقطیع کما نسب تفسیره للمشهور و کذا تفتُّت أجزاء الیابسة علی الظاهر و یحتمل الاقتصار علی الذوبان فقط کما هو مورد النص لظهوره فی المیعان کما أن التقیُّد بالیابسة لیس له فی النص أثر بل الظاهر أن الرطبة لو لم تذب کان حکمها حکم الیابسة و دعوی انصراف العذرة فی الوقوع للیابسة دون الرطبة دعوی لا شاهد لها و ذوبان البعض کذوبان الکل لتنقیح المناط و صدق الذوبان علیها مع احتمال إرادة ذوبان الکل کما یفهم من تعلیق الوصف علی مجموع الاسم و ما ورد من ایجاب نزح دلاء للعذرة مقید بهذه الروایة و کذا ما ورد من نفی البأس عن وقوع العذرة یقید بما بعد نزح المقدر و أما خبر لروایة الدال علی نزح ثلاثین فی العذرة المخلوطة بماء المطر لا یعارض ما تقدم لضعفه و لاحتمال وروده فی المختلط.

سابع عشرها: ینزح لکثیر الدم عرفا بالنسب إلی نفسه لا بالنسبة إلی البئر الواقع فیها

لظهور کون وصف الکثرة متعلق بنفسه لا بالواقع فیه خمسون دلوا وفاقا لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و الاحتیاط و فی القلیل عشرة دلاء لما ذکر و لورود الأخبار ینزح دلاء یسیرة و هو جمع کثیرة و أقله عشرة حقیقة أو ظهورا فیحمل علی أقله للاصل و لقوله یسیره و قد یمنع دلالة الروایة علی الکثرة حقیقة و ظهوراً لنفسها أو

ص: 63

لقوله و یسیره فإنها قرینة صادقة للفظ إلی القلیل و هو الثلاث و مثلها فیبقی السند الإجماع المنقول و فتوی المشهور و دعوی أن دلاء تمیز لعدد محذوف فیقدر الأکثر للاحتیاط اللازم فی الإجمال منظور فیه أولا بمنع جعل الدلاء تمییز المحذوف بل هو مفعول به یراد به معناه الجمعی و هو صادق علی القلیل و الکثیر و ثانیاً یمنع لزوم تقدیر الأکثر بالکفایة تقدیر الأقل و الأصل البراءة من الزائد و فی إلحاق دم نجس العین بمطلق الدم لإطلاق بعض الأخبار أو إلحاقه بغیر المنصوص لانصراف الإطلاق لغیره فیلحق بالدماء الثلاثة الواجب لها نزح الجمیع وجهان أقواهما الثانی و قیل یجب فی الکثیر ثلاثین إلی أربعین للصحیح فی دم الشاة الذی هو من الکثیر ما بین الثلاثین و الأربعین و لا یراد به العشرة التی بینهما قطعاً فیحمل علی إرادة التخیر فی العدد و فیه أنه یحتمل إرادة جعل ما بین الثلاثین إلی الأربعین مضافة إلی الثلاثین فیکون أربعین بل یقوی هذا بقرینة الشهرة و الإجماع المنقول و قیل یجب فی القلیل خمس و کأنه استناداً إلی أن أقل جمع الکثرة عشرة فی لفظ دلاء و تقیدها بیسیره تنصّفها فیکون المراد خمس و هو ضعیف کما تری و قیل ینزح للدم من واحد إلی عشرین و لیس له مستند معتمد و المروی عشرون لقطرات الدم و لا قائل به.

ثامن عشرها: ینزح لبول الرجل أربعین دلوا

تبعا للمشهور و الإجماع المنقول و الروایة المعتبرة بما ذکرنا الدالة علی ذلک و إنْ ضعف سندها (بعلی بن حمزة) فلا یعارضها ما دل علی وجوب نزح الماء کله من الصحیح لعدم القائل به و علی نزح ثلاثین لضعف روایته بکردویه و علی نزح دلاء لقطرات البول من الصحیح لعدم منافاته للأربعین فیحمل علیه جمعاً و لا یلحق ببول الرجل بول الصبی لتصریح الروایة بالرجل و المفهوم منه الذکر البالغ و لا بول المرأة کذلک إلا أن (ابن إدریس) نقل تواتر الأخبار علی نزح أربعین لبول الإنسان مطلقاً فإن تم ذلک أو تم بتنقیح المناط بین الرجل و المرأة وجب لحاقها به و إلا کان مما لا نص فیه کالخنثی لاحتمال إنها أنثی و لو ألحقنا المرأة بالرجل لم تزد الخنثی علیه و لا فرق فی البول بین بول الکافر و المسلم و القلیل و الکثیر.

ص: 64

تاسع عشرها: الأظهر أنه ینزح لموت الثعلب و الأرنب و السنور و ابن عرس و ابن آوی و الشاة و الغزال و الکلب و الخنزیر

لفتوی المشهور و الروایات الدالة علی نزح أربعین للسنّور و للکلب و شبهه و علی نزح ثلاثین أو أربعین للسنور أو أکبر منها. الظاهرة فی الموت فیها لا مجرد الوقوع فلا یعارضها ما دل علی نزح الجمیع بموت الکلب و الخنزیر لعدم العامل به و کذا لما دل علی نزح دلاء بوقوعهما لتقیّده بما ذکرنا من الأربعین و کذا ما دل علی نزح خمس من الکلب و السنّور لعدم العامل به أیضا و کذا ما دل علی السبع لضعفه و عدم العامل به و فی کثیر من هذه عدم ذکر الموت بل تعلیق الحکم علی مجرد الوقوع و لا قائل به فتضعف من هذه الجهة و لکن یبقی الإشکال فی دخول الخنزیر و الشاة فیما أشبه الکلب إشکال لأنه إن أرید شُبهه فی النجاسة بعدت الشاة عن المشابهة و إن أرید فی الحجم بعدا معاً عنها و کذا فی دخول ابن عرس و ما شابهه لعدم شبهه بالکلب و عدم کونه مثل السنور و الأکبر منها و ذهب بعض لوجوب نزح الجمیع للخنزیر لروایة الثور و شبهه و بعض إلی وجوب تسع إلی عشر للشاة و شبهها لخبر (اسحاق بن عمار) أو سبع لخبر (عمر بن سعید) و الأول أقوی.

عشرونها: ینزح سبع لأمور منها موت الطیر ما عدا العصفور و شبهه

و فسر بالحمامة و النعامة و ما بینهما و یدخل فیها الدجاجة لأنها طیر عرفاً و إن قل الصّدق علیها و یدخل فیها مأکول اللحم و غیره و الصغیر و الکبیر و الحکم منسوب للمشهور و نقل علیه الإجماع فی الجملة و دللت علیه الأخبار المعتبرة بما ذکرناه و إن لم تکن بنفسها کذلک فبهذا رجحت علی صحیحة (أبی أسامة) الدالة علی نزح خمس للدجاجة و الطیر لعدم العامل بها و علی ما دل علی نزح دلوین أو ثلاثة و علی ما دل نزح عشرین إذا تفسخ الواقع و منها الفارة إذا تفسخت للأخبار المطلقة ینزح سبع و المقیدة بالتفسخ فیجمع بین مطلقها و مقیّدها بذلک و لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و بهذا یرجح علی ما دل علی کفایة نزح الخمس من الصحیح و علی ما دل علی نزح الکل لعدم العامل به و علی ما دل علی نزح عشرین و یلحق بالفارة الجرذ لصدق اسمه

ص: 65

علیه و إن کان له اسماً مستقلًا علی الظاهر مع احتمال أنه من غیر المنصوص و ظاهر جملة من الأصحاب إلحاق الانتفاخ بالتفسخ و هو قوی من حیثیّة الاحتیاط لا من حیثیة أن التفسخ هو الانتفاخ کما یتخیل و الظاهر أن المراد بالتفسخ هو ما کان بنفس الماء لا ما کان خارجاً عنه فوقعت متفسخة فیه مع احتمال الإلحاق للاحتیاط و منها بول الصبی الذی لم یبلغ و کان متغذیاً بالطعام مستغنیاً عن الرضاع لأنه المفهوم منه عند الإطلاق و یراد بالاستغناء المنشئانیة لا الفعلیة و یدل علی ذلک الحکم روایة (منصور) المنجبرة بفتوی المشهور و بهذا ترجح علی صحیحة (عمار) الدالة علی نزح الماء کله و علی ما دل علی نزح دلو واحد و علی ما دل علی ثلاث و الظاهر عدم إلحاق الصبیة و الخنثی به لأنه خروج عن مردود النص کما أن الظاهر شمول الصبی للکافر و المسلم و منها اغتسال الجنب فی البئر ارتماسا أو ترتیبا و فتوی مشهور الأخیار فتخصیصه بالارتماس لا وجه له کما تخیله بعضهم و لا یبعد إلحاق مطلق الوقوع و النزول و الدخول فی البئر بالاغتسال فی الحکم بالسبع لتعلیق الحکم فی جملة من الأخبار علی الدخول و النزول و شبههما و ما اشتمل فیها علی الاغتسال لا یصلح للتقید لضعفه سندا و دلالة علی أن حمل المطلق علی المقید فی باب السنن و الآداب لا نسلمه و النزح عندنا من السنن لا من الواجبات و الحکم بظهور إرادة الاغتسال من هذه الألفاظ ممنوع و الظاهر أن الحکم معلق علی المجنب فلا یسری بغیره من الأحداث الکبریات اقتصاراً علی المنصوص فلا یؤثر الحدث الأکبر غیر الجنابة فی البئر شیئا تنجیسا أو سلب طهوریة أو غیرهما لعدم الدلیل علی ذلک و احتمال التأثیر و التزام نزح الکل لدخوله فی غیر المنصوص أو إلحاقه بالجنب ضعیف و الظاهر تخصیص الحکم بما تقدم و عدم سریانه للمباشرة مطلقاً لعدم الدلیل علی ذلک کما أن الظاهر اختصاص الحکم بالجنب من حیث الجنابة لا مطلقا فلو کان بدنه متلوثا بنجاسة، جری علیها حکمها فی النزح حتی لو کان منیّاً لوجب له نزح الجمیع و کذا لو کان کافراً و هل النزح علی القول بنجاسة البئر تعبد شرعی أو لسلب الطهوریة أو لرفع النجاسة وجوه أقواها أوسطها لأن البئر عندهم کالقلیل و المستعمل فیه لرفع الحدث الأکبر ربما یمکن أن یدعی فیه

ص: 66

سلب الطهوریة فکذا هنا للنص و لإشعار قوله (علیه السلام): (لا تفسد علی القوم ماءهم بذلک) و إن احتمل استناد الإفساد لخوف الموت أو إخراج العفونة أو تغیر الماء لکن ما ذکرناه أظهر و أما احتمال التنجیس فیبعده تنجیس البئر بغیر النجس و النجاسات محصورة معلومة و هی متساویة فی الحکم فاختصاص البئر دون غیرها به بعید و احتمال أن الأمر بالنزح یدل علی النجاسة کالأمر بالغسل بعید جدا و ظهر مما ذکرنا حکم المغتسل بهذه البئر فإنّا إن أخذنا بظاهر النهی عن الوقوع فیها و عن الإفساد بطل الغسل لکونه منهیّاً عنه لوصفه اللازم أو المفارق المتحد معه فی الوجود و کلاهما مقتض للبطلان سیما و فی الروایة الأمر بالتیمم و هو مبنی علی فساد الغسل و إن لم نأخذ بظاهر النهی استضعافا للروایة کما هو الأقوی فإن قلنا بطهارة البئر و عدم سلب طهوریتها و استحباب النزح أو وجوبه تعبّداً فلا إشکال و إن قلنا بنجاستها قوی حینئذٍ القول بصحة الغسل ارتماساً و تنجسه حین خروجه و کذا لو قلنا بسلب طهوریتها فإنه إنما یکون بعد الخروج و أما لغسل ترتیبا فیحتمل القول بتنجیسها أو سلب طهوریتها من ابتداء الغسل فلا ینتفع بها بعد ذلک و یحتمل القول بها بعد تمام الغسل و الجزء الأخیر منه فیصح الغسل حینئذ و تتنجّس البئر بعد ذلک و تسلب طهوریتها أیضا بعد ذلک لأن الموجب لهما الاغتسال و لا یتحقق إلا بعد تمامه و ربما یقوی الثانی بخلوّ الأخبار عن بیان فساد الغُسل و منها وقوع الکلب البرّی و خروجه حیا للروایة المعتضدة بفتوی المشهور و بها یخصص ما جاء من الأمر بنزح دلاء و بذلک ترجح علی ما ورد من الأمر بنزح خمس لعدم العامل بها و الظاهر إلحاق مطلق مباشرته بوقوعه و یحتمل اختصاص الحکم بالوقوع عرفا بحیث یستولی الماء علی أکثر جسمه.

الحادی و العشرون: ینزح خمس لذرق الدجاج الجلال

و لم نعثر علی نص فیه بالخصوص فیقوی إلحاقه بغیر المنصوص و احتمال إلحاقه بالعذرة ضعیف لأنها فضلة الإنسان کالاحتمال لزوم الثلاثین لضعف المستند.

الثانی و العشرون: ینزح لموت الحیة دلاء ثلاث

لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و لروایة (الحلبی) إذا یسقط فی البئر حیوان صغیر فمات فیها فلینزح منها دلاء و أقل

ص: 67

الجمع ثلاثة و قد یقال بالسبع لروایة (ابن سنان) فی الدابة الصغیرة سبع لکنه ضعیف لعدم القائل به کالقول لنزح الواحد لموتها و القول بدخوله فیما لا نص فیه فیجب له نزح الجمیع أو السبعین لما ورد أن أکبره الإنسان و ینزح له ذلک لا یخلو من وجه و لکن لا قائل بجمیع ذلک ممن یعتد به و النزح هنا للسّمّیة و زوال النقرة أو التعبد لأن الحیة غیر منجسة لأنها لیس لها نفس سائلة و کذا ینزح ثلاثة للفأرة إذا لم تتفسخ و تنتفخ لفتوی مشهور الأصحاب و الأخبار الدالة علی نزح الدلاء بموت حیوان صغیر المحمولة علی ذلک لأن أقل الجمع ثلاث و الأخبار الدالة علی لزوم نزح الثلاث مطلقاً المحمولة علی ما إذا لم تتفسخ جمعاً و کذا ینزح ثلاث لموت الوزغة علی الأشهر من غیر تفاوت بین تفسّخها و عدمه و قیل بالسبع إذا تفسخت و الثلاث بدونه و قیل بکفایة الواحد و قیل بعدم لزوم النزح و الأول أقوی لورود الصحیحین به و فتوی الکثیر من فقهائنا فیرجح علی ما ورد بکفایة دلو واحد لجلد الوزغ و علی ما ورد بالسبع لسام أبرص إذا تفسخ وسام أبرص و الوزغة شی ء واحد و لکن الکبیر هو سام أبرص فلذلک اختص باسمه و کذا علی ما ورد بعدم شی ء لوقوع سام أبرص و علّل أیضاً بأنها غیر نجسة فلا تنجس و کذا ینزح للعقرب ثلاثا أیضا لأشعار بعض الأخبار و فتوی کثیر من الأخبار و یقوی القول بعدم الوجوب لطهارتها و لما ورد أنه لیس علیها شی ء.

الثالثة و العشرون: ینزح لموت العصفور دلوا واحدا

لروایة (عمار) و فتوی المشهور و یلحق به کل ما کان دون الحمامة أما لصدق اسم العصفور علیه أو لمشابهته له و نسب ذلک للمشهور و لکنه لا یخلو من إشکال لمنع صدق الاسم و منع إجراء الحکم لأجل المشابهة و یحتمل إلحاق غیر العصفور بالطیر لشموله له و یمنع اختصاصه بالحمامة و النعامة و ما بینهما و یحتمل دخوله فی ما جاء فی الحیوان الصغیر ینزح دلاء له و کذا ینزح واحد لبول الرضیع و هو الذی من شأنه الرضاع و عدم التغذی بالطعام لفتوی المشهور و خبر (علی بن حمزة) و لا یبعد اشتراط عدم التغذی بالطعام له بالفعل و إن کان أقل من سنتین لغلظ بوله حینئذٍ و المراد بالطعام هو القوت فلا یدخل فیه السکر

ص: 68

و الحلیب و شبههما و قد یفسر الرضیع بمن کان فی سن الرضاع أو من زاد رضاعه علی أکله أو من لم یأکل بشهوة.

الرابع و العشرون: ینزح ثلاثین لماء المطر المخالط للبول و العذرة و خرء الکلب

وفاقا للمشهور و خبر کردویه المعتبر بها و بذلک یضعف ما قیل أن المقدر للثلاثة أکثر فکیف یکتفی للمجموع بالأقل قلنا البئر تفرق للمجتمعات و تجمع المتفرقات و لو خالطت هذه الأشیاء غیر المطر جری علیه حکمه و لم یشمله خبر کردویه و کذا لو خالط المطر غیرها لخروجه عن النص.

الخامس و العشرون: جزء الحیوان ککُلّهِ فی النزح

و لا یزید علیه إن لم ینقص عنه و احتمال إرجاعه لغیر المقدر فینزح له الکل بعید و لو وقعت الأجزاء متعاقبة تداخلت و لا تزید علی حکم الجملة علی الأظهر و أما جزئیات النوع الواحد کالخمر و الدم فلا یتفاوت الحال بین قلیلهِ و کثیرهِ إلا إذا علّق الحکم علی أحد الوصفین فیکون تابعا له أو تتعدد وقوعاته و إن کان الواقع واحد أو تعدد وقوعاته لتعدد الواقع فلا یبعد تعدد المقدّر حینئذٍ بتعدد ما ذکرناه لأصالة عدم التداخل و لکن الأقوی التداخل أیضا کما ذکرنا و لو وقعت أجزاء لم یعلم أنها من واحد أو متعدّد فالأقوی الحکم بالاتحاد لأصالة عدم التعدد و أصالة البراءة و الاحوط الحکم بالتعدد و رجیع الحیوان و حمله عند وقوعه إن بقی فی محله فلا أثر له و ان سقط الجنین و خرج الرجیع کان لهما الاستقلال بالحکم و إن بقیا و لکن أتصل بهما ماء البئر فوجهان أحوطهما إجراء حکم الاستقلال علیهما و لو وقع جزء طاهر من المیتة فالظاهر أنه لا حکم له لطهارته.

السادس و العشرون: زوال التغیر مطهر عندنا

و القائلون بالنجاسة یلتزمون نزح الجمیع أو ما یزول به التغیر تقدیراً لعدم زیادة الفرع علی الأصل أو نزح المقدر و إلّا فالجمیع أو أکثر الأَمرین منه و ما یزول به التغیّر التقدیری.

السابع و العشرون: لو غیّرت البالوُعة المتنجس ماءها لاجتماع النجاسات فیها ماء البئر تنجس بالتغیر

و إلا فلا تنجس البئر علی القول بعدم انفعالها و علی القول بانفعالها تتنجس و ینزح لها المقدر و یکفی أکثر المقدر علی القول بالتداخل و یلزم الإتیان بکل

ص: 69

مقدّر علی القول بعدمه و لو کان معها غیر مقدر نزح الجمیع و مع الشک لوصول ماء البالوعة للبئر فالمحکم أصالة الطهارة علی القولین و ما ورد من منع الوضوء منها إن کان تباعدها عن وادی البول أقل من ثلاثة أذرع مع فوقیتها و مع تسعة مع تحتیتها إن استقر علی أرضه محمول علی صورة العلم، نعم یستحب التباعد بین البئر و البالوعة بخمس أذرع بذراع الید المحدود فی تقدیر المسافة إذا کانت الأرض صلبة أو کانت البئر أعلی قرارا منها و بسبع یدونهما فصور الخمس أربع و صور السبع اثنین وفاقاً للمشهور و لمرسلة (قدامة) الدالة علی السبع مع السهولة و الخمس مع الجبلیة و خبر (ابن رباط) الدال علی الخمس مع تحتیة البالوعة و السبع مع فوقیتها و الجمع بینهما بتقیّد السبع فی کل بالخمسة فی الأخر و الشاهد علیه فتوی الأصحاب و عملهم و أصالة البراءة فهو مقدم علی الجمع بالعکس و یحمل ما دل علی التسعة مع فوقیة البالوعة مطلقاً علی الندب زیادة لمخالفة لفتوی المشهور فلا یصلح معارضا لما قدمنا و قد تعتبر الفوقیة و التحتیة و التساوی تجنب الجهة فما کان بجهة الشمال فوق و ما کان منحدرا عنه إلی جهة الجنوب کان تحت و ذلک لأن مجاری العیون منحدرة من جهة الشمال إلی جهة الجنوب لکرویة الأرض و علو جهة الشمال و ما کان سواء بالنسبة إلی الجنوب و الشمال فهما سواء کان أحدهما فی جهة المغرب و الأخری فی المشرق أو بالعکس فیجتمع من مضروب هذه الأربعة فی الستة الأول أربع و عشرون صورة هذا إن جعلنا الجهات الأربع علی جهة الاعتدال و اقتصرنا علیها و أن ضممنا إلیها الزوایا الأربع الحاصلة من الجهات الأربع کانت الصور ثمانیة و أربعین صورة و الأظهر فیها أنه عند تعارض الفوقیة الحسیة مع الفوقیة الناشیة من الجهة تقدم الفوقیة الحسیة علی غیرها و مع عدم التعارض فلا بأس باعتبار فوقیة الجهة للتسامح بأدلة السنین و لا یبعد أن الخمسة و السبعة و الاثنی عشر کما بعض الأخبار کلها من باب المثال لإرادة التنزه و الاختلاف لاختلاف الأراضی قوة و رخاوة و علوّاً أو هبوطاً حتی لو کانت الأرض صخرة منقورة لکفی الشبر و لو کانت رملا هَیّالًا لم تکفِ الاثنی عشر نعم ما فی الأخبار ینزل علی غالب الأراضی الصلبة منها و السهلة.

ص: 70

بحث فی الماء النجس لا یرفع حدثاً و لا خبثاً

اشارة

الماء النجس لا یرفع حدثاً و لا خبثاً إجماعاً و تعاد الصلاة فی الوقت و خارجه لو توضأ بماء نجس مع العلم و الجهل و النسیان علی الأقوی و الاحوط. و لو استعمل فی الرفع بنیة المشروعیة تشریعاً حراماً. و لو استعمل صورة فلا بأس مع احتمال حرمة الصورة فی رفع الحدث لورود النهی الأصلی عن استعماله کذلک و الأمر بالإراقة فی المشتبه فهو بالطریق الأولی و یحرم شربه إلّا للضرورة و یجوز بیعه لمکان تطهیره و هل یحرم تقدیمه لمن لا یعلم بنجاسته کالطفل و الضعیف أم لا؟ وجهان أقواهما و أحوطهما التحریم للإغراء بالجهل و أما المشتبه بالنجس فالأقوی وجوب اجتنابه فی الأکل و الشرب و حرمة استعماله فی رفع الحدث مطلقاً و عدم حصول التطهر به إلّا إذا تعاقب مجموع المشتبه علی المحل النجس فهناک کلام آخر یأتی إن شاء الله تعالی و الأقوی عدم تنجیسه لما لاقاه إلّا إذا کان الملاقی کل فرد منه

و هنا أمور:

أحدها: الشبهة أما محصورة أو الغیر محصورة

و المرجع فی الفرق بینهما العرف و لا یبعد أن ما استلزم من التجنب عنه العسر و الحرج لعامة المکلفین فی اغلب الأحوال فهو من غیر المحصور و إلّا فهو من المحصور و یحتمل أنّ ما قل عده و صغر حدّه فهو محصور و إلّا فغیر محصور و حکم الشبهة غیر المحصورة حلیة الأقدام و عدم حرمة التجنب عنها للسیرة المستمرة و العسر و الحرج لو لا ذلک و لاتفاق أصحابنا علی ذلک ممن تعبد بقولهم و للروایات المتکثرة فی مقامات متعددة الدالة علی حلّیة الأمور العامة مع القطع باشتمالها علی النجس و المحرم و المغصوب و غیر ذلک.

ثانیها: حکم الشبهة المحصورة وجوب الإتیان بالجمیع إن اشتبه الواجب

فی غیر المحرم من أفراد الاستصحاب الشغل الیقینی المتوقف علی الفراغ الیقینی و لأن التکلیف بالواقع و لا یحصل الامتثال عرفاً إلّا بالإتیان به و لا یمکن الإتیان به إلّا بالإتیان بالجمیع من باب المقدمة و دعوی أن التکلیف إنمّا هو بالمعلوم فمع الجهل لا تکلیف دعوی مخالفة المأموریة لظاهر الخطاب و لکلام الأصحاب کدعوی الحکم بالقرعة لإخراج المشتبه لضعف دلیل القرعة و إعراض الأصحاب عن العمل بها فی مثل هذه

ص: 71

المقامات و کذلک دعوی ثبوت التخیر بین الأفراد المشتبهة بزعم أنّ الشُّغل الیقینی یکفی فی رفعه رفع الیقین به و لا یفتقر إلی یقین الرفع لا وجه لها لأنَّ الحکم بالتحیز حکم من غیر دلیل و لأن الامتثال عرفاً موقوف علی یقین رفع الشغل بفعل المأموریة واقعاً و حیث لم یحصل لم یُحصّل.

ثالثها: حکم الشبهة المحصورة تجنب الجمیع إذا دخل المحرم فی غیره من الأفراد

و اشتبه حتی فی الواجب لاشتمال المحرم الأصلی علی المفسدة و دفعها أهم من جلب المنفعة و ترک الواجب و أن اشتمل علی ذلک أیضاً لکن مفسدته لا توازی مفسدة المحرم الأصلی فیترک لأجلها و تشعر بذلک الأخبار و کلام الأصحاب، نعم لو علمت أهمیة الواجب کحفظ النفس المحترمة و العرض و اشباهها من غیر العبادات قدم علی ترک المحرم و فعل المحرم لأجله و الدلیل علی وجوب التجنب هنا فتوی الأصحاب بل ربما یدعی الإجماع و کذا باب المقدمة للأمر باجتناب المحرم واقعاً و لا یتم إلا باجتناب الجمیع و لا یحصل الامتثال عرفاً إلّا به و کذا استقراء الأخبار فی مقامات متعددة کالناهیة عن أکل اللحم المختلط ذکیه بمیتة و کالآمرة بالصلاة فی الثوبین المشبّهین و الآمرة بإهراق الإناءین و غیر ذلک فالقول بالرجوع للقرعة هنا ضعیف جداً لضعف دلیلها و لکن ذهب جمع إلی حلیة الجمیع علی سبیل التدریج حتی ینتهی إلی ما یقطع باستعمال المحرم معه بل هو حلال حتی ما یقطع معه باستعمال المحرم لأن القطع باستعمال المحرم معه و لو سابقاً لا یُصیّرهُ محرماً إنما المحرم ما تعلق به التحریم، نعم لو ارتکب الجمیع دفعة حرم للقطع باستعمال المحرم حین ارتکابها و استدلوا علی ذلک بالأصل و الاستصحاب و بأنه یکفی فی رفع یقین خطاب التحریم عدم العلم بفعل المحرّم و لا یتوقف علی العلم بعدم فعل المحرّم و بأن التکلیف مع العلم و البیان و مع الجهل یرتفع من أصله لأن الناس فی سعة ما لم یعلموا أو بالأخبار الدالة علی أن کل شی ء فیه حلال و حرام فهو حلال حتی تعلم الحرام بعینه فتدعه و بالأخبار الدالة علی حلیة جوائز الظلم و الأخذ مما فی أیدیهم و غیر ذلک من الأخبار و هذا المذهب و إن کان فیه قوة إلّا أنّ الأوّل أقوی منه لضعف ما ذکروه فی الاستدلال أما الأصل

ص: 72

و الاستصحاب فهما مقطوعان أولا بیقین التحریم فلا یصح التمسک بهما و القول بأن یقین التحریم غیر قاطع لإجراء الأصل فی کل فرد لأن کل فرد مشکوک فی تحریمه بل هو قاطع لمجموع الأصلین فلا یقطع کل فرد فکل فرد مشکوک فی طرق القاطع علیه و الشک فی القاطع لا یقطع الأصل مردوداً و لا بأن الیقین کما أنه قاطع لعمل الأصلین معاً کذلک یکون قاطعاً لعمل کل واحد للزوم الترجیح من غیر مرجح لو عمل بأحدهما دون الآخر و لأنّ الدلیلین إذا علم طرق الناقض علیهما بطل العمل بکل منهما، نعم لو لم یعلم بذلک کان الحکم أن یؤخذ بأحدهما علی سبیل التخیر و ثانیاً بأن باب المقدمة حاکم علی الأصل و وارد علیه فیقدم علیه و ثالثاً بأن العلم علی أحد الأصلین یستلزم إثبات التحریم فی الجانب الآخر و الأصل المثبت لا یصح التمسک به و أما کفایة عدم العلم بفعل المحرم و فی دفع التکلیف بالمحرم فهو مسلم فی ابتداء التکلیف أو فی غیر المحصور لجریان أصل الحل فیهما و شمول عموم أدلة أصل الحل لهما و غیر مسلم فی المحصور المقطوع بدخول المنهی عنه فیه و أما لحکم بأنه لا تکلیف إلا بعد البیان و الناس فی سعة ما لم یعلموا فهو مخصوص بما جاء فی الشبهة المحصورة أو أن مورده غیرها لأنها مما یُعَلّمُ لا مما لا یُعْلَم. و أما أخبار التحلیل فهی غیر شاملة للشبهة المحصورة لأن الشبهة المحصورة مما یعلم فیها الحرام بعینه هذا أولا و أما ثانیاً فهی متنزلة علی ما فی أیدی المسلمین من المال المشتبه فموردها مورد الأخبار الدالة علی حلیة ما یؤخذ من أیدی الظلمة فإنه و إن کان من الشبهة المحصورة إلا إنه حلال للأخبار الدالة علی ذلک و إما ثالثاً فحملها علی الشبهة غیر المحصورة أولی لتصریح کثیر من الأخبار فیها بالتمثیل بالجبن و نحوه مما هو فی سوق المسلمین من غیر المحصور و أما. رابعا فهو من قبیل العام فتکون مخصوصة بما جاء فی الشبهة المحصورة و الخاص یحکم علی العام.

رابعها: بمقتضی ما ذکرناه من حکم الشبهة فی الواجب المشتبه هو وجوب فعل کل ما یدخل فیه الواجب

و لم یکن محرماً أصلیاً و إن حرم تشریعاً لرفع الاحتیاط الحرمة التشریعیة و اجتناب کل ما یدخل فیه المحرم الأصلی فیجیب حینئذٍ الصلاة إلی

ص: 73

الجهات المتعددة عند اشتباه القبلة و الصلاة فی الثیاب المتعددة عند اشتباه الطاهر بالنجس و الوضوء و الغسل بالمیاه المتعددة إذا أمکن التطهیر فی کل واحد ثمّ الصلاة بعد کل طهارة و هکذا و یحرم الأقدام أیضا علی الإناءات المتعددة إذا کان فیها مغصوبا أو کان حریراً أو کان ذهباً أو غیر ذلک مما کانت حرمیة أصلیة لا تشریعیة و کذا کل ما اختلط فیه محرم أصلی فإنه یجب اجتنابه و کل ما دخل فیه الواجب و المحرم نفر للأهم فی نظر الشارع فقدم الظاهر أن جانب ترک التحریم من حیث هو أهم فی نظر الشارع من فعل الواجب نعم خرج من تلک القواعد الإناء آن المشتبه طاهرهما بنجسهما فإنه یجب إراقتهما و التیمم و إن کان مقتضی القاعدة وجوب الوضوء بهما أو بأحدهما علی القول بعدم وجوب اجتناب الشبهة المحصورة و ذلک للإخبار المعتبرة بفتوی الأصحاب المعمول علیها فیما عندهم و فی إلحاق الغسل بالوضوء وجه قوی و احتمال أن حرمة استعمال النجس أصلیة لا تشریعیّة بعید کل البعد.

خامسها: هل یجوز ارتکاب الشبهة المحصورة عند إمکان استعمال غیرها کأن یصلی فی الثوبین المشتبه فیهما النجس و عنده طاهر أم لا؟

یجوز وجهان أقواهما المنع لأن المتیقّن من جواز ارتکابها إنما هو فی حال الاضطرار.

سادسها: هل تجب إراقة الماء تعبدا عند اشتباه الإنائین

أو تجب لصحة التیمم لأنه مشروط بفقد الماء أو لا یجب و الأمر بالإراقة مراد به الأمر بالترک؟ وجوه أقواها الأخیر.

سابعها: لیس من الشبهة المحصورة اشتباه التکلیف بالنسبة إلی المکلفین

کواجدی المنی فی الثوب المشترک و یلحق به علی الظاهر اشتباه وقوع قطرة من نجاسة علی أحد بدنی شخصین و فی إلحاق ثیابهما وجه و أما غیر ثیابهما فما کان فی أیدیهما أو مطروح بینهما و أن کان کل واحد ملکاً لواحد فهو من الشبهة المحصورة.

ثامنها: لو دخلت الأرض فی الاشباه بین وقوع النجاسة علیها أو علی غیرها

خرج عن حکم الشبهة المحصورة أما لأن ذلک غیر محصور عرفاً و أما إنه محصور أخرجه عن حکم الشبهة المحصورة السیرة و العسر و الحرج.

ص: 74

تاسعها: لو انکفأ أحد المشتبهین وجب اجتناب الباقی

للاستصحاب و لأن فرض وجوده کوجوده المحقق فی الحکم.

عاشرها: لو اشتبه أحد المشتبهین بغیره من المحصور

قوی القول بإجراء حکم المشتبه علیه لأنه لو انضم الثانی إلی الأول کان کله شبهة محصورة و یحتمل إلحاقه بغیر المحصور و یحتمل الفرق بین ما إذا انضم فیعود جمیعه غیر محصور فیجری علیه حکم غیر المحصور و بین ما إذا انضم فیبقی علی حصره فیجری علیه حکم المحصور و الأقوی إجراء حکم الطاهر علیه لعدم العلم بدخول النجس فی المشتبه و المتیقن من الشبهة المحصورة هو ما أدخل النجس بیقین فیها لا ما دخل المحتمل للنجاسة.

حادی عشرها: لو کانت الإناءات أکثر من واحد

أو کان المشتبه غیر إناء کغدیر و شبهه أو دخل أحد أفراد المشتبه فی أفراد آخر فاشتبه فهل یجری علیه حکم الإراقة أم لا؟ وجهان أقواهما الأجزاء فی الأولین دون الأخیرین.

ثانی عشرها: المشتبه المحصور لا ینجس غیره

لاستصحاب طهارة الملاقی شرعا و احتیاج التنجیس إلی دلیل و لیس فلیس.

ثالث عشرها: لو قامت البینة أو أخبر ذو الید أو العدل علی الأظهر بطهارة أحد الاناءین و حلّیة أحد الفردین قبل ذلک

و لو حصل الظن بالطهارة أو الحل من أمارات من غیر شرعیة لم یلتفت إلیه.

رابع عشرها: لا فرق فی الشبهة المحصورة بین طرق ما یؤثر بنجاسة و تحریماً علی أحدهما

بعد أن کان الإناءان طاهرین و الشیئان محللین و بین ما کان أحدهما ابتداء نجساً أو حراماً فاشتبه بآخر إلّا إنّ إجراء الاستصحاب فی الأخیر أضعف.

خامس عشرها: یصح رفع الخبث فی المشتبه طاهره بنجسه إذا تعاقبا علیه

لأصالة الطهارة و لانقطاع استصحاب النجاسة الأولی و دعوی حصول العلم بالتنجیس عند تعاقبهما قطعا فیستصحب یمکن دفعها بمنع حجیة الاستصحاب هنا لأوله إلی استصحاب الکلی و هو غیر حجة و الأصل الطهارة و الاحتیاط غیر خفی.

سادس عشرها: لو اشتبه التراب النجس بالطاهر

تیمم بهما و لا یجب إهراقهما.

ص: 75

سابع عشرها: لو تعارضت البینتان فی الإنائین

فکل بینة تحکم بنجاسة أحدهما معیناً و طهارة الأخری فالأقوی بقاء حکم الاشتباه و الحکم بالطهارة بعید و لو تعارضت البینتان فی موضوع واحد فإن کانتا مطلقتین قدمت بینة النجاسة و إن کانتا مقیدتین فی زمن خاص و سبب خاص احتمل تساقطهما و الرجوع لأصل الطهارة و هو الأقوی و احتمل تقدیم بینة الطهارة لاعتضادها بالأصل و هو کالأول ثمرة و احتمل تقدیم بینة النجاسة لأنها کالمثبتة و تلک کالنافیة و احتمل استعمال القرعة و لو أخبر ذو الید بنجاسة شی ء بعد استعماله و لم یکن عدلا فالظاهر عدم قبول خبره و کذا لو أخبر بذلک بعد بیعه لأن المتیقّن من وجوب تصدیق ذی الید إنما هو ما کان قبل الاستعمال.

ثامن عشرها: لو اشتبه المضاف بالمطلق و انحصر فیهما

توضأ بهما معاً و لو أمکن خلطهما بحیث یعود المضاف مطلقا وجب لأنه مقدمة الواجب المطلق لا المشروط کما إذا قلّ الماء و أمکن تکمیله بالمطلق و یحتمل عدم وجوب التکمیل لأن وجوب الطهارة مشروط بحصول الماء و وجوده فی الخارج فلا یجب إیجاده و إن وجب تحصیل الموجود لأن مقدمة الواجب المطلق لا یجب إیجادها و إن وجب تحصیل الموجود منها.

تاسع عشرها: لو انکفأ أحد الإنائین من المشتبه بالمطلق فهل یجب الوضوء به و التیمم أو یجب التیمم فقط؟

وجهان یبنی الأول علی وجوب المقدمة الاحتمالیة و الظاهر عدم وجوبها لعدم الدلیل علیه إلّا أنّه قد نقل الإجماع علی وجوب الجمع و الفراغ الیقینی من المشروط بالطهارة موقوف علیه أیضاً فالاحتیاط یقضی بوجوبه.

أحکام الماء المضاف

اشارة

فی الماء المضاف و فیه أمور.

أحدها: الماء المضاف قد یکون مضافا بأصله

کمیاه الفواکه و المصعّد من الأوراد و المعتصر من الأجسام الرطبة و قد یکون بالعارض عند مخالطة المطلق ما یخرجه عن إطلاقه من لحم أو لبن أو غیر ذلک و الأصل فی الثانی بقاء الإطلاق عند الشک فی خروجه عنه کما یستصحب بقاء الإطلاق فی الماء المخلوط علیه شی ء من سدر أو کافور أو بعض الأدویة و لو غیّرت لونه، أو طعمه، أو ریحه، و أما الأول

ص: 76

فالأظهر عدم إجراء الأصل فی المشکوک به لإجراء أصل العدم فی کونه مطلقاً و مضافاً، نعم قد یقال فی الماء المشکوک فیه ابتداءً أنه محکوم علیه بأنه ماء مطلق للغلبة المفیدة للظن بذلک و لأصالة عدم التّقید و لکنّ التمسُّک بهما محل إشکال.

ثانیها: لا یرفع الماء المضاف حدثاً

إجماعاً محصلًا فضلًا عن أن یکون منقولًا و لانصراف أوامر الطهارة بالماء للماء المطلق و للشک فی رفع الحدث به بعد حصوله و لاستصحاب الشغل الیقینی بالمشروط بالطهارة إلا أن یعلم المزیل و هو مشکوک به و لقوله تعالی:" فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً*" و الماء حقیقة فی المطلق أو منصرف إلیه الإطلاق و للأخبار الخاصة فقول (الصدوق) بجواز رفع الحدث الأصغر و الجنابة أو مطلقاً بماء الورد استناداً لروایة ضعیفة سنداً و متناً ضعیف فلتطرح أو تحمل علی إرادة الورد (بکسر الواو) أو علی ماء طرح فیه بعض الورد و کذا أقوال (ابن أبی عقیل) فی جواز رفع الحدث به عند الضرورة و ما ورد من جواز الوضوء بالنبیذ محمول علی الماء المنبوذ فیه شیئاً من التمر بحیث لا یخرجه عن مسمّاه عرفاً.

ثالثها: و لا یرفع خبثاً أیضاً

للاستصحاب و لیقین الشغل فی المشروط بالطهارة و لأوامر الغسل المنصرفة للماء المطلق و لبعض الأوامر المقیّدة للغسل بالماء و هو حقیقة أو ظاهر فی المطلق و لتنجیس المضاف بالملاقاة فلا یحصل به تطهیر و تطهیر المطلق و إن تنجس خارج بالإجماع و لمساواة الخبث للحدث فی المعنی علی وجه لظاهر الإجماع و فتوی المشهور فقول (المرتضی) و (المفید) بجواز رفع الخبث به استنادا للإجماع و للروایة و لإطلاق الأمر بالتطهیر و الغسل و لأن المقصود حصول إزالة النجاسة بأی نحو اتفق و لما ورد من غسل الدم بالبصاق و من طهارة الید النجسة من البول بمسحها علی الحائط و لقوله تعالی:" وَ ثِیٰابَکَ فَطَهِّرْ" و لأن غیر الماء کالخَلّ أبلغ فی التنظیف ضعیف لضعف الإجماع بفتوی الأکثر بل الکل بخلافه و لعدم العثور علی الروایة فتضعف بالإرسال و الانصراف أو أمر التطهیر و الغسل إلی اشتمال الماء المطلق لغةً و شرعاً علی وجه التحقیق أو علی وجه ظهور الإرادة لذلک و لمنع فهم إرادة زوال النجاسة بأی نحو اتفق بل المفهوم من الأخبار و من فتوی الأخیار أن المقصود من

ص: 77

الطهارة الإزالة بالماء المطلق کما یفهم من استقراء جزئیات الموارد الآمرة بالغسل فیها فی الثوب و البدن و الأوانی و لا قائل بالفرق بینها. و ما دل علی أن زوال العین مطهر کالباطن و أعضاء الحیوان فذلک للدلیل علی أن استصحاب النجاسة محکم فلا یزول إلا بالیقین و لا یقین إلا بالماء المطلق و لأن ما ورد من روایة البصاق و المسح علی الحائط لا یقولها هو و لا نحن لأن البصاق و الدمع و العرق و ما أشبهها لیس من الماء المضاف الذی هو محل البحث و لئن قالها باعتبار أن البصاق ماء مضاف و أن الید جسم صقیل و الجسم الصقیل یکفی فیه زوال العین رددناه بضعفهما و عدم العامل بهما و إعراض الأصحاب عنهما و لو کان زوال العین و البصاق و الماء المضاف مطهر لاشتهر غایة الاشتهار و لما خفی مع توفر الدّواعی إلیه و لأن الآیة مجملة المراد إنْ أُریِدَ الحقیقة الشرعیة من الطهارة کما هو الأقوی و محمولة علی إرادة التشمیر و التقصیر أو التنزُّه عن النقائص إن أرید المعنی اللغوی و فی الروایات ما یؤذن بإرادة ذلک و لأن کون غیر الماء أبلغ فی التنظیف مسلّم لو أُرید به الحسّی و ممنوع لو أرید الشرعی و الشرعی مجمل بعد ثبوت النجاسة و المتیقن منه التطهیر بالماء المطلق فدعوی بعض المتأخرین أنه لم یقم دلیل علی اشتراط الطهارة بالماء المطلق لجمیع النجاسات بل المتیقّن من الشارع هو إیجاب الإزالة للعین لا وجه لها بعد العلم بتحقیق النجاسة و احتیاجها للمزیل القطعی.

رابعها: یتنجّس المضاف بملاقاة النجاسة کسائر المائعات

إجماعاً و للأخبار الآمرة بإهراق المرق و غسل اللحم بوقوع الفارة فی القدر أو بوقوع قطرة نبیذ أو خمر مسکر فیه و الخبر الناهی عن أکل السمن عند وقوع الفارة المیتة إذا کان ذائباً و للإجماع الدال علی أن ملاقاة الرطب للنجس تنجسه فینجس کل ما یلاقیه من الأجزاء فتسری النجاسة للکل و العمدة فی الاستدلال الإجماع المحصّل علی أن کل رطب ینجس بالملاقاة و إن کل مائع متساوی السطوح تسری إلیه النجاسة و لو لا الإجماع لأمکنت المناقشة فی کلتا المقدمتین و لذلک حکمنا بأن العالی تسنیمیّا إذا لم یکن واقفاً مستقراً بل و تسریحیاً إذا کان علوه بینا لا تسری إلیه النجاسة من السافل سواء کان ماءً مضافاً أو

ص: 78

مائعاً آخر للشک فی شمول إطلاقات الفقهاء و إجماعاتهم علی انفعال المضاف لتلک الصورة بل ربما یدعی أن السیرة و دلیل العسر و الحرج یقضیان بعدم السرایة.

خامسها: لو امتزج المضاف بالمطلق

فإن کان المضاف مسلوب الصفات وجب التوقّف عنه لغیر المطلق علی المزج و علی قدر الممزوج و احتمال أصالة إطلاق الماء لأغلبیته بعید لا دلیل علیه لتعارض الأصلین هاهنا و أما المطلع علی مزجه فیرجع فی حکمه إلی العرف بعد اطلاعهم علیه فإن سُمّی مطلقاً لقلة المضاف أو استهلاکه فیه فهو مطلق و إن سمّی مضافاً لعکس ذلک فهو مضاف و إن اشتبه علیه العرف أو اشتبه العرف نفسه کما إذا اختلط المتساویان کمّاً و کیفاً فهو مطلق و مضاف استصحاباً لبقاء کل منهما و احتمال خروجه عن کل واحد منهما لأن المرکب من الداخل و الخارج خارج غیر بعید و علی الأول فهل یرفع الحدث و الخبث لإشماله علی المقتضی لذلک فهو الماء المطلق و امتزاج المضاف معه غیر مانع عن تأثیره أثره أولا یرفع شیئاً لامتزاجه معه و صیرورتهما شیئاً واحداً فلا یتم معه التأثیر لصیرورة المضاف بمنزلة الحاجب حینئذٍ و لا یبعد أن الأقوی حصول الارتفاع بالمطلق، نعم علی الاحتمال الثانی لا یمکن رفع الحدث و الخبث به لخروجه عن مسمّی الماء المطلق و هو شرط فی الرفع و احتمال أن الشرط هو عدم صدق المضاف لا صدق الماء المطلق بعید کل البعد و إن کان المضاف غیر مسلوب الصفات رجع حکمه إلی العرف أیضا إلا أن حکمه عندهم أظهر من فاقدها بالنسبة للأغلبیة و عدمها و معرفة غلبة اسم أحدهما و عدمها و لا مدخلیة لغلبة وصف المضاف علی المطلق هاهنا و عدمها فی تسمیته مضافاً أو مطلقاً لأن غلبة الوصف لا تلزم غلبة نفس الموصوف إذ رب قطرة من الماء المضاف تؤثر فی کر من ماء تغیراً بلون أو طعم أو رائحة فظهر بذلک إن ما اعتبره الشیخ (رحمه الله) من الأکثریة فالأکثر منهما یغلب علی غیر الأکثر حکما و اسماً و مع التساوی یغلب المطلق أیضاً و کذا ما اعتبره العلامة من التقدیر فی مسلوب الصفات کتقدیر الحر عبداً فیما لا مقدر له من الجنایات إن أراد به الرجوع إلی العرف بذلک ورد علیهم أن العرف لا یدور مدار الأکثریة و لا مدار الوصف فقد یحکم العرف بتسمیة الممزوج مضافاً و إن لم یقدر له

ص: 79

وصفاً و قد لا یحکم و أن قدر له وصفاً مخالفاً لو وجد لغلب ذلک الوصف علی المطلق، نعم لا ینکر مدخلیة الأوصاف فی التأثیر فی الجملة و فی معرفة الصدق فی الاسم و عدمه أیضاً فی الجملة علی أن التقدیر مما یشکل حکمه فی أنه هل یقدر الوصف الأعلی أو الأدنی أو الوسط و ما کان علیه و إن کان الأقوی فی النظر هو الثالث و ذلک غیر مجد و لا مثبت للحکم کلیاً.

سادسها: لو تنجّس المضاف

قوی القول بعدم قبوله للتطهیر لاستصحاب النجاسة و عدم معرفة کیفیة تطهیره بالخصوص من الشرع و عدم عموم الشامل لتطهیره سوی علی إطلاق" وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً" و شبهه و هو لا یثبت عموم التطهیر و لکل متنجس و لو شمل ذلک فهو مجمل بالنسبة إلی کیّفیات التطهر للمتنجّسات و الأقوی قبوله للتطهیر بالکثیر و الجاری إذا علم بامتزاج جمیع أجزاء المطلق به قبل خروجه عن الإطلاق لظهور دخول هذا الفرد من النجس و هذا الفرد من کیفیة التطهیر فی إطلاق ما دل علی طهوریة الماء فی مقام الامتنان و لا حاجة إلی الاستهلاک حینئذٍ فی التطهیر لأن الاستهلاک مطهر له قطعاً و لا کلام فیه نعم لو أخرج المطلق عن إطلاقه قبل امتزاجه به تماما بقی علی نجاسته و تنجّس المطلق به و لا یتفاوت فی تطهیر المطلق له بین اتصاف المطلق بوصفه و عدمه لأنّ تغیّر المطلق بوصف المتنجّس لا ینجسه علی الأقوی و دعوی أنّ امتزاج المطلق بالمضاف مخرج له عن الإضافة و صائر به إلی الاستهلاک دعوی یردّها العرف أولًا و لا یضرنا تسلیمها ثانیا و لو وقعت الممازجة و سلب الإطلاق دفعة واحدة أمکن الحکم بالطهارة و عدم الطهوریة.

سابعها: ما لم یعلم إطلاقه

لا یجوز استعماله لأن الشرط إطلاق الماء إلا إذا کان مشتبهاً بمحصور فإنه یجب من باب المقدمة و لا یکفی عدم العلم بکونه مضافاً فی وجوب الطهارة المائیة لقوله تعالی:" فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَیَمَّمُوا*" أو غیر المعلوم أنه ما غیر موجود لأصالة عدم وجوده فالمشتبه بین المضاف و المطلق ابتداء أو المشتبه عارضاً أو المشتبه فی محصور و قد انکفی واحد من المحصور لا یکتفی فی الوضوء به بل و لا یجب الوضوء به و التیمم و قد یقوی القول بوجوب الجمع بین الوضوء و التیمُّم احتیاطاً

ص: 80

لتحصیل فراغ الذّمة المقطوع بشغلها فی العبادة المشروطة بالطهارة المائیة علی تقدیر الوجود و بالتُّرابیَّة علی تقدیر العدم و للإجماع المنقول علی وجوب الجمع فلا یبعد البناء علیه.

بحث فی احکام ماء الاستنجاء

ماء الاستنجاء من الغائط و البول طاهر و لا تجری علیه أحکام النجس من التنجیس و عدم رفع الخبث به و أن امتنع رفع الحدث به لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و امتنع أکله و شربه من جهة الاستخباث و الدلیل علی طهارته الأخبار النّافیة للبأس عن الثوب الواقع و البدن المماس له المشعرة بتنقیح المناط بعدم الفرق بینهما و بین غیرهما الشاملة للمستعمل من الغائط و البول العامّة لنفی البأس عن جمیع آثار النجاسة من جهة نفی البأس المشتملة علیه و لخصوص الصحیح النافی للنجاسة بعد السؤال عن تنجیسه و لأدلة نفی العسر و الحرج و القائل بالعفو دون الطهارة إن أراد به أنه ینجس و تجری علیه أحکام النجس سوی جواز فعل المشروط بالطهارة معه فهو خلاف الإجماع و أن أراد بالعفو ما یشمل العفو عن تنجیسه للملاقی بحیث یکون نجساً لا ینجس کالیابس لکنه لا یجوز شربه و رفع الخبث به کان مخالفاً لظاهر الفتوی و الروایة من أن کل نجس ینجس و من أنه غیر نجس و کلما ما لا ینجس من الماء یزیل الخبث لعموم طهوریة الماء، نعم لا یجوز شربه للاستخباث و عدم جواز شربه للاستخباث لا ینافی طهارته و طهوریته کما أنه لا یرفع الحدث للإجماع و الاحوط عدم إزالة الخبث به و لما کان الحکم بطهارته مخالفا للقواعد وجب الاقتصار علی المتیقن من عدم تغیره بالنجس و عدم اختلاطه بنجاسة أخری مصاحبة للحدثین أو خارجة عنهما و عدم تجاوز الحدث المحل تجاوزاً فاحشاً و عدم کون الخارج غیر الحدثین المعتادین و أما اشتراط عدم مخالطته لمتنجّس خارج من السبیلین غیر الحدثین کدود و شبهه و عدم سبق الید إلی المحل قبل الماء و عدم انفصال أجراء من النجاسة متمیّزة إلی الماء و عدم زیادة وزن الماء بعد الاستعمال علیه قبله و عدم الخروج عن کیفیة الغسل إلی غیر المعهود

ص: 81

و عدم بقائه متصلًا بالمحل فلا نقول به و إن کان الاحتیاط فی ذلک مطلوب و فیه ما هو شدید و فیه ما هو ضعیف.

بحث فی الماء المستعمل فی غسل الخبث

الماء المستعمل فی غسل الخبث غیر ما ذکرناه من ماء الاستنجاء إذا لم یتغیر بعین النجاسة و إن تغیر بالمتنجّس قیل هو نجس مطلقاً سواء کان من الغسلة الأولی أم من غیرها و سواءً تعدّی عن محلّه أم لا و سواء انفصل عن الجسم الذی جری إلیه أم لا و سواء انقطع اتصاله فصار فی مکان آخر أم لا و سواء غسل آنیة الولوغ به أم لا و سوء کان وارداً أم کان موروداً و سواء طهر المحل به أو احتاج إلی تکریر و هذا هو الحق وفاقاً لفتوی المشهور نقلًا بل و تحصیلًا و للاحتیاط و لاستقراء أدلة انفعال الماء القلیل للمفید المقطع بانفعاله مطلقاً و لمفهوم أخبار الکر المشعرة بحملان ما لم یبلغ الکر بحملان کل خبث لترک البیان فیه فی المفهوم إذ لو کان یحمل خبثاً دون آخر لبینة الإمام (علیه السلام) فی تلک الأخبار و بهذا یندفع الإیراد علی من استدلّ علی النجاسة بالمفهوم من روایات الکر بأن المفهوم غیر عام لأن غایته رفع حکم المنطوق و هو عدم حملان کل الخبث للکر و هو لا یقضی بحملان ما دونه لکل خبث فیکفی فیه الإهمال و الإیجاب الجزئی و هو حاصل فی غیر خبث المغسول فیتجه أنه حینئذ لا یحمل خبث المغسول سیّما لو کان وارداً علیه و وجه الدفع هو أنه فی مقام البیان یفهم أن الکریّة و عدمها علة فی عدم الحملان و الحملان و للإجماعات المنقولة علی تنجس الماء إذا کان علی بدن المجنب نجاسته أو علی بدن الحائض حیض و لإطلاق الإجماع علی نجاسة الماء القلیل و للنهی عن غسالة الحمام فإن الظاهر منه أنه کتنجسها بالمغسول و لخبر (العیص) المعتبر بفتوی المشهور الدال علی الأمر بغسل ما أصابه قطرة من وضوء بول أو قذر و لخبر (عبد الله بن سنان) الناهی عن الوضوء عن الماء الذی یغسل فیه الثوب و لما جاء من الأمر بالعصر فإن الظاهر أنه لإخراج ماء الغسالة لنجاسته و لأن الماء إذا وقع علی المغسول فأمّا أن ینجس المغسول ما باشره أوّلًا و الثانی لا قائل به و علی الأول یلزم التنجیس بتوسط شی ء طاهر و هو غریب و لما جاء من الأمر بإهراق الماء من المغسول

ص: 82

المتعدد فی الظروف و الأوانی و لأنه لو کانت الغسالة طاهرة لما خفی حکمها مع توفر الدواعی إلی بیانها کما ظهر ذلک فی ماء الاستنجاء و لاستبعاد تنجیس الماء بقلیل من البول و لو قطرة فی غیر الغسل و عدم تنجسه بأکثر منه إذا کان غسلًا و لاستبعاد عدم الحکم علی الماء الوارد علی الإناء بشی ء من الطهارة و النجاسة إلی أن ینکشف حاله فإن أُریق بیّن أنه ماء غسالة و إنه ظاهر و إلا تبین إنه نجس و إن حکم علیه بالطهارة ابتداءً قارب حکم (ابن أبی عقیل) بطهارة الماء القلیل، نعم یستثنی من نجاسة ماء الغسالة ما بقی من الماء فی المغسول عادة أو کان بحیث یشق إخراجه و کذا ما یقع علی الید العاصرة أو المباشرة للمغسول لقیام السیرة علی طهارته أو علی إنه نجس لا ینجّس فهو معفو عنه کما قامت علی طهارة الید و آلات العصر تبعاً فلا استبعاد من کون ماء واحد بعضه طاهر و بعضهُ نجس أو طهارته بعد الحکم بنجاسته کما قامت السّیرة أیضاً علی طهارة ما جری علیه الماء من المکان الطاهر بعد انفصاله إذا توقّف غسل المحل النجس علی جریانه علیه عادة نعم لو لم ینفصل ماء الغسلة عن المحل النجس أو عما جری علیه من الطاهر بقیا علی النّجاسة إلا إذا لم یمکن الانفصال ففی تطهیرهما وجه غیر بعید و قیل بطهارة ماء الغسالة مطلقاً للأصل و العمومات و للشک فی شمول أدلة انفعال الماء القلیل لماء الغُسالة و للشکّ فی عموم قاعدة أن کل متنجس یتنجّس کی یحکم بنجاسة الماء و للقاعدة المحکمة المؤیدة بالاعتبار و الموافقة لأصول المذهب و فتاوی الأصحاب کما قال (ابن إدریس) من أن النجس لا یطهر و لأدلة نفی العسر و الحرج اللازمین للقول بالنجاسة لغلبة تعدی ماء الغسالة إلی غیر المحل و لتقاطرها غالباً علی المباشرین للغسل و لعدم معرفة قدر المختلف و لاستبعاد اختلاف اجراء الماء طهارة و نجاسة أو تطهیر المتخلف بغیر مطهّر و لما ورد فی أخبار الاستنجاء من تعلیل طهارة مائه أنه أکثر من القدر و لما ورد فی بعضها أنّی أستنجی ثمّ یقع ثوبی فیه و أنا جنب، قال لا بأس و لما ورد أغسله فی المرکن مرتین فأنّ ظاهره عدم تنجس المرکن بالماء و ما ورد من الأمر بالصب لبول الصبی و الأمر بالنضح للجانب الآخر من الثوب و الفرو و فی الجمیع نظر لانقطاع الأصل و العمومات بالدلیل الخاص و لعدم الشک فی شمول أدلة انفعال

ص: 83

الماء القلیل لماء الغسالة من المفهوم و مما حصل من الاستقراء و لعدم الشک فی ثبوت قاعدة أن کل نجس ینجس لتحصّلها علی سبیل القطع فی موارد الأخبار و الإجماع کما یظهر للمتتبع و لعدم تسلیم قاعدة أَنَّ النجس لا یطهر مطلقاً حتی لو تنجس بما طهّره کحجر الاستنجاء و ماء الغسالة مثله إنما المسلم أن النّجس سابقاً علی حال التطهیر لا یطهّر و لعدم تسلیم حصول العسر و الحرج بعد الحکم بطهارة ما یلزم العسر و الحرج بتنجیسه من ثیاب و آلات و مکان متعدّی إلیه و بقایا متخلفة اقتصاراً علی مورد الیقین أو الحکم بأنه نجس لا ینجس فهو معفو عنه للدلیل و یرجع فی قدر المتخلف و مکان التعدی إلی المتعارف و لعدم غرابة طهارة المتخلف من غیر مطهر کما وقع فی کثیر من أحکام الطهارة التبعیّة و نحوها و لضعف الروایة الأولی عن مقاومة ما ذکرناه من الأدلة لضعف المفهوم أولًا و لکثرة الخارج منها ثانیاً و کذا الروایة الثانیة و لعدم ملازمة الجنب لتلوث بدنه و کذا الثالثة و لعدم دلالتها علی طهارة المرکن و عدم تنجّسه بماء الغسالة إلّا بإشعار ضعیف و هو غیر حجة و کذا الرابعة و الخامسة و لعدم دلالة عدم الأمر بالعصر علی الطهارة و عدم الانفعال، نعم یدلان علی طهارة الماء بعد ذلک حکماً شرعیّاً کالحکم بطهارة المتخلف و قیل بطهارة ماء الغسالة حالة الاتصال و تنجیسه حالة الانفصال جمعاً بین ما دلّ علی أن النّجس لا یطهر و ما دلَّ علی أَنَّ الماء القلیل ینفعل و فیه أن الحکم بالنجاسة بعد الانفصال حکم من غیر مقتض إذ المقتضی لها الملاقاة و قد انقضت و هی علی حالة الطهارة فلا مقتضی للتنجیس بعدم ذلک و لا أثر للمقتضی بعد انقضائه لفواته من دون أن یعمل عمله و قیل بطهارة ماء الغسالة من إناء الولوغ مطلقاً دون غیره فإنّه ینجس ماء الغسلة الأولی دون الثانیة و فیه أنَّهُ قول من غیر دلیل و قیل بالفرق بین الغسلة المزیلة للعین فهی نجسة لعدم مدخلّیتها فی التطهیر و بین غیر المزیلة فهی طاهرة و فیه أن الأقوی کفایة المزیلة فیجری الکلام و قیل بطهارة ماء الغسالة إنْ کان وارداً و نجاسته إنْ کان موروداً کغسل الثوب فی الإجانة و المرکن فیطهر الثوب و یتنّجس الماء و الإناء لأن المتیقن من عدم انفعال الماء القلیل هو ما إذا کان وارداً لقوّته لا ما إذا کان موروداً و یظهر الرّد علیه ما تقدم و قیل بنجاسة التی لم یحصل بها

ص: 84

التطهیر و طهارة ما حصل بها التطهیر فهی کالمحل بعدها و ذلک لأنَّ تطهیر النجس غیر معقول فتحکم بطهارتها دون غیرها لشمول أدلة انفعال الماء القلیل لها و یظهر من بعضهم القول بنجاسة ماء غسالة المحل و لو بعد طهره فهی نجسة و إن ترامت بعد طهر المحل و هو قول غیر معقول ثمّ إن القائلین بطهارة ماء الغسالة یظهر من الکثیر منهم إثبات الطّهوریة له أیضاً ما عدا رفع الحدث فإن ظاهرهُم الإجماع علی جواز رفع الحدث به و یظهر من بعضهم إثبات الطهوریة له حتی فی رفع الحدث و یظهر من بعضهم عدم إثبات الطهوریة له مطلقاً فی حدث و خبث استصحاباً لحالتیهما مع الشک فی شمول إطلاق طهوریة الماء لمثل هذا الفرد من حیث ضعفه بالاستعمال لرفع النجاسة و قد یقال أن معنی طهارته إنه معفو عنه فهو نجس لا ینجس فعلی هذا لا یجوز شربه و لا استعماله فی الأکل و کذا القائلین فی النجاسة اختلفوا فی قدر ما یحتاج إلیه فی الغسل فقیل بکفایة المرّة لتیقّنها و أصالة البراءة من الزائد لرجوع الشکّ فی القدر إلی الدوران بین الأقل و الأکثر ابتداء و قیل هی کالمحل قبل الغسل للشک فی التطهیر بعد یقین النجاسة إلی أن یعلم المزیل فیجب الأخذ بالاحتیاط لأنه من موارد یقین الشغل لا من موارد الشک فی التکلیف ابتداءً و قیل هو کالمحل قبل الغسل فنحتاج فی الأولی إلی اثنتین و فی الثانیة إلی الواحدة فیما یجب فیه غسلتان و أقواها الأول و أحوطها الوسط و أعدلها الأخیر و ذلک لأن التعدد للبول لا للمتنجس به مطلقاً ففی الأولی یثبت حکم البول لقوة نجاسته فیها ثمّ یضعف فی الأخیرة فیجری علیه حکم النجس و هکذا فی غیر البول و حکم المتنجس بنجاسة ماء الغسالة حکم ماء الغسالة و إجراء حکم المتنجس مطلقاً علیه فیکفی فیه المرة قوی.

بحث فی أحکام ماء الغسالة

الماء المستعمل فی رفع الحدث الأصغر طهور مزیل للحدث و الخبث من غیر خلاف یعرف و کذا المستعمل فی الاغسال المندوبة أو الواجبة الغیر الرافعة أو المبیحة للأصل و العمومات و أما المستعمل فی رفع الحدث الأکبر جنابة أو غیرها فهو طاهر للإجماع بقسمیه و رافع للخبث للأصل و العمومات بل الإجماع منعقدٌ علیه و هل

ص: 85

یصح استعماله فی رفع الحدث الأکبر و الأصغر قولان أقربهما عدم الجواز و نسب لا عیان القدماء للاحتیاط و الشک فی حصول رفع الحدث به بعد تیقن حصوله للشک فی الخروج عن العهدة فی الأمر بالغسل به و للشک فی الشرطیة أو المانعیة و کلما شک فی شرطیته أو مانعیته فهو شرط أو مانع و لخبر (عبد الله بن سنان) الناهی عن الوضوء بالماء الذی یغتسل فیه للجنابة و لا فرق بین الوضوء و الغسل کما لا فرق بین الجنابة و غیرها لعدم القائل بالفرق مما یعتدّ به و للصحیح فی ماء الحمام و لا تغتسل من ماء آخر إلا أن یکون فیه جنب أو یکثر أهله فلا یدری فیهم جنب أم لا و أفادته للنهی من جهة الأمر بالاغتسال من ماء آخر المفهوم من الاستثناء بعد نفی طلب الغسل لأن المراد أنه لا یطلب منک الغسل من ماء آخر إلا أن یکون فیه جنب فإنه یکون مطلوباً و الأصل فی الطلب الوجوب و لیس المراد من قوله (علیه السلام) (لا تغتسل) النهی عن الغسل کی یکون المستثنی بحکمه رفع التحریم المتقدم ضرورة أنه علی خلاف ظاهر الخطاب و الجمع بین ما کان فیه جنبا و بین ما لا یدری فیه لا یضر فی الطلب لأنه قدر مشترک بین الواجب و المندوب فیحمل فی الثانی علی الندب الخبر الآخر بعد سؤاله عن الحمام و لا تغتسل من البئر التی یجمّع فیها ماء الحمام فإنه یسیل فیها مما یغتسل فیه الجنب و لما جاء من وجوب غسل المغتسل رجلیه مع استنقاعهما فی ماء الغسالة المنفصلة و لو لا عدم ارتفاع الحدث بالغسالة لما وجب غسل الرجلین و للخبر: (من اغتسل من الماء الذی اغتسل فیه فأصابه الجذام فلا یلومنّ إلا نفسه) و للمکاتبة للصحیح عن الغدیر یغتسل فیه الجنب لا یتوضأ من مثل هذا إلّا من ضرورة و قیل بالجواز و نسب لأعلام المتأخرین و مشهورهم للأصل و العمومات الدالة علی الطهوریة و لاستصحاب الطهوریة عند الشک فی طرق المانع و لما جاء من الأخبار الدالة علی جواز الاغتسال من ماء الحمام الذی یغتسل منه الجنب و للصحیح فإن کان فی مکان واحد و هو قلیل لا یکفیه لغسله فلا علیه أن یغتسل و یرجع الماء فإن ذلک یجزیه و هذا الأخیر أقوی لعدم مقاومة أدلة الأول لأدلته لضعف بعضها و ظهور بعض آخر فی الکراهة و لجواز استنادها فی المنع إلی غلبة اشتمال بدن

ص: 86

المجنب علی نجاسة المنی کما هو المعتاد و الغالب و دلت علیه کثیر من الأخبار المشتملة علی غسل الفرج عند غسله و أشعرت به أخبار البئر. أیضا فروع.

أحدها: لا بأس ببقیة الماء الذی یؤخذ منه ماء الغسل للأصل و بعض الأخبار.

ثانیها: لا بأس بوقوع القطرات من المغتسل فی الماء إذا استهلکت و لم تستبین للأصل و دلالة جملة من الأخبار علی نفی البأس عنه بل و لو تکثرت القطرات ما لم تتجاوز المعتاد أخذ بإطلاق الأخبار.

ثالثها: لا بأس بالمتصل من الماء قبل انفصاله عن بدن المغتسل للقطع بجواز إجراء الماء من موضع إلی آخر عند اغتساله و علی ذلک السیرة و أدلة نفی العُسر و الحرج نعم عند بُعد بعض الأعضاء عن بعض فالأحوط عدم غسل العضو البعید بماء العضو المتقدم بأن یلقیه علیه.

رابعها: الواجب من غسل الجنابة عند الشک فیها کالواجد بللًا قبل الاستبراء و الواجد منیّاً فی ثوبه المختص به حکمه کحکم غسل الجنابة علی ما یظهر من الفتوی و الأحوط إلحاق المندوب به أیضاً کاغتسال واجدی المنی فی الثوب المشترک احتیاطاً.

خامسها: المستعمل من الماء الکثیر فی ترتیب أو ارتماس لا یحکم علیه بالحکم المتقدم اقتصاراً فیما خالف الأصل فتوی و روایة علی المورود الیقین و لقوله (إذا بلغ الماء قدر کرّ لم یحمل خبثاً) و سلب الطهوریة خبث و لجریان السیرة علی عدم الاجتناب منه و ما جاء فی ماء الحمام و الغدیر من النهی منزل علی عدم بلوغه کرّاً.

سادسها: لو اغتسل الجنب فبطل غسله فی الأثناء فالأقوی عدم إلحاقه بالماء المستعمل لرفع الحدث و لو تبین بطلانه من رأس فأولی بعدم اللحوق.

سابعها: ظاهر الأصحاب إلحاق جمیع الرافع للأحداث الکبریات بل و المبیح برافع الجنابة و لیس فی الأخبار دلالة صریحة علی ذلک، نعم فی روایة (عبد الله بن سنان) ما یحتمل شموله لجمیع ذلک لقوله فیها و أشباهه علی تقدیر إرجاع الضمیر للغسل لا للوضوء و فی روایة (علی بن جعفر) إطلاق من اغتسل من ماء أغتسل به لکنها ضعیفة.

ص: 87

ثامنها: لو ارتمس الجنب فی ماء قلیل و نوی بنفس الکون الغسل فإن خرج کان مستعملًا له و لغیره و إن بقی فهل یکون مستعملًا أیضاً مطلقاً أو لا یکون مستعملًا حتی ینفصل المغتسل من الماء أو یکون مستعملًا بالنسبة لغیره فقط أو بالعکس فقط وجوه أقواها کونه مستعملًا مطلقاً و إن لم یخرج من الماء و علی ذلک فلو اغتسل اثنان و نویا دفعة صحّ غسلهما و إن تعاقبا بطل اللاحق و إن جهل التاریخ فالأقوی صحة غسلهما لتمسک کل منهما بصحة عمله و أصالة عدم المانع سواء مشکّا بالسابق و اللاحق بعد العلم بالسبق و اللحوق أو شکاً بالسبق و اللحوق و التقارن و إن نوی المجنب الغسل بالإدخال کان مستعملًا له بعد تمام دخوله و إن نواه بالإخراج کان مستعملًا له بعد تمام خروجه و لو بقیت علی بدن المرتمس لمعة لم یصبها الماء فهل یجوز أخذ ما یغسلها من الماء الذی ارتمس فیه بعدم تحقیق کونه مستعملًا إلا بعد غسل اللمعة أو لا یجوز لأن صدق الاستعمال علیه لا یتوقف علی إتمام الغسل فیه بل یکفی کون الماء جزء سبب للرفع و هذا أقوی و علی الأول فهل یکون جمیعه مستعملًا بعد أخذ ما یغسل اللمعة منه أو یکون المستعمل منه قدر ما جری علی اللمعة وجهان و لو أخذ ما یغسل اللمعة من ماء آخر قوی علی الأول عدم کون الماء الأول مستعملًا و علی الثانی کونه مستعملًا أما لو اغتسل المجنب ترتیباً فإن صَبَّ الماء علی بدنه و اختلط بالماء الآخر و استهلک به فلا بأس و إن لم یستهلک به فإن کانا متمیزین أخذ من غیره و إلا صار حکمه کالمستعمل لأن المستعمل فی الأجزاء کالمستعمل بالکل و لا یتفاوت فی الإجزاء بین الأخیر و الأول و لو اختص بالجزء الأخیر جداً لما بقی ماء مستعمل لاستهلاک ماء الجزء الأخیر بغیره و أن ارتمس ترتیباً فالظاهر أن ما رمس به رأسه أو لا یکون مستعملًا و لا یجوز أن یرمس به باقی أجزاء البدن إلا إذا تمیز عرفاً بحیث لم یکن ماءً واحداً عرفاً، نعم لو نوی فی کون واحد و ارتماس واحد غسل رأسه أولًا فی موضعه ثمّ شقه الأیمن و الأیسر قوی أن ماء کل من أعضائه لیس مستعملًا بالنسبة إلی الآخر و فی القول بأنه لا یکون مستعملًا بالنسبة إلی نفسه إلا بعد إتمام رمس الأعضاء فیه أو رمس الجزء الأخیر وجه قوی و إن کان بالنسبة إلی غیره مستعملًا مطلقاً فلو رمس رأسه فی ماء ثمّ رمس

ص: 88

شقه الأیمن فی آخر ثمّ الأیسر فی آخر کان الکل مستعملًا بالنسبة لغیره و الأخیر فقط مستعملًا بالنسبة لنفسه و لغیره.

تاسعها: لو وجد ماء قلیلًا و خیف من رجوع ماء اغتسال الجنب إلیه أستحب له رش أکفّ من ماء علی الأرض من یمینه و یساره و خلفه و أمامه کی لا ینزل الماء علی الماء لأن أکثر الأرض تمسک الماء إذا تبللت أو رش أکفّ علی بدنه لیتبلل فیسهل علیه الإسراع فی الغسل کی لا یرد الماء علی الماء و علی أحد هذین الأمرین یحمل ما جاء من الأخبار بالرش من الجوانب الأربع أو الجانبین.

عاشرها: لیس المدار علی الوضوء و الغسل بال المدار علی رفع الأکبر و الأصغر فغسل المس لو قلنا أن المس أصغر لا إشکال فیه و وضوء الحائض لو قلنا له دخل فی رفع الأکبر کان من المستعمل فی رفع الحدث الأکبر.

بحث فی أحکام ماء الحمام

غسالة ماء الحمام العام لا الحمامات الخاصة المعلوم تنجس غسالتها أو عدمه أو المشکوک فیه و هی الماء المجتمع فی غسل الأحداث و غسل الأخباث الغالب وقوعه علی الأرض و انحداره فی مکان مخصوص و هو إن علم عدم استعماله فی حدث و خبث کان طاهراً مطهّر للأصل و العمومات و الروایات الخاصة المجوزة لاستعماله الظاهر فی إرادة هذا الفرد و إن علم استعماله فیهما کان نجساً لأن المجتمع من النجس نجس و إن علم استعماله فی رفع الحدث دون رفع الخبث بنی علی ما تقدم فی الماء المستعمل و الأقوی کراهته فی رفع الحدث و طهارته و طهوریته فی غیره و إن لم یعله شیئاً من ذلک فهل یحکم علیه بأصالة الطهوریة و الطهارة لعمومات طهوریة الماء و استصحاب حالته الأولی و للأخبار الخاصة الدالة علی طهارة أرضه و الماء الذی هو فیها مع إنه من ماء الغسالات و قد ورد أن الامام (علیه السلام) لم یغسل رجله منه حتی صَلّی و فی الصحیح رأیت أبا جعفر (علیه السلام) جائیاً من الحمام و بینه و بین داره قدر فقال: (لو لا ما بینی و بین داری ما غسلت رجلی و لا تجنبت ماء الحمام) و حمل ذلک علی حمام علمت طهارة أرضه و مائها بعید و المرسل النافی للبأس عن أصابتها للثوب أو یحکم علیه بالنجاسة

ص: 89

تقدیماً للظاهر علی الأصل و للإجماع المنقول علی عدم جواز استعماله بحال نقله الحِلّی و للأخبار الناهیة عن الاغتسال بغسالة الحمام و هی مستفیضة و الأقوی الأول ترجیحاً للأصل علی الظاهر و منع الإجماع مع کثرة وجود المخالف القادح أو تسلیمه و هو لا یدلّ علی النجاسة لأن المنع من الاستعمال أعم و منع دلالة الأخبار علی النجاسة أیضاً بل غایة ما تدلّ علی النهی عن الاغتسال و هو أعم من الحکم بالنجاسة علی أن الأخبار معللة باغتسال الجنب و الیهودی و النصرانی و ولد الزنا فتحمل علی الحمامات المعلوم وقوع ذلک فیها و هو لا کلام فیه و مع ذلک فالحق عدم جواز استعماله و إن کان طاهراً فی رفع حدث أکبر للإجماع المنقول و الأخبار فإنّ إطلاقهما یقضی بذلک و التعلیل بما ذکرناه منزل علی الغالب لأنه یدور الحکم مداره وجوداً و عدماً بل و کذا فی رفع حدث أصغر أخذاً بإطلاق الإجماع المنقول و فتوی کثیر من الأصحاب بإطلاق المنع من الاستعمال:

بحث فی أحکام ماء المطر

ماء المطر طهور للنص و الإجماع و کتاباً و سنّة و هو مع تکاثره و جریانه علی الأرض أو ماء أو طین متنجسات و قد ذهبت عین نجاستها مطهّر لها للأخبار المتکثرة و لعموم الکتاب الدال علی الطهوریة فی مقام الامتنان و لو جری علی ثوب أو فراش فلا یبعد إنه کذلک و الأحوط إلحاق العصر به للتطهیر و یعتصم ماء الأرض به عند نزوله و کذا کل ماء قلیل اتصل به فإنه لا ینفعل بملاقاته للنجاسة ما دام متصلًا به و یعتصم بعضه ببعض فلا تنفعل القطرة الواقعة علی المتنجس ما دام المطر متقاطراً فإذا انقطع و لم یطهر المتنجس تنجست حینئذ و أما ما کان من المطر ناعماً جداً بحیث یخفی إطلاق اسم المطر علیه لکونه شبیها بالطّل أو ما کان قلیلًا کما إذا وقعت من الغیم قطرة واحدة من السماء أو قطرتین أو ما کان الواقع علی المتنجس قلیلًا و إن کان فی نفسه کثیر إما لصغر الإناء أو لبعده عن المتکاثر بحیث ینزل علیه کثیر أو لکونهِ فی مکان تنزل منه القطرة و شبهها أو توصل الریح إلیها القطرة و شبهها فهل هو فی جمیع ذلک مطهّر لما وقع علیه و عاصم له حتی إن کل قطرة تطهر ما تقع علیه فالقطرة کالکرّ أم لا؟

ص: 90

وجهان أقواهما کونه طهوراً لعموم الأدلة و ظاهر فتوی مشهور الأصحاب و إطلاق قوله (علیه السلام): (کل شی ء یراه المطر فقد طهر) و للصحیح فی ماء المطر و قد صبّ فیه خمر فأصاب ثوبه و رجلیه و یصلی فیه و لا بأس، و فی آخر فیمن أصاب ثوبه ماء مطر من سطح یبال فیه قال: (لا بأس به ما أصابه من الماء أکثر منه و أحوطهما العدم) لانصراف ذلک کله إلی المطر الکثیر المعتاد نزوله و لاشتراط الکثرة المفهومة من التعلیل فی الصحیح و للشک فی طهوریته مع القلة و الانحصار، نعم یقوی القول بعدم انفعال مائه عند اتصاله به مطلقاً للشک فی شمول أدلة انفعال الماء القلیل لمثل ذلک فیقل الاحتیاط من جهة ذلک کما إن الأقوی أن اعتصام القطرات بعضها ببعض و عدم انفعالها لو وقعت علی متنجس مخصوص بما إذا کان نزولها فی محل نزول غیرها و فی أثنائه و إلا فلو نزلت قطرة علی إناء نجس فأخذ إلی مکان بعید من تقاطر المطر تنجست تلک القطرة بخلاف ما لو کانت فی محل التقاطر فإنها تطهّر مکانها و تبقی معصومة إلی أن ینزل الباقی فیطهّر المحل کله و لو کان فی إناء ماء نجس فوقعت علیه قطرة من مطر متکاثر فإن اکتفینا بمسماه طهّرته القطرة لأنها تطهر ما تحتها و یسری التطهیر إلی الجمیع و إلا فلا بدّ من تکاثره علیه.

بحث فی احکام السؤر

اشارة

السؤر البقیة من کل شی ء و الفضلة أو بقیة المشروب من الماء المطلق أو مطلقا أو ما باشره فم حیوان من الماء المطلق أو ما باشره جسم حیوان مطلقا من الماء المطلق أو ما باشره من کل مائع ماء أو غیره أو ما باشره فم حیوان و لو کان جامداً کسؤر الفار أو ما اختلط به لعاب فم حیوان مطلقا علی وجه الحقیقة فی الکل تواطیاً أو شراکاً لفظیاً أو الحقیقة و المجاز وجوه أقواها إنه ما باشره فم حیوان من المائع مطلقا و إطلاقه علی غیره کسؤر المؤمن و سؤر الحائض و إرادة ما باشره الجسم مطلقاً أو إطلاقه علی ما باشره الفم و لو من الجامد کسؤر الفأر و السنّور مجاز و یلحق بحکمه إلا باسمه و الظاهر عدم ثبوت حقیقة شرعیة له کما أن الظاهر دخول القلة فی الماء فی مفهومه فلا یقال لما بقی من نهر أو غدیر کثیر إنه سؤر و علی أی تقدیر فسؤر کل حیوان یتبعه فی

ص: 91

الطهارة و النجاسة علی الأقوی و الأظهر وفاقا لفتوی المشهور و الأصول و العمومات و الإجماع المنقول و الروایات المتکثرة المعتبرة الدّالة علی ذلک عموما و خصوصا مثل ما ورد من نفی البأس عما یشرب منه ما یؤکل لحمه و ما ورد من جواز الوضوء بما شربت منه الدجاجة و ما ورد فی السنّور معلّلًا بأنه من السباع و ما ورد من جواز الوضوء مما یشرب منه الطیر إلا أن یکون فی منقاره دما و قد منع جمع من فقهائنا من استعمال سؤر ما لا یؤکل لحمه إذا کان أنسیّا و أمکن التحرز منه ما عدا الطیر و یظهر من بعضهم نجاسته و بعض اطلق المنع و هو أعم من النجاسة تمسکا بمفهوم قوله (علیه السلام) فی المعتبرتین (کل ما یؤکل لحمه یتوضأ من سؤره و یشرب منه) و ربما یستند لقوله (علیه السلام): (یکره سؤر کل شی ء لا یؤکل لحمه) و کلاهما ضعیف لضعف سند الأخیر و دلالته لعدم دلالة (یکره) علی التحریم و ضعف دلالة المفهوم و عدم قوة معارضته لتلک مع احتمال ورود الوصف مورد الغالب من وقوع سؤر ما یؤکل لحمه و السؤال عنه و أما الجواب عنه بعدم عموم المفهوم فلا نرتضیه لأن الأقوی عموم المفهوم هنا لبقاء الموضوع العام منطوقاً و مفهوما غایة ما فی الباب ان الحکم فی المنطوق علی واجد الوصف و فی المفهوم علی فاقده و دعوی أن المفهوم سلب لکل منطوق فیعود کأنه إیجاباً جزئیاً خلاف المتبادر عرفاً من اللفظ و السّند و الخروج ما لم یمکن التحرز عنه للعسر و الحرج و لخروج الطیر للروایات الدالة علی جواز الشرب و الوضوء من فضل الطیر و کلاهما غیر منافیین لما نقول و ذهب بعض إلی نجاسة سؤر الجلال و اکل الجیف لنجاسة لعاب فمهما لتکونه من الأعیان النجسة و فیه منع التکون أولًا و تسلیمه و الحکم بطهارته للاستحالة ثانیاً و الأصل الطهارة.

فوائد

أحدها: زوال العین النجسة من الحیوان مطهرة له

للإجماع و لنفی العسر و الحرج و السیرة القاطعة و لظاهر کثیر من الأخبار النافیة للبأس مما یباشره جسم حیوان مع العلم بعروض النجاسة له بل یقوی القول بالطهارة مع احتمال الزوال للسیرة علی ذلک فی سائر الحیوانات و لما یفهم من الأخبار من کراهة سؤر الجلال و أکل الجیف مع

ص: 92

القطع بعدم القطع بعدم النجاسة و لا تحتاج إلی غیبة محتملة للتطهر فیها کما یظهر من بعض الفقهاء و أما الإنسان فالأقوی فیه أن الغیبة مع احتمالا لتطهیر مع علمه بالنجاسة مطهرة له و الظاهر إن المراد بالغیبة هو الخفاء عن الناظر و لو لعمی أو ظلمة أو ستر أو غفلة أو نوم لا الخروج عن مجلس الحضور و تعبیر الفقهاء بها إرشاداً للفرد الأکمل و یحتمل إرادة الغیبة عرفا لظاهر کلماتهم و اقتصاراً علی مورد الیقین و مع جهله بالنجاسة لا یبعد ذلک إلا أن الأظهر خلافه و الأحوط عدم الحکم بالطهارة إلا بعد تلبسه بمشروطه بها أو إخباره بتطهیر ذلک النجس کی یعاضد أصل الطهارة أصل صحة فعل المسلم و صحة قوله فی قطع الاستصحاب و السیرة القاضیة بجواز مباشرة المسلمین من دون سؤال مع العلم بطرق النجاسة علیهم من خروج الخبث و نحوه و جواز الاقتداء بإمام الجماعة مع العلم بطرق النجاسة علیه إلی غیر ذلک إنما یقطع بها بأخبارهم بالطهارة أو بفعل ما یقضی بها مع سبق علمه بها من فعل مشروط بها و نحو ذلک.

ثانیها: یکفی فی تطهیر البواطن من الإنسان زوال عین النجاسة

للأصل و نفی الحرج و الإجماع المنقول و الأخبار المشعرة بذلک کقوله (علیه السلام) فی الموثق بعد سؤاله عن غسل جوف أنف یسیل دما (إنما علیه أن یغسل) ما ظهر منه و غیره أیضا.

ثالثها: لا تکفی الغیبة مع احتمال التطهیر مع العلم بالنجاسة

و عدمه فی غیر بدن الإنسان و ثیابه المتّصلة به من ظروف و ثیاب و آلات للأصل مع الشک فی المطهر، نعم مع أخبار ذی الید أو الوکیل فی التطهیر یحکم بالطهارة و لا یفتقر إلی عدالة المخبر علی الأطهر و الظاهر شمول ذی الید لید الملک و العاریة الودیعة بل و المغصوب لقضاء السیرة بتصدیقه و لا یبعد عدم سماع قول ذی الید مع فسقه بعد الاستعمال له فی مشروط بالطهارة من صلاة و غیرها أو بعد الاستعمال مطلقا لأصالة صحة فعل المسلم و المقطوع به من تصدیق ذی الید هو ما کان قبل الاستعمال.

رابعها: یکره سؤر الخیل و البغال و الحمیر

لمفهوم مضمرة سماعة و فتوی المعظم و یکفی ذلک فی إثبات السنن و لظاهر فتوی کثیر من أصحابنا من تبعیة السؤر

ص: 93

للحم کراهة و عدمها و احتمال دخولها فیما لا یؤکل لحمه بإرادة إنه لا یؤکل عادة و ما دل علی الجواز محمول علی نفی الحرمة و کذا سؤر ما لا یؤکل لحمهُ و الجلال و آکل الجیف للاحتیاط و فتوی الکثیر من أصحابنا و لما ورد فی کراهة سؤر ما لا یؤکل لحمه، نعم قد یخرج من ذلک سؤر السنور أما لأنها من أهل البیت کما ورد فی الأخبار و أما لما ورد من أن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) توضأ بفضلها و ورد فی الأخبار لا تدع فضل السنور أن تتوضأ منه و ورد فی کتاب علی (علیه السلام): (لا أمتنع من طعام طعم منه سنور و لا من شراب شرب منه، و ورد أنی لأستحیی أن أدع طعاماً أکل منه).

خامسها: یکره سؤر الحائض الغیر مأمونة فی الشرب و الوضوء

علی الأظهر و لا یکره فی خصوص الوضوء فقط و لا یکره سؤرها مطلقاً و لا یحرم سؤرها کل ذلک لفتوی المشهور و للجمع بین ما دل علی المنع من استعمال سؤرها فی الوضوء و بین ما دل علی التقید بکونها غیر مأمونة کما دلت علیه الروایات المعتبرة المعلقة للأذن بالوضوء علی أنها إذا کانت مأمونة و لإلحاق الشرب و باقی الاستعمالات بالوضوء لفتوی المشهور و لفهم العلة من الأخبار و ما جاء من الأخبار المجوّزة للشرب محمولة علی الجواز بمعنی الأعم لفتوی المشهور بالکراهة و کفایة ذلک فی ثبوت حکم الکراهة و أما صرف النهی إلی الکراهة فیدل علیه فتوی الأصحاب و خبر (ابن هلال) و فیه لا أحب أن یتوضأ منه و المستحاضة و النفساء کالحائض و لا یبعد إلحاق الجنب فی الحائض للخبر و فتوی جمع من أصحابنا بل کل غیر مامون من توقی النجاسات و إلحاق کل مباشرة بها برطوبة بالسؤر فهما بالعلّیّة و عبّر بعضهم بکراهة سؤر المتهمة بعدم التوقی و الظاهر أنه أخص من غیر المأمون لدخول مجهولة الحال فی غیر المأمونة دون المتهمة و لأن من لا یؤمن قد لا یتهم ککثیر من الناس فإنهم لا یأمنون و لا یتهمون و لا یبعد أن التعبیر فی الأخبار بالمأمونة یراد بها ذلک توسعاً فیکون من قبیل المجاز المشهور قرینة فهم المشهود له ذلک المعنی و تؤیده أن السیرة و نفی العسر و الحرج یدلان علی إرادة المتهمة من غیر المأمونة فلا یکره سؤر مجهولة الحال و بالجملة أن المأمون ضدّ المتهم لکن لیس کلما أرتفع أحد الضدّین ثبت الضد الآخر لإمکان ارتفاعهما معا فلا یلزم أن یکون غیر المتهم مأمون و لا غیر المأمون متهم.

ص: 94

سادسها: لا ینجس سؤر ولد الزنا

للأصل و العمومات الدالة علی طهارة المسلمین و فتوی المشهور و سیرة المسلمین، نعم یکره للأخبار الدالة علی ذلک خصوصا و الأخبار الناهیة عن الاغتسال بغسالة ماء الحمام المعلّلة لذلک بأنّ فیها غسالة ولد الزنا و ذهب بعض أصحابنا إلی نجاسة المکفرة و للأخبار المتقدمة و للإجماع و الکل ضعیف لمنع ثبوت کفره حال اختیاره کما تشهد به الضرورة و لزوم الجبر لو قلنا باضطراره إلیه و لضعف الأخبار بإعراض المشهور عنها و لمنع الإجماع مع فتوی المشهور علی خلافه.

سابعها: الأظهر طهارة سؤر المسوخ لطهارتها

کالفأرة و العقرب و الوزغ و الأرنب و القرد و الضّب و الدّب و الفیل و الذئب و الوطواط و الزنبور و الجری ما عدا الخنزیر و ذهب جمع إلی نجاستها للنّهی عن بیع القرد و یثبت الباقی للقول بعدم الفصل و هو ضعیف لعدم دلالة النهی عن البیع علی النجاسة أولًا و منع الإجماع المرکّب ثانیاً و حمل النّهی علی الکراهة ثالثاً و مخالفة الخبر لفتوی المشهور بالطهارة و للأصل و العمومات و سیرة المسلمین رابعاً و ما دلّ علی جواز اتخاذ المشط من العاج خامساً، نعم یکره سؤرها تفصیاً من شبهة الخلاف و لأنها ما لا یؤکل لحمه.

ثامنها: الأظهر طهارة الثعلب و الأرنب

للأصل و العمومات و الأخبار الدالة علی طهارة الوحش و السّباع و لما دل علی جواز لبس جلدهما و کراهة سؤرهما لما دلّ علی کراهة سؤر ما لا یؤکل لحمه و ذهب جمع إلی نجاستهما و نقل بعضهم الإجماع و استند بعض إلی ما ورد من الامر لماسّهما بغسل یده و هما ضعیفان لا یصلحان لمعارضة ما تقدّم.

تاسعها: الحق طهارة سؤر الحیة و الوزغة و العقرب حیاة و موتاً

و کراهته أما لطهارة فالأصل و العمومات و خصوص الروایات الخاصة کصحیحة (علی) النافیة للبأس عن الوضوء بما یقع فیه الحیة و العظایة و الوزغ فلا یموت و روایة عمّار بعد سؤاله عن موت الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلک فی الزیت و السمن کل ما لیس له دم لا بأس به و الروایة الأخری لا یفسد الماء إلا ما کانت له نفس سائلة و غیر ذلک من المعتبر المنجز بفتوی المشهور و عمل الجمهور و أما الکراهة فیدل علیها مضافاً

ص: 95

إلی حصول النفرة المتوهمة من حصول السّم منها الأخبار الدالة علی کراهة سؤر ما لا یؤکل لحمه بناء علی شمولها لها و إن لم یکن لبعضها لحم و الأخبار الخاصة الآمر بإهراق الماء الداخل فیها الحیة و الآمرة بإهراق الماء أو ماء الجرة الواقعة فیها عقرب و الخیر الدال علی عدم الانتفاع بماء یقع فیه الوزغ.

عاشرها: سؤر الدجاج طاهر

للعمومات و الأخبار الخاصة و کذا سؤر الحشرات و الدیدان و ما تولد من نجس أو من طاهر کدود القز ودود العذرة و سلبوح الدم و شبهها، نعم لا یبعد کراهة سؤر الدجاج لفتوی بعض من أصحابنا به سیّما إذا کانت مهملة کما أفتی به بعض آخر و لأنه مظنة القذارة.

حادی عشرها: الأظهر طهارة سؤر الفأرة مطلقاً

للعمومات و لخصوص الأدلة النافیة للبأس عما یقع فیه الفأرة و النافیة للبأس عن سؤرها عموما و خصوصاً و لفتوی المشهور و لنفی الحرج و العسر، نعم یکره لفتوی الکثیر من الأصحاب و لما دلّ علی کراهة سؤر ما لا یؤکل لحمه و لما ورد بطرح ما أکلت منه الفأرة من الخبز و لما ورد من الأمر بغسل ما لاقته الفأرة برطوبة الواقعة فی الماء و ذهب الشیخ إلی وجوب إراقة ما وقعت فیه الفأرة و غسل ما لاقته برطوبة للأخبار الدالة علی ذلک و هی لضعفها و قلة العامل بها و معارضتها للأدلّة القویّة یجب اطراحها أو حملها علی الندب.

بحث فی نواقض الطهارة

اشارة

فی الأحداث و هو یطلق علی نفس الخارج و علی الأثر الحاصل منه و تُسمی نواقض لنقضها الطهارة و موجبات لإیجابها ذلک و أسباب لأنها علائم و معرفات لحصول الوجوب و قد ینفرد اسم الحدث عن الناقض فی أول حدث یحصل للمکلف فإنه لا ینقض شیئاً و فی حدث المسلوس و المبطون و ینفرد عن الموجب و السبب فی حدث الصبی و المجنون و کذا ینفرد الناقض عنهما فی حدیثهما و الحدث الأکبر ناقض و موجب فی غیر الجنابة و ناقض فقط فیها و ینفرد الموجب و السبب و الناقض عن الحدث فی وجدان الماء بعد التیمم و قد یراد بالسبب المقتضی للطهارة لو لا المانع و بالموجب المثبت

ص: 96

لها علی الإیجاب او الندب بالفعل او بالقوة و بالناقض ما فی شأنه النقض فحینئذ تتساوی مصادیقها.

و فی المقام مباحث

أحدها: البول و الغائط و الریح بما یسمی بهذه الاسماء عرفاً

بل ما یسمی ضرطة أو فسوة عرفاً لتقدیر الریح بهما فی بعض الاخبار و احداث ناقضیة للوضوء و موجبة له سنة و إجماعاً محصّلًا و منقولًا لکنّه هل یشترط خروج البول و الغائط فی الطبیعی المعتاد لعامة الناس او یشترط خروجهما منه أو من غیره إذا کان خلقیاً أو یشترط خروجهما منه أو من غیره إذا فسد الطبیعی مطلقاً أو یشترط خروجهما منه أو من المعتاد لذلک الشخص مع انسداد الطبیعی أو خروجهما منه و إن لم ینسد أو خروجهما مما تحت المعدة سواء کان من المعتاد أو من غیره من الطبیعی أو من غیره أو لا یشترط شیئاً من ذلک بل یدور الامر مدار اسم البولیة و الغائطیة کدوران الخبث مدار اسمها لا مدار خروجهما و علی الأوّل فهل یکفی الخروج من الطبیعی المعتاد لعامة الناس مرة أو لا بد من الاعتیاد و لو فی الخروج من الطبیعی المعتاد وجوه و أقوال أقواها دوران الحدث مدار الخروج من الموضع الطبیعی المعتاد لعامة الناس و لو کان مرة أو خروجه من الموضع المعتاد لذلک الشخص مع انسداد الطبیعی و مع عدمه أو خروجه من غیر الطبیعی مع انسداد الطبیعی و إن لم یعتد أو خروجه من غیر الطبیعی إذا کان خلقیاً و إن لم یعتد أما الأول فلشمول قوله تعالی: (أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغٰائِطِ*) له و لا فرق بین الوضوء و التیمم و لشمول الاخبار له المشتملة علی أنّ ما یخرج من الطرفین أو من القبل و الدبر ناقض سیّما مع أن فی بعض تقیدهما بما أنعم الله تعالی به و فی کون المخرج الغیر الطبیعی مما انعم الله تعالی به تأمل و نظر و تنزیل هذه الاخبار علی الغالب من خروج الحدثین منهما فی الغالب لا وجه له لأن أغلبیة الخروج منهما لا تصرف لفظهما لحالة الاتّصاف بها لأن حالة عدم الاتصاف تؤثر ندرة وجود لا ندرة إطلاق، نعم أغلبیة الخروج منهما ینتفع بها من علق الحدث علی البولیة و الغائطیة بتنزیل هذه الاخبار المقیّدة للخروج علی الأغلب و هو کلام آخر یأتی إن شاء الله تعالی رده و یدل

ص: 97

علی ما قلناه أیضاً فتوی الأصحاب و الإجماع المنقول فی الباب و أما الثانی فلفتوی المشهور و لقیامه مقام الطبیعی و صدق لفظ الغائط علیه و کذا البول و لجریان الاحکام الشرعیة و مدار العادة و أما الثالث و الرابع فیدل علیهما الإجماع المنقول و قد تلقاه الفحول بالقبول و یدل علی نفی غیر ما ذکرناه الاصل و الاخبار الدالة علی عدم نقض الیقین بالشک الشاملة للمشکوک به من عروض القادح أو قدح العارض و أما ما دل علی أن خروج البول و الغائط حدث فهو مقید بما دل علی أن الحدث ما یخرج من الطرفین و دعوی أنه لا یصلح للتقید لخروجه یخرج الغالب لا وجه له لأن القید لو خرج مخرج الغالب ألغی مفهومه و لا یلغی منطوقه بل یبقی صالحاً للتقید بمنطوقه لأن التقید لا یتوقف علی ثبوت المفهوم و عدمه.

ثانیها: الریح إن خرج من الطبیعی المعتاد لعامة الناس

أو الخلقی لذلک الشخص المعتاد له مع انسداد الطبیعی جری علیه حکم الحدث و إلا فلا یحکم علیه بالحدثیّة و إن کان معتداً للشک فی ناقضیته و عدم صدق الفسوة و الضرطة علیه سیما لو اعتید خروجه من الفم فلو خرج من طعنة أو من قرح أو جرح فی الاسافل و إن اعتید لا یعتد به و یختص الریح بریح المعدة الاسفل فلا عبرة بما فوق و لا عبرة بما یتکون فی الدبر و ما ورد فی بعض التقید بسماع صوت الریح أو شم رائحة مراد به بیان توقف الحدث علی العلم به و إلا فلو قطع به من دون ذلک جری علیه حکم الحدث کما دل علیه بعض الأخبار و فتوی الأصحاب.

ثالثها: لو خرج أحد الخبثین و لم ینفصل

أو خرجت المقعدة ملوثة به ثمّ رجعت أو خرج دود ملوث به أو خروج ملطخ بدواء محمول أو جسم آخر فالأظهر جریان حکم الحدث علیه بجمیع الاقسام، نعم لو شک فی غائطیته کخروج بعض الحبوب أو الحصی أو غیرهما غیر ملوث لم یحکم علی الخارج بالحدث.

رابعها: النوم ناقض للوضوء

للإجماع بقسمیه و الاخبار المستفیضة المعتبرة و هو ناقض لنفسه لظاهر الادلة عموماً و خصوصاً لا لاحتمال الحدث لأن احتمال الحدث غیر ناقض لعدم جواز نقض الیقین بالشک کما دلت علیه الاخبار و ما جاء مما ظاهره

ص: 98

أن نقضه لاحتمال الحدث أما مطرح أو محمول علی بیان الحکمة و لا یلزم معها الوجود و العدم عند العدم أو علی التقیة أو علی بیان حدة کما فی خبر (الکنانی) إذا کان لا یحفظ منه حدثاً إن کان فعلیه الوضوء فإنه غالباً لا ینفک من لم یحفظ حالته الأولی عن ذهاب العقل الملزوم للنوم و هل هو من الأمور العرفیة و ما فی الأخبار من تحدیده بذهاب العقل أو الغلبة علی السمع أو الغلبة علی البصر أو السمع او الغلبة علیهما و علی القلب کله لکشف معناه العرفی أو أن للناقض منه حد شرعی و إن سمی ما خرج من الحد نوماً و یکون ما فی الأخبار و تحدیداً له وجهان أوجههما الأول و علیه فالغالب علی الحاستین نوم یتحقق به الحدث قطعاً للاخبار و الإجماع و کذا الغالب علی السمع فقط کما دلت علیه الأخبار و نقل علیه الإجماع و کذا الغالب علی العقل کما دلت علیه الأخبار و فتاوی الأصحاب و الظاهر تلازم هذه العلائم فی الدلالة علی النوم فمتی غلب علی البصر و السّمع أو علی السّمع فقط أو علیهما و علی القلب فقد غلب علی العقل و متی غلب علی العقل غلب علی تلک و الظاهر أن السمع أقوی الحواس فمتی غلب علیه غلب علی باقیها من الشّم و الذّوق و اللّمس بل لا فائدة فی ضم ذهاب البصر إلی ذهاب السّمع إلّا زیادة الاستظهار لکفایة ذهاب السمع عنه مطلقاً و عدم کفایة ذهابه منفرداً عن ذهاب السمع و لقائل أن یقول لا تلازم بین هذه العلائم بل قد توجد واحدة و تفقد أخری و متی وجدت السابقة وجب العمل علیها قضاء لمنطوق الأخبار و المعارضة بین مفهوم الخبر المشتمل علی بعض العلائم مع منطوق الآخر یساقطه لتقدیم المنطوق علی المفهوم هنا و الجمع بینهما بإرادة العمل علی السابق کالجمع بابعد الاجلین فی آیتی العدد متوجه.

خامسها: فاقد الحاسة یرجع حکمه إلی تقدیرها

و الخارج عن المعتاد فی السماع و بقاء الإدراک یرجع إلی مستوی الخلقة و الشک فی عروض النوم منفی بالأصل لعدم جواز نقض الیقین بالشک و هل یجامع عدم النوم الرؤیا و طیف الخیال الظاهر ذلک بشهادة التجربة بحصول الرؤیا لبعض الناس مع بقاء العقل و السمع و ذلک لقوة الخیال، نعم الطیف الکامل لا یجامع و من ینادی فیجلس من نومه فذلک سمع بعد

ص: 99

الانتباه و إن انتبه بالسماع و قد ورد فی بعض الأخبار عدم نقض النوم للطهارة ما لم ینفرج النائم و نسب الفتوی به (للصدوق) و هو محمول علی التقیة لمخالفة الأدلة القطعیة.

سادسها: ورد فی الصحیح لا ینقض الوضوء إلّا حدث و النوم حدث

و المقدمة الأولی تتضمن عقدین أحدهما سلبی و هو لا ینقض الوضوء لیس بحدث و انضمامه إلی المقدمة الثانیة غیر منتج لعدم اتحاد الوسط و الثانی إیجابی و هو ینقض الوضوء حدث و هو أن یجعل صغری للمقدمة الثانیة فیکون فی الشکل الثانی و لا ینتج لعدم اختلاف المقدّمتین أو من الشکل الرابع لو جعلنا الموضوع محمولًا و بالعکس فقلنا الحدث ناقض و النوم حدث و لا ینتج أیضاً لإهمال الصغری و أما أن یجعل الکبری لها علی طریق العکس فیقال النوم حدث و الحدث ناقض و لا ینتج لإهمال الکبری إلا بتکلف العموم من تعلیق الحکم علی الطبیعة أو فی دلیل الحکمة أو فی السیاق أو من غیر ذلک و الظاهر أن الخبر لیس مسوقاً لبیان المطلق بالقیاس بل بصورة یلزم تسلیمها عرفاً عند صدور الخطاب و إن لم تکن فی القیاس فی شی ء فالمقصود من الخبر فی الجزء الأول بطلان مذهب العامة القائلون بانتقاض الوضوء بغیر الإحداث المعدودة عندنا و فی الخبر الثانی الرد علیهم فی دعوی عدم حدثیة النوم فیکون مؤداه ظاهره فی بیان أن النوم ناقض لکونه من الأحداث و أعلم أن المراد یکون عدم السمع علامة للنوم و کذا ذهاب العقل هو ما کانا مُکیّفین بالکیفیة الخاصة و متصفین بالحالة الخاصة فلا یرد أنه قد یذهب السمع و العقل لعلة أُخری غیر النوم فلا یختصان به فلا یکونان علامة.

سابعها: کلما غلب علی العقل عرفاً من جنون أو إغماء أو سکر أو مرض أو غیرها

للاجماعات المنقولة و الشهرة المحصّلة و لدلالة التنبّئیة الحاصلة من أخبار ناقضیة النوم المؤمیة إلی کون العلة فی نقضه هی ذهاب العقل فیطرد فی غیره لتنقیح المناط أو للأولویة و الأخبار المعللة لنا قضیة النوم باحتمال عروض الحدث فإنها فی هذه أشد و أولی و قد یناقش فی هذین بأن فهم العلیة فی الأخبار الأولیة إذا لم یکن من مفهوم الموافقة أو منصوص العلّة أو تنقیح المناط القطعی لم یکن حجة و غایة ما دلت علیه

ص: 100

الأخبار هو دوران ناقضیته النوم مع ذهاب العقل وجوداً و عدماً و الدوران لا یثبت علة عندنا و أما فی الأخبار الأخیرة فهی ممنوعة فی الأصل فلا تثبت حکماً فی المقیس علیه و قد یستدل علی المطلب لصحیحة (بن خلاد) الموجبة للوضوء علی مریض أغفی و هو جالس و لکنها مع احتمال إرادة النوم فی الإخفاء بل ظهور إرادته لقولهِ فیها بعد ذلک إذا خفی عنه الصوت فقد وجب علیه الوضوء و خفاء الصوت غالباً یکون للنائم أو المغمی علیه دون المجنون و السکران یشکل التمسک بها لإثبات عموم ناقضیته ما أزال العقل مطلقاً کما انه فی روایة الدعائم قد نص علی الإغماء فقط فلا تصلح لإثبات الکلیة المدعاة إلی أن یضمّ إلی ذلک عدم القول بالفصل و یجری السّند بفتوی الأصحاب.

ثامنها: الاستحاضة القلیلة ناقضة للوضوء و موجبة له فقط دون الغسل

لفتوی الکثیر من الأصحاب و أخبار الباب و کل ناقض للأکبر یکون ناقض للأصغر علی الأظهر الأشهر و لدلالة فتاوی الأخبار علیه و لا ینقض الوضوء خروج ماء الحقنة من دون مصاحبة الغائط لفتوی الأصحاب و للأصل و أخبار الباب و لا ینقضه المذی أیضاً للأصل و لحصر النواقض فی الأخبار المعتبرة و لیس منها و لفتوی المشهور و للإجماع المنقول و للأخبار الخاصة المتکثرة النافیة لوجوب الوضوء له و المشبهة له بالنخامة و بما یخرج من الأنف و هی معتبرة موافقة لأصول المذهب مخالفة لفتوی العامة فلا یعارضها ما دل علی نقضه مطلقاً أو ما کان بشهوة لعدم المقاومة و فی شرط لجمع المقاومة فلتحمل الأخبار علی التقیة أو علی الندب و لا ینقضهُ التقبیل بشهوة و لا مس فرج الغیر و لا مس باطن فرجه للأصل و الأخبار و الإجماع و للمخالف أخبار ضعیفة موافقة للعامة و الأصول و القواعد لا تصلح للمعارضة فیجب طرحها أو حملها علی الندب و لیس عندنا ناقض سوی ما ذکرناه للإجماع بقسمیه و الأخبار و ما جاء فی بعض الأخبار فی إثبات نواقض لا نقول بها محمولة علی التقیة أو مطرحة و یحمل بعضها علی الندب.

ص: 101

بحث فی أحکام التخلی

اشارة

و فیه مطالب:

أحدها: یجب ستر العورة

إجماعاً محصلًا و منقولًا کتاباً و سنة مستفیضة و لا یراد بالأمر بالغض فی الکتاب إلا الغضّ عن العورة و الاعتبار الناشئ فی قطع مادة الفساد یقضی به و ما ورد فی تفسیر حرمة عورة المؤمن بکشف سره و إظهار عیبه غیر مناف لأنه من التفاسیر للبطون الغیر معارضة للأخذ بالظاهر و لا یتفاوت بین المسلم و الکافر لعموم الأدلة و فتوی المشهور و ما ورد بخصوص لفظ المسلم و المؤمن لا یخصص عموم التحریم لأن العام و الخاص مع عدم التنافی لا یحمل أحدهما علی الآخر و ما ورد من أن النظر إلی عورة الکافر کالنظر إلی عورة الحمار ضعیف لا یقاوم ما قدمنا و لا بین الکبیر و الصغیر إلّا إذا کان الناظر غیر ممیز من الأطفال فإنه لا یدخل تحت أدلة التحریم و کذا إذا کان المنظور صغیراً لم یبلغ الثلاث سنین فإن السیرة قاضیة بجواز النظر إلی عورته من الأمهات و المربیات و القوابل و قد یدعی قصر التخلیل علی ما جرت به السیرة دون غیره و الأقوی الأول لعدم شمول أدلة تحریم النظر إلی العورة للنظر إلی عورته و المراد بالعورة القضیب و الانثیان و حلقة الدبر للأخبار المنجبرة بالأصلی و فتوی الأخیار و للسیرة و لنفی دلیل العسر و الحرج و الأحوط ستر الفخذین إلی السرّة و لا فرق فی التحریم بین النظر بنفس العین أو بواسطة کالمنظرة و لا بین نفس الحجم و بین ما انعکس فیه کالمرآة، نعم فی غیر المعتاد للنظر إلیه بانعکاسه کالماء و باقی المائعات إشکال و الأحوط التجنب الذی یحرم النظر إلیه نفس البشرة لا الحجم سواء ستره ساتر فغطاه فالتصق به أو کان یری حجماً من وراء الساتر بحیث لا یقال عرفاً أنه رأی البشرة و لا فرق بین المفصول فی العورة و الموصول و لا بین الجزء و الکل و لا بین المیت و الحی و ما نبت علی العون من لحم حکمه حکمها و ما نبت من شعر لا یحرم النظر إلیه و فی إلحاق باطن العورة بظاهرها إشکال و الأحوط التجنب و یحرم النظر فی الخنثی إلی الفرجین معاً و یجب الستر مع القطع بوجود النظر من الناظر و الظاهر أنه مع

ص: 102

الظن أو الشک فی النظر مع وجود الناظر یجب الستر أیضاً لظاهر الأخبار و ظاهر الأمر بالتستر و أما مع الشک بوجود الناظر أو الظن به فالأحوط التستر أیضاً.

ثانیها: یحرم علی المُتَخَلّی استقبال القبلة و استدبارها

وفاقاً للمشهور و الأخبار الناهیة عن ذلک المعتبرة المنجبرة بأدلة وجوب تعظیم الشعائر و بفتوی الأکثر و بالإجماعات المنقولة و ظاهر الأدلة تحریم الاستقبال و الاستدبار بما یُسمّی کذلک و یختلف باختلاف القیام و الجلوس و الاضطجاع و الاستلقاء و یدور مدار مقادیم البدن و أغلب الصورة الشخصیة و لا عبرة بنفس العورة إذا لم تکن علی القبلة بعد الاستقبال بمقادیم البدن کما لا یضر الاستقبال بها إذا لم تکن المقادیم علی القبلة نعم الأحوط تجنب الاستقبال بنفس العورة و إن کانت المقادیم منحرفة عنها لقوله (علیه السلام) (لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول) و یقوی إلحاق حالة الاستنجاء بحالة التغوط لمناسبتهِ لدلیل التعظیم و لخبر الساباطی فی الأمر بالجلوس للمستنجی کالجلوس للغائط و لو دار الأمر بین الاستقبال و الاستدبار رجح الاستدبار لکونه أهون فی منافاته للتعظیم و لو اشتبهت جهة القبلة تجنب الجمیع مع عدم الحاجة و مع الحاجة إلی التخلی تخیر و احتمال القرعة بعید نعم إذا حصل له ظن بجهة حاصلة عمل علی ذلک الظن و الاستدامة کالابتداء فی جواب الانحراف و لا فرق فی حرمة الاستدبار بین لزومه استقبال بیت المقدس و بین عدمه خلافاً للفاصل کما لا فرق فی تحریم الاستقبال و الاستدبار بین الصحاری و الأبنیة لإطلاق الأخبار الناهیة و اشتمال کثیر منها علی المکروه و کثیر منها علی الأمور الندبیة لا ینافی النهی بخصوص الاستقبال و الاستدبار علی التحریم بعد الانجبار بأدلة وجوب التعظیم و فتوی الأخیار و خلافاً لمن فصل فأجاز فی الثانی دون الأول أو العکس و ما ورد فی خبر (بن بزیع) فی بناء کنیف إلی القبلة فی منزل الرضا (علیه السلام) لا دلالة فیه علی أن الإمام (علیه السلام) یستقبل القبلة فیه لان العام لا یدل علی الخاص مع ظهور أن البناء لیس للإمام (علیه السلام) بل کان لغیره لاستبعاد وقوع ذلک منه (علیه السلام) للاتفاق علی مرجوحیتهِ و مع الاحتمال إرادة بناء

ص: 103

الباب علی نفس القبلة لا الکنیف و الظاهر استحباب التشریق و التغریب للأمر به المحمول علی الندب لعدم للقائل بإرادة حقیقته فیحمل علی أقرب المجازات و أشهرها.

ثالثها: یجب تطهیر ظاهر المخرج من البول و الغائط

إجماعاً محصلًا منقولًا وجوباً شرطیاً و یتعین للبول الماء إجماعاً و النصوص مستفیضة به و الأصول و القواعد تقضی به و ما جاء فی بعض الأخبار مما یدل علی خلافهِ مطرح أو محمول علی التقیة لموافقة ذلک لفتواهم و ما ورد فی الموثق عن الرجل یبول و لیس له ماء فیمسح ذکره بالحائط قال (کل شی ء یابس ذکی) محمول علی إرادة عدم سریان النجاسة منه إلی غیره لطهارته فی نفسه لظهور أن الیبس لیس من المطهرات للنجس و کذا ما ورد فی الموثق إذا بلت و تمسحت فأمسح ذکرک بریقک فإن وجدت شیئاً فقل هذا من ذاک محمول علی إرادة وضع الریق علی طرف الذکر الغیر نجس حتی أنه لو خرج بلل من الذکر لم یقطع به لاحتمال استناده إلی الریق فلا ینجس و حمله علی إرادة الحیلة فی رفع الخبث أو یقین الحدث بخروج المشکوک به قبل الاستبراء لحصول الشک فی خروجه عند وضع الریق علی المخرج لاحتمال استناد البلل إلیه و إن کان محملًا جیداً لکنه لا یثبت الطهارة لکفایة وضع الریق علی المحل الطاهر فی الخلاص فی الشبهتین و تأدیة الحیلتین معاً و کفایة وضعه علی النجس من التخلص فی شبهة نقض یقین ارتفاع الحدث و إن تنجس به و لا أقل من احتمال المعنیین فیقع التنجس فی البین بل ربما یدعی أن هوانه حیلة فی التخلص عن التنجس بمخرج البول من حیثیة عدم غسله هو أن یقال أنه لو کان حیلة؟ فی تحصیل البقاء علی الطهارة لما قدم علی الاستبراء المحصل لذلک من دون احتیال و لذکر الوضوء فیه فظهر أنه حیلة فی رفع التنجس بتلک النجاسة و بطل بما ذکرنا أیضاً دعوی أنَّ المتنجس بعد زوال عین النجاسة لا ینجس استناداً لهذه الروایة و لخبر (سماعة) الدال علی أن من تمسح بالأحجار و جاءه البلل بعد استبرائه لا بأس علیه و لصحیحة (العیص) عمن مسح ذکره بیده ثمّ عرق یده فأصاب ثوبه یغسل ثوبه قال لا و للخبر الآخر یصیب یدی شی ء من البول فأمسحه بالحائط أو بالتراب ثمّ یعرق یدی فأمسح وجهی أو بعض جسدی أو یصیب ثوبی قال لا بأس

ص: 104

لعدم دلالة الروایة الأولی کما قدمنا و لظهور إرادة عدم تنجسه و عدم نقضه بما یخرج جدیداً بعد الاستبراء فی خبر (سماعة) و لعدم ظهور ارادة مماسة لنجّس نفسه بعد العرق للثوب و الوجه بل هو اعم و الأصل الطهارة عند محل الشک علی أن هذه الأخبار لضعفها سنداً و دلالة و إعراض الأصحاب عن العمل بمضمونها لا تصلح لمعارضة ما جاء من الأمر بغسل الأوانی و الفرش من النجاسة فلو أنها لا تنجس لعری الأمر بالغسل عن الفائدة لعدم إمکان لبسها و مصاحبتها حین الصلاة نعم قد تحمل هذه الأخبار علی وجوب مسح الذکر عند تعذر الماء لتخفیف النجاسة عند فعل ما هو مشروط بالطهارة و وجوب الغسل بعد الإمکان جمعاً بین الأدلة و یکون استفادة الوجوب من مجموع السؤال و الجواب المشعر أنَّ بمشروعیة ذلک الیوم لا من الأمر به لخلوها عن الأمر بذلک.

رابعها: یجب غسل مخرج الغائط عند التعدی عن المحل المعتاد أو مخالطة نجاسة أخری بالماء

للاستصحاب و لما ورد من قوله (علیه السلام): (یکفی أحدکم ثلاث أحجار إذا لم یتجاوز محل العادة) و للإجماع المنقول علی عدم إجزاء الأحجار عند التعدی و لأن المتعدی کسائر نجاسات البدن فلا بد من غسلها و الأقوی عدم إجزاء الأحجار مع التعدی حتی فی نفس المخرج للشک فی تطهیره بها و الحال أنه متعدی و المراد بعدم التعدی هو ما سمی استنجاء عرفاً و لا یتفاحش عن حلقة الدبر تفاحشاً بیناً کما یصدر عن غیر معتدل المزاج لا مجرد تجاوزه عن الحلقة و إن کان الاقتصار علیه أحوط.

خامسها: یکفی فی غسل الغائط ذهاب العین

لصدق الغسل معه و لقوله (علیه السلام): (هل للاستنجاء حد قال لا حتی ینقی ما ثمة قال ینقی ما ثمة و یبقی الریح قال الریح لا ینظر إلیها) و فیهِ دلالة علی أن الریح لا ینافی النقاء و أما اللون فالظاهر أنه کالریح لا اعتبار به لما ورد من الأمر بصبغ الثوب من دم الحیض لتدلیسه و لصدق زوال العین و النقاء و إن کان موجوداً و دعوی أنه مکتسب من أجزاء صغار متلاصقة بالمحل من عین النجاسة فلا یصدق مع زوال العین مردود بظهور العرف علی خلافه و بعدم دوران الأحکام الشرعیة علی التدقیقات الحکمیة نعم لو بقی علی المحل أثر من غیر

ص: 105

النجاسة یمکن زواله بسرعة کالأجزاء اللطیفة اللزجة؟ العالقة بالمحل لزم إزالتهُ لأنه من عین النجاسة و للفرق بینه و بین اللون عرفاً و هو المراد بقول الفقهاء یشترط زوال العین و الأثر و لا یشترط خشونة المقعدة فی الغسل أو حصول الصریر من مماسة الغاسل لها للأصل و لعدم توقف الامتثال علیهما.

سادسها: یکفی فی استنجاء البول غسل المخرج مرة واحدة

بحیث یجری علیه فیزیل ما به من البول و بحیث لا یستهلکه البول أو یساویه بل بحیث یغلب الماء علیه و یقهره لإطلاقات أوامر الغسل من البول مطلقاً و إطلاقات خصوص أوامر غسل مخرج البول فی الاستنجاء کقوله فی الصحیح (إذا انقطعت درة البول فصب الماء) و فی الآخر (و أما البول فلا بد من غسله) و فی الآخر (اغسل ذکرک و أعد صلاتک) و فی الآخر (علیه أن یغسل ذکره) و فی الآخر (یغسل ذکره و یذهب الغائط) و فی الأخر (یغسل ذکره و لا یعید الوضوء) و فی الآخر (یغسل ذکره و لا یعید الصلاة) و فی الآخر (علیک إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذکرک) فإطلاق هذه الأخبار فی مقام البیان بیان للاکتفاء بمسمی الغسل بل فی خبر نشیط عما یجری من الماء فی الاستنجاء قال مثلًا ما علی الحشفة من البلل و الخبر الآخر، یجزی فی البول أن یغسله بمثله ظهور کفایة للمرة الواحدة لأن السؤال و إن کان ظاهراً عن إجزاء قدر الماء المستعمل دون وحدة الغسل و تعدده إلا أنها من اللوازم للمسئول عنه فینبغی بیان أحدهما و لما کان الإطلاق کاف ببیان الواحدة اکتفی بها فی المقام و دعوی أن وجوب التثنیة فی غسل الثوب و البدن و الإجماع المنقول علیها و تنقیح المناط بین مخرج البول و سائر البدن و ما ورد من الأمر بالصب مرتین علی البدن إذا أصابه بول و خبر نشیط بحمل المثلین علی إرادة الغسلتین دال علی وجوب تثنیة الغسل فی المخرج مردودة بمنع شمول الإجماع و الأخبار الدالین علی التثنیة لمخرج البول بل هی ظاهرة فی غیره من البدن و تنقیح المناط بین البدن و مخرج البول ممنوع لمکان السهولة المطلوبة فی الاستنجاء و التخفیف المراد من الشارع لکثرة وقوعه و کذا دلالة خبر تشیط علی التثنیة ممنوعة لافضائها إلی التجوز فی اللفظ و لظهورها فی الجواب عَمّا یجزی من قدر الماء لا عما یجب من قدر الغسل وحدة

ص: 106

و تعدّد أو للزوم الحمل علی تثنیة الغسل الاکتفاء بمثل الحشفة من البلل بعد انقطاع البول و هو مخالف لأوامر الغسل فی الأخبار و الإجماع لعدم حصول مسمی الغسل به و لاستهلاکه بالبول غالباً علی ما ذکرنا فیحمل خبر نشیط الآخر علی الاستخدام بإرجاع الضمیر فی مثله للبول أو القطرة الأخیرة منه و إرادة المخرج من مرجع الضمیر و إرادة البلل المتخلف علیه ضرورة أن البول لا یکون مغسولًا و ذهب جمع من أصحابنا إلی وجوب تعدد الغسل فی استنجاء البول تقیداً للمطلقات بما دل علی وجوب المرتین فی غسل البول عن البدن من الأخبار و الإجماع و تنقیحاً للمناط و الجواب أولًا بعدم المقاومة و ثانیاً بانصراف ما دل علی ذلک إلی غیر مخرج البول و لکن الاحتیاط یقضی بالتعدد و علیه فهل یشترط التعدد و الانفصال الحسی أم یکفی التقدیری لو حصل بغسلة واحدة وجهان من الأخذ بظاهر الأمر و الاستصحاب و الاحتیاط و من تنقیح المناط و تسریت للعلة و الأول أقوی و أحوط و أحوط الکل الثلاث لما ورد فی الصحیح من الأمر به و اکتفی جمع من أصحابنا بغسل المخرج بمثلی ما علی الحشفة استناداً للروایة المتقدمة و فیه أنها لا تقاوم إطلاقات الغسل فلا بد من حملها علی الکشف عن حصول الغسل بذلک القدر و إنه أقل ما یسمی غسلًا عرفاً أو علی المبالغة و التقریب أو علی إرادة القطرات المتخلفة لا البلل کما تحمل الروایة الثانیة المکتفیة بالمثل علی ذلک أو علی السهو من حذف الیاء فیکون مثلیه فالقول بمضمونها لا وجه له.

سابعها: الواجب فی غسل المخرجین هو الظاهر

للنص و الإجماع و الأصل دون الباطن و المرجع فی معرفتهما إلی العرف و الظاهر وجوب إدخال جزء من الباطن من باب المقدمة لإزالة الشک و قد یتمسک بأصالة الطهارة فی المشکوک به أنه من الظاهر أو الباطن و لکن الاحتیاط یقضی بغسله.

ثامنها: یجزی فی مخرج الغائط عند عدم التعدی التمسح

للإجماع و الأخبار و منها کان یستنجی من البول ثلاث مرات و من الغائط بالمدر و الخزف و الخرق و منها کان الحسین (علیه السلام) یتمسح من الغائط بالکرسف و منها جرت السنة فی الغائط بثلاث

ص: 107

أحجار و منها یجزی من الغائط المسح بالأحجار فما دل علی إعادة الوضوء و الصلاة مع التمسح أو علی متابعته بالماء أو غیر ذلک مطرح أو محمول علی صورة التعدی أو الندب نعم الماء أفضل للأخبار و کلام الأصحاب و الاعتبار و الجمع أکمل مع تقدیم الأحجار للأخبار و الاعتبار و لا بأس بأفضلیة أحد فردیّ الواجب التخییری لإمکانه و وقوعه و لا یلزم منه اجتماع الوجوب و الاستصحاب فی شخص واحد لأن المراد بالأفضلیة زیادة ثواب أحدهما علی الآخر و لا مضادة فیه و الجواب باختلاف الاعتبار و لتعلق الندب بالفرد و الوجوب بالکل ضعیف لعدم ارتفاع تضاد الحکمین و امتناع اجتماعهما بالاختلاف بالاعتبار مع کون الفرد متحداً و یکفی فی التمسح هنا ذهاب العین و لا عبرة باللون و الرائحة لفتوی الأصحاب و لزوم العسر و الحرج لولاه و لإشعار الأخبار به بل ربما یدعی عدم العبرة بالأثر الزائد علی اللون لحصوله غالباً و عدم زواله بالثلاث فیطهر حینئذ المحل و إن بقی الأثر.

تاسعها: یجوز التمسح بالحجر و المدر و الخزف و الکرسف و الخرق

لفتوی الأصحاب و نصوص الباب و إن کان الحجر أقواها فعلًا و أکثرها نصاً و یجوز بکل جسم عدا ما سیجی ء إنْ شاء الله تعالی خلافاً لمن منع ما لیس بأرض أو منع من الآجر و الخزف من دون ملابسة طین أو تراب یابس و من الکرسف و شبهه إلّا مع فقد الأحجار و الدلیل علی ما قلنا فتوی المشهور و الإجماع المنقول و الأخبار الدالة علی وجوب المسح مطلقاً و الدالة علی جواز ثلاث حثیات من تراب أو من أعواد و الدالة علی جواز الاستنجاء بالخزف و القطن و أشباه ذلک و هی و إن ضعفت سنداً مجبورة بفتوی المشهور و علی عمل الجمهور و ربما کان فی قوله (علیه السلام) حتی ینقی ما ثمّة و قوله (علیه السلام): (و یذهب الغائط) دلیل علی ذلک بل فی أخبار النهی عن الاستنجاء بالعظم و الروث إشعار بذلک فما دل حینئذ علی خصوصیة الأحجار أو خصوصیة أشیاء معینة لا یکون مقیداً للإطلاقات المعتضدة بفهم المشهور و الإجماع المنقول فیحمل المقیّد علی الغالب لان الغالب فی الاستعمال الأحجار و شبهها علی أن ما جاء من المقیدات من حکایات الأفعال لا تصح لتقید مطلقات الأقوال.

ص: 108

عاشرها: یجب المسح بما یسمی مسحاً

فلا یکتفی الالتصاق للاستصحاب و ظاهر الأخبار و فتوی الأصحاب و یجب أن یکون علی النحو المتعارف فلو تعدّی بالمسح إلی المحل الطاهر یتنجس الطاهر الخارج عن المحل المعتاد و احتاج إلی تطهیره بالماء و لا یجب الاقتصار جداً بحیث لا یتعدی عن المحل أبداً للزوم الحرج و العسر و لمخالفة السیرة الجاریة فی المسح فلا یجب حینئذ وضع حافة الحجر علی حافة النجاسة و إدارتها علیها بحیث لا یمس المحل الطاهر منها شی ء و یجب تعدد المسح بحیث تعد مسحات متمایزة متفاصلة للاستصحاب و ظاهر الأخبار و فتوی الأصحاب فلو ألصق ثلاث أحجار و مسح بها دفعة لم یجز و کان بحکم حجر واحد و لو مسح بالثلاثة متعاقبة من دون فاصل مرة واحدة قوی الإجراء و الأحوط الفصل.

حادی عشرها: لا یجزی المسح بالنجس و لا بالمتنجس

للأصل و الشک فی شمول الأدلة للنجس بل لظهورها فی غیره للإجماع المنقول و لانفعاله بالخبث فلا یصلح لان یکون رافعاً و لو استنجی به لغی حکم الأحجار و لزم الاستنجاء بالماء للاستصحاب و لإفادة المحل نجاسة غربیة لا یرفعها سوی الماء و یحتمل قویاً الاجتزاء بالأحجار لعدم تنجس المتنجس بنجاسة أخری فشمله الإطلاقات و فیه أن المحل یقبل الشدة و الضعف فی قبول النجاسة و إن کان متنجساً و الفرق بین نجاسة الغائط فتجزی الأحجار لعدم تغایر النجاسة و بین غیرها فلا تجزی قریب أیضاً و لکن الأول أظهر و أحوط.

ثانی عشرها: لا بد من تثلیث المسح و إن نقی المحل بدونها

فیکون أقل المجزی ثلاث مسحات بثلاث أحجار و لو لم ینق وجب الزائد إلی أن ینقی للاستصحاب و ظاهر أخبار الباب و فتوی الأصحاب و لما ورد بعدم إجزاء ما دون الثلاثة من الأخبار و هی و إن ضعفت لکنها قویة بفتوی مشهور الأخیار و وجه الاستدلال بأخبار التثلیث أما من جهة أنها مقیدة لإطلاق الأخبار الدالة علی کفایة ذهاب الغائط و کفایة نقاء ما ثمة و الآمرة بالاستنجاء مطلقاً فیجب حمل المطلق علی المقید و أما من جهة مفهوم العدد فی مقام البیان لوروده فی مقام بیان المجزی فی الاستنجاء و ظاهر الإجزاء هو أقل ما یتأدی به الواجب و فی مقام بیان ما جرت به السنة و ظاهر لفظ السنة هنا إرادة الشریعة لا

ص: 109

المسنون و فی المقام حکایة فعل الإمام (علیه السلام) المنبئ عن الاستمرار و الدوام و فی بعض الروایات أن الناس کانوا یستنجون بثلاث أحجار فلو لم (کذا فی النسخة) التثلیث لازم لما استمر علیه الناس لما نراهم من عدم الاستمرار علی المسنونات و ذهب جمع من أصحابنا إلی عدم اشتراط التثلیث و اکتفی بحصول مسمی النقاء استناداً للإطلاق و تنزیلًا للمقیدات علی الغالب من عدم حصول النقاء بدون التثلیث أو علی الاستحباب و هو ضعیف لظهور روایة النقاء فی الاستحباب بالماء و لوجوب حمل المطلق علی المقید عند المقاومة و إن کان المقید هو الفرد الغالب بل الغلبة مرجحة للحمل لأن المطلق یحمل علیها من دون تقید بها فکیف و لو ظهر التقید بها و ورود المقید مورد الغالب مما یلغی المفهوم لا یلغی التقید به الوارد فی الأحجار فی صحیح الأخبار یضم إلیه عدم القول بالفصل بالنسبة إلی غیرها و الأولویة غیرها منها فی التثلیث و بالجملة فالادلة الدالة علی أن المدار هو النقاء بینها و بین أدلة التثلیث عموم من وجه و لا یمکن تخصیصها بأدلة الأحجار للإجماع علی لزوم إزالة العین و إن زاد المسح علی الثلاثة فلا بد من تخصص أدلة النقاء بأدلة الأحجار لقوتها و اعتضادها بالاستصحاب و فتوی المشهور و لأن التطهیر بالأحجار ظن و لا یزیل الأثر غالباً فیؤخذ به بالمتیقن من لزوم التثلیث نعم قد یقال أن الحکم من التثلیث هو حصول النقاء بها غالباً بالنسبة لأغلب الناس فی اغلب الأوقات و أغلب الأحجار و إلا فقد یختلف الحال بالنسبة إلی شدة الحر و البرد و الهواء و عدمه و خشونة الحجر و نعومته و قوة المس و ضعفه و ذکاء الماسح و بلادته و خشونة النجو و نعومته و لزوجته و عدمها و کبر الحجر و صغره و غیر ذلک و الحکمة لا یلزم من عدمها العدم:

ثالث عشرها: یجب تثلیث الماسح

بمعنی تعدد مکان الماسح و مغایَرتهِ فی المسح فلا تجزی الثلاث مسحات بموضع واحد لظهور الأخبار فی تثلیث الماسح و کذا الأصحاب و یدل علیه الاستصحاب و دعوی عدم ظهور الأخبار فی التثلیث لماسح بل إنما تدل علی تثلیث المسح کما یقال ضربته عشرة أسواط و رمیته عشرة سهام مردودة بفهم الأصحاب خلافه.

ص: 110

أولا: و بأنه لا أقل من حصول الإجمال فیه فیؤخذ بالمتیقن

ثانیاً: و بالفرق بین المجرور بالباء کما هو العُمدة فی الأخبار فیدل علی تکرر الأدلة و بین المجرد فلا یدل ثالثاً.

رابع عشرها: الأظهر و الأحوط عدم إجزاء الواحد ذی الجهات الثلاث فی حجر أو مدر

أو خزف أو الطویل ذی الأمکنة المتعددة الممکن تغایر المسح بها للاستصحاب و لظهور الأخبار فی تعدد الأدلة و انفصالها لأن المفهوم من ثلاثة أحجار تعددها و انفصالها و لا یصدق علی الواحد أنه ثلاثة و لأن المعهود التعدد و لقوله (علیه السلام) (بثلاث أحجار أبکار) و استعمال الواحد مرة أخری بالجهة الثانیة لا یصدق علیها ذلک و ضعفه مؤید بفتوی المشهور نقلًا أو تحصیلًا و المناقشة فی الاستصحاب خروج عن مذاق الأصحاب لشمول أدلته للحکم الواحد أو المتعدد المعین أو المراد المعلوم ثبوته فی الشرع مرة أو علی الاستمرار أو إلی غایة أو حالة واحدة أو متعددة معلومة أو مجهولة و شک فی البراءة منه بوجود المعارض أو بالشک فی حصول الغایة أو بأحد الأفراد المرددة و المقام من ذلک لبقاء حکم النجاسة إلی القطع بالمطهر و لا قطع مع التمسح بذی الثلاث فیکون مما علم ثبوته إلی حالة و شک فی حصولها و لو طال الحجر أو الثوب قوی جواز الاستنجاء بأرکانه الثلاثة و الأحوط ترکه و لو تکسر الحجر و قد تمسح بطرف منه قوی إجزاء الباقی و الأحوط ترکه استصحاباً لحکمه مع الشک فی تبدل الموضوع و اجتزأ جمع من الأصحاب بالحجر ذی الجهات الثلاثة لصدق التمسح بالثلاث عند التمسح به و لاجزائهِ لثلاث أشخاص کل یتمسح برکن و لاجزائه عند تکسره ثلاث أجزاء لواحد أو لثلاث و الکل منظور فیه یعلم مما تقدم.

خامس عشرها: الأظهر و الأحوط اشتراط البکارة فی الأحجار

بمعنی عدم استعمالها سابقاً فی الاستنجاء لنفسه أو لغیره لاستصحاب النجاسة و للروایة السابقة الدال علی وصفها بالإبکار و لا فرق بین بقائها نجسة و بین صیرورتها طاهرة و لا بین تنجسها سابقاً و بین عدمه إذا کانت من الثلاث أما لو کانت زائدة علی الثلاث و لم تتنجس بل استعملت لمجرد المبالغة فی التنظیف فلا بأس و لو استنجی ثلاثة بحجر واحد

ص: 111

کل من جهة فالأحوط الحکم بعدم حصول التطهر لهم فیما عدا الأول لصدق عدم البکریة علیه بالنسبة إلی الثانی إلا إذا کان طویلًا جداً بحیث لا یصدق علیهم أنهم تمسحوا بحجر فالأقوی جوازه و لو استنجی بإصبعه أو بجزء من بدنه أو بدن غیره لم یصح الاستنجاء به مرة ثانیة لنفسه و لا لغیره و الظاهر أن الأصابع بمنزلة أحجار متعددة و بالطریق الأولی الیدین و أجزاء البدن المتباینة و خیال أن الإنسان کله بمنزلة حجر واحد بعید جداً و لو استحالت آلة المسح إلی نوع آخر جاز الاستنجاء بها و حصل بها الإزالة.

سادس عشرها: الأظهر عدم إجزاء الثلاث علی سبیل التوزیع علی المحل

بل لا بد من إمرار کل علی کل المحل لأنه هو المعهود من الأفعال و لمفهوم الأخبار و فتاوی الأصحاب و اجتزأ بعضهم بذلک و هو بعید.

سابع عشرها: لا یجوز الاستنجاء بالعظم و الروث مما یؤکل لحمه

للإجماع المنقول و فتوی الجمهور و الأخبار الناهیة عن ذلک و هی متکثرة معتبرة منجبرة معللة بأنهما طعام الجن و إنهم طلبوا من رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ذلک و الظاهر عدم حصول التطهر بهما کما یستفاد من النهی فی الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار (علیهم السلام) فإن النهی و إن لم یدل بنفسه علی الفساد و لکنه یستفاد منه من جهة استقراء الجزئیات و فی فتاوی الثقات و قد نقل الإجماع علی عدم حصول التطهر بهما بعضهم و ورد فی بعض الأخبار أنه لا یصلح الاستنجاء بهما و فی بعض آخر لا یطهران و ضعف السند و الدلالة مجبوران بما تقدم و یراد بالعظم ما یسمی عظماً عرفاً فلا یدخل فیه الظفر و شبهه و الظاهر إلحاق القرطمة به و یراد بالروث رجیع ذی الحافر کما هو المفهوم عرفاً و الأحوط إلحاق رجیع کل حیوان من ذی ظلف أو خف أو طائر لورود النهی عنه مطلقاً و لا فرق فی المنع بین عظم ما یؤکل و ما لا یؤکل مطلقاً و کذا الروث لإطلاق الأخبار و الفتاوی.

ثامن عشرها: یحرم الاستنجاء بالمطعوم المعتاد و فعلًا کالخبز و العجین

و التمر و شبهها و الإجماع المنقول و لفتوی الفحول و لنحو أخبار النهی عن العظم و الروث لأنه طعام الجن و لما ورد من غضب الله تعالی علی أهل الثرثار باستنجائهم بالخبز و العجین و لروایة الدعائم و لأنه من المحترمات فلا یرضی بإهانته رب السماوات بل ربما یحرم

ص: 112

تنجسه مطلقاً بل ربما یجب رفع النجاسة عنه مطلقاً للاحترام و الأقوی وجوب تجنب المطعوم المقارب للخروج إلی الفعل کالحنطة و الشعیر و باقی الحبوب لورود الذم لمن وطأ الحنطة و الشعیر بقدمیه فالاستنجاء أولی بالمنع و الأحوط اجتناب جمیع البقول و الفواکه بل الأحوط تجنب اللحوم و الشحوم و کذا غیر المطعوم العام فی الحلوانات و الأدویة و اللحوم و الشحوم و العقاقیر و کذا الأحوط تجنب ما لم یکن مطعوماً قبل ذلک فعاد مطعوماً و الظاهر أنه لو استنجی بالمطعوم عمداً أثم المستنجی و حصلت الازالة علی الأظهر.

تاسع عشرها: یحرم الاستنجاء بکل محترم مادة

کالتربة الحسینیة و المکتوب علیه قرآناً أو أسماء الله تعالی أو أسماء الأنبیاء و الأئمة (علیهم السلام) للإجماع و فحاوی الکتاب و السنة و لو فعل حراماً و استنجی به حصلت به الإزالة و إن أثم بل و إن کفر و مع السهو و الغفلة لا إثم و تحصل به الإزالة و یکره الاستنجاء بما یستحب تعظمه کالقرطاس و أحجار قبور المؤمنین بل و ثیاب العلماء و السادة و الصلحاء و یلحق بما احترمت مادته ما احترمت هیئته کآلات العبادة المتعارفة لها علی الأظهر و الأحوط.

عشرونها: لا یجزی التمسح بالثلج و لا بالرطب الغیر المتماسک

و الأحوط ترک الرطب المتماسک إذا کان مما یتفتت و کذا التراب الناعم لعلوقه و عدم حسن إزالته و کذا الصقیل الناعم و شبهها.

الحادی و العشرون: یستحب للرجل الاستبراء

للنص و الإجماع و فائدته مع حصول الثواب عدم الاعتداد بالخارج بعده إذا لم یقطع ببولیته شک فیها أو ظن و الحکم علی الخارج قبله بالحدثیة و الخبثیة کما دلت علی ذلک الأخبار و کلام الأصحاب و هو مختص بالرجل اقتصاراً علی الیقین و ما یخرج من غیره لا حکم له عند الشک للأصل و لو کان خنثی و احتمال تقدیم الظاهر هاهنا علی الأصل أو احتمال أن الاستصحاب یقضی ببقاء البول فیکون الخارج هو البول بعیدان بل الظاهر أن الحکم بالبول تعبُّدی للأخبار و لا یجب وفاقاً للمشهور للأصل و لظهور الأخبار فی الإرشاد و الاستحباب و لأنه لو کان له لما خفی حاله لکثرة وقوعه و الاحتیاج إلیه و دورانه و لخلو أخبار

ص: 113

الاستنجاء عن الأمر به فی مقام البیان و لما ورد من أن الإمام (علیه السلام) استنجی بعد انقطاع البول المشعر بترکه و لإشعار قوله (علیه السلام) فی الحسن إذا بال فخرط ما بین المقعدة و الانثیین ثلاث مرات و غمزها بینهما ثمّ استنجی ثمّ سال حتی یبلغ الشاق فلا یبالی بالاستحباب و الإرشاد فما ورد مما ظاهره الأمر به محمول علی الندب و الإرشاد کما أن من أفتی بالوجوب یمکن حمله علی الوجوب الشرطی دون الشرعی بمعنی شرطیة استمرار الطهارة عند الشک من الخارج لا شرطیة صحة الغسل لدلالة الأخبار و فتوی الأصحاب علی خلافه و الذی یظهر من إطلاقات بعض الأخبار و یقضی به الاعتبار أن الاستبراء هو طلب براءة مجری البول منه بعد انقطاع دریرته بأی نحو کان و لو بخروج منی أو دم بعده أو حصاة أو عمل من عصر أو نتر بنفسه أو بغیره بآلة أو بدونها بل لو حصل بمضی زمان کفی و ترتب علیه الحکم و ما ذکر فی الأخبار من بیان کیفیت إرشاد لما هو الأسهل فی تحصیله و الأقوی فی فعله و أجود کیفیاته أن یخرط أصل ذکره من طرف المقعدة إلی الانثیین ثلاثاً بإصبعه الوسطی أو غیرها و الوسطی أکمل و ینتر القضیب من أصله إلی رأس الحشفة ثلاثا بعصر و جذب بذلک الإصبع ثمّ نتر الحشفة وحدها ثلاثاً أما الأولین فیدل علیهما فتوی المشهور و قوله (علیه السلام) (فخرط ما بین المقعدة و الانثیین ثلاث مرات و غمز ما بینهما) بإرجاع ضمیر التثنیة للأنثیین لقربهما کنایة عن الذکر لا إرجاعه عن المقعدة و الانثیین و کذا قوله (علیه السلام) فی الصحیح (ثمّ ینتره) بإرجاع الضمیر إلی الذکر أو إلی البول و یدل علی الثالث قوله (علیه السلام) (یعصر أصل ذکره إلی طرفه ثلاث عصرات و ینتر طرفه) لظهور إرادة نفس القضیب من لفظ الذکر و ظهور إرادة الحشفة من طرفه و ظهور التثلیث من العطف مع عدم قید الوحدة فالجمع فی الأخذ بهذه الأخبار الإتیان بالتسع و فی حکمها الإتیان بست إذا جمع المستبرئ بین عصر القضیب و نتره دفعه واحدة علی الأقوی و الأحوط لزوم الترتیب فیها بتقدیم الثلاثة الأول علی المتوسطة کلًا بتقدیم الوسطی علی الأخیرة لو کانت تسعاً و الصور المتحملة واحد و ثمانون صورة أبلغها ما ذکرناه و أکثرها علی الظاهر جائزة ما عدا ما یتأخر منها جمیع الخرطات عن جمیع العصرات و النترات و لکن

ص: 114

الترتیب أحوط و أبلغ و إضافة التنحنح إلیها أجمل و إضافة عصر نفسه أکمل و الصبر بعد انقطاع دریرة البول هنیئة ثمّ الاستبراء أفضل و یقوی القول بالاکتفاء بالخرطات الثلاث الأولیة ثمّ عصر الذکر بقوة مرة واحدة یجمع فیها بین العصر و النتر و هو وجه جمع بین الروایات و الفقهاء لهم فی بیان الاستبراء اختلاف و اضطراب منشؤه اختلاف الروایات و اختلاف الأنظار بما یحصل به براءة المجری من البول و الأحوط و الأظهر ما ذکرناه و للمتخلی مسنونات و مکروهات ذکرها الفقهاء فی المطولات.

القول فی الوضوء:

اشارة

و هو اسم لغسل و مسح متعلقین بأعضاء مخصوصة جامعین لشرائط الصحة بناء منا علی ثبوت الحقیقة الشرعیة و إن أسماء العبادات موضوعة للصحیح لا الأعم منه و من الفاسد و فروضه المستفادة من الدلیل القطعی أو من الکتاب ثمانیة النیة و هی مستفادة من الإجماع و السنة و الکتاب للأمر فیه بالإخلاص و العبودیة و الطاعة و هی معنی النیة أو لازمها التی لا تنفک عنه و غسل الوجه و الیدین و مسح الرأس و الرجلین و هذه الأربعة مستفادة من الإجماع و الکتاب و السنة و الترتیب و الموالاة و المباشرة و هذه الثلاثة مستفادة من الإجماع و السنة و یمکن استفادتها من الکتاب فیستفاد الترتیب منه بناء علی أن الترتیب الذکری یفید الترتیب الحکمی لقوله (علیه السلام) (ابدءوا بما بدأ الله تعالی) أو لإشعار لفظ الروایة و إن لم یکن حقیقة فیه و تستفاد الموالاة بناء ان علی أن ما تعقب فالتعقیب یقضی بتعاقب أجزاء و تلاحقه فورا و تستفاد المباشرة بناء علی ظهور الخطاب فی المباشرة دون إرادة مجرد إیجاد الفعل و إیقاعه و فیه مطالب.

فروض الوضوء

الأول: فی النیة

اشارة

و الکلام فیها یقع فی مقامات:

أحدها: تجب النیة فی الطهارات الحدثیة

إجماعاً و کتاباً و سنة متواترة و جمیع ما ورد من الأمر بالطاعة و الامتثال و الانقیاد و العبودیة و الإخلاص دال علیها لأن الفعل إذا لم یقع بقصد أصلًا أو وقع بقصد انه لغیر الله لم یسم عرفاً انه مطیع به و ممتثل فیه و عابد و مخلص و کذا جمیع ما جاء فی النهی عن الریاء و الأمر بمجاهدة النفس و دفع

ص: 115

وساوس الشیطان و قوله تعالی: (بَلِ اللّٰهَ فَاعْبُدْ مخلصاً له دینی) و قوله (لِیَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) ظاهر فی إرادة الإخلاص فی العبادة و هو موقوف علی النیة بل یکفی فی الاستدلال بالآیة قوله تعالی (لِیَعْبُدُوا اللّٰهَ) فإن العبادة لله لا تتحقق بدونها مما أورده بعضهم من أن الإخلاص فی الدین لا یستلزم الإخلاص فی العبادة لاحتمال إرادة الملة من لفظ الدین مدفوع بما ذکرناه و قوله (علیه السلام) (لا عمل إلا بنیة) ظاهر فی فی نفی الصحة لأنه أقرب المجازات عند تعذر الحمل علی الحقیقة و هو نفی الذات بل یراد منه نفی الذات بالنسبة إلی العبادات بناء علی وضعها للصحیح و ارتکاب التخصیص فی الروایة بإخراج المعاملات بالدلیل الدال علی عدم لزومها فیها خیر من ارتکاب التجوّز بإرادة نفی الکمال الشامل للعبادات غیرها فحینئذ لا یکون فی الحدیث دلالة علی وجوبها فی العبادات لان التخصیص خیر من المجاز و لان فهم الأصحاب من أعظم القرائن فی الباب هذا إن أردنا بالنیة المعنی الأخص المشترط فی العبادات و إن أردنا بها المعنی الأعم الشامل للقصد الخاص المقترن بقصد القربة فی العبادة و للقصد المطلق الخالی عنها فی غیرها بقی اللفظ علی حاله و لم یحتج إلی تخصیص لأن العقود و الإیقاعات مفتقرة أیضاً إلی النیة بمعنی القصد المطلق المقارن للمقصود فیبقی نفی الصحة فی الحدث علی عمومه.

الثانی: للأصل فی کل مأمور به أن یفتقر إلی نیة بالمعنی الخاص

لتوقف الطاعة و امتثال الأمر علیها و هما واجبان قطعاً فالأصل فی کل مأمور به أن یکون عبادة بالمعنی الأخص لما قلناه و لان الشک فی کون الشی ء عبادة أو غیرها یعود إلی الشک فی الجزئیة و هو یعود إلی الشک فی الماهیة و اللازم من ذلک الإتیان بما یقطع فیه بحصول الماهیة و هو لا یتم إلا بالإتیان بالمشکوک به فی الجزئیة فلا یتم إلا بالإتیان بالنیة نعم لو قام الدلیل علی خلاف ذلک من إجماع و غیره أخذنا به کما قام الدلیل علی کثیر من المأمور به أن المراد منه مجرد إیجاده فی الخارج أو فهمنا من الأوامر عدم إرادة الطلب منها بل مجرد الإرشاد أو بیان الحکم الوضعی کما فهمنا فی کثیر من المعاملات ذلک.

ص: 116

الثالث: الأظهر أن النیة حقیقة شرعیة فی القصد المقارن للقربة

فهی من خصائص العبادات شرعاً و یحتمل القول ببقائها علی المعنی اللغوی و یحتمل فعلها للقصد المقارن للقربة فی العبادات و للقصد المطلق فی غیرها و علی کل حال فلا بد من مقارنتها للمقصود بخلاف لفظ القصد و لا یشترط فیها سبق التردد بخلاف العزم و لا یشترط فیها المیل النفسانی و الانبعاث القلبی بخلاف الإرادة و المیل.

الرابع: یشترط فی نیة العبادة قصد نفس الفعل جزماً

و هو أمر قل ما ینفک عنه الفعل الاختیاری الصادر عن شعور من المکلف و هو المعنی بقولهم أن تکلیف العمل من دون نیة تکلیف ما لا یطاق و قصد التقرب به و هو روح العبادة و ریحانها و هو قصد أن العمل له تعالی أما لأنه أهل للعبادة أو لان العابد أهل لذلک أو شکراً لنعمته أو طلباً لرضاه أو دفعاً لسخطه أو طلباً لمثوبته و غیر ذلک من الغایات اللاحقة لکون العمل له و لو نوی العمل للثواب الأخروی أو الدنیوی بحیث جعل العمل فی مقابلتها و صیّر العمل لها بشبهة المعاوضة فسد العمل علی الأظهر لمنافاته للإخلاص و ما ورد من الأخبار و الآیات الظاهرة من جواز العبادة للخوف أو الطمع أو للجنة أو النار و کقوله تعالی (یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً) و قوله (علیه السلام) (من بلغه ثواب علی عمل) و غیر ذلک محمول علی جعل ذلک غایة للغایة و علی جعل ذلک باعثاً للعبادة لوجه الله تعالی کما یشعر به قوله تعالی (إِنَّمٰا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللّٰهِ) مع قوله تعالی (إِنّٰا نَخٰافُ مِنْ رَبِّنٰا یَوْماً) لا علی أن العبادة للطمع و للخوف و الثواب و دعوی أن عبادة العوام من هذا القبیل و قد أقرهم العلماء علی ذلک ممنوع لعدم معرفة العلماء بما علیه العوام لأصالة صحة عملهم ککثیر ما یقع منهم و لو نوی العمل للثواب الدنیوی أو لرفع عقابه علی طریقة المعاوضة فسد العمل بالطریق الأولی و تعین المقصود بنوعه و شخصه أو بلازمه و وضعه إذا لم یکن متعیناً فی نفسه کما إذا کان دائراً بین فردین قابلًا ذلک الزمان أو ذلک المحل لوقوع کل منهما لان العمل فی المشترک لا یتشخص إلا بالوصف الخاص و إلا وقع مبهماً و المبهم لا وجود له فی الخارج و إن کان متعیناً بزمان أو مکان کفی نیة النوع و التقرب بما یتعلق به الخطاب و اشتغلت الذمة به فینصرف فی المنوی إلی ما یتعلق

ص: 117

به الخطاب و صح فعله لاقتران نیة النوع بنیت فعل ما تعلق به الخطاب فیکون من قبیل نیة الوصف اللازم و الأحوط تعین المنوی حتی فی المتعین واقعاً شخصه أو وصفه اللازم مع الإمکان بل مع عدم الإمکان أیضاً کمن فاتته رباعیة مرددة فإنه یقوی عدم وجوب التعین و کفایة الإطلاق و عدم وجوب التکریر و لکن الاحتیاط بالتکریر محافظته علی التعین.

الخامس: یجب استدامة حکم النیة فی جمیع الأجزاء

بمعنی أن لا یقطعها بنیة تخالفها من ریاء و نحوه و لا ینوی قطع العمل فیعمل فإن العمل یبطل فی مثل الصلاة و نحوها و یجب العود إلیها و إلی العمل المقارن لنیة القطع فی مثل الوضوء و شبهه أو لأن تعزب عنه أصلًا و رأساً بنسیان و شبهه بحیث یقع العمل منه من غیر شعور و کل ذلک لعموم أدلة النیة الشامل للکل و الأجزاء من الأعمال نعم لو سها عنها مع بقاء التذکر فی خزانة الخیال بحیث انه یتفطن للعمل الأدنی شعور به لم یکن به بأس و اشتراط الاستدامة علی القول بکفایة الداعی فی النیة لا کلفة فیه لإمکان استمراره مع جمیع أجزاء العمل و علی القول بوجوب الأخطار یکون معنی اشتراطه هو عدم زوالها عن القوة المدرکة أصلًا و رأساً و عدم نیة خلافها.

السادس: یکفی فی قصد الفعل شعور النفس به بأدنی تفطن و التفات

و القصد إلیه فی خزانة الخیال و إرادة النفس لوقوعه و کذا یکفی فی القصد القربة کونها هی الداعی و الباعث لصدور الفعل من المختار بحیث یقال أن هذا الفعل قد وقع لأجل هذا دون ذلک و إن المحرک علی صدور هذا الفعل هی هذه الغایة دون تلک فلیست النیة فی العبادات إلا کسائر أحوالها فی باقی الأفعال من قیام لغرض دون آخر و شخص دون آخر و من قعود کذلک و من شی ء و من ضرب و غیرها فکما أن البواعث و الغایات المحرزة من لنفس مقومة لصدور تلک الأفعال و مشخصة لکل نوع من آخر من تلک الأحوال فکذلک داعی القربة مقوم النفس العمل و کاف فی تعینه للعبودیة فعلی ما ذکرناه لا حاجة إلی الأخطار و هو تصور الفعل فعلَا و تصور القربة و الوجه بناء علی وجوبه و إخطارهما عند العمل و استحضار معانیهما فی الذهن بتوسط تصور

ص: 118

ألفاظهما أو بدون ذلک و إن کان هو أحوط ما لم یؤد إلی الوسواس و الدلیل علی عدم وجوب هذا الإخطار خلو الأخبار و کلام الأخیار عنه و لزوم العسر و الحرج به فی مثل تسبیح الزهراء (علیها السلام) و الأوراد و کثیر من الأدعیة و قراءة القرآن و جریان السیرة علی خلافه فی کثیر من العبادات علی أن جمیع ما جاء فی النیة لا یدل علیه و إنما یدل علی المعنی الأول فإیجاب شی ء زائد علی ذلک مفتقر إلی دلیل و لیس فلیس و علی القول بالإخطار فلا بد من الاقتصار علی إیجابه فی أول العمل و کفایة الداعی و الباعث فی أثنائه للزوم العسر و الحرج لو التزمنا بوجوب استمراره و یصیر معنی وجوب الاستدامة الحکمیة فی النیة هو بقاء الداعی فیها و إن زال الإخطار و ظاهر الأصحاب أن الاستدامة الحکمیة هی أن لا ینوی ما یخالفها و لا ینوی قطعها و لا ینساها نسیاناً کلیاً بحیث لا یبقی لها أثر فی القوة المدرکة.

السابع: یجب مقارنة النیة لأول إجزاء العمل ثمّ استمرار حکمها بعد ذلک

لأنه لو لم تقارن أول أجزائه بل تقدمت أو تأخرت لم یستند العمل إلیها فیقع لا غیاً و لا فرق فی إجزاء العمل بین واجبه و بین مندوبه فمثل غسل الکفین أو المضمضة أو الاستنشاق لو قارنتها نیة الوضوء کان مجزیاً عن تجدیدها عند غسل الوجه و لکن الاحتیاط التجدید عند غسله و علی القول بأن النیة هی الداعی تقل ثمرة هذا البحث من أصله لأن الداعی مستمر غالباً.

الثامن: لا تجب نیة وجه الفعل فی الوجوب و الندب إلا إذا توقف علیه التعین

کما یتعلق بالمکلف خطابان واجب و ندب بفعلین متساویین من کل جهة سوی وصف الوجوب و الندب فیحتاج لنیة أحدهما للتعین و التمیز و لا فرق فی عدم وجوب نیة الوجه بین اخذ الوجوب و الندب غایة لفعل الفاعل کما فعل هذا لوجوبه أو أخذهما قیداً له کإفعل هذا الواجب لخلو الأخبار عن وجوب ذلک و لصدق أنه عمل منوی فیدخل تحت أدلة وجوب النیة و لا دلیل علی وجوب غیر ذلک و دعوی أن النیة مجملة فما شک فی جزئیاتها لها أو شرطیتها تحکم بالجزئیة و الشرطّیة أو دعوی أن الصلاة مجملة فما شکّ فی شرطیتها فیها کالشک فی شرطیة نیة الوجه فیها بجعله شرطاً ممنوعاً

ص: 119

أولًا بعدم تسلیم کون النیة مجملة أما لکونها باقیة علی المعنی اللغوی و أما لکون أن معناها الشرعی مبنیّاً بما جاء فی الأدلة الدالة علی وجوب الإخلاص و الامتثال و الطاعة فإنه یفهم منها عدم إرادة الشارع شیئاً آخر وراء ذلک فیکون ذلک الإجمال مرتفع بذلک البیان و ثانیاً بعدم الشک فی شرطیة نیة الوجه بل المظنون من الأخبار و الآثار هو عدم الاشتراط لأن نیة الوجه لو کانت شرطاً لأکثر الشارع من بیانه و أوجب العلم به و التعلم و العمل لشدة الحاجة إلیه و لاشتهر أمره غایة الاشتهار لتوفر الدواعی إلی معرفة حکمه و لأنه مما تعم به البلوی و لما أمر الشارع بعدة أشیاء فیها الواجب، و فیها المندوب بأمر واحد کالتکبیرات السبع و التسبیحات الثلاث من دون تمیز بین الواجب و الندب و لما أمر فی کثیر من المندوبات بالصیغة (أفعل) من دون نصب قرینة علی إرادة الندب حتی أن کثیراً من السائلین یکررون علیهم السؤال أن هذا واجب أو ندب فیجیبونهم بعد ذلک ببیان الندب و إن لیس فی ترکه شی ء و لأنا نری أن العبد لو اتی بما أراد مولاه لا یحسن أن یسأله أنک هل أتیت به بعنوان الواجب أو الندب بعد أن عرف أن العبد ما أتی بذلک الفعل إلا طلباً لامتثال إرادة مولاه و اتباعاً لهواه و لا یحسن من المولی نقص فعل العبد معللًا له بأنک لم تنوِ وجه إرادتی و وصفها من الوجوب و الندب و لأنا لا نری فرقاً بین وصفی الوجوب و الندب و بین الأوصاف الأخر من شدة الطلب و ضعفه و عظم المطلوب و عدم عظمه و أدائیة الفعل و قضائیته و کونه بمکان شریف و عدمه و کونه فی زمان کذلک و عدمه و لا نعقل فی صفی الوجوب و الندب إلا شدة تأکد الطلب و عدمه و هو لا یصلح لان یکون موجباً لنیة ولانا لا نفهم ما جاء فی الکتاب و السنة من الأمر بالعبودیة و الإخلاص و الامتثال و مدح العابدین و المتقین و غیر ذلک سوی أن مراد الشارع الإتیان بالعمل لوجهه و فعله لأجله فیحمل مطلق ما جاء فی النیة و مجمله علی مقید ذلک و مفصله و الأحوط اعتبار نیة الوجه تفصیا عن شبهة فتوی کثیر من الأصحاب و شبهه ما یظهر من بعضهم من دعوی الإجماع و شبهه شمول أدلة النسبة لاعتبار الوجه و شبهه أن الفعل إذا لم ینوِ علی الوجه لم یکن

ص: 120

مشخصاً و لا ممیزاً و شبهه أن ما شک فی شرطیته شرط و غیر ذلک فالأحوط أخذ الوجوب قیداً و غایةً للتخلص من شبهة من أوجب کلًا منهما.

التاسع: لا تجب فی الوضوء نیة الرفع و لا نیّة الاستباحة

خلافاً لمن أوجب أحدهما لا بعینه و نقل الإجماع علی ذلک و خلافاً لمن أوجبهما معاً و خلافاً لمن أوجب أحدهما معیناً الأول أو الثانی للأصل و ضعف الإجماع المنقول بمصیر الکثیر إلی خلافه و لحصول المقصود مع قصد الوضوء و قصد التقرب به قهراً لأن رفع الحدث من آثاره اللازمة له شرعاً کرفع الخبث بالغسل و مع حصول المقصود برفع الحدث لا معنی لاشتراط شی ء آخر لعدم توقف صحة الصلاة علی شی ء آخر سوی رفع الحدث و لخلو الأخبار فی مقام البیان عن ذکرهما و لعدم اشتهار وجوبهما مع توفر الدواعی إلی اشتهاره و لصیرورة العمل منویّاً فتشمله أخبار النیة و إن لم یدخلا فی النیة و ما استدلوا به من أن استباحة الصلاة غایة للأمر بالوضوء لقوله تعالی (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلٰاةِ) فإنه یفهم منه أن الغسل للصلاة کما یقال إذا لقیت الأسد فخذ سلاحک ونیة الغایة مقوّمة لفعل لان من فعل الفعل المعنی من دون نیة غایة له أو نیة غایة أخری لم یعد ممتثلًا و مردود.

أولًا: بأن الغایة غایة للأمر و الإیجاب عن الأمر فالمقصود نفس الفعل لا غایة للمأمور به بحیث تدخل فی أمر الآمر بحیث یکون الفعل لهذه الغایة مأمور به.

و ثانیاً: بمنع تسلیم أن الصلاة غایة للأمر به بل المقصود من الآیة بیان الشرطیة و التوقف بمعنی أنه لا تصح الصلاة بدون الوضوء لأن الوضوء لأجلها.

و ثالثاً: بأن المراد بیان الغایة واقعاً و هو لا یستلزم وجوب نیة کل غایة واقعیة و إلا یراد علینا بالنقض بالقربة باستلزام ما ذکرناه لعدم وجوبها مردود بظهور الفرق بین الغایتین فإن غایة القربة قضی بها دلیل الإخلاص و هو لا یمکن إلا بنیة أن الفعل له عز و جل و غایة الاستباحة قضی بها دلیل اشتراط صحة الصلاة بالوضوء و هو لا یتوقف علی نیة کون الوضوء لها و لاستباحتها.

ص: 121

و رابعا: بأن الآیة لا تدل علی اشتراط نیة الاستباحة و المدعی أعم منها و من نیة الرفع و دعوی کونهما متلازمین إذ الحدث حالة یمنع من العبادة فإذا ارتفع استبیحت العبادة مردودة.

أولًا: بأن التلازم غیر مجد فی النیة للزوم نیة الشی ء علی ما وقع علیه لا علی لازمه.

و ثانیا: بإمکان دعوی أن الرفع إزالة المانع و الاستباحة إزالة المنع و الثانی قد ینفک عن الأول کما فی المتیمم و دائم الحدث.

العاشر: لا بأس بنیة الوجوب فی مقام الندب و بالعکس عمداً أو سهواً أو جهلًا

علی القول بعدم اشتراط نیة الوجه إلا إذا أدت نیة الخلاف إلی عدم نیة الفعل المتقرب به کأن یقول عالماً عامداً أتوضأ الوضوء المندوب لا الذی أوجبه الله تعالی فی مقام الوجوب فإنه لا یصح منه الوضوء علی الأظهر و کذا لا بأس بنیة عدم الرفع و عدم الاستباحة بعد نیة الفعل علی وجه القربة بل تقع لاغیة إلا إذا أدت إلی عدم نیة الفعل المتقرب به کما ذکرناه و علی القول باشتراط أحدهما مطلقاً أو معیناً یقع العمل باطلًا لخلو العمل عن النیة المأمور بها و لو نوی رفع حدث معین لا بشرط ارتفع غیره علی القولین سواء کان المنوی آخر الأحداث أم غیرها علی الأظهر لأنها متداخلة الآثار فلا یرتفع أثر واحد منهما و یبقی الثانی و یحتمل البطلان مطلقاً لعدم حصول النیة علی وجهها و یحتمل ارتفاع المنوی دون غیره فیفتقر فی رفعه إلی وضوء آخر و یحتمل التفصیل بین الحدث الأخیر فیرتفع الکل و بین غیره فیبطل أما لو نوی رفع حدث معین بشرط بقاء غیره احتملت الصحة علی القول باشتراط نیة الرفع تغلیباً لجانب الصحة فی ارتفاع الحدث المنوی فیرتفع غیره قهراً لتداخل آثارهما و أحتمل البطلان للزوم التناقض فی نیة فیبقی العمل بلا نیة و کذا لو نوی رفع حدث غیر واقع لا بشرط أو بشرط لا فالوجهان فالأقوی علی قولهم الفساد و لو نوی استباحة شی ء خاص لا یشترط فالأقوی الصحة و استباحة کل مشروط بالوضوء و یحتمل البطلان و لو نواها بشرط عدم استباحة غیرها قوی احتمال البطلان للتناقض و احتمال الصحة لما نواه دون غیره و لو نوی رفع کل حدث و استباحة شی ء خاص دون غیره أو نوی استباحة

ص: 122

کل مشروط و رفع حدث خاص تناقضت نیة اللوازم و احتمل تغلیب جانب الصحة و احتمل تغلیب جانب الفساد کل ذلک علی القول باشتراط نیة الاستباحة و علی القول بعدمها یکون احتمال البطلان ضعیفاً فی جمیع الصور ما لم یؤدی إلی بطلان أصل النیّة.

الحادی عشر: علی القول بوجوب نیة الاستباحة یکفی نیة استباحة

أی مشروط بالوضوء و لو امتنع تحصیله کاستباحة الطواف لمن کان بالغری علی إشکال لأن قصد المحال لا یتحقق، و هل یکفی علی القول بوجوب نیة أحدهما عیناً نیة الآخر لمکان التلازم بینهما لان رفع المانع مبیح و المبیح یرتفع المانع معه و لا یعقل من رفع الحدث إلا رفع ما کان مانعاً شرعاً لا رفع نفس الشی ء الواقع و رفع المانع الشرعی قاض بالإباحة أو لا یکفی لعدم تسلیم أن رفع الحدث هو رفع المانع الشرعی و عدم تسلیم أن نیة اللازم تکفی فی نیة الملزوم فمستدیم الحدث کالمبطون و شبهه إن نوی الاستباحة فلا بأس و إن نوی رفع الحدث احتملت الصحة لأنه بمنزلة رفع المانع المنزل منزلة رفع المنع الذی هو بمعنی الاستباحة و احتمل البطلان لظهور الحدث فی الأمر الواقع الغیر ممکن ارتفاعه و احتمل التفصیل بین نیة رفع الحدث السابق فیصح لإمکان رفعه و بین رفع الجمیع أو اللاحق أو الإطلاق إذا لم ینزل علی السابق فیبطل و فیه أن نیة رفع الحدث السابق یخلی اللاحق عن نیة الرفع و الاستباحة فلا فائدة فیه.

الثانی عشر: من وجب علیه الوضوء لغایة وجب علیه نیة الوجوب إذا نواه لتلک الغایة

بناء علی نیة الوجه و هل یجوز نیته ندباً لغایةٍ أخری مندوبة أم لا یجوز و علی الجواز فهل یکفی لفعل الغایة الواجبة أم لا بد من التحدید و الأظهر جواز نیة الندب و کفایة المندوب و لکن المعروف بینهم نقلًا عدم جواز نیة الندب للغایة المندوبة إذا تعلق به الخطاب الوجوبی بل لا بد من نیة الوجوب للغایة الواجبة بل عدم جواز نیة الوجوب و الندب معاً لعدم جواز اجتماع الجهتین و کلاهما مشکل و شمول لا تطوع فی وقت فریضة لمثل هذا ممنوع و الاستناد لاقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن الضد غیر معقول إلا مع ضیق الوقت و لیس الغرض کذلک و کان ذلک بناء منهم علی أن غایات

ص: 123

الوضوء لا تنوعه کفایات الغسل من زیارة و جمعة و جنابة فإذا لم تنوعه الغایات کان واحداً فإذا اتصف بالوجوب لا یتصف بعد بشی ء آخر من ندب أو غیره فلا یصح عند اتصافه بالوجوب فعله بنیة الندب لغایة مندوبة و لکن هذا یحتاج إلی تأمل أیضاً.

الثالث عشر: العمل المشتمل علی واجب و مندوب کالوضوء یجوز نیة مجموعة قربة من غیر ذکر الوجه

و علی اشتراطه یحتمل کفایة القربة لعدم إمکان اتصاف الجمیع بوصف فیسقط اعتبار الوجه و یحتمل نیته علی وجه الوجوب لان المجموع واجب لدخول الواجب فیه و یحتمل نیته علی وجه الندب لأن جمیعه مندوب لدخول المندوب فیه و یحتمل التوزیع علی الوجهین عند ابتداء العمل و یحتمل نیة الواجب ابتداء و المندوب عند فعله فی الأثناء و الظاهر أن کل هذه الوجوه صحیح.

الرابع عشر: تفریق النیة علی أجزاء العمل بعد نیة المجموع لا بأس به

أو بدون ذلک یحتمل الصحة مطلقاً لحصول العمل متقرباً به و یحتمل البطلان لعدم نیة المأمور به جملة جمله و العمل علی ما نوی و یحتمل الفرق بین نیة الجزء بشرط الانضمام إلی ما بعده و بین نیته لا بشرط أو بشرط عدم الانضمام فیبطل و علی کل حال فالظاهر انه لا إشکال فی البطلان لو نوی الجزء بشرط عدم الانضمام أو علی أنه عبادة مستقلة نعم لو نوی المجموع متقرباً به ثمّ فرق بنیة الوجوب أو الندب علی الأبعاض عمداً أو جهلًا أو سهواً أو فرق نیة الرفع أو الاستباحة علیهما أو نوی رفع الحدث عن بعض دون بعض من الأعضاء المغسولة أو غیرها علی نحو ما ذکرنا فالأقوی الصحة و الاحتیاط غیر خفی و لو عادت هذه النیات علی نقض نیة القربة و صیرورة المنوی غیر مشروع فسد العمل.

الخامس عشر: لو نوی استباحة ما یکمل بالوضوء فی الغایات صحّ

حتی علی القول باشتراط نیة الاستباحة و بالطریق الأولی لو نوی استباحة نفس الکمال لا نفس الفعل و الدلیل علی ذلک أن اشتراط الاستباحة لو قلنا به فإنما نشترطه فی المطلق و أما ما کان له غایة منصوصة فقصد الفاعل تلک الغایة فقد حصل له الامتثال و هو یقتضی وقوعه کاملًا و هو یستلزم الرفع فنیّته الرفع تحصل ضمناً أیضاً و هو کاف فی المنصوص علی غایته بخلاف ما کانت غایته الرفع أو الدخول فی الصلاة.

ص: 124

السادس عشر: یجزی الوضوء التجدیدی عن الوضوء الرافع لو تبین بطلان الأول

علی ما ذهبنا إلیه من عدم اشتراط نیة الوجه و اشتراط نیة الرفع و الاستباحة لأنه وضوء و کل وضوء رافع علی ما یفهم من الأخبار و علی مذهب المشترطین یحتمل الصحة مطلقاً لعدم إمکان معرفة الوجه و عدم إمکان معرفة ما علیه الوضوء الأول من الانتقاض و عدمه کی یمکن فی حقّه نیة الرفع و عدمه و اشتراط نیة الوجه ونیة الرفع إنما یلزم مع الإمکان و بدونه تصح النیة بدونهما لشمول أدلة النیة له من غیر معارض و یحتمل البطلان لعدم حصول النیة المطلوبة شرعاً فیفسد المنوی و تخصیص ما دل علی اشتراطهما بحالة الإمکان تخصیص من غیر مخصص و یحتمل التفصیل بین ما إذا نوی إیقاع الصلاة علی الوجه الأکمل فیصح و یجزی عن الأول لتضمنه لنیة الاستباحة فی الجملة و بین ما لم ینوِ ذلک فلا یصح و لا یجزی و یحتمل التفصیل بین ما إذا نوی الاستباحة التقدیریة کأن ینوی به تدارک ما یحتمل انتقاضه بالحدث أو بطلانه ابتداءً فیصحُّ لحصول نیّة الوجه و الرفع فی الجملة و بین ما لم ینوِ ذلک فیبطل و أوجه الأقوال الأول لإیماء الأخبار إلی أن مشروعیة التجدیدی لتدارک الخلل الحاصل فی السابق و ربما یؤیده أجزاء صوم یوم الشک ندباً عن رمضان و ما ورد من أجزاء غسل یوم الجمعة عن غسل الجنابة مع نسیانه و من استحباب الغسل فی أول شهر رمضان تلافیاً لما احتمل فواته من الأغسال السابقة.

السابع عشر: من وجب علیه العمل فی الأثناء بعد أن کان مندوباً بنذر و شبهه أو کأیام الاعتکاف لا یجب علیه تجدید النیة

علی مذهبنا و علی مذهب المشترطین لنیة الوجه احتمل وجوب تجدید النیة و هو أحوط و عدمه لبناء النیة علی النیة السابقة و المتیقن من إیجاب اشتراط نیة الوجه إنما هو فی الابتداء دون الاستدامة.

الثامن عشر: نیة الوجه من الصبی هی الندب

لکونه المخاطب به فی حقه و أحتمل بعضهم أنه ینوی الوجوب بمعنی اللابدیة الشرطیة فی الوضوء أو اللابدیة العادیة فی مثل الصلاة أو الوجوب المتعلق بالمکلفین لیتم له التمرین حتی بالنیة لأن التمرین هو الحمل علی أداء التکلیف المشتمل علی المشقة و هو لا یحصل إلا بتمامه و فیه أن الحمل

ص: 125

علی ذلک کاف فیه نفس القربة و الفعل و ما عداهما لا دلیل علیه من کتاب و لا خطاب و لا یجدی نیة الوجوب بمعنی اللابدیة و الشرطیة أو بمعنی الوجوب علی المکلفین شیئاً عن نیة الوجوب بالمعنی المصطلح ونیة الوجوب بالمعنی المصطلح لا معنی لها فی حقه فلا یجب علیه شی ء آخر.

التاسع عشر: ینوی الأجیر الوجوب علی القول بوجوب نیة الوجه

لوجوب العمل فی حقه و إن کان المستأجر علیه مندوباً و یتقرب إلی الله تعالی بعمله و إن کان العمل عن غیره و یقرب غیره بتقربه بالعمل النائب عن غیره للدلیل الدال علی ذلک و ینوی المتبرع الندب و إن کان ما تبرع به واجباً علی غیره و یتقرب إلی الله تعالی بذلک العمل الذی عمله عن الغیر و بقربة إلی الله تعالی و الأحوط أن ینوی المستأجر الوجوب فی الفعل المندوب عن نائبه و إن کان مندوباً و ینوی ما ینوی المتبرع الندب فی الفعل الواجب علی المنوب عنه و إن کان واجباً.

العشرون: نیة الریاء لیروه الناس و السمعة لیسمعوه مفسدة للعمل

سواء نوی أصالة أو ضمیمة فإن نوی الریاء بکل العمل فسد کله و إن نوی ببعضه و کان موصولًا کالصلاة فإن نواه بواجباته فسد أیضاً و إن نواه بمندوباته کالقنوت احتمل الفساد و الصحة و احتمال الفساد أقوی و إن لم یکن موصولًا فسد ذلک البعض و أعاده و لم یفسد الکل ما لم تفت موالاة و شبهها و الأحوط الإعادة من رأس و ما ذهب إلیه المرتضی من صحة العمل المرائی فیه و إن لم یکن مقبولًا و مثاباً علیه یرده الإجماع و الأخبار الناهیة عنه و الکتاب و السنة الآمرة بالإخلاص و الناهیة عن الاشراک فی العبادة و الکل بدیهی لا یفتقر فی إثباته إلی نظر و تأمل.

الواحد و العشرون: نیة الضمائم الراجحة للعبادة تزیدها رجحاناً

و أما نیة غیر الراجحة فإن کانت محرمة أفسدت العبادة لمکان النهی و إن کانت مباحة فإن کانت هی الباعثة و القربة ضمیمة تابعة فسدت علی الأظهر لمنافاتها للإخلاص و کذا لو کان المجموع سبباً لا کل واحد بانفراده و إن تساویا فی الباعثیة بحیث کان کل منهما باعثاً مستقلًا قوی القول بالصحة و الأحوط البناء علی البطلان و إن کان الأصل فی الباعثیة

ص: 126

هو القربة و المباح تابع ملحوظ بالعرض فلا بأس لعدم منافاته الإخلاص و جریان السیرة علی فعله کنیة التبرد فی الماء و التسخن به و التنظیف و الجهر بالصلاة للإیقاظ و التطویل فی الرکوع و السجود لانتظار المأموم و ما کان منصوصاً علیه (کصلاة الحاجة و الاستسقاء) و نحوهما فلأحوط أن ینوی بها التقرب بالموصل دون الفعل للتوصل و الأحوط ترک الضمائم فی غیر المنصوص مطلقاً و الأحوط أیضاً فی الضمیمة الراجحة جعلها تابعة لا مقصودة بالأصالة فلو نوی فی قیامه إکرام المؤمن و الصلاة تبعاً کان خلاف الاحتیاط.

الثانی و العشرون: الریاء المتأخر عن العمل لیس مفسداً له

لاستصحاب صحته فإفساده یحتاج إلی الدلیل و المنهی عنه کتاباً و سنة هو المقارن فلا دلیل علی إبطال المتأخر و حب معرفة الناس بعمله وجب ظهور تقواه و تقدسه لا ینافی العمل و القربة و لا بأس به و فی الأخبار و ما یدل علی نفی البأس عنه و العجب المقارن الحقه بعض الأصحاب بالریاء کما هو ظاهر الأصحاب و ضعف الأخبار عن إثبات الفساد فی التحریم و تشعر به بعض الأخبار أیضاً و الأحوط تجنبه و إن قوی القول بعدم إفساده.

الثالث و العشرون: قد تقدم اشتراط الاستدامة الحکمیة فی النیة

و الظاهر أنه لا خلاف بینهم فیها و لکن الشأن فی معناها و الأظهر أنها علی المختار عبارة عن إبقاء الداعی و القصد إلی الفعل علی نحو ما وقع فلا ینقضه بالعدول عنه إلی غیره إلا فیما دل الدلیل علیه و لا ینقضه بالریاء بل و کل ما ینافی الإخلاص و لا ینوی قطعه فیقطع العمل منه مقارناً لنیة القطع و لا ینوی القاطع فیقع منه العمل مصاحباً لتلک النیة و لا یتردد فی الأثناء فی فعله و عدمه فیقع منه العمل مقارناً للتردد و لا ینسی العمل نسیاناً لم یبق له أثر فی خزانة الخیال أصلًا و رأساً فیقع منه العمل بلا نیة لکن علی اشکال فی المتردد و علی القول بأن النیة هی الإخطار الفعلی یحتمل إرادة ما ذکرناه فی تلک الوجوه و یحتمل إرادة لزوم عدم الذهول و الغفلة عن الفعل و إن ذهب الإخطار الأولی و فیه أنه یلزم العسر و الحرج و التزام فساد أکثر عبادات العالم و لا قائل به و یحتمل إرادة بقاء التذکر الإجمالی للفعل و إن ذهب التذکر التفصیلی و هو فی الضعف کسابقه

ص: 127

و یحتمل إرادة تجدید العزم و کلما ذکر بحسب الإمکان و هو أیضاً خلاف ظاهر الأصحاب و یحتمل إرادة الاستمرار علی استناد صدور الفعل إلی النیة الابتدائیة بحیث تکون مؤثرة فی جمیع العمل الصادر إن کانت العلة الموجدة هی العلة المبقیة أو مؤثرة فی إیجاد العمل ابتداء من غیر نقض لها و باقی العمل یستغنی عن المؤثر بناء علی استغناء الباقی عن المؤثر و هذا الاحتمال جید و لکنه یؤول إلی ما قدمناه من المعانی.

الرابع و العشرون: إذا اجتمعت فی المنوی جهات مندوبة و واجبة

جاز أن ینوی الوجوب و جاز أن ینوی الندب و جاز أن ینویهما معاً و جاز أن ینوی القربة بناء علی ما اخترناه و یمکن أن یقال أن وجه ما اجتمعت فیه الجهات هو الوجوب لا غیر لعدم إمکان اجتماع الحکمین فی شخص واحد و عدم إمکان تغلب جانب الندب فیغلب جانب الوجوب و یکون من باب أفضل أفراد الواجب المخیر کالصلاة فی المسجد و الصلاة أول الوقت أو من باب الواجب المسقط للندب و یجری هذا فی مسألة التداخل أیضاً و هذا أظهر علی القول لعدم جواز اجتماع الوجوب و الندب فی شخص واحد لجهتین تعلیلیتین أو جهتین تقییدیتین کما أختاره الکثیر من أصحابنا.

الخامس و العشرون: صدور أفراد الحدث من نوع واحد و صدورها من أنواع متعددة فی اکبر أو أصغر سبب من إیجاد طبیعة الحدث الأصغر فی الأسباب الصغریات

و الأکبر فی الأسباب الکبریات و طبیعة الحدث الأصغر سبب فی الطهارة الصغری و طبیعة الأکبر سبب فی الطهارة الکبری أو الطاهرتین و القاعدة فی الأسباب الواقعیة العقلیة عدم التداخل لاحتیاج کل سبب إلی مسببه بانفراده لامتناع اجتماع العلل المستقلة علی معلول واحد خارجی و مع تعدد المسببات بتعدد أسبابها یمتنع التداخل بینها عقلًا لامتناع صیرورة الواحد اثنتین و القاعدة فی الأسباب الذهنیة التی هی المعرفات جواز التداخل لکون المعرف علّةً للوجود الذهنی و معلولة موجوداً و أخذ ذهنی لمعرفات متعددة جائز و القاعدة فی الأسباب الشرعیة أیضاً هی جواز التداخل إذا لم یعلم أنها أسباب واقعیة و ذلک لان الأسباب الشرعیة قد تکون أسباباً واقعیة فیمتنع فیها التداخل و قد تکون معرفات فلا یمتنع فیها ذلک و الأصل عدم کونها أسباباً

ص: 128

واقعیة عند الشک کی یمتنع فیها التداخل إلا أن ظواهر الخطابات الشرعیة أثبتت هاهنا أصلًا آخر و هو أن الظاهر من الخطاب تترتب کل مسبب استقلالًا علی سببهِ و تعدد المسببات بتعدد أسبابها لأن تعدد الخطاب یقضی بتعدد الإرادة و تعدد الإرادة یقضی بتعدد المراد و ظاهر الخطابات إرادة التأسیس دون التأکید و إذ قد أثبتت ظواهر الخطابات أصلًا شرعیاً و هو أصالة عدم التداخل وجب الحکم به إلا ما أخرجه الدلیل کما أخرج الدلیل من إجماع و شبهه أفراد الأحداث الصغریات من نوع واحد أو أنواع متعددة فی کونها سبباً لحدث واحد و هو کلی الحدث و طبیعته و کون الحدث و طبیعته سبباً للطهارة الصغری الرافعة و المبیحة فلا یتعدد الحدث الاصغر بتعدد أفراده و لا تتعدد الطهارة الصغری بتعددها أیضاً و کذا أفراد الأحداث الکبریات من نوع واحد کجنابات متعددة أو حیض متعدد فإنها توجب غسلًا واحد للدلیل و ما بقیت و بقیت أفراد الأنواع المختلفة علی القاعدة من أصالة عدم التداخل و احتیاج کل سبب إلی مسببه و وجوب تعدد المأمور بتعدد الأمر فیجب تعدد الغسل بتعدد ذلک النوع و تجب النیة فی کل غسل لما یرفعه من النوع الخاص لعموم أدلة النیة و وجوب تعیین المنوی عند الاشتراک بین فردین لان المطلوب متعدد بتعدد سببه لا واحد سببه حدث واحد کما بینا و لا فرق فی أصالة وجوب التعدد بین نیة رفع جمیع أنواع الحدث بذلک الغسل الواحد و بین عدم نیته بشی ء و بین نیة رفع الحدث معین لا بشرط و بین نیة رفع الحدث معین بشرط لا و بین أن تکون الأسباب کلها موجبة و بین أن تکون کلها مندوبة و بین أن تکون ملفقة و کذا الحکم فی الأغسال الغیر رافعة من الواجبة و المندوبة فإن الأصل فیها التعدد بتعدد أسبابها سواء اجتمعت مع أغسال واجبة رافعة أو أغسال رافعة مندوبة أو انفردت عنهما و سواء نوی الجمیع أو البعض لا بشرط أو بشرط لا و ذهب جمع من الأصحاب إلی أصالة التداخل فی الأسباب مطلقاً و فی الأغسال خصوصاً واجبة أو مندوبة لأصالة عدم تعدد التکلیف و لان المطلوب فی کل أمر إیجاد طبیعة المأمور به و قد وجدت الطبیعة فیحصل الامتثال للکل و لان سبب الغسل طبیعة الحدث فإذا تعددت أفراده لا یتعدد الغسل للزوم تحصیل الحاصل و لأن أنواع الحدث أسباب

ص: 129

شرعیة و هی معرفات یجوز اجتماعها علی مسبب واحد و هو طبیعة الحدث و لان مشروعیة الأغسال للتنظیف و سببها القذارة فإذا حصل رفع القذارة بمماسة الماء بغسل واحد حصل المطلوب لما أشعرت به الأخبار من أن علة غسل الجنابة هی التنظیف و علة غسل الجمعة هی رفع أریاح الآباط و غیر ذلک و لأن الحدث نوع واحد فلا یرتفع منه شی ء و یبقی آخر و لما ورد فی (حسنة زرارة) من اجزاء غسل واحد للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الزیارة و أجزاء غسل واحد للمرأة عن جنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حیضها لله علیک حقوق أجزأک و إذا اجتمعت عنها غسل واحد و هی روایة معتبرة مشتهرة فتوی و نقلًا منقولة من أصول معتمدة موصوفة عند العلامة بالصّحة لظهور عدالة (إبراهیم بن هاشم) من القرائن المتکثرة المتظافرة و لما ورد من التعلیل فی الصحیح فی کفایة غسل واحد للجنابة و غسل المیت بأنهما حرمتان اجتمعتا فی حرمة واحدة و لخبر شهاب (إن غسل میتاً و توضأ ثمّ أتی أهله یجزیه غسل واحد) و للصحیح غسل الجنابة و الحیض واحد و للموثق فی الجنب و الحائض أجزأها غسل واحد للجنابة و لکثیر مما ورد بأجزاء غسل للجنابة و الحیض قیل و اختصاصه بالجنابة و الحیض لا یقدح فی إثبات تمام المطلوب إذ الظاهر عدم القائل بالفصل و ظاهر هذا القول و مقتضی أدلته أن ارتفاع جمیع الأحداث بغسل واحد قهری یکفی فیه مجرد نیة الفعل للتقرب من غیر تفاوت بین نیة رفع الجمیع أو نیة رفع البعض لا بشرط أو بشرط لا و بین الواجب و بین غیره و بین الرافع و بین غیره و لا یخفی ضعف هذه الأدلة عن إثبات هذا الأصل مطلقاً لضعفها عن مقاومة ظواهر الخطابات و أصالة شغل الذمة بظاهر الخطاب المحتاج إلی الفراغ الیقین و عن أخبار النیة الدالة علی أن لکل امرئٍ ما نواه و عن القواعد المحکمة القاضیة بأصالة عدم إجزاء فعل عن غیره و عدم إجزاء واجب عن مندوب و إجزاء مندوب عن واجب و لان أصولهم مقلوبة علیهم و قواعدهم مردودة إلیهم بما ذکرناه فی اقتضاء ظاهر الخطاب التعدد فلا یبقی مجال لأصلهم و لعدم تسلیم دعوی أن سبب الغسل طبیعة الحدث فی الأکبر بحیث أنه لم یکن للخصوصیة مدخلیة بل هو أولًا الکلام و کذا دعوی أن الغسل معلول للتنظیف

ص: 130

و رفع القذارة و ما استشهدوا به علی ذلک لضعفه لا ینهض بالحجیة و لمخالفته لفتوی المشهور و کذا دعوی أن الحدث نوع واحد لا یتبعض إذ هی أول المسألة و کذا ما استدلوا به فی الأخبار فإنها غایة ما تدل علی جواز الاجتماع فی الجملة و نحن لا ننکره و لا تدل علی کلیة ما ذکروا بل هی بالنسبة إلی تلک مجملة لا تصلح لإثبات الحکم فیها کلیاً و نحن نقول بجواز التداخل فی الجملة و تفصیل الحال أن یقال أن الأغسال إما واجبة أو مندوبة أو ملفقة و علی الأول و الأخیر فأما أن یکون معها غسل الجنابة أم لا و علی کل حال فالنیة إما أن تتعلق بالجمیع أو البعض لا بشرط أو البعض بشرط لا أو بالمطلق و البعض إما أن یکون هو الجنابة أو غیرها فَصُوَرُ المسألة عدیدة:

منها: أن تکون واجبة.

و منها: غسل الجنابة فینوی الناوی الجنابة و غیرها بنوعه مما هو علیه و یداخل بنیة فی الجمیع و الحکم فیها جواز التداخل و هو المتیقن من الأخبار المتقدمة و المتفق علیه بین الأصحاب ظاهراً و المنقول علیه الإجماع.

و منها: أن ینوی رفع الجنابة فقط من دون ملاحظة نیة رفع غیرها و عدمه و حکم جملة من أصحابنا فیها بالتداخل و إجزاء غسل الجنابة عن غیره و نقل علیه الإجماع و دلت علیه بعض الأخبار و لکنه لا یخلو من إشکال لمعارضته لأصالة عدم اجزاء فعل عن غیره و لعدم إجزاء المنوی عن غیر المنوی و (لکل امرئ ما نوی) و (إنما الأعمال بالنیات) و ما استدل به القائل بارتفاع غیر الجنابة من أن الحدث متحد فرفع الأقوی یستلزم رفع الأضعف و إن منع العکس و من أصالة البراءة و صدق الامتثال لأن الآتی بالمطلق یُعدُّ ممتثلًا و إن لم یأتِ به لذلک الطلب و من أن أخبار النیة إما مجملة فلا یصلح بها الاستدلال علی وجوب نیة الجمیع أو ظاهرة فی قصد التقرب و الإخلاص أو مطلقة فی لزوم قصد الفعل مع الإتیان به یحصل الامتثال لعدم دخول قصد الخصوصیة فیها أو أن الخصوصیة مقصودة ضمناً فی نیة رفع حدث الجنابة و لا دلیل علی لزوم القصد الصریح لا من الأخبار و لا من العرف و اللغة و من أن ما دل علی لزوم الیقین فی أخبار النیة مخصص بأخبار التداخل و تخصیص أخبار التداخل بأخبار النیة و حملها علی ما

ص: 131

إذا نوی الجمیع و إن کان ممکناً لأن الأدلة بینها عموم من وجه إلا أن الأول أرجح للإجماع المنقول و لظهور بعض الأخبار فی الأجزاء مع عدم نیة الجمع (کمرسلة جمیل) إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلک الغسل عن کل غسل یلزمه ذلک الیوم و الآخر أیضاً یجزیک غسل یومک للیلتک و غسل لیلتک لیومک و ظاهر الأخیر کغیره من بعض الأخبار الاجتزاء بالغسل المعین عن کل غسل حتی ما تجدد سببه بعد وقوعه حتی أن بعضهم أفتی بذلک و لکنا حیث لا نقول به لمخالفته الإجماع ظاهراً و الأخبار اقتصرنا علی المتیقن مما تقدم بسببه هذا أن جعلنا المراد فی اللیلة و الیوم اللاحقین و إن جعلناهما السابقین کان شاهداً لنا و لا إشکال حینئذ ضعیف لا نرتضیه مبنی علی أصول لا نقول بها سیما دعوی تخصیص أخبار النیة بأخبار التداخل فإنهما ممنوعة لعدم قابلیة أخبار التداخل لتخصیص أخبارها المشتهرة المتکثرة الموافقة للمشهور و مع أن أخبار التداخل لیست صریحة بعدم نیة الجمیع کی تعارض أخبار النیة و الإجماع ممنوع لمعارضته بفتوی الفحول بخلافه فالأظهر عدم الإجزاء حینئذ.

و منها: أن ینوی الجنابة فقط نافیاً لنیة غیرها و الأظهر أیضاً هاهنا عدم الإجزاء للأصل و للأخبار النیة الموجبة للتعیین فی العمل و الدالة بمفهومها علی إن لم ینوِ لم یحتسب و إن المنفی بالنیة ینتفی کما أن الموجد لها یوجد و دعوی شمول إطلاق الأخبار التداخل لها و حصول الامتثال بوقوع الفعل مطلقاً و وقوع المنفی قهراً لأن الناوی إذا علم إجزاء غسل الجنابة عن غیره لم یکفِ قصد نفی غیره قصداً حقیقیاً و لان تخصیص أخبار النیة بإطلاق أخبار التداخل أولی من تخصیص أخبار التداخل بأخبار النیة لاعتضاد أخبار التداخل بإطلاق للإجماع المنقول و لأن أخبار التداخل إنما تدل علی سقوط غیر الجنابة بنیة الجنابة تعبداً لا لحصول الامتثال کی تعارض أخبار النیة مدفوعة بأن جمیع ما ذکر لا یعارض أدلة النیة المشتهرة المتکثرة و فتوی المشهور لعدم الإجزاء و بأن أخبار النیة کما تدل علی توقف الامتثال علی نیة الجمیع کذلک تدل علی عدم سقوط غیر المنوی بالمنوی و عدم إجزاء المنوی عن المنفی ثمّ علی حصول التداخل بنیة الجمع یکون معنی التداخل الإجزاء عن المأمور به فی سقوط العقاب و ترتب الثواب

ص: 132

و امتثال الخطاب و علی القول بحصول نیة الجنابة مطلقاً یحتمل الاجتزاء به بهذا المعنی لحصول القصد ضمناً و یحتمل الاجتزاء به بمعنی سقوط الخطاب و عدم ترتب العقاب و علی القول بحصوله مع نیة نفی غیره فالأظهر الاجتزاء به بالمعنی الأخیر فقط.

و منها: أن ینوی غسلًا ما مع وجود الجنابة و غیرها من دون ملاحظة الخصوصیة و الأظهر فساد الغسل لعدم تعیین المنوی المتعدد النوع بنیة المطلق و المشترک غیر صحیحة کما تدل علیها أخبار النیة و ذهب بعض إلی الصحة و الاجزاء عن الجمیع لحصول الامتثال و هو ضعیف.

و منها: أن ینوی مع وجود الجنابة و غیرها غسلًا لرفع الحدث المطلق أو لرفع حدث مساً أو لاستباحة مشروط بالغسل لو کان علیه أغسال متعددة رافعة أو مبیحة فإن غسله یقع فاسداً إلا إذا آلت نیة رفع الحدث المطلق إلی نیة رفع طبیعة الحدث المنحلة إلی رفع کل حدث أو إلی نیة رفع خصوصیة الجنابة لعدم اجتماع غیرها من الروافع معها فالأقوی الصحة حینئذ و ذهب بعض هاهنا إلی الصحة لإطلاق أخبار التداخل و لحصول الامتثال بنیة الاستباحة أو الرفع فی الجملة و نقل علیه ظاهر الوفاق و الکل ضعیف یظهر وجهه مما تقدم:

و منها: أن ینوی غیر الجنابة مع تحققها و تحقق غیرها بشرط عدم ارتفاعها و الأقوی هاهنا الإجزاء عما نواه دون الجنابة و یجب له الوضوء حینئذ بناء علی وجوب الوضوء لکل غسل ما عدا الجنابة و دعوی الاجتزاء به عن ما لم ینوه من الجنابة أو غیرها لأصالة البراءة و حصول الامتثال و إطلاق بعض أخبار التداخل تبین ضعفه مما تقدم.

و منها: أن ینوی غیر الجنابة لا بشرط و الأظهر عدم الاجتزاء عن الجنابة لأصالة عدم الاجزاء و للمفهوم من أخبار النیة أن لکل امرئ ما نوی و لفتوی عمدة الأصحاب و لضعف شمول التداخل لما خلی عن غسل الجنابة و لان غیر الجنابة أضعف لاحتیاجه إلی الغسل و الوضوء و غسل الجنابة و أقوی لرفعه الحدثین من غیر وضوء و رفع الأضعف لا یستلزم رفع الأقوی و لاستصحاب حدث الجنابة إلی أن یعلم المزیل و لأن

ص: 133

الشک فی الشرط شک فی المشروط و قیل بأجزائه عن الجنابة و غیرها ما لم ینوه للأصل و حصول الامتثال لأوامر الغسل بإیجاد طبیعته و لقوله تعالی (وَ إِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) و قد حصل فلا یشترط نیة کونه للجنابة و لأن الحدث معنی واحد فقصد رفع بعضها یوجب قصد رفع المشترک فیرتفع الکل و لمنع ضعف غیر الجنابة سیما الحیض لما یفهم من بعض الأخبار انه أعظم منها و احتیاجه إلی الغسل و الوضوء لا یدل علی ضعفه إذ لعله لزیادة قوته احتاج للأمرین معاً علی أن الدلیل لا یفید قوة الجنابة و إنما یفید قوة رافعها و التلازم بین القوتین ممنوعة و الکل ضعیف یظهر ضعفه مما قدمنا من الأخبار و کلام الأخیار و أعلم أن کل موضع یجتمع فیه غسل الجنابة مع غیره أو یسقط بفعله غیره فالظاهر عدم احتیاجه للوضوء لعدم الاحتیاج للوضوء فی غسل الجنابة و کونه رافعاً للأصغر فلا یفتقر إلی وضوء آخر رافع له و بهذا یخصص ما جاء من أن کل غسل معه وضوء فیصدق أنه غسل لغیر الجنابة کما یصدق انه غسل لها فلا ترجیح و یبقی عموم الأمر بالوضوء لأنا نفهم من ما دل علی عدم الوضوء مع الجنابة أنه لمکان رفعه للأصغر و مما دل علی وجوبه بغیره أنه لمکان عدم رفعه له فإذا اجتمعا و حصل الرفع لا حاجة إلی رافع آخر للزوم تحصیل الحاصل و لا فرق فی الأصغر بین المستقل و بین المنظم للأکبر علی الأظهر.

و منها: ألا یوجد فیها الجنابة و کلها واجبة و الأظهر صحة التداخل مع نیة الجمع استناداً لما دل علی جواز التداخل من عموم أو إطلاق مع سلامته عن معارضته أخبار النیة لان المفروض نیة الجمیع و عدم صحته لو نوی المطلق أو أحد الأحداث أو حدثاً معیناً لا بشرط أو معیناً بشرط لا أو نوی القربة المطلقة فی الفعل للأصل و للشک فی حصول الامتثال و لأخبار النیة و للاحتیاط و لاستصحاب بقاء الحدث إلی یقین الفراغ و لفتوی الفحول و قیل بالاجزاء فی جمیع الصور لأصالة البراءة و حصول الامتثال و إطلاق الأخبار بالنسبة إلی التداخل و الکل ضعیف لا یلتفت إلیه کما قدمناه و التفصیل بین نیة الاستباحة أو رفع الحدث فیحصل التداخل و بین عدمه ونیة قصد الفعل مطلقاً للتقرب فلا یحصل وجه و لکنه ضعیف أیضاً و لو نوی المعین ارتفع ما نواه

ص: 134

و بقی الباقی لعموم الأدلة و دعوی استحالة ارتفاع حدث دون آخر ممنوعة قضاء لحق الأدلة الدالة علی حصول کل مسبب بعد سببه و لأن أحداثها أنواع متغایرة فیصح رفع شی ء منها دون الآخر کدعوی أن نیة الجمیع و لزوم التداخل عزیمة لا رخصة کی یصح فیها نیة رفع البعض دون البعض.

و منها: أن تکون جمیع الأغسال مندوبة لیس فیها جنابة و لا غیرها و الظاهر صحة تداخلها مع نیة الجمیع رخصة لا عزیمة لظاهر أخبار التداخل من دون معارض لها من أخبار النیة الدالة علی أن لکل امرئ ما نوی و عدم صحة تداخلها لو نوی واحد بعینه لا بشرط أو بشرط لا أو واحداً مطلقاً أو غُسلًا مسّاً للشکّ فی شمول أخبار التداخل لهذه الصور و لدلالة أخبار النیة علی منعهما و لأصالة عدم الإجزاء و لاستصحاب بقاء الحکم الندبی حتی یحصل الیقین بزواله نعم لو نوی واحد بعینه أجزأ عن ذلک الواحد و لا یتفاوت فی استباحة غایة ذلک الواحد بین أن یجامع الحدث الأصغر أو لا یجامع و بین أن یتعقبه حدث أصغر أم لا ما لم یتعقبه فاصلة طویلة بینه و بین غایته بحیث یخرج بها عن اسم کونه له کأن یغتسل للزیارة أو الطواف أو الحاجة قبل شهر مثلًا و یختص جواز التداخل فی الغایات مع نیتها فی صورة اجتماعها قبل الغسل فلو اغتسل لغایة ثمّ تجددت أخری لم یجز لها الغسل الأول و لو نواها تقدیراً و ورد فی بعض الأخبار لزوم تجدید الغسل للطواف إذا تخلل النوم بینه و بینه و کذا غسل الإحرام و غسل دخول مکة و هو محمول علی الأفضلیة و ذهب بعض إلی صحة التداخل هاهنا بجمیع الأقسام المتقدمة لحصول الامتثال و صدق الإتیان بالمأمور به و أصالة البراءة و لان مشروعیة الغسل لأجل التنظیف و رفع القذارة و هی تحصیل بقصد الفعل علی أی نحو وقع إلا أن القربة لا بد منها فی حصول الامتثال فیبقی الباقی و تسری بعضهم إلی صحة التداخل فی الغایات المتجددة حصول التنظیف و لقوله (علیه السلام) فی بعض الأخبار (یجزیک غسل یومک للیلتک و لیلتک لیومک) و الجمیع کما تری ضعیف مبنی علی ضعیف.

ص: 135

و منها: أن تکون الأغسال مختلفة و فیها الجنابة و غیرها و ینوی الجمیع و الأظهر و الأقوی جواز التداخل رخصة غریمة أما مع الجنابة فللإجماع المنقول و الأخبار المتقدمة و أما مع غیرها فلإطلاق أخبار التداخل الشامل لذلک من غیر معارض حتی أخبار النیة لأن المفروض تحقق نیة الجمیع و إشکال لزوم اجتماع الواجب و المندوب فی واحد شخصی تقدم رفعه.

و منها: أن تکون مختلفة و ینوی الواجب غیر الجنابة بشرط لا أو لا بشرط فالأقوی عدم إجزائه عن غیره من واجب و مندوب و یجزی عن نفسه و یبقی غیره لما قدمناه و القول بالاجتزاء مطلقاً ضعیف و قد تبین وجهه و یفتقر إلی وضوء علی المختار من احتیاج کل غسل إلی وضوء.

و منها: أن تکون مختلفة و تنوی المندوب بعینه بشرط لا أو لا بشرط سواء کان معها جنابة أو لا فالأقوی عدم الاجزاء عن غیر ما نواه لما قدمناه و احتمل بعضهم الاجزاء لحصول الامتثال و عدم مدخلیة النیة فیه و لحصول التنظیف المطلوب فی أوامر الغسل و هو کما تری و استدل بعضهم علی إجزاء المندوب عن الواجب بالخبر الوارد فی إجزاء غسل الجمعة عن من نسی غسل الجنابة فی شهر رمضان و الخبر ضعیف لا یصلح لأن یستدل به علی إثبات المطلوب و لئن صلح لذلک فلا بد من لزوم الاقتصار علی مورده و الأحوط أن لا یجتزی المغتسل بنیة المندوب عن نفسه إذا کان علیه غسل رافع لبعد ترتب أثر المندوب مع بقاء الحدث الأکبر بل الأحوط ضم الوضوء إلیه من استباحة ما شرع له لشبهة شمول کل غسل معه وضوء إلا الجنابة و إن کان الظاهر من الفتوی و النص لزوم الوضوء للمشروط به کالصلاة و نحوها لا لغایة لکن الاحتیاط لا ینکر.

و منها: أن تکون مختلفة و ینوی المطلق من الغسل ضم القربة و الأظهر بطلان الغسل من أصله لعدم التیقن فی النیة للمنوی و کذا لو نوی المردد لحصول الإبهام.

ص: 136

و منها: أن تکون مختلفة و فیها الجنابة فینوی رفع الجنابة بالخصوص لا بشرط و الأظهر ارتفاع الجنابة فقط و قیل لحصول التداخل هاهنا و ارتفاع الکل و استظهر بعضهم الإجماع علی ذلک و نسب للمشهور و استدل علیه بما قدمناه و فیه ما قدمنا.

و منها: أن تکون مختلفة و ینوی الجنابة بشرط عدم غیرها و هذا أظهر فی عدم الاجتزاء به و عدم جواز التداخل فیه غیر انه یرتفع ما نواه فقط و قیل بحصول التداخل فیه قهراً استناداً إلی ما قدمنا و فیه ما قدمنا.

الثانی: من فروض الوضوء غسل الوجه

اشارة

و فیه أمور.

أحدها: الغسل هو إجراء جزء من الماء علی جزءین من البشرة

بمعاون أو بغیره فینغسل حینئذ المنتقل منه و المنتقل إلیه و لو کان هو الأخیر إلا أن الأحوط لزوم انفصال ماء الغسالة عنه فی تحقق الغسل سیما فی غسل الأخباث و إن کان الأقوی صدق الغسل علی الجزء الأخیر و إن انتهی إلیه الماء سیما فی الغسل عن الأحداث و قد یکتفی فی مسمی الغسل بمجرد الإصابة فیما لا یمکن الإجزاء فیه عرفاً کغسل ما تحت الجبیرة و غسل البواطن لتسمیته غسلًا عرفاً و یحصل أیضاً بالارتماس فی الماء القلیل أو الکثیر بما یسمی ارتماساً و الظاهر صحة نیة الغسل بالإدخال و الإخراج و الکون نفسه و الأحوط فیما یتعقبه مسح من غسل الیدین نیة الغسل فی الإخراج للتخلص من شبهة المسح بالماء الجدید و لکنه یعارضه احتیاط آخر و هو ضعیف صدق الغسل علی الإخراج فالاحوط تجنب غسل الارتماس فی الوضوء.

ثانیها: لا یکفی من الماء ما یحصل به الانتشار لا کجریان

و ذلک کالدهن لعدم صدق اسم الغسل علیه و لو فرضنا صدق اسم علیه فهو لعدم دخول الجریان فی مفهومه کما قیل فلا یجزی أیضاً بل لو حصل معه إجراء خفیف أیضاً کذلک لعدم انصراف الإطلاق إلیه فی الکتاب و السنة المأمور فیهما بالغسل و الظاهر عدم تسمیة ذلک غسلًا بل هو سبح بالماء و ما ورد فی الصحیح و غیره من أجزاء إجراء الماء و لو کالدهن محمول علی المبالغة لعدم مقاومته لعمومات الأدلة الآمرة بالغسل أو محمول علی حالة الضرورة و دعوی بعضهم منع کون الاجراء داخلًا فی مفهوم الغسل فیکفی

ص: 137

فیه الدهن أو الإصابة مدفوعة بفهم العرف خلاف ذلک و بما ورد من الأخبار الصحیحة الآمرة بالإجزاء کقوله (علیه السلام) و لکن یجری علیه الماء و ظاهر الإجزاء هو الإجزاء المعتاد الظاهر دون الخفی و بما دل علی أن المسح غیر الغسل و إن من غسل بموضع المسح ما قبل الله تعالی منه صلاته و ظاهرها أن الفرق بینهما حصول الجریان الظاهر فی الغسل دون المسح حتی لو کان فی المسح جریان لکان الخفاء مأخوذاً فیه و فی الفرق بینهما و جواز تصادقهما فی مورد واحد و عدمه کلام یأتی ذکره إن شاء الله تعالی و الأحوط فی مقام الضرورة الجمع بین ما کان کالدهن و بین التیمم.

ثالثها: الوجه فی الوضوء المأمور بغسله له حدٌّ طولی و حد عرضی

دل علیهما الإجماع و الروایات و هذا التحدید یحتمل انه حد لما وجب غسله منه فهو ضیق دائرة فی الحدود عرفاً کما قیل انه ما دون منابت الشعر معتاداً إلی الأذنین و الجبینین و الذقن و أضیق دائرة من المحدود لغة و هو ما یواجه به و یحتمل أن التحدید الشرعی کاشف عن المعنی العرفی العام فهو تحدید له لا للمغسول منه و یحتمل کونه حقیقة شرعیة و هو بعید أما الحد الطولی فهو من منابت الشعر المعتاد لمستوی الخلقة إلی محادر الذقن فلا عبرة بالأغم و الأصلع و قد تختلف محال الشعر لمستوی الخلقة علواً و هبوطاً فی الجملة فیؤخذ بأعلاها احتیاطاً و حدّه عرضاً یعلم بوضع وسط ما بین طرفی الإبهام و الوسطی و علی وسط القصاص علی وجه یؤخذ به شی ء من القصاص لیعلم الاحاطة ثمّ یجرهما إلی منتهی الذقن فما دخل تحتهما داخل و ما خرج عنهما خارج و یدلّ علی هذا التحدید فتوی الأصحاب و الإجماعات المنقولة له فی الباب و (صحیح زرارة) عن حد الوجه الذی ینبغی أن یوضأ ما دارت علیه الإبهام و الوسطی من قصاص شعر الرأس إلی الذقن و ما جرت علیه الإصبعان مستدیراً فهو من الوجه و ما سوی ذلک فلیس من الوجه، قلت الصدع من الوجه قال لا فظاهر الخبر أن ما دارت بیان العرض و قوله من قصاص الشعر بیان للطول و هو متعلق بقوله دارت و أما حال من الموصول الرافع خبر عن الوجه إن جوزنا الحال عن الخبر و فهم بعض الأصحاب من لفظ دارت الدوران علی نحو الدائرة البرکالیة و ذلک بإثبات وسط للخط المتوهم من القصاص إلی الذقن و یدار علیه دائرة فما دخل فیها داخل و ما خرج عنها خارج و طریقها أن یجعل

ص: 138

طرف الوسطی علی قصاص الناصیة و طرف الإبهام علی طرف الذقن و یثبت وسط انفراجها و یدار الوسطی علی الجانب الأیسر و الإبهام علی الأیمن حتی تتم الدائرة فما دخل فهو داخل و ما خرج فهو خارج و هو بعید لبعده عن فهم المشهور و فهم القدماء من أصحاب اللسان و لعدم مناسبة الدائرة البرکالیة للخطابات الشرعیة المبنیة علی الظهور و لخروج کثیر من الجبهة من الجانبین و کثیر من صفحتی الخدین و لدخول ما خرج مما حول الصدغین فلا یناسبه سؤال و لعدم الفائدة فی التحدید الطولی حینئذ و للزوم مساواة الوجوه فی الحکم مع أن الغالب اختلافهما و للزوم کون ذکر الابتداء بقصاص الشعر لا فائدة فیه لکفایة الابتداء فی تحصیل الدائرة من أی موضع أراد و ما قیل علی فهم المشهور من لزوم دخول النزعتین و العذارین فالعذر عنهم إن الخبر مسوق لبیان المشیئة فی الحکم أو أن الدخول ممنوع.

رابعها: یخرج عن حد الوجه النزعتان

و هما البیاضان المکتنفان بالناصیة علی الجبینین لدخولهما فی محل تدویر الرأس فلا یدخلان فی تحدید المشهور و إن وصل إلیهما الإصبعان و لئن دخل بعضهما کما قیل فهما خارجان حکماً لأن التحدید للمشتبه و لا شبهة فی خبر وجههما إذا المتبادر من قصاص ما یکون منتهی الناصیة و ما یحاذیه و ما یسامته لا کل ما کان تحت قصاص الشعر مطلقاً و یخرج الصدغان أیضاً کما قطع به بعض الأصحاب و نسب لجمهور العلماء و نقل علیه الإجماع و دل علیه الصحیح و الصدغ إما محل الشعر المتصل بمنتهی العذار المنتهی إلی محاذی الإذن النازل عن رأسها قلیلًا أو جانباً الأذن کما عن بعضهم و علیهما فلا إشکال فی خروجه عن التحدید و أما ما بین العین و الأذن کما نسب لجمیع من أهل اللغة أو الشعر المتدلی ما بینهما کما قیل أو المحل المنخفض بین أعلی الأذن و مؤخر العین أو المنخفض بین أعلی الإذن و طرف الحاجب أو ما حاذی العذار مطلقاً أو ما حاذاه فوقه کما نقله بعض المتأخرین و جعلها أقوالًا و علیها فیدخل بعضه فی التحدید و لکنه یخرج عن حکم الوجه بالإجماع و الروایة و یخرج بیاض الأذنین عن التحدید و عن الحکم إجماعاً منقولًا بل محصلًا و هما البیاضان اللذان بین العذارین و الأذنین و یخرج العذاران و هما الشعر المحاذی للأذنین یتصل أعلاه بالصدغ و أسفله بالعارض و قیل ما کان علی العظم الذی

ص: 139

یحاذی وتر الإذن و الإجماع منقول علی خروجه و الصحیحة الأولی الدالة علی خروج الصدغ تدل علی خروجه بالأولویة و أصل البراءة دلیل علی خروجه فخروجه عن الحکم أولی و إن دخل بعضه فی التحدید و أدخله جملة من أصحابنا فی وجوب الغسل لشمول لفظ الوجه له و لا أقل من الشک فی شموله له فالاحتیاط و الفراغ الیقینی القاضی به شغل الذمة یقضیان بدخوله و قیل بأن الداخل فی التحدید بحیث تشمله الإصبعان یجب غسله و الخارج منه لا یجب و هو قوی و الاحتیاط یقضی بدخول الجمیع فی حکم الغسل و یدخل ما یشمله التحدید من العارضین و هما ما تحت العذارین من جانبی اللحیة إلی شعر الذقن للاحتیاط و الخبر و فتوی جل الأصحاب و قیل بخروجه عن الحکم و هو ضعیف و قیل بدخوله مطلقاً و نقل علیه الإجماع و لا شک فی أنه أحوط و یدخل شی ء من مواضع التحذیف و هو ما شمله الحد للخبر و الاحتیاط و هی منابت الشعر الخفیف بین النزعة و الصدغ و قیل بدخولها بتمامها و هو أحوط و قیل بخروجها بتمامها لنبات الشعر علیهما متصلًا بشعر الرأس و هو ضعیف.

خامسها: یرجع صغیر الوجه و کبیره إلی التحدید بید تناسب وجهه

لا إلی ید مستوی الخلقة و إلا لزاد و نقص و کذا یرجع صغیر الید و طویلها إلی ید تناسب وجهه فإن کان وجهه مستوی الخلقة رجع إلی ید مستوی الخلقة و إلا رجع إلی ید تناسبه کل ذلک لأصل البراءة فی الزائد و تشغل الذمة و الاحتیاط فی الناقص.

سادسها: لا یجب غسل الباطن عرفاً

کباطن المنخرین و العینین و الشفتین لانصراف أوامر الغسل للوجه إلیه و لدلالة لفظ الوجه لأنه ما یواجه به علیه و لظاهر الصحیحة المتقدمة و قوله فیها و ما جرت علیه الإصبعان و لأدلة الیسر و للسیرة الدالة علی العدم مع توفر الدواعی علی بیان حکمه لو وجب غسله و لظاهر بعض الأخبار النافیة للطلب عما تحت الظاهر و یؤید جمیع ذلک الأصل.

سابعها: الشعر النابت علی الوجه من المعتاد أو غیره إن خرج عن الحد لا یجب غسله

للأصل و فتوی الأصحاب و أخبار الباب و إن دخل فی الحد وجب غسل ظاهره و یکتفی به عن غسل ما تحته من البشرة أو من شعر آخر خفیفاً کان الشعر أو کثیفاً و الدلیل علی ما ذکرناه الإجماعات المنقولة علی عدم وجوب تخلیل الکثیف و علی

ص: 140

عدم وجوب تخلیل الشعر مطلقاً و نقل الشهرة و فتوی المعظم علی عدم وجوب تخلیل الخفیف و هو ما یری منه البشرة غالباً فی مجلس التخاطب و لأن الوجه هو ما یواجه به و قد انتقل من البشرة إلی الشعر و استصحاب حکم البشرة مقطوع بتبدل الموضوع و لخلو الأخبار عن وجوب التخلیل مع توفر الدواعی لنقله لو کان و لما دل علی الاجتزاء بغرفة و الغالب عدم کفایتها لغسل الشعر ظاهراً أو باطناً و لما دل علی الإجزاء بکف واحد أثلاثاً ثلث للوجه و ثلثان للیدین و لخصوص الصحیح ما أحاط به الشعر فلیس علی العباد أن یطلبوه و الصحیح الآخر الدال علی عدم تبطین اللحیة و القوی الآخر إنما علیک أن تغسل ما ظهر هذا کله فیما ستره الشعر و أما ما یری من خلال الشعر فی البشرة دائماً أو أحیاناً أو وقت الوضوء فالظاهر وجوب إیصال الماء إلیه للشک فی بدلیة الشعر عنه و الاستصحاب و الاحتیاط یقضی بوجوب غسله و نقل الإجماع علی وجوب غسل ما یری من البشرة بین الشعور و ما ستره المتدلی من الشعر فحکمه حکم ما ستره الشعر الأصلی و لو وقع المتدلی علی غیر موقعه المعتاد فالظاهر وجوب رفعه و غسل ما نحته و لو کشف المتوضی الشعر حین الوضوء عن البشرة فالظاهر لزوم أحد الأمرین علیه إما إرجاع الشعر و غسل ظاهره أو غسل البشرة المکشوفة کما أن الظاهر أن غسل ظاهر الشعر رخصة لا عزیمة و کذا غسل الظاهر عن باطن الشعر فی الکثیف.

ثامنها: یجزی غسل ما یجب غسله فی الوضوء بعد الأخذ من باب المقدمة

لما یحصل به یقین دخول الوجه المأمور به واقعاً و لا یحتاج إلی تعین الحدود من مجتهد أو مقلد سواء عرف الحدود و جهل تطبیقها علی المحدود أو جهل الحدود من أصلها علی إشکال فیه من جهة دخوله فی عبادات الجاهل حینئذ.

الثالث: من فروض الوضوء غسل الیدین

اشارة

و فیه أمور:

أحدها: الظاهر أن الیدین بحسب اللغة و العرف العام هما العضوان من المنکبین إلی أطراف الأصابع

مقابلًا للرجلین و إطلاقهما علی الأبعاض فی الوضوء و التیمم و السرقة و غیرهما مجازاً و المراد به الحقیقة و التحدید للحکم المتعلق بهما لا الاسم و یحتمل الاشتراک اللفظی بین الکل و الأبعاض الخاصة أو مطلقاً و یحتمل الاشتراک

ص: 141

المعنوی کذلک و یحتمل الحقیقة الشرعیة فی خصوص الوضوء و التیمم و الأظهر الأول أو الاشتراک و علی کل حال فالواجب غسله هاهنا هو العضو من المرفق إلی أطراف الأصابع و المراد بالمرفق مجمع الذراع و العضد و قیل موصل الذراع و العضد و عن بعضهم انه مفصل الذراع و العضد و عن آخرین انه مفصل الساعد و العضد و فی جملة من عبائرهم انه موصل الذراع فی العضد و صرح بعضهم بأنه مجمع العظمین أی رأساهما المتلاقیان و یمکن إرجاع التفاسیر المتقدمة للأخیر فیکون المرفق عبارة عن أمر محسوس و هما عظمان متلاقیان أو متداخلان فالمرفق هو مجمع الطرفین و لو انفصلا انفصلت أجزاؤه فیریدون بالمجمع و المفصل و الموصل مکان الاجتماع و الفصل و الوصل و یمکن أن یرید الأولون بالمعنی الوهمی و هو نفس الوصل و نفس الفصل و نفس الجمع و لکنه بعید عن ظاهر أوضاع اللغة و العرف و عن جعله حداً فی لسان الشارع لخفائه علی العوام.

ثانیها: لا کلام لأحد فی وجوب غسل المرفق

و إنما الکلام فی وجوبه أصالة أو تبعاً من باب المقدمة لتحصیل العلم بغسل المأمور بغسله و مقتضی إطلاقات الإجماعات المنقولة و فتوی الأصحاب و الاحتیاط فی العبادة بعد شغل الذمة الیقین و الأخبار الدالة علی أن الأقطع یغسل ما بقی من عضده و الدالة علی أن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) کان یغسل المرفق مع یده و الدالة علی انه کان یغسل من المرفق و ظاهر البدانة الدخول و التأسی الواجب فیما کان بیاناً للواجب و ظهور دخول الغایة فی المعنی مطلقاً أو فیما إذا لم یکن له مفصل محسوس أو فیما إذا کان عن الجنس و ما فی الخلاف أنه ثبت عن الأئمة (علیه السلام) أن (إلی) بمعنی (مع) فی الآیة أن وجوب غسل المرفق أصلی لا تبعی قضی به باب المقدمة و تظهر الثمرة فی وجوب غسل شی ء مما فوقه مقدمة له و عدمه فعلی الأول الأول و علی الثانی الثانی و فیما لو قطع العضو من المرفق نفسه فإنه یجب غسل جزء من العضد بناء علی أن المرفق مجموع طرفی العظمین المتصلین و کذلک بناء علی أنه نفس الوصل الحاصل بین طرفی العظمین و ذلک لأن الوصل لا بأمر بغسله حقیقة بل المأمور بغسله إما طرفا العظمین الحاصل منهما الوصل

ص: 142

أو سطحهما و السطح لا یمکن غسله لعدم القدرة علی الوصول إلیه فیکون المأمور به نفس الخطین المستدیرین من العظمین.

ثالثها: یجب الابتداء بالأعلی فی غسل الوجه و الیدین

وفاقاً لفتوی المشهور نقلًا بل تحصیلًا و للإجماع منقولا ظاهرا و لأصالة بقاء الحدث و شغل الذمة بالوضوء و الصلاة و لإجمال الوضوء کما فی سائر أسماء العبادات فما شک فی شرطیته له نجعله شرطاً و لصحیح زرارة فی حکایة فعل النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنه أسدل الماء علی وجهه من أعلی الوجه و استفادة الوجوب إما من دلیل التأسی أو من أجل کونه بیاناً للمجمل و للصحیح المروی فی (الکافی) فوضعها علی جبینه حکایة عن فعل النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و لروایة الهیثم فی تنزیل قوله تعالی (إِلَی الْمَرٰافِقِ) أنها من المرافق و لروایة صفوان و فیها ثمّ یفیض من المرفق و لصحیح زرارة ثمّ وضعه علی مرفقه و لروایة الهیثم ثمّ أمرّ یده فی مرفقه إلی أصابعه رداً علی الهیثم حیث عکس ذلک و للإجماع المرکب المنقول علی عدم الفصل بین الوجه و الیدین فی إیجاب الابتداء بالأعلی فیهما و عدمه و لروایة الحمیری أغسله من أعلی وجهک إلی أسفله و لمفهوم قوله لا بأس بمسح الوضوء مقبلًا و مدبراً و قوله (علیه السلام) (المسح فی الرجلین موسع) فمفهومه مشعر بأن الغسل له کیفیة خاصة و لانصراف إطلاق أوامر الغسل للابتداء بالأعلی لأنه الفرد الظاهر و لرجحانیة الابتداء بالأعلی فیحصل الیقین باستمرار النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) علیه فیجب التأسی به أو اتباعه لکونه بیاناً للمجمل و لقوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (هذا وضوء لا یقبل الله الصلاة إلا به بعد وضوئه) و المقطوع به ابتداؤه بالأعلی و بمجموع ما ذکرنا و إن اتجهت المناقشة من کثیر منه یحصل الظن القوی لوجوب الابتداء بالأعلی و به یقید إطلاق الغسل المأمور به فی الآیة و الروایات إن لم نوهن الإطلاق بعوده إلی الاجمال لکثرة وقوع المقید له و لعدم إرادة إطلاقه قطعاً فیضعف الظن بإرادته و لأقل من توهینه بفهم المشهور و فتواهم و علی ما ذکرنا من وجوب الابتداء بالأعلی یراد به الأعلی الحقیقی لا العرفی فیجب أخذ شی ء له من باب المقدمة للاحتیاط الواجب فی مقام شغل الذمة و لحمل لفظ الأعلی و المرفق فی الأخبار علی المعنی الحقیقی دون المسامحات العرفیة و لظاهر زرارة

ص: 143

حیث ذکر بعد غسل الأعلی غسل الجانبین ثمّ غسل الید الیمنی و لو لم یکن حقیقیاً لعاد إلی المتروک نعم لا یجب غسل أعلی الأعلی بل یتخیر فی الابتداء من أی أعلی کان و إذا ابتدأ بالأعلی ابتداء عرفیاً لا مجرد الابتداء و لو کان بمقدار شعرة واحدة جاز غسل العضو الأسفل ثمّ العود إلی بعض الأعلی المتروک و جاز غسل کل أسفل قبل أعلاه مسامتا له أو غیر مسامت فی جانب واحد أو جانبین کل ذلک لحصول الامتثال بإطلاق الأوامر مع عدم الشک المعتبر فیها و لخلو الأخبار عن بیان ذلک مع توفر الدواعی علی نقله و لعدم تعرض الأصحاب لوجوب الترتیب فی العلو و خلو کلماتهم عنه و للسیرة القاضیة بالخلاف و لنفی العسر و الحرج اللازمین من ترتیب الأعلی فالأعلی و لصحیح زرارة أنه وضع الیسری فی الماء فأسدلها علی الیمنی ثمّ مسح جوانبها و لما دل علی أن الرجال یبدءون بظاهر الذراع و النساء بباطنه و من البعید باستیعاب الظاهر و الباطن و لما ورد فی الاکتفاء بثلث غرفة و لو وجب ترتیب الأعلی فالأعلی لا یستوعب ماؤها من أول العمل نعم لا بأس بالاحتیاط فی شأن المسامت لظهور بعض الأخبار فی الأجزاء من فوق إلی اللحیة فی مقام البیان و لإمکان وقوعه و إمکان دعوی فعل الأئمة (علیهم السلام) لهُ و لإشعار بعض عبائر الفقهاء به و لو لم یمکن الأعلی الحقیقی وجب الأعلی الإضافی للاحتیاط و لقوله (علیه السلام) (لا یترک المیسور بالمعسور) و لأن ما شک فی شرطیة شرط و لأنه أقرب المجازاة إلی الحقیقة إن جعلنا أسماء العبادات أسماء للاختیاری منها و حکمنا بعموم الخطاب لسائر الأحوال و هل الواجب الابتداء بالأعلی أو عدم الابتداء بالأسفل و علیه فلو غسل الأعلی مع الأسفل صح وجهان أقواهما الأخیر و أحوطهما الأول و ذهب المرتضی إلی عدم وجوب الابتداء بالأعلی أخذاً بالاطلاق المبین لإجمال الوضوء و لأن فعل النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لا یجب به التأسی مع عدم العلم بوجهه من الوجوب و الندب مع احتمال کون فعله أفضل الفردین أو أقربهما إلی العادة أو من الحیلیات الاتفاقیة أو من أحد الأفراد للکلی المأمور به و فی الجمیع نظر لضعف الإطلاق عن الأخذ بإطلاقه بل یعود مجملًا لما ذکرناه و لأن استمرار النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) علی فعل شی ء ینفی کونه من العادیات أو

ص: 144

الاتفاقیات و لوقوعه فی مقام البیان للواجب یجب التأسی به و إلا لزم الإغراء بالجهل و لأن ورود هذا وضوء لا یقبل الله الصلاة إلا به مع فتوی المشهور مما ینفی الندب و صدور أمر أو الید منهم (علیهم السلام) لو لم ینعقد الإجماع علی استحبابه و یرد النص الصحیح علی أجزاء الوضوء بماء المطر بمجرد تساقطه لأوجبناه کالابتداء بالأعلی.

رابعها: لو قطعت الید من دون المرفق

وجب غسل ما بقی من محل الفرض کله للإجماع المنقول بل المحصل و للاحتیاط و لتعلق الأمر به قبل القطع فیستصحب و الموضوع لم یتبدل لأن المجموعیة لیست شرطاً فی الأمر بالکل و لأنّ الأمر بالکل أمر بالأجزاء ضمنا أصالة لا تبعاً کالأمر بالجمع و الأمر بالمعدود فلا یسقط الأمر الثانی بسقوط الأمر الأول ما لم یفهم شرط الاجتماع و ما ورد فی صحاح الأخبار أن مقطوع الید و الرجل و الأقطع یغسل ما قطع منه أو المکان الذی قطع منه یراد به أن یغسل ذلک فما فوقه إلی محل الغرض و مثله فی التعبیر غیر عزیز علی أن ما ذکرناه مبین له و یؤید ذلک أن فی حسنة ابن مسلم فی الأقطع الید و الرجل یغسلهما و لو قطعت من فوق المرفق لم یجب غسله إجماعاً نعم لا یبعد ندبه لفتوی بعض الفقهاء بذلک و لإطلاق الأخبار السابقة بحملها علی مطلق الطلب فیجب فی مقام الوجوب و یندب فی مقام الندب و لکن الأظهر تقدیم التخصیص بحمله علی القطع مما دون المرفق علی المجاز و هو استعمال اللفظ فی المجاز الشامل للوجوب و الندب و إن قطعت من المرفق نفسه وجب غسل ما بقی من عضده کما هو منطوق (صحیحة علی بن جعفر) سواء کان المرفق بنفسه مقطوعاً أو کان القطع تحته بناء علی خروج البدایة کما هو الظاهر هنا من تعلق القطع نعم لو کانت البدایة داخلة فی القطع کان حکم الروایة حکم الروایات الآمرة بغسل ما فوق المرفق بإطلاقها فتحمل علی الندب للاتفاق به علی ذلک و فهم المشهور یؤیده إرادة القطع منه نفسه أو مما تحته فتأمل و المراد به رأسه المتصل بالذراع الذی کان یغسل سابقاً لأن المرفق إما مجموع طرفی العظمین المتلاصقین أو المتداخلین أو الخط الوصلی ما بینهما و هو لا یتحقق غسله إلا بغسل جزء من کل من الطرفین المتلاصقین فإذا لم یمکن غسل کل منهما وجب غسل ما تیسر و القول بعدم وجوب

ص: 145

غسل الباقی من طرف العضد علی القول بأن المرفق هو الخط المحیط و الموصل بین الذراع و العضد بأنه عند انفصاله یرتفع الوصل و یرتفع ذلک الخط فلا یجب غسل شی ء لتحصیله مردود بأن ارتفاع الوصل لا یستلزم ارتفاع الحکم الذی کان متعلقاً بغیره حال وجوده فیستصحب الحکم بالنسبة إلی ما بقی من العضد، نعم هل یجب غسل سطح عظم العضد لأن الوصل بینه و بین سطح عظم الذراع به أو یکفی غسل الخط الدائر لأنه هو المأمور بغسله حال الاتصال دون السطوح المتلاقیة و الأظهر وجوب غسل السطح للاحتیاط و لمقامه مقام المأمور به کما لو ظهر الباطن و ذهب بعض إلی عدم وجوب غسل ما بقی لفوات الأمر بفوات المأمور به و فوات حکم الجزء بفوات حکم الکل و لبطلان الاستصحاب بتبدل الموضوع و لظهور روایة علی بن جعفر فی وجوب غسل العضد کملًا و لا قائل به فیحمل علی الندب و حمله علی طرف العضد مجاز و لیس بأولی من التجوّز بإرادة الندب و الکل ضعیف کما تقدم.

خامسها: کل ما نبت علی الیدین تحت المرفق من لحم أو إصبع أو غدد أو نحوها وجب غسله

لصیرورته جزء ید و لقیامه مقام منبته و للاحتیاط الواجب فی مقام شغل الذمة و ما نبت فوق المرفق لا یجب غسله إلا إذا کانت یداً مشتبه بالأصلیة فإنه یجب غسلها للاحتیاط الواجب من باب المقدمة لأن ترکهما یؤدی إلی ترک غسل الید و غسل أحدهما معیناً ترجح من غیر مرجح و إن عملت زیادتها علی الأصلیة بالقرائن الخلقیة أو الضعف و القوة و نحو ذلک لم یجب غسلها لانصراف الأوامر بالغسل للمعهود من الید و الأحوط غسلها لشبهة دخولها تحت عموم (و أیدیکم) بناءً علی فهم العموم من الجمع المضاف دون العهد و فصل بعضهم فی الزائدة بین ما یکون لها مرفق فیجب غسلها لما ذکرناه و بین من لا یکون لها کذلک فلا یجب قطعاً لان وجوب غسل الید إلی المرفق و حیث لا مرفق لا یجب الغسل و أورد علیه بالتزام عدم وجوب غسل الید الواحدة إذا لم یکن مرفق و هو خلاف الإجماع واجب بالتزام ذلک إن لم یقم الإجماع علی خلافه و الحق الفرق بین خلو الواحدة عن المرفق و بین خلو الثانیة لان خلو الواحدة لا یقضی بنفی غسلها المأمور به لان المنفی لیس کالموصوف ینتفی الحکم

ص: 146

عند انتفاء وصفه نعم یشکل فی قدر المغسول منه فهل هو الکل أو القدر المتعارف المحدود بالمرفق و الظاهر الثانی و أما خلو الثانیة عنه فیقضی بعدم وجوب غسلها لحصول الغسل للید إلی المرفق فی الأولی و صدق الامتثال إلا إذا اشتبهت بالأصلیة لو جوزنا وقوع ذلک فیجب غسلهما.

سادسها: الأظهر وجوب تخلیل شعر الید و إن کثف لإیصال الماء للبشرة

لتوقف الامتثال علیه و لعدم دلیل علی قیام الشعر مقام البشرة و للاحتیاط الواجب و ما جاء من عدم طلب ما تحت الشعر و من الأمر لغسل ما ظهر مراد به شعر الوجه لفهم الفقهاء ذلک و لأنه هو الفرد الظاهر له تحت و فوق و هو المعهود ذکراً و ذهناً و مع ذلک ففی الاکتفاء به قوة لعموم الروایة علی إیرادها مستقلة و دلیل الیسر و الروایة الآمرة بغسل الظاهر و هل یجب غسل الشعر مع البشرة لأنه جزء من الید و للاحتیاط و لقیامه مقام منبته و لظاهر نفی الخلاف عن بعضهم أو لا یجب للأصل و لظهور اختصاص لفظ فی البشرة وجهان أحوطهما الأول و یمکن القول بوجوب غسل ما حول المنبت من أصول الشعر لقیامه مقام المنبت دون ما زاد جمعا بین القولین و الدلیلین.

سابعها: لا یجب غسل ما تحت الاظفار

فلا یجب إزالة الوسخ عنها لأنها من البواطن ما لم تتجاوز إلی الأنملة و هو السطح الظاهر منها عرفاً فیجب إزالته لوجوب غسل الظاهر و خلو الروایات عن وجوب غسل ما تحتها مع توفر الدواعی لنقله و بیانه لو کان و السیرة القاطعة من أغلب الناس علی عدم إزالة وسخهن و عدم إدخال الماء تحتهن و ما ورد من عدم إزالة وسخ أظفار المیت عند تغسیله و عدم الأمر بقص الأظفار فی التیمم و فی المسح و هما متعلقان بظاهر أقوی شاهد علی عدم وجوب غسله و یمکن الفرق بین ما ستره الوسخ فلا یجب غسله و یقوم غسل الوسخ مقامه و بین ما لا یستره فیجب إیصال الماء إلیه و لکنه بعید و لا یخلو من نوع احتیاط و الظاهر أن من أوجب الإزالة أراد ما إذا ستر الوسخ الظاهر أو المشکوک فیه و من لم یوجب أراد ما إذا ستر الباطن عرفاً و المستور غالباً و أما نفس الأظفار لو زاد علی المعتاد فالأظهر وجوب غسله لشمول اسم الید لهُ و لقیامه مقام حدة المتعارف الوصول إلیه و کذا

ص: 147

الشعر بناء علی وجوب غسله و احتمال الاکتفاء بغسل القدر المعتاد منه بعیداً کاحتمال وجوب قصه إذا طال لمنعه من غسل الحد المتعارف من حافته لا مستند له قوی.

ثامنها: لا یجب غسل الباطن إلا إذا ظهر

و کذا الظاهر إذا بطن و إذا جرحت الید فإن رؤی شق الجرح ظاهراً وجب إیصال الماء إلیه و إلا کفی غسل الحافتین علی الأظهر و الاحتیاط لا یخفی و الجلدة المکشوطة یجب غسلها مع المحل المکشوط منه إذا لم توضع علی ما کشطت منه و إلا کفی غسلها بعد وضعها و الاحتیاط لا یخفی سیما فیما لا یرجی التحامها هذا إن انکشطت من المحل الغرض و إن انکشطت من أعلاه حتی نزلت إلی محل الفرض فالأظهر وجوب غسل ما دخل فی محل الغرض دون ما حرج و غسل موضعها و قد یحتاط بغسلها کلها.

تاسعها: یجزی الغسل للمغسول علی أی نحو وقع

بدلک أو بغیره و بإمرار ید أو بغیره و بصب أو بغیره من رمس فی قلیل أو کثیر سواء نوی الغسل بالإدخال أو الإخراج أو الکون أو التحریک أو الجریات و یجب أن لا ینوی الأسفل إذا نوی الغسل بالکون حال رمسه بل الاحوط أن ینوی الأعلی و یجوز الغسل نازلًا من أعلی إلی أسفل و من مساو إلی مساو و لا یجوز منکوساً من أسفل إلی أعلی لمخالفته المعهود و للزوم الاحتیاط فی مثله و لإشعار ما دل علی لزوم الابتداء بالأعلی و الغسل علی الکیفیة المعهودة و الوضوءات البیانیة به:

الرابع: من فروض الوضوء مسح الرأس ببلة الوضوء

اشارة

کما دل

علیه الکتاب و السنة و الإجماع و فیه أمور.

أحدها: یختص المسح بمقدم الرأس

للإجماع و الأخبار الصحیحة الدالة علی الأمر بمسح المقدم و هی متکثرة و معتبرة و بهما یقید إطلاق الکتاب و السنة و ما ورد من جواز المسح علی المؤخر و علی الخلف مطرح أو محمول علی التقیة و المقدم و هو ما بین أعلی الوجه و أعلی الرأس و هی النقطة التی تنتهی إلیها الخطوط الخارجة من الجوانب الأربعة من الرأس فالمقدم و هو ما قابل المؤخر و قد یعبر عنه فی الأخبار و کلام الأصحاب بالناصیة أما لان الناصیة حقیقة فی ذلک کما قیل و أما لأنها مجاز مشهور

ص: 148

لعلاقة المجاورة و إلا فهی قدر من المقدم و هو ما بین النزعتین کما فی (المصباح المنیر) أو قصاص الشعر کما فی غیره و لا یصلح ما جاء من الأمر بمسح الناصیة أن یکون مقیداً للکتاب و السنة و فتاوی الأصحاب و الإجماعات المنقولات فی الباب لضعفه عن التقید فحمله علی التجوز لو قصرنا معنی الناصیة علی ما بین النزعتین أولی و بهذا یظهر ضعف ما ذهب إلیه بعضهم من وجوب الاقتصار علی مسح ما بین النزعتین لهذه الأخبار و لأن المقدم هو أول الرأس و أول ما یتقدمه و لأن المقدمة هو الناصیة کما عن (صاحب القاموس) و نقل علی ذلک الإجماع و ذلک لمنع جواز التقید بأخبار الناصیة لضعفها عن المقاومة و منع اختصاص معنی المقدم بما ذکرنا و منع الإجماع فی معارضة ما هو أقوی منه من الإجماع منقوله بل ه لصحمو و لان قولهم باستحباب مسح ثلاث أصابع من القدر الممسوح ظاهر فی توسعته و إنه أزید من ذلک و لان کلام أکثر أهل اللغة و العرف ظاهر فی أن الناصیة إما مقدم الرأس أو قصاص الشعر مما حاذی الجبهة و کلاهما غیر ما بین النزعتین الذی بنی علی انه محل للمسح فبان وجه ضعفه نعم لا یبعد کون الأخذ به موافقاً للاحتیاط.

ثانیها: المسح إمرار الماسح علی الممسوح و جرّهُ علیه

و لو مرّ کل منهما علی الآخر مماسحاً و الماسح هاهنا الید و الماء ممسوح به أو نفس الماء علی وجه و علی کل حال فالمسح مباین للغسل إطلاقاً و مصداقاً و إن اجتمعا فی أمر واحد فالمسح إمرار الماء بآلة علی جسم آخر و الغسل إجراءه فقد یجتمعان لو حصل الإمرار و الإجراء و قد یرتفعان کما فی الإصابة فقط و قد ینفرد الغسل فی الاجراء مع عدم مباشرة الید و قد ینفرد المسح بالإمرار مع الرطوبة الجزئیة بدون جریان و یدلُّ علی تباینهما نقل الاتفاق علی عدم جواز غسل الممسوح و علی أن المسح لا یدخل فی معنی الغسل من غیر خلاف و کذا ما دل علی وجوب الغسل فی مقام و المسح فی آخر و التفصیل قاطع للشرکة و یحتمل القول بأن بینهما عموماً من وجه یتصادقان فی فرد واحد و هو ما اجتمع فی الاجراء و الإمرار و هو قوی و یکون الفارق بینهما عند التصادق النیة و یحتمل أن بینهما عموماً مطلقاً و العموم فی جانب الغسل فینفرد فی الاجراء فإنه لا یسمی

ص: 149

مسحاً و یجتمع مع المسح بالإمرار و لو دهناً لان الغسل لا یشترط فیه الجریان أو بالإمرار مع الجریان الخفیف فإنه یُسمّی مَسحاً و غسلًا و الحق أن المسح إن تعلق بالید و کان الماء آلة کان المسح و الغسل متباینین و یجوز اجتماعهما فی مکان واحد کما إذا حصل إمرار ید مع إجراء ماء دفعة و لا یجوز اتحادهما بموضوع واحد للتباین و یجوز افتراق الغسل فی إجراء الماء من دون إمرار الید و افتراق المسح بإمرار الید مع بلة لا یحصل فیها إجراء أو یحصل فیها إجراء خفیف لو قلنا بعدم تسمیته غسلًا و یجوز ارتفاعهما فی مثل الإصابة من دون إجراء و إمرار و إن تعلق بالماء کانا متباینین لا یجوز اجتماعهما فی محل واحد لاشتراط الجریان فی الغسل و عدمه فی المسح و یحتمل أن بینهما عموماً من وجه یجتمعان فی موضوع واحد و هو ما کان فیه إجراء خفیف و هو ما کان من الماء کالدهن مع إمرار و یحتمل العموم المطلق إذا لم نشترط الجریان فی مسمی الغسل و العموم فی جانب الغسل لافتراقه مع الجریان.

ثالثها: ذهب جمع إلی جواز مسح الرأس مدبراً

و نقل أنه المشهور و إنه غیره شاذ و استدلوا علیه بالصحیح لا بأس بمسح الوضوء مقبلًا و مدبراً و بإطلاقات الأمر بالمسح کتاباً و سنة و بإطلاقات الأمر بمسح الرأس أیضاً کذلک و بإطلاقات حکایات الوضوءات البیانیة و ذهب جمع إلی المنع و نسب للمشهور و نقل علیه الإجماع و هو الموافق للاحتیاط و المتیقن من فعل النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الأئمة (علیهم السلام) و المعلوم من السیرة مع إمکان الطعن فی الصحیح الأول بحمله علی الرجلین لورودهما بدل الوضوء فی صحیح آخر و المطلق محمول علی المقید و فی الإطلاقات اللفظیة بأنها فی الاستدلال بها علی خصوص الکیفیات من المجملات للاجماع علی عدم إرادة الإطلاق و عدم وفاء البیان فی المراد و فی الإطلاقات الفعلیة بأن المحکی لا طلاق فیه و الحکایة لا یفید إطلاقها لأنها من حکایات الأفعال فالقول الثانی أقوی کما أن الأول فی مسح الرجلین أقوی و یجوز المسح عرضاً من غیر إشکال و حکمه حکم المسح نزولًا.

رابعها: یجزی المسح علی البشرة و علی الشعر النابت علی مقدم الرأس ما لم یخرج بمدّه عن حدّه

و یدل علیه فتوی الأصحاب و الاجماعات المنقولة فی الباب

ص: 150

و السیرة القطعیة و نفی الحرج و اطلاق المسح علی الناصیة و المقدم و شبه ذلک نعم لو کان علی المقدم شعر لا یختص به قد تدلی علیه من الخارج کان بمنزلة الحاجب من حناء و نحوها و هو المتفق علی منعه و الأدلة ظاهرة بذلک أیضاً و ما ورد فی صحاح الأخبار فی جواز المسح علی الحناء متروک لمعارضة الإجماع و جمیع عمومات الأدلة و محمول علی إرادة اللون من الحناء أو الخفیف غیر المانع من صدق المسح أو غیر المستغرق أو علی الضرورة أو علی التقیة و بالجملة فالمسح علی الحائل لا إشکال فی منعه و إن وصلت منه رطوبة للممسوح لا یصدق علیها المسح و الشعر الخارج عن منابت المقدم فی الحائل لعموم الأدلة و ظاهر الاجماعات المنقولة و لا یجزی مسح شعر المقدم إذا استرسل إلی غیر محله و کذا لو امتد و لو رد شعر المقدم إلی فوق فمسح علی باطن الشعر فالأقوی الصحة و الاحتیاط غیر خفی و الشعر المعمول ظفائر و المجتمع و المُعقّد و المفتُول یصح المسح علیه و الأحوط إسداله و لو رکب شعر المقدم بعض علی بعض فالأقوی عدم لزوم تسریحه و ارجاع کل إلی محله و الاحتیاط غیر خفی.

خامسها: یجب مسح الرأس بالکف

للاحتیاط و لتبادره من الأوامر بالمسح و لأنه المعهود خلفاً و سلفاً و لأنه الواقع فی وضوءات الأئمة (علیه السلام) فی مقام البیان فیجب اتباعه و لأنه الواقع فی الوضوء الذی لا یقبل الله الصلاة إلا به و للروایات المتضمنة لإدخال الإصبع تحت العمامة و لکون المطلقات مجملة أو کالمجملة و الأحوط تعیین نفس الباطن لما قلناه و لو لا ظهور الإجماع المنقول و فتوی جمع من الفحول بعدم وجوبه لکان القول بوجوبه متعیناً و الأقوی عدم تعیین کونه بالأصابع کما هو الظاهر من فتاوی الفقهاء و من لم یتمکن من الکف مسح بالذراع للاحتیاط و لعموم لا یسقط و ما لا یدرک و لکونه أقرب المجازات بناء علی شمول الخطابات لجمیع المکلفین علی جمیع الأحوال فإنه لما لم یمکن للعاجز المسح بالکف و المفروض تعلق الخطاب به حمل علی اقرب المجازات و یشترط أن لا یکون علی الماسح حائل یحول عن مباشرة البشرة للإجماع و ظاهر الخطاب.

ص: 151

سادسها: یجزی فی المسح المسمی من إمرار الماسح علی الممسوح

و لو بجزء من الماسح إصبع أو أقل أو أکثر علی جزء من الممسوح قدر عرض ثلاثة أصابع أو إصبع أو أقل من ذلک فلا بأس بمسح ما دون الإصبع علی ما دون الإصبع عرضاً و طولًا و علی ما فوق الإصبع إلی ثلاثة أصابع عرضاً فقط أو طولًا فقط أو عرضاً و طولًا و بما فوق الإصبع إلی ثلاث أصابع علی ما دون الثلاثة عرضاً فقط أو علی ما دون الثلاثة طولًا فقط و یصح وضع طول الماسح علی طول الممسوح و عرضه علی عرضه و طوله علی عرضه و عرضه علی طوله و جمیع هذه الصور لا بأس بها علی الأقوی عملًا بإطلاقات الکتاب و السنة الرافعة لإجمالها فتوی المشهور و الإجماعات المنقولة علی الاکتفاء بإصبع واحدة فإنها ظاهرة فی إرادة الاکتفاء بذلک فی الماسح و الممسوح و فی أن الإصبع مثال لتحصیل المسمی و الروایات الدالة علی الاکتفاء بقدر ما یدخل الإصبع تحت العمامة من اعتم و الإجماعات المنقولة علی کفایة المسمی و ظهور الباء فی التبعض بنفسها أو باعتبار ترکیبها یقضی بذلک و ورود الروایة بالنص علی کون الباء للتبعیض یعطی ذلک و إنکار سیبویه مجیئها للتبعیض لا یسمع فی مقابلة ناقل الإثبات فهم جمع و الروایة الدالة علی کونها للتبعیض و لو مجازاً فبمجموع ما ذکرنا یحصل للفقیه ظن بإطلاقات الأدلة و الاجتزاء بالمسمی و ذهب جمع من فقهائنا إلی وجوب مسح قدر ثلاثة أصابع مضمومة و الظاهر انه لو کان بإصبع واحدة استناداً لروایة زرارة المرأة یجزها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاثة أصابع و هی معتبرة معمول بها و لا قائل بالفرق بین الرجل و المرأة و روایة معمر بن عمرو فیها و کذلک الرجل و فیه أن هذه الروایات لا تقوی علی الأدلة المتقدمة و الإطلاقات المحکمة القویة بفتوی المشهور و للإجماع المنقول فاللازم إما طرحها أو حملها علی الندب و یظهر من جمع آخر من أصحابنا المیل إلی وجوب مسح قدر إصبع و یراد به عرضه کما هو المتبادر من هذا التقدیر و استدلوا علی ذلک بخبر حماد فیمن یتوضأ و علیه العمامة یرفع العمامة بقدر ما یدخل إصبعه فیمسح علی مقدم رأسه و نحوه غیره و فیه ما قدمنا من ضعف معارضتهما لما قدمناه من الأدلة مع ضعف دلالتهما لان المسح بالإصبع یتحقق مع

ص: 152

المسح بالمسمی و مع المسح بقدر ثلث و العام لا یدل علی الخاص علی أن جملة من القائلین بوجوب الإصبع أرادوا به الاجتزاء بمسحه و لو بحصول المسمی لا بیان القدر کما صرحوا به فحمل کلام المطلقین علی ذلک إلا قلیل ممن صرح بالخلاف غیر بعید و بهذا ظهر أیضاً قلة القائل بهذا کما یظهر ضعف دلیله و الظاهر أن المشترطین لقدر الثلاث یریدون القدر فی العرض إذا وضعت الأصابع علی طول الرأس و انجرت إلی الأسفل بطولها و یکتفون بالطول بالمسمی و لا یجزی علی الظاهر عندهم وضع الثلاث و جرها عرضاً برءوس الأصابع إلی الأسفل نعم لو وضع قدر الثلاث و جرها عرضاً علی عرض الرأس أو طولًا علی عرض الرأس أجزأ علی الظاهر عندهم و یمکن تنزیل روایة الإصبع علی روایة الثلاث بإرادة طول الإصبع فی عرض الرأس و هو مقارب لعرض الثلاثة فی طول و لکنه بعید و علی القول بکفایة المسمی ینوی الوجوب إن فعل المسمی لا غیر و لو فعل الزائد فإن نوی أن المجموع امتثال للأمر و أوقعه دفعة نوی الوجوب و لا بأس به و جواز الترک إلی بدل لا ینافی الوجوب لان الفرد الأقل بدل عن الفرد الأکمل و عدم وجود البدل عن الزائد لا یضر بعد کون المجموع فرداً کاملًا للواجب و إن نوی أن البعض امتثال للواجب و الباقی امتثال للأمر الندبی نوی الوجوب و الندب معاً و إن أوقع الزائد تدریجاً نوی فیه الندب إذ لا معنی للامتثال عقیب الامتثال مع احتمال جواز نیة الوجوب فیه لکونه فرداً للطبیعة المطلوبة و هل له أن ینوی المندوب أولًا ثمّ یأتی بالواجب الظاهر ذلک و لا یبعد القول بعدم جوازه لان هذا المندوب مترتب علی فعل الواجب فلا یقع قبله بالمسح و لو نوی علی مجموع الرأس الامتثال بطل مسحه و إن نوی التوزیع صح فی الربع المتقدم و لو أوقع المجموع لغواً ناویاً للبعض صح البعض و لغا الزائد.

سابعها: یشترط فی المسح وجود البلة

فلا یجزی مع الجفاف إجماعاً و کونها من بلة ماء الوضوء إجماعاً و لقوله (علیه السلام) (و امسح ببلة یمناک ناصیتک) و ظاهرها البلة المتحققة من الوضوء فلا یجزی الماء الجدید و کون البلة الباقیة علی الید فلا یجوز أخذ بلة الوجه و الید مع الاختیار لظاهر الأخبار و للمأثور عن الأئمة الأطهار (علیهم السلام)

ص: 153

و للاحتیاط و للشک فی الاطلاقات و لا یشترط کون البلة مؤثرة فی الممسوح بل لو لم تؤثر فلا بأس مع احتمال وجوبه و الاحتیاط یساعده و لا یشترط عدم کثرة الماء الحاصل منه جریان علی الممسوح لما قدمناه أن المسح و الغسل یجتمعان فی مورد واحد نعم لا بد عند اجتماعهما من نیة المسح فلو نوی الغسل بطل و لو لم ینو فالظاهر الحمل علی المصحح لانصراف نیة الإجزاء للصحیح قهراً و لو کان علی الممسوح رطوبة جزئیة تستهلک برطوبة الماسح فلا بأس و انعکس الحال بطل المسح لکونه بماء جدید و لو اجتمع الأمران احتمل البطلان لان المرکب من الداخل و الخارج خارج و لصدق المسح بغیر ماء الوضوء و للاحتیاط و هذا أقوی و احتمل الصحة لصدق الامتثال بالمسح بنداوة الوضوء و للزوم العسر و الحرج لولاه لعدم الانفکاک من العرق غالباً و من ماء الوضوء فی غسل الوجه و فی الجمیع نظر لمعنی صدق الامتثال کما ذکرنا و منع لزوم العسر و الحرج لإمکان إزالته غالباً و لو سَلّم فیختص الجواز عند عدم طروهما لا مطلقاً کما ستذکر فی مسألة الجفاف إنْ شاء الله تعالی و أولی بالمنع مسح العضو الثانی بالبلة المجتمعة من المسح للعضو الأول فإنه یشک فی اجزائها لعدم صدق أنها بلة یمینک و بلة وضوئک.

ثامنها: نسب لابن الجنید جواز المسح بماء جدید مطلقاً

و نسب إلیه آخرون ذلک مع جفاف الید و آخرون مع جفاف جمیع الأعضاء استناداً لإطلاق الأمر بالمسح و لقوله فی موثقة أبی بصیر امسح بما فی یدی من الندا رأسی قال لا بل تضع یدک بالماء و فی صحیحة ابن خلاد یمسح قدمه بفضل رأسه فقال برأسه لا فقلت بماء جدید فقال برأسه نعم و فی آخر خذ لرأسک ماء جدید و فی حکایة فعل رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنه وضع یده فی الإناء فمسح رأسه و رجلیه و فی آخر أن المتوضئ إذا خاض الماء أجزأه ذلک و یرده أن الإطلاقات مقیدة بالإجماع المنقول بل المحصل علی عدم جواز المسح بماء جدید مطلقاً إلا فی حال الاضطرار کما سیأتی إن شاء الله تعالی و صحیح زرارة بعد قوله (علیه السلام) (یجزیک من الوضوء ثلاث غرفات و تمسح ببلة یمناک ناصیتک و ما بقی من بلة یمناک ظهر قدمک الیمنی و تمسح ببلة یسراک ظهر قدمک الیسری) و الظاهر

ص: 154

(و تمسح) عطف علی یجزیک و هی بمعنی الأمر و یصح عطفها علیها و إن کانت إنشاء و تلک الأخبار لاتحادهما فی الصورة و عطفها علی ثلاث غرفات یبعده أقربیة عطف الفعل علی مثله من عطف علی المفرد أو احتیاجه إلی إضمار إن و کذا وقوعه معمولًا لیجزیک و لا معنی لاجزاء مسح البلة للاتفاق علیة بل المتصف بالاجزاء غیره و کذا تفریعه علی أن الله تعالی وتر یحب الوتر الا علی وجه أن المسحات وتر ایضا لأنها ثلاث و تضعیف الروایة باشتمالها علی الأمر بالمسح بالیمنی علی الرأس و الیمنی و الیسری علی الیسری ضعیف لانا نلتزمه أو نقول بوجوب البلة و رجحان خصوص الماسح و بحسنة بن أذنیه ثمّ أمسح رأسک بفضل ما بقی فی یدک و بالمکاتبة لابن یقطین (و امسح مقدم رأسک و ظاهر القدمین من فضل نداوة وضوئک) و بما جاء من الأمر علی ناسی المسح بالأخذ فی اللحیة إن جفت الید و من الاشفار و الحاجبین إن جفتا و إن جف الکل أعاد الوضوء و بما جاء من الأخذ من اللحیة إن بلت و إعادة الوضوء بعد الانصراف إن جفت و بغیر ذلک مما جاء مؤیداً بالشهرة و الإجماع المنقول و فعل الأئمة (علیهم السلام) فی مقام البیان و کذا النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الاحتیاط و أما أخباره فهی غیر قابلة للأخبار المعتبرة المشتهرة ضعیفة بإعراض الأصحاب عنها و موافقتها للعامة و اشتمالها علی الأمر بالمسح بماء جدید و لا یقولها أحد و تخصیصها بحال الجفاف کما نسبه لابن الجنید بعض تخصیص من دون مخصص علی أنها مع التخصیص بذلک مخالفة للإجماع و الأخبار.

تاسعها: ذهب جمع من أصحابنا إلی عدم وجوب المسح ببقیة نداوة الید

و جواز المسح بماء الوضوء مطلقاً اختیاراً أو اضطراراً استناداً إلی إطلاق الأوامر بالمسح و إلی إطلاق الأمر به بنداوة الوضوء و یرده ضعف الإطلاق کما تقدم و الاحتیاط و کونه المعهود من الأئمة (علیهم السلام) و أتباعهم و الإجماع المنقول عن المرتضی فی وجوب المسح ببلة الیدین و ظاهر الأخبار البیانیة و الأخبار الآمرة بالمسح بنداوة الیدین و روایة زرارة و مرسلة الصدوق عن الصادق (علیه السلام) فإن لم یکن بقی فی یدک من نداوة وضوئک شی ء فخذ ما بقی منه فی لحیتک و جمیع هذا إن لم یصلح لأن یکون دلیلًا فهو صالح

ص: 155

للقدح فی مطلقات الأدلة و حصول الشک و الاحتیاط معه لازم و علی المختار فالحکم بالاقتصار مقصور علی حالة الاختیار و عدم الجفاف أما لو جف ماء الوضوء و لو باختیاره جاز له الأخذ من محال الوضوء حتی المسترسل من لحیته و کلها متساویة فی جواز الأخذ إلا الوجه فالأحوط جعله مرتبة أولی و لو جف جمیع المحال أعاد الوضوء و استأنف إلا أن یتمکن من المسح بمائه من کل وجه فإنه یجوز استأنف ماء جدید و الدلیل علی ذلک الأخبار الدالة علی جواز المسح من اللحیة و أشفار العینین و الحاجبین عند جفاف الید و إلا أعاد الوضوء و ظاهرها و إن کان مختصاً بالوجه دون غیره و بصورة النسیان دون غیرها إلا أن کلام الفقهاء یقضی بالتساوی و تخصیص الوجه فی الأخبار لأنه مظنة النداوة بل ربما یدعی اتفاقهم علی ذلک و علی وجوب استئناف ماء جدید عموم (ما لا یدرک لا یترک) و الأخبار المجوزة لذلک بحملها علی الضرورة و إطلاق الأمر بالمسح عند عدم التمکن من القید و لو دار الأمر بین الماء الجدید أو ماء الوضوء المتقاطر فالأحوط تقدیم ماء الوضوء و لا یبعد أن الاحوط تقدیم نداوة الوجه ثمّ مسترسل اللحیة ثمّ الیدین.

الفرض الخامس: من فروض الوضوء مسح الرجلین:

اشارة

و هما حقیقة مسح الرجلین فی العضو المخصص و التحدید الآتی للحکم أو مشترک معنوی بین الکل و الأبعاض و الواجب مسحه هو ظاهر القدم من أطراف الأصابع و إن أخذ شیئا من الباطن من باب المقدمة إلی الکعبین کتاباً و سنة و إجماعاً فلا یتعلق بما فوق الکعب حکم بالأصالة بالإجماع بل بضرورة المذهب و إنما الکلام فی الکعب و الأظهر أن الکعب مأخوذ من کعب أی ارتفع فهو عظم مرتفع نابت فی وسط القدم علیه یقع الشراک غالباً و یسمی بقبة القدم لنقل الإجماع مکرراً علی انه ذلک من کثیر من فقهائنا المتقدمین و المتأخرین باختلاف تعابیرهم عنه فمنهم من صرح بلفظ الإجماع و منهم من نسبه إلی الأصحاب و منهم من قال أنه المعروف من المذهب و منهم من نقل إجماع المتأخرین و المتقدمین و منهم من نسبه إلی سائر المتأخرین و باختلاف تعبیرهم عن معنی الکعب المتقدم فالمفید بقبة القدم و ابن أبی عقیل بظهر

ص: 156

القدم و الإسکافی بما فی ظهر القدم و المرتضی بالعظم الناتئ فی ظهر القدم عند معقد الشراک و الشیخ بالناتئ فی وسط القدم و الحلبی بمقعد الشراک و الحلی بالعظم فی ظهر القدم عند معقد الإشراک و المحقق بالناتئ فی وسط القدم إلی غیر ذلک و لنقل کثیر من أهل اللغة إنه کذلک فالظاهر أن معناه الحقیقی ذلک و إن کان یطلق عندهم مع الأول علی نفس المفصل بین الساق و القدم و علی ما فی ملتقاهما من العظم المستدیر الشبیه بما یلعب به من کعب الغنم و قد یطلق علیهما نفس المفصل للمجاورة أو تسمیته للحال باسم المحل و یطلق الکعب علی العظمین الناتئین عن یمین القدم و شماله و هو الکعب عند العامة و لکن المشهور إطلاقه علی ما ذکرناه و فی المدارک أن أهل اللغة متفقون علی انه العظم الناتئ فی ظهر القدم حیث معقد الشراک و فی الذکری أن لغویة الخاصة علی ذلک المعنی متفقون و لغویة العامة مختلفون و صنف عبد الوشاء کتاباً أکثر فیه من الشواهد علی أن الکعب هو الناتئ فی ظهر القدم و قال الفراء هو فی مشط الرجل و نقل أیضاً عن الکسائی عن محمد بن علی (علیه السلام) أنه فی مشط الرجل و فی النهایة کل شی ء علا و ارتفع هو کعب و فی القاموس ذکر المعانی الثلاث و فی الصحاح أنه الناتئ عند ملتقی الساق و القدم و أنکر الأصمعی قول الناس أنه فی ظهر القدم فیظهر منه و من المغرب أنه معروف بین الناس و فی الأثیریة و الغریین أنه ما علی و ارتفع و فی المجمل أنه ما عند العامة کما ذکره الصحاح و هو لا یراد قطعاً و للأخبار المتکثرة المعتبرة بفتوی الأصحاب الدالة علی ذلک حتی ادعی فی (الروض) تواترها کصحیحة البزنطی و حسنة مسیر و فیهما و وصف الکعب فی ظهر القدم و حسنة الأخری و فیها ثمّ وضع یده علی ظهر القدم و قال هذا الکعب و ظاهر الظاهر أنه قبة القدم لا المفصل لخفائه کما أن الظاهر من الکعب هو المرتفع حسّاً لا المرتفع فی مکانه خفیاً قد سره الجلد علی أن المفصل بین القدم و الساق لیس فی القدم بل منتهی القدم و کصحیحة زرارة و حسنته و صحیحة الآخرین و حسنتهما الدالة علی کفایة المسح علی النعل من دون استبطان الشراک و الغالب أن معقد الشرک دون المفصل و کما دل علی قطع رجل السارق من الکعب و مکانه قبة القدم کما هو منسوب للشیعة و ذهب العلامة (رحمه الله) إلی أن الکعب

ص: 157

هو المفصل بین الساق و القدم أو المجمع ما بین الساق و القدم فهو من الأمور الغیر محسوسة فیجب مسح جزء من الساق من باب المقدمة لتحصیله أو من باب الأصالة لأن المجمع لا یتحقق إلا بملاقاة جزءین من طرف العظمین إن قلنا أن الغایة داخلة فی المغیی أو انه نفس العظم المستدیر الواقع فی ملتقی الساق و القدم کما فهمه منه بعض و تبعه علی ذلک جمع من أصحابنا مستندین للاحتیاط فی مقام الشغل و أصالة بقاء الحدث و عدم الرافع إلی بعض کلمات اللغویین و المفسرین و الفقهاء فعن الفخری و النیشابوری فی تفسیر الآیة أن جمهور الفقهاء علی أن الکعبین هما العظمان النابتان فی جانبی الساق و قالت الإمامیة انه عظم مستدیر مثل کعب الغنم تحت عظم الساق غیر مفصل الساق و القدم و عن بعض الأفاضل فی علم التشریح أن القدم مؤلف من ستة و عشرین عظماً أعلاها الکعب و هو مائل للاستدارة واقع فی ملتقی الساق و القدم له زائد ثان فی أعلاه أ نسیته و وحشیته کل منهما فی حفرة من حفرة قصبة الساق و عن الصحاح أنه الناتئ عند ملتقی الساق و القدم و عن القاموس أنه یطلق علی کل مفصل و ما عن الأصمعی من إنکار قول الناس أنه قبة القدم و عن أبی عُبیدة أنه الذی فی أصل القدم ینتهی إلی الساق و علی أن أکثر عبارات الأصحاب و الروایات قابلة للتنزیل علی المفصل لأن القدم من أطراف الأصابع إلی أصل العرقوب فالعظم الذی عند منتهی الساق و القدم واقع فی وسطه و علیه یُحمل من عبر بالوسط و علی ظهره و ظاهره و علیه یحمل من عبر بهما و ربما عقد علیه الشراک و علیه یحمل من جاء من المسح علی النعل من دون استبطان و إلی الروایات کصحیحة الآخرین أن الکعب هاهنا یعنی المفصل دون عظم الساق و کروایة ابن بابویه عن الباقر (علیه السلام) فی وصف وضوء النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنه مسح علی مقدم رأسه و ظهر قدمیه و ظاهرها استیعاب الظهر و فی الجمیع نظر أما ما نقله عن اللغویین فإما غیر دال أو دال و لکنه مؤول و منزل علی رأی المعظم أو مطروح لعدم معارضته لنقل الأکثرین و أما الخبران فضعیفان عن معارضة ما قدمنا فیطرحان أو تحمل الصحیحة علی التقیة و تطرح الأخری أو یؤولان بما یناسب المشهور لان أدلة المشهور مؤیدة بإطلاق الآیة و الروایات الدالة علی إطلاق المسح و الدالة علی

ص: 158

کفایة المسح بشی ء من القدمین من الکعبین إلی أطراف الأصابع خرج تحدید المشهور و بقی ما بقی و الدالة علی کون الباء فی المسح للتبعیض فتقوی علی معارضها فلا یجوز الرکون إلیه فیحتمل إرادة قبة القدم من المفصل فی الصحیحة لإطلاقه علیه فی بعض أخبار قطع رجل السارق و یناسبه قوله دون عظم الساق فإن قبة القدم دونه أی تحته فی المکان و المفصل لیس دونه لأنه المجمع بین الساق و القدم أو قریب إلیه و إن أرید بدونه معنی المغایرة احتمل فی الروایة کل من المعنیین و الترجیح لفهم المشهور و یحتمل أن یراد بالکعب هو ما عند العامة بقرینة قوله و الکعب أسفل من ذلک و کذا إرادة التبعیض من ظهر القدم بقرینة عطفه علی مقدم الرأس و قد یقوی قول العلامة (رحمه الله) بأن کلمات من وافقه صریحة فیما ذهب إلیه و کلمات من وافق رأی المشهور ظاهراً لا ینکر منها إرادة ما ذهب إلیه (رحمه الله) بل قد توازی إرادته فی الفهم إرادة ما ذهب إلیه المشهور لأن وسط القدم و ظهر القدم و قبة القدم لا تنافی إرادة ما فهمه العلامة لان القدم هو ما بین أطراف الأصابع و أسفل العرقوب فیصح إطلاق تلک الألفاظ علیه حتی القبة و إن کان أبعدها لان المفصل حول الساق مقارب للمنتصف و لأن المفصل کالقبة علیه و کذا یصح إطلاق الکعب علیه لأنه مرتفع علی سطحه و کذا النتوء أیضاً سیما لو کان مراده بالکعب نفس العظم المستدیر فإن ارتفاعه و نتوءه حاصل و إن لم یظهر للحس و کذا معقد الشراک لوضع معقده فی بعض النعال فیما هو اقرب إلی أصل الساق من القبة علی أن کیفیة النعال مختلفة فلم یعلم کیفیة وضع نعاله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الحکم بعدم لزوم الاستبطان لا ینطبق حتی علی رأی المشهور فی جملة من النعال بل الأغلب إلا أن یلتزم باستثنائه من مباشرة الممسوح أو أن إیصال المسح بالتحریک دون الإدخال أو باختلاف نعال ذلک الیوم عن هذا الیوم کما یظهر من (الإسکافی) حیث قال ما کان من النعال غیر مانع لوصول الراحة و الأصابع أو بعضها إلی مماسة القدمین فلا بأس بالمسح علیه لما روی عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و علی (علیه السلام) و الصادقین (علیهم السلام) و علی ما ذکرناه یحمل أیضاً أکثر الأخبار التی استدل بها المشهور و مع ذلک فمخالفة المشهور بعیدة عن الصواب بل لا یبعد تنزیل کلام العلامة (رحمه الله) علی ما فهمه المشهور کما

ص: 159

حاوله البعض لتصریحه فی التذکرة بأن الکعب هو ما قاله المشهور و نقل علیه الإجماع و کذا فی المنتهی فیحمل ما اشتبه فی کلامه فی أن الکعب هو مجمع القدم و الساق کما فی الإرشاد و حد المفصل بین الساق و القدم کما فی القواعد علی ما فهمه المشهور لأن المفصل یطلق علی قبة القدم لعلاقة المجاورة و لانتهاء قبة القدم به و لأن منتهی قبة القدم هو المجمع ما بین القدم و الساق فیما لو کان العلامة (رحمه الله) ممن یوجب مسح جمیع القبة فإنه یتصل إلی المفصل قطعاً من باب المقدمة و الاحتیاط لا یخفی

و هاهنا أمور.
أحدها: الأقوی عدم دخول الکعبین علی المذهب المشهور فی المسح

لأنهما غایة للمسح أو الممسوح و علی التقدیرین فالغایة لا تدخل فی المغیی مطلقاً علی أن الفاصل هاهنا محسوس و دخول البدایة من أطراف الأصابع للإجماع و لأن البدایة غیر النهایة و یحتمل الدخول أصالة للاحتیاط فی مقام الشک و لمعادلة الممسوح للمغسول فی الکتاب و السنة و ظاهر المقابلة الاتحاد و الأول أقوی و علیه فیدخل بعضه تبعاً علی الرأی المشهور و یدخل کله أصالة أو تبعاً علی رأی العلامة (رحمه الله) و استند بعض أصحابنا لعدم وجوب إدخال الکعب إلی إطلاقات المسح و إلی قوله (علیه السلام) فی روایة زرارة و بکیر إذا مسح بشی ء من رأسه و بشی ء من قدمیه ما بین الکعبین إلی أطراف الأصابع فقد أجزأ و فیه نظر لضعف الإطلاق و لاستلزام ظاهره و عدم وجوب استیعاب الطول و لا نقول به.

ثانیها: یجب استیعاب الطولی فی الرجلین

للاحتیاط و لظاهر الأمر بالمسح إلی الکعبین فإنه یقضی بالاستیعاب و للإجماع المنقول و للتأسی المعلوم فعله من الأئمة (علیهم السلام) و للمعهود من السلف و الخلف و للوضوءات البیانیة و لصحیح البزنطی عن الرضا (علیه السلام) فوضع کفه علی الأصابع فمسحها إلی الکعبین و ذهب العلامة إلی کفایة المسمی فی الطول کمسح الرأس استناداً للإطلاق و الخبر المتقدم لزرارة و بکیر و للشک فی الاجماع لاحتمال وروده هو رد أصل وجوب المسح رداً للعامة و لاحتمال کون إلی غایة للممسوح و فی الجمیع نظر لضعف الإطلاق و لحمل الخبر علی إرادة المسمی فی العرض لمعارضة ما هو أقوی منه له و حمله علی کون ما بدلًا من قدمیه أو صفة لهما

ص: 160

لا أنه بدل من شی ء أو صفة له کی یفید عموم المسح لما بین أطراف الأصابع و الکعبین و للترجیح من دون مرجح و لا أقل من مساواة الاحتمالین فیسقط بهما الاستدلال فی البین سیما أن أراد التبعیض من الباء محل نظر و الشک فی الإجماع لا یرفع ظهوره کاحتمال التحدید للممسوح دون المسح مع انه لو کان کذلک فالظهور لا ینکر نعم فی روایات کثیرة عدم وجوب استیطان الشراکین فی المسح قولًا و فعلًا عن الأئمة (علیهم السلام) فتدل بظاهرها علی کفایة المسمی و لکن کون الشراک مانعاً من الاستیعاب الطولی محل نظر لعدم العلم بوضعه و عدم العلم بمانعیته فی جمیع ظاهر القدم و بهذا امتنع الاستدلال بها علی عدم وجوب الاستیعاب.

ثالثها: لا یجب الاستیعاب العرضی

للإطلاقات من غیر معارض و للأخبار الخاصة کخبر زرارة المتقدم و أخبار الشراک و للإجماعات المنقولة فلا یعارضها ما ورد فی صحیحة البزنطی من وجوب المسح بکل الکف فلتحمل علی الندب و لا روایة زرارة المتقدمة بحمل ما بین الکعبین إلی أطراف الأصابع علی الموصولیة و جعلها بدلًا من شی ء و حرف الباء فیها عن التبعیض لاحتمال کون الباء فیها للتبعیض و کونها موصولة و احتمال کونها کذلک و کونها صفة لشی ء و احتمال کونها بدلًا من القدمین و احتمال کونها صفة لها و علی الاحتمالات المتأخرة لا یبقی فیها شاهد علی استیعاب العرض بل و لا علی استیعاب الطول نعم الأحوط مسح قدر ثلاث أصابع مضمومة لفتوی جملة من الأصحاب و لما روی عن أبی جعفر (علیه السلام) یجزی من المسح علی الرأس ثلاث أصابع و کذلک الرجل بل الاحوط المسح علی جمیع ظهر القدم لروایة وجوب المسح بکل الکف (و لروایة زرارة) (انقطع ظفری فجعلت علیه مرارة قال أمسح علیه ما جعل علیکم فی الدین من حرج) فإن عدوله عن الأمر بالمسح علی غیره یعطی رجحان المسح علی الکل و دعوی أن المنقطع جمیع الأظفار خلاف ظاهر الأخبار.

رابعها: یجوز مسح القدمین مقبلًا و مدبراً

و یجوز الابتداء من أطراف الأصابع و من الکعبین و من الوسط و یجوز وضع عرض الأصابع علی عرض القدم و یجوز

ص: 161

وضع طولها علی طوله و یجوز وضع طولها علی عرضه و یجوز العکس و یجوز دفعه تدریجاً ما لم یخرج عن هیئة المتوضئ و قد ورد مسح الرجلین موسع من شاء مسح مقبلًا و من شاء مدبراً و ورد فی الصحیح لا بأس فی مسح القدمین مقبلًا و مدبراً و الأحوط الرجوع لما هو المعهود تقصیاً عن خلاف من منع النکس لظاهر الآیة و الأخبار الفعلیة و هو إن کان ضعیفاً لأن الغایة للمسوح لا للمسح فی الآیة و لمعارضة الأخبار الفعلیة بمثلها فعلًا و بما هو أقوی منها قولًا إلا أن الاحتیاط غیر خفی.

خامسها: لا یجزی المسح علی حائل

للأخبار و الإجماع بقسمیه و لظهور الأمر فی الکتاب و السنة إلا لضرورة برد أو جرح أو تقیة کما ورد فی المسح علی المرارة و ما ورد من جواز المسح علی الخفین للخوف من العدو أو الثلج أو علی الرجلین مما یضر بهما المؤیدة بالکتاب و هی (ما جعل علیکم فی الدین من حرج) و بدلیل العقل و بفتوی الأصحاب فما ورد فی عدة أخبار (إن المسح علی الخفین لا تقیة فیه) (و إن التقیة فی کل شی ء إلا فی النبیذ و المسح علی الخفین) و ان الإمام (علیه السلام) (لا یتقی فی ثلاث شرب الخمر و المسح علی الخفین و متعة الحج) لا یعارض ما قدمنا فأما أن یطرح أو یحمل علی التقیة أو علی عدم وجوبها علی الإمام (علیه السلام) فی الخصوص أو علی إمکان الفرار منها إلی غیرها کالفرار من المسح علی الخفین إلی الغسل بنیة المسح أو لعدم التقیة فیهن ذلک الزمان أو غیر ذلک.

سادسها: یجب تخلیل الشعر فی المسح و إیصال الرطوبة إلی البشرة

للاحتیاط و لظهور إرادة البشرة من الإطلاق و لا یجب مسح الشعر نفسه للأصل و عدم دلیل یدل، نعم یقوی القول بوجوب مسح أصوله لقیامه مقام منابتها و مسح الجمیع أحوط و احتمل بعضهم إجزاء مسح الشعر لقوله (علیه السلام) (ما أحاط به الشعر فلیس علی العباد طلبه) و لسهولة الشریعة و لعدم التساؤل عنه مع کثرة وقوعه و هو قوی إلا أن الأول أقوی.

سابعها: لا یجوز الغسل مکان المسح

إجماعاً و متی اجتمعا و نوی الغسل بطل و دل علی ذلک صحیحة زرارة (انک لو توضأت و أضمرت الغسل فی مکان المسح لم

ص: 162

یکن ذلک بوضوء) و ان نوی المسح صح وضوءه و یجوز الغسل مکان المسح للتقیة و یجب تقدیمه علی المسح علی الخفین لأقربیة إلی المسح علی البشرة من المسح علی الخفین و لو أمکن فی مقام التقیة فعل المسح مع الغسل و نیته مسحاً وجب و متی غسل فی مقام تقیة أو مسح علی خف أو نعل جاز له الدخول و العمل المشروط بالطهارة ارتفعت التقیة أم لا لأنه وضوء مشروع رافع و کلما هو کذلک لا یرفعه إلا ناقض و ارتفاع التقیة لیس بناقض للاستصحاب و فتوی الأصحاب و الأحوط الجمع بین التیمم و المسح علی الخفین تحاشیاً من الأخبار الدالة علی انه لا تقیة فیه.

ثامنها: یقوی وجوب مسح الرأس و الرجل الیمنی بالیمنی و الیسری بالیسری

للاحتیاط و للصحیح الدال علی الأمر بمسح الرأس و الیمنی بالیمنی و الیسری بالیسری و لأنه هو المعهود شرعاً و المعلوم من فعل النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الأئمة (علیهم السلام) فی مقام البیان و غیره و لکن الظاهر أن المشهور عدم التعیین أخذاً بالإطلاق و حمل الروایة فعلهم علی الندب و هو أقوی و الاحتیاط غیر خفی.

تاسعها: لا ترتیب بین مسح الرجلین

للاطلاقات من دون معارض و لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و قوله (علیه السلام) (و یمسح علیها جمیعاً) و قیل بوجوب الترتیب للاحتیاط و لأنه المعهود من فعل النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الأئمة (علیهم السلام) و للإجماع المنقول و لقوله (علیه السلام) فی الحسن (و امسح علی القدمین و ابدأ بالشق الأیمن) و لما ورد عنه (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (أنه إذا توضأ بدأ بمیامینه) و هو أقوی و الاحتیاط یوافقه و قیل بعدم جواز البدأة بالیسری فقط و جواز الاجتماع لقوله (علیه السلام) فان بدء بأحدهما قبل الأخری فلا یبدأ إلا بالیمنی و هو ضعیف لعدم قابلیة هذه الروایة لتقیید مطلقات المجوزین و لمعارضة أدلة المانعین.

ص: 163

عاشرها: یجب مسح الظاهر من القدمین بما یسمی ظاهراً عرفاً

للإجماع و الأخبار البیانیة قولًا و فعلًا و یجب اخذ شی ء من أطراف الأنامل مقدمة لتحصیل تمام الظاهر طولًا و لو طال الأظفار حتی علا علی الأنملة بحیث خرج من المعتاد فالأحوط قصه علی المعتاد و لا بد من إزالة الوسخ الکائن علی الأنملة إذا غطی شیئاً من الظاهر.

السادس: من فروض الوضوء: الترتیب

الترتیب بین أجزاء الوضوء واجب إجماعا إلا فی مسح الرجلین کما تقدم الکلام فیه و الأخبار دالة علی ذلک صریحاً ففی الصحیح ابدأ بالوجه ثمّ بالیدین ثمّ بمسح الرأس و الرجلین و لا تقدمن شیئاً بین یدی شی ء تخالف ما أمرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه ابدأ بالوجه و أعد علی الذراع و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح علی الرأس قبل الرجل ثمّ أعد إلی الرجل ابدأ بما بدأ الله تعالی و نحوه غیره و إن أخل بالترتیب عمداً أو سهواً فإن نواه من أول العمل بنیة أنه هو المأمور به فسد العمل و إلا أعاد اللاحق دون السابق لوقوعه فی محله إلا مع نیة مشروعیة السبق و اللحوق فیعیدها معاً و ما ورد فی الأخبار من الأمر بالإعادة علی الیمین لمن غسل شماله قبل یمینه و الإعادة علی الوجه لمن نسی تغسیل یمینه قبل وجهه و علی الیمین لمن غسل شماله قبل یمینه لا یعارض ما دل علی وجوب غسل الشمال فقط لتأییده بفتوی الأصحاب فیحمل علی أن التذکر کان قبل غسل الیمین و قبل غسل الوجه و یراد بلفظ الإعادة مجرد وقوع الفعل أو یحمل علی صدور الفعل منه بنیة التشریع فیجب الإعادة حینئذ و غسل الأعضاء دفعه غیر جائز أیضاً و یوجب غسل المتقدم فقط إلا إذا نوی المشروعیة فی الغسل الدفعی و لو غسل الثلاثة معاً ثلاثاً من غیر إخلال بالنیة صح وضوؤه إلا أنه یشکل المسح بالیمنی من جهة الماء الجدید و لو غسل ثلاثاً بعکس الترتیب صح وضوؤه مع عدم الإخلال بالنیة و یجی ء الإشکال فی المسح و لو وقع علی ماء فنوی بوقوعه غسل الوجه و بکونه غسل الیمنی و بخروجه الیسری صح و لو نوی بالتحریک و هو مرتمس کل تحریکة لعضو صح و لو نوی بتعاقب الجریات أو بنفس استمرار الأکوان الأغسال للأعضاء فنوی بکل جریة عضواً أو بکل کون کذلک صح علی إشکال و الاحتیاط بتجنب الکل و حکم الجزء کحکم الکل فیما ذکرنا و ما ورد فی

ص: 164

بعض الأخبار (أن من ترک لمعة مسح علیها) محمول علی الإتیان بما بعدها لأنه خیر من طرحها.

السابع: من فروض الوضوء: المباشرة

المباشرة للغسل و المسح بنفسه للإجماع بقسمیه و لإطلاق الأوامر الظاهرة فی المباشرة و لجزء الرضا (علیه السلام) فیمن أراد أن یصب علیه و هو متهیئ للصلاة فقال له: (مه تؤجر أنت و أُوزر أنا و تلا علیه قوله تعالی (وَ لٰا یُشْرِکْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) نعم یستثنی من ذلک حال الضرورة فإن التولیة حینئذ جائزة و تقدم علی التیمم لفتوی الأصحاب و الإجماع المنقول بل المحصل و لعموم لا یسقط و ما لا یدرک و لخصوص الصحیح أن الصادق (علیه السلام) أصابته جنابة و هو مریض فوضعوه الغلمة علی خشبات و صبوا علیه الماء و لا فارق بین الغسل و الوضوء و یمکن الاستدلال علی ذلک بشمول الخطابات للجمیع فالقادر علی المباشرة تجب فی حقه و غیر القادر تجب التولیة لأنها أقرب المجازات إلی إرادة الحقیقة و لا یلزم من ذلک استعمال اللفظ فی حقیقته و مجازه لإمکان استعماله فی عموم المجاز و لا بأس به و یجب علی المضطر مراعاة الأقرب إلی الحقیقة مهما أمکن فیجب الاقتصار علی البعض إن لم یضطر إلی الکل و یجب الاقتصار علی المشارکة إن لم یضطر إلی تولیة العمل صرفاً و یجب أن یباشر بأعضائه بمعونة العامل أن لم یضطر إلی تولیة العامل لمباشرته فی أعضائه سیما المسح و المتولی للنیة هو الأمر دون المأمور و لا عبرة بنیته و عدمها و لو توقفت التولیة علی أجرة وجب بذلها ما لم یکن مضراً بالحال علی الأظهر لعموم (لا ضرر و لا ضرار) و لا فرق فی حرمة التولیة للغیر أو المشارکة بین الواقع بأمره و بین الواقع لنفسه و بین الواقع فی الفاعل بقصد أو الواقع بغیر قصد فلا یجوز تولیة المجنون و لا الصبی و لا السکران نعم یختص بالإنسان و لا یشمل الحیوان إلا انه بمنزلة للآلات و إن کان تولیة الحیوان المعلم لا یخلو من إشکال و الممنوع هو تولیة الغسل و المسح لغیره بحیث یعد غاسلًا و ماسحاً فلو شارک بحیث لا یستند إلیه الفعل لأنه تابع و لیس سبب و لا جزء سبب فلا بأس به و الأحوط تجنب ذلک و لو کان کل منهما یستند إلیه الفعل مستقلًا و الأظهر و الأحوط

ص: 165

تجنبه و لو کانت التولیة بغیر الغسل و المسح من ضروب الاستعانة جاز للسیرة القاضیة بجواز الأمر علی الغلمان و الجواری بمل ء الآنیة و الإتیان بها و تسخینها و إن کان جملة منها مکروهاً و کذا الصب إذا لم یکن به غسل فإنه جائز أیضاً لصحیحة الحذاء وضأت أبا جعفر (علیه السلام) و قد بال فناولته ماء و استنجی ثمّ صببت علیه کفاً غسل وجهه و کفّاً غسل به ذراعه الأیمن و کفّاً غسل به ذراعه الأیسر فالجمع بینه و بین خبر الوشاء المتقدم یحمل خبر الوشاء علی صورة ما إذا کان الصب غسلًا و هذه علی ما إذا لم یکن لتأیید تلک بظهور إرادة المباشرة فی الأوامر فلا تعارضها هذه فتحمل هذه علی صورة ما لم تناف المباشرة و مع ذلک فیمکن الأخذ بخبر الوشاء و حمل هذه علی الضرورة و ذلک للاتفاق علی کون ذلک مکروهاً قطعاً و فعل الإمام (علیه السلام) للمکروه فی غیر الضرورة بعید و حملها علی التقیة أو علی کونها إجابة لحاجة المؤمن عند طلبه بعید أیضاً فتحمل هذه علی حالة الضرورة کما قدمنا و یحمل خبر الوشاء علی التحریم فیکون الصب کالغسل محرم لخبر الوشاء لا لاشتراط المباشرة و لکنه ظاهر الأصحاب حمل خبر الوشاء علی الاستعانة المکروهة بناء علی أن الصب علی الکف لا ینافی المباشرة و الإمام (علیه السلام) هو المتولی للغسل و إن المراد بالاثم و الوزر و ترتب آثار الکراهة مجازاً و علی کل حال فالأحوط ترک الصب فی الید لشبهة النهی و الأقوی غیر الصب من أنواع الاستعانة لفتوی الکثیر من الأصحاب و لظاهر الأخبار المعللة للمنع عن الصب بعدم الإشراک و لکن تسریتها للأمور البعیدة التی جرت علیها سیرة العلماء و الأئمة (علیهم السلام) مشکل بل الظاهر خلافه و عدم الکراهة فیه.

الثامن: من فروض الوضوء: الموالاة

الموالاة و هی المتابعة واجبة إجماعاً منقولًا مستفیضاً و کتاباً علی وجه و سنة مستفیضة و وجوبها شرعی و شرطی علی تفسیرها بعدم الجفاف علی قول و هو الظاهر من الأصحاب حیث أطلقوا القول بوجوبها و نقلوا علیه الإجماع و جعلوا ترکها مفسداً أیضاً و ظاهر الأول الوجوب الشرعی و لو لحرمة إبطال العمل مطلقاً أو فی الوضوء خاصة و ظاهر الثانی الوجوب الشرطی و قیل بأن وجوبها علی ذلک التفسیر شرطی فقط تنزیلًا للفظ الوجوب علیه و یظهر من جماعة و علی تفسیرها بالمتابعة فی الفعل

ص: 166

حقیقة أو عرفاً فوجوبها شرعی فقط کما یظهر من أکثر أصحاب هذا القول و نقل علیه الإجماع و علیه فهل یعتبر الجفاف فی البطلان مطلقاً أو مع الإخلال بالمتابعة أو مع الاستناد إلی نفوذ الماء أقوال أو أن وجوبها شرعی و شرطی کما یظهر من آخرین و بالجملة فالمحصل فی عباراتهم أقوال.

منها: مراعاة الجفاف فی الشرطیة و لا حکم للمتابعة.

و منها: مراعاته فی الوجوب الشرعی و الشرطی و لا حکم للمتابعة.

و منها: مراعاة الجفاف فی الشرطیة و المتابعة فی الوجوب الشرعی.

و منها: مراعاة المتابعة فی الوجوب الشرعی و الشرطی.

و منها: مراعاة الجفاف فی البطلان حیث یجامع الإخلال بالمتابعة.

و منها: مراعاة الجفاف فی البطلان حیث یستند إلی نفوذ الماء و استند من أوجب المتابعة شرعاً حقیقة أو عرفاً بحیث لا یتراخی عن اللاحق بعد تمام السابق بل بحیث أن لا یتوانی فی غسل عضو بحیث یخرج عن المبادرة إلی العمل حقیقة أو عرفاً إلی الإجماع المنقول علی لسان جمع من الفحول و إلی أن الأمر فی کتاب الله فوری بغسل الأعضاء لظهور الأمر فیه أو للإجماع علیه و إلی آیتی المسارعة و الاستباق و إلی أن فاء التعقب تقضی بوقوع جمیع ما تعقبها فوراً و لا یمکن الحقیقة فیتنزل علی الأقرب إلیها و هو المتابعة و إلی ظاهر الوضوءات البیانیة مع قوله هذا و وضوء لا یقبل الله الصلاة إلا به و إلی أنه المعهود من فعل الحج فیجب التأسی به و إلی أن الواقع منهم ذلک قطعاً لرجحانه فیجب متابعتهم و إلی الاحتیاط و إلی قوله (علیه السلام) (اتبع وضوءک بعضه بعضاً) و إلی خبر حکیم فیمن خالف الترتیب أنه یعید الوضوء و لان الوضوء یتبع بعضه بعضها و إلی ما ورد من أن الوضوء لا یتبعض و التبعیض یحصل مع عدم المتابعة و فی الجمیع نظر لوهن الإجماع المنقول بفتوی المشهور و منع دلالة الأمر علی الفور لغة و شرعاً و الإجماع ممنوع و لظهور (آیتی المسارعة) و الاستباق فی الندب و منع دلالة فاء التعقیب علی الفور نعم تلک فاء العاطفة و لان الفصل و الوصل لیسا من الکیفیات الظاهرة فی البیان لیدخلا فی أجزاء الوضوء و یجب اتباعهما و لأن التأسی إنما یجب فی

ص: 167

معلوم الوجه و لأن الاحتیاط حق لو کان الشک فی الشرطیة و لیس کذلک و لان وجوب الاتباع فی الخبرین مراد به وجوب الترتیب و الأمر بالإعادة محمول علی حصول الخلل بغیرها لعدم وجوبها شرطاً علی هذا القول و لأن خبر أن الوضوء لا یتبعض لا دلالة فیه للاحتمال الظاهر من أن یراد منه أنه لا یوجد منه بعض بعد انعدام الأبعاض الباقیة لجفافها کما یؤذن به قوله حتی ییبس أو ینشف وضوؤک علی أن وجوب المتابعة لو کان لبان لتوفر الدواعی إلیه و لیس فلیس، و إنها لو کانت واجبة لما حصل وضوء محلل إن أرید بها المتابعة الحقیقیة و لقلّما لو حصل أرید بها العرفیة فإنه قلّما یتفق حصول متابعة عرفیة لم یتخلل فیها بینهما التفات أو نقل إناء من محل إلی آخر أو طول عمل فی عضو و إن أراد بالمتابعة ما لم یخل به ذلک سهل الأمر فی وجوبها و أما من أوجب المتابعة شرعاً و شرطاً فمستنده الاحتیاط و ظهور وجوب الوصف فی العبادة إنه شرط لها و لکنه ضعیف لنقل الاتفاق فی القائلین بوجوب المتابعة علی إرادة الوجوب الشرعی دون الشرطی و إن الإخلال بالمتابعة لا یؤثر فسادا و لما ذکرناه من عدم اشتهار الحکم مع توفر الدواعی إلیه و لزوم فساد أکثر وضوءات العالم و لورود الأخبار بصحة الوضوء فیمن أبطأت علیه الجاریة إن لم یجف وضوء و بصحة وضوء من مسح رأسه فذکر و کان فی محل الوضوء رطوبة أخذ منها و بما دل علی من أن خالف الترتیب یعید من غیر تفصیل بین العامد و الناسی و القلیل و الکثیر فظهر بذلک ضعف هذا القول نعم للوضوء هیئة خاصة یخل بها الثانی کثیراً کیوم و بعض یوم لعدم صدق الوضوء علیه و للشک فی صحة مثله و أما القول بوجوب الموالاة شرطاً و شرعاً فمستندة الاجماعات المنقولة علی وجوبها و الظاهر منه الوجوب الشرعی و روایة أن الوضوء لا یتبعض و الإجماعات المنقولة علی اشتراطها مطلقاً سواء جامعت المتابعة العرفیة أم لا و سواء کان الجفاف لنفاد الماء أم لا و صحیح معاویة بن عمار مسألة أنه یتوضأ فینفد الماء فیدع الجاریة فتبطئ بالماء فیجف الوضوء فقال أعد و موثقة أبی بصیر إذا توضأت بعض وضوئک فعرضت لک حاجة حتی ییبس وضوؤک فأعد وضوءک فإن الوضوء لا یتبعض و الحق أن یقال أن الوجوب الشرعی منظور فیه و الإجماعات المنقولة قد یراد بها الوجوب الشرطی کما یظهر من کثیر منهم حرمة إبطال العمل لم تثبت هاهنا

ص: 168

و روایة (أن الوضوء لا یتبعض) لیست صریحة فی النهی عن الإبطال و أما الوجوب الشرطی فالظاهر أنه کذلک مطلقاً للروایات و الإجماعات المتکثرة النقل علی وجوب الموالاة و تفسیرها بعدم الجفاف و الإجماعات المنقولة علی اشتراط عدم الجفاف فی الوضوء و للاحتیاط و فتوی المشهور بذلک و أما ما نسب للصدوق من عدم البطلان بالجفاف إذا جامع المتابعة و للمقنع من البطلان به لنفاد الماء استناداً للأخذ بالیقین من الروایات الدالة علی البطلان بالجفاف لأن موردها الجفاف لفوات المتابعة و لصحیح حریز فی الوضوء یجف قلت فإن جف الأول قبل أن أغسل الذی یلیه قال أو لم یجف أغسل ما بقی قلت و کذلک غسل الجنابة قال هو بتلک المنزلة و ابدأ بالرأس ثمّ أفض علی سائر جسدک قلت و إن کان بعض یوم قال نعم بحمله علی ما إذا لم تفت المتابعة خوفاً من مخالفة الاجماع و لقول الرضا فإن کان قد جف بعض وضوئک قبل أن یتم الوضوء من غیر أن ینقطع عنک الماء ما مضی علی ما بقی جف وضوؤک أو لم یجف و الکل ضعیف لان الاقتصار علی المتیقن بعد إطلاقات الروایات المؤیدة بفتوی الأصحاب و بالاحتیاط و بالإجماعات المنقولة لا وجه له و لان الخبر الأخیر ضعیف السند فلا یعارض ما تقدم فیحمل علی جفاف بعض السابق تحرزاً من طرحه و أما الأول و إن صح سنده لکنه مشتمل علی ما لا نقول به من تنزیل الوضوء منزلة الغسل فلیحمل علی التقیة أو علی غیر العضو الثانی فیراد منه جفاف البعض أو یطرح لمعارضته لما هو أقوی منه و الظاهر أن القائلین بعدم الإخلال بالجفاف مع المتابعة یریدون به ما لم یلزم منه نفوذ الرطوبة عند المسح لاستلزامه المسح بماء جدید و هو غیر جائز عند عدم الاضطرار ثمّ أن المختار من اشتراط عدم الجفاف یراد به عدم الجفاف الحسی لا التقدیری فلو بقی الماء علی أعضاء الوضوء لعارض یقضی ببقائه و لولاه لما بقی منح الوضوء و إن طال الفصل ما لم یمح صورة الوضوء عرفاً و یراد باعتباره اعتباره مع الإمکان فلو لم یمکن سقط اعتباره و هل یجب ملاحظته تقدیراً بمعنی وجوب المتابعة بقدر ما تجف أعضاؤه لو کان علیهما ماء، الأحوط ذلک و یراد به جفاف الجمیع فلا یبطل بجفاف البعض و إن اتصل لتعلق البطلان فی النص و الفتوی

ص: 169

علی جفاف الوضوء و یبسه و جفاف السابق و هما ظاهران فی الجمیع و لإطلاق صحیح حریز و للاتفاق علی جواز أخذ البلل من الوجه للمسح إذا لم یکن نداوة علی غیره و ذهب بعض إلی اشتراط بقاء الرطوبة فی الجمیع و هو بعید لضعف القول به و لزومه للمشقة غالباً و الاستناد للاحتیاط و إلی أن الوضوء لا یتبعض ضعیف أیضاً و ذهب بعض آخر إلی اشتراط بقاء الرطوبة فی الأخیر و بعض آخر إلی أن الیدین بمنزلة عضو واحد فیشترط بقاء رطوبة الوجه إلی تمام غسلها و بقاء الرطوبة فیهما إلی المسح و الکل ضعیف و علی المختار أیضاً لا فرق فی وجوب عدم جفاف ما تقدم بین الغسل و المسح و لا بین الرطوبة الباقیة فی محل الغسل أو المسح و لا بین ما کان فی الشعر أو البشرة و لا بین ما کان مستوراً بالشعر أو لم یکن و لا بین ما کان من مسترسل اللحیة و بین غیره علی أشکال و لا بین ما کان من الغسلة الأولی أو الثانیة و لا ما کان فی الظواهر و البواطن مما یستحب تحلیله أو من ماء المضمضة و الاستنشاق و لکن علی إشکال شدید فی الأخیر و لو مازج ماء الوضوء بغیره بحیث لم یستهلکه کفی بقاؤه فی عدم الجفاف و کذا العرق و شبهه و ذو الیدین یکفی بقاء الرطوبة فی إحداهما علی الأظهر و کذا ذو الوجهین و لو تعذرت الموالاة أعاد الوضوء فإن لم یکن سقط حکمها و مسح بماء جدید و الجمع بینه و بین التیمم أحوط.

فائدة:

نذر المتابعة راجح فیلزم رجحانه ثابت بالکتاب و السنة و الاحتیاط و کلما کان کذلک فهو لازم إجماعاً فإن نذر المتابعة فی وضوء خاص ففعله من دونها حنث و لم یفسد الوضوء إلا إذا نوی أنه امتثال للنذر و لو نذر المتابعة فی وضوء مطلق وجب علیه أداءها فی أی وضوء کان فإن فعل وضوء من دونها بنیة الامتثال فسد لمکان التشریع علی الظاهر و یحتمل الصحة و وقوع النیة لغواً و وجب علیه أدائها فی وضوء آخر إلا إذا ضاق الوقت کما إذا کان النذر موقتاً أو تضیق بظن الموت فإنه یحنث إن لم یأت بها و وضوءه صحیح لعدم اقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن الضد و احتمال البطلان لتعلق النهی به باعتبار أن الشارع أوجب المتابعة فی هذا الوضوء المعین و نهی عن ترکها فیلزمه النهی عنه مجرداً عنها لا یخفی ضعفه و لو نذر وضوءاً متابعاً فیه معیناً حَنث بعدم

ص: 170

فعله فإن فعله لغیر المتابعة و نوی أنه وفاء للنذر فسد علی الظاهر و إن أتی به لا بقصد أنه وفاء صح علی الظاهر لعدم اقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن الضدان الجزء الواجب و خیال بالعارض کالواجب الأصلی یفسد العمل بفواته و نقضه کما ینقض الواجب الأصلی بعید لعدم تشخیص الواجب الأصلی بالواجب العارضی من جزء و غیره فلو خلا منه صح الواجب الأصلی و إن نذر وضوءاً مطلقاً لم یحنث و وجب علیه أداءه إلا إذا تضیق بوقت أو بظن الموت فإن أذاه متابعاً بَرَّ یمینه و إن لم یؤده کذلک وجب علیه التأدیة و لا فرق بین تعلق النذر بوضوء معین لفریضة أو بوضوء مطلق و یجری الحکم لجمیع هیئات الواجبات المندوبة بل و جمیع أجزاء الواجبات المندوبة فتأمل،

و هاهنا مباحث:

أحدها: یشترط فی صحة الوضوء (العقل)

و التمیز إجماعاً فلا یصح من المجنون کغیره من العبادات و یجوز وطء الحائض المجنونة و إن لم تغتسل لعدم إمکان صدوره منها و احتمال إیجاب تغسیلها علی الزوج بعید کاحتمال جواز أمرها به و تولی النیة عنها و یصح من الممیز و یجوز له الصلاة به بعد بلوغه لمشروعیة عباداته لصحة تعلق الخطاب به و صحة إیصال الثواب إلیه و لظهور الأمر بالأمر فی الأمر و لشمول خطاب الوضع له کمن توضأ من صلی و شمول خطاب الندب له و للسیرة القاضیة بمعاملتهم معاملة البالغین عند صدور الطاهرة منهم من مس کتاب أو اجتیاز مسجد أو لبث فیه أو غیر ذلک و یشترط الإسلام و الایمان فلا یصح من الکافر بأنواعه و إن وجب علیه خلافاً لنادر و فی وجوبه علی المرتد الفطری مع عدم إمکان صحته منه کلام أو جهة عدم الوجوب علیه إن أرید به الطلب الحقیقی و وجوبه إن أرید به الصوری المترتب علی ترکه العقاب لأن ما بالاختیار لا ینافی الاختیار و لو طهرت الذمیة من حیضها لم یصح منها الوضوء و الغسل معاً و جاز وطؤُها للضرورة و یحتمل إلزامها بالغسل صورة و علیه جمع من أصحابنا و هو أحوط و لو ارتد الملی بعد الوضوء لم ینتقض وضوءه استصحاباً و عدم ثبوت کون الارتداد من النواقض و لو ارتد فی أثناء الوضوء فالأوجه الصحة ما لم تفت الموالاة أو لم یتمکن من المسح بالبلة لنجاستها و لم نقل بطهرها تبعاً

ص: 171

و لا یصح من المخالف سواء أنکر الأئمة (علیهم السلام) أو بعضهم أو قدم غیرهم أو أنکر عصمتهم علی الأظهر سواء أنکر مع ذلک ضروریاً أم لا للإجماع علی بطلان عباداتهم و للأخبار الدالة علی اشتراط الإیمان إلا إذا استبصر فیصح منه سقوط القضاء و الإعادة لا لحصول الامتثال بما فعله علی سبیل الکشف عند إیمانه أو النقل عنده لمخالفته للقواعد فیقتصر علی الیقین من معنی الصحة و هو مسقط للقضاء و الظاهر شمول الصحة لما فعله موافقاً للرائین منا و منهم أو موافقاً لرأیهم لشمول إطلاق فتوی المشهور و الإجماع المنقول و الأخبار الحاکمة بعدم الإعادة علیهم فی شی ء عدا الزکاة من دون تفصیل لما کان موافقاً لمذهبهم وافق مذهبنا أم لا و یحتمل فیما وافق مذهبنا فقط الصحة لشبهة الأولویة من المخالف له و البطلان لعدم تحقق الأولویة و انصراف الأدلة الا الموافق لهم و أما ما لم یوافق الرائین فالأقوی لزوم الإعادة و عدم الصحة.

ثانیها: یشترط فی صحة الوضوء أخذه عن اجتهاد أو تقلید أو احتیاط معلوم جوازه عند علماء عصره

للإجماع المنقول علی ذلک و فتوی المشهور و ظهور الأخبار الکثیرة به و للأصل و الاحتیاط سواء وافق فعله الواقع أم لا و الظاهر تخصیص ذلک بما إذا لم یکن فی ضیق أو کان غیر متمکن من الرجوع للمجتهد أو کان فی أثناء عمل لا یمکنه بطلانه أو مطلقاً أو کان مأخذه عمن یتعسر علیه الرجوع إلی غیره کرجوع النساء إلی الرجال و الإماء إلی الموالی و الأبناء إلی الآباء أو کان مأخذه عن طریق إخطاء فیه لعذر کما إذا اعتقد عدالة شخص فتبین خلافها أو إلی مجتهد فتبین عدم اجتهاده أو عدالته فإن ذلک کله إذا وافق فتوی المجتهد و کان صدور الفعل منه من دون تزلزل فی نیة القربة یقوی فیه القول بالصحة للسیرة القاطعة فی بعض و للزوم العسر و الحرج فی آخر و لما یظهر من سؤالات الأئمة (علیهم السلام) و تقریرهم فی ثالث نعم تجب علیه إعادة ما فعلة بالحدس و التخمینی و الظن لأنه مورد ما دلت علی الإعادة فتأمل.

ثالثها: لا یصح الوضوء بماء مغصوب مع العلم بغصبه

للاحتیاط الواجب بعد شغل الذمة الیقین و لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و لاستلزام الوضوء التصرف بمال الغیر المنهی عنه فلا یصح به التقرب و للشک فی شمول الأوامر لمثل هذا بل لظهور

ص: 172

تخصیص الأوامر المطلقة بهذا المنهی عنه لعدم جواز اجتماع الأمر و النهی فی شی ء واحد شخصی و ما علم إذن المالک به أو ظن من القرائن اللفظیة أو المعنویة أو الفعلیة فلیس من المغصوب و الظاهر أن التقدیریة و هی أنه لو علم لرضی کالإذن التحقیقیة الفعلیة و ما یشق التحرز عنه مما کان فی طرق المسلمین من الأنهار و القنوات و العیون فلا بأس باستعمالها للمستطرقین مع عدم نفی المالک للسیرة المستمرة من المسلمین علی ذلک بل و مع نفیه للإذن السماویة و نفی الضرار علی الأظهر و الاحتیاط غیر خفی و جاهل غیر ممنوع الغصب یصح وضوءه لعدم توجه النهی إلیه و کذا ناسیه إذا لم یکن النسیان عن عدم اعتناء و احتفال بالمغصوب کما یفعله الغصاب کثیراً فإن هذا النسیان بحکم العمد فیشک فی شمول الخطاب له و بعضهم أطلق عدم الصحة حتی مع الجهل و النسیان و بعضهم فرق بینهما و الحق ما ذکرناه و الجهل بالحکم إن تعلق بکون الغصب حراماً متخیلًا حلیة مال الغیر فالأظهر الصحة لعدم توجه النهی إلیه لأنه أعذر من جاهل الموضوع إذا لم یخطر له السؤال ببال و إن خطر له السؤال بالبال أو کان جاهلًا بحکم الإفساد زاعماً أن الحرام یتقرب به فالأظهر البطلان و لو وضع الماء المغصوب فتقاطر فغسل بالباقی غسلًا کالدهن أو مسح به احتمل القول بالصحة لتنزیله منزلة التالف فیضمن المثل و القیمة و یصح التصرف و احتمل البطلان لان الضمان لا یسوغ التصرف بمال الغیر و کذا عدم التمکن من الرد لعدم القابلیة لذلک أو للحجب لا یسوغ التصرف فالاحتیاط یقضی بعدم الجواز بل ربما یقال بوجوب الرد و لو مع عدم الإمکان لان ما بالاختیار لا ینافیه و لکن البناء علیه مشکل و الأظهر أن المیاه الجاریة إنما تحل للمارین بها دون الساکنین حولها و دون الغاصبین لها اقتصاراً فیما خالف الأصل علی مورد الیقین و الأظهر وجوب تجنب ما نهی المالک عنه من الأنهار الصغار الجاریة فی الطرق و إن حلّ استعمالها مع الجهل بخلاف الکبار فإن الأظهر جواز الاستعمال و لو مع النهی و بخلاف المیاه القلیلة الموضوعة فی الطریق أو فی الأراضی المملوکة فإنها لا تحل إلا بإذن المالک و لا یشترط إباحة الآنیة فیصح أخذ الماء من آنیة مغصوبة أو ذهب أو فضة و الوضوء بها إلا إذا انحصر الماء فیها فلا یبعد الفساد لانتقال الحکم إلی

ص: 173

التیمم فیقع وضوءه من غیر خطاب و کذا لا یشترط إباحة موقع الماء لعدم توجه النهی إلی الوضوء فیصح إلا إذا انحصر الموقع فی المغصوب فلا یبعد حینئذ الانتقال إلی خطاب التیمم و الأحوط ترک العبادة لشبهة توجه النهی إلیها لصدق الانتفاع بمال الغیر بوضوئه فیکون منهیاً عنه مطلقاً.

رابعها: لا یصح الوضوء فی مکان مغصوب فضاؤه

لأن إجراء الماء فی الغسل و إمرار الید فی المسح تصرف فی مال الغیر فیتعلق به النهی و لان التصرف بمال الغیر هو الانتفاع به بنوم أو جلوس أو غسل أو وضوء غسلًا أو مسحاً و احتمل جمع الصحة لعدم تعلق النهی بالوضوء لعدم تسمیته تصرفاً بمال الغیر بل التصرف هو بالجلوس و شبهه أو لعدم بطلان الوضوء بتعلق النهی لإمکان اجتماع الأمر و النهی و کلاهما ضعیف مخالف للقواعد الشرعیة و لو وجب الخروج علی الغاصب فالأقوی عدم جواز الوضوء له بخروجه لاستلزامه تصرفاً آخر خارجاً عن الخروج و أما المکان المغصوبة أرضه دون فضائه و مثله النعل و الخف و البساط عند الجلوس فالأقوی صحة الوضوء علیهما لعدم صدق التصرف بالوضوء فیها و لو کان مع الاعتماد عند المسح علیها و المحبوس فی المکان المغصوب یقوی القول بصحة وضوئه لإباحة الکون له و عدم حصول ما یزید علیه عند الوضوء لأن جمیع أعضائه لا بد لها من کون یشملها فلا فرق بین رفعها و وضعها و بین إبقائها و الأقوی عدم الصحة لاستلزام الوضوء تصرفاً زائد علی نفس الکون و انتفاعاً آخر فیتعلق به النهی و علی الصحة فالأحوط التأخیر إلی الضیق و لو حبسه المالک فی بیته فالأظهر جواز الوضوء و الصلاة لإسقاط حرمة حاله بوضع المسلم فیه من غیر حق و لو لم یجد المحبوس فی المکان المغصوب سوی الماء المغصوب وجب ترکه و هل یجوز التیمم بالتراب المباح أو بالتراب المغصوب فی الأرض علی وجه لا یستلزم تصرفاً زائداً علی مجرد المماسة من علوق و شبهه أم لا و الأظهر عدم جواز التیمم و صیرورته کفاقد الطهورین لما ذکرناه من استلزام التیمم و الوضوء تصرفاً زائداً.

خامسها: لا یصح الوضوء بالمضاف

للإجماع المنقول و فتوی الأصحاب و قوله تعالی: (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَیَمَّمُوا*) لظهور لفظ الماء فی الماء المطلق و لظواهر الأوامر

ص: 174

بالغسل الظاهرة فی الماء المطلق و للأخبار الدالة علی أن الوضوء بالماء و هو ظاهر فی المطلق و للاحتیاط و لأنه المعهود و للتأسی و لقوله (لا یقبل الصلاة إلا به) و لم یتوضأ إلا بالمطلق و الظاهر أن الإجماع علی ذلک محصلة لا یحتاج إلی الاستدلال فما ذهب إلیه الصدوق و العمانی من جواز الوضوء بماء الورد لما ورد من جواز الوضوء بماء الورد و هو مع ضعفه سنداً و دلالة کونه الورد بکسر الواو و احتمال کونه طرح فیه ورد إلا أنه مقتصر و احتمال إرادة التنظیف من لفظ الوضوء لا یقاوم ما ذکرنا بل لا بد من طرحه و نسب لابن أبی عقیل جواز ذلک للضرورة حملًا للروایة علی حالة الاضطرار و لقربه من الماء عند عدم التمکن منه و هما ضعیفان و شرطه وجودی لا علمی یقید المتوضئ به مطلقاً جاهلًا و عالماً و لو تعسر ماء الوضوء من المطلق و أمکن تحصیله بمزج المضاف معه فهل یجب لأنه مقدمة للواجب المطلق فیجب تحصیله و للشک فی مشروعیة التیمم و الحال تلک و لان الظاهر من قوله تعالی: (فَلَمْ تَجِدُوا*) أی لم تتمکنوا أو لا یجب فیسوغ له التیمم لان الوضوء واجب مطلق للواجد دون الفاقد و مشروط بالنسبة إلی الفاقد و لأن الموجب تحصیل الماء الموجود لإیجاد الماء المعدوم و لأصالة البراءة وجهان أحوطهما الأول و أقواهما الثانی.

سادسها: لا یصح الوضوء بماء نجس

إجماعاً و الفتاوی و النصوص مستفیضة بمنعه بل بمنع المشتبه به و الحرمة التشریعیة لا شک فیها و الظاهر ثبوت الحرمة الأصلیة له لظاهر النواهی و اشتراط طهارة الماء شرط وجودی موجب للإعادة فی الوقت و خارجه عمداً أو سهواً أو جهلًا بالحکم أو الموضوع أخذاً بالاحتیاط فی مقام الشک و بشرطیة ما شک فی شرطیته و بظاهر اتفاق الأصحاب إلا من شذ و ندر و لاقتضاء النهی فساد المنهی عنه لظهور بیان المانعیة فیه فلا یتفاوت بین العالم و الجاهل و قیل بعدم إعادة الجاهل بعد خروج الوقت لأن امتثال الأمر یقضی بالاجزاء و لأن القضاء یحتاج إلی دلیل و لأن النجاسة هی ما علمت نجاستها دون ما کانت متصفة بذلک بالواقع لقوله (علیه السلام) (کل شی ء لک طاهر حتی تعلم أنه قذر) فإذا علمت فقد قذر و لان الناسی فی سعة ما لم یعلموا فالجاهل معذور لجهله و لأن النواهی منصرفة للعالم دون الجاهل لقبح تعلق

ص: 175

التکلیف به و فی الجمیع بعد ما سمعت من ظهور الفتاوی و النصوص بالشرطیة الواقعة حتی النواهی منها لظهورها فی المانعیة نظر ظاهر لا یخفی علی المتأمل.

سابعها یجب إزالة المانع عن موضع الغسل و المسح ماسحاً أو ممسوحاً فتوی و روایة و من کانت علی أعضائه جبائر من ألواح أو خرق أو أدویة من لطوخ و شبهه لکسر أو جرح أو قرح أو شبهها وجب نزعها إن أمکن بلا مشقة من ضرر أو ألم أو عسر و غسلها فی الماء أو تکویر الماء علیها بحیث یحصل لها الغسل و الجریان و یجب ذلک مخبراً فیه لحصول الغسل فیه إذا لم یحصل فی التکریر مع الشد غسل و جریان بل حصل مجرد الإصابة وجب مرتباً بعدم إمکان النزع لعموم لا یسقط و ما لا یدرک و للموثق فی ذی الجبیرة فلیضع إناء فیه ماء و یضع موضع الجبیرة فی الإناء حتی یصل إلی جلده و قد أجزأه ذلک من غیر أن یخله و الظاهر مساواة للغسل فی وجوب الوضع لتحصیل مماسة الماء مهما أمکن و لظاهر هذا الموثق و یحتمل قویاً أن مع عدم إمکان النزع ینتقل فی المسح إلی المسح علیها و لا یجب علیه وضعها فی الماء لأن المتیقن من ذلک وروده فی الغسل دون المسح و الأحوط الجمع بینهما و الأحوط منه التیمم بعد ذلک و إن لم یمکنه نزع الجبیرة أو غسل المحل معها و لإیصال الماء فأما أن یمکنه نزعها و مسح المحل أولا فإن أمکنه نزعها و مسح المحل وجب علی الظاهر للاحتیاط و عموم ما لا یدرک و لأنه توصل للماء مهما أمکن و لو دار الأمر بین نزعها و مسح المحل و بین إبقائها و إیصال الماء إلیها من دون غسل تخیر علی الظاهر مع احتمال تقدیم الثانی کما یظهر من الفتوی و الراویة و الأحوط الجمع بین المسح علی المحل و المسح علی الجبیرة لشبهة الأخذ بإطلاقات الأدلة الدالة علی المسح علیها مطلقاً بعد عدم التمکن من نزعها و غسلها و عدم التمکن من إیصال الماء إلیها و لو لم یمکنه مسح المحل مسح علیها للإجماع المنقول و فتوی المشهور و لقوله (علیه السلام) فیمن به الجروح و القروح و یعصبها بالخرقة (فقال ان کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة) و للآخر فیمن جعل علی إصبعه مرارة أمسح علیه للآخر إن کان یتخوف علی نفسه فلیمسح علی جبائره و للآخر فی الدواء علی ید الرجل قال یجزیه إن یمسح علیه و لا یعارضها ما ورد من الروایات المتکثرة الآمرة بالتیمم لمن کان به القروح و الجروح و الجدری و الناهیة عن الغسل لرجحان تلک

ص: 176

علیها بفتوی المشهور و الاحتیاط و لورود هذه فی الغسل و ورود تلک فی الوضوء أو فیما هو أعم منه و من الغسل فالواجب تخصیص تلک بهذه أو حمل هذه علی حصول الضرر بغسل ما حول الجروح و القروح من البدن أو ینکشف البدن للغسل و نزع الثیاب عنه من جهة برد و شبهه أو الضرر بالمسح علیها نفسها لأنها مکشوفة و تضرها الرطوبة أو حملها علی صورة کثرة الجروح و القروح فی البدن بحیث لا یتمکن من غسل شی ء من بدنه کما یشعر به خبر المجدور و لا یتمکن من وضع جبیرة علیه لاستلزامه استیعاب جمیع البدن أو علی نجاسة بدنه بحیث لا یتمکن من إیصال الماء و لا یتمکن من تجبیره کله فإن الظاهر فی أکثر ما ذکرناه لزوم التیمم و إن کان فی جملة منها الأحوط الجمع بین الغسل و التیمم و کذا لا یعارضها ما دل علی الأمر بغسل ما ظهر مما علیه الجبائر و ترک ما سوی ذلک و بغسل ما حول الجرح فی الروایات المعتبرة بجواز الأخذ بکل منهما لعدم التنافی بین غسل ما حول الجرح و بین المسح علیه و عدم التنافی بین ترک ما سوی ذلک بالنسبة إلی الغسل و بین عدمه بالنسبة إلی المسح إلیه و لجواز حمل الأمر بغسل ما حوله فیما ورد فی الجروح علی صورة ما إذا کان الجرح مکشوفاً غیر معصب و لو سلم حصول التعارض فالترجیح للأخبار الموجبة للمسح لقوتها علی الأخبار الموجبة لغسل ما حولها و التعارض فرع المکافئات و الجمع بحمل ما دل علی المسح علی الندب و ما دل علی غسل ما حولها علی الوجوب کالجمع بالتخییر ضعیف لتأدیته إلی طرح أخبار المسح الظاهرة من الوجوب المعتبرة بدلیل النقل و الاحتیاط و من لم تکن علی أعضائه جبائر بل کانت مکشوفة فالأقوی لزوم المسح علیها عند عدم إمکان غسلها لعموم لا یسقط و للاحتیاط فإن لم یمکن المسح علیها إلا بوضع خرقة علیها وضعها و مسح علیها للاحتیاط و للقرب من الحقیقة مهما أمکن و یجعل الشارع لها حکم البدلیة و لو کانت البشرة بخسة فهل یقدم المسح علیه للقرب من الحقیقة أم یوضع علیها خرق فیمسح علیها لفوات شرط المسح علی البشرة من طهارة المحل فیفوت المشروط فلا یکون أقر ب من وضع الخرقة و المسح علیها لصیرورتها بدلًا عند عدم الإمکان فی الجملة و الأحوط الجمع بین المسحین و أحوط منه

ص: 177

ختم التیمم إلیهما و لو کانت نفس الجبیرة نجسة فالأقرب وجوب وضع خرقة طاهرة علیها و المسح علیها لانتقال حکم البشرة إلیها و لا یجوز المسح علی النجس علی الأظهر طلباً للاحتیاط و خروجاً عن شبهة الخلاف و تدایناً للأقرب إلی الحقیقة و یجب استیعاب الجبیرة بالمسح لصیرورتها بدلًا عن البشرة فی الغسل و للاحتیاط نعم لا یجب استیعاب الثقوب و التجسس عما یکون بین الخیوط و الطرائق و یکفی المسح بالبلة و لو کالدهن فلا یکفی الإمرار مع الجفاف لعدم تبادره من النص و الفتوی و الاحتیاط و لا یجب الإجراء کما تخیله بعض الأعلام لقربه إلی الغسل مهما أمکن لمنافاته إطلاقات المسح فی النص و الفتوی و الأحوط عدم نیة الغسل مطلقاً کما أن الأحوط لزوم تخفیف الجبائر مهما أمکن للاحتیاط فی القرب إلی البشرة مهما أمکن و العضو المریض إذا تضرر بالغسل کالرمد و شبهه وجب الانتقال للتیمم و کذا الخائف من برد و شبهه و کذا لو کان الجرح فی غیر مواضع الطهارة و لکن تتضرر منه أعضاء الطهارة و لو زادت الجبیرة عن محل الجرح و الکسر علی النحو المعتاد فإن أمکن غسل الزائد من دون مشقة وجب و إلا مسح علی الزائد و الأحوط الجمع بینه و بین التیمم و لو وضعت الجبیرة مع عدم الحاجة إلیها و لکنه شق رفعها بعد ذلک جری علیها الحکم و الأحوط الجمع بین المسح و التیمم و لو التصق بمجال الوضوء ما لا یمکن رفعه من قیر و شبهه جری علیه الحکم و الأحوط ضم التیمم سیما لو کان الموضوع بالاختیار و أحوط من ذلک إعادة الصلاة بعد ذلک فی الصورة الأخیرة و لو کانت علی العضو نجاسة لا یمکن رفعها کان الأحوط الجمع بین وضع جبیرة و المسح علیها و بین التیمم و من أمکنه رفع الجبیرة و المسح لزم علیه أن یجعل ما یمکن رفعه أو ما یمکن إیصال الماء إلیه فإن وضع باختیاره ما لا یمکن فلأحوط الجمع بین المسح و التیمم و إعادة الصلاة بعد ذلک أحوط و لو کانت الجبیرة فی مواضع الماسح مسح بها بقوله (علیه السلام) یعرف هذا و أشباهه من کتاب الله تعالی (مٰا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ) و لو کانت فی مواضع التیمم تیمم علیها ماسحاً و ممسوحاً و من لم یمکنه المسح علی الجبیرة خوفاً من الألم أو غیر ذلک أحتمل الاکتفاء بغسل ما حولها للصحیح الوارد بذلک و یحمله علی ذلک و احتمال وجوب التیمم و الجمع أحوط و قد تبنی کثیر من الفروع علی أن الأصل فی غیر ما انعقد علی وجوب المسح

ص: 178

علیه الاجماع و صرحت به الأخبار و هل هو التیمم لأنه الأصل فی فقدان الطهارة الاختیاریة أو هو الوضوء و لوجوب التوصل إلی الغسل و المسح مهما أمکن کوضوء التقیة و إلا قطع و شبههما و الأقوی الأول لقوة دلیله و إن کان فی الثانی قوة و لذلک کان الجمع أحوط و لما کان مورد الإجماع المنقول و فتوی المشهور و هو وجوب المسح علی الجبائر إذا وضعت مع الحاجة و کانت طاهرة و لم یمکن إیصالها للماء و لا إیصال الماء إلیها لزم القول به و خیال التخییر بین المسح علیها و غسل ما حولها مع ضعفه لقلة القائل به و استلزامه التخییر بین وجود الشی ء و عدمه لا داعی إلیه لعدم التعاوض کما بیناه و بقی ما لم یکن مورد للإجماع و الأخبار الصریحة من الکسر و جرح مکشوفین لم یمکن غسلهما و لا مسحهما فإن من الأدلة ما یقضی بإجرائهما مجری المستور و من الأدلة ما یقضی بکفایة غسل ما حولهما و من الأدلة ما یقضی فیه بایجاب التیمم و هی و إن وردت فی الغسل و لکن لا فارق بین الطهارتین ممن یعقد به فیشکل فیها الأمر و الجمع بالتخییر أو تعیین التیمم لا قائل به ممن یعتد به فی مقابلة المشهور و الأخذ بأخبار غسل ما حوله قویة لو لا أنها غیر معارضة صریحاً لما دل علی المسح علی الجبائر فیمکن الجمع بینهما لتوقف یقین البراءة علیه و لفتوی أجل الأصحاب به و لجعل الشارع الجبیرة بدلًا فی الجملة عن البشرة و لقربها إلی غسل المحل فی الجملة فیغسل ما حوله و یمسح علیه فکان الأقوی المسح علیها و الأحوط الجمع بینه و بین التیمم و مثل الکسر و الجرح المکشوفین الجبیرة النجسة و ما لم یمکن إمرار الید علیه و غیر ذلک مما ذکرناه فإن الأحوط الجمع بینه و بین التیمم و بالجملة فالصور فی المقام تنتهی إلی ستین مصورة و فی أکثرها الاحتیاط و ذلک لأن ما فی المحل إما أن یکون کسراً أو غیره و علی کل حال فإما أن یکون مشدوداً أو مکشوفاً و علی کل حال فإما أن یستوعب العضو أم لا و علی کل حال فإما فی مکان الغسل أو المسح و علی الأخیر فإما أن تکون علی الماسح أو الممسوح و المشدود إما أن یمکن نزعه أو لا و الثانی إما أن یمکن إیصال الماء إلیه أم لا و الشد إما أن یکون طاهراً أم لا و الثانی إما أن یمکن تطهیره أو وضع طاهر

ص: 179

علیه أم لا و المکشوف إما أن یمکن مسحه أم لا و الأول إما أن یکون طاهراً أو لا و الثانی إما أن یمکن وضع شی ء علیه أم لا إلی غیر ذلک من الصور للمتأمل.

ثامنها: یقوی القول بعدم اشتراط طهارة محال الوضوء قبل غسلها

فیجوز أن یرفع الغسل الواحد الخبث و الحدث معاً ما لم یتنجس الماء کما إذا کان قلیلًا بل یجوز أن یرفع الغسل بالماء الحدث و إن بقی الخبث کما إذا غسل العضو فی کر و کان نجساً ببول و قلنا باحتیاج البول للمرتین حتی فی الکر و نوی رفع الحدث بغسله الأول فإنه لا یبعد القول بصحة الوضوء ما لم یستلزم المسح بماء نجس و لکن الأحوط طهارة المحل و عدم الاجتزاء بغسل واحد للحدث و الخبث و یشتد للاحتیاط فی الصورة الأخیرة لاستبعاد ارتفاع الحدث و بقاء ما هو أغلظ منه علی نفس العضو حال غسله و الشک فی المعتبر فالاحتیاط فیه لازم.

تاسعها: من کان مستدیم الحدث [وجبت علیه الصلاة قطعاً]

من بول أو غائط أو ریح أو نوم أو استحاضة قلیلة و مثله مستدیم الحدث الأکبر علی الظاهر و کان حدثه متصلًا لیس له فترة تسع طهارته و صلاته و لا طهارته فقط و لا صلاته فقط وجبت علیه الصلاة قطعاً أو لا یکون کفاقد الطهورین و لا ینتقل إلی التیمم قطعاً بل یجب علیه الوضوء فی الجملة و وضع خریطة لحفظ ثیابه و صون بدنه و ثیابه عن انتشار النجاسة لان تقلیل الخبث مهما أمکن أولی لعموم ما لا یدرک و للاحتیاط و للأخبار الآمرة بوضع الخریطة المعتبرة نقلًا و المنجبرة بفتوی الأصحاب دلالة و لکنه هل یجب علیه وضوء واحد و لو صلی به جمیع الصلوات و مرت علیه جملة من الأوقات استناداً للمعلومات الآمرة بالوضوء للصلاة و قد حصل من دون أن یحصل ما بنقضه من حدث آخر أو من انقطاع هذا و حدوثه فالاستصحاب یقضی ببقاء أثره و إلی موثقة سماعة فیضع خریطة و لیتوضأ فلیصل فإنما ذلک ابتلی به فلا یعیدنّ إلا من الحدث الذی یتوضأ منه و ظاهره أن المراد بالحدث هو غیر المستدیم أو ما کان جاریاً علی نحو العادة بعد الانقطاع أو یجب علیه لکل صلاة وضوءاً اقتصاراً فیما خالف الأصل من جواز اجتماع الوضوء مع الحدث علی مورد الیقین و اقتصاراً علی جادة الاحتیاط بعد شغل الذمة الیقینی وفاقاً لفتوی الأکثر و أخذاً بعموم الأمر بالوضوء لکل صلاة خرج المتطهر و یبقی الباقی و لقوله و لا

ص: 180

یعیدن إلا من الحدث الذی یتوضأ منه فإنه شامل لجمیع الحدث خرج المتقاطر فی الأثناء و یبقی الباقی لو أنه یجب علیه الوضوء لصلاتی الظهر و العصر معاً یعجل أحدهما و یؤخر الأخری و کذا المغرب و العشاء و تختص صلاة الصبح بواحد علی حدة کباقی الصلاة الآخر من نوافل و قضاء و آیات استناداً فی الأول إلی صحیحة حریز الآمرة بوضع الکیس فیه القطن و وضع الذکر فیه و الجمع بین صلاتی الظهر و العصر یؤخر هذه و یعجل الأخری و کذا المغرب و العشاء کل منهما بأذان و إقامتین و کذلک یفعل فی الصبح فإن الأمر بالجمع و التعجیل ظاهر فی کفایة وضوء واحد لهما و فی الثانی إلی الاحتیاط و إلی أن بقاء الحدث مناف للوضوء فیفعل ما هو المتیقن لفراغ الذمة و لعموم الأمر بالوضوء لکل صلاة خرج المتطهر بالإجماع فیبقی الباقی و الأقوی فی النظر هو الأول لعموم أدلة نفی العسر و الحرج و لإطلاق کثیر من الروایات بالأمر بالوضوء و لظهور إلغاء هذا الحدث من الشارع فی خصوص المقام و لکن الأحوط ما علیه الأکثر و علیه فتجب المبادرة العرفیة لا الحکمیة و یفتقر الأذان و الإقامة و المستحبات و مستدیم الحدث لو حصلت له فترة معلومة أو مظنونة ظناً قویاً وجب علیه انتظارها إذا کانت تسع الصلاة و الطهارة مع احتمال عدم الوجوب لتعلق الخطاب بالمکلف فی کل جزء من اجزاء الزمان فیصح منه الامتثال بإیقاع الاختیاری أو بدله و إن لم یعلم أو یظن فالأظهر عدم وجوب الانتظار علیه للأصل و الاستصحاب و لما قدمنا و إن لم تکن له فترة تسعها فإن وسعت الصلاة أخّرَ الصلاة إلیها لتخفیف النجاسة فیها و قدم الوضوء مصاحباً للحدث لأن تأثیره مع ارتفاعه أولی و إن وسعت الوضوء جعلها فی الصلاة أیضاً و لو فی بعض منها و قدم الوضوء مقارناً للحدث و کذا إن وسعت بعض الصلاة و الوضوء کما إذا انقطع الحدث فی أثناء الصلاة فإنه فی جمیع هذه الصور یستمر علی عمله إلا فی صورة ما إذا قارن وضوءه الحدث و حصلت له فترة بعده طویلة بحیث تسع طهاراته و صلاته أو حصل بها البرء و کان ذلک معلوماً لدیه فإنه یعید ما فعل إذا کان معلوماً و لو لم یکن ذلک معلوماً حتی صلی فالأظهر الصحة و الأحوط الإعادة و لو حصلت الفترة مقارنة للوضوء ففاجأه بعدها الحدث أعاد الوضوء علی الأظهر و لو

ص: 181

فاجئه فی أثناء صلاته فالأظهر أنه یتطهر فی أثنائها و یبنی علی ما تقدم سواء عرف ما فجاءه الحدث بأن له فترة تسع الطهارة و الصلاة أم لا ملازماً علی تحصیل الشرائط مهما أمکن من استقبال و ستر و عدم فعل کثیر و کلام و غیره و لو لم یمکنه ذلک فعل ما أمکنه سوی الکلام و شبهه مما کان خارجاً عن لزوم التطهیر فإنه مبطل علی کل حال و الدلیل علی ذلک فتوی الأکثر من الأخیار و جملة من الأخبار و الواردة فی المبطون و لا فرق بینهما لاتحاد حدثهما ففی خبر بن مسلم صاحب البطن الغالب یتوضأ و یبنی علی صلاته و الظاهر أنه لا یضر وجود علی بن أحمد البرقی و أبوه فی السند لأن وجودهما لاتصال السلسلة و إلا فالکافی ناقل عن الأصل نفسه و هو من مشایخ الإجازة و دلالتها ظاهرة فی إرادة الوضوء فی أثناء الصلاة لا الوضوء و البناء قبلها و فی الموثقة بابن بکیر الذی أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه صاحب البطن الغالب یتوضأ ثمّ یرجع فی صلاته و یتم ما بقی و فی الصحیح فیمن یجد غمزاً أو أذی أو ضرراً أو ضرباناً فی صلاته أنه ینصرف و یتوضأ و یبنی علی ما مضی من صلاته ما لم ینقض الصلاة بالکلام متعمداً فإنها شاملة للمبطون و غیره خرج غیره بالإجماع و بقی هو داخلًا فی الحکم و نحوها خبر القماط الدال علی من أصابه أذی من البول فی الرکعة الأولی أو الثانیة أو الثالثة أنه ینصرف لقضائه و یبنی علی ما مضی من صلاته من الموضع الذی خرج منه و العلامة (رحمه الله) و جماعة لم یوجبوا الوضوء و البناء لأن ما یفاجئه لو کان ناقضاً للطهارة لکان مبطلًا للصلاة و للأصل و للاحتیاط عن الفعل الکثیر من الوضوء و لوازمه و لأنه ربما یفتقر إلی تکریره فیخل بهیئة المصلی و لضعف دلالة الأخبار المتقدمة لاحتمال:

الأول: الوضوء قبل الصلاة.

و الثانی: الوضوء لما بقی من صلاة أخری.

و الثالث: الوضوء لتلک الصلاة و إرادة أنه یجده ذلک فی صلاته أی عند التهیؤ لها و العزم علیها و إرادة الماضیة من الصلاة المأمور بالبناء علیها و ضعف الأخیر سندا نعم فی صورة ما إذا فاجئه الحدث و کانت له فترة تسع الطهارة و الصلاة فإنه هناک أوجب الاستئناف و الإعادة من رأس کما نقل عن المختلف لعموم الدلیل و للاحتیاط و ما قاله

ص: 182

هو الأقرب فی المقامین و الأوفق بعمومات الأدلة و الاحتیاط و الأول و هو البناء علی ما مضی مطلقاً بمجرد تسمیته مبطوناً أو مسلوساً قوی أیضاً سیما فی المبطون لأنه مورد الروایات و جملة من کلام الأصحاب.

عاشرها: لو تیقن الطهارة و شک فی الحدث أو العکس

بنی علی المتیقن و لا ینقض الیقین بالشک للإجماع و الأخبار الدالة علی ذلک و الناهیة عن الوضوء للمتوضئ قبل یقین الحدث الظاهرة فی التحریم مطلقاً و لکنها مخصصة بالوضوء التجدیدی لمشروعیته بعد یقین الطهارة أو خاصة بالوضوء المنوی به رفع الحدث بعد یقین ارتفاعه کما یفهم منها أو فی المنوی به الوجوب دون الندب و فی تجدید الوضوء احتیاطاً لاحتمال وقوع الحدث إشکال و الأحوط ترکه نعم تجدیده لاحتمال وقوع خلل فیه لا بأس به لعوده إلی عدم الیقین بالوضوء السابق و لکنه أیضاً مع الانصراف أو الدخول فی عمل آخر لا یبعد أن الاحتیاط یتجنبه و یراد هاهنا بعدم نقض الیقین بالشک ما یعم الظن إجماعاً لعدم ابتداء المسألة علی مجرد حجیة الاستصحاب فقط کی یناقش فی حجیته مع طروّ الظن بخلافة أو مع عدم حصول الظن معه بل علی الأظهر من الأخبار لإشمالها علی عدم جواز نقض الیقین إلا بیقین آخر فیحمل علی ذلک لفظ الشک لاستعماله فیما یشمل الظن کثیراً و کذا علی الظاهر من استقراء الأخبار و کلام الأصحاب فی مقامات متعددة دالة علی أن حکم الظن حکم الشک فلا شک بعد ذلک فی المقام و المراد بعدم انتقاض الیقین بالشک هو عدم نقض الیقین المتعلق بالشی ء سابقاً بالشک الحاصل فی زواله لاحقاً فمورد الیقین و الشک مختلف و إن وقعا فی زمن واحد و لا بأس بذلک فما استشکله بعضهم فی اجتماع الیقین و الشک مع تضادهما فهو من الإشکال فی غیر محله.

حادی عشرها: لو تیقن الطهارة و الحدث و شک فی السابق و لم یعلم التاریخ فی أحدهما

أعاد الطهارة لتعارض الأصلین و تساقطهما فیبقی وجوب الاحتیاط فی فراغ الذمة سلیما عن المعارض و لفتوی مشهور الأصحاب و للرضوی المنجبر بفتواهم الدال علی وجوب الإعادة و النهی عن إحداث وضوء لمن تیقن أنه توضأ ظاهر فی غیر هذه

ص: 183

الصورة لحصول الیقین فی الحدث فیها فی الجملة فلا تدخل تحت الخبر فلا یصلح أن یکون رداً من أوجب الوضوء کما لا یصلح أن یکون ورود عمومات الوضوء فی المحدثین رداً علیه من جهة عدم تیقن حدثه لأن هذا متیقن الحدث فتشمله العمومات و یقین الطهارة لا یرفعه و إن علم تاریخ أحدهما أخذ بالمجهول لأصالة تأخره فی نفسه إلی حالة العلم من غیر معارض سوی إطلاقات الخبر و کلام الأصحاب و هما ظاهران فی مجهولی التاریخ و ذهب العلامة (رحمه الله) إلی انه علم حاله السابق أخذ بمثله و المحقق إلی إنه إن عمله أخذ بضده السابق و إن جهل تطهر علی کلا القولین استناداً فی الأول إلی انه علم السابق بلا فصل فهو عالم بأنه علی مثله و إن علمه بفصل أو احتمال فصل فإن کان الطهارة فقد علم بانتقاضها و ارتفاع ناقضها و هو شاک فی انتقاض الرافع و إن کان الحدث فقد علم ارتفاعه و انتقاض و هو شاک فی ارتفاع الناقض و استناداً فی الثانی إلی أن المعلوم سابقاً إن کان الطهارة فقط علم بانتقاضها و شک فی ارتفاع الناقض و إن کان الحدث فقد علم ارتفاعه و شک فی انتقاض الرافع و کلاهما ضعیفان و ذلک لأنه علی الأول إن علم اتحاد طهارته و حدثه و إن الطهارة رافعة و الحدث ناقض و علم سبق طهارة قبلها فذلک فی المعلوم کونه علی الطهارة و کذا لو علم حدثاً قبلهما فإنه فی المعلوم أنه علی حدث و هو خارج عن محل البحث و إن لم یعلم ذلک فقد علم بالخروج عن الحالة السابقة إلی ضدها فلا معنی لاستصحابها و لجواز توالی الطهارتین فیکون الحدث بعدهما أو الحدثین فیکون الطهارة بعدهما و کذا علی الثانی لأنه إن علم توالی اللاحقین من جنس واحد و تقدم ما خالفهما فهو لا کلام فیه فی جواب الأخذ بالضد و یخرج عن محل النزاع و إن لم یعلم کان الانتقاض بالضد مسلم إلا أن ورود الضد أیضاً محقق و ارتفاعه غیر معلوم لجواز تأخره و دعوی أنه إن کان علی الطهارة فقد علم نقضها بالحدث و شک فی ارتفاعه لجواز تعاقب الطهارتین و إن کان علی الحدث فقد علم ارتفاعه بها و شک فی انتقاضها لجواز تعاقب الحدثین مدفوعه بأن المتیقن حینئذ ارتفاع السابق منهما و أما اللاحق المتیقن فلا، و جواز تعاقبه لمثله مکافئ لتأخره عن ضده و لا مرجح.

ص: 184

ثانی عشرها: لو شک فی شی ء من أفعال الوضوء غسلًا أو مسحاً أو نیة

وجب علیه الإعادة علی المشکوک به و الإتیان بما بعده لو وقع بعده ما بعده إن بقیت الموالاة بین المشکوک به و ما قبله و إن فاتت بطل الوضوء فالوضوء کله بمنزلة عمل واحد لا یبطل الشک فی أحدها الدخول فیما بعده للاحتیاط و أصالة عدم الإتیان بالمشکوک و للإجماع المنقول و لفتوی الفحول و للروایة المرویة بالطرق المعتبرة من الصحیح و النجس إذا کنت قاعداً علی وضوئک و لم تدر غسلت ذراعیک أم لا فأعد علیها و علی جمیع ما شککت فیه أنک لم تغسله أو تمسحه مما سمی الله ما دمت فی حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء و فرغت و قد صرت إلی حال أخری فی صلاة فشککت فی بعض مما یسمی الله فما أوجب الله تعالی علیک فیه وضوء فلا شی ء علیک و بما ذکرناه یخص عموم ما جاء فی الصحیح إذا خرجت من شی ء و دخلت فی غیره فشکک لیس بشی ء و فی الموثق کلما شککت فیه مما قد مضی فأمضه کما هو و فی روایة أبی بصیر کل شی ء شک فیه مما قد جاوزه و دخل فی غیره فلیمض علیه و فی الموثق إذا شککت فی شی ء من الوضوء و قد دخلت فی غیره فلیس شکک بشی ء مع احتمال هذا الأخیر أعاده الضمیر للوضوء فیدل بمفهومه علی ما قلناه و هل المراد بالحال الموجب للإعادة علی المشکوک هو حال التشاغل به فلو وجد نفسه فارغاً غیر متشاغل لا یلتفت و إن بقی فی محله لظاهر قوله (علیه السلام) قاعداً علی وضوئک و ینزل قوله (علیه السلام) فإذا قمت فی الوضوء و فرغت و قد صرت إلی حال أخری علی الغالب فیلغی مفهومه و لان الأخبار دلت علی عدم الإتیان بالمشکوک به عند الفراغ منه خرج المقطوع به و بقی الباقی و لحسنة بکیر، الرجل یشک بعد ما یتوضأ قال هو حین یتوضأ اذکر منه حین یشک و لفتوی مشهور الأصحاب بذلک أو یراد به حال البقاء فی موضع وضوئه ما لم ینتقل منه إلی مکان آخر و یتلبس بعمل آخر و الحق بهما الشهید الجلوس الطویل لقیامه مقام الانتقال تقدیراً أخذاً بمفهوم الروایة المتقدمة المعتضدة بالأخبار الدالة علی توقف إلغاء الشک علی الدخول فی الغیر الظاهر فی الدخول فی عمل آخر و للأصل و للاحتیاط و الکل ضعیف لعدم مقاومة المفهوم للادلة المتقدمة و اعتضاده بأخبار اشتراط الدخول

ص: 185

فی غیره ضعیف أیضاً لورود ذلک مورد الغالب أیضاً من أن الفارغ من عمل یدخل فی غیره أو یراد بالمغایرة المغایرة الحقیقیة و هی حاصلة بعد الفراغ لعدم انفکاک الإنسان عن عمل و لأن الأصل مقطوع و الاحتیاط مقلوب لأدائه إلی المسح بالماء الجدید غالباً و الظاهر أن المسح و لو علی الرجل الأخیرة بعد وجدان المتوضئ نفسه فارغاً غیر متشاغل لا یلتفت إلیه و الأحوط تدارکه لشبهة بقاء محله کما ذکره بعض الأصحاب کما أن الظاهر أن وجوب الإعادة إنما تتعلق بالشک بالأجزاء أو بالأوصاف الواجبة من ترتیب و شبهه أو برفع المانع المعلوم وجوده حین الوضوء و تخلیله أو بمانعیة شی ء کان موجوداً حال الوضوء فشک فی مانعیته و أما الشک المتعلق بوجود المانع أو بعروضه أو بعروض الحدث أو الریاء أو شبههما و یلحق بهما الشک بالجفاف أو عدمه للاستصحاب فی الجمیع نعم لو شک فی الجفاف و عدمه عند المسح تعارض استصحاب بقاء الرطوبة و أصالة عدم وصول الماء إلی الممسوح و الاحتیاط یقضی بالثانی و فی الأول قوة.

ثالث عشرها: البناء علی فعله و صحة عمله سیما فیما یحرم إبطاله و هل یبنی علی وقوعه واقعاً فیستبیح به کل عمل مشروط به أم لا وجهان

أقواهما الأول لظهور الأخبار فی تنزیل المشکوک به بعد الدخول فی غیره منزلة الواقع و أحوطهما الثانی اقتصاراً فی التنزیل علی تصحیح العمل المتلبس به أو المترتب علیه و کثیر الشک لا یلتفت إلی شکه إذا صدق علیه فی العرف ذلک لفتوی الأصحاب و لقوله (علیه السلام) (لا تعودوا الخبیث من أنفسکم فإن الشیطان خبیث معتاد لما عُوّد) فإنه عام من حیث التعلیل و إن کان وروده فی الصلاة و قوله فی الصحیح و أی عقل له و هو یطیع الشیطان الوارد فیمن أُبتلی فی وضوئه و صلاته و الظاهر أن الابتلاء لکثرة شکه و فیه أنه لو سئل عنه لم تفعل کذلک؟ یقول هو من الشیطان و للزوم العسر و الحرج لو لا إلغاء حکم کثرة الشک و لا یتفاوت الحال بین قدرته علی العلم من نصب علائم و شهود علی ما فعل و بین عدمه لعموم الدلیل.

رابع عشرها: حکم الظن کحکم الشک هاهنا

فکثرته إن تعلقت بالمفسدة لا تعتبر و إن تعلقت بالمصحح بنی علیه و غیر الکثیر منه إن تعلق بالوجود أو تعلق بالعدم و کان

ص: 186

فی الأجزاء و هو علی محله أتی به ما لم یعلم الإتیان به و إن فرغ من الوضوء لم یلتفت إلی الظن بالعدم کل ذلک لظاهر الفتاوی و لفهم إرادة ما یعم الظن من لفظ الشک فی الأخبار و الظاهر أن العود علی المشکوک فیه أو المظنون بوقوعه أو المظنون بعدمه جائز و إن احتمل البدعة و کان مستحباً کالغسلة الثانیة لاحتمال أنها ثالثة نعم لو تبین أنها الثالث ففی الاجتزاء بالمسح من بلها لحکم الشارع بها و عدمه لکونها لیست من أجزاء الوضوء واقعاً نظر و تأمل و الأحوط الأخیر.

خامس عشرها: الأصل فی الطهارة تقدیم الماء علی التراب مهما أمکن

لأنه المأمور به عند وجوده فالوضوء الاضطراری کوضوء من یلزم من وضوء الجفاف و وضوء من یلزم من وضوء استئناف ماء جدید للمسح و وضوء من یعجز عن مباشرة الوضوء بنفسه و وضوء من کانت علی عضوه جبائر أو ما لا یمکنه رفعه أو کان عضوه نجساً و وضوء الأقطع و وضوء التقیة من غسل مکان مسح أو مسح علی الخف و شبهه کله مقدم علی التیمم و إن کان الأحوط الجمع فی غیر ما نطقت به الروایات أو نعقد علیه الإجماع و الأظهر الاقتصار فی التقیة علی تقیة أهل الخلاف دون غیرهم فی صحة العمل و إن وجب الاتقاء فی غیرهم أیضاً و الاقتصار فیها علی العمل بمذهبهم دون ما کان به الخلاص من الخوف و إن لم یکن موافقاً لمذهبهم و الأحوط الاقتصار علی ما قرب لمذهبنا دون غیره و الاقتصار علی عدم المندوحة من التعامل بالخروج إلی غیر المحل و تأخیر الصلاة و شبهها فإن أمکنه ذلک کان الأحوط له ترک التقیة و ذهب جمع من أصحابنا إلی المنع من العمل مع وجود المندوحة اقتصاراً علی المورد الیقینی عند الضرورة و الظاهر بعده لما جاء من الأئمة (علیهم السلام) من الحث علی الاختلاط معهم و الصلاة خلفهم و تشییع جنائزهم و إعادة مرضاهم و الأذان خلفهم و کلها مطلقة بالنسبة إلی وجود المندوحة و عدمها نعم الاحتیاط تقصیاً عن شبهة الخلاف أولی و أما من لا یتقی منه من العامة و لا یخشی من ضرورة فی الحال و لا فی المال علی نفس أو مال أو قرابة أو أخ مؤمن أو صدیق فلا یجوز التقیة منه فلا یتقی من کان فی بلاد العجم الیوم و لم یکن له متعلق ببلادهم و لا تجب إعادة کل وضوء اضطراری لتقیة أو غیرها

ص: 187

فی الوقت أو خارجه ارتفعت الضرورة بعد الوضوء و الصلاة أو بعد الوضوء فقط و لو ارتفعت فی أثناء الوضوء فالأقرب صحة المقدم و الاحوط الإعادة.

سادس عشرها: لو توضأ وضوءین و صلی فریضة واحدة و ذکر الإخلال بأحدهما

صحت صلاته عندنا سواء کانا واجبین أو مندوبین أو مختلفین و سواء نوی بهما الرفع أو الاستباحة أو نوی فی أحدهما دون الآخر أو لم ینو مطلقاً لما قدمناه فی صحة الوضوء بدون نیة الوجه بل مع نیة الخلاف و بدون نیة الرفع أو الاستباحة بل مع نیة خلافهما فإذا صح الوضوء صحت الصلاة و لان المفهوم من مشروعیة الوضوء التجدیدی هو تدارک الخلل فیصح لو ظهر خلل سابق علیه و لأن الشک بعد الصلاة من قبیل الشک بعد الفراغ فلا یلتفت إلیه کما ذهب إلیه بعض الأعلام و إن کان لا یخلو عن کلام و من اشتراط نیة الوجه و الرفع أو الاستباحة لم یصح سوی الواجبین و لو بنذر أو ذهول أو شک فی السابق و اللاحق من الحدث و الطهارة المنوی بهما الرفع و لو لنسیان أو خطأ و تشبههما لغایة واجبة أو المندوبین لغایة مندوبة فی غیر وقت الواجب منویّاً بهما الرفع أو الاستباحة و أما غیرهما من الواجب و أحدهما مجدد غیر منوی بهما الرفع أو الاستباحة أو مندوبین ناویاً بأحدهما الرفع دون الآخر لغایة واجبة أو مندوبة یشترط فیهما نیة الرفع أو الاستباحة أو مختلفین ناویاً بأحدهما الرفع دون الآخر مطلقاً لغایة واجبة أو مندوبة یشترط فیهما نیة الرفع أو الاستباحة فینبغی أن لا یصحح الصلاة لعدم تیقن الصلاة بوضوء جامع لنیته وجه لصلاة فی وجوب أو ندب و جامع لنیة الغایة من رفع أو استباحة و بعض المشترطین لنیة الرفع أو الاستباحة صححوا الصلاة بوضوءین أحدهما مجدد إذا ذکر الإخلال بأحدهما و کأنهم فهموا أن التجدید مشروع لتدارک الخلل أو أنه من الشک بعد الفراغ و لو توضأ وضوءین و صلی بعد کل وضوء فرضاً من غیر تخلل حدث و ذکر الإخلال بأحدهما بعد ذلک صح علی مذهبنا و وضوءه و صلاته الأخیرة لصحة وضوئه الأخیر علی تقدیر وقوع الخلل فی الأول و صحة الأول علی تقدیر وقوعه فی الأخیر و قیل ببطلانهما معاً و بطلان الوضوء و إعادته لعدم القطع بوقوع وضوء صحیح لاحتمال وقوع الخلل فی الأول و عدم إجزاء المجدد عنه و قیل بصحة الصلاتین لأنه من الشک بعد الفراغ لاحتمال وقوع الخلل فی الثانی فتصح

ص: 188

الصلاتان معاً و کذا یصح الوضوء الأول لفراغه منه و قیل بصحة الصلاتین سیما بعد الوقت لعدم تیقن فوتها و لأصالة صحتها و لما ورد من لم یتیقن بطلان صلاته فلا قضاء علیه و وجوب إعادة الوضوء لأنه بمنزلة من تیقن الحدث و شک فی الطهارة لأن الطهارة الأولی محتملة لوقوع الخلل و الثانیة لا تجزی علی ذلک التقدیر و لو توضأ وضوءین بعد حدثین و صلی لکل منهما صلاة و ذکر الإخلال بوضوء أعاد الوضوء لأنه بمنزلة من تیقن الحدث و شک فی الطهارة و لاحتمال وقوع الخلل فی الأخیر فلم یتیقن الطهارة و یجی ء احتمال صحة وضوئه الأخیر لأنه شک بعد الفراغ و قطعه بوقوع الخلل غیر مضر لاحتمال کونه فی الأول و أما الصلاتان فیجب إعادتهما إن اختلفتا و إلا أعاد واحدة مطلقة أو مرددة فی المنوی لا فی النیة لما ورد فیمن فاتته واحدة من خمس أنه یفعل کذلک و لا فارق، و أوجب الشیخ إعادتهما معاً لعدم تسریة النص و هو أحوط سیما فی المختلفین جهراً و إخفاتاً و لو توضأ وضوءین و صلی بکل واحد فذکر الحدث عقیب واحد منهما أعاد الوضوء و الصلاتین إن اختلفتا و إلا فواحدة و یجی ء احتمال وجوب إعادتهما معاً مطلقاً لاحتمال وقوع الحدث بعد الأول و عدم إجزاء التجدیدی الثانی علی القول بعدم إجزائه و الظاهر أن الإطلاق لیس بلازم بل له التعیین و الإطلاق معاً إن لم یکن التعیین أحوط نعم لو أطلق بین اثنتین لیس له أن یعین بعد ذلک إلا إذا تکثر احتمال الفوائت فإن له أن یطلق بین ثلاث و له أن یعین الثلاث و له أن یطلق بین اثنتین و یعین فی الثالثة و له أن یعین فی الأولی و یطلق بین اثنتین.

سابع عشرها: یستحب وضع الإناء علی الیمین

وفاقاً لفتوی المشهور و للنبوی (کان النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) یحب التیامن فی ظهوره) و الظاهر أن الإناء الضیق کالواسع الذی یغترف منه لإطلاق الفتوی و قد یخص الاستحباب فی الأول و یستحب الاغتراف بها لفتوی الأصحاب و بعض أخبار الباب و الظاهر سرایة الاستحباب حتی لغسلها لما ورد أنه أخذ کفاً بیمینه فصبها علی یساره و غسل بها ذراعه الأیمن و یستحب التسمیة عند وضع الید فی الماء أو عند وضع الماء علی الوجه لفتوی الأصحاب و أخبار الباب و الجمع بینهما أولی لورود الخبر فی کل منهما و الأولی فی التسمیة قوله (بسم الله

ص: 189

الرحمن الرحیم) و یستحب أن یبتدأ الرجل بظاهر الذراع و المرأة بباطنه لفتوی الأصحاب و أخبار الباب و قیل باختصاص ذلک بالغسلة الأولی دون الثانیة فینعکس الحال و نقل علیه الإجماع و لا بأس به و یستحب الدعاء عند غسل کل من الأعضاء بالمأثور و إلا فبما یمکن و یستحب أن یسبغ الوضوء بمدّ و هو رطلان و ربع بالعراقی کما هو الظاهر من الأخبار و الرطل مائة و ثلاثون درهما و یدخل فی الوضوء مستحباته من غسل یدین و مضمضة و استنشاق و غسله ثانیة و یستحب السواک قبل الوضوء و بعده لمن نسیه لفتوی الأصحاب و الأخبار بل لمن لا ینساه احتیاطاً لفتوی بعض الأصحاب و یستحب لنفسه فتوی و روایة و یستحب بالعود و شبهه و لو بالإصبع فتوی و روایة و الظاهر أنه من مندوباته لا من أجزائه مع احتمال ذلک لقوله (علیه السلام) (السواک شطر الوضوء) و یستحب غسل الیدین من الزندین لتبادر ذلک و لفتوی الأصحاب من حدث النوم مرة و لا یبعد إلحاق کل مذهب للعمل به و کذا من حدث البول و من حدث الغائط مرتین للأخبار و فتوی الأخیار و یستحب أن یکون ذلک قبل الاغتراف لظاهر الخبر و الظاهر أن الغسل لیس لاحتمال النجاسة بل للتعبد فتلزمها النیة و لا یبعد أنها من أجزاء الوضوء المستحبة و إن الإناء الواسع من کر و شبهه کالإناء الصغیر و إن الإناء الذی یصب منه کالإناء الذی یغترف منه و الأحوط أن یکون مرتین للبول لظاهر الخبر و لا یبعد استحباب غسل الیدین لغیر ما ذکر مرة و یستحب المضمضة و هی إدارة الماء المطلق فی الفم و لفظه إلی خارج أو ابتلاعه أو إبقائه علی إشکال فی الأخیر و الاستنشاق و هو جذبه إلی داخل الأنف و إخراجه أو إدخاله إلی الجوف أو إبقائه علی إشکال فی الأخیر و استحبابهما دلیله الاجماع و الأخبار و یستحب التثلیث فیها للإجماع و الأخبار و الظاهر جواز الاقتصار علی الواحدة من کل منهما و لکن لا تتأذی بهما تمام الوظیفة و یستحب تقدیم المضمضة و یحتمل عدم مشروعیته بتقدیم الاستنشاق لدخول الترتیب فی مشروعیتهما و ذلک لمن أراد الإتیان بهما معاً و أما ما لم یرد المضمضة فالظاهر أنه لا إشکال فی صحة استنشاقه و لو استنشق علی هذا النحو فالظاهر عدم الإشکال فی جواز الإتیان بالمضمضة بعد ذلک و لو أتی بهما بذلک النحو فالظاهر جواز إعادة الاستنشاق مرة أخری لتحصیل وظیفة الترتیب و هل یشترط ست

ص: 190

أکف للست أو اثنان لکل ثلاث واحد أو لا یشترط حتی یکفی الجمیع کف واحد وجوه أقواها الأخیر و الأولی الست بعدها الاثنتین لکل ثلاث واحدة و یستحب تثنیة الغسلات بمعنی أن یغسل مرة ثانیة بعد تمام الغسلة الأولی مع احتمال جواز أن یغسل ما غسله أو لا و إن لم یتمه ثمّ یتم الأول ثمّ یتم الثانی و لکنه خلاف المعهود و الاحتیاط کما أن الأحوط القصد إلی إتمام الغسل الثانی للعضو لا مجرد الغسل و لو للبعض و الظاهر عدم جواز تقدیم الغسلة المندوبة قبل الواجبة لأن المتیقن من مشروعیتها وقوعها بعدها و کذا الظاهر عدم إجزائها عن الواجبة و لو ظهر عدمها أو نقصانها و یشترط فیها ما یشترط فی الغسلة الواجبة فلا یغسل العضو الآخر إلا بعد انتهائها و لا یکفی التقارن و لا البعدیة و لا بد فیها من الأعلی و غیر ذلک و یدل علی استحباب تثنیة الغسلات فتوی الأصحاب و الإجماعات المنقولة علی الاستحباب و الأخبار الآمرة بفعلها کخبر البرقی الآمر بفعلها عند ارتفاع التقیة بعد الأمر بالثلاث تقیة و کخبر علی بن یقطین و الأخبار الدالة علی أن الوضوء مثنی مثنی و إنه مرتین مرتین کما فی أخبار آخر و إنه اثنتین اثنتین کما فی أخبار آخر و الأخبار الدالة علی جواز فعلها کقوله (علیه السلام) (و المرتان جائز) و الإجماعات المنقولة علی ذلک أیضاً دلیل علی استحبابها لأن الجواز فی أجزاء العبادة لا معنی له سوی الاستحباب و الذاهب إلی عدم الجواز شاذ لا یلتفت إلیه و ما ورد فی بعض الأخبار من نفی الأجر علیها محمول علی اعتقاد مشروعیتها لما ورد عنه (علیه السلام) أن من لم یستیقن أن الواحدة تجزیه لم یؤجر علی الاثنتین و ما جاء فی الأخبار البیانیة قولًا و فعلًا الدالة علی المرة لا تنافی استحباب الاثنین لورودها فی بیان مقام الواجب فقط لخلوها عن أکثر المندوبات و لمعارضتها لما هو أکثر منها قولًا و الدال علی التثنیة قولًا و علی أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) توضأ اثنتین فعلًا و لأن جوازها المستدعی لجواز المسح ببلتها یؤذن بمشروعیتها و إلا لکان المسح بماء جدید علی أن عدم فعل الإمام (علیه السلام) للمندوب لا دلیل فیه علی عدم ندبه بعد و ورد الدلیل به کی تحصل المعارضة بین الدلیلین فیحتاج للجمع بینهما أما بحمل أخبار التثنیة علی الوضوء التجدیدی أو علی التقیة کما حمله علی الأول بعض القدماء

ص: 191

و علی الثانی بعض المتأخرین أو علی إرادة التثنیة فی الغسل و المسح فی مقابلة العامة حیث أنهم لیس عندهم الوضوء غسلتین و مسحتین کما حملها علیه بعض المتأخرین أیضاً أو علی التثنیة فی الغرفات لا الغسلات کما حملها علیه (الکاشانی) أو علی التثنیة فی الغرفات إن لم تجزِ الواحدة فی الإسباغ و إلا فیکفی الواحدة و یبعد الأول کون التجدیدی لا یخص الاثنین و الثانی عدم ملائمته لجمیع الأخبار و الثالث عدم ظهوره فی الخطاب و کلام الأصحاب و کذا ما بعده من المحامل فالأقوی استحباب الثانیة کما أن الثالثة بدعة قطعاً للأخبار و فتوی الأصحاب و کذا تکرار المسح بنیة المشروعیة فإنه بدعة و لو نوی المجموع فی ابتداء الوضوء أبطل الوضوء من أصله إن أخذ المحرم قیداً و إن لم یأخذه قیداً أو نواه عند فعله فسد و صح ما عداه و لو استلزمت البدعة المسح بماء جدید فسد الوضوء بذلک.

[القول فی الأغسال]

القول فی غسل الجنابة و وجوبه

اشارة

نطق به الکتاب و السنة و علیه إجماع المسلمین و فیه أمور:

أحدها: یجب الغسل بالإدخال و لو بدون الإنزال

للإجماع بقسمیه و السنة کقوله (علیه السلام) (إذا أدخل فقد وجب الغُسل) و قوله (علیه السلام) (إذا أولجه فقد وجب الغسل) و لا یوجب الغسل مجرد الإدخال أو الإیلاج بل لا بد من التقاء الختانین للإجماع بقسمیه و لقوله (علیه السلام) إذا التقی الختانان وجب الغسل فقلت التقاء الختانین هو غیبوبة الحشفة، فقال نعم فیحمل مطلق الإدخال و الإیلاج علیه لوجوب حمل المطلق علی المقید و للإجماع الدال علی ذلک بقسمیه و التقاء الختانین مقابلتهما عند الوطء الحاصلة بغیبوبة الحشفة لأن موضع ختان المرأة مستعمل علی موضع ختان الرجل لدخول الذکر فی أسفل الفرج فی مخرج الولد و وقوع ختان المرأة فی موضع أعلی من ذلک بینه و بین ذلک موضع خروج البول و فی بعض الروایات ما یدل علی حصول الملاقاة بینهما و الإصابة و المماسة کقوله (علیه السلام) (إذا وقع الختان علی الختان) و فی آخر (إذا مس الختان الختان) و الظاهر إرادة المبالغة فی القرب مع احتمال المماسة عند الجماع لکن لا بحیث یدرکها المجامع ظاهراً و علی کل حال فلا فرق بین غیبوبة الحشفة أو قدرها من مقطعها أو قدرها عرضاً للاتفاق و لعموم إیجاب المماسة

ص: 192

و الإدخال و الإیلاج خرج منه إدخال الأقل منها لمقطوعها و غیر مقطوعها و بقی الباقی و لو قطع من رأس الحشفة فالظاهر کفایة الباقی فی الجنابة و لا یحتاج إلی إدخال قدرها لصدق التقاء الختانین و یجب فی الإدخال فی القبل للإجماع بقسمیه و الکتاب و السنة و هل یجب فی الإدخال فی دبر الامرأة فقط أو فی دبر الامرأة و الرجل أو لا یجب مطلقاً أقوال، أقواها القول بالوجوب فی دبر الامرأة لفتوی المشهور و للإجماع المنقول علی إیجاب الغسل علی الفاعل و المفعول به و لعموم إیجاب الغسل فی الملامسة فی الآیة و فی الإدخال و الإیلاج فی الروایة خرج مال خرج و بقی الباقی و لقوله (علیه السلام) فی الصحیح فی تفسیر الملامسة أنه المواقعة فی الفرج و هو عام للقبل و الدبر بنص أهل اللغة و دعوی انصراف الأدلة للفرد الشائع المعهود من الوطء فی الدبر ممنوعة بعد فهم المشهور و فتواهم و لروایة حفص عن الرجل یأتی المرأة من خلفها قال هو أحد المأتیین فیه الغسل و الصحیح فیمن أتی أهله و لم ینزل أ توجبون علیه الحد و الرجم و لا توجبون علیه صاعاً من ماء حیث أنکر (علیه السلام) ذلک علیهم فی إیجابهم الأعلی دون إیجاب الأدنی أو فی إثباتهم أثار الجنابة دون بعض و مع أن الجمیع معلولة لها أو إثباتهم بعض الآثار المترتبة علی حصول الخبث المعنوی المناسب للحد و الرجم المقتضیین للتوبة و التطهیر دون إثبات ما یناسب رفعه و إزالته بالماء و لا فرق بین الفاعل و المفعول لفتوی الأصحاب و الإجماع المنقول فی الباب و لمفهوم قوله (علیه السلام) هو أحد المأتیین و لفحوی قوله (علیه السلام) أ توجبون علیه الحد و الرجم و لا توجبون علیه صاعاً من ماء و ذهب جمع من أصحابنا إلی عدم وجوب الغسل بوطء الامرأة فی الدبر مطلقاً للأصل و الصحیح الرجل یصیب المرأة فیما دون الفرج أ علیه غسل إن أنزل هو و لم تنزل هی قال لیس علیها غسل و إن لم ینزل هو فلیس علیه غسل و المراسیل الدالة علی عدم انتقاض الصوم علی من یأتی المرأة فی دبرها و علی عدم وجوب الغسل علیه ما لم ینزل و علیها ما لم تنزل و الکل ضعیف لانقطاع الأصل و شمول الفرج للدبر و ضعف المراسیل سنداً و احتمالها لإرادة التفخیذ من لفظ الإتیان دلالة و یظهر من العلامة التردد فی إیجاب الغسل علی الموطوءة و إن وجب علی الواطئ و یرده عموم الأدلة المتقدمة و الإجماع

ص: 193

المنقول علی عدم الفرق المؤید بفتوی المشهور و الظاهر إلحاق الواطئ فی دبر الغلام بالوطء فی دبر المرأة فاعلًا أو مفعولًا للإجماع المنقول علی عدم الفصل و فتوی الفحول و فحوی أ توجبون علیه الحد و الرجم؟ و النبوی (من جامع غلاماً جاء جنباً یوم القیامة لا ینقیه ماء الدنیا) و إطلاق الإدخال و الإیلاج فی بعض الروایات خلافاً لمن یوجبه للأصل و عدم النص بل الأحوط إیجاب الغسل بمجرد الإدخال و الإیقاب لترتب الحد علیهما و لا فرق بین الموطوء حیّاً أو میتاً فی إیجاب الغسل علی الواطئ بین الواطئ لذلک فی إیجاب الغسل علی الموطوء مع احتمال عدم لزوم الغسل فیما لو کان الواطئ میتاً للأصل و انصراف الأدلة للحی الأوجه الأول و کذا لا فرق بین الصغیر و الکبیر واطئاً أو موطوءاً کما لا فرق فی الإدخال بین أن یکون مستوراً أو مکشوفاً و نقل أنه لا یوجب الغسل فیما لو دخل الذکر ملفوفاً تشکیکاً فی شمول الأدلة لمثله و هو ضعیف جداً نعم لو أدخله فی أنبوب داخل فی الفرج قوی ذلک و هل یجب الغسل بوطء البهیمة أو لا یجب وجهان أظهرهما عدم الوجوب إذا کانت واطئة و الوجوب إذا کانت موطوءة لفحوی الصحیح المتقدم إن قلنا بیوت الحد فی وطئها فظاهر و إن من نقل به و أوجبنا علیه التعزیر فکذلک إما لشمول الحد فی مفهوم الصحیح و فیما روی عن الإمام علی (علیه السلام) أن ما أوجب الحد أوجب الغسل أو لشمول المفهوم لان المراد أ توجبون علیه الأعلی و لا توجبون الأدنی و هو الصاع من الماء و نقل السید أنه نسب وجوب الغسل هاهنا إلا مذهب الأصحاب و مع ذلک فلولا الاحتیاط لکان القول بعدم وجوب الغسل تمسکاً بالأصل قویاً جداً أو أولج الرجل فی دبر الخنثی وجب الغسل علیهما و لو أولج فی قبله أو أولج الخنثی فی دبر امراة أو رجل لم یجب الغسل لاحتمال الزیادة فی أحد الفرجین فیکون رجلًا فی الأول و أنثی فی الأخیر و احتمل فی التذکرة وجوب الغسل لعمومات الأدلة من الإدخال و الإیلاج و التقاء الختانین و لفحوی الصحیح المتقدم و لو أوجبنا به الحد و هو حسن لو أولج الرجل فی قبل الخنثی و الخنثی فی قبل المرأة تعلق حکم الجنابة بالخنثی قطعاً و کان الرجل و الامرأة کواجدی المنی فی الثوب المشترک و الأقوی عدم وجوب شی ء علیهما و علی ما ذکره العلامة (رحمه الله) یتعلق حکم الجنابة بالجمیع.

ص: 194

ثانیها: یجب الغسل بالإنزال

و هو خروج المنی قطعاً بعد الاستبراء منه أو ظنا و شکا قبل ذلک من الرجل إجماعاً فتوی و روایة بل ضرورة و من الامرأة علی الأظهر الأشهر فتوی و روایة بل و إجماعاً منقولًا بل کاد أن یکون محصلًا و فی الأخبار المعتبرة أن المرأة تری ما یری الرجل فی المنام إن أنزلت فعلیها الغسل و إن لم تنزل فلا و إن الرجل یجامع امرأته دون الفرج إذا أنزلت علیها الغسل إلی غیر ذلک و أما ما جاء من نفی الغسل علیهن کالصحیح الوارد فیمن أمذی و أمنت هی أنه لیس علیه وضوء و لا علیها غسل و فی غیره مهل علی المرأة غسل من جنابتها إذا لم یأتها الرجل فقال لا و فی آخره قد وضع ذلک علیکم قال و إن کنتم جنباً فاطهروا و لم یقل ذلک لهن و فی بعض الأخبار وجوب الغسل بالاحتلام و عدم وجوبه بالخروج یقظة مع عدم الجماع هو ضعیف شاذ لا یلتفت إلیه فهو إما مطروح أو محمول علی عدم لزوم تعلیمهن بذلک و بیان ذلک لهن أو علی عدم لزوم التجسس عن ذلک أو علی عدم لزوم الأمر لهن بالغسل لو علم ذلک منهن الرجل أو غیر ذلک و الظاهر عدم توقف الجنابة علی خروج المنی من الموضع المعتاد للخروج بل یکفی مطلق الخروج من الطبیعی و غیره من المعتاد و غیره انسد الخلقی أم لم ینسد لإطلاق الأخبار و کلام الأصحاب و انصراف الأخبار للمعهود المتعارف ممکن لو لم یکن المشهور علی عدمه نعم لو تحرک من محله أو خرج من نفس محله من الأعالی دون الأسافل فلا إشکال فی عدم وجوب الغسل فی الأول و الأظهر عدمه فی الأخیر و إن کان الأحوط کغسل فیه و المدار الغسل علی القطع بکون الخارج منیّاً لعموم الأخبار و کلام الأصحاب و الإجماعات المنقولة فی الباب فلا یصلح أن یقید ذلک ما جاء من تقید إیجاب الغسل من المنی فی الصحیح بالشهوة و الفتور و الدفق و إن لم یکن شهوة و لا فترة فلا بأس أو تقیده بالشهوة فی الأخیرین أیضاً لعدم المقاومة فلا بد من طرحه أو حمله علی التقیة أو علی حالة الاشتباه علی أن التقید فی بعضها بالمفهوم الوارد منطوقه مورد الغالب فیسقط عن الحجیة نعم لو وقع الاشتباه اعتبر بالصفات الواردة فی الأخبار و کلام الأصحاب من الخروج بشهوة و دفق و الفتور بعد ذلک و هو فی الرجل قطعی فیدل وجود الجمیع علی وجوده فی الرجل قطعاً و کذا

ص: 195

فی الامرأة إلا أنه اکتفی بالشهوة فقط بالنسبة إلی الامرأة و إن فقدت الباقی کما جاء فی الصحیح أفتی به بعض الأعلام و کذا بالنسبة إلی المریض للصحیح الدال علی کفایة الشهوة عند خروج المشتبه فیه و إن لم یحصل غیرها من العلائم معللًا بأن الصحیح غیر المریض لأن المریض لیس له دفع و قوة و لو وجد بعض من تلک العلامات دون بعض بالنسبة للرجل الصحیح فهل یکتفی به أم لا؟ و کذا لو وجد غیرها فما یفید الظن به فهل یجب اعتباره من رائحة و لون و تأثیر لان المفهوم من الأخبار لیس إرادة التعبد بحصولها بل لحصول الظن بکشفها أولا یجب اعتباره إلا بالمنصوص من العلائم لأصالة العدم و عدم القطع بکون العلة هی إفادة الظن وجوه و أقوال أقواها فی الأول کفایة الدفق و الشهوة لملازمته لحصول المنیّ فی العادة و لقوله تعالی (مِنْ مٰاءٍ دٰافِقٍ) و الأحوط مراعاة الدفق مطلقاً انفراد و اجتمع مع غیره للآیة و فتوی بعض الأصحاب و أحوطها اعتبار الأوصاف اللازمة فی الثانی سیما ما ذکروه من قرب رائحته لرائحة الطلع رطباً و لرائحة بیاض البیض جافاً.

ثالثها: إذا رأی الإنسان فی ثوبه المختص به الذی لم یشارکه فیه أنثی و لا رجل أو فی بدنه منیّاً

قد علمه بالصفات من رائحة أو غیرها أو من بینة شهدت له بذلک فإن علم أنه منه و أنه فی زمن خاص فلا إشکال فی حکمه و إن علم أنه منه و لکنه لا یدری بزمن حدوثه فالأظهر الحکم علیه بالتأخر إلی زمن یعلم عدم تأخره عنه من نوم أو یقظة فیعید الصلاة المعلومة التأخر عن ذلک الزمن بعد أن یغتسل و یحتمل القول بأنه إن شک فی کون هذا المنی من جنابات سابقة قد اغتسل لهن أو لاحقة لم یجب علیه الغسل لأصالة البراءة و هو قوی إلا أن الأول أحوط و یحتمل وجوب إعادة کل صلاة صلاها بعد آخر غسل من جنابة متقدمة بعد أن یغتسل هذا الغسل الواجب علیه للاحتیاط و ربما نقل عن الشیخ ذلک و هو ضعیف لان هذا المقام لیس من مقامات وجوب الاحتیاط القاطعة لأصل البراءة علی انه یلزمه إیجاب الإعادة علی من لم یعلم بوقوع الجنابة منه و الاغتسال مدة عظیمة و لو أربعین سنة کمن لم یجنب من أول بلوغه إلی مضی ذلک القدر بل یلزمه علی ما ارتکبه من جادة الاحتیاط أن یعید کل صلاة صلاها قبل آخر الأغسال إذا احتمل سبق خروج المنی علیه و لا قائل به هذا بالنسبة إلی

ص: 196

الحدث و أما بالنسبة إلی الخبث فإن قلنا أن جاهل النجاسة لا یعید فلا حکم له و إن قلنا بالإعادة وجب علیه إعادة ما علم مقارنته للصلاة من الازمنة سواء علم بارتفاع حدثه قبل ذلک کما إذا علم أنه من النومة الأخیرة و قد اغتسل بعدها و لکن لم یغسل الثوب أو لم یعلم ذلک و إن لم یعلم واجد المنی فی ثوبه المختص کونه منه فإن شک فی کونه منه أو من غیره وقع علیه یقظة أو نوما فالأصل البراءة و إن ظن کونه منه لضعف احتمال کونه من الغیر کما هو المعتاد فالظاهر هو الحکم بکونه منه للأخبار الدالة علی وجوب الغسل و إعادة الصلاة علی من یصح و یری فی ثوبه المنی و لم یکن قد رأی فی منامه أنه احتلم کموثقة سماعة و الدالة علی وجوب الغسل علی من یری فی ثوبه أو علی فخذه الماء و لم یر فی نومه أنه احتلم و ظاهرها الشمول للمقطوع به و المظنون بل هی فی الثانی أظهر لمکان السؤال و أما شمولها لصورة الشک فهو غیر ظاهر لندرة حصول الشک فی الثوب المختص أنه منه أو من غیره فیبقی علی الأصل و علی ذلک یحمل ما رواه (أبو بصیر) عَمَّن یصیبُ ثوبه منّی و لم یعلم أنه احتلم قال لیغسل ما وجد بثوبه و لیتوضأ و أما حمل الأخبار الأولیة علی صورة العلم و حمل خبر (أبی بصیر) علی صورة عدمه لقاعدة عدم جواز نقض الیقین فی الشک فهو بعید و أما الواجد المنی فی الثوب المشترک بینه و بین غیره علی سبیل الاجتماع أو علی سبیل النوبة و التعاقب فالأظهر أنه علی القاعدة من عدم جواز نقض الیقین إلا بالیقین فلا یحکم بالحدث من دون الیقین ظن بکونه منه أم لا و شک أم لا وجده فی نوبته أو وجده فی نوبة صاحبه و ربما یحمل علی ذلک روایة أبی بصیر و یحتمل إلحاق صاحب النوبة فیما إذا کان الاشتراک علی التناوب بصاحب الثوب المختص لاختصاصه به و لأصالة تأخُّر وجوده سیما مع طول نوبته کسنة و شبهها و لکن الأول أقوی لعموم الأدلة من غیر معارض و لاختصاص الروایات المتقدمة بصاحب الثوب المختص کما یظهر منه ذلک نعم صاحب النوبة یحکم علیهما مع اختصاصه بهما مع العلم و الظن بذلک أنه منهما و الظاهر أن حکمهما بالنسبة إلی غیرهما حکم الشبهة المحصورة فیجب تجنبهما فی الائتمام فلا یأتم بأحدهما و لا بکل منهما سواء ائتم بکل واحد منهما فی فرض منفرد

ص: 197

أو ائتم بکل واحد منهما فی فرض واحد کالمسبوق و لا یجوز احتسابهما معاً من عدد أهل الجمعة و لا یجوز ائتمام أحدهما بالآخر بالطریق الأولی و حکمهما بالنسبة إلی أنفسهما حکم غیر المحصورة فیتمسک کل منهما بیقین الطهارة السابق فیکون کمن تیقن الطهارة و شک فی الحدث فلا یجب علی أحدهما غسل و لا یحرم علیه ما یحرم علی المجنب من دخول مساجد أو قراءة عزائم و یمکن المناقشة فیما ذکرناه أولا بأن الائتمام جائز من حکم بصحة صلاته بظاهر الشروع و یکفی فی صحة صلاة المأموم عدم علمه بفساد صلاة الإمام و لا یشترط علمه بصحتها و لکن الأحوط اجتنابهما معاً و أحوط منه اجتناب کل منهما لکل منهما و تجری لما فوق الاثنین و لغیر حدث المنی من الأحداث و لا خصوصیة للاثنین و لا للمنی و لا للثوب.

رابعها: إذا خرج منه بعد الغسل بلل

فإن علم أنه منی أو بول فلا إشکال فی إعطاء کل حکمه و إن علم أنه لیس أحدهما فلا إشکال أیضاً فی بقاء طهارته الصغری و الکبری و إن لم یعلم حاله سواء لم یعلم حاله مطلقاً أو علم أنه لا یخلو عن أحدهما و لکنه لا یعرفه بعینه فلا یخلو إلا أن یکون قد بال قبل الغسل و اجتهد أو فعل أحدهما فقط أو لم یفعل شیئاً منهما ثمّ مع الإتیان بالاجتهاد خاصة فإما أن یکون مع إمکان البول أو یکون مع عدم إمکانه فهذه صور.

منها: أن یبول و یجتهد قبل الغسل ثمّ یجد بللًا بعد الغسل فالظاهر أنه لا إشکال فی عدم وجوب إعادة الغسل و الوضوء معاً للاستصحاب و فتوی الأصحاب و أخبار الباب الدالة علی أن من بال سقط عنه إعادة الغسل و هی متکثرة معتبرة معمول علیها لا شک فی مضمونها و الدالة علی من استبرأ لا شی ء علیه و قد تقدمت کیفیة الاستبراء و مع الأخذ بما هو الأحوط فیها و لا یبقی إشکال فی الحکم.

و منها: أن لا یبول و لا یجتهد و خرج ما شک فیه بین کونه منیّاً أو غیره سواء کان الغیر بولًا أو غیره و الحکم وجوب إعادة الغسل لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و الأخبار المتکثرة (کموثقة سماعة) عمن یجنب ثمّ یغتسل قبل أن یبول و یجد بللًا بعد ذلک قال یعید الغسل و (صحیحة سلیمان) عمن یخرج منه شی ء و قد فعل کذلک قال یعید الغسل و (صحیحة منصور بن حازم) کذلک و (صحیحة ابن مسلم) عمن یخرج

ص: 198

من إحلیله بعد ما یغتسل شی ء قال یغتسل و یعید الصلاة إلا أن یکون قد بال قبل أن یغتسل فإنه لا یعید غسله و (صحیحة معاویة بن میسرة) و إن لم یبل حتی اغتسل ثمّ وجد البلل فلیعد الغسل و غیر ذلک من الأخبار المتکثرة المعتبرة و لا یعارضها ما جاء فی عدة أخبار من عدم وجوب الغسل علی من ترک البول مطلقاً فی بعضها و نسیاناً فی بعض آخر لعدم مقاومتها لتلک الأخبار سنداً و عدداً و دلالة و اشتهار و انجباراً فلا بد من طرحها أو تنزیلها علی صورة الإتیان بالاستبراء مع عدم إمکان البول أو مطلقاً علی اختلاف القولین و حملها علی الإباحة و حمل تلک علی الندب فرع المقاومة و لیس فلیس لضعف الروایات المشتملة علی عدم الإعادة لان رواتها بین من نسب إلیه الکذب و بین من نسب إلیه الغلو و بین من هو مهمل و بین من لم یذکر بمدح و لا قدح و کذا لا یعارض ما ذکرناه من الأخبار ما نسب للصدوق من نفی وجوب الغسل و وجوب الوضوء استناداً للخبر إن کان قد رأی بللًا و لم یکن بال فلیتوضأ و لا یغتسل إنما ذلک من الحبائل لضعفه سنداً و عدداً و دلالة و لان کونه من الحبائل ینبغی أن لا یوجب شیئاً فلا بد من طرحه أو حمله علی إرادة غسل ما خرج من لفظ الوضوء فیکون مساقه مساق الأخبار النافیة لوجوب الغسل فیحمل علی من اجتهد قبل الغسل فیراد بالوضوء حینئذ غسل البلل مذیاً و لو صلی بعد الغسل من لم یبل و لم یجتهد کانت صلاته صحیحة لصحة غسله و لا تجب علیه إعادة الصلاة و لو وجب علیه إعادة الغسل عند خروج المشتبه لاحتیاج الإعادة إلی دلیل یدل علیها بعد الحکم ظاهراً بصحتها و لیس فلیس و خیال أن صحتها مشروطة بشرط متأخر و هو عدم خروج بلل مشتبه ضعیف مخالف الفتوی المشهور و لإطلاقات الروایات نعم ربما أوجب إعادة الصلاة بعض مستندین لهم آخرون (لصحیحة ابن مسلم) و هو ضعیف لضعف الاستناد إلیها فی هذا الحکم مع مخالفتها فیه لفتوی المشهور و عمومات الأدلة فلا بد من حملها علی الندب أو علی من صلی بعد خروج المشتبه و بالجملة فصحة الغسل ابتداءً لا کلام فیها و الأخبار مشعرة بها لإیجابها الإعادة مع خروج المشتبه دون ما لم یخرج شی ء فمقتضاها صحة الغسل مع خروج شی ء و إیجاب الإعادة لا یقضی إلا بأن

ص: 199

المشتبه جنابة جدیدة لأنها هی الجنابة الأولی قد انکشفت بقاؤها لعدم التعرض فیها الإعادة غیر الغسل و لعدم فهم الأصحاب منها غیر ذلک و مع الحکم بأنها جنابة جدیدة یلزم صحة الصلاة الواقعة قبلها فلا معنی لإعادتها و من أوجب الاستبراء من الأصحاب و حکی علیه الإجماع أراد وجوبه الشرعی لا وجوبه الشرطی فی صحة الغسل علی أن الوجوب الشرعی مع مخالفته للأصل و فتوی المشهور و خلوا الأخبار البیانیة و عدم اشتهار حکمه مع توفر الدواعی لاشتهاره لا دلیل علیه سوی ظاهر بعض الروایات کقوله (علیه السلام) [و تبول أن قدرت علی البول] و هو ظاهر فی الإرشاد لسیاقه مساق المندوبات فلا یصلح لمعارضة ما قدمناه و أما الأخبار الآمرة بالإعادة علی من ترک البول فلا شاهد فیها علی وجوبه بل الشاهد فیها علی العکس لعدم التعرض فیها لحکم الاستبراء و لو کان واجباً لکان بیان حکمه مقدماً إلی بیان ثمرة ترکه.

و منها: أن یبول قبل الغسل و لم یستبرئ و الظاهر هنا عدم وجوب إعادة الغسل عند رؤیة المشتبه بعد الغسل و وجوب إعادة الوضوء للأخبار النافیة لوجوب الغسل و المثبتة للوضوء علی من اغتسل بعد البول و رأی المشتبه و هی و إن کانت مطلقة فی وجوب الوضوء علیه استبرأ أم لم یستبرء و لکنها مقیدة بما دل علی إن المستبرئ لا یبالی و إن بلغ الشاق و بهذه الأخبار یقید ما جاء من أن کل الغسل معه وضوء إلا الجنابة فاحتمال عدم وجوب الوضوء ضعیف جداً.

و منها: أن یستبرئ بعد الجنابة من غیر أن یبول مع إمکان البول و الظاهر هنا وجوب إعادة الغسل للأخبار الدالة علی وجوب الإعادة مع عدم البول و لفتوی أکثر الأصحاب.

و منها: أن یستبرئ مع عدم إمکان البول و الظاهر هنا عدم وجوب الإعادة لدلیل نفی العسر و للأصل و الاستصحاب و عدم نقض الیقین إلا بالیقین و لفتوی الأکثر و للأخبار الدالة بإطلاقها علی عدم وجوب الغسل علی تارک البول مطلقاً بحملها علی ما إذا استبرأ لأنه خیر من طرحها و لروایة جمیل فیمن یجنب و نسی أن یبول حتی یغتسل ثمّ رأی بعد الغسل شیئاً أ یغتسل؟ قال لا قد تعصّرت و نزل من الحبائل

ص: 200

و موردها و إن کان الناسی و لکنه لا یختص به لوروده فی السؤال أولًا و لعدم الفرق بین الناسی و غیره فی حصول التقیة بالتعصر و عدمه فإن حصلت فلا إعادة و إلا فتجب ثانیاً و قیل بوجوب الإعادة لإطلاق الأخبار الموجبة للإعادة علی من لم یبل، الشاملة للمتمکن و غیره و المستبرئ و غیره و استضعافاً لما قدمناه من الأدلة علی معارضتها لانقطاع الأصل بها و لضعف الأخبار المطلقة أولا و عدم دلالتها علی خصوص المستبرئ مع عدم التمکن ثانیاً و کونه وجه جمع فرع المقاومة و وجدان الدلیل علیه و لیس فلیس و لعدم التصریح التام فی (روایة جمیل) بالاستبراء و لئن کان فیها ذلک فلا دلالة فیها علی صورة العمد و لذا إن الشیخ فرّق بین، تارک البول و الاستبراء عمداً فیعید، و بین تارکهما نسیاناً فلا یعید لهذه الروایة و هو مردود بضعفها و عدم مقاومتها لما قدمنا و لئن دلت علی صورتی العمد و النسیان فی الجواب فلیس فیها دلالة علی حصول الاستبراء مع عدم التمکُّن من البول و حملها علیه فرع وجود دلیل و لیس و جمیع هذه الصور مخصوصة بالرجل دون المرأة لبناء حکمها علی القاعدة نقض الیقین بالشک من غیر معارض لاختصاص الأخبار فی الرجل و لأنه هو الذی یمکن فی حقه تنقیة المجری بالبول لاتحاد مخرج البول و المنی فیه دون الامرأة مخرجهما لافتراق فیها فالاستبراء بالبول لا ثمرة له فیها و الاستبراء به هو العمدة فی الحکم بالإعادة وجوداً و عدماً و للأخبار النافیة لإعادة الغسل عن الامرأة بخصوصها الفارقة بینهما و بین الرجل سوّی الشیخ [رضی الله عنهما] بین الرجل و الامرأة فی ترتیب ثمرة الاستبراء بالبول و ربما علّل بأن للبول تأثیراً فی التنقیة و إن کان من مخرج آخر و هو بعید. نعم الأحوط للامرأة الاستبراء بالاجتهاد لإخراج المنی بالعصر و نحوه فإن لم تفعل فالأحوط لها إعادة الغسل عند خروج المشتبه.

خامسها: یجب غسل جمیع البدن للمجنب

إجماعاً و کتاباً و سُنَّة بما یسمّی غُسلًا و لو خفیفاً کالدهن و لکن بشرط الجریان عرفاً فلا تجزی المماسة للماء و لا الدهن الذی هو عبارة عن انتشار الرطوبة و شیوعها فی الجسد بدون إجراء لإطلاقات الکتاب

ص: 201

و السنة بأوامر الغسل و هو حقیقة فی الإجراء أو فرده الظاهر ذلک فلا یجزی غیره و ما ورد بإجزاء الدهن محمول علی المبالغة و الغسل للبدن قسمان.

أحدهما: الترتیب بأن یغسل الرأس أولًا ثمّ الشق الأیمن ثمّ الأیسر و یدل علیه فتوی المشهور و الإجماع المنقول و الاحتیاط اللازم فی الخروج عن العهدة بعد یقین الشغل و ما ورد فی الأخبار و أفتی به الأخیار من لزوم الترتیب فی غسل المیت و إن غسل المیت کغسل الجنابة و إن علة غسل المیت خروج النطفة منه عند الموت کما دلت علی ذلک الأخبار و نطقت به کلمات الأخیار حتی أنه ورد فی السؤال من الأئمة (علیهم السلام) [لِمَ کان غسل المیت کغسل الجنابة] و یدل علی لزوم الترتیب عمل العلماء و السیرة القطعیة المستمرّة علی فعلهِ و أنّهُ المعهود بین الشیعة و الشائع لدیهم و انه لو کان خلافه لبانَ و لما خَفی علی أَحد لتوفر الدواعی علی نقله و کثرة الحاجة إلی عمله و وفود تکرره و إنه من خواص مذهبهم لان العامة لا یرون وجوبه و الرشد بخلافهم و یدل علیه أیضاً أن المفهوم من الأخبار و کلام الأصحاب أن الغسل ماهیة واحدة کالوضوء لا تختلف أفراده فلا تتغایر أنواعه و غیر الجنابة یلزم فیه الترتیب کما یجی ء إن شاء الله تعالی فی محله فیجب فیه أیضاً و یدل علیه أیضاً حسنة زرارة الواردة فی کیفیة اغتسال الجنب ثمّ صب الماء علی رأسه ثلاث أکف ثمّ صب علی منکبه الأیمن مرتین و علی منکبه الأیسر مرتین فإن الظاهر من الواو فیها فی مقام البیان و العطف بذلک النحو و السیاق و إرادة الترتیب و الظاهر أن الترتیب الذکری قرینة علی الترتیب الحکمی فی أمثال هذه المقامات و مثل هذه الحسنة موثقة عن غسل الجنابة أفض علی رأسک ثلاث أکف و عن یمینک و عن یسارک فإنها ظاهرة فی الترتیب و یؤید ما ذکرناه ما ورد عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) إذا اغتسل بدأ بمیامینه و ما ورد أن الله یحب التیامن من کل شی ء إلی غیر ذلک و یدل علی خصوص لزوم تقدیم الرأس خصوص ما جاء من الأمر بإعادة الغسل لمن لم یبدأ برأسه و کونه الآن إجماعاً محصلًا بل کاد أن یلحق بالضروریات فلا یعارض ما قدمناه ما جاء من الأخبار الدالة علی عدم لزوم الترتیب بین الرأس و الجسد کقوله فی الصحیح ثمّ یصب الماء علی رأسه و علی جسده کله و فی آخر ثمّ أفض علی رأسک و جسدک بناء علی عدم فهم الترتیب من الواو و عدم لزوم الترتیب

ص: 202

بین الجانبین کقوله فی الصحیح ثمّ تصب علی رأسک ثلاثاً ثمّ تصب علی سائر جسدک مرتین و غیر ذلک لأنه محمول علی بیان أصل الأمر بالغسل و عدم افتقاره للوضوء لا لبیان کیفیته أو محمول علی انه بیان الکیفیة للتقیة أو غیر ذلک و یدخل فی الرأس حکماً لا اسما الرقبة فیجب غسلها معه و یجب تقدیمها علی الجانبین و یجوز تقدیمها علی الرأس لأنها بمنزلة جزئه و تأخیرها عنه فیجوز مقارنة النیة لغسلها کلًا أو بعضاً و یجوز غسلها مقارنة للرأس و لا ترتیب بین أجزائها و ذلک کله لا بأس به لفتوی الفحول و لأنه المعهود و الظاهر من بعض الأخبار کقوله (علیه السلام) فی الحسن (ثمّ صب علی رأسه ثلاث أکف ثمّ صب علی منکبه مرتین و علی منکبه الأیسر مرتین) ضرورة عدم جواز إبقائها بلا غسل و عدم دخولها فی المنکب و عدم کونها واسطة بحیث یجب غسلها وسطاً لعدم البیان فی مقام الحاجة و یشعر بذلک غیره من الأخبار و الظاهر أنه من المتفق علیه بین الأصحاب بل ربما ندعی أن إطلاق الرأس علی ما یشمل الرقبة من الحقائق لا المجازات أو انه مجاز قرینته الشهرة فی هذا المقام و بالجملة فالرأس حقیقة فی العرف العام فی الکرة التی هی منبت الشعر کرأس المحرم و قد یطلق علی ذلک مع الأذنین کرأس الصائم و علی ما یشمل الوجه کرأس الجنابة و علی ما یشمل الرقبة کرأس الغسل و هذه الإطلاقات إما حقیقة فیکون مشترکاً لفظیاً و قرینة التعین فتوی الأصحاب و ظاهر الاتفاق فی الباب أو مجاز قرینته ما قدمناه أو أنها مشارکة للرأس فی الحکم لان فی الاسم و ترک بیان ذلک لظهوره و بعض أصحابنا أشکل علیهم حکم الرقبة لعدم التّصریح به فی الأخبار فینبغی الاحتیاط بغسلها بعد الرأس کُلًا و أحوط منه غسلها مرتباً و احوط منهما غسل شقها الأیمن بعد غسلها أجمع مع الیمین و غسل شقها الأیسر مع الیسار و الاحتیاط الشدید أن لا یبتدئ بها قبل الرأس و أما العورتان فالظاهر من أخبار الترتیب دخول کل نصف منهما فی شقة المضاف إلیه و یؤخذ شی ء من باب المقدمة لتحصیله و الاحوط غسلهما مع الحاجبین و أحوط منه غسلهما بعد الفراغ من الجانبین منفردین و لو أخر غسلهما إلی تمام الشق الأیمن کفی غسل جمیعها علی الوجه الأول مرة واحدة منتهیاً بها للشق الأیمن و مبتدئاً بها بشق الیسار و لو أغفل

ص: 203

لمعة من المتقدم غسلها و غسل العضو اللاحق و لو کان من المتأخر کفی غسلها فقط و ورد أن الإمام (علیه السلام) ترک لمعة فعاد إلیها و هو محمول علی التعلیم للغیر أو علی ان اللمعة فی نفس العضو المغسول الذی لم یفرغ منه أو علی أن الترک لیس للنسیان بل لکفایة الظن بالوصول و هو لا ینافی مرتبة العصمة و لا یجب الابتداء بالأعلی لإطلاق الأخبار و لفتوی الأصحاب و کذا یجوز الغسل منکوساً و مستویاً لما قدمناه و لا موالاة فی أجزاء الغسل الترتیبی و لا فی أجزاء أجزائه لا موالاة عرفیة و لا مولاة جفافیة للأخبار و کلام الأصحاب و یدل علی ذلک خصوص ما جاء عنهم (علیهم السلام) قولًا و فعلًا.

ثانیهما: غُسل الارتماس و هو أن یغسل نفسه بالماء دفعة واحدة علی وجه الانغماس فیه لا علی وجه الإصابة کیف اتفقت کالوقوف تحت المیزاب و نحوه و یدل علیه الإطلاقات و الإجماعات المنقولة و فتوی الأصحاب و الروایات الخاصة ففی روایة زرارة لو أن رجلًا ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذاک و إن لم یدلک جسده و فی حسنة الحلبی إذا ارتمس الجنب فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک فی غسله و فی الصحیح إذا اغتمس اغتماسة واحدة أجزأ ذلک من غسله و المفهوم من لفظ من هو البدلیة کقوله تعالی: (أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا مِنَ الْآخِرَةِ) و یحتمل إرادة تعدد الارتماسات من لفظ واحدة و یحتمل إرادة الدفعة العرفیة احترازاً عن الارتماس التدریجی و الأول أقرب إلحاق اللفظ و الثانی أقرب لفهم الفقهاء و الاحتیاط و علی کل حال فالظاهر أن الدفعة العرفیة کافیة فی الغسل الارتماسی فلا یضر بها التخلیل الیسیر و ذلک ما یحتاج إلی الدلک داخل الماء و لا یجوز التدریج فیها بحیث ینوی الغسل عند ابتداء دخوله و ینزل فی الماء تدریجاً إلی أنْ یتم الارتماس بل الأحوط مقارنة النیة للارتماس الحکمی فینوی عند اشتمال الماء علیه جمیعاً الغسل و تحقیق ذلک أن المرتمس له أن ینوی الغسل حال دخوله إذا لم یکن تدریجاً لأن لأول دخوله أول أجزاء الارتماسة إن قلنا أن الارتماس یصدق من أول ملاقاة الماء إلی انتهائه فیه و فیه بحث و له أن ینوی حال خروجه ما دام الماء مشتملًا علیه و له ان ینوی حال کونه تحت الماء سواء فی ذلک الکون الأول أو الوسط أو الأخیر و له ان ینوی عند اختلاف سطوح الماء علیه و له ان ینوی عند تحریکاته الماء أو تحریک جسمه فیه و کل ذلک جائز غیر ان الأظهر

ص: 204

لزوم مقارنة النیة لاشتمال الماء علی جمیع جسده خروجاً عن شبهة أن الغسل الارتماسی عبارة عن اشتمال الماء علی جمیع البدن آناً ما و دخول الإجزاء فی الماء قبل استکمالها من باب المقدمة لا أنها من أجزاء الغسل الارتماسی کما بنی علیه بعض المحققین و هو الاظهر من کلام الفقهاء فعلی هذا یضعف ما ذکره بعضهم ان الارتماسی ابتداؤه ابتداء الملاقاة للماء و انتهاؤه بانتهائه علی انه یلزم منه أن یترتب علی الغسل الارتماس کثیر من ثمرات غسل الترتیب و القائل به لا یعتد به. نعم لا فرق فی الارتماس بین أن یکون جمیعه خارجاً عن الماء أو یکون بعضه فی الماء و بعضه خارجاً أو یکون کله داخل الماء فینوی بالاکران أو التحریکات أو الجریات الغسل، کل ذلک لإطلاقات الأخبار فی أجزاء ارتماسه و الاستدامة کالابتداء و لا بد من بیان أمور متعلقة بنفس الغسل تَعمُّ الترتیب و الارتماس أو تخص أحدهما.

و منها: أنه یجب فی غسل الترتیب الإجراء علی نفس البشرة لظهور أوامر الغسل به و لو قوله (علیه السلام) (ما جری علیه الماء فقد طهر) و قوله (علیه السلام) (ما جری علیه الماء من جسده قلیله و کثیره فقد أجزأه) و ما دل علی إجزاء بلل الجسد و کفایة ما کان مثل الدهن محمول علی المبالغة و یجب فی الارتماس الاصابة لجمیع البشرة عند النیة و لا یفتقر إلی الأجراء و یجب فیهما تخلیل ما یمنع الأجراء فی الأول و الإصابة فی الثانی من شعر أو غیره إجماعاً و لا یجزی غسل الشعر هاهنا عن البشرة للاحتیاط و لظهور تعلق الأوامر بالبشرة و فی الصحیح عمن علیها الدملج و السُّور فی ضوء أو غسل تحریکه لیدخل الماء تحته أو تنزعه و ما ورد بخلاف ذلک من عدم إعادة من نسی الخاتم بعد وضوئه حتی صلی أنه لا یعید محمول علی عدم حجیة أو علی صورة الشک بتحویل و کذا ما ورد من أنَّ نساء النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (إذا اغتسلن بقیت صفرة الطیب فی أجسادهن) و إنه لا بأس علی من أجنب فیصیب رأسه الخلوق و الطیب و غیر ذلک ثمّ یغتسل فیجد شیئاً من ذلک محمول علی عدم مانعیته لوصول الماء.

و منها: أن محل الغسل بقسمیه الظواهر دون البواطن لانصراف أدلتهما إلیها و الأصل البراءة و بخصوص ما ورد فی بعض الأخبار أنه إنما یجب الظاهر و أنه إنما یجب

ص: 205

غسل ما ظهر و إنَّ الغسل علی ما ظهر لا علی ما بطن و الظاهر و الباطن عرفیان. نعم یجب أخذ شی ء من الباطن مقدمة لتحصیل الظاهر و ما یری من الاذنین و لم یحتج إلی التخلیل فهو من الظاهر قطعاً و کذا ما احتاج بعض الأحیان و هو مما یری فإنه من الظاهر و ما تحت الأظفار ما لم یخرج عن العادة فیستر شیئاً من الانملة و موضع انطباق الشفتین و أجفان العینین کله من الباطن و ما کان تحت وسخ الأظفار لم یعلو علی الأنملة فالظاهر أنه من الباطن و ما کان باطن جرح أو شق أو مشق فإن کان مرئیاً فالظاهر أنه من الظاهر و إلّا کان من الباطن.

و منها: أنه لا یجب غسل الشعر فی الغسل مطلقاً إلا إذا توقف علیه غسل البشرة لظاهر الاتفاق و للأصل و لعدم شمول أوامر غسل البدن له و لقوله (علیه السلام) (لا تنفض الامرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة) نعم یجب إیصال الماء إلی أصوله بحیث یستدیر الماء حول کل شعرة شعر لقیام الشعرة مقام منبتها و ذهب بعض إلی وجوب غسل الشعر مع البشرة استناداً إلی ظاهر روایات دالة علی ذلک کقوله (علیه السلام) فی الظاهر (من ترک شعره من الجنابة متعمداً فهو فی النار) و قوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (تحت کل شعرة جنابة فبلوا الشعر و انقوا البشرة) و قوله (علیه السلام) فی الصحیح (الحائض ما بلغ بلل الماء فی شعرها أجزأها) و ما ورد فی غسل الجنابة أنه فی کل عرق و شعرة جنابة و إلی غیر ذلک من الروایات المشعرة بذلک و إلی أنَّ الشعر من الجسد فیجب غسله لوجوب غسله و الکل ضعیف لضعف دلالة الصحیح و عدم صحة الصریح فلا یعارض ما قدمناه و لمنع ان الشعر من الجسد و دخوله فی الید فی باب الوضوء قضی به المشهور و إلا لکان منعه متوجهاً و احتمال إرادة القدر من الشعرة فی الصّحیح الأول إرادة عدم حله فی الصحیح ربما کان أظهر فی المقام من فهم إرادة إیجاب غسل نفس الشعر فلا یصلُح بهما الاستدلال.

و منها: أنه یکفی الظن فی وصول الماء إلی البشرة فی قسمی الغسل و لا یجب القطع و الیقین بالوصول للزوم العسر و الحرج بالنسبة إلی الأماکن الغیر المرئیة و الاغتسال فی اللیل و شبه ذلک و فی السیرة القاطعة الدالة علی عدم التحبس عن ذلک کفایة.

ص: 206

و منها: أن جمیع الأحداث الکبریات مستویة فی جواز قسمی الغسلین من الارتماس و الترتیب لأنَّ الغسل طبیعة واحدة لا یفترق الحال بین أسبابه و ذلک مفهوم من الأخبار و کلام الأصحاب.

و منها: أنه لا یجب تنظیف البدن من النجاسة قبل غسل الجنابة بقسمیه للأصل و فتوی الأصحاب و ما ورد من الأمر بغسل الفرج قبل الغسل غسل الیدین محمول علی الندب و الإرشاد إلی عدم تلویث المجنب بدنه فی النجاسة فیجوز غسل کل جزء بعد تطهیره و لو فی اثناء الغسل بل یجوز أن یغسل العضو النجس عن الخبث و الحدث دفعة واحدة ما لم یؤد إلی تنجیس الماء کالغسل فی الکثیر أو قلنا بعدم نجاسة الغسالة للإجماع الدال علی لزوم طهارة الماء و لم یقم إجماع علی سوی ذلک و احتمال أنهما سببان فیجب تعدد مسببهما فیجب غسلان ممنوع لأن ارتفاع الخبث أمر قهری یراد به مجرد وجوده فیجامع غیره و لا یحتاج إلی سبب مستقل و ربما یقال بجواز رفع الحدث و الخبث باق إذا لم یکن مانعاً عن وصول الماء و لا مؤدیاً لنجاسته لعدم ثبوت لزوم طهارة أعضاء الغسل و عموم الأدلة تنفیه و لکن الأحوط خلافه.

و منها: أنه لا موالاة فی الغسل الترتیبی فلو غسل جزء بکرة و جزء عشیة لم یضر للأخبار و فیها الصحیح ان علیاً (علیه السلام) لم یرَ بأساً أن یغسل الجُنب رأسه غدوة و سائر جسده عند الصلاة و کذا الصحیح فی حکایة أم إسماعیل و غیرها.

و منها: انه لو أخل المغتسل ترتیباً بالترتیب أعاد لأن الترتیب شرط واقعی کما هی القاعدة فی سائر الشروط و لو أغفل لمعة عاد إلیها و غسل العضو الذی بعدها إنْ کانت فی عضو مقدم و إلا کفی العود إلیها فقط.

و منها: الحق جمع بالارتماس بالماء اشتمال الماء علی الجسد بمطر أو میزاب أو إناء دفعة واحدة و استندوا إلی ما ورد فی الصحیح فیمن أجنب فیقوم فی المطر و یغسل رأسه و جسده و هو یقدر علی سوی ذلک قال نعم کان یغسله اغتساله بالماء أجزأه و فی المرسل عمن قام فی المطر حتی سال علی جسده یجزیه ذلک عن الغسل قال نعم و فی الأولی ضعف فی الدلالة لاحتمال أن السؤال عن صحة الغسل الترتیبی فی المطر و عدمه

ص: 207

و ذلک لضعف ماء المطر غالباً عن الاغتسال به و قرینة ذلک قوله (یغسل رأسه و جسده) و قوله (و هو یقدر علی سوی ذلک) فیکون جواب الإمام (علیه السلام) أن المطر إذا کان یغسله بحیث یحقق له اغتساله یجری فیها الماء علی الجسد فلا بأس و فی الثانیة ضعف فی الدلالة و السند معاً و فیهما معاً أنهما مخصوصان بالمطر فلا یسری الحکم إلی غیره و إن المعهود فی غیر الغسل الترتیبی هو الارتماس المتحقق بالانغماس فی الماء و غیره لا یدخل تحته فیحتاج فی أجزائه إلی دلیل قوی یقوم به و لیس فلیس. و جمیع ما جاء فی الأمر بالغسل و من قوله (علیه السلام) (ما جری علیه الماء فقد طهر) خاص بالغسل الترتیبی لأنه هو المعهود شرعاً و الظاهر إرادته من الأخبار فتحمل علیه فالأحوط تجنب ذلک حتی فی المطر.

و منها: أن المغتسل لو أغفل لمعة من الغسل الترتیبی عاد إلیها و غسلها و ما ورد فی بعض الأخبار من أجزاء المسح علیها محمول علی إرادة الغسل و یجب أن یغسل ما بعدها إن کانت فی عضو متقدم و ما ورد (من أنَّ الإمام (علیه السلام) اغتسل فقیل له قد بقیت لمعة من ظهرک فقال له ما کان علیک لو سکت فمسحها) و ما ورد أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (ترک لمعة من غسل الجنابة فأخذ من بلل شعره لمسحها و صلی بالناس) و غیر ذلک کله محمول علی أنَّ اللمعة من العضو الأخیر جمعاً بینها و بین ما دل علی وجوب الترتیب علی أنها ضعیفة لمخالفة ظاهرها لمنصب العصمة و إن کان حملها علی بیان التعلیم أو علی رجحان التأخیر لمصلحة لا یعلمها الراوی لا بأس به.

و منها: أنه لو شک فی إتمام العضو السابق بعد تلبسه باللاحق و بالأخیر بعد فراغه منه و أغراضه عنه أو دخوله فی عمل آخر لم یلتفت لعمومات الأدلة الدالة علی أن من شک فی الشی ء و قد فرغ منه لم یلتفت إلیه، نعم یستحب مسح المشکوک فیه بعد الفراغ منه للأمر به فی روایة و الأحوط الإعادة علی المشکوک به ما دام متشاغلًا فی الغسل لشبهة أنه عمل واحد.

و منها: أنه لو أغفل لمعة من الغسل الارتماسی قوی القول بالبطلان و الإعادة لأنَّ المتیقن المقطوع به من أجزاء الارتماسی هو اشتمال الماء علی جمیع البدن دفعه واحدة و بقاء جزء لا یمسه الماء مناف لذلک لان هذا الجزء إما أن یسقط وجوب غسله فینافی ما

ص: 208

دل علی وجوب غسل البدن أجمع و إن کل شعرة تحتها جنابة و أما أن یغسل بعد ذلک بفاصل یعتد به و إلا بفاصل فینافی ما دل علی أن الارتماس هو الارتماسة بالماء دفعة واحدة و کلاهما لا نقول به و احتمل بعضهم صحة الغسل و غسل اللمعه بعد ذلک لحصول الغسل لأکثر بدنه و صدق أنه ارتمس و لقوله (علیه السلام) ما جری علیه الماء فقد أجزأه و احتمل آخرون الفرق بین طول الزمان فیبطل و بین قصره فیصح لصدق الارتماسة الواحدة حینئذ و احتمل آخرون أیضاً وجوب غسلها و غسل ما بعدها مرتباً فیعود الارتماسی ترتیبیاً لأن الارتماسی مرتب حُکما أو نیة و ربما احتملت الصحة و إن لم یغسل تلک اللمعة و ربما یفرق بین العامد و غیره و جمیع هذه الوجوه بنیة الضعف مخالفة للاحتیاط خالیة عن الدلیل.

و منها: أنه تجب المباشرة فی کلا الغسلین فلا تکفی التولیة إلا مع العجز و الاضطرار و الأحوط الجمع بین الغسل و التیمُّم و یجب علی العاجز الاستئجار بثمن لا یضر بالحال.

و منها: أنه لا بأس بالارتماس فی الماء القلیل و الکثیر و الجاری و الراکد خلافاً لمن منع الارتماس فی الراکد و هو ضعیف جداً.

و منها: أن حکم الجبائر فی الغسل حکمها فی الوضوء فی وجوب المسح علی النحو المتقدم و ما ورد من الأمر بالتیمم فی الغسل لذی الجروح و القروح ظاهر من أنّه لحصول الضرر بالتکشف و غسل الصحیح من البدن نعم الأحوط لذی الجبائر ترک الغسل الارتماسی و العدول للترتیبی بل ربما یقال بلزومه و سقوط الارتماس من اصله حتی أنه لو لم یمکنه الترتیب انتقل إلی التیمم و لا یصح منه الغسل الارتماسی لعدم التمکن من الغسل و المسح فیه.

و منها: أنه لا یجب الخروج من الماء فی الغسل الارتماسی بل لو بقی فی الماء بعد نیة الغسل أجزأ و لا یجب إخراج نفسه قیل الارتماسی سواء قلنا أن الارتماسی هو الحاصل عند اشتمال الماء علی البدن أو قلنا بحصوله عند ابتداء دخول الأجزاء المتلاحقة عرفاً.

ص: 209

و منها: أنه یشترط فی الغسل شرائط الوضوء من طهارة الماء و حلیته و إسلام ونیة قربة أو رفع حدث أو استباحة أو غایة أخری إن قلنا بوجوب ذلک و إیماناً و عقل و غیرهما إلا ما أخرجه الدلیل.

و منها: أنه لا یترتب الغسل الارتماسی حکماً کما نسب للشیخ سواء فسر بأن المغتسل یجب علیه أن یرتب فی النیة فینوی غسل رأسه اولًا ثمّ الأیمن ثمّ الأیسر أو فسر بأن الارتماسی یترتب بحکم الشارع قهراً فیحکم علی المغتسل بطهارة رأسه أولا ثمّ الأیمن ثمّ الأیسر و هذا الحکم یمکن أن یکون عند الارتماس نفسه و یمکن أن یکون عند خروجه مطلقاً و یمکن أن یکون عند إخراجه نفسه علی ذلک النحو و یمکن أن یکون عند إدخاله نفسه علی ذلک النحو و فی غیرهما یکون الترتیب قهراً و علی کل هذه الوجوه فالقول بذلک ضعیف لا تساعده الأخبار و لا کلام الأصحاب و الأصول و القواعد و خلو الأخبار البیانیة عنه دلیل علی عدمه بجمیع الوجوه بل ربما تکون النیة مفسدة للغسل لأنها بمنزلة أحد النوعین فی مکان الآخر فالأحوط ترکها و دعوی ترتیب ثمرات الغسل الترتیبی علی الغسل الارتماسی فی مثل اللمعة المغفلة و فی مثل ما إذا أصاب الماء الرأس فقط أو الرأس مع أحد الجانبین دعوی لا یساعدها البرهان و ینفیها ظاهر الأخبار و کلام الأصحاب من تقسیمهم الغسل إلی ضربین و إعطاء کل منهما حکمه و إن کل منهما قسم برأسه و لیس هنالک ما یدل علی عموم المنزلة و البدلیة کی یعطی الارتماس حکم الترتیب فتأمل.

سادسها: یسقط الوضوء مع غسل الجنابة وجوباً

للإجماع و الأخبار الدالة علی أن غسل الجنابة لا وضوء معه و هل یستحب؟ قیل نعم. لبعض الأخبار الآمرة به بحملها علی الاستحباب جمعاً و المشهور خلافه و حمل الأخبار علی التقیة أو علی إرادة التنظیف من لفظ الوضوء أو غیر ذلک و یدل علی المنع عنه ما ورد فی بعض الأخبار من نسبة ذلک إلی الناس و من أنهم کذبوا علی علی (علیه السلام) (من أنه کان یأمر بالوضوء مع غیر غسل الجنابة) فالأحوط الترک قطعاً و لا یسقط الوضوء مع غسل الجنابة من الأغسال علی الأشهر الأظهر واجباً کان أو نفلًا رافعاً کان أم لا لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و عموم الآیة الآمرة بالوضوء للصلاة خرج غسل الجنابة

ص: 210

و بقی الباقی و لعموم ما دل علی وجوبه بحدث أسبابه و للاستصحاب و أصالة عدم المزیل للحدث الأصغر و للاحتیاط اللازم فی العبادة بعد شغل الذمة و لظاهر المرسل المعدود کالصحیح کل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة و للرضوی المؤید بفتوی المشهور و کذا المروی فی (غوالی اللآلئ) عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و للصحیح الآمر بالوضوء قبل غسل الجمعة و لا قائل بالفرق و لتوفر الدواعی علی اشتهار عدم وجوبه لو کان مع أنَّ الأمر بالعکس و ذهب المرتضی إلی عدم وجوب الوضوء مع کل غسل نفلًا أو فرضاً لإطلاق الأخبار بإیجاب الغسل علی الحائض و المستحاضة و نحوهما فی مقام البیان مع عدم ذکر الوضوء و للصحیح الغسل یجزی عن الوضوء و أی وضوء أطهر من الغسل و الصحیح الآخر مثله و لکنه بعد السؤال عن غسل الجنابة و لما ورد فی الصحیح و غیره أن الوضوء بعد الغسل بدعة و لمکاتبة الهمذانی (لا وضوء للصلاة فی غسل الجمعة و لا غیره) و لروایة حماد عمن یغتسل للجمعة و غیر ذلک أ یجزیه عن الوضوء و أی وضوء أطهر من الغسل و لموثق عمار عمن اغتسل من الجنابة أو یوم الجمعة أو یوم عید هل علیه وضوء؟ قبل أو بعد لیس علیه وضوء قبل و لا بعد و قد أجزأه الغسل و کذا الامرأة إذا اغتسلت من حیض أو غیر ذلک فلیس علیها الوضوء لا قبل و لا بعد و فی الکل نظر لضعفها عن المقاومة و لظهور الصحیحین الأولین فی غسل الجنابة لأنه المعهود فینصرف إلیه السؤال لکون السائل من الرجال فلام التعریف فیه للجنس و ینصرف إلی ما ذکرناه أو للعهد و المعهود هو ما ذکرناه و لو فرضنا أن اللام للاستغراق لکان مخصصاً بما ذکرناه و التخصیص حتی ینتهی الی الواحد لا بأس به علی أن صدر الثانی ظاهر فی الجنابة لذکره فیه و دعوی ظهور العموم من قوله و أی وضوء أطهر من الغسل بعد معهودیة الجنابة و تکررها فی السؤال غیر مسموعة و اشعاره بالعلیة مع ظهور احتمال الخصوصیة لا یفید و کذا ما دل علی أن الوضوء بعد الغسل بدعة فإنه ظاهر فی غسل الجنابة مضافاً إلی ما قدمنا من أن البدعیة فی غیر غسل الجنابة لا یقولها أحد للإجماع علی الراجحیة علی انه یمکن أن یکون متعلق البدعة هو کون الوضوء بعده لا قبله کما أوجبه جماعة و أما المکاتبة و ما بعدها

ص: 211

فضعیفتان لا تصلحان للاستدلال بهما و مع ذلک فهما معارضتان بالصحیح الدال علی وجوب الوضوء مع غسل الجمعة و أما الموثق فمع کونه غیر صالح للمعارضة محمول علی عدم احتیاج الغسل نفسه للوضوء فیتم رفعه للحدث بدونه و إن کان لا یجوز له الصلاة من دون وضوء و أمّا خلوّ الأخبار عن الوضوء فی الأغسال فلأنها إنما سیقت لبیان رفع الأکبر و ما یحتاج إلیه لا لبیان رفع الأصغر بل ربما کان الاحتیاج إلیه معلوماً فلا یحتاج إلی بیان و لان السؤال عنها لم یعلم مصادفته لدخول الوقت کی یجاب بجمیع ما یجب الصلاة من رفع أکبر أو أصغر و هذا ظاهر و هل یجب تقدیم الوضوء علی الغسل ظاهر الأخبار ذلک بل فیها أن الوضوء بعد الغسل بدعة و لکن فتوی الأصحاب و الإجماع المنقول من الباب یدلان علی التخییر و کذا إطلاقات بعض الأخبار فلتحمل أخبار القبلیة علی الندب و علی وجوب القبلیة فالإجماع منقول علی عدم فساد غسل المؤخر بل یصح غسله و إن أثم بالتأخیر و هل ینوی بالوضوء رفع الأصغر فقط أو رفعه مع رفع الأکبر وجهان أوجههما الأول لأنه المعهود من مشروعیة الوضوء له و تبنی المسألة علی إن الوضوء رافع للأصغر فقط و الغسل للأکبر فقط أو یشترکان فی رفع الأمرین أو یشارک الغسل الوضوء فی رفع الأصغر و ینفرد عنه فی رفع الأکبر أو بالعکس و لما کان أظهر الوجوه الأول کانت نیة الوضوء هی النیة المعهودة لمشروعیته.

سابعها: لو أحدث المغتسل عن الجنابة ترتیباً فی أثناء الغسل أو ارتماسیاً عند نیة الغسل فی الارتماسة

قام احتمال صحة الغسل و إتمامه فی الأول و البناء علیه فی الثانی و الوضوء للصلاة بعد ذلک لأصالة البراءة و أصل الصحة و لما جاء من جواز التراخی فی الغسل من دون تفصیل بین وقوع الحدث و عدمه و عموم الأدلة الدالة علی ان ما جری علیه الماء فقد طهر و إن کل شی ء أمسسته الماء فقد أنقیته و إطلاقات أوامر الغسل من دون شرط آخر و لعموم أدلة إیجاب الحدث الأصغر الوضوء و المتیقن من رافعه أحد أمرین إما الغسل کلًا أو الوضوء و الأول غیر حاصل فیبقی الوضوء و قام احتمال لزوم الإعادة من رأس البطلان الغسل لأن المفهوم من أخبار غسل الجنابة أن الصحیح من الغسل ما ترتفع معه الأحداث الصغار بالمرة و مثل هذا لا یرفع ما تخلله قطعاً و لأن

ص: 212

المتخلل حدث فلا بد له من أثر فهو إما الغسل و هو المطلوب أو الوضوء و هو مناف لما دل علی أنَّ کل غسل معه وضوء إلّا الجنابة و لأن الحدث ناقض لتمام الغسل فانتقاض بعضه به بالطریق الأولی و حینئذ فارتفاعه إما ببعض الغسل و لا دلیل علیه أو بالوضوء و هو منهی عنه أو بالغسل و هو المطلوب لروایتی عرض المجالس و الفقه الرضوی الدالتین علی الأمر بالإعادة المؤیدتین بالشهرة المنقولة و الاحتیاط فی العبادة للشک فی المانعیة و ما شک فی مانعیته مانع و قام احتمال صحة الغسل و إتمامه للأصل و استصحاب الصحة و لعدم ایجاب المتخلل للغسل لانه لیس من نواقضه و لا موانعه و للوضوء للنهی عنه و للشک فی سببیته مثل هذا الحدث للوضوء لأنَّ تأثیر الحدث قبل ارتفاع الجنابة مشکوک فیه و لذا أن الحدث قبل الاغتسال لا أثر له فی إیجاب شی ء و لأن ارتفاع الجنابة إنما یکون بتمام الغسل و حصول الجزء الأخیر منه و هو السبب فی رفع الأصغر فإذا حصل الجزء الأخیر منه حصل ارتفاع الحدث الأصغر و قام احتمال لزوم الإعادة من رأس للشک فی الخروج من العهدة بمثل هذا الغسل و لزوم الوضوء للشک فی ارتفاع الأصغر بدونه لاحتمال صحة الأول و عدم رافعیته للأصغر و احتمال صحة الثانی و رافعیته و حیث قام الاحتمالان بقی الحدث الأصغر مستصحباً و قام احتمال لزوم إتمام الغسل للنهی عن إبطال العمل و لاحتمال صحته فلا یجزی عنه المعاد ثمّ الإعادة للغسل ثمّ الوضوء کما تقدم و قام احتمال لزوم الإتمام و الإعادة و الحدث الأصغر ثمّ الوضوء بعده خروجاً عن شبهة تحریم الوضوء مع غسل الجنابة و هذه الاحتمالات منها أقوال مشهورة معروفة کالثلاثة الأول منها یجی ء بها الاحتیاط باختلاف مراتبه و الجمیع لا یخلو عن مناقشة أما الأول فللقدح فی الأصل و الاستصحاب بطرو ما یرفعهما من الشغل الیقینی المستدعی للفراغ الیقینی و للقدح فی عمومات الأدلة و اطلاقات الأوامر بانصرافها للمعهود المتکرر و هو الحاصل من غیر تخلل حدث و لأن ما دل علی بیان جواز التراخی إنما جاء لبیانه لا لبیان جمیع ما یعرض له من حدث أصغر أو أکبر أو غیر ذلک و لأن ما دل علی لزوم الوضوء مخصوص بما إذا لم یکن غسل جنابة و لو کانت جنابة کان احتمال دخول الوضوء تحت أدلة المنع مساویا لاحتمال دخوله تحت

ص: 213

أدلة الوجوب و لا ترجیح و أما الثانی فللمنع من کون صحیح الغسل ما رفع الأحداث الصغریات بل للغسل أثران رفع الأکبر و هو لازم لا ینفک و الأصغر و هو غیر لازم کالمحدث بعد الغسل و المحدث فی غیر غسل الجنابة و الأول لا یصح الغسل بدونه و الثانی لا نسلم عدم الصحة بدونه إذ لا دلیل علی أن ما لم یرفع الأصغر باطل کی یؤخذ به غایة ما جاء أنْ لا وضوء مع غسل الجنابة و هو منصرف لغیر الحدث المتخلل فیقتصر فیه علی المورد الیقینی فحینئذ یصح الغسل و یلزم معه الوضوء للاستباحة التامة و دعوی أن الأصغر و الأکبر لا ینفکان فی غسل الجنابة و إن الطهارة فی الجنابة لا تترکب من صغری و کبری أول الکلام و ما دل علی ان کل غسل معه الوضوء إلا الجنابة مشکوک فی شموله للغسل المتخلل فی أثنائه الحدث الأصغر و ارتفاع الحدث بالوضوء لا بأس به فی المتخلل لانصراف المنع لغیره بل ارتفاعه ببعض الغسل لا بأس به لأن تأثیر الغسل بعد تمامه فیؤثر الرفع عند إتمامه و استبعاد رفع جزء قلیل من آخر الغسل لأحداث صغار متکثرة ممنوع بعد شمول الأدلة له و الروایتان ضعیفتان و الشهرة غیر مسلمة و الاحتیاط معارض بمثله و أما الثالث فلمنع الأصل و الاستصحاب بما ذکرناه ولانا لا نقول بأن الحدث الأصغر ناقض بل نقول أن صحة الغسل المرتبط بعدم الوضوء مشکوک فیه لانصراف ادلة صحته لغیر المفروض و لمنع دعوی عدم تأثیر الحدث الأصغر قبل تمام الغسل لعموم دلیل التأثیر و التخصیص مفتقر إلی دلیل غایة ما خرج المتقدم فیبقی الباقی و لمنع ارتفاع الجنابة بالجزء الأخیر و لئن سلم فلا نسلم ان ارتفاع الجنابة لازم لارتفاع الحدث الأصغر، نعم هو مسلم فی غیر المتخلل و أما الاحتمالات الاحتیاطیة فأسلمها فی الاحتیاط هو الأخیر لمکان النهی عن الوضوء فی غیره و لاحتمال خرق الإجماع المرکب من التزام إعادة الغسل و الوضوء و هو مخالف لجمیع الأقوال و أحوط من الأخیر إتمام الغسل و إعادة الجنابة و الغسل لها و یقوی فی النظر قُوّة القول الأول فتوی و الأخیر احتیاطاً لقوة دلیل الأول لمن تأمل و قرب الأخیر للخروج عن العهدة علی أی تقدیر و الغسل الارتماسی علی الأصح من انه الارتماسة العرفیة لا الحکمیة یجری علیه ما یجری من الترتیب من الاحتمالات و کذا علی القول بترتیبه حکماً و علی انه الارتماسة الحکمیة یصح مقارنة الحدث لجمیعه کما یصح مقارنة

ص: 214

الحدث لجمیع الغسل الترتیبی و حینئذ فتقوم الاحتمالات المتقدمة سوی احتمال الصحة من غیر وضوء لعدم إمکان تعقب الحدث جزء من الجنابة یصح استناد رفع الأصغر إلیه المحدث فی أثناء غسل غیر غسل الجنابة من الأغسال الرافعة لا ینتقض غسله و لا تجب علیه الإعادة إلا علی القول باشتراک الغسل و الوضوء فی رفع الحدث الأصغر فإنه قد یحتمل وجوب إعادة الغسل لیرفع الحدث به و بالوضوء.

ثامنها: لا یشترط تعین نوع الغسل من کونه ارتماسیاً أو ترتیبیاً

علی الوجه القوی فلو أدخل رأسه ناویاً الارتماس و قلنا أن إدخال الرأس من أجزائه لا من مقدماته فعدل إلی الترتیب صح و کذا العکس نعم یشکل ذلک لو قلنا أن إدخال الإجزاء من مقدمات الارتماس فی النیة علی کلا التقدیرین و لا یبعد أن للمغتسل ترتیبیاً العدول عنه بعد إبطاله إلی الارتماس و کذا العکس لو أمکن لجواز العدول من أحد فردی الواجب قبل إتمامه إلی الآخر و یکون هذا طریقاً للاحتیاط لمن أحدث فی أثناء الغسل و لکنه لا یخلو أیضاً من احتیاط لازم.

تاسعها: من کانت علیه أغسال معها جنابة

جاز أن یفرق کلا أو بعضاً و جاز ان یداخل کُلًا أو بعضاً قیل و لو فرق وجب تأخیر غسل الجنابة عن باقی الأغسال و للمغتسل عن حدث معین أن یغتسل فی أثنائه عن حدث آخر قیل إلّا الجنابة فإنه لا یجوز إیقاع غسلها فی أثناء غسل آخر و یجوز لمن جمع بنیته بین الأغسال فی الغسل الترتیبی فغسل رأسه أن یعدل فیفرق فیجعل غسل الشقین لواحد معین علی الأظهر و هل یجوز لمن فرق فغسل رأسه عن حدث ثمّ غسل مرة أخری عن حدث آخر أن یجمع بعد ذلک فی الشقین أم لا یجوز؟ الأظهر العدم.

عاشرها: یحرم علی المجنب الجلوس فی المساجد

للکتاب و الأخبار و فتوی الأصحاب و الإجماع المنقول من الباب و المخالف شاذ و ما ورد بخلاف ذلک محمول علی التقیة و یحرم علیه وضع شی ء فیها و لا یحرم أخذ شی ء منها للأخبار و فتوی الأصحاب و الإجماع المنقول من الباب و یحرم علیه الاجتیاز فی المسجدین للأخبار و فتوی الأخیار و منقول الإجماع و نفس بیوت النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الأئمة (علیهم السلام) حکمها

ص: 215

کحکم المسجدین فی عدم جواز الاجتیاز أحیاء و أمواتاً لا کحکم باقی المساجد فی حرمة اللبث. نعم الأحوط من الرواق و شبهه إجراء حکم باقی المساجد و یجری الحکم فی جزء بدن المجنب ککله و سطح المسجد و بطنه واحد و یحرم علیه قراءة العزائم المختص من القرآن بها و المشترک مع نیته للأخبار المشتملة علی النهی عن قراءة السجدة المراد بها السورة لفتوی الأصحاب و شهرة الإطلاق و الإجماع المنقول فی الباب و تقوم ترجمة الأخرس مقام قراءة و لا بأس بقراءة ترجمتها من غیر ألفاظها و إن أدت معناها بأی لسان کان و کذا لا بأس بتقطیع حروفها إذا أتی بها تامة کألف جیم و لو أتی بها مقطعة علی حالها ک (ب، ت، ج) اشتد الإشکال و لو أتی بحرف مقتصراً علیه فکذلک لا یخلو من إشکال حتی لو کان مدا و یحرم علیه مس کتابة القرآن المختص به و المشترک مع نیة الکاتب للإجماع و الأخبار و یختص بنفس الفاظه دون ترجمته و لا یتفاوت بین المجتمع و المقطع علی إشکال سیما لو کان المقطع تمام الحرف و لا یبعد عدم وجوب اجتنابه و المد و التشدید فی القرآن دون الحرکات و السکنات و المرسوم بریح أو تفطیر أرض أو بلا قصد إذا کان غیر مشترک من القرآن أیضاً و یحرم مس (اسم الله تعالی) للأخبار و الإجماع و الأظهر إلحاق المقطع به ما لم یکن الحرف تامّاً و التشدید منه و یلحق به الأعلام الباقیة کالرحمن و هل الأعلام فی سائر اللغات و الصفات الخاصة و لفظ الجلالة عند ترکیبه کعبد الله حکمه کذلک الأقوی ذلک للاشتراک فی التعظیم و الأحوط تجنب أسماء الأنبیاء و الأئمة و الملائکة [علیهم السلام]

حادی عشرها: یکره للمجنب الأکل و الشرب بما یسمّی عرفاً إلّا أن یتوضأ أو یغسل وجهه و یدیه

و یتمضمض أو یتمضمض و یستنشق فقط أو یغسل یدیه فقط و الظاهر أن أبلغه الجمع بین غسل الیدین و المضمضة و الاستنشاق و الوضوء و الباقی تخفیف لها بحسب مراتبها و یکره له النوم إلا بعد الوضوء و یکره له الخضاب فی ید أو غیرها کما تکره الجنابة للمختضب إلا أن یأخذ الخضاب مأخذه و یکره له قراءة ما زاد علی سبع آیات و لو آیة مکررة و تشتد من قراءة ما زاد علی سبعین و الأحوط ترکها تقصیاً عن شبهة القائل بالتحریم و تکره الاستعانة القریبة مع التولیة و یکره مس جلد

ص: 216

المصحف و ورقه کل ذلک للأخبار و فتوی الأصحاب و لا بأس من السنن بالأخذ بالخبر الضعیف و فتوی الفقیه کما مرّ غیر مَرَّةٍ.

ص: 217

ثانی عشرها: یستحب عند غسل الجنابة غسل الفرج و غسل الیدین ثلاثاً و المضمضة

و الاستنشاق ثلاثاً ثلاثا و إمرار الید علی الجسد للاستظهار و إن یکون الغسل بصاع أربعة مداد و المد رطلان و ربع بالعراقی و الظاهر أنه هو و مستحبّاته و یستحب الاستبراء بالبول للمنزل إذا کان ذکراً فإن لم یمکنه استبراء بالاجتهاد کما تقدم فی الوضوء و لا یبعد استحباب الاستبراء للامرأة بالاجتهاد أیضاً کما لا یبعد استحبابه للمولج عند الشک فی الانزال و یستحب التسمیة عند الغسل و الدعاء بالمأثور و یستحب تخلیل ما یصل إلیه الماء استظهاراً و تستحبُّ الموالاة بین الأعضاء و إجزائها تحصیلًا للمسارعة المطلوبة کل ذلک للاخبار و فتوی الأصحاب و الاحتیاط العقلی فی العبادة مع عدم حصول المعارض بعد التتبع للفقیه و جواز التسامح فی أدلة السنن مع عدم احتمال خصوصیة التحریم أو الکراهة من دلیل آخر ما عدا مانع التشریع.

القول فی غسل الحیض

اشارة

و فیه أمور

[فی معنی الحیض]

أحدها: الحیض لغة السیل مطلقاً أو بقوة و یقال لغة و عرفاً علی دمٍ خاص یقذفه الرحم إلی خارج الفرج معروف عند النساء لمعرفة المنی و البول فیحسسن به عند نزوله و یمیزنه عند خروجه و تدور الأحکام علی القطع به عندهن سواء جمع الأوصاف اللاحقة له غالباً أو لم یجمع کسائر الموضوعات العرفیة و اللغویة عند القطع بها فإنها تترتب علیها أثارها و إن لم تجمع الأوصاف اللاحقة لها غالباً و مقتضی القواعد أنه مع عدم القطع به یتمسک بالأصل فی نفیه لأصالة الطهارة و أصالة عدم حدوثه و لکن جعل له الشارع طرقاً یحکم معها علی غیر المقطوع به أنه حیض لإفادتها الظن به غالباً عند اشتباهه بدم الاستحاضة أو دم القرحة أو دم البکارة و جعله أصلًا فی مقام الشک بینه و بین الاستحاضة فی موارد خاصة و من الطرق القاضیة به عند حصول الشک بینه و بین الاستحاضة عدم حصول دمین و عدم إمکان جعلهما معاً حیضاً واحداً و لا متعدد وقوعه فی أوقات یعتاد وقوعه بها و اتصافه بأوصاف لازمة له غالباً

ص: 218

کوصف السواد و الحمرة و وصف الحرارة و الخروج بحرقة و وضع و لذع و وصف الدفع و القوة و وصف الطراوة و هو العبیط لقوله (علیه السلام) (فی دم الحیض دم أسود حار تجد له حرقة و دم الاستحاضة دم فاسد بارد و فی آخر دم الحیض حار و عبیط أسود له دفع و حرارة و دم الاستحاضة أصفر بارد) و فی آخر (دم الاستحاضة بارد و دم الحیض حار) و فی آخر (دم الحیض أسود یعرف) و فی آخر (إذا رأیت الدم البحرانی فدعی الصلاة) و البحرانی هو الشدید الحمرة و السواد کما عن بعضهم أو شدید الحمرة و خالصها کما عن بعض آخر و مقتضی هذه الأخبار أن هذه الأوصاف إنما تعتبر عند حصول الاشتباه لإفادتها المظنة بالحیض أو المظنة بالاستحاضة فعلی ذلک فلو خلی الدم عن الوصفین معاً کما إذا کان بین الحرارة و البرودة و بین الحمرة و الصفرة کالشقرة و بین القوة و الضعف لا یحکم علیه بشی ء مع احتمال أن قوی کل مرتبة یحکم علی ضعفیها عند التعارض و إن کل ما خلی عن وصف الاستحاضة فهو مفید للظن بأنه حیض و من الطرق القاضیة به عند الشک بینه و بین دم العذرة هو الانغماس فیه و التطوق فیها و القاضیة به عند الشک بینه و بین القرحة هو الخروج من الأیسر فیه و من الأیمن فیها کما سیجی ء ذلک إن شاء الله تعالی و من الطرق القاضیة به أصالة الحیض عند إمکانه کما إذا حصل دم لا یعارض بدم آخر لا یمکن جعل کل منهما حیضاً مستقلًا و لا حیضاً مجتمعاً و علی کل حال فدم الحیض غنی عن التحدید و تعاریف الفقهاء له من قبیل الرسوم لا تعاریف حقیقیة و أوجه ما یقال فیه أنه دم یقذفه رحم المرأة بعد إکمال التسع و قبل بلوغ حد الیأس یعتاد لأغلب النساء فی أوقات معلومة غالبة لحکمة ترتیبیة الولد فإذا حملت صرف الله ذلک الدم إلی تغذیته فإذا وضعت الحمل خلع الله تعالی عنه صورة الدم و کساه صورة اللبن غالباً لاغتذاء الطفل فإذا خلت عن حمل و رضاع رجع دماً غالباً و استقر فی مکانه و خرج فی الغالب فی أوقات معلومة فی کل شهر أو أقل أو أکثر بحسب قراب المزاج من الحرارة و بعده کما تومئ إلی ذلک کله الأخبار أو یقال أنَّه دم فی الغالب أسود حار عبیط له دفع و حرقة تتعلق به أحکام مخصوصة فی زمان مخصوص من شخص مخصوص لقلیلة أحد و کذا الکثیرة له تعلق بانقضاء العدّة علی وجه إما بظهوره أو بانقطاعه یحرم معه الصلاة و الصوم و الوطء و هذان الرَّسمان

ص: 219

و إن کانا کاشفین عن معناه و ممیزین له عما عداه و لکنهما مشتملان إما علی أمور لا یعرفها للبشر إلا بتوفیق من الله عزَّ شأنه و أما علی الأحکام لا تترتب علیه إلا بعد معرفته و العلم به فلو توقف العلم به علیها دار و أما علی الأوصاف لا تلزمه دائماً بحیث یستدل بها علیه قطعاً فلا بد من الالتزام بکونهما کاشفین و ممیزین له قطعاً لأنهما معرفان له ظاهراً و ممیزان للفرد البارز أنه حیض أو استحاضة فلا بد من بحیث یستدل بها علیه قطعاً فلا بد من الالتزام بکونهما کاشفین و ممیزین له واقعاً لأنهما معرفان له ظاهراً و ممیزان للفرد البارز أنه حیض أو استحاضة فلا بد من الرجوع فی ذلک للقواعد الآتیة إن شاء الله تعالی و جمیع ما ذکره الفقهاء من الرسوم المشتملة علی بعض

أوصاف أو بعض أحکام لا یریدون بها سوی التمیز فی الجملة لتوجه النفس إلی نوع خاص دون غیره و لا یریدون تمیز الفرد عند الاشتباه حقیقة لانتقاض أکثرها فی الطرد و العکس و عدم إمکان ذلک منها،

و هاهنا مباحث:

أحدها: إذا اشتبه دم الحیض بدم العذرة

مع العلم بأنه أحدهما و مع العلم بحصول البکارة افتضاضها من الزوج أو غیره کان الحکم فیها لزوم الاختبار باستدخال القطنة و الصبر قلیلًا و إخراجها برفق فإن خرجت مُطوّقة فهو من العذرة و إن خرجت مستنقعة فهو من الحیض للأخبار المشتملة علی الصحیح الصریح و فتوی العلماء الأخیار المشتملة علی بیان ذلک و إنه سِرِّ الله فلا تذیعوه و ارضوا لهذا الخلق بما رضی الله تعالی لهم من الضلال و یفهم منه أنه من خواص الإمامیة و مخالف لما علیه العامة فلا یمکن المحیص عن القول بمضمونها و ظاهر الروایة قصر الحکم علی القطع بحصول الافتضاض و أما مع الشکّ فیه فالرجوع لأصالة الحیض لأنه الأغلب من الدماء أولی و قصرها علی ما إذا تعقب نزول الدّم الافتضاض فلو سبقه الدّم المحکوم بحیضیّته ثمّ حصل الافتضاض و حصل الشکّ لکثرة أو غیرها استصحب الدّم الأوّل و کذا لو علم اولًا نزول دم العذرة ثمّ حصل الشکّ بعده فإن الأظهر أن الحکم بکونه دم عذرة للاستصحاب أولی و یحتمل قویاً الرجوع للعلامة المتقدّمة لإطلاق الأخبار و الظاهر أن الاختبار لازم لظاهر الامر فی الخبر و للاحتیاط و لو قصّرت فالظاهر بطلان

ص: 220

عبادتها و لزوم الاحتیاط علیها بالصلاة و الصوم و قضاؤه بعد ذلک و منع الزوج عن الوطء و لو لم یمکن الاختبار و قوی الحکم بحیضتها و یحتمل الرجوع لأصل الطهارة سیما مع سبق دم العذرة فإنّ استمرار الاشتباه فظاهر و إن انکشفت طهارتها صح ما عملته مع البناء علی أصل الطهارة و کذا ما عملته مع البناء علی الحیض احتیاطاً منها علی وجه قوی و لو کان جرح أو قرح محیطین بالفرج کإحاطة البکارة احتمل بطلان الاختبار و الرجوع لأصالة الحیض أو الرجوع لأصالة الطهارة و احتمل لزوم الاختبار فیدور الأمر بین دم البکارة و دمهما مع التطویق و الحکم بالحیض مع عدمه و هو الأقوی و لو أرسلت قطنة فتجاوزت محل العذرة إلی فوق فتلوثت بعد تجاوزها حکم لها بالحیض سواء خرجت مطوقة أم لا.

ثانیها: إذا اشتبه دم الحیض بدم الجرح و القرح بعد العلم بحصولهما

سواء علم سیلان دم منهما أم لا وجب علیها الاختبار بإدخال قطنة أو الإصبع الوسطی فإن خرج الدّم من الجانب الأیسر فهو من الحیض (و إن خرج من الأیمن فهو منهما للخبر المنجبر بفتوی المشهور مُرها فلتستلق علی ظهرها و ترفع رجلیها و تستدخل إصبعها الوسطی فإن خرج الدّم من الجانب الأیسر فهو من الحیض و إن خرج من الجانب الأیمن فهو من القرحة) هذا علی روایة التهذیب و فی روایة الکافی بعکس ذلک و هو و إن کان أضبط إلّا أن الأولی مؤیدة بفتوی المشهور و روایة الفقه الرضوی و شهادة الموثّقات من النّسوة بذلک علی ما نقل فیجب تقدیمها علی ما فی الکافی و مع ذلک فلیشترط فی الاختبار عدم العلم باستدارة الجرح و القرح و عدم العلم بکونهما فی الجانب الأیسر و الأیمن معاً أو الأیسر فقط و یقوی اشتراط عدم العلم بسبق دم الحیض فلو علم سبقه وجب الحکم ببقائه و لا یبعد بطلان عبادة التارکة للاختبار عمداً و أما التارکة اضطراراً فیقوی الحکم علیها بالحیض و یحتمل الحکم بأصل الطهارة و لو عملت مع الحکم بالحیض احتیاطاً أو مع التمسک بأصل الطهارة فبان کذلک أجزأها علی إشکال فی الأوّل.

ص: 221

ثالثها: إذا اشتبه دم الحیض بدم النفاس

فإن کان مع الشکّ فی الولادة فالحیض أصل له و إن کان مع الولادة و مع الشکّ فی الدّم ابتداء أو مع العلم بسبق دم النفاس فالحکم بأنه دم النفاس للظاهر فی الأوّل و له و للاستصحاب فی الثّانی هو الأقوی و إذا اشتبه دم الحیض بدم الاستحاضة ترتبت علیها أحکام یأتی الکلام علیها إن شاء الله تعالی و توضیح المسألة أن الدّم الخارج من الامرأة إما أن یکون دم حیض أو استحاضة أو نفاس أو عذرة أو قرح أو جرح و صور اشتباهها المعتد بها عشرة و بیانها أن دم النفاس أصل لغیره بعد تحقق الولادة مطلقاً سال دمها أم لا و لا یعتبر فیه الرجوع للتطویق و عدمه و الأیسر و الأیمن عند اشتباهه بالعذرة أو الجرح و القرح علی الأقوی إلّا مع العلم سبق دم الجرح و القرح علی الولادة فإنه یمکن البناء علیهما مع الشکّ لأصالة الطهارة و لکنّه ضعیف لأنّ الظاهر مقدّم علی الأصل هاهنا و دم الحیض أصل لغیره بعد العلم بتحققه و مع عدم العلم فهو الأصل إلّا فیما یستثنی فما قدمنا من اشتباهه بالجرح و العذرة و مما سیأتی إن شاء الله تعالی من اشتباهه بالاستحاضة و دم الاستحاضة أصل بعد العلم بحصولها أو بعد العلم بعدم الحیضیّة عند ابتدائها ما لم یعلم نزول الدّم من سبب آخر من جرح أو عذرة و یشکّ بعد ذلک و احتمال تسریة حکم الحیض إلیه فی وجوب الاعتبار و الأخذ بما قدمنا ضعیف و المعلوم وجود سببه أو وجود دمه أصل بالنسبة إلی غیره مما لم یعلم منه ذلک من جرح أو عذرة أو قرح و مع العلم بهما یرتفع التمیز مع احتمال الرجوع إلی التّطویق و عدمه و الخروج من الجانب الأیسر و عدمه للتمییز بین العذرة و الجرح و القرح و بالجملة فصور اشتباه الحیض بغیره أربع إذا عددنا الجرح و القرح واحداً و الحکم فیها أنه مع العلم بعدم الولادة و بسبق الحیض یحکم به و مع عدم العلم یرجع فی التمییز بینه و بین العذرة و الجرح و القرح لما قدمناه حتی لو علم سبق دمهما و بینه و بین الاستحاضة إلی ما یأتی إن شاء الله تعالی و بینه و بین النّفاس إلی الحکم بالحیضیة و تأخر النفاس ما لم تعلم الولادة و بین الاستحاضة و النفاس إلی الاستحاضة ما لم تعلم الولادة فإنه یقدم و لو مع العلم بسبق الاستحاضة ترجیحاً للظاهر علی الأصل و بین الاستحاضة و العذرة و الجرح و القرح

ص: 222

إلی الاستحاضة ما لم تعلم أسبابها و نزول الدّم منها فتستصحب و یحتمل الرجوع إلی الطرق المتقدمة فی الفرق ما بینها و بین الحیض و لکنه بعید و بین العذرة و الجرح و القرح إلی المعلوم یسبق دمه و المعلوم تحقق سببه أو التطریق و عدمه إذا لم یعلم تطوق الجرح و القرح أو علم عدمه و صور و اشتباه الاستحاضة بغیرها مما عدا الحیض ثلاث و الحکم فیها بالاستحاضة إلّا مع العلم بالولادة أو العلم بالدّم الخارج سابقاً إنه من عذرة أو قرح أو جرح و یحتمل الرجوع لما قدّمناه فیها کما قدّمنا و صور اشتباه النفاس بغیره مما عدا الحیض و الاستحاضة اثنان و الحکم فیهما بالنفاس مع العلم بالولادة و مع عدم العلم یقدّم معلوم السّبب أو الدّم أو الإمارات المتقدمة و مع عدم ذلک فالتوقّف و الأصل یقضی بالطهارة من النفاس و صور اشتباه العذرة بغیرها مما قدمناه یرجع إلی العلائم و إلّا فالتوقف و یحتمل تقدیم دم العذرة لکونه کالطبیعی.

رابعها: الحیض لا یجامع الصغر

للإجماع بقسمیه و السّنة المعلومة و المراد به عدم بلوغ التسع کملًا و إن وقع الطعن فیها هلالیة إن قارنت الولادة أول الهلال و إن لم تقارن فالأقوی احتساب الشّهر المنکسر عددیاً و الباقی هلالیة مع احتمال تکمیل الأیام الفائتة من الثّانی و الثّانی من الثالث و هکذا فیکون الجمیع هلالیة و احتمال انکسار جمیع الشهور فتکون الجمیع عددیة و لکن الأوّل أقوی و یلفق الیوم المنکسر بقدر ما فات منه مع احتمال إسقاطه و احتمال احتسابه یوماً تامّاً و احتمال الفرق بین الکثیر و القلیل و لکن الأوّل أقوی و کل دم کان قبل البلوغ قطعاً فلیس بحیض و إن جمع الأوصاف و ما کان مع الشکّ فی البلوغ و کان جامعاً للوصف کان حیضاً و کان علامة علی البلوغ علی الأظهر و لا یبعد أن العلامة علی البلوغ هو المقطوع بحیضیته کالمنی لا مجرد الجامع للأوصاف.

خامسها: لا یجامع الحیض سن الیأس

و هو البلوغ ستین سنة علی النحو المتقدم فی القرشیة و هی المنتسبة إلی قریش بالأب لا بالأم فقط کما قد یتخیل و المعروف منهم نسب هاشم و ربما قیل بدخول کل من انتسب إلی قریش الآن کبعض الطوائف و یوافقه الاحتیاط و فی النبطیة و هی المنسوبة إلی النبط و هم قوم ینزلون سواد العراق وقت

ص: 223

صدور الروایات و لا یبعد إلحاق جمیع النازلین سواد العراق و لو الآن بهم و لکن بشرط التواطن فی النزول فلا یکفی مجرد النزول و قیل أنهم قوم ینزلون البطائح بین العراقین و قیل أنهم قوم من العجم و قیل أنهم من کان أحد أبویه عجمیاً و الآخر عربیاً و قیل أنهم عرب استعجموا أو عجم استعربوا و قیل أن أهل عمان عرب استنبطوا و أهل البحرین نبط استعربوا و الظاهر أنهم فی هذا الوقت لا یعلمون و بالأصل و الغالب ینفون و لیسوا من باب الشبهة المحصورة و ولد الزنا من قریش و النبط حکمه حکمهم لأنّ الاعتبار فی المزاج و فی غیرهما بلوغ خمسین تامة علی نحو ما تقدم و الدلیل علی ما ذکرناه هو الجمع بین الأخبار المعتبرة المعمول فیها عند جماعة من أصحابنا الدالة علی اعتبار الخمسین فی تحدید الیأس مطلقاً و الأخبار الدالة علی اعتبار السّتین مطلقاً و أفتی بها جمع من أصحابنا و فیها المعتبر أیضاً بحمل روایات التّحدید بالخمسین علی غیر القرشیة و روایات الخمسین علیها و شاهد الجمع مرسلة ابن أبی عمیر المنزلة منزلة المسند المعتضدة بفتوی المشهور نقلًا بل تحصیلًا و فیها إذا بلغت الامرأة خمسین سنة لم تَرَ حمرة إلّا أن تکون امرأة من قریش و ظاهر الحمرة هو الحیض و إلّا لفسد ظاهر الکلام و لا قائل بالتّحدید بما بین الخمسین و الستین فتعیّن إرادة الستین من القرشیة فی الاستثناء و یضاف إلیه فهم المشهور و ورود الستین فی الأخبار الآخر و هذا الجمع أقوی من الجمع المدعی بتخصیص مفهوم ما دلّ علی الستین من عدم الیأس بما قبلها بمنطوق ما دلّ علی الخمسین لبعده عن مقام البیان و فهم المشهور و أما النبطیة فالدلیل علی کون الحکم فیها کذلک و هو ما أرسله (الشیخ المفید) من الروایة الدالة علی أن النبطیة حد یأسها إلی الستین و نسب الفتوی به إلی مشهور الأصحاب فیکون هو شاهد الجمیع فی الباب و لکن المقام لا یخلو من إشکال و الاستصحاب یقضی بعدم الیأس قبل السّتین لمن اتّصفت الآن به و الاحتیاط فی العبادة یقضی بثبوته عند بلوغها الخمسین و إجراء أحکام الطاهرة و الحائض علیهما هو الأحوط.

ص: 224

سادسها: هل یجامع الحیض الحمل مطلقاً أو لا یجامعه مطلقاً

أو یجابه بشرط عدم استبانة الحمل و لا یجامعه إذا استبان أو یجامعه إذا مضی من العادة قدر عشرین یوماً أقوال أصحها و أشهرها الأوّل للروایات المتکثرة الدالة علی ذلک کالصحیح عن الحُبلی تری الدّم أ تترک الصلاة؟ قال نعم الحُبلی ربما قذفت بالدم و فی الصحیح الآخر عن الحُبلی تری الدّم ثلاثة أیّام أو أربعة أ تصلی؟ قال تمسک عن الصلاة و فی الآخر عمن تری الدّم فی أیّام حیضها قال تمسک عن الصلاة و فی روایات متعددة فیها الموثّق و غیره کذلک و فی بعضها تقریب ذلک أنه ربما یزید علی غذاء الولد فتدفعه فهذه الأخبار المتکثرة المُنجبرة بفتوی الأصحاب لا یصلح لمعارضتها ما دل علی القول الأخیر من الصحیح إذا رأت الحامل الدّم بعد ما یمضی عشرون یوماً من الوقت الذی کانت تری فیه الدّم فی الشّهر الذی کانت تقعد فیه فإن ذلک لیس من الرحم و لا من الطمث فلتتوضّأ و تحتشی بکرسف و تصلی و إذا رأت الحامل الدّم قبل الوقت الذی کانت تری فیه الدّم بقلیل و فی الوقت من ذلک الشّهر فإنه من الحیضة فلتمسک عن الصلاة عدد أیامها التی کانت تقعد فی حیضها فإن انقطع عنها الدّم قبل ذلک فلتغتسل و لتصلی فإنه لوحدته و عدم اشتهاره و استفاضته لا یصلح لمقاومة تلک الأخبار المخالفة لفتوی العامة کما قیل المعتضدة بفتوی مشهور الأخبار المشتملة علی الصحاح و الموثقات کی یحکم علیها أو یقیدها أو یخصّصها فحمله علی من استمر بها الدّم أولی و کذا لا یصلح لمعارضتها ما دلّ علی القول الثّانی من خبر السکونیّ ما کان الله تعالی لیجعل حیضاً مع حبل لضعفه و موافقته لمشهور فتوی العامة علی ما نقل فلیحمل علی التقیّة أو علی الأغلبیة أو یطرح من الصحیح فی الحبلی تری الدّفعة و الدّفعتین من الدّم فقال تلک الهراقة لیس تمسک هذه عن الصلاة لضعفه دلالةً بظهوره فیما لم یجمع الشرائط و فی صحة طلاق الحامل مطلقاً رأت دماً أولًا و لو کان ما رأته حیضاً لما صَحّ طلاقها و ذلک لمنع عدم صحة طلاق الحائض مطلقاً بل المتیقّن منه ما لم تکن حاملًا کما صح طلاق الحائض مع غیبة زوجها و من تعلیق العدد و الاستبراء بالحیض فإنه لو جامع الحیض الحمل لما صح الاعتداد به فی استبراء الرحم من الحمل فی العدة و الاستبراء و ذلک لمنع

ص: 225

التّلازم لجواز اکتفاء الشارع فی العدّة و الاستبراء بالمظنّة الناشئة عن غلبة اجتماع الحیض و الحمل عادة کما یرشد إلیه التعدّد فی الحرّة و الوحدة فی الأمة إذ لو کان الاجتماع ممتنعاً لاکتفی بالمرة فیهما و لکن لما کان الاحتیاط فی الحُرَّة اشد لزم اتباع ما هو أقوی فی حصول الظّن و الاکتفاء بما هو أضعف فی الأمة فتأمل و کذا لا یصلح لمعارضتها ما دلّ علی القول الثالث فی إشعار الصحیح به من إرادة الاستبانة من مضی عشرین یوماً و من إشعار الرضوی به حیث قال و قد روی إنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صح لها الحمل و من الإجماع المنقول علی ذلک و ذلک لضعف الإشعار فی الأوّل دلالة و اعتبار البعد و الاستبانة فی تلک المدة و ضعف الأشعار فی الثّانی سنداً و دلالة و ضعف الإجماع المنقول لمعارضته بفتوی المشهور علی خلافه فلا یصلح جمیع ذلک لمعارضة ما ذکرنا و لا لمقاومته کی یمکن تقیده به سیما و قد ورد فی الصحیح عن الحبلی قد استبان ذلک منهما تری کما تری الحائض؟ قال تلک المهراقة إن کان دماً کثیراً فلا تصلّین و إن کان قلیلًا فلتغتسل و فی المُرسل عن الحبلی استبان حبلها تری ما تری الحائض من الدم؟ قال تلک الهراقة من الدّم إن کان دماً أحمر کثیراً فلا تُصلّی و إن کان قلیلًا أصفر فلیس علیها إلّا الوضوء نعم یمکن الجمع بین الأخبار و بحمل ما دلّ علی جواز الاجتماع علی صورة اتصاف الدّم بلون الحیض و کثرته و عدم تقدمه علی أیّام العادة و تأخّره کثیراً و ما دلّ علی المنع منه علی غیرها لأنّ الأخبار ما بین مثبت مطلقاً و نافٍ مطلقاً و مُفصّل بین الکثیر و القلیل و بین المتقدم و المتأخر بعشرین یوماً و بین الجامع للأوصاف و غیره کما تقدم و فی الموثق عن الامرأة الحُبلی تری الدّم الیوم و الیومین قال إن کان دماً عبیطاً فلا تصل ذلک الیومین و إن کان صفرة فلتغتسل فالوجه فی الجمیع أن یجمل المطلق علی المقیّد و یؤخذ بالسّابق من کل مقیّد من المقیّدات کما هی القاعدة عند تکثر المقیدات إلّا أن هذا التفصیل لا قائل به، فالرکون إلیه مشکل و الاحتیاط غیر خفی.

سابعها: لا یکون الحیض أقل من ثلاثة أیّام

بلیالیها کاملة متوالیة یتبع بعضها بعضاً صحیحة إن ابتداء الحیض فی أولها و ملفقة إنْ انکسر الیوم الأوّل و علی الأوّل

ص: 226

تدخل اللیلتان المتوسطتان و علی الثّانی تدخل الثلاث و یحتمل عدم احتساب الیوم المنکسر مطلقاً و یحتمل احتسابه تامّاً و یحتمل الفرق بین الکسر القلیل فالثانی و الکثیر فالأول و الأوجه ما قدمنا و الاحتیاط غیر خفی و تکمیل الکسر من اللّیل وجه و الأوجه خلافه و یشترط الاستمرار فی الثلاثة و لو فی الرحم بحیث کلما إذا دخلت القطنة وجدت الدّم فلا یکفی فی الحیض أقل من ثلاثة أیّام للإجماع و الأخبار المتکثرة الدّالة علی أن الحیض لا یکون أقل من ثلاث و إن أدنی الحیض ثلاث و لا تکفی اللیالی الثلاث دون الأیام لأنّ الموجود فی الأخبار و هو الأیام لا اللیالی لا تکفِ الأیام دون اللیلتین المتوسّطتین فی الصحاح أو دون الثلاث فی الملفق لتبادر دخولها فی مثل هذا الترکیب عرفاً و شرعاً و استقراءً لظاهر الاتفاق و لا یکفی وجودها فی ضمن العشرة غیر متوالیة کما اکتفی بها الشیخ (رحمه الله) سواء کان وجودها أیاماً کالیوم الأوّل و الخامس و العاشر أو دون ذلک أو أکثر أو أبعاضاً بحیث لو اجتمعت کانت ثلاثة کما إذا رأته ستة أنصاف أیّام فی ستة أیّام أو أکثر أو تسعة أثلاث فی تسعة أیّام أو أکثر أو تناوب علیها النقاء و الدم ساعة وساعة إلی ستة أیّام أو أکثر إلی غیر ذلک کل ذلک لتبادر التوالی من الروایات الحاکمة بأن أدنی الحیض ثلاث و للرضوی الدّال علی ذلک المعتضد بفتوی المشهور نقلًا بل تحصیلًا و للأصل النافی للحیض عند الشکّ فیه و للاستصحاب المثبت لصحة العبادات السابقة و المثبت لإمکان تعلق الخطاب بها و الإیراد بمنع تبادر التوالی أو بتسلیمه و دعوی حصوله إذ من یقول بکفایة وجودها فی ضمن العشرة یقول أن ما بین الثلاث حیض و إن لم یکن فیه دم و بمنع حجته الرضوی و بمنع الأصل لمعارضته بأصالة البراءة من التکلیف سیّما قبل دخول الوقت مدفوع بأن منع تبادر التوالی مکابرة و إن الظاهر من لفظ الحیض هو الدّم دون النقاء المتخلل و إن الرضوی حجة إذا تأیَّد بفتوی المشهور و إن أصالة البراءة لا تعارض استصحاب القابلیة للتکلیف و تعلق التکلیف أو التکلیف المحقق بعد تعلقه و من جاء حجة للشیخ (رحمه الله) من مرسل یونس و قوله فیه (و إن انقطع الدّم من بعد ما رأته یوماً أو یومین اغتسلَت و صلّت و تطهّرت من یوم الدّم إلی عشرة أیّام فإن رأت فی تلک العشرة من یوم رأت

ص: 227

الدّم یوماً أو یومین حتی یتم لها ثلاثة أیّام فذلک الذی رأته) فی أوّل الأمر مع هذا الذی رأته بعد ذلک فی العشرة من الحیض و هو طویل أخذنا منه موضع الحاجة و فی الصحیح محمد بن مسلم و موثقته الدالتین علی أن المرأة إن رأت الدّم قبل العشرة فهو فی الحیضة الأولی و إن رأته بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة ضعیف لضعف المرسل سنداً و متناً لاشتماله ظاهر علی کون ما بین الدمین طهراً و لا یقول به أحد لأنّ الطّهر لا یکون أقل من عشرة کما دلّت علیه الأخبار و نطق به أخیر هذا المرسل و ضعف دلالة الروایتین علی ذلک لأنّ قوله (علیه السلام) فهو من الحیضة الأولی موقوف علی ثبوت کون الأوّل حیضاً و هو أول المسألة و بعد ثبوت اشتراط التوالی یکون الحیض الأوّل هو ما کان ثلاثة أیّام متوالیة فلا یصلحان لمعارضة ما ذکرناه و أما ما ذکره بعض متأخری المتأخرین من أن الطهر الذی لا یکون أقل من عشرة هو ما کان بین حیضتین إلّا ما کان متخللًا بین حیض واحد فی أیّام النّقاء فإنّ ذلک لا یکون إلّا أقلّ من عشرة و هو کالطّهر فی الأحکام فلا ضعف فی المتن و من أن المرسل حجة عند المتقدمین فلا ضعف فی السند و من أن الروایتین ظاهرتان بذلک إن لم یکونا نصاً علی أنه یلزم علی فهم المشهور الاختلال بلفظهما لأنّ العشرة المضاف إلیها بعد یراد بها عشرة الطّهر و المضاف إلیها قیل هی عشرة الدّم التی قد حصل الدّم فی أولها هذا علی فهمهم مع أن المراد بالعشرین واحدة و هی عشرة الطهر فإن وقع الدّم قبلها کان من الحیضة الاولی و لو زاد مجموعة و البیاض علی العشرة کما إذا رأت خمسة دماً و ثلاثة بیاضاً و خمسة دماً و هکذا کان کل دم حیضاً و کل بیاض و کل بیاض طهراً ما لم یزد الدّم علی العشرة فإنه لا یکون حیض و إن وقع بعدها کان من الحیضة الثانیة کله بعید عن الصواب و مخالف لفتاوی الأصحاب القاضیة بإطلاقها علی أن الأظهر الذی یعاند الحیض اسماً و حکماً لا یکون أقل من عشرة مطلقاً من غیر تفصیل و القاضیة بأن المراسیل ما لم تعتضد فتوی المشهور أو عملهم أو کانت ممن أجمع العصابة علی قبول مراسیله لم تقبل و أما ما ذکره من الاختلال فی نظم الروایتین فمردود أولا بأنه لا بأس بحمل لفظ العشرة علی عشرة الطهر فی المقامین علی فهم المشهور أیضاً و یکون المراد

ص: 228

أن ما تراه قبل عشرة الطهر إذا تقدّمهُ ما یصلح لأن یکون حیضاً و لم یتجاوز العشرة فهو من الحیضة الأولی و ما تراه بعدها فهو من المستقبلة و یکون التخصیص بتقدم ما یصلح للحیضیّة و بعدم تجاوز العشر للدلیل الدال علی أن الحیض ثلاثة متوالیة و إنه مع بیاضه المتخلل لا یتجاوز العشر لأنّ البیاض بین الدّمین إذا کان دون العشرة حیض أو بحکم الحیض و ثانیا بأنه لا بأس باختلاف معنی العشرین بعد فهم الأصحاب و قرائن الباب مع أنه قد یمکن إرادة عشرة الدّم فی العشرین معاً و یکون عدم الحکم بحیضیّته ما فوق العشر من الدّم الذی لم یتخلله أقل الطهر للدّلیل و یکون فی الثلاث مسماها بل لا بُد کمالها استمرار الدّم فیها للأصل و عدم تیقن الحیض إلّا بذلک و لظهور الأخبار به و لظاهر الإجماع المنقول علی أنها لو رأت یومین و نصفاً لم یکن حیضاً و لظاهر الاتفاق المنقول عن القائلین بالتوالی أنهم قائلون بإکمال الاستمرار و الظاهر أن المراد بالاستمرار هو الاستمرار العرفی فلا تضرّ الفترات المعتادة للنساء و نقل علیه الإجماع و احتمل بعضهم لزوم الاستمرار حقیقة و أنه لا بد من ذلک و الظاهر بعده و أبعد منه قول من اکتفی فی المسمی فی الثلاث مطلقاً و من اکتفی بالمسمی فی الوسط و أوجب مقارنته لأول الأوّل و لأخیر الأخیر تحقیقاً لصدق الثلاثة لمخالفتهما للأصل مع عدم الدلیل علیهما.

ثامنها: لا یکون الحیض أکثر من عشرة أیّام

باللیالی التّسع مع عدم الانکسار بالعشر مع الانکسار و فی احتساب المنکسر یوماً أو طرحه أو الفرق بین قلیله و کثیره أو تلفیقه من الیوم الأخیر أو من اللیل الخارج وجوه أقواها ما تقدم من البناء علی التلفیق و یدل علی أنّ اکثر الحیض عشرة، الأخبار المتکثرة الدالة علی انه لا یکون أکثر من ذلک کما أنه لا یکون الطهر أقل من ذلک و الإجماع محصلًا و منقولًا علیهما معاً فما دلّ علی أن أکثر الحیض ثمان مطروح أو محمول علی التقیة أو علی الغالب المعتاد و کذا ما دلّ علی من رأت الدّم خمسة و النقاء خمسة و الدم أربعة و النقاء ستة أنها لا تُصلّی إذا رأت الدّم إلی ثلاثین یوماً فإنه محمول علی المتحیرة المستمر بها الدّم فإن الأحوط لها ترک الصلاة عند رؤیة الدّم و الصلاة عند رؤیته و اعلم أنه یحتسب من الحیض أیّام

ص: 229

النقاء الواقعة فی العشرة بعد مُضیّ ثلاثة أیّام الدّم إذا انقطع الدّم علی العشرة و علی قول الشیخ بکفایة الثلاثة المتفرقة فی العشرة فإن جعل النقاء بینها حیضاً کان أکثره و أقله سواء فیما لو رأت یوماً و خامسه و عاشره و إن جعل النقاء طهراً کما تخیله بعض المتأخرین کان أقله مقصوراً علی حصوله فی العشرة و أکثره قد یحصل بالعشرة إذا ملأها و قد یحصل بالأکثر حتی ینتهی إلی الثمانین یوماً ثلاثة فی العشرة المتقدمة و سبعة کل تسعة أیّام و عاشرها دم یکون إلی سبعین یوماً نعم لو فصل بین الدّمین طَهُر قدره عشرة أیّام کانت الحیضتان مستقلّتین و کلما رأت ثلاثة فی ضمن عشرة ثمّ رأت بعدها کان المجموع حیضاً ما لم یفصل أقل الطهر أو یزید مجموع الدّم علی عشرة و لا یخفی بعد هذا عن کلام الأصحاب بل عن الإجماع المحصل.

تاسعها: کل دم تراه الامرأة یمکن أن یکون حیضاً غیر معارض بإمکان حیضیة دم آخر فهو حیض

سواء جمع صفات دم الحیض أم لا و سواء کانت المرأة معتادة أم لا کما إذا کانت مبتدئة أو مضطربة و سواء وقع فی العادة للمعتادة أو لا کما إذا وقع قبلها أو بعدها و سواء کان المرئی قبل تمام الثلاثة أو بعد تمامها إلی العشرة و ذلک لأصالة دم الحیض و أغلبیته بالنسبة للدّماء الخارجة من فروج النساء و لقوّة الظّن به و ضعف الظّن بغیره و اتباع قوی الظّن واجب فی الموضوعات العرفیة و لأنّ الحیض طبیعی و غیره لا یکون إلّا من آفة أو من علة و لا شک أن الطبیعی أصل بالنسبة إلی غیره و قد یناقش فی هذا الأصل قبل تمام الثلاثة للشکّ فی تحقق الإمکان لإمکان الانقطاع إلّا أنّ الأخبار تدل علیه کما سیأتی إن شاء الله تعالی و لإطلاق الأخبار المتقدمة المثبتة لحیضیته الدّم ما لم یکن عن جرح أو قرح أو عذرة و إطلاق الأخبار الحاکمة بحیضیة ما تراه الامرأة من الدّم فی أی وقت رأته ففی الخبر أی ساعة رأته الصائمة تفطر و فی آخر تفطر إنما فطرها من الدّم و إطلاق الأخبار الدالة علی أنه إذا رأت الامرأة الدّم قبل العشرة فهو من الحیضة الأولی و یدل علی خصوص حیضیة الجامع للصفات أخبار التمیز بإطلاقها و علی خصوص الواقع فی العادة أخبار بالدم الواقع فی العادة کقوله (علیه السلام) فی الصحیح عن الامرأة تری الصفرة فی أیامها قال لا

ص: 230

تصلّی حتی تنقضی أیامها و علی خصوص ما وقع قبل العادة ما ورد من أنّ الصفرة قبل المحیض بیومین من الحیض و ما ورد فی الموثق عن الامرأة تری الدّم قبل وقت حیضها. قال فلتدع الصلاة فإنه ربما یعجّل بها الوقت و علی خصوص ما وقع بین الثلاثة و العشرة مضافاً إلی إطلاق کثیر من الأخبار المتقدمة ما ورد من أخبار الاستظهار لذات العادة القاضیة بثبوته لغیرها بطریق أولی إلی غیر ذلک من الأدلة الدالة علی القاعدة المزبورة المنقول علیها الإجماع فما ذکره البعض من المناقشة فی ذلک لعدم الدلیل علیه و لأنه عدول من المقطوع به من أصالة الاشتغال بالعبادة و أصالة عدم وجوب الغسل إلی الموهوم من أصالة الحیض ضعیف لا یلتفت إلیه و علی ما ذکرنا فلو رأت ثلاثة جامعاً للأوصاف أم لا ثمّ رأت عشرة بیاضاً ثمّ رأت ثلاثة کان کل منهما حیضاً مستقلًا لأصالة حیضیة ما أمکن أن یکون حیضاً و الأوصاف إنما تعتبر عند الحاجة إلیها للنص و الإجماع علی جواز انتفائها و کذا لو رأت ثلاثة ثمّ رأت بیاضاً إلی الیوم العاشر ثمّ رأت فیه دما ثمّ انقطع کان الدمان و ما بینهما حیضاً و لو لم ینقطع کان حکمه علی ما سیجی ء إن شاء الله تعالی.

عاشرها: تتحیّض ذات العادة الوقتیة بمجرد رؤیة الدّم فی أیّام العادة من دون استظهار إلی مضی ثلاثة أیّام

سواء رأته مقارناً لأیام العادة أو رأته فی أثنائها أو رأته قبلها فاستمر إلی أیّام العادة للإجماع المنقول علی ذلک و فتوی المشهور و الأخبار الدالة علی ذلک (کمرسل یونس) إذا رأت المرأة الدّم فی أیّام حیضها ترکت الصلاة فإن استمر بها الدّم ثلاثة أیّام فهی حائض و للأخبار المطلقة الدالة علی التحیّض بمجرد رؤیة الدّم کذا لو رأت الدّم قبل العادة أو بعدها بکثیر أو بقلیل جمع للصفات أو لم یجمع علی الأظهر الأشهر لقاعدة الإمکان للأخبار الدالة علی التحیّض بمجرد رؤیة الدّم المعتبرة الدالة علی أنّ ما تراه الامرأة قبل وقت حیضها تترک الصلاة فإنه ربما یعجل بها الوقت و الدالة علی أنّ الصّفرة المرئیة قبل الحیض بیومین منه و ظاهر أنه منه یحکم به ابتداء قبل إکمال الثلاث و إطلاقها شامل للقلیل و الکثیر من المتقدم و إن کانت فی المتقدم قلیلًا أظهر لظهور القبلیة فی القلیل و تقیّدها بالیومین فی بعض الروایات

ص: 231

و إلحاق المتأخر بالمتقدم من باب تنقیح المناط أو مفهوم الأولویة لأنّ التأخر عن العادة أقوی من المتقدم فی إفادة الحیض و المراد بالتقدُّم و التأخُّر هو التقدم و التأخر عن کل أیّام العادة و أما التقدم و التأخر عن أول أوقاتها فالظاهر أنه یجری علی المتقدم حکم ما ذکرناه و علی ما صاحب أیّام العادة حکم الواقع فی العادة.

حادی عشرها: المُبتدئة و المضطربة و مثلهما ذات العادة العددیة متحیضتان بمجرد رؤیة الدّم

و لا یجب علیهما الانتظار إلی ثلاثة أیّام لقاعدة الإمکان و قد یناقش فیها أنّ قاعدة الإمکان إنما تجری فیما أمکن کونه حیضاً بعد بروزه و وجوده و أما قبل ذلک فلا تجری لأنّ الإمکان مشکوک به لاحتمال انقطاعه دون الثلاثة فلا یمکن أن یکون حیضاً فلا یمکن الاستدلال به علی ذلک و لأنّ الحیض هو المظنون فیجب اتباعه فی الموضوعات و إلّا لما حکم بحیضیة الثلاثة فیما لو رأته أحمراً لجواز رؤیتها الأسود بعد تجاوز العشرة ثلاثة فیکون هو الحیض دون الأوّل و قد یناقش فی حجیّة هذا الظّن و إنه لا یعارض استصحاب حال التکالیف السابقة و المتیقّن من الخطابات الشرعیة فالأوجه الاستدلال علیه بفتوی المشهور و إطلاق الإجماع المنقول علی أنّ کل ما یمکن أن یکون حیضاً فهو حیض شامل بظاهر کلماتهم لذلک و إطلاق الأخبار الدالة علی تحیض ذات الدّم بمجرد الرؤیة و مما دلّ فی خصوص المقام علی التحیُّض بذلک ففی موثقة سماعة عن البکر أول ما تحیض قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت تری الدّم و تخصیص إطلاق الأخبار بذات العادة للتنصیص علیها فی أخبار أخر أو بالدم الجامع للصفات دون غیره و إن أمکن إلّا انه خلافی فتوی المشهور فیضعف المقید عن تقیید المطلق علی أنّ الفرق بین الجامع و غیره، لا قائل به من القدماء ممن یُعتد بقوله بل و نقل الإجماع علی عدمه فالأقوی حینئذٍ تحیّض ما قدّمنا بمجرد رؤیة الدّم و الأحوط لها فعل العبادة الواجبة علیها و ترک ما یحرم علیها.

ثانی عشرها: لو تَمّت الثلاثة فحکمت بما تراه حیضاً استمر ذلک الحکم إلی العاشر

و إن وقع نقاء فی الأثناء فإن انقطع الدّم علی العاشر فالکلُّ حیض لظاهر الاتّفاق و للأصل المتقدم و لظاهر الأخبار و لحُصول الظّن بحیضیّته عند الانقطاع

ص: 232

و مغایرته لما بعد العشرة دون ما دونها و لا فرق بعد انقطاعه بین عوده فی الحادی عشر أو بعده و یظهر من بعضهم أنّ المراد بالتجاوز هو عود الدّم بعد العشرة قبل مضی أقل الطهر فإنه یکشف عن أنّ الحیض هو ما فی العادة و هو قوی إلّا أنّ الأوّل أقرب و إن تجاوز الدّم العاشر بأن امتزج الیوم العاشر بالحادی عشر انقطع بعد الامتزاج بسرعة أم استمر فإنه لا یحکم بحیضیّته الجمیع بل ترجع ذات العادة إلی عادتها لحصول الظّن عند الامتزاج بعدم اختلاف الدّمین الذین هما قبل العشرة و بعدها فیغلب الظّن الحاصل من العادة علیه و کذا فی المبتدئة و المضطربة فی الرجوع إلی الوصف أو عادة الأقران أو إلی ما فی الروایات کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی و ظاهر الأصحاب الاتّفاق علی ذلک و یفهم من الأخبار أیضاً ذلک کأخبار الاستظهار و نحوها فإنّهُ یفهم منها أنّ الاستظهار إنّما شرع لمعرفة الانقطاع و الاستمرار.

ثالث عشرها: المرأة إما ذات عادة أو غیر ذات عادة

و ذات العادة هی ما تکرّر علیها الدّم عدة أیّام سواء فلا بُدَ من التکرّر و العود فلا یکفِ المرّة الواحدة إجماعاً منا و لا تفتقر إلی دم ثالث و یدل علی ذلک فتوی الأصحاب (و مُرسلة یونس) قال فیها فإن انقطع الدّم لوقته من الشّهر الأوّل سواء حتی توالت علیها حیضتان أو ثلاث فقد علم الآن أنّ ذلک قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً فتعمل علیه و تدع ما سواه ثمّ علّلَ بقول رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم): (لمن تعرف أیّامها دَعی الصّلاة أیّام إقرائکِ) و لم یقل و لم یقل قرئک و أدنی الإقراء الحیضتان و مقطوعة سماعة إذا اتفق شهران عدة أیّام سواء فتلک عادتها و لا حاجة فیها إلی تکرّر الطّهر الثّانی کالأول بل لو رأته فی أوّل شهر خمسة و فی ثانی شهر کذلک ثمّ انقطع عشرة فیه و عاد و استمر کانت ذات عادة وفاقاً للمشهور و إطلاق الروایات و لا تفتقر إلی تکرُّر الدّم فی شهرین هلالیّین بل یکفی تکراره فی الشّهر الواحد فیثبت به عادة عددیة و یمکن وقوعه فی ثلاث أو اکثر فیثبت عادة وقتیة عددیة و إطلاق الشّهر فی الروایتین و إن کان المراد به الشّهر الهلالی لا الشّهر الحیضی لأنه المُتصرّف إلیه الإطلاق لکنّهُ محمول علی الغالب و الوصف و شبهه إذا خرج مخرج الغالب لا عبرة به و کذا تخصیص التکرار بالشهرین دون الأزید و العادة

ص: 233

إما وجودیة و هی ما تؤخذ من تکرر نفس الدّم أو وصفیّة و هی ما تؤخذ من تکرر وصفه أو مرکبه منهما معاً و الأظهر عدم جواز أخذها من عادة الأقران أو من حکم الشارع به عند الاضطراب أو غیر ذلک لعدم انصراف الأخبار إلی ذلک و فی أخذها من رؤیته أشد و اجمع وصفاً من غیره مع الاستمرار إشکال و النقاء المُتخلّل بین دمین إذا اعتید حکم علیه بالاعتیاد کالدم فیحکم بحیضیته و مع اعتیاده فهل یَحلُّ بالعادة عند تخلله کما إذا رأت فی أول الشّهر خمسة دماً متواصلًا و فی الثانیة خمسة بین الرابع و الخامس یوماً بیاضاً أو لا یخل؟ وجهان أقواهما العدم و یشترط فی العادة أنّ لا یتخلّل بین المرّتین دم مخالف فلو تخلل دم بین المرتین مخالف لم یثبت بهما عادة و قد تترکب العادة من عادتین کما إذا رأت أول الشّهر و آخره ثمّ رأت کذلک مرة أخری و کذا لو رأت فی العددیة أربعاً ثمّ رأت خمساً ثمّ تکرّر ذلک فإنّها تثبت بها عادة عددیة أما لو لم یتکرّر الأوّل بعینه بل تکرّر غیره کانت الثّانیة ناسخة للأولی مع احتمال أنّ النّسخ متوقف علی کثرة التّکرر لقوّة الظّن بالعادة الأولی و قد تختلف العادة بحسب المکان و الزمان فتکون العادة فی مکان مغایر للعادة فی مکان آخر و لا تثبت العادة طهراً بل إنما تثبت حیضاً فی الشّهر الواحد نعم یلزم ذلک کون بقیة الشّهر عند استمرار الدّم و عدم فاصله أقل الطهر طهراً و حینئذٍ فلو رأت فی شهرٍ دماً و لم ترَ فی الثّانی شیئاً و رأت فی الثالث دماً و لم تر فی الرابع شیئاً ثمّ رأت فی الخامس و السادس دماً لم تحکم علی السادس بالطهریّة مع عدم استمرار الدّم بل کان صدوره علی حسب ما رأته أولًا و إنما یحکم بحیضیته.

رابع عشرها: العادة إما وقتیّة عددیّة

و هی ما تکرر دمها فی وقتین مُتساویّین فی الوقت و لا یضر الکسر فی الیوم سیما لو کان قلیلًا و فی الکثیر إشکال و الیوم التام مخل علی الأظهر و فی عددین متساویین لا یزید أحدهما علی الآخر بیوم تام و لا بأس بالکسر القلیل و فی الکثیر إشکال و یشترط لا أن یتخللهما دم مخالف للوقت أو العدد فلو تخللهما لم تثبت العادة و إما وقتیة فقط و هی ما ضبط الوقت فیها من أول الحیض أو آخره أو وسطه أو أوله و وسطه أو وسطه و آخره و الأظهر صحة هذه العادة مطلقاً

ص: 234

و الرجوع إلیها عند الاشتباه بإضافة ما یکمل به العدد من رجوع إلی وصف أو عادة اقران أو ما فی الروایات و الحکم بالتخییر لها فی إضافة ما شاءت وجه و المراد بالوسط أن تعتاد أنّ أوّل الشّهر مثلًا وسط لحیضها مع عدم معرفة قدر الطرفین و عدم استقرارها و إلّا فمن اعتاد الوسط الخاص اعتاد الطرفین و عرفهما فتکون العادة عددیّة وقتیّة و کذا من عرف الأوّل و الآخر و الأول و الوسط أو الوسط و الآخر عرف الوقت و العدد و لو اعتادت أنّ یوماً من أیّام حیضها هو أول الشّهر کانت من العادة الوقتیة فی وجه و تخیرت فی الإضافة إلیه من قبل أو من بعد أو من الطرفین بعد فقد الصفات و عادة الأقران و لا یبعد الرجوع إلی الروایات هاهنا أیضاً و لو اعتادت أنّ حیضها فی النصف الأوّل أو الأخیر ففی إلحاقها بالعادة إشکال و أما عددیّة فقط و هی ما اعتادت عدداً خاصاً من غیر زیادة یوم تام أو أغلبه علی وجه من غیر تعیین وقت خاص و من غیر فصل لما بین المرّتین بدم مغایر لهما فی العدد و فی إلحاق من اعتادت قدراً ناقصاً فی ضمن زائد کمن رأت أَربعة ثمّ خمسة أشکال و أشکل منه العکس کأن رأت خمسة ثمّ أربعة و الأحوط عدم جعل الأربعة عادة فی کل من المثالین.

خامس عشرها: الدم من العادة إذا استکمل شرائط الحیض کان مثبتاً لنفسه و نافیاً لغیره عند المعارضة

فلو تکثر الدّم و اجتمع مع العادة و تمیّز فإن اتفقا فلا کلام و إن اختلفا فهل ترجح العادة مطلقاً أو التمیّز کذلک أو التخیر بینهما أو العادة إن کانت مأخوذة من الابتداء و الانقطاع و إلّا فالتمیز کما إذا أخذت العادة من التمیز کالأخذ بالجامع دون غیره أو الأقوی دون الأضعف أقوال اقواها الأول: لزیادة حصول الظّن بحیضة ما فی العادة دون غیره و إن جمع الصفات و لفتوی المشهور حق کاد أن یکون إجماعاً و لأنّ بیّن أدلة التمیز و العادة عموماً من وجه و یجب عند التعارض تقدیم الراجح و لا شک أنّ الراجح بحسب الفتوی و المظنون بحسب العادة هو تقدیم العادة و لخصوص ما ورد أنّ الصفرة فی أیّام الحیض حیض و کذا الکدرة و ما ورد فی (مرسلة یونس) من أن الصفرة فی أیّام الحیض حیض فإذا جهلت الأیام و عددها احتاجت إلی إقبال الدّم و إدباره فظهر بذلک ضعف اختیار تقدیم التمیز حتی نقل أنه أدعی

ص: 235

الإجماع علیه و استند لعموم أدلته و ضعف اختیار تقدیم التمیز إذا کانت العادة مأخوذة منه لعدم زیادة الفرع علی أصله و ضعف الحکم بالتخیر جَمعاً بین الأدلة لضعف جمیع ذلک عن مقاومة ما ذکرناه و لا فرق فی تقدیم العادة علی التمیز بین کون الدّم الجامع للصفات متقدماً علی العادة أو متأخراً عنها کان ما بین العادة و بینه من الدّم الضّعیف ما یبلغ أقل الطهر أم لا خلافاً (للعلّامة و الشّهیدین) علی ما حُکی عنهما حیث خصّوا الرجوع إلی العادة بصورة عدم إمکان الجمع فلو أمکن الجمع کما إذا تخلّل بین العادة و التمیز أقل التطهر حکم بحیضیة الجمیع و هو خلاف الظاهر من الروایات الحاکمة بإطلاقها بالرجوع للعادة مطلقاً المخصصة لقاعدة الإمکان و لأخبار الصفات.

سادس عشرها: إذا تجاوز الدّم العشرة مُستمرّاً لم ینقطع علیها

أو علی ما دونها حتی انتهی الانقطاع للعاشر رجعت ذات العادة الوقتیة العددیة إلیها إجماعاً مُحصّلًا و منقولًا و الأخبار مستفیضة ففی الصحیح عن الامرأة تستحاض قال سئل رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم): (عن الامرأة تستحاض فأمرها أن تمکث أیّام حیضها لا تصلی) و الصحیح الآخر المستحاضة تنتظر أیامها فلا تصلی فیها و لا یقربها بعلها و رجعت ذات العادة العددیة فقط إلی أیامها المعلومة مخبرة من احتسابها من مبدأ الدّم أو آخره أو وسطه و إن الأولی احتسابها من مبدأ رؤیة الدّم لحصول الظّن بذلک هذا کله إن فقدت التمیز و إن حصل تمیز مع العادة فإن توافقاً وجب تخصیص العادة به و إن اختلفا فإن لم یجمع شرائط الحیض طرح و لم یعتد به و إن جمع الشرائط فإن نقص عن أیّام العادة تحیضت به و کملته من الآخر قدر العادة و إن زاد تحیّضت منه بقدر العادة و طرحت الباقی بناء علی المختار من تقدیم العادة علی التمیز و لو رأت دمین موصوفین و لکن أحدهما موافق لأیام العادة و الآخر غیر موافق کان الأحوط لها التحیّض بالموافق أو رأت دمین أحدهما أشد من الآخر أو أجمع کان الأحوط لها تخصیص التحیض بالجامع و الأشد دون غیره و ذات العادة العددیة تتحیض فی کل شهر مرة من غیر نقیصة و لا زیادة جریاً علی الغالب و المعتاد و المظنون من أحوال

ص: 236

النساء و المفهوم من الروایات و رجعت ذات العادة الوقتیة إلی وقتها و أکملته من الآخر إنّ اعتادت الوقت الأوّل و من الأوّل إن اعتادت الآخر و من الطرفین إن اعتادت الوسط و لها الخیار أن اعتادت وقتاً ما أنّ لم یترجح أحد الطرفین بوصف و شبهة و إلّا وجب علیها اتباع الموصوف دون غیره إن جمع شرائط الحیض و الأحوط تقدیم الجامع و الأشد.

سابع عشرها: تستظهر ذات العادة بعد تمام العادة بترک العبادة و البناء علی الحیض إذا لم ینقطع الدّم علیها

و استمر بعدها بیوم أو یومین أو ثلاثة کما فی الصحیح أو بثلاثه کما فی صحیح (محمد بن عمر بن سعید) أو بیومین کما فی صحیح (زرارة) أو بیوم واحد کما فی موثقة (إسحاق بن جریر) أو إلی العشرة کما فی موثقة یونس بن یعقوب و یشعر بها غیرها من الأخبار و ظاهر الروایات التخیر فی قدر الاستظهار بین هذه المراتب و إن مراد الشّارع الثّانی لذات العادة من المبادرة إلی الحکم بالطهارة و استعمال العبادات لقوّة الظّن بالحیض و استمراره إلی العشرة بل کلما ازداد الاستظهار بحیث وصل العاشر کان أولی و من ذلک کان من المحتمل أنّ إرادة الشارع استمرار الاستظهار إلی العشرة لأنّ بها یبین الحیض عن غیره و تنزل الأخبار المحددة بالیومین و الثلاث و الواحد علی اختلاف العادات فمن کانت عادتها سبعة استظهرت بثلاث و ثمانیة بیومین و تسعة بیوم لأنّ غالب عادات النساء ذلک و یبقی غیر الغالب داخلًا تحت الروایات العشر و هل هذا الاستظهار علی سبیل الوجوب أو الندب أو الإباحة أقوال تنشأ من ظاهر الأوامر و إنها للوجوب و من حصول القرائن علی الندب کخلوّ کثیر من الصّحاح من الأمر به بل الأمر بالاغتسال بعد العادة کصحیحة معاویة بن عمار المستحاضة تنتظر أیامها فلا تصلی فیها و لا تقربها بعلها فإذا جازت أیامها و رأت الدّم اغتسلت للظهر و العصر و صحیحة (ابن سنان) لا بأس أن یأتیها بعلها کیف شاء إلّا أیّام قرئها و موثقة سماعة المستحاضة تصوم شهر رمضان إلّا الأیام التی کانت تحیض فیها إلی غیر ذلک. و هذه الأخبار و إن کانت بینها و بین الأخبار الأوّل عموم مطلق فینبغی حمل العام علی الخاص فیها إلّا أنّ اختلافها فی قدر الاستظهار

ص: 237

و فتوی المشهور بخلاف ظاهرها من الجواب یضعف إرادة الوجوب و حینئذٍ فهذا القول أقوی و الاحتیاط لا یخفی و منشأ القول بالإباحة هو الأخذ بروایات الأمر بالطهارة و حمل ما دلّ علی الاستظهار علی إرادة الإباحة لوقوعه فی مقام توهم الخطر فی ترک العبادة و فیه أن توهُّم خطر ترکها لیس بأولی من توهم خطر فعلها فلا معنی لتوهم ذلک التوهّم و إما الجمع بین الأخبار بحمل ما دلّ علی الاستظهار علی ما إذا کان الدّم بصفة الحیض و ما دلّ علی عدمه علی ما إذا لم یکن بصفة بعید عن الأخبار و کلام الأخیار و الإیراد علی القول بندب الاستظهار أو إباحتهِ بلزوم کون العبادة مرجوحة عند فعلها أو مباحة و ذلک غیر جائز مدفوع بأن العبادة عند عدم البناء علی الاستظهار راجحة بل واجبة و ینوی بها الوجوب و عند البناء علیه محرمة غیر مشروعه فالتخییر فی البناء علیه و عدمه و یترتّب علیهما فعل العبادة و ترکها إلّا فی نفس العبادة و ترکها و ینظر ذلک التخیّر فی الرجوع إلی المجتهدین المختلفین فی الفتوی أو إلی الروایتین المختلفتین فی الحکم بل ربما یقال أنّ المقام مما تعارض فیه نصان و لیس عندنا فقد المرجح و العجز عن الجمع إلّا التحیز و هو قاض بذلک.

ثامن عشرها: إذا استظهرت الامرأة وجوباً أو ندباً فاستمر الدّم إلی ما فوق العشرة

بحیث امتزج العاشر بالحادی عشر تبیّن أنّ ما فوق العادة من أیّام الاستظهار و نحوهما استحاضة للقطع بأن ما فوق العشرة استحاضة و من البعید کون ما قبل ذلک و لو بلحظة حیضاً و ما بعد ذلک استحاضة لأنّ المظنون عدم انتقال دم إلی آخر مغایر له فی الطبع و المخرج دفعة واحدة بل الظاهر اتحاد کل دم مع ما قاربه و هکذا إلی أن ینتهی الحال إلی العادة فیغلب ظن الاعتیاد علی ذلک الظّن و یحکم فیه بالحیضیة و إن انقطع إلی العاشر فما دون تبیّن أنه حیض لارتفاع ذلک الاستبعاد فینقلب الظّن إلی الحیضیة لأنّ العادة مما تزید و تنقص و لقاعدة الإمکان و لإشعار أخبار الاستظهار بذلک سیما ما ورد بالأمر به إلی العشرة و لقوله (علیه السلام) فی المرسل (تستظهر بیوم إن کان حیضها دون العشرة أیّام فإن استمر الدم فهی مستحاضة و إن انقطع اغتسلت و صلّت) فإن الظاهر من الانقطاع و الاستمرار هو الانقطاع علی العشرة فما دون

ص: 238

و الاستمرار من العشرة فما فوق و غیر المرسل من الأخبار تشعر بذلک مضافاً إلی فهم الفقهاء ذلک أیضاً من الأخبار و فتوی مشهورهم فیجب اتباع ذلک و لان الاستظهار الوارد فی الأخبار هو طلب ظهور الحال من الدّم المردد بین الحیض و الاستحاضة واقعاً و طلب ظهور الحال لازم لحصوله و لیس له مظهر إلّا الاستمرار و الانقطاع و لیس لهما حدٌّ إلّا العشرة کما تشعر به الأخبار و فتوی الأصحاب و لأنّ هذا وجه جمع بین الأخبار الدالة علی أنّ ما بعد العادة استحاضة و الأخبار الدالة علی الأمر بالاستظهار و ترک العبادة و قاعدة الإمکان فإن المفهوم من الجمیع أنّ ما بین العشرة و العادة مرددة بین الحیض و الاستحاضة و أمره مجمل دائر بینهما و إن الشارع خیَّر النساء بین الأخذ بالأول أو الأخیر إلی أن یتّضح الحال فإذا ظهر الحال وجب اتّباعه فإن ظهر أنّ الدّم حیض وجب الرجوع فیه إلی أحکام الحیض و اغتفر ما فعلته من منافیاته لمکان الجهل به فیرتفع ما فیه من السّم بدواء الجهل و إن ظهر أنه استحاضة لحقتهُ أحکامه و اغتفر ما ترکته منها لمکان الجهل و لما کان من أحکام الحائض الضروریة قضاء الصوم وجب قضاؤه عند انقطاع الدّم علی العاشر سواء استظهرت فی تلک الأیام کُلًا أو بعضاً أو لم تستظهر و من أحکام المستحاضة أن تفعل ما تفعل الطاهرة بعد الاغتسال فإن أخلّت بذلک قضت کما قضت به القواعد و فحاوی الأخبار و کلام الأخیار و وجب علیها أیضاً عند الإخلال بأحکام المستحاضة قضاء ما فاتها فی أیّام الاستظهار و غیرها فظهر بما ذکرناه أنه لا وجه لما استشکله جمع من عدم الدلیل علی قضاء الصوم عند الانقطاع علی العشرة و لا علی قضاء الصوم و الصلاة الفائتین أیّام الاستظهار عند تجاوزها و إن غایة ما تدل علیه الأخبار أنها تستظهر و بعد ذلک تعمل ما تعمله المستحاضة لا وجه له بعد ما بیناه.

تاسع عشرها: ما ذکرناه کله فی ذات العادة ظاهر الانطباق علی ما إذا ملأ الدّم العادة الوقتیة العددیة

و انقطع علی ما دون العشرة سواء عاد قبل مُضیّ أقلّ الطُّهر أم لا أو تجاوز العشر و انقطع أو عاد فإنه یحکم بحیضته ما فی العادة إن استمرّ بحیضتها مع تمام العشرة إن انقطع أما لو لم یکن کذلک فإن کانت کل العادة بیاضاً و کان الدّم فی

ص: 239

طرفیها فإن کانت عشرة کان الدّمان حیضاً مع استجماع الشّرائط و إلّا فالحیض المستجمع دون غیره و إن کانت أقل من عشرة فإن کان الدمان مع العادة لا تزید علی العشرة فمجموعها حیض و إن زادت أخذت من أحدهما العادة العددیّة مع التّساوی من الصفات و إلّا قدم الجامع و لا یبعد تقدیم المقدم ثمّ الأقرب إلی عدد العادة ثمّ الاشد أو الأجمع و الأقرب إلی وقتها و إن کان بعضها بیاضاً و بعضها دماً فإن أمکن کون ما فی العادة حیضاً و لم یکن دم سواه حکم علیه بالحیض و إن کان سواه دماً فإن فصل بینهما أقلّ الطّهر و أمکن کونه حیضاً کان حیضاً آخر و إلّا فإن أمکن کون المجموع حیضاً کان کذلک و إلّا أخذت منه ما یکمل به العادة من الابتداء أو الأخیر مخیرة بینهما و مقدمة للجامع أو الأشد أو الأقرب أو المتّصل أو الذی لا یبعث علی الزیادة علی ما تقدم و لو تجاوز الدّم الثّانی المنفصل العشرة فهل تتم العادة منه أو یتممها من البیاض و تحکم علی ما زاد بالاستحاضة وجهان أقربهما الثّانی و معنی أغسالهما من البیاض الحکم بکونه طهر إلّا أنّه لیس ما بین دمین للحیض.

العشرون: المُبتدئة

و هی ما ابتدأها الدّم أو ما لم تستقر لها عادة إذا انقطع دمها لدون العشرة تحیضت به و إن تجاوز العشرة رجعت إلی ما سیأتی إن شاء الله تعالی نعم یجب علیها الاستبراء بالقطنة لتعرف الانقطاع و عدمه و لا یجب علیها الاستظهار و هل للاستبراء کیفیة خاصّة بوضع قطنة کما دلّت علیه صحیحة (محمد بن مسلم) أو تقوم قائمة و تلصق بطنها بالحائط و تستدخل قطن بیضاء و ترفع رجلها الیمنی کما دلّ علیه مرسل یونس او تقوم و تلصق بطنها للحائط و ترفع رجلها کالکلب إذا أراد ان یبول و تستدخل الکرسف کما دلّ علیه (موثقة سماعة) أو تضع رجلها الیسری علی الحائط و تستدخل الکرسف بیدها الیمنی کما دلّ علیه روایة شرحبیل أم لا و الأظهر الثّانی لظهور الأوامر بالإرشاد إلی الاستخبار بالوجود أو العدم و الظاهر أنه مع عدم الاستبراء یبطل غسلها عبادتها.

الواحد و العشرون: إذا تجاوز الدّم بالمبتدئة العشرة

رجعت إلی الوصف فما جمع الأوصاف تحیضت به و ما خلی عنها ترکته لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و لحصول

ص: 240

الظّن بالحیض المعمول علیه من هذه المقامات کما یظهر من کلمات الأصحاب و أخبار الباب الأخبار التمییز مع عدم المعارض من عادة أو غیرها و ما ورد فی بعض الأخبار من رجوع المبتدئة إلی الأیام مخصوص لما قدمناه لقوته و اعتضاده بفتوی الأصحاب و یشترط فی الرجوع إلی التمییز أمور:

منها: اختلاف صفة الدّم فلو کان کله بصفة الحیض أو کله بصفة الاستحاضة بطل حکمه و قد تقدم بیان وصفی الدمین من سواد و حمرة و حرارة و دفق و صفرة و برودة و فتوره ورقة و إن الأربعة الأوّل للحیض و الأخیرة للاستحاضة و یلزم وصف الغلظ للحیض وصف الرقة فی الاستحاضة و أما الرائحة فشهدت به التجربة دون الأخبار فلو وجدت جمیع الأوصاف فی دم و ضدّها فی آخر فلا إشکال و لو اتحدت فی الوصف کاللون مثلًا و اختلفا فی أو کان آخر أحدهما اجمع و اتّفقا و کان أحدهما أشدّ من الوصف الواحد کشدید السّواد و ضعیفه أو القوی بالنسبة إلی و صفین مُتغایرین کالأسود بالنّسبة إلی الأحمر و الأحمر إلی الأشقر و الأشقر إلی الأصفر و الأصفر إلی الأکدر فالسابق أقوی من اللاحق فالحکم به لا یخلو من إشکال إلّا أنّ الظّاهر من الأخبار و کلام الأخیار أنّ أمر الحیض یرجع إلی ظنون النّساء و اجتهادهنّ فبمقتضی ذلک یجب تقدیم قوی الصفة علی ضعفیها و الجامع علی غیره و الأکثر علی غیره و الصفة العلیا علی الدُّنیا و هکذا و عند تعارض الأقوی و الأکثر ینظر إلی الترجیح و الاحتیاط غیر خفی.

و منها: أن لا ینقص ما هو بصفة الحیض من الثلاثة لما دلّ علی أنّ أقل الحیض ثلاثة مع احتمال وجوب التّحیُّض بالقلیل و إتمامه بما فی الرّوایات و إنْ لا یزید علی عشرة لما دلّ علی عدم زیادة الحیض علی العشرة مع احتمال وجوب التحیُّض به إلی عشرة أو تخصیصه عند التحیض بالروایات و لکنه خلاف فتوی المشهور.

و منها: أن لا ینقص الضعیف المحکوم بطُهریّته عن العشرة لأنّ أَقلّ الطُّهر لا یکون أقلّ منها و حینئذٍ فلو رأت دَمین موصُوفین بوصف الحیض و بینهما دم غیر موصوف و ینقص عن أقل الطُّهر فإنّه لا یحکم بکون ذلک طُهراً و لا یمکن أن یحکم

ص: 241

بأنّهما حیضان لعدم تخلل أقلّ الطُّهر و لأنّ أحدهما دون الآخر لأنّهُ ترجیح من غیر مُرجّح فیبطل العمل بالتّمییز و یرجع إلی الرّوایات و یحتمل الحکم بحیضیّته المقدم لسبقه و یحتمل المؤخّر لتأخّره عن وصف المستحاضة و لو رأت ثلاثة أسود و ثلاثة أصفر و أربعة أسود و خمسة اصفر احتمل جعل الثلاثة حیضاً فقط و احتمل جعل الأربعة حیضاً و احتمل جعل مجموع العشرة حیضاً و لکن ظاهر جمع من الفقهاء سقوط التّمیز و الرّجوع إلی الروایات و نقل علیه الإجماع و هو الظاهر و لو فقدت الأوصاف من الدّم أو فقدت الاختلاف أو فقدت الترجیح مع الاختلاف أو فقدت إمکان الاختبار لعمی و شبهه مع عدم المرشد رجعت إلی عادة الأقارب من الأبوین من أخت أو بنت أو أم أو عمة أو خالة لفتوی الأصحاب و أخبار الباب کمضمر سماعة سألته عن جاریة حاضت أول حیضها فدام دمها ثلاثة أشهر و هی لا تعرف أیّام إقرائها قالَ: قال (أقرئها مثل إقراء نسائها و إن کن نساءها فأکثر جلوسها عشرة و أقله ثلاثة أیام) و روایة زرارة و محمد بن مسلم یجب علی المستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدی بإقرائها و ظاهر هاتین الروایتین شمول الحکم للمبتدئة و المضطربة و کون السؤال من الأولی عن من حاضت أول حیضها لا یخصّصُ إطلاق الروایة الثانیة و حکی الإجماع علی العمل بمضمون الروایة الأولی و عن العلّامَة أنّ الأصحاب تلقوها بالقبول و حکیت الشّهرة علی مضمون الثانیة و لا یقدح وجود (ابن فضّال) فیها لأنّ الأصحاب شهدوا له بالوثاقة و الصدق و عملت بأخباره هذا کله ان اتفقن و علم الاتفاق و إن اختلفن رجعت إلی الأغلب لحصول الظّن بذلک و لانصراف لفظ نسائها إلی الأغلب غالباً و للجمیع بین روایة نسائها و بین روایة البعض بحملها علی الغالب و لا یجب تتبع جمیع النساء مع عدم العلم بالاختلاف بل یکفی الرجوع إلی قدر یظن معه الاتفاق غالباً للزوم العسر و الحرج و للأمر بالرجوع للبعض فی روایة زرارة و یصدقن فی إخبارهن و هل یجب علیهن الإخبار أم لا وجهان و یکفی الرجوع للأموات إن فقدت الأحیاء و مع وجود الأحیاء لا عبرة بالأموات و لا یضر اختلافها مع الأحیاء لظهور انصراف اللفظ إلی الأحیاء مع وجودها و هل تقدم الأقرب فالأقرب عند الاختلاف أو تقدم

ص: 242

نساء البلد علی غیرهن؟ وجهان أقربهما عدمه للأمر عند الاختلاف بالرجوع إلی غیرها نعم فی تقدیم نساء البلد قوة لحصول الظّن بها و ظهور انصراف اللّفظ إلیها فإن فقدت الأقارب أو کانت و لم تتمکن من الرجوع إلیها أو تمکّنَتْ و لکن أضطرب حالها أو اختلفن فی العادات رجعت إلی عادة الأقران و یقوی تخصیصها بنساء بلدها لقرب المزاج و هی التی فی سنّها عرفاً بحیث لم یکن بینها و بینهن ما یزید علی السنة و ما قاربها من شهر أو شهرین لقاعدة الإمکان خرج غیرها فبقی الباقی و لحصول الظّن بها لقرب المزاج و اتحاد الطبیعة غالباً و لمفهوم قوله (علیه السلام): (إن الامرأة أول ما تحیض ربما کانت کثیرة الدّم فیکون حیضها عشرة أیّام فلا تزال کلما کبرت نقصت حتی ترجع إلی ثلاثة أیّام) فالمفهوم منه توزیع الأیام علی الأعمار و لشمول لفظ نسائها للأقران و مقتضاها انضمامهن للأقارب أو التخییر بینهن و لکن لما کان القول بها ضعیفاً جداً و القول بالترتیب هو المعروف لزم الاقتصار علیه و لما نقل من بدلیة أقرانها لأقرائها فی روایة زرارة علی بعض النسخ و لما یظهر من بعضهم أنه المشهور فتوی و مع ذلک ففی الجمیع نظر للمناقشة فی إجراء قاعدة الإمکان فی هذا المکان و منع حصُول الظّن و منع حجیّته بهذا النّحو و بعد المفهوم عن إثبات هذا الحکم و منع شمول لفظ النساء لتبادر الأقارب منها و لو أبقی علی عمومه لصدق الإضافة بأدنی ملابسة للزوم الرجوع لکل امرأة یصح أن یضاف إلیها إما جمعاً أو تخییراً و ذلک لا نقول به و إخراج ما انعقد الإجماع علی خلافة و إبقاء الباقی یلزم منه کون الخارج أکثر من الداخل و هو متروک علی ان العموم یلزم منه دخول الأقران جمعاً أو تخییراً لا ترتیباً لعدم الدلیل علیه و الاقتصار علی مورد الیقین إنّما یکون فی مدلول اللّفظ و التّرتیب لا یقضی به الإطلاق و لا یدل علیه اللفظ بوجه و نسخة الأقران غیر ثابتة بنقل معتبر فلا تصلح دلیلا و کذا نقل الشّهرة فلا بد من الاحتیاط حینئذ فإن فقدت الأقران أو لم یمکنها الرجوع إلیها أو اختلفن رجعت إلی جعل حیضها فی کل شهر سبعة (لمرسلة یونس) الدالة علی تحیضها بالسبع و التردید فی صدرها بین السّبع و السّت لم یثبت أنه من الإمام (علیه السلام) فلعله من الراوی و یؤیده بعد التخییر بین الأقلّ و الأکثر و هذه المرسلة قد

ص: 243

تلقاها الأصحاب بالقبول و إرسالها عن غیر واحد و مثله لا یُعدّ إرسالا و نقل الشیخ الإجماع علی مضمونها فی المضطربة و مضمونها یوافق أغلب عادات النساء أیضاً و نقل علی الإفتاء بمضمونها و نقلها الشّهرة بل الإجماع و صحح طریق الروایة إلی یونس بعض أصحابنا أیضاً و ذکر أنّ یونس ممن اجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنه فمجموع ذلک یحصل الظّن بالاعتماد علیها و الأخذ بها و الأظهر وجوب جعل السّبع فی مبدأ الدّم لظهور ذلک من الأخبار و للاحتیاط و لأنها بعد التحیض فی الابتداء لقاعدة الإمکان لا معنی للعدول حینئذ و جعل ما تحیضت به طهراً و ما تطهرت به حیضاً هذا کله فی الشّهر الأوّل و أما الشهور الباقیة فیحتمل بقاء التخیر فیها لإطلاق الأخبار و یحتمل یقین ما عینتهُ من الوقت فی الشّهر الأوّل حتی احتمل بعض وجوب ذلک مع الحکم بالتخیر فی الشّهر الأوّل و الظاهر انه علی القول بالتخیر فی باقی الشهور یتعین علیها ما عینته حیضاً من الأیام و لا یجوز لها العدول بعد ما جلست و تحیضت و ذهب جمعٌ من أصحابنا إلی التخیر بین السّتة و السّبعة عملًا بصدر الروایة و فیه أنّ آخرها ناصٌّ علی السّبع لأنّ فیها و قول الصادق (علیه السلام): (و هذه السُّنة التی استمرّ بها الدّم أوّل ما تراها أقصی وقتها السّبع و أقصی طهرها سبع و عشرون) و مع ذلک فهو الأحوط و المتیقن و ذهب جمع آخر إلی التّخییر بین التّحیض بالسّت أو السّبع فی کلِّ شهر و بین التحیّض بثلاثة من شهرِ و عشرة من آخر فی جمیع الأدوار جمعاً بین المرسل المتقدّم و بین الموثّق إذا رأت الدّم فی أوّل حیضها فاستمر الدّم ترکت الصّلاة عشرة أیّام ثمّ تصلی عشرین یوماً فإن استمر بها الدّم بعد ذلک ترکت الصلاة ثلاثة أیّام و صلت بسبعة و عشرین یوماً و نقل الإجماع علی روایته و مثله غیره و فیهما مع اختصاصها فی المبتدئة انه لا دلالة فیها علی التحیّض بذلک فی جمیع الادوار بل العشرة فی الدور الأوّل و الثّلاثة فی باقی الأدوار و إنّ العشرة مقدمة و القول به شاذ لم ینسب إلّا للإسکافی کما نسب إلیه القول بالثلاث مطلقاً و ذهب جمع إلی تحیّض المبتدئة التّخییر بین ما بین الثلاث إلی العشرة جمعاً بین الأخبار المتقدمة و مضمر سماعة فإن کان نساؤها مختلفات فأکثر جلوسها عشرة أیّام و أقلّه ثلاثة و بعض المعتبرة عن

ص: 244

المستحاضة کیف تصنع؟ قال: أقل الحیض ثلاثة و أکثره عشرة و فیه التخییر فرع المقاومة للمرسل المنجبر بالشهرة و الإجماع المحکیّ و لیس فلیس. و قیل أنها تجعل عشرة من شهرها حیضاً و عشرة طهراً لقاعدة الإمکان و قیل عشرة حیضاً و عشرین طهراً لأنّ الشّهر لا یکون فیه إلّا حیضاً واحداً و قیل أنها تتحیّض بالثلاثة دائماً اقتصاراً علی مورد الیقین و قیل بالتخییر بین السبعة و الثلاثة و قیل بالتخیر بینهما و بین العشرة و الکل ضعیف لا یقاوم ما ذکرناه.

الثانی و العشرون: المضطربة التی لم تستقر لها عادة أصلًا

و المضطربة التی کانت لها عادة فاضطربت بعدها حتی صار لها الاضطراب سُنّة و دأباً و المضطربة وقتاً المبتدئة عدداً و بالعکس کلها ترجع إلی التمییز لعموم أدلته و إلّا فإلی نسائها و إلّا فإلی الروایات کما قدمناه و کذا الناسیة لحالها فی عادة أو اضطراب أو غیرهما و أما المضطربة الناسیة للوقت و العدد فالمشهور أنها عند فقد التمییز ترجع إلی الروایات و أما السبع فی کل شهر أو الثلاثة من شهر و العشرة فی آخر و نقل الشیخ علی ذلک الإجماع و هو الأقرب للجمع بین الأخبار المتقدمة بضمیمة نقل الشّهرة و الإجماع و قیل أنّ المضطربة بهذا المعنی ترجع إلی السّبع لیس غیر کالمبتدئة و قیل إلی السّت و قیل أنها تترک الصلاة کلما رأت الدّم و تصلی کلما رأت النقاء إلی أن ترجع إلی الصحة و قیل تفعل ذلک إلی شهر ثمّ تعمل عمل المستحاضة و قیل ترجع إلی عادة نسائها ثمّ إلی التمییز ثمّ إلی السبعة و قیل ترجع إلی الثلاثة ثمّ العشرة و قیل بالعکس و قیل إلی الثلاثة فی کل شهر و قیل إلی عشرة طهراً و عشرة حیضاً و قیل تعمل بالاحتیاط عمل المستحاضة و تغتسل بعد الثلاثة لکل صلاة لاحتمال الانقطاع.

الثالث و العشرون: فی بیان عمل النساء ذوات الدّم مما تقدّم بیانه

اعلم أنّ کل دَمٍ تراه المرأة یمکن أن یکون حیضاً فهو حیض عند اجتماع شرائطه و یستمر الحکم للعاشر فإن انقطع کان الجمیع حیضاً و إن عاد بعد الانقطاع فإن کان بعد مضی عشرة أیّام نقاء فکل منهما حیض مستقلّ و إن عاد قبل مضی العشرة فإن کانت ذات عادة حکم علی ما فی العادة بالحیض سواء ملأ العادة أو بعضها أو زاد علیها فإنه یحکم بالحیض

ص: 245

إلی حین الانقطاع و لو زاد الانقطاع علی العادة و هذا إن کانت وقتیة عددیّة و إن کانت وقتیة فقط تحیضت بما فی الوقت إلی حین الانقطاع و إن کانت عددیة و کان الدّم متساویاً فی الوصف و العدد تخیرت و لا یبعد ترجیح السابق و إن اختلف الوصف تحیّضت بالموصوف دون غیره أو الأجمع أو الأشد و إن اختلف العدد تحیّضت بما یوافق العدد دون ما زاد علی الأظهر و لو کانت مضطربة أو مبتدئة تحیّضت برؤیة الدّم إلی حین الانقطاع هذا کُلّه إن انقطع الدّم علی العشرة فما دون و ان استمر حتی تجاوز العشرة و انقطع قبل العشرة فعاد قبلها فاستمر فذات العادة الوقتیة العددیة ترجع إلیها و ذات العادة الوقتیة ترجع إلی الوقت و تکمل الأوّل ما یحکم به للمضطربة إن عنیت الأوّل أو تکمل الأخیرة من الأوّل و إن عنیت الأخیر أو تکمل الوسط من الطرفین إن عینت الوسط و لها التخیر إن عیّنت یوماً ما و ذات العددیة ترجع إلی العدد و فی تعین الوقت ترجع إلی الموصوف أو الأشد أو الأجمع و إلّا فالتخییر و لا یبعد ترجیح السابق و لا یعارض العادة تمیزاً مطلقاً و العادة مقدمة علیه سواء أمکن الآخذ بهما معاً کما إذا رأته فی العادة ثمّ بعدها بعشرة أیّام رأته موصوفاً بوصف الحیض فإنّ حیضها ما فی العادة لأنّ لکل شهر حیضة و کذا لو رأته فی العادة ثمّ رأته بعدها موصوفاً و کان المجموع منها و منه لم یزد علی العشرة فإنه یحکم بحیضیة ما فی العادة فقط دون المجموع علی الأظهر أو لم یمکن الأخذ بهما کما إذا رأته فی العادة ثمّ رأته موصوفاً بعدها دون أقل الطهر و قد تجاوز معها العشرة فإنه یحکم بحیضیة ما فی العادة أیضاً و لو اتفق التمیز مع العادة العددیة فلا کلام و لو اختلفا أخذ من الموصوف قدر العادة و ترک الباقی و إن نقص عن العشرة علی الأقوی مع احتمال الأخذ بجمیع الموصوف جمعاً بین العادة و التمییز و لو أجتمع غیر موصوف قدر العادة و موصوف أزید منها أو أنقص فالأقرب تقدیم الموصوف و تکمیله بقدر العادة إن نقص و الاقتصار علی مقدار العادة إن زاد و تجاوز العشرة و إن لم یتجاوز فالأظهر أنه کذلک مع احتمال جعل مجموعه حیضاً کما تقدّم و أما المبتدئة و المضطربة بجمیع معانیها ما عدا الناسیة فإنهما عند التجاوز یرجعان إلی التمییز ثمّ إلی عادة نسائهن ثمّ إلی روایة السبع کما تقدم و أما الناسیة فترجع إلی

ص: 246

التمییز ثمّ إلی التخییر بین روایة السبع فی کل شهر و بین روایة الثلاث و العشرة، هذا إن نسیت الوقت و العدد بعد أن کانت لها عادة و إن نسیت ما کانت علیه من عادة أو اضطراب أو غیرهما فلا یبعد رجوعها بعد التمییز للنساء ثمّ إلی الروایات و إن نُسیت الوقت فقط بعد أن کان لها وقت أو لم تدرِ تحیضت بالعدد و تحیرت فی وصفه حیث شاءت و الأظهر ترجیح السابق هذا إن لم یکن مختلفاً بالوصف و إلّا قدمت الموصوف علی غیره أو الأشدّ أو الأجمع علی الأظهر و فی رجوعها للأنساب و الأقران فی الوقت وجه لا یبعد البناء علیه سیّما فی الثّانی و إن نسیت الوقت و ذکرت بعض العدد أضافت إلی العدد ما یکمل به العدد المخیرة به من السّبعة أو الثّلاثة و العشرة بعد فقد التمیز و فی الرجوع الی الأنساب و الأقران وجه و ترجع فی الوقت إلی ما بیّناه و إن نسیت العدد فقط بعد أن کان لها عدد أو لم تدرِ بما کانت علیه رجعت إلی التمییز و إلّا فإلی الأنساب ثمّ الأقران فی وجه ثمّ إلی التخییر بما فی الروایات و أما بالنسبة إلی الوقت فان کان المحفوظ أول الوقت أضافت إلیه یومین من بعد و ان کان آخره أضافت إلیه کذلک من قبل و ان کان وسطه أضافت إلیه کذلک من الطرفین و رجعت فیما زاد إلی الوصف ثمّ إلی التخییر بما فی الروایات و ان عینت من الأوّل أو الوسط أو الآخر ما یساوی اقل الحیض أو یزید علیه جعلته حیضاً و رجعت فیما زاد إلی حکم الناسیة المتقدم مع احتمال تقدیم أصل الحیض إلی عشرة و احتمال الاقتصار علی الثلاثة لأصالة الطهارة و لو عینت یوماً ما خصته للحیض و رجعت فیما زاد إلی حکم المضطربة الناسیة و لو عادت الناسیة للذکر فان ذکرت الجمیع و وجدته موافقاً فلا کلام و ان ذکرت شیئاً من أوصاف العادة ینافی الرجوع إلی أحکام المضطربة جمعت بینهما إن أمکن و إلّا قدمت ما تقضی به العادة علی الوصف و الروایات فلو ذکرت أنّ حیضها فوق السبع لغا الرجوع للسبعة و للثلاثة و ان وجدته مخالفاً قضت ما یجب قضاؤه و فی صحة طلاقها إشکال و لا یبعُد الصحة و ان ذکرت بعض الوقت فان کان الأوّل أضافت إلیه من بعد یومین و ان کان الآخر أضافت إلیه من قبل و ان کان الوسط أضافت إلیه من الطرفین و ان کان یوماً ما أضافت إلیه من أی طرف شاءت و الأقوی ترجیح الموصوف من

ص: 247

الإضافة و ترجیح الأسبق و کانت فیما زاد بحکم المضطربة الناسیة و إن لم تشخص الوقت و لکن عینته فی وقت یزید علیه فإن ساوی العدد نصف الوقت أو أقل منه کانت بحکم المضطربة فتلحظ الوقت مع الإمکان و إلّا تحیزت و الأولی مراعات الأوّل کما إذا کان العدد المحفوظ ثلاثة فی ضمن عشرة معینة و إن زاد العدد کما لو ضیعت ستة فما فوق فی ضمن عشرة معینة أخذت ما تیقنته أنه حیض و عملت فی الباقی عمل المضطربة و لو علمت أنها کانت تصل العشرة الأولی بالوسطی بیومین فالعاشر و الحادی عشر حیض بیقین و کذا لو علمت أنها توصل العشرة الوسطی بالأخیرة و هکذا و ترجع فی الباقی إلی عمل المضطربة من الرجوع إلی الوصف ثمّ إلی التحییز بین الروایات و تتحیز فی التکمیل بین الأوّل أو الآخر أو الطرفین فإن کان تقدیم السابق أولی.

الرابع و العشرون: للحائض أحکام:

منها: أنّ التحیز فی التحیّض فی مقام التحییز بیدها و لو امتنعت جبرها الحاکم و لا یبعد أنّ لذی الحق جبرها من سید أو مولی و لو اختارت عدداً جاز لها العدول إلی غیره ما لم تتعداه و الأحوط عدم ذلک بعد التلبس بالعمل نعم لا تلزم بمجرد النیة.

و منها: أنها لو عملت علی مرتبة دیناً کالرجوع إلی عادة نسائها فظهرت مرتبة علیا کالوصف أو عملت علی الروایات فظهرت عادة نسائها فإن کان فی الأثناء ألغته و عملت علی المرتبة العلیا و إن کان بعد الفراغ فوجهان أحوطهما العمل علی الأقوی بعد ذلک و الأخذ بما یجتمع فیه کل من حکمی الطاهر و الحائض.

و منها: أنها یحرم علیها الصلاة و الصوم و الطواف و مس کتابة القرآن للأخبار و الإجماع و هل یتوقف صحة صومها علی غسلها قبل الفجر بعد النقاء أم لا؟ قولان: أقواهما التوقف و لا یصح طلاقها مع حضور الزوج أو حکمه بعد الدخول بها و عدم الحمل و یحرم علیها اللبث فی المساجد و دخول المسجدین لفتوی الأصحاب و أخبار الباب و یلحق بالمسجدین الحضرات المنورة علی الأظهر و یحرم علیها وضع شی ء فی المسجد لأنها تقدر أن تضع ما فی یدها فی غیره و لا یحرم علیها أخذ شی ء منه لأنها لا

ص: 248

تستطیع أن تأخذ ما فیه إلّا منه کما هو مضمون الروایة و کلام الأصحاب و یحرم علیها قراءة العزائم للأخبار الدالة علی تحریم قراءة السجدة علیها و فتوی الأصحاب و لا یراد بالسجدة فی الأخبار نفسها قطعاً بل إما الآیة أو السورة و لما کان المتعارف بالإطلاق و الذی فهمه الأصحاب هو السورة کان التحریم متعلقاً بها و یتعلق التحریم بالمختص منها و بالمشترک مع النیة و أجاز بعضهم للحائض دخول الحضرات بل اللبث فیهن لعدم الدلیل علی حرمة ذلک و قیاسها علی الجنب قیاس لا نقول به علی أنّ دلیل الجنب هو ما ورد من النهی عن دخول الجنب بیوت الأنبیاء حال الحیاة و لم یرد فی الحائض ذلک بل سیرة النساء عند سؤال الأئمة و الدخول علیهم بخلاف ذلک و لا یخلو من قوة.

و منها: أنه یجب علیها السجدة إذا سمعتها للأخبار و کلام الأصحاب و یلحق بها تلاوتها بطریق أولی لأنه سماع و زیادة خلافاً للشیخ حیث منع السجود علیها لاشتراط الطهارة فیه و هو ضعیف و هل یجب علیها عند السماع من دون الاستماع و الانصات أم لا یجب؟ قولان: أقواهما عدم الوجوب للأصل و الإجماع المنقول و صحیحة ابن سنان (عن رجل سمع السجدة قال لا یسجد إلّا أن یکون منصتاً لقراءته مستمعاً لها أو یُصلی بصلاته) و موثقة عمار (من سمع السجود قبل الغروب و بعد الفجر فلا یسجد) فإن الواجب لا یجوز ترکه للکراهیة و معتبرة عبد الرحمن (الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد إذا سمعت السجدة قال تقرأ و لا تسجد) و النهی بعد التوهم الوجوب للإباحة و حملها علی النهی عن قراءة السجدة بعید و قیل بالوجوب و نقل علیه الإجماع و استدل علیه بالأخبار الآمرة بالسجود علی من تسمع السجدة و فیه أنّ الإجماع معارض بإجماع أقوی منه و الأخبار مقیدة بصورة الاستماع حملًا للمطلق علی المُقیّد إن کان السماع أعمّ من الاستماع و إن کان بینهما مقابلة حملناها علی الندب لأنه خیر من طرحها بعد معارضتها بما هو أقوی منها.

و منها: أنه یحرم وطؤها قُبلًا إجماعاً و کتاباً و سُنّة و تُصدّق فی قولها إذا لم تکن مُتّهمة لما ورد فی الحکم بتصدیقهن و ذات العادة یجب اجتنابها ما دامت فی العادة

ص: 249

و الأحوط انتظارها للعشر للاستصحاب و احتمال الانقطاع و المبتدئة إلی تمام العشرة و المضطربة إلی تمام ما تتحیض به کما مر آنفاً و لو لم تعین حیضها فی مقام التخییر جبرها علی التعیین فإن لم یمکن احتمل جواز وطئها مطلقاً للأصل و الاجتناب مطلقاً للاحتیاط و تفویض أمر التعیین إلیه و النقاء المعتاد لها بین الدمین حکمه حکم الدّم علی الأظهر و یجوز وطؤها بعد النقاء قبل الغسل شبقاً کان أم لا للأصل و عدم صدق الحائض علیها بعد ذلک لغة و شرعاً و وجوب الغسل تابع لحدث الحیض شرعاً لا للحیض نفسه و لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و الأخبار کموثقة علی بن یقطین الحائض تری الطهر فیقع علیها زوجها قبل أن تغتسل (قال لا بأس و بعد الغسل أحب إلی) و فی آخر إذا طهرت من الحیض و لم تمس الماء فلا یقع علیها زوجها حتی تغتسل فإن فعل ذلک فلا بأس به و قد یستدل علیه بقوله تعالی: (حَتّٰی یَطْهُرْنَ) بقراءة التخفیف حیث أنّ الطهارة بالمعنی الشرعی الذی هو رفع الحدث لم یثبت و المعنی اللغوی شاهد لنا لأنه صالح لإرادة انقطاع الدّم و مفهوم الغایة یشعر بجوازه بعده و یؤیده ما ورد أنّ غسل الحیض سنة لا فریضة و لا ینافیه قراءة التشدید لمجی ء فعل بمعنی فعل و کونه صالحاً لإرادة التنظیف عن النجاسة و غسل الفرج کما أفتی به جمع و دل علیه الخبر فیمن انقطع عنها حیضها و أصاب زوجها شبق فلیأمرها فلتغسل فرجها ثمّ یمسها و یساعده مفهوم قوله تعالی (فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ)، لا یُعین وجوب غسل الفرج و التنظیف کما أفتی به جمع عیناً و جمع آخر تخیر بینه و بین الغسل للأصل و خلو الأخبار البیانیة فی مقام الحاجة عنه فلتحمل الآیة و الروایة علی الندب أو علی أن تطهر بمعنی طهر أو علی أنّ مفهوم الشرط نفی الإباحة و هو حاصل مع الکراهة و ما ورد فی بعض الأخبار من المنع عن وطئها (کموثقة أبی بصیر) الناهیة عن وطئها حتی تغتسل و (موثقة عبد الرحمن) و (موثقة أبی سعید) و غیرهن محمول علی التقیة أو الکراهة جمعاً لعدم القائل بمضمونها ممن یعتد به و الأحوط عدم الإتیان إلیها قبل الغسل إلّا أن یکون شبقاً فیأمرها بغسل فرجها لفتوی الصدوق و إن لا یؤتی إلیها مطلقاً إلّا بعد غسل فرجها لفتوی جمع بذلک.

ص: 250

و منها: أنه یجوز الاستمتاع بها فی غیر القبل و لو فی الدبر للأصل و فتوی المشهور و ظاهر قوله تعالی (فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِی الْمَحِیضِ) بإرادة اسم المکان دون المصدر و اسم الزمان لافتقارهما إلی تکلیف و قوله تعالی (فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّٰی شِئْتُمْ) و عمومات الأدلة المجوّزة لمباشرة النساء و المجوزة للوطء فی الدبر و لقوله (علیه السلام) فی الموثق (إذا حاضت المرأة فلیأتها زوجها حیث شاء ما أتقی موضع الدّم) و قوله فی الصحیح ما للرجل من الحائض قال (ما بین ألیتیها و لا یوقب) و النهی عن الإیقاب للکراهة إذ لا مفصل بالمنع بین الإیقاب و غیره من أنواع الاستمتاع أو محمول علی الوطء من القبل و قوله (علیه السلام) بعد قوله (ما لصاحب المرأة الحائض منها قال کل شی ء ما عدا القبل بعینه) و الضعیف من هذه الأخبار مجبور بفتوی المشهور و ذهب المرتضی إلی تحریم الاستمتاع بها إلّا بما فوق المئزر و منع من الاستمتاع بها ما بین السرة و الرکبة استناداً لقوله تعالی: (فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِی الْمَحِیضِ) و قوله تعالی (وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰی یَطْهُرْنَ) و للصحیح فی الحائض ما یحل لزوجها قال (تتزر بازار إلی الرکبتین و تخرج سُرّتها ثمّ له ما فوق الإزار) و فی آخر (تلبس درعاً ثمّ تضطجع معه) و فی آخر (ما یحلّ من الطامث قال لا شی ء حتی تطهر) و الکل ضعیف لظهور إرادة المکان من لفظ المحیض دون المصدریة و الزمان و ظهور المقاربة فی النکاح و لأنه لا یراد بها المعنی الحقیقی إجماعاَ فیتعین حمله علی أقرب المجازات و أشهرها و لأنه یلزم من إرادة العموم و خرج منه ما خرج و بقی الباقی کون الخارج أکثر من الداخل و هو متروک و المجاز خیر منه و لمعارضة الأخبار بما هو أقوی منها سنداً و عدداً و بُعداً عن فتوی العامة و عمومات الأدلّة فلا بُدّ من حملها علی الکراهة.

و منها: أنّ مَنْ وطأ الحائض عزر بما یراه الحاکم و قیل علیه ثمن حد الزانی و الأول أقوی و لو وطأها جهلًا أو نسیاناً فلا شی ء علیه و لو وطأها فعلم فی أثناء الوطء وجب علیه الانتزاع و یُصدّقها فی دعواها ما لم تکن متهمة أو مئوفة العقل و قد ورد بأن العُدّة و الحیض للنساء إذا ادّعت صدّقَت و ورد أنّ المرأة ادّعت أنّها حاضت فی شهر

ص: 251

ثلاث مرّات فأمر علی (علیه السلام) أن یسألوا نسوة من بطانتها أنّ حیضها کان فیما مضی کذلک فإن شهدت صَدّقت و إلّا فلا و الجمع بینهما بالاتهام و عدمه.

و منها: أنه تجب علی الواطئ الکفارة مع العلم بالحیض و التحریم وفاقاً لمشهور المتقدمین و نقل علیه الإجماع و دلّ علیه ظاهر جملة من الأخبار و ذهب أکثر المتأخّرین إلی الاستحباب للاصل و لاختلاف الأخبار فیها المؤذن بالاستحباب و للأخبار النّافیة لها کقوله فی الصّحیح عمّن واقع امرأته و هی طامث أ علیه کفارة قال (لا أعلم فیه شیئاً یستغفر الله تعالی) و فی آخر (لیس علیه شی ء یستغفر الله تعالی) المؤیدة بفتوی مشهور المتأخرین الموافقة للعمومات و هو أقوی جمعاً بین الأخبار و هو أولی من الجمیع بحمل المثبتة علی العالم و النافیة علی غیره و لشذوذ القول به إلّا أنّ الأوّل أحوط و قدرها دینار عن أوّله و نصف فی وسطه و ربع فی آخره و من لم یجد تصدق علی مسکین واحد و إلّا استغفر الله کما دلّت علیه (روایة داود بن فرقد) و أفتی به المشهور و نقل علیه الإجماع فیما عدا الأمة فما ورد من التصدق بشبعة مسکین و أفتی به الصدوق ضعیف أو محمول علی ما إذا کان القدر من قیمة قدر أحد المقادیر المتقدمة و کذا ما ورد من التّصدّق بنصف دینار و ما ورد فی التّصدُّق بدینار متروکٌ أو محمولٌ علی وسطه من الأوّل و أوله فی الثّانی و کذا ما ورد فیمن أتی جاریه من التصدق علی عشرة مساکین أما مطروح أو مخصوص فی الجاریة أو محمول علی بلوغها أحد المقادیر وقت السؤال و علی القول بالاستحباب فالتحیز بین هذه المقادیر غیر بعید عن مذاق الأصحاب و یراد بالأول و الوسط و الأخیر هو تقسیم الحیض أثلاثاً و العمل علی کل قسم بما وظف کما فهم الأصحاب و الظّاهر من لفظ الروایة ذلک و یعرف هذا التقسیم عند الفراغ منه و قد تعرفه ذات العادة و لا یراد بالوسط هو ما بین اثنین مطلقاً فالستة أولها الأوّل و آخرها الأخیر و وسطها الأربع لأنّهُ خلاف فهم الأصحاب و ظاهر روایة الباب و لا یراد بالأوّل و الآخر و الوسط بنسبة أکثر الحیض فالثلاثة لا وسط لها و لا أخر و السّتة لا آخر لها و السّبعة فما فوق لها أول و وسط و آخر کما فهم الرّاوندی لشذوذه و بعده عن ظاهر الرّوایة و ما عن سلار أنّ الوسط ما بین الخمس و السّبع فمن کانت

ص: 252

عادتها خمسة لا وسط لها شاذّ لا یلتفت إلیه و لا یتفاوت الحال فی ترتب الکفارة بین الدائمة و المتمتع بها و المزنی بها و الموطوءة و شبهه و المملوکة لإطلاق الأخبار و کلام الأخیار و منع بعضهم منها فی الأجنبیة لغلظ الذنب فلا تکفر العظیم و هو بعید و ذهب جمع من الأصحاب و نسب للمشهور و نقل علیه الإجماع أنّ الأمة غیر الحرّة و إن الواجب التصدق بثلاث أمداد تفرّق علی ثلاثة مساکین و لم نرَ علیه دلیلًا من الأخبار فالقول به متجه إلّا أنّ الأقوی المساواة مع الحرة أخذاً بالإطلاق و ما دلّ فی التصدّق علی عشرة مساکین لم نر عاملًا به و المراد بالدّینار هو الذّهب الصّنمی المسکوک و أما نصفه و ربعه فإن کان مسکوکین فلا کلام و إلّا أجزئت عنهما القیمة قطعاً و فی إجزاء القیمة عن المسکوک و عدمه وجهان أقواهما الإجزاء لأنّ المفهوم من الأخبار و من تقدیر النصف و الربع أنّ المراد إیصال قدر ذلک لا عینه و للزوم المشقة غالباً و لعدم تیسر توزیعه علی الفقراء غالبا أیضاً نعم لا یبعد الاقتصار علی قیمته من النقدین المسکوکین ذهباً أو فضة لأنه المتیقن من القیمة و فی إجزاء غیر المسکوک أو غیر النقدین إشکال و الاقتصار علی عشرة دراهم فی القیمة لا وجه له لأنّ القیمة قد تزید و قد تنقص و مصرف هذه الصدقة مصرف سائر الصدقات و یقوی الاقتصار فیها علی الفقراء و المساکین لأنه هو الظاهر من التصدق فی الأخبار و للتصریح بالمسکین فی جملة من الأخبار و لأنهما المتیقن و الظاهر ترتب الکفارة علی العامد فقط دون غیره لظاهر اتفاق الأصحاب و للإجماع المنقول و للأصل السالم عن المعارض من إطلاقات الأخبار لانصرافها إلی العامد و لقوله (علیه السلام) فی خبر أبی بصیر عن وقوع الرجل علی الطامث خطأ قال (لیس علیه شی ء و قد عصی ربه) و ظاهر الروایة إطلاق کلام الأصحاب شمول ذلک للجاهل بالحکم بقرینة و قد عصی ربه فی الرّوایة و ظاهر الکفارة ترتُّبها علی الإثم و الجاهل معذور سیما لو لم یتفطن للسؤال و القیاس علی کفارة الحج قیاس مع الفارق و نقل الإجماع علی عدم الکفارة علی الجاهل أیضاً فالقول بعدم الکفارة علیه هو الوجه و العاجز عن الکفارة تسقط عنه وجوباً و استحباباً و لا یعیدها عند القدرة لو تمکن علی الظاهر و لا یبعد أنّ الاستغفار ینوب منابها و لو لم

ص: 253

یستغفر بقیت فی ذمته و لو قدر علی البعض فلا یبعد الوجوب لتنزیل الأمر بالکل منزلة أوامر متعددة و لعموم ما لا یدرک لا یترک و لا یسقط المیسور بالمعسور و لو تکرر الوطء تکررت الکفارة لأصالة عدم التداخل سواء تکررت فی الزمن الأوّل أو الوسط أو الأخیر أو تکررت فی جمیع الأزمان فإنّ کلًّا من المکرر بأخذ حکمه و لا فرق بین وقوع التکفیر فی الأثناء و عدمه و إن کان فی الأوّل أظهر و لا بین مضی زمان کثیر و عدمه و لا بین تغایر الأزمان و عدمه و دعوی تداخل الأسباب هنا فیکفی فیها مسبب واحد عرفاً کأوامر الوضوء و غسل الجنابة بعید عن ظاهر الخطاب و لو لا الدلیل لما کان إلی القول بالاتحاد هناک سبیل و الظاهر ثبوت الکفارة علی الاستدامة کالابتداء فیما لو علم بالحیض فی الأثناء و لم ینزع و لا تجب الکفارة علی الموطوءة لابتداء و لاستدامة.

و منها: أنها لا تقضی ما فاتها من صلاة حال الحیض إجماعاً و سنة و تقضی الصوم الفائت منها و لو طرأ الحیض فی ذلک الیوم لحظة قبل الغروب لفساد ذلک الجزء إجماعاً و الصّوم لا یتبعّض فی یوم واحد نعم تقضی الصلاة لو تمکنت من فعلها بعد دخول الوقت تامة الإجزاء جامعة الشرائط و لم تفعل حتی حاضت للأخبار المتکثرة الدالة علی أنّ من دخل علیها وقت الصلاة و هی طاهرة فأخرت صلاتها حتی حاضت وجب علیها الصلاة قضاء و لصدق الفوت علیها فیشمله حینئذ عموم من فاتته و ظاهر النص و الفتوی أنّ المدار علی التمکن من فعلها جامعة مانعة و لما تفعل فإن تمکنت منها و من الطهارة و من باقی الشرائط حال کونها غیر محرزة لها وجب علیها أو تمکنت منها وحدها و کانت قبل الوقت محرزة لجمیع الشرائط أو تمکنت منها و من الطهارة و کانت محرزة لغیرها غیر محرزة لها وجب علیها القضاء و إن لم تتمکن منها وحدها أو منها و من باقی شرائطها الغیر المحرزة طهارة أو غیرها لم یجب القضاء للأصل و ظاهر بعض الأخبار و فتوی المشهور من الأخیار و ما اشتهر بین الفقهاء أنّ من مضی علیها من الوقت بقدر الصلاة و الطهارة و لم تفعل وجب علیها القضاء دون من لم تکن کذلک محمول علی الغالب من إحراز باقی الشرائط قبل دخول الوقت فلا یفتقر إلی النّص للإدخال و علی الغالب من عدم إحراز الطهارة قبله فلا یفتقر إلی نصّ للإخراج

ص: 254

و احتمال أنّ للطهارة خصوصیة فی سقوط القضاء عند عدم التمکن منها لعدم صحّة الصّلاة بدونها مطلقاً دون باقی الشرائط فإنها تصحُّ بفقدها عند الاضطرار بعید کل البعد لعد الفرق بین الطهارة و غیرها فی ابتداء الخطاب عند عدم سعة الوقت لها و إن افترقت بعد ذلک فی أنّ من لم یتمکّن من الطّهارة یسقط عنه الغرض و من لم یتمکن من غیرها لم یسقط عنه و بهذا یظهر أنّ من تمکّن من التیمّم و الصّلاة فی أوّل الوقت و ضاق علیه الوقت عن الطهارة المائیة لا یجب علیه القضاء لعدم اعتبار التیمم فی الضیق من أوّل الوقت لأنه بدل اضطراری بعد تعلق الخطاب بالصّلاة و عدم التمکّن من الماء و تعلق الخطاب هاهنا مشکوک فیه لتوقفهِ علی مضی زمان یسع الفعل و مقدماته الاختیاریة و لیس فلیس. و ظهر مما ذکرنا أنّ الفعل یختلف باختلاف الأشخاص سرعة و بطأ و قرباً من المقدمات و بعداً و انطلاقاً للسان و ثقلًا و غیر ذلک نعم لا یعتبر إلّا المندوب بعد سعة الوقت للقدر الواجب بل یتقدّر بأقل المجزی حتی أنه فی مقام التّحیّز یعتبر السعة لفعل القصر لا الإتمام علی الأظهر و لا یتفاوت الترک الموجب للقضاء بین کونه عمداً أو خطأً أو نسیاناً و لا خصوصیة للتفریط و إن أشتهر تعلیق الحکم علی المفرط تنزیل کلامهم علی إرادة وقوع ذلک عمداً لکونه هو الغالب و إطلاق التفریط علیه غیر عزیز و ما حکی عن المرتضی من الاکتفاء بإدراک قدر أکثر الصلاة فی وجوب القضاء ضعیف تردّهُ ظواهر الأخبار و کلمات الأصحاب و تقضی الصلاة أیضاً لو تمکنت بعد النقاء من إدراک رکعة تامة و تتم بحصول مسمّی السّجدتین دون الرّفع لأنه من مقدّمات القیام و القعود و لا یکفی فیها مجرّد الرّکوع لإطلاق الرّکعة علیه لبعده عن ظواهر الأخبار و فی مقام الشکّ فی الرکعات و شبهه و عن کلمات الأصحاب فالظاهر أنّ الرکعة حقیقة شرعیة فی التامة لا ینصرف الإطلاق إلی غیرها فیحمل علیها ما ورد أنّ من أدرک رکعة فکأنما أدرک الوقت کله المعتضد بفتوی الأصحاب و الأخیار الخاصة المتکثرة فی الباب فالحکم لا إشکال فیه فی الجملة إنما الکلام فی أنّ مدرکة الرکعة هل یجب علیها البدار إلیها أم لا؟ و الظاهر الأوّل و إنها هل تکون قضاء عند فعلها لصیرورتها أجمع فی غیر وقتها أو أداء لأنّ ظاهر الأخبار أنّ

ص: 255

ذلک توقیت لها أو ملفقة؟ أقوال أجودها الوسط و بعد البناء أنّ نیة القضاء و الأداء غیر محتاج إلیها و إنّها تُقدّم علی الفائتة و لو کانت قلّة ثمر البحث عن ذلک و هل یتوقّفُ إدراک الرکعة التامة بحسب حال المُکلّف من سرعة و بطء و خفة و ثقل علی إدراک سورة مع الحمد علی القول بوجوبها و علی إحراز الطهارة المائیة لمن لم یکن متطهراً أو علی إحراز باقی الشرائط من استقبال و لباس و غیرهما لمن لم یکن محرزاً لها أم لا یتوقف علی شی ء من ذلک؟ وجهان و الأقوی توقفهما علی السورة و الطهارة المائیة دون باقی الشرائط لأنّ السورة من أجزاء الصلاة و جواز ترکها اضطراراً بعد تعلق التکلیف ذلک حکم آخر و لان الطهارة المائیة من الشرائط و بفقدها یفقد المشروط و هو الرکعة و قیام التیمم مقامه فی هذا المقام لم یقم علیه دلیل و إن صح فی مقام الضیق بعد التعلق التکلیف و أما غیرها من الشرائط و إن قضت القاعدة بإجرائها مجری الطهارة إلّا أنّ المفهوم من الأخبار و کلام الأصحاب أنّ للطهارة خصوصیة علی باقی الشرائط و إن ابتدأ الخطاب عند الضیق إلّا عن رکعة مطلق بالنسبة إلی سائر الشرائط و مشروط بالنسبة إلی الطهارة فمن أدرک رکعة متطهراً أو لم یتمکن من باقی الشرائط صلی مهما أمکن و من أدرکها غیر متطهر سقط عنه وجوبها و علی ما ذکرناه فمن أدرک رکعتین غیر متطهر تطهر و اکتفی بإدراک رکعة و من أدرک رکعتین متطهراً إلّا انه فاقد لباقی الشرائط أتی بالرکعتین و اکتفی بالمیسور من الشرائط و مدرکة الخمس قبل الغروب تأتی بالظهرین و مدرکة الخمس فی العشاءین تأتی بهما و مدرکة الأربع تخص بها العشاءین و مدرکة الأربع قبل الغروب تخص بها العصر فإدراک الرکعة کإدراک الفرض یجری علیها حکم إدراک الفرض مع الطهارة فعلًا و ترکاً و یشملها قوله (علیه السلام) (فی حسنة عبید بن زرارة) (فإن رأت الطهر فی وقت صلاة فقامت فی هیئة ذلک فجاز وقت الصلاة و دخل وقت صلاة أخری فلیس علیها قضاء) و (خبر الحلبی) (عن الامرأة تقوم فی وقت الصلاة فلا تقضی طهرها حتی تفوت الصلاة و یخرج الوقت أ تقضی الصلاة التی فاتتها؟ قال إن کان توانت قضتها و إن کانت دائبة فی غسلها فلا تقضی) و (خبر بن مسلم) (عن الامرأة تری الطهر عند الظهر فتشتغل فی شأنها حتی

ص: 256

یدخل وقت العصر قال تصلی العصر وحدها فإن ضیعت فعلیها صلاتان) و فی (خبر منصور) إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر و العصر فإن طهرت فی آخر وقت العصر صلت العصر و فی خبر الکتابی إذا طهرت الامرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب و العشاء و إن طهرت قبل أن تغیب الشمس صلت الظهر و العصر و یمکن استخراج أکثر ما قدمناه من الأحکام من هذه الأخبار:

و منها: أنه یجب علی الحائض الغُسل إجماعاً عن حدثها الأکبر و کیفیّته ککیفیّة غسل الجنابة و یجب علیها الوضوء لرفع الأصغر علی الأظهر للأخبار و الاحتیاط و مشهور الأصحاب و عموم دلیل الوضوء فالمعارض مطرح أو مؤول بإرادة تمامیة الغسل بدون الوضوء أو حصول تأثیره من رفع الأکبر لا لغایة الغُسل عنه فی إباحة الدخول فی الصّلاة و یجوز الوضوء قبل الغسل و بعده إلّا أنّ الأحوط القبلیّة (لمرسل ابن أبی عمیر) (کل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة) و فتوی بعض الأصحاب بوجوبه.

و منها: أنه ینبغی للمضطربة النّاسیة للوقت و العدد مطلقاً و للمضطربة التی لم تستقر لها عادة عند فقد التمییز الرّد إلی أسوأ الاحتمالات احتیاطاً فیمنع الزّوج و المالک من وطئها و لو فعل کلّ یوم أو لیلة کفّر الثلاث المتقدمة و لا تطلق إلّا فی أول یوم و أول الحادی عشر و لا تنقض عدتها إلّا بعد مضی ثلاثة أشهر و لا یراجعُها زوجها إلّا قبل تسع و ثلاثین یوماً و لا تفعل ما یحرم علی الحائض مما لا یجب فعله و لا تترک ما یجب علی الطاهرة فعله کالصلاة و الصوم و قضاء صوم أحد عشر منه أو إحدی و عشرین وصوم یوم و حادی عشرة قضاء عن یوم و ثانیه و ثانی عشرة و غیر ذلک من الأحوال التی ینبغی الاحتیاط فیها.

القول فی الاستحاضة:

اشارة

و هی دمٌ فی الأغلب أصفر بارد رقیق یخرج بفتور من عرق یسمی العاذل و یدل علی الوصفین الأولین الأخبار و کلام الأصحاب و علی الدقة روایة (علی بن یقطین) و یشعر بها وصف الحیض بالعبیطیّة و علی کونه یخرج بفتور وصف الحیض بالدّفق و فی

ص: 257

بعض الأخبار وصفه بالفساد و معرفته موکله للنساء و کل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة و لم یکن من جرح أو قرح أو عذرة أو نفاس فهو الاستحاضة لأنه أصل للدماء بعد انقضاء الحیض و کذا ما تراهُ بعد سن الیأس أو قبل التّسع أو فی الحمل علی وجه أو بعد النفاس قبل مُضیّ أقلُّ الطُّهر بناء علی اشتراط تخلل أقل الطّهر بین النّفاس و الحیض أو قبل النفاس قبل تخلّل أقل الطّهر بینه و بین النفاس بناء علی اشتراط تخلّل أقل الطّهر بین الحیض المتقدم و النفاس أما مع وقوعه لنفسه أو مطلقاً و لو مع فعل فاعل و کذا ما تراه بعد العادة إذا کان فیها الدّم سواء کان فی أیّام الاستظهار أو غیرها إذا تجاوز مع العادة العشرة مستمراً و کذا ما تراه بعد العشرة لذات العادة إذا ملأ الدّم العادة و تجاوزها إلی العاشر ثمّ انقطع علی العاشر و کذا ما تَراه المُضطربة و المبتدئة عند تجاوز العشرة مستمراً فاقد التمییز مع حصول الوصف بغیره و ما تراه عند عدم التمییز زائداً علی عادة النساء و ما تراه الناسیة عند فقد التمییز زائداً علی ما فی الروایات و ما تراه تلک بعد دم لیس بینه و بین ذلک الدّم قدر عشرة و قد انقطع الأوّل علی ما دون العشرة و کان الأوّل فهو الجامع للوصف أو الموافق للروایات دون الثّانی إلی غیر ذلک و الصفرة و نحوها فی أیّام الحیض حیض کما دلّت علی ذلک الأخبار و السّواد و الحُمرة فی أیّام الاستحاضة استحاضة و اعتبار الوصف أغلبی لا دائمی نعم یعتمد علیه عند الاشتباه و فقد مرجح غیره من عادة أو شبهها

و هاهنا أمور:

أحدها: الاستحاضة ثلاثة أقسام قلیلة و متوسطة و کثیرة

و لکل واحدة أحکام خاصّة و یجب علی المستحاضة اختبار نفسها لظاهر الآمریة فی الأخبار و لأنه طریق إلی العلم بالتکلیف الخاصّ بعد تعلّقه إجمالًا و الرکون إلی أصل القلة إلی حالة العلم بغیرها بعید عن کلام الأصحاب و أخبار الباب و الظّاهر بُطلان عباداتها مع ترک الاستخبار حتی لو اثبت بجمیع محتملات أقسامها الثلاثة نعم لو لم تتمکن من الاختیار و لو مع بذل ثمن لا یضرّ بالحال احتمل رجوعها لحکم القلة لأنه الأصل و لحکم الکثرة للاحتیاط و للجمع بین أحکام الأقسام الثلاثة و الأول أقوی و الأخیر أحوط و ینبغی فی طریق الاختبار أن تضع قطنة أو ما شابهها رخوة یظهر علیها وصف الدّم مالئة للفرج

ص: 258

متساویة الأطراف علی نحو الوضع المعهود للنساء فی الموضع المعهود لهنّ و تبقی مقدار ما یعهد لهن بقاءها من الزمان و لا یبعد أنّ أخره و مبدأه من وقت صلاة إلی وقت أخری فإن خرجت القطنة ملطخة و لو من جانب واحد و لم یملأها أو لم یثقبها مطلقاً علی الأحوط فهی القلیلة و إن ملأها أو ثقبها و إن لم یملأها علی الأحوط و لم یسل من خلفها فهی متوسطة و إن ملأها و سال من خلفها و لو من جانب واحد فهی الکثیرة.

ثانیها: یجب فی القلیل عند الصلاة تبدیل القطنة إلی قطنة أُخری طاهرة أو تطهیرها

و إن لم تکن من الملابس بل المحمول و من البواطن لا من الظواهر و لا من ما یتم بها الصلاة بل مما لا یتم به للإجماع المنقول و فتوی المشهور و الأخبار الواردة فی لزوم تبدیلها فی المتوسطة و الکثیرة و لا فارق بینهما بل نقل علیه الإجماع المرکب ففی الصحیح فلتغتسل ثمّ تضع کرسفاً آخر ثمّ تصلی و فی آخر هذه مستحاضة تغتسل و تستدخل قطنة بعد أخری و هل یجب تغییر الخرقة عند تلوثها للاحتیاط و لفحوی لزوم تبدیل القطنة أو لا یجب للأصل و لعدم و النص الأحوط الأوّل و یجب علیها الوضوء لکل صلاة و لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و الصحیح إن کان الدّم لا یثقب الکرسف توضأت و دخلت المسجد و صلت کل صلاة بوضوء و فی آخر و تصلی کل صلاة بوضوء ما لم یثقب الدّم الکرسف إلی غیر ذلک من الأخبار و الأخبار الآمرة بالوضوء إذا رأت المرأة صفرة و هی ظاهرة فی قلیلة الدّم و لا فرق بین الفرض و النقل لإطلاق الأخبار و کلام الأصحاب و الاحتیاط و لا یجب الغسل لها وفاقاً للمشهور و الإجماع المنقول و الأخبار البیانیة فی مقام الحاجة و أوجبه الإسکافی فی کل یوم و لیلة مرة للخبر فإن لم یجز الدّم الکرسف فعلیها الغسل کل یوم مرة و الوضوء لکل صلاة و فی آخر فإن لم یجز الدّم الکُرسف صلّت بغُسل واحد و هما مع ضعف السّند محتملان لإرادة السیلان من عدم الجواز و الأخیر محتمل لإرادة غسل الحیض و نفی الحسن عنها وجوب الغسل و الوضوء للأصل و حصر نواقض الوضوء و الخبر المستحاضة إذا مضت أیّام إقرائها اغتسلت و احتشت کرسفاً و تنظر فإن ظهر علی الکرسف زادت کرسفها و توضّأت و صَلّتْ و الأصل معارض بوجوب الاحتیاط و حصر النواقض مخصص أو

ص: 259

إضافیّ و الخبر ضعیف مع احتمال إرادة ظهوره علی الباطن فلا یصلح لمعارضته ما ذکرناه و یجب علیها غسل الفرج لإزالة النجاسة لعموم عدم العفو عن هذه النّجاسة و یجب التحفُّظ عن تعدی النّجاسة و سیلان الدّم فی الغسل و بعد الغسل و لو سال فالأظهر وجوب إعادة العمل کما تشعر به الأخبار و یجب تخفیف النجاسة مهما أمکن لعموم ما لا یدرک لا یُترک و للشعار بتبدیل القطنة به.

ثالثها: یجب فی الکثیر مع ما قدمناه أغسال ثلاثة غسل للصُّبح

و لها أن تقدمه فتُصلّی به صلاة اللّیل و الصبح و غُسل للظّهرین و غسل للعشاءین تجمع بین الفریضتین لفتوی الأصحاب و الإجماع المنقول و أخبار الباب المتکثرة الدالة علی أنّ الدّم إذا سال و إذا جاز الکرسف اغتسلت ثلاث أغسال و یدل علی تغیر القطنة الأخبار بمنطوقها و علی تغیر الخرقة و تخفیف النّجاسة الأخبار بفحواها و علی الوضوء لکل صلاة العمومات الآمرة به و الاحتیاط و لزومه لقلیل هذا الدّم فلکثیره أولی و لأصالة عدم إغناء الغُسل عنه و یمکن المناقشة فی هذه الأدلة بانصراف أوامر الوضوء لکل الصلاة إلی المحدثین بالأحداث المعهودة سیما الآیة فإنها مفسرة بذلک و إنها خطاب للذکور فشمولها للنساء فی غیر ما قام علیه الإجماع ممنوع و منع الاحتیاط و الأولویة بعد خلو الأخبار البیانیة عنه فی مقام الحاجة فالقول بعدم لزوم الوضوء متجه و أوجه منه لزومه مع کل غسل لا لکل صلاة لما ورد أنّ کل غسل معه وضوء و عدم قابلیة تخصیص هذه الأخبار لعدم بیان الوضوء فیها لتلک الأخبار و هل یجوز تفریق الأغسال علی الصلوات الخمس لظهور أنّ الجمع رخصة و تخفیف أو لا یجوز لظاهر الأمر بالجمع وجهان أوجههما الأوّل لأنّ الأمر هاهنا فی مقام توهم الخطر فی الجمیع لاستمرار الحدث و الاحتیاج إلی المبیح فی کل أنّ من آناته و أما تعجیل واحدة و تأخیر أخری فلا شک أنه رخصة لا عزیمة و لا یجب وقوع الغسل بعد دخول الوقت و إن کان الأحوط ذلک نعم لا یجوز الفصل بفاصلة طویلة بین الغسل و الصّلاة کما یشعر به تفریق الظُّهرین و العشائین کل منهما بغسل و أما الفواصل المندوبة من آذان و إقامة فلا بأس بهما علی الأظهر و أما النوافل الرواتب فلا یبعد جواز جمعها مع فرائضها و جواز

ص: 260

استقلالها بغسل علی حدة و خیال سقوطها ساقط و الظاهر أنّ حکم الاستحاضة الکثیرة حکم مستدیم الحدث یجب لاستمرارها، الأغسال المذکورة و یجب لانقطاعها غسل سواء انقطعت رأساً و أصلًا أو تبدلت للأدنی منها و سواء عادت بعد الانقطاع و التبدل أو لم تعد و خیال أنّ استدامة الدّم هو الحدث الموجب للأغسال فبدونه لا یجب غُسل أو هو الموجب للأغسال و الوضوءات فبدونه لا یجب غسل و لا وضوء ضعیفان مخالفان لظواهر الأخبار المشعرة بحدثیة هذا الدّم نفسه و بترتب لوازم الحدث علیه من حیث هو کذلک فیجب الغسل لحدوثه و یجب الغسل لانقطاعه فعلی ما ذکرناه لو حصلت الکثیرة فی اللیل و انقطعت الفجر أو تبدلت بالقلیلة وجب الغسل لانقطاعها و لو اغتسلت لانقطاعها فصلت الفجر فعادت فإن استمرت للظهر وجب الغسل لحدوثها و إن انقطعت قبل الظهر وجب الغسل لانقطاعها لصلاة الظهر أیضاً و هکذا و لو طرأت بعد غسل الانقطاع و لو فی أثناء الصلاة وجب القطع و تجدید الغسل لحدوثها إلّا إذا کانت الفترات قلیلة جداً و لو طرأ الانقطاع بعد الغسل لحدوثها أو بعد التلبس فی الصلاة وجب علیها الغسل له و قطع الصلاة إلّا أن یکون الانقطاع قیلًا لا تسع الطهارة و الصلاة و لو علمت المستحاضة العمل اللازم فی الکثیرة و أدخلت قطنة أخری و اغتسلت بزعم بقاء الدّم فتبین انقطاعه قبل الغسل لخروج القطنة نقیة أو شبه ذلک کفی ذلک الغسل للانقطاع و کفت نیة الاستباحة عن نیة الرفع.

رابعها: یجب فی المتوسطة جمیع ما ذکرناه

سوی غسلی الظهر و العصر و المغرب و العشاء فیکتفی فیها بغسل واحد لصلاة الصبح وفاقاً للمشهور و الرضوی المؤید بفتواهم المصرح بالوحدة و بأنه للفجر و للأخبار المتکثرة الدالة علی ثبوت غسل واحد و یضم إلیها عدم القول بوجوبه لغیر صلاة الفجر بل الإجماع البسیط دال علی ثبوته للفجر و المخالف شاذ لا یعتد به و إنما الکلام فی ثبوته لباقی الصلوات فأنکره المشهور و أثبته جمع من أصحابنا و ألحقوا المتوسطة بالکبیرة تمسکاً بإطلاقات الصحاح الدالة علی أنّ الدّم إن ثقب الکرسف اغتسلت ثلاثاً و إلّا توضأت (کصحیح معاویة بن عمار) الدالة علی أنّ المستحاضة علیها ثلاثة أغسال مطلقاً خرجت القلیلة بالإجماع

ص: 261

و بقی الباقی و هو ضعیف لتقید هذه المطلقات بالأخبار المؤیدة بالاشتهار و الموافقة للاعتبار من استبعاد الترقّی من وضوء إلی أغسال ثلاثة فمنها (صحیح الحسین بن نعیم) و فیه فإن کان الدّم فیما بینها و بین المغرب لا یسیل من خلف الکرسف فلتتوضأ و لتصلی عند وقت کل صلاة و أراد بهذه القلیلة بقرینة الأمر بالوضوء و ما بعده حیث قال فإنْ طرحت الکرسف عنها و سالَ الدّم وجبَ علیها الغُسل و أراد بهذه المُتوسّطة لأنّ الدّم عند طرح الکرسف فیها معرض للسیلان و بقرینة ما بعده حیث قال و إن طرحت الکرسف و لم یسل الدّم فلتتوضأ و لتصلی و لا غسل علیها و أراد بالغسل غسل الفجر الواحد دون طبیعة الغسل بقرینة قوله بعد ذلک و إن کان الدّم إذا أمسکت الکرسف یسیل من خلف الکرسف صبیباً و لا یرقی فعلیها أن تغتسل کل یوم و لیلة ثلاث مرّات و مفهوم الشرط و تقیده بوصف کونه صبیباً لا یرقی دلیل علی حکم المتوسطة أیضاً.

منها: (صحیح زرارة) فإنْ جاز الدّم الکرسف تعصّبت و اغتسلت ثمّ صَلّت الغداة بغُسل، و الظّهر و العصر بغُسل و المغرب، و العشاء بغُسل، و إن لم یجز الکرسف صلت بغسل واحد و القدح فی الروایة بالإضمار بعد أن کان المضمر هو (زرارة) کالقدح باحتمال إرادة غسل النفاس من الغسل الواحد بعد الإعراض عن أحکام النفاس و الأخذ بتفصیل الأحکام المستحاضة ضعیف و لا یلتفت إلیه.

و منها: الموثّق قال المستحاضة إذا ثقب الدّم الکرسف اغتسلت لکل صلاتین و للفجر غسلًا و أراد به مع السیلان بقرینة قوله (فإن لم یجز الدّم الکرسف فعلیها الغسل کل یوم مرة) و یضم إلی ذلک الإجماع علی عدمه لغیر الفجر.

و منها: الموثق و غسل الاستحاضة واجب إذا احتشت الکرسف فجاز الدّم الکرسف فعلیها الغسل لکل صلاتین و الفجر و غسل و إن لم یجز الدّم الکرسف فعلیها الغسل لکل یوم مرة و الوضوء لکل صلاة.

و منها: الصّحیح أو کالصّحیح عن المستحاضة و لتغتسل و لتستدخل کرسفان فإذا ظهر علی الکرسف فلتغتسل ثمّ تضع کرسفاً آخر ثمّ تصلی فإذا کان الدّم سائل

ص: 262

فلتؤخر الصلاة إلی الصلاة ثمّ تصلی صلاتین بغسل واحد و یراد بالظهور علی الکرسف هو ثقب القطنة بقرینة ما بعده و بقرینة مفهوم الشرط و بقرینة السیاق حیث أنه ظاهر فی اشتماله علی بیان حکمین لموضوعین مختلفین إلی غیر ذلک من الأخبار المشعرة بمفهومها و المؤمیة إلی وحدة غسل المُتوسّطة فمع ورود هذه الأخبار المقیدة وجب الحکم بتقید المطلقات الآمرة بالأغسال الثلاثة و کان القول بوجوب الغسل الواحد للفجر هو الأقوی و لو انقطعت المتوسطة أو تبدلت بالقلیلة وجب لانقطاعها غسل و لو اغتسلت غسل الانقطاع ثمّ تجددت وجب لحدوثها غسل متی حصل و لو عند کل فریضة لأنها حدث موجب للغسل فمع استمراره اکتفی الشارع لطفاً و تخفیفاً منها بغسل الفجر و أما مع الحدوث فلا بد من التجدید لشغل الذمة الموجب للاحتیاط نعم لو اغتسلت للحدوث فی غیر الفجر فاستمر اکتفی به لذلک الیوم و اللّیلة لعدم نقصانه عن غسل الفجر و إن لم یزد علیه و لو حدثت المتوسطة عن الکثیر و بعد حصولها و الغسل لها فهل یجب تجدید غسل آخر لها أم لا؟ وجهان أوجههما العدم و کفایة غسل الکثیرة و للفجر عن الأغسال فی بقیة الیوم للمتوسطة لحصول الامتثال و عدم وجوب تشخیص ما عمل له لوحدة الفعل و المفعول لأجله إلّا بنوع اعتبار لا یصلح مانعاً و لا فارقاً.

خامسها: الاستحاضة حدث أصغر إنْ کانت قلیلة

یمتنع معها ما یمتنع مع الحدث الأصغر و حدث أکبر إن کانت کثیرة أو متوسطة یمتنع معها ما یمتنع مع الحدث الأکبر استدامت أو انقطعت و یرتفع حکم الحدث عنها مع الاستدامة إذا عملت الأعمال المذکورة للصلاة فی وقتها و صلت بعد الأعمال فإنها تستبیح جمیع الغایات و لو لم تعمل تلک الأعمال حرمت علیها جمیع الغایات المترتبة علی ارتفاع الحدثین من صلاة و طواف و مس.

و منها: و من لبث فی المساجد مطلقاً أو اجتیازاً فی أحد المسجدین علی الأظهر و الأحوط إذ لا خصوصیة لحدث الجنب و الحیض فی المنع عن ذلک بل الظاهر لکونهما حدث أکبر و لما یلوح من بعض الأخبار من المنع و لو عملت لکن لغیر الصلاة من

ص: 263

الغایات أو عملت قبل وقت الصلاة أو فصلت بین الصلاة و العمل بفاصل یعتد به ففی ارتفاع حدثها بالنسبة إلی جمیع الغایات إشکال و الظاهر بقاء الاستباحة عند حصولها إلی وقت صلاة أُخری إذا لم یطرأ حدث آخر بعد الصلاة و یتوقف صحة صوم صاحبة الکثیرة علی الأغسال لفتوی الأصحاب (و روایة علی بن مهزیار) و هل یتوقف علی باقی الأفعال المجوزة للدخول فی الصلاة أم لا یتوقف؟ وجهان أقواهما الثّانی للأصل و اختصاص الرّوایة فیمن لم تعمل عمل المستحاضة من الغسل و أحوطهما الأوّل ثمّ علی التّوقف علی الأغسال و الأفعال فهل یتوقف صوم کل یوم علی أغسال نهاره خاصّة أو فجره خاصّة أو لیلته السابقة حاصّة أو اللّاحقة خاصّة أو للّیلتین معاً أو الجمیع مطلقاً أو الجمیع مع السابقة إن لم تغتسل للفجر قبل الفجر و إن اغتسلت أجزأ غسل الفجر عنها وجوه أقواها الأوّل و غسل الفجر و إن لم یکن منصوصا علیه و لکن الأصحاب حکموا به و الأقوی و الأظهر إلحاق غسل المتوسطة بأغسال الکثیرة من توقف صحة صومها علی الغسل لفتوی الأصحاب و الاحتیاط و إلّا ففی دخولها فی الروایة نظر ظاهر و الأقوی أنّ المستحاضة الکثیرة و المتوسطة لا یحل لزوجها أن یطأها قبلًا قبل العمل المبیح للصلاة من غسل و وضوء و غیرهما لما ورد فی المستحاضة الکبری فی طریق معتبر بعد أمرها بالاغسال فإذا حل لها الصلاة حل لزوجها أن یغشاها و فی خبر آخر فی المستحاضة و لا یغشاها حتی یأمرها بالغسل و فی خبر آخر و کلّ شی ء استحلّت به الصّلاة فلیأتها زوجها و فی آخر و إن أراد زوجها أن یأتیها فحین تغتسل و غیر ذلک مما ورد فی الکثیرة و المتوسطة و نسب إلی فتوی الأصحاب و به یخصّص عموم الکتاب و السنة الدال علی جواز الوطء مطلقاً و الدال علی الجواز خصوصاً کالصحیح و لا بأس أن یأتیها بعلها متی شاء إلّا أیّام الحیض و أما القلیلة فالأحوط امتناع الزوج لفتوی الکثیر من الأصحاب و لظواهر بعض أخبار الباب و هی و إن کان موردها الکثیرة و المتوسطة إلّا أنّ بعضها لا یخلو عن عموم أو إطلاق و الظّاهر بقاء حکم جواز الوطء إلی تضیق العمل الآخر لصلاة أخری و احتمال بقائه دائماً ما لم ینقض بناقض آخر کاحتمال الفوریة و المعاقبة بعید عن ظاهر الأخبار و کلمات الأصحاب.

ص: 264

القول فی النفاس:

اشارة

و هو فی الشرع الدّم المتعقب للولادة إجماعاً نصاً و فتوی و لو لم تر دماً أصلًا فلا نفاس لها إجماعاً و لو رأته مع الولادة و لم تره بعد بنی علی أنّ المصاحب للولادة نفاس أم لا و علیه تترتب ثمرات الأحکام المتعلقة بالنفاس و عدمها و الحق أنه نفاس لفتوی المشهور نقلًا علی ما استظهره بعضهم و للإجماع المنقول (و لروایة زریق) (عمن رأت الدّم و قد أصابها الطلق قال تصلی حتی یخرج رأس الصبی فإذا خرج رأسه لم یجب علیها شی ء) و ظاهر خبر السکونی إذا رأت الدّم و هی حامل لا تدع الصلاة إلّا أن تری رأس الولد إن أضر بها الطلق و رأت الدّم ترکت الصلاة و الظاهر أنه مع خروج بعض الولد و رجوعه إلی الباطن یحکم علی الدّم الخارج بالنفاس سواء خرج مصاحباً لبعض الولد فاستمر أو خرج بعد رجوعه و لکن لا یخلو من إشکال هذا کله فی الخارج مع الولد أو مع بعضه و أما الخارج مع المضغة فالظاهر انه کالخارج مع السقط أو مع غیر التام من الوضع لصدق الولادة عرفاً و الشهرة المنقولة و لظهور کون المضغة مبدأ نشوء إنسان فیلحقه حکمه مع احتمال العدم لعدم انصراف إطلاق الولادة إلیه و الأصل الطهارة و یحتمل الفرق بین ما علم أنه مبدأ نشوء إنسان و لو بشهادة القوابل فیجری علیه حکم النفاس و نقل علیه الإجماع و بین ما لم یعلم فلا یحکم بذلک و أما غیر المضغة من العلقة و النطفة فإن لم یعلما انها مبدأ نشوء إنسان فلا إشکال بعدم النفاس و إن علم ذلک فوجهان أقواهما العدم سیما فی الثانیة لبعد صدق اسم الولادة.

و هنا فوائد:

أحدها: لا یشترط تخلل أقلّ الطّهر بین النفاسین

بل یجوز تعدد النفاس فی التوأمین من غیر تخلل أقل الطهر فیجوز أن یتخلّل بینهما خمسة أیّام طهر أو أقل أو أکثر و یجوز أن لا یتخلل طهر أصلًا ورسا و هل یشترط تخلل أقل الطهر بین النفاس و الحیض سواء تأخر الحیض أم تقدم أم لا؟ وجهان أقواهما الاشتراط لظاهر الأخبار

ص: 265

عموماً کقوله (علیه السلام): (أدنی الطهر عشرة أیّام) و قوله (علیه السلام): (لا یکون القرء فی أقل من عشرة أیّام) و خصوصاً (کخبر زریق) الآمر بالصلاة لمن أصابها الطلق حتی یخرج رأس الصبی و للإجماع المنقول علی اشتراط تخلل أقل الطهر النّفاس و الحیض و للمُوثّق یُصیبها الطّلق أیّاما فتری الدّم تصلی ما لم تلد و احتمل العلامة (رحمه الله) عدم اشتراط أقل الطّهر بین الحیض المتقدم و النّفاس المتأخر و جوّز تقدّم الحیض علی النفاس مع الاتصال و مع تخلل الأقل من أقل الطهر للأصل و یؤیده ضعف الروایات الخاصة و اختصاصها بدم المخاض المتصل بالولادة دون کل دم متقدّم و انصراف الأدلة العامة إلی الطهر الواقع بین الحیضتین و لکن مخالفة المشهور و الأخبار المنجبرة بفتواهم و الإجماع المنقول لا وجه لها نعم قد یفصّل بین ما کان النّفاس واقعاً من نفسه فیکشف عن استحاضة المتقدم و بین ما یکون واقعاً بفعل فاعل فلا یکشف لعدم کونه من الأمور الطّبیعیة و لم ترَ من احتمل حیضیة الدّم المتأخر عن النفاس قبل تخلل أقل الطهر و هو کذلک نعم لو رأت دماً سابقاً علی النفاس مُتّصلًا به أو لاحقاً له و إلحاقه متصلًا به یمکن أخذ قدر دم النفاس و قدر الطهر و قدر أقل الحیض منه فلا یبعد البناء علی حیضیة الدّم السّابق و اللاحق سیما لو وافق العادة و لکن الظاهر أنّ المتأخر فی الشهر الواحد لیس بحیض معاملة للنفاس معاملة الحیض فی وقوع دمه فی الشهر مرة و الأقوی أنّ المنافاة بین دم النفاس و دم الحیض لا بین دم الولادة و الحیض فلو رأت دماً سابقاً ثمّ ولدت و لم تر دماً و لم یتخلل أقلّ الطّهر بین الدّم و الولادة حکم بحیضیة الدّم السابق.

ثانیها: دم النّفاس ما حصل بین تمام الولادة و تمام العشرة

فلو مضت من حین الولادة عشرة کاملة لم یرَ فیها دم لم یکن للمرأة نفاس و کل دم جاء بعد العشرة من الولادة لیس بنفاس أیضا سواء ملأ العشرة أو جاء فی بعضها و لو الیوم العاشر فاستمر فإنه یحکم بنفاسیة الیوم العاشر فقط و الزائد یکون استحاضة کل ذلک اقتصاراً علی مورود الیقین من الحدث و لظاهر فتوی الأصحاب و ربما یظهر من بعض الروایات و تعتبر العشرة من آخر الولادة فلو طال زمن الولادة خروجاَ أو طال لوقوع الولد قطعاً

ص: 266

أو طال لکونه توأما لم یحتسب ذلک الزمن فربما یکون مقدار زمن الولادة عشرة أیّام فتعتبر حینئذ عشرة أخری بعدها و ربّما یستمرّ النّفاس عشرین یوماً کأن تلد ولداً افتری الدّم إلی عشرة ثمّ تلد آخر فی آخر العشرة و قد یکون أقل من ذلک لأنا لا نشترط تخلل أقل الطهرین النفاس.

ثالثها: لا حد لقلیل النفاس فقد ینتهی إلی لحظة

سواء اتصل بالولادة أو انفصل عنها و لو فی الیوم العاشر و لکنّه إن رأی متّصلًا بها و انقطع أو منفصلًا عنها و انقطع و استمر إلی ما فوق العشرة کان الدّم الحاصل فی العشرة نفاساً کلًا أو بعضاً و البیاض طهراً و إن حصل دم سابق و دم لاحق بین الدمین بیاض و حکم بنفاسیة الدّمین کان البیاض بحکم النفاس إذ لا ینقض الطهر عن عشرة أیّام و أما أکثره فالأقوی أنّ حدّه عشرة إنْ اتّصل بالولادة و إلّا فحدّه ما یکتمل العشرة من حین الولادة و لو کثر البیاض بین الولادة و بینه فالنّفاس هو الدّم الکائن فی العشرة و التنفس بالعشرة خاص بغیر ذات العادة من مبتدئة أو مضطربة أو ناسیة أو بذات العادة إذا انقطع الدّم علی العشرة سواء انقطع قبل ذلک علی العادة فعاد أو لم ینقطع و سواء عاد بعد العشرة قبل أقل الطهر أو لم یعد کل ذلک اقتصاراً علی الحدث مهما أمکن لأصالة الطّهارة و للأخبار الدالة علی أنّ النفاس حیض و لما یظهر من فتوی المشهور إنّ أکثر النفاس عشرة و لما روی مرسلا من ورد الأخبار فی أنّ أکثر النفاس عشرة و احتمال الرجوع للتمییز أو الأقران أو الروایات ضعیف و أما ذات العادة فتنفّسها بالعادة خاصة إذا انقطع الدّم علیها أو تجاوز معها العشرة مستمراً للأخبار المتکثرة الآمرة برجوع النّفساء إلی أیامها و عادتها و لو لا ما جاء من أنّ النفاس حیض و من الآمر بالاستظهار للنفساء فی بعض الأخبار لکان الأخذ بتلک الأخبار الآمرة بالرجوع إلی العادة متّجهاً مطلقاً حتی لو انقطع الدّم علی العاشرة و لکن الجمع بینهما بما ذکرناه أولی و أقوی و تحقیق القول فی ذلک أنّ من الأخبار الصحاح ما دلّت علی الرجوع إلی العادة کقوله فی الصحیحین (النفساء تکف عن الصلاة أیامها التی کانت تمکث فیها ثمّ تغتسل و تعمل عمل المستحاضة) و فی الصحیح تقعد بقدر حیضها و تستظهر بیومین فإن انقطع الدّم و إلّا

ص: 267

اغتسلت و نحوه الموثّق و فی آخر تقعد النفساء أیامها التی کانت تقعد فی الحیض فیها و تستظهر بیومین و من الأخبار ما دلّت علی العشرة (کالفقه الرضوی) و ما أرسله الشیخ من الأخبار و من الأخبار ما دلّت علی الثمانیة عشر کالصحاح الدّالة علی تنفس اسما بثمانیة عشر و غیرها من الأخبار الدالة علی ذلک و من الصحاح ما دلّ علی التحیز بین الثمانیة عشر و السبعة عشر و من الصّحاح ما دلّت علی الثلاثین و ما بینهما و بین الأربعین و الخمسین و اللازم هنا تقدیم أخبار العادة علی غیرها لأنّ الجمع فرع المقاومة (و روایة الفقه الرضوی) لضعفها سندا و دلالة لا تقاوم تلک الأخبار و ما نسب للمشهور من الاقتداء بمضمونها لم یثبت بل الثابت عنهم إنّ أکثر النّفاس عشرة کأکثر الحیض و نحن نقول به لأنّ المرأة تتنفس بالعشرة مطلقاً و روایة التحیز بین الثمانیة عشر و السبعة عشر و روایات الثلاثین و الأربعین و الخمسین کلها شاذة مطرحة لا عامل بها و لا یبعُد أنّ جملةً منها واردة مورد التّقیة و أمّا روایات الثمانیة عشر فهی و إن کثرت إلّا أنّ جملة منها ضعیف سنداً و دلالة و الصحیح منها دال علی تنفس أسماء بثمانیة عشر و لا یکون فعلها حُجّة إلّا بعد ثبوت تقدیر النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لها و لم یثبت ذلک بل فی بعض الأخبار أنها جلست لجهلها و لو سألت النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قبل ذلک لأمرها بالغسل علی أنّ الأخبار موافقة للعامّة بذلک و الرشد بخلافهم فظهر ضعف الجمع بین هذه الأخبار بحملها علی غیر المعتادة و بین أخبار العادة بحملها علی ذات العادة و یزیدهُ ضعفاً أنّ من البعید أنّ أسماء بعد تزویجها من أبی بکر و بلوغها ذلک السن لم تثبت لها عادة ثمّ أنه علی المختار من الرجوع إلی العادة العددیة إنْ ملأ الدّم العادة و انقطع علیها کانت هی النفاس و إن تجاوزها إلی العشرة من یوم الولادة و انقطع علی العشرة کانت العشرة نفاساُ و إن تجاوز العشرة رجعت إلی العادة و جعلتها نفاساً و إن لم یملأ الدّم العادة فإن کانت کلها بیاضاً و کانت دون العشرة و جاء بعدها دم و انقطع علی العشرة کان ذلک الدّم نفاساً و إنْ لم ینقطع بل استمر احتمل التنفس به و جعل ما فوق العشرة استحاضة و احتمل أنْ لا نفاس لها حینئذٍ لإشعار اخبار الرجوع للعادة بذلک و احتمال التنفس بقدر العادة من حین رؤیة الدّم لا نقول به لزیادة العدد

ص: 268

علی العشرة من حین الولادة و ما زاد فلیس بنفاس کما تقدم و إن کان الدّم فی أول العادة فقط کان هو النفاس و کذا إن کان فی آخرها فقط و إن کان فی أوّلها و آخرها کان المجموع منهما و من البیاض نفاساً و کذا إن کان فی أولها و بعد مضیها و لکن قبل العشرة و انقطع فإنه یحکم علی الدمین و ما بینهما بالنفاس و إن لم ینقطع فالأقوی الحکم بنفاسیة الدّم الذی فی أول العادة و کذا لو وجد فی آخرها فاستمر إلی أن تجاوز العشرة فإنه یحکم بنفاسیة آخرها و لو یوماً دون الباقی و البیاض الذی بین الولادة و الدم طهر و فی کثیر من هذه الأحکام إشکال لخلوها عن النصوص فینبغی أن لا یترک و الاحتیاط فی هذه المقامات و النفساء کالحائض فیما یحرم و یجب و یمکن و یستحب للأخبار و فتوی الأخیار و الإجماع المنقول و الاستقراء القطعی و کون دم النفاس دم حیض جلس لتغذیة الولد من الأمور المعلومة.

[القول فی أحکام الأموات]

القول فی غسل الأموات

اشارة

و فیه أمور:

أحدها: یجب کفایة استقبال المیّت عند الاحتضار

و ظهور أمارات الموت إلی القبلة المعلومة أو المظنونة عند عدم العلم بها وفاقاً للمشهور و عمل المسلمین و الحسن أو الصحیح إذا مات لأحدکم میّت فسجّوه إلی القبلة و کذا إذا اغتسل یحفر له موضع المغسل تجاه القبلة فیکون مستقبلا القبلة بباطن قدمیه و وجهه إلی القبلة و المراد بالمیت المشرف علی الموت لعدم القائل بإیجاب الاستقبال به بعد الموت مطلقاً ممن یعتد به و کیفیة الاستقبال أن یستقبل بوجهه و باطن قدمیه القبلة بحیث لو جلس لجلس إلیها کما دلّت علی ذلک الأخبار و هل یجب الاستقبال به بعد الموت مطلقاً لظاهر الأمر بالاستقبال للمیّت و صدّقه علی من سیتصف لعلامة المشارفة و للأمر به فی حال الغسل و الصلاة و الدفن و إن اختلفت کیفیاتها أم لا یجب لظاهر فتوی الأصحاب و للأصل و لبعد الحمل علی المعنی الحقیقی فی اخبار الاستقبال بعد القطع بإرادة المعنی المجازی لعدم جواز استعمال اللفظی فی معنییه الحقیقی و المجازی و بعد تاویله بالمسمی و شبهه

ص: 269

فیکون من عموم المجاز و لو اشتبهت القبلة سقط فرض الاستقبال و لا یبعد رجحان الاستقبال بالمیت فی جمیع أحواله إلی أنْ یُهال علیه التُّراب.

ثانیها: یستحب تلقین المیّت الشهادتین و الإقرار بالنبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الأئمة (صلوات الله علیهم)

للأخبار و کلام الأخیار و کذا کلمات الفرج (و هی (لا إله إلّا الله الحلیم الکریم) لحسن الحلبی و فتوی الاصحاب و یستحب أن یکون آخر کلامه فی الدنیا (لا إله إلّا الله) للخبر و یستحب نقله لمُصلّاه الذی یُصلّی علیه غالباً أو یصلی فیه للأخبار و کلام الأخیار و یستحب الاسراج عنده إن مات لیلًا أو بقی إلی اللیل لإشعار بعض الأخبار و کلام الأصحاب به و یستحب أن یعلم المؤمنین بموته للأخبار و کلام الأصحاب و یستحب شد لحیته و تغمیض عینیه و تطبیق فیه و تغطیته بثوب للأخبار و کلام الأصحاب و یستحب مد یدیه إلی جنبه و ساقیه لفتوی الاصحاب و تسهیل غسله و تکفینه و یستحب قراءة القرآن عنده قبل الموت و بعده سیّما (یس) للأخبار الناصّة علیها و (الصافات) و (آیة الکرسی) و (آیة السخرة) و ثلاث آیات من آخر البقرة و سورة الأحزاب) و یکره وضع الحدید علی بطنه لنصّ الأصحاب و یکره حضور جنب أو حائض عنده للأخبار المعلّلة بتاذی الملائکة و یستحب تعجیل تجهیزه للأخبار و فتوی الأصحاب إلّا مع الاشتباه فیجب التأخیر إلی ان یقطع بموته و لو بالأمارات العادیة و لا یجوز تاخیر تجهیزه إلی أن یتغیر و یصل إلی حد التماهُن عُرفاً إلّا مع الاشتباه فیؤخر إلی القطع بموته و لا عبرة بالثلاثة أیّام کما جاء فی الأخبار و لا بالتغیر فی المصعوق و المهدوم و الغریق و المبطون و المطعون بل الأمر دائر مدار القطع.

ثالثها: یجب کفایة تغسیل المیت إذا استکمل أمور.
الأول: أن تکمل له أربعة أشهر هلالیة

إنْ لم یحصل الانکسار فیها و عددیة أو واحد عددی و الباقی هلالیة إن حصل الانکسار فیها فلا یجب فیما دون الاربع إجماعاً و الأصل یقضی به و عمومات الأدلة الدالة علی وجوب الغسل لا تشمله لعدم صدق المیّت علیه لأنّ الظاهر أنّ المیت هو ما کان فیه روح ففارقته أو ما کان من شأنه ذلک و التجربة شاهدة علی أنّ بلوغ أربعة أشهر موجب لولوج الروح و ما کان دون الأربعة

ص: 270

لیس منهما و فی الخبر المعتبر عن السّقط إذا استوت خلقته یجب علیه الغسل و اللّحد و الکفن قال نعم کل ذلک یجب إذا استوی و یستوی فی الأربعة اشهر لما دلّ من الأخبار المعتبرة علی أنّ النقطة تستقر فی الرحم اربعین یوماً و تکون مضغة أربعین یوماً و تکون علقة أربعین یوماً ثمّ یبعث الله تعالی ملکین خلّاقین فیقال لهما اخلقا ما أراد الله انثی أو ذکر فمن الأخبار و فتوی الأخیار یلزم القول بوجوب تغسیل من بلغ أربعة أشهر و لو لم تلجه الروح بل و یلزم تکفینه و تحنیطه حملًا للأخبار الدّالة علی الکفن الشرعی و أخذاً بعموم ما دلّ علی تحنیط الأموات و تکفینهم و دفنهم و الرضوی المؤید بالعموم و الاحتیاط و فتوی جملة من الفحول فما عن (الشهید) من استشکاله بوجوب تغسیله و تحنیطه و تکفینه و دفنه للأخبار الدالة علی أنّ الروح لا تلج الطفل إلّا بعد خمسة أشهر و ما عن التحریر من عدم وجوب تکفینه و الاکتفاء بلفه بخرقة بعید بعد ما قدمنا و ظاهر جمع من أصحابنا لزوم لف ما دون الاربعة بخرقة و دفنه و هو بعید فی النطفة و العلقة و لا بأس به فی المضغة لاحترام المؤمن و فی الفقه الرضوی دفنه فقط.

الثانی: أنْ یکون مسلماً

فلا یجوز تغسیل الکافر للإجماع بقسمیه و لقوله تعالی (وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) و قوله: (وَ لٰا تُصَلِّ عَلیٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً وَ لٰا تَقُمْ عَلیٰ قَبْرِهِ) و فی الخبر عن النصرانی قال: (لا یغسل و لا کرامة و لا یدفنه و لا یقوم علی قبره) و إن کان ابواه من الکفار الخوارج و الغلاة النواصب و المشبهة و المجبرة و المجسمة و کل من أنکر ضروریاً من الدین مع علمه أنه منه و مع عدم علمه إشکال و أما السّاب للنبیّ (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أو أحد الأئمّة (علیهم السلام) أو الزّهراء (علیها السلام) أو المستخفّ بالبیت أو النبیّ (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أو الأئمة (علیهم السلام) أو القرآن فالظّاهر إجراء حکم الکفر علیه و الکافر الأصلی و المُرتدّ سواء و یلحق أولاد الکفار بهم و لو کانوا عن زنا و أولاد المسلمین بهم و لو کانوا کذلک علی الاظهر و المسبی یلحق بالسابی و لقیط دار الاسلام أو دار الکفر و فیها مسلم یحتمل أنه هو مسلم أیضاً.

الثالث: أن یکون مؤمناً

فلا یجب تغسیل المخالفین و کذا جمیع الفرق غیر (الاثنی عشریة) اقتصاراً فی مشروعیة التّغسیل علی المورد الیقین و أوامر التّغسیل کلها مصرفة

ص: 271

للموافق فی الدین دون المخالف و عموم قوله (علیه السلام): (غُسل المیّت واجب) و قوله (علیه السلام): (اغسل کل الموتی إلّا ما قتل بین الصفین) مخصوص بما دلّ علی أنّ الغسل کرامة للمیت و احتراماً له و لا حرمة لغیر المؤمن و بالجملة فالمخالفون و إن کانوا مسلمین فی دار الدنیا و یجری علیهم أحکام الإسلام من طهارة و تحلیل ذبائح و مناکحة و موارثة للسّیرة القطعیّة و للاخبار الدّالة علی أنّ من قال (لا إله إلّا الله محمد رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)) جری علیه احکام أهل الإسلام و لکنهم إذا ماتوا عادوا لحکم الکفر فلا یجری علیهم أحکام الإسلام بعد الموت إلی أن یصیروا إلی النار نعم یجب تغسیلهم صورة للتّقیة و یجوز تغسیلهم صورة من دون نیّة بغیر تقیّة و لکن علی کراهة و لو غسّلوا لتقیّة غسّلوا علی وفق مذهبهم و لا یبعد تنزیل کلام الأصحاب من جواز تغسیلهم علی کراهة علی إرادة الجواز من دون نیة أو الجواز للتقیة و الکراهیة محمولة علی وجود المندوحة عنها بتغسیل بعضهم بعضاً أو علة نفس مباشرة المؤمن و من أصحابنا من حکم بوجوب تغسیلهم و کراهته و هو مشکل غلا ان تحمل الکراهة علی نفس تغسیله مباشرة مع إمکان قیام أهل نحلته بغسله و منهم من ادعی التلازم بین الحکم بإسلامهم و وجوب تغسیلهم و قد تقدم بیان عدم الملازمة.

الرابع: أن لا یکون شهیداً

فإنّ الشهید لا یجب غسله و لا تکفینه بل یُصلّی علیه و یدفن فی ثیابه للنصّ المعتبر الذی یقتل فی سبیل الله یدفن فی ثیابه و لا یغسل إلّا أن یدرکه المسلمون و به رمق ثمّ یموت بعد فإنّه یُغسّل و یُکفّن و یُحنّط إنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) کفن حمزة فی ثیابه و لم یغسله و لکن صلّی علیه و لغیره من النصوص المتکثرة مضافاً إلی الإجماع و فتوی الأصحاب و یجب الاقتصار علی مورد الیقین فی الخروج عن عمومات التغسیل من موته فی المعرکة فلو مات بعد نقله منها أو بعد انقضائها وجب تغسیله کما دلّت علی ذلک الروایات و کلمات الأصحاب و لو أدرک حیّاً فی المعرکة فمات سقط عنه التغسیل أمکن غسله ام لا و لا یتفاوت بین موته بنفس مکان القتال أو بغیره و ما ورد فی التقیید بموته بین الصفین محمول علی الغالب و من الأصحاب من وجب تغسیله بمجرد إدراکه حیّاً و لو فی المعرکة حال القتال و یؤیده

ص: 272

ظاهر الأخبار و لکنها محمولة علی إدراکه بعد أن تضع الحرب أوزارها جمعاً بینها و بین فتوی الًاصحاب و لو جُرّد الشهید من ثیابه وجب تکفینه للعمومات خرج من مورد الیقین و بقی الباقی و لما ورد من تکفین النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لحمزة حین جرّد و لا ینافی الاستدلال بها و ورد دفنه فی ثیابه فی أخبار أخر لجواز اتباع الحکم فی الروایة دون الموضوع أو أنّه جُرّد من بعض دون بعض و ثیابه التی تدفن معه هی الثیاب عرفاً فلا یدخل معها الخُفّ و لا السّلاح قطعاً و فی دخول القلنسوة و العمامة و المنطقة و الفرو إشکال و فی الفرق بین ما أصابها الدّم من هذه فتدفن معه و بین ما لم تصبها فلا تدفن معه قوة لظاهر الخبر ینزع من الشهید الفرو و الخُف و القلُنسوة و العمامة و السراویل إلّا أنْ یکون اصابها دم فإن إصابة دم ترک لفتوی جملة من الأصحاب بمضمونه و المراد بالشهید روایة و فتوی هو من قتل بین أیادی الإمام أو منصوبه الخاص فی زمن الحضور و هو المتبادر من لفظه سیما زمن الصدور و إطلاق الشهید علی المقتول دون عیاله و ماله أو الغریق أو المبطون مجازا لعلاقة المشابهة فی الاجرة و نحوه و ما ورد فی الأخبار فی التعبیر عنه بمن یقتل فی سبیل الله ظاهر فی ذلک أو مقید به و ما ورد أنّ القتیل فی طاعة الله لا یغسل و یدفن فی ثیابه یراد به الطاعة المخصوصة حملا للمطلق علی المقیّد أو یُطرَح لضعفه عن المقاومة نعم لا یبعد إلحاق المقتول بین أیادی نائب الإمام (علیه السلام) العام إذا أدّی نظره للجهاد أو المقتول بین أیادی المسلمین إذا دهم المسلمین عدو یخاف منه علی بیضة الإسلام لتسویة بینهما و بین الشهید فی الحکم لتقارب موضوعهما أو لصدق اسم الشهید علیهما لتقارب أحکامهما و لإطلاق سبیل الله علی سبیلهما إطلاقا شائعاً عن غیر إنکار و أوجب بعض أصحابنا تغسیل الشهید المجنب عن الجنابة لما ورد فی تغسیل الملائکة لحنظلة لخروجه جنباً و ما ورد أنّ المیّت إذا کان جنباً غسّل غسلًا آخر و هو ضعیف لعدم دلالة تغسیل الملائکة علی وجوبه علینا و لعدم مقاومة الخبر للأخبار الأخر عموماً و خصوصاً الدالة علی الاجتزاء بغسل واحد لمن مات جنباً و الظاهر أنه لا فرق بین الموجود فی المعرکة و علیه أثر القتل و بین من لم یکن علیه عملًا بالظاهر و إن کان الأصل عدم قتله لاقتصاره إلی أسباب متکثرة و الأصل عدمها بخلاف الموت حتف

ص: 273

الأنف فالظاهر هنا العمل بالظاهر و کذا لا فرق بین من قتل نفسه أو قتله غیره إنسان أو حیوان أو مات للخوف و الدهشة لما ورد أنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لم یُغسّل رجلًا قتل نفسه و لا یبعد إلحاق الصغیر و الامرأة و إن لم یکونوا من المجاهدین إذا کانوا من أهلهم و اتباعهم بهم لما ورد من دفن طفل الحسین (علیه السلام) هکذا و کذا بعض أطفال بدر و لفتوی المشهور علی الظاهر و أما غیر الأتباع من المارّین و النّاظرین فیجب تغسیلهم علی وفق القاعدة و من لم یوجد فیه أثر القتل من الأطفال و النساء فلا یبعد عدم وجوب تغسیله علی أنّ الأحوط التغسیل.

الخامس: إن لا یمنع من تغسیله

أما لتناثر جسمه أو لتفاصل اعضائه أو لتشقّق جلده عند تغسیله بالماء فإنّه متی کان کذلک وجب التیمم کتیمم الحی لعاجز لعموم البدلیة و إن کان فی شمول أدلة التیمّم لمثل هذا نوع خفاء و لفتوی الأصحاب و للاحتیاط و للخبر الآمر بالتیمم فی محذور خیف علیه اذا غُسّل من الانسلاخ المنجبر بالعمل و الفتوی و هل یجب بتیمم واحد أو أو ثلاث قولان أقواهما کفایة الواحد و أحوطهما الثلاث عن کل غسل یتیمم بناء علی أنّها أغسال ثلاث لأنّ المجموع غسل واحد و یلحق بما ذکرنا ما إذا لم یمکن تغسلیه لبرد أو لفقد الماء أو لخوف من حیوان أو تقیّة من إنسان أو لعدم معرفة بالغسل أو لفقد الغاسل السائغ التغسیل منه فإنه فی ذلک کله یتیمم للاحتیاط و العموم و فتوی الأصحاب.

رابعها: بعض المیت مما فیه الصدر أو الصدر نفسه یغسل و یکفن و یصلی علیه

للإجماع المنقول و للمعتبر الناصّة علی وجوب الصلاة علی النصف الذی فیه القلب کما فی الصحیح أو مطلق العضو الذی فیه القلب کما فی الخبر أو علی الصّدر و الیدین کما فی الخبر الثّلث أمر علی العظم من دون اللحم کما فی الحسن او علی العضو التام الأخیر کما لا فی الخبر و إیجاب الصلاة لازم لوجوب التغسیل و التکفین بالأولویة أو بالإجماع المرکب علی ما یظهر و إیجابها علی العضو المشتمل علی العظم أو علی مجرد العظم یفید بالأولویة شموله للصّدر لأنّه محلّ العلم أو الاعتقاد و یشمله بنفسه و إن خرج غیره بالدلیل و التخصیص حتی ینتهی إلی الواحد لا بأس به عند قیام الدلیل علیه

ص: 274

و یدل علی ما ذکرناه أیضاً فتوی الأصحاب و عموم لا یسقط و ما لا یدرک و لا یتفاوت بین الصدر المجرد عن اللحم أو المکسی لإطلاق النص و الفتوی و لا بین حلول القلب فیه بالفعل و لا بین عدمه لظهور الأخبار و کلام الأصحاب فی المنشئانیة دون الفعلیة و مثل الصدر و مجموع عظام المیت لو وجدت فإنه یجری علیها الحکم کما یجری علی الصدر الذی من جملتها هو الصحیح (علی بن جعفر) الآمر بالتغسیل و التکفین و الصلاة و الدفن للعظام المجردة من أکیل السبع و الطیر الباقیة عظامه و لکثیر من الأدلة السابقة و یقوی إلحاق القلب المجرد عن الصدریة فی وجوب التغسیل و ما بعده و الأحوط إلحاق بعض الصّدر بالصّدر و إن قل إذا کان فیه عظم و کذا إلحاق ما اشتمل علی القلب من غیر الصدر و من الجانبین أو القفا فی وجه و أما بعض المیت غیر الصدر فإنْ کان لحماً مجرداً عن عظم و إن کثر سقطت عنه جمیع الأحکام ما عدا اللّف بخرقة و الدفن فقد أوجبها بعض و لا بأس به احتراماً للمؤمن سواء اخذ من حیّ أو میّت و لا عبرة بالقطع الصغار المبانة من حیّ أو میّت و إن کان عظماً مکسیاً لحماً و من میت و کان عضواً تامّاً أو بعض عضو مما یعتد به وجب غسله و تحنیطه إن کان فیه من مواضع الحنوط و تکفینه بالثلاث إن کان من المواضع التی تصل إلیها الثلاث و إلّا فباثنین و إلّا فبواحدة کل ذلک للاحتیاط و الاحترام و لانه بعض من جملة یجب تغسیلها فیجری حکم الجملة للأبعاض و لفحوی ما جاء من الصلاة علی العضو التام و إن لم نقل بوجوبه لمعارضته بالأخبار النافیة لذلک المؤیدة بفتوی لا لمشهور و الأصل و الأخبار الدالة علی تخصیص الصلاة علی الصدر ما فیه الصدر و لکن یکفی فی الإشعار به ثبوت استحبابه و للإجماع المنقول علی إجراء أحکام المیت ما عدا الصلاة علیه و إن کان العظم مجرداً و کان جزءاً یسیراً من عظم مکسیّ أو مجرّد غیر مکسیّ أو کان العظم المکسی مباناً من حیّ لا من میّت أو کان المجرد کذلک فلا یخلو من إشکال و الأحوط فیما عدا السن و بعض العظام الصغار الواقعة من الحی التغسیل و اللف بخرقة و الدفن بل الأحوط التکفین و التحنیط إذا کانت فی محال الکفن و الحنوط.

خامسها: فی کیفیة الغسل
اشارة

و فیه أمور:

ص: 275

أحدها: یستحب توضئة المیت قبل غسله

علی نحو وضوء الصلاة للخبر و فتوی المشهور و للاحتیاط عن القول بوجوبه لقوله (علیه السلام) (کل غسل معه وضوء) و إن کان القول بالوجوب مع خلو الأخبار البیانیة عنه و مع عدم اشتهاره و بیانه مع توفر الدواعی لبیان حکمه و مع ترک ذکره له (علیه السلام) مع سؤاله عنه فی الصّحیح أو کالصّحیح حیث قال بعد السؤال عنه تبدأ بمرافقه و مع ما عن المشبه من نقل الإجماع علی ترک العمل بما دلّ علی الوضوء ضعیف جداً و لکنه لا ینافی الاحتیاط و قیل بعد المشروعیة و التحریم لعدم دلیل قوی علیه و لأصالة العدم و لتشبیهه بالجنابة و لا وضوء مع الجنابة و هو ضعیف لوجود دلیل النّدب و إن فقد دلیل الوجوب و تشبیهه بغسل الجنابة منصرف للأمور الداخلة فیه لا الخارجة عنه و لو سلمنا العموم لحکّمنا الخصوص.

ثانیها: تجب السنة فی کل غَسلة من الأغسال

و لأنّها عبادة و للأصل فی کل مأمور به أن یکون عبادة مفتقرا للنیّة لأنّ الشکّ فیها شکّ فی الجزئیة و هو یعود للشکّ فی الماهیّة و أسماء العبادة موضوعة علی الصحیح و لعمومات النیة الظاهرة فی إرادة القربة و القصد خرج ما خرج و بقی الباقی و لتشبیهه بغُسل الجنابة و للإجماع المنقول و مقتضی الاحتیاط و شغل الذّمة الإتیان بالنّیة عند الابتداء بالأغسال و مع غسل للشبهة الحاصلة من التعدد و الوحدة و یتولاها الغاسل نفسه اتحد أو تعدد فإن اشترکوا اشترکوا و إن اختص کل واحد بعضو أو کل واحد بغسل اختص بالنیة و الصاب و المقلب یتولی الصاب منهما النیة لأنه الغاسل و الصاب و متولی الإجراء یتولی المتولّی منهما النیة و الأحوط تولّی الاثنین و هل یشترط نیة الوجه من الوجوب أو الندب أو نیة رفع حدث الموت أو رفع خبث البدن أو غیر ذلک من الوجوه أم لا یشترط؟ وجهان أقواهما العدم.

ثالثها: تجب طهارة ماء الغسل من الخبث إلی حین اتصاله بالبدن

و إن تنجس بعد ذلک کماء الغسالة للاحتیاط بل و الإجماع علی الظاهر و یشترط طهارة بدن المیت من نجاسة خارجیة قبل غسل المحل المتنجس فلا یجدی غسله فی تطهیره عن الموت مع بقاء النجاسة علی بدنه و لا یجدی غسله عن خبث الموث و عن النجاسة دفعه واحدة

ص: 276

و بالجملة یلزم إجراء الماء علی محل خال من النجاسة الخارجیة و إن کان بدن المیت لا ینفک عن النجاسة قبل الغسل و لا یتفاوت فی وجوب الإزالة بین القول بجواز ارتفاع نجاسة دون أخری و بین القول بعدمه لظاهر الإجماعات المنقولة و لظاهر الأخبار الآمرة بالتنقیة للفرج و بغسل النجاسة الخارجة عنه و للاحتیاط و هل یجب غسل النجاسة قبل الابتداء بالغسل أم لا یجب؟ و القول بالوجوب هو الموافق لفتوی المشهور و ظاهر الإجماع المنقول و للاحتیاط و لبعض الاخبار الآمرة بالغسل و التنقیة للفرج قبل الغسل و لا فارق بین بعض النجاسات دون بعض و لتشبیه غسل المیت بغسل الجنابة المأمور فیه بغسل الفرج قبل الغسل الظاهر فی الوجوب کما أفتی به بعض الأصحاب و ربما کان القول به لا یخلو من قوة.

رابعها: یجب ستر عورة المیّت عند غسله

و فی جمیع حالاته إجماعاً و ربما تشملها نواهی النظر إلی العورة و یلحق بالنّظر اللّمس و الأحوط استقبال القبلة به عند تغسیله کهیئة استقبال المحتضر للأمر به فی الأخبار و جملة من کلام الأصحاب و لو لا درجه فی المندوبات و قوله (علیه السلام) فی خبر یعقوب یوضع کیف تیسر و فتوی المشهور بالاستحباب لکان القول بالوجوب متوجهاً.

خامسها: یجب الترتیب فی غسل المیّت

بتقدیم الرأس ثمّ الجانب الأیمن ثمّ الأیسر للإجماع المنقول و فتوی الفحول و الأخبار الآمرة بالترتیب بین الأعضاء و هل یجزی الارتماس فی الکثیر الذی لا ینفعل بالملاقات أم لا یجزی وجهان أقواهما الإجزاء لمشروعیة الترتیب فی غسل الجنابة و تشبیهه به فی النص و الفتوی و أحوطهما العدم لعدم المعهودیة و الظاهر أنه لا إشکال فی جواز مس الأعضاء مرتباً لها لإطلاق النص و الفتوی بالأمر بالغسل و ما جاء فی الصب و الإضافة و شبهها وارد مورد الغالب و لا ترتیب فی إجزاء العضو الواحد.

سادسها: یجب أغسال ثلاثة

لفتوی الأصحاب و ظواهر الاجماعات المنقولة فی الباب و ظواهر الأوامر فی الأخبار التأسی بفعل الأئمة الأطهار (علیهم السلام) خلافاً لسلار فلم یوجب إلّا غسلا واحداً بماء القراح للأصل و لتشبیهه بغسل الجنابة و التعلیل بخروج

ص: 277

النطفة منه و قوله (علیه السلام) فی الجنب (إن مات فلیس علیه إلّا غسلة واحدة) و الکل ضعیف لانقطاع الأصل و تخصیص التشبیه بما مر و إرادة التشبیه فی الکیفیة و التعلیل تعلیل لأصل مشروعیة الغسل من غیر تعرض للوحدة و التعدد و المراد بالغسلة الواحدة فی الخبر المقابلة للإثنین واحدة للجنابة و أخری للموت أو لصدق الغسلة علی الثلاثة لکونها بمنزلة الواحدة.

سابعها: یجب فی الأولی أن تکون بالسدر و الأخری بالکافور و الأخری بالقراح

لفتوی المشهور و للاحتیاط و للأخبار الآمرة بذلک کقوله (علیه السلام) (غسله بماء و سدر ثمّ غسّله علی أثر ذلک غسله أخری بماء کافور و ذریرة إن کانت، و غسّله الثّالثة بماء قراح) و قوله فی خبر الحلبی (یُغسّل المیّت ثلاث غسلات مرّة بالسّدر، و مرّة بالماء یُطرح فیهِ الکافور، و مرّة أخری بماء القراح) و استحب الخلیط جماعة للأصل و التشبیه بغسل الجنابة و خلو بعض الأخبار عن ذکر السدر کخبر الکاهلی و تبدیله بالحرض فی خبر أبی العباس و الکل ضعیف لانقطاع الأصل و التخصیص لتشبیهه بغسل الجنابة بما مر و عدم الذکر للسدر لیس ذکراً لعدمه فلا یعارض ما قدمناه.

ثامنها: یجب الترتیب فی الأغسال

للفتوی و الرّوایة و الاحتیاط و للتأسی بأصحاب الشریعة فلو أخل عامداً أعاد و احتمال الاجتزاء لحصول التنظیف لا یوافق الفتوی و الروایة و الاحتیاط و مع السهو وجه و لکنه غیر مناف للاحتیاط.

تاسعها: یجب فی الخلیط أن یکون معتداً به فی ممازجة الماء

بحیث یصدق علیه الغسل بالسدر و الغسل بماء السدر و للغسل بماء و سدر و کذا الکافور و یجب أن یکون ممروساً أو مطحوناً بحیث یؤثر فی البدن من ممازجته تنظیفاً کغسل الثیاب بالأشنان و الصابون و نحوهما فلا یکفی مسمی الخلیط مع عدم التأثیر خلافاً لمن اجتزأ بالمسمی لأنّ الظاهر من الأخبار خلاف ذلک و الظاهر منها إرادة التأثیر و الشکّ فی مثل هذا المقام کاف و هل یشترط بقاء الإطلاق فی الماء أم لا؟ وجهان أقواهما و أحوطهما الاشتراط للشک فی حصول الامتثال مع سلب الإطلاق عنه و تشبیهه بغسل الجنابة فی الأخبار و لظاهر الصحیح الآمر بغسله بماء و سدر و بماء و کافور و لیس فی الإطلاق دلالة علی جواز

ص: 278

سلب الإطلاق عن الماء لانصرافه إلی المعهود الغیر مسلوب غالباً کما أنه لیس فی التعبیر بماء السدر و الکافور دلالة علی الاجتزاء بالمضاف أو قصره علیه ذلک لأنّ الإضافة هاهنا لتمییز فرد فی المطلق عن غیره لا لبیان النوع الخاص کإضافة المیاه المضافة و ذهب بعض إلی الاجتزاء بمسلوب الإطلاق للإطلاق و لظاهر بعض الروایات الآمرة بغسل رأسه بالرغوة و هی من المیاه المضافة و فیه أنّ هذا الغسل لیس من الغسل بما تحت الرغوة و لا نسلم إضافته سیما مع خلطه بماء آخر کما یظهر من الخبر و ظهر أیضاً ضعف القول باشتراط سبع ورقات من السدر و اشتراط رطل منه أو رطل و نصف أو نصف مثقال من الکافور أو غیر ذلک لضعف دلیلهم عن مقاومة ما ذکرناه.

عاشرها: لو فقد الخلیطان أو أحدهما قوی القول بوجوب ماء القراح بدله

للاحتیاط لعموم لا یترک و لظهور إرادة التنظیف مهما أمکن و ظهور الأمر بتعدد المأمور به فی بعض الأخبار و کقوله (علیه السلام) (بماء و سدر فلا یسقط المقدور بغیر المقدور و ذهب بعض إلی سقوط الغسلة بتعذر الخلیط لاستلزام فوات الجزء فوات الکل فوات القید و فوات المقیّد و فیه ما قدّمنا و لو غُسّل بماء القراح لتعذر الخلیط فإن وجده بعد الدفن فلا إعادة و إن وجده قبل الدفن و الإنزال للقبر أعاد علی الثلاث للاحتیاط و الشکّ فی الأجزاء و یُحتمل مُضیّه مطلقاً لظهور الأمر فی الأجزاء و یحتمل الإعادة علی الغسلة بالخلیط دون القراح و یحتمل التّفصیل بین تکفینه فلا إعادة و عدمه فالإعادة و القول بوضع ما شابه السدر و الکافور مکانهما عند تعذرهما وجه و لا بأس به.

حادی عشرها: یراد بالقراح الخالص عن الخلیط قطعاً

و هل یشترط خلوصه عن کل خلیط من أشنان أو طین و نحوهما أو لا؟ وجهان أقواهما العدم لانصراف القراح للخالص منهما أی الخلیطین و أحوطهما تخلیصه عن کل ما یشوبه.

ثانی عشرها: یندب تغسیل المیّت علی ساجة

لفتوی الأصحاب و القرب لتنظیفه مهما أمکن و فی حکم السّاجة ما ماثلها و یندب تغسیله تحت الظلال للخبر و یندب نزع قمیصه من تحته للخبر و فتوی الأصحاب و یندب غسل رأسه برغوة السدر اولًا فرجه بماء السدر و الاشنان للخبر و فتوی الأصحاب و غسل یدیه ثلاثاً من رءوس الأصابع

ص: 279

إلی نصف الذراع و یندب ابتداء بشق رأسه الایمن ثمّ الایسر للخبر و فتوی الأصحاب و یندب تثلیث کل غسلة فی کل عضو للخبر و فتوی الأصحاب و یندب مسح بطنه فی الغسلتین الأولیتین برفق إلّا الحامل فیکره للخبر و فتوی الأصحاب.

القول فی الغاسل

اشارة

و فیه أمور:

أحدها: أولی الناس بتغسیل المیت هو الولی العرفی

للأخبار الدالة علی أنه یصلی علی الجنازة اولی الناس بها المعتضدة بسیرة المسلمین و عمل الأصحاب و فتواهم و لا فارق بین الصلاة و غیرها و للأخبار الدالة علی أنّ المیت یغسله أولی الناس به و لقوله تعالی (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلیٰ بِبَعْضٍ*)، و الولی عرفاً مع تعدد الطبقات هو أولی الناس بالمیراث کما نطق به الآیات و دلت علیه بعض أخبار الباب فالمقدم بالمیراث هو المقدم فی الولایة و مع التساوی فی الطبقة تقدم الولی عرفاً أیضاً أما لزیادة نصیب أو زیادة علقة و نحوهما من عیلولة و وجوب نفقة أو شفقة و الأب أولی من الابن و الولد أولی من الجد و الجد اولی من الاخ و الأخ من الأبوین أولی من الأخ لاحدهما و الأخ من الأب أولی من الأخ من للأم و العم أولی من الخال و العم للأبوین اولی من العم لاحدهما و العم للأب أولی من العم للام و کذا الکلام فی الخال و القرابة اولی من المُعتَق و المُعتق أولی من ضامن الجریرة و ضامن الجریرة أولی من الإمام و الإمام أولی من عدول المسلمین و الذکر فی کل طبقة أولی من الانثی و الزوج أولی بزوجته إذا کان حراً أو کانت زوجته دائمة و فی إلحاق المتمتّع بها وجه قویّ و المالک اولی بمملوکته و لو کانت الامة تحت زوج فهل الزوج أو المالک او متساویان؟ وجوه أقواها الوسط إذ لا ولایة للعبد و إن قرب و الولایة للحر و إن بعد علی الأقوی و الأظهر و لو تساوی الاولیاء فی کل شی ء کالولدین أو الأخوین فلا یبعد تقدیم الأکبر و یحتمل الرجوع للقرعة و لا ینافی الوجوب الکفائی عدم جواز التقدم علی الولی و أحقیة الولی من غیره إذ لا مانع من تعلق الخطاب بسائر المکلفین کما هو معقد الإجماع بین المسلمین و مع ذلک لا یصح منهم إلّا مع إذن الولی فلو لم یأذن و أراد المباشرة أو إذن لواحد معین لم یصح من

ص: 280

الفاعل و مع امتناعه عن الإذن و المباشرة یسقط حقه و بالجملة فإذن الولی من شرائط الصحة لا من شرائط الوجوب فالغسل واجب علی کافة الناس ولیاً أو غیره إلّا أنّ غیره مشروط صحة فعله بإذن الولی و بعدم التقدم علیه إذا أراد المباشرة بنفسه أو بمن یحبه فلا حاجة إلی تکلف أنّ الخطاب مرتب فیجب اولًا علی الولی عیناً ثمّ علی سائر المکلفین کفایة لدفع شبهة أنّ الواجب الکفائی ما تساوی به المخاطبون به من دون اولویة و تقدیم و لما ورد فی الأخبار من خطاب الولی بأکثر احکام المیت و ذلک لاندفاع الشبهة بما ذکرناه و لإرادة بیان الأولویة من خطاب الاولیاء جمعاً بین الخطابات العامة و الخطابات الخاصة و الإجماعات المنقولة بل و المحصلة علی الوجوب کفایة و علی ما ذکرناه فلو امتنع الولی عن الإذن و العمل لا یتعلق به و إجبار من الحاکم بخصوصه لأنّ حق التقدم له و قد أسقطه و لو کان القریب کافراً حجب عن الولایة إذ لا ولایة لکافر و لو کان قاتلًا فالظّاهر بقاء ولایته و إن لم یرث.

ثانیها: یشترط فی المباشرة فی للتغسیل الماثلة أو المحرمیّة

فلا یغسل الرجل إلّا رجل أو أحد محارمه من النساء و کذا الامرأة فلو لم یوجد ذلک سقط التغسیل لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و الأخبار ففی الصحیح فی الرجل یموت فی السفر فی أرض لیس معه إلّا النساء قال یدفن و لا یغسل و الامرأة تکون مع الرجال بتلک المنزلة تدفن و لا تغسل خلافاً للمفید فأوجب الغسل من وراء الثیاب مع تغمیض العینین لأخبار شاذة لا تعارض ما تقدم و حملها علی الندب وجه جمع و الظاهر سقوط التیمم أیضاً لعدم الأمر به فی الأخبار المعتبرة فی مقام البیان و لاتحاد المانع و فی بعض الأخبار ما دل علی الأمر به و فی بعضها التغسیل من وراء الثیاب مطلقاً و فی ثالث تغسیلهن فی مواضع التیمم و فی رابع تغسیلهن من مواضع الوضوء و فی خامس تغسیل کفیها و فی سادس توزیره للرکبتین و یصبن علیه الماء صباً إذا کان المیت رجلًا و الکل شاذ ضعیف طرحه أولی من حمله علی الندب.

ثالثها: یستثنی من الحکم المتقدم الصبی و الصبیة

إذا کانا ابنی ثلاث سنین فنازلًا فإنه یصح غسلهما من المماثل و غیره مجرداً و من وراء الثیاب لفتوی الأصحاب

ص: 281

و للاخبار الدالة علی الجواز فی الصبی و الصبیة مطلقاً و الأخبار المحددة للصبی إلی ثلاث سنین و ظاهرها أنّ الغایة هی الثلاث و ضعفها مجبور بفتوی الأصحاب و بالاستصحاب لجواز النظر إلیهما مطلقاً حتی إلی العورة فی حال الحیاة بالنسبة إلی الصبی فکذا بعد الوفاة و یؤیده فی الصبی أن تربیته للنساء و هو ملازم للتنظر إلیه مطلقاً فی القول بجواز التغسیل للصبی من النساء و للصبیة من الرجال إلی بلوغ خمس سنین قوة سیّما مع عدم وجود المماثل و سیّما مع إمکان عدم النّظر إلیه کأن تغسله من وراء الثیاب و إمکان عدم لمسه لعموم أدلّة وجوب الغُسل خرج منه الرجال للنساء و العکس و یبقی الباقی و یؤیّده جواز النظر إلیهما فی حال الحیاة فلیستصحب ذلک إلی ما بعد الوفاة لنقل الإجماع علی جواز النظر إلی الصبیة فالصّبی بالطریق الأولی بل ربما یدعی السیرة القطعیة علیه نعم یحرم النظر إلی عورتیهما لعموم تحریم النظر إلی العورة إلّا ما خرج بالدلیل و فی المروی فی الفقیه و الذکری من أنّ الصبیة إذا کانت أقل من خمس یغسلها الرجل و کذا المروی فی غیرهما ما یدل علی ما ذکرناه و لکن احوط تجنب ذلک إلّا مع فقد المماثل و مع فقده فلأحوط کون التغسیل من وراء الثیاب و عدم اللمس من غیر حاجب بین یدی الغاسل و الجلد.

رابعها: جواز تغسیل الرجل للمرأة إذا کان محرماً علیها مؤبداً

بنسب رضاعی أو مصاهرة و کذا العکس إجماعی لا إشکال فیه فی الجملة إنما الإشکال فی جواز ذلک مطلقاً أو مع فقد المماثل و جوازه مجرداً فیما عدا العورة أو من وراء الثیاب و ظاهر فتوی المشهور نقلًا بل تحصیلًا اختصاص ذلک لحال الضرورة سیما فی تغسیل الرجال للنساء و کذا من ظاهر الأخبار لأنها بین ما هو صریح فی منع تغسیل الرجال للنساء کقوله (لا یغسل الرجل المرأة إلّا أنّ لا توجد امرأة) و بین ما هو مرخص لذلک علی طبق السؤال و السؤال مورده حال الضرورة و کذا فی تغسیل النساء للرجال فإن الرخصة فی الأخبار وردت علی طبق السؤال و هو وارد مورد الضرورة و عدم المماثل فیفهم من الأسئلة حینئذ أنّ التغسیل فی حال الاختیار ممنوع عنه ذلک الیوم و لو کان جوازه معروفاً لما قید السؤال فی الأخبار فی حال الاضطرار المشعر بمعرفة عدم جوازه

ص: 282

حال الاختیار و کذا ظاهر فتوی المشهور و الأخبار المتکثرة أنّ التغسیل من وراء الثیاب یؤیده الاحتیاط و إن التغسیل بهذا النحو من کیفیات الغسل و شرائطه و ما شک فی شرطیته یشترط فی مقام العبادة و علی تلک الأخبار و الفتوی یحمل ما جاء من الأمر فی الصحیح بتغسیل النساء لمن لم یکن عنده من یغسله إلّا النساء و ذهب جمع من أصحابنا إلی عدم التقید و بفقد المماثل و عدم اشتاط لکونه من وراء الثیاب استناداً لإطلاق الصحیح المتقدم بالنسبة إلیهما و الصحیح عن الرجل فی السفر و معه امرأته یغسلها قال نعم و أمه و أخته و نحو هذا یلقی علی عورتها خرقة و الخبر إذا کان معه ذوات محرم یؤزرنه و یصببن علیه الماء جمیعاً و یمسّن جسده و لا یمسن فرجه بالنسبة إلی اشتراط کونه من وراء الثیاب و یؤد هذه الأخبار استصحاب حلیة النظر و إطلاقات الأخبار العامة أو تنزل الأخبار الدالة علی الاشتراط علی الندب أو علی وجود الأجانب أو الخوف من وجودهم لا یخلو هذا المذهب من قوة لو لا معارضته بفتوی المشهور و کثرة الأخبار سیما أخبار اشتراط کونه من وراء الثیاب نعم للأخبار الدالة علی حال الاضطرار جلها أو کلها فی السؤال فربما یقل فیها الإشکال و المراد بالثوب هو ما کان ساتراً للبدن تعدداً و اتحدوا لظاهر دخول المقنعة فیها لأن ستر الرأس أهم و یغتفر بروز الوجه و الکفین و القدمین لأغلبیة ظهورهن من الثیاب و عدم التعرض فی الأخبار لوجوب سترهن و لذکر القمیص فی بعض الأخبار أیضاً نعم لا یبعد إدخال القلنسوة للرجل فی الثیاب فی هذا المقام و إن لم تدخل فی غیره و الظاهر أنّ طریق الغسل من وراء الثیاب أنّ یبقی الثوب علی جسده ملاصقاً له و یضع الماء علیه فیجری من تحته و لا یضر کونه ساتراً لأنّ المطلوب منه الستر فی تحقیق الغسل لجواز جریان الماء من تحت الساتر و یحتمل هنا کفایة الإصابة به دون الجریان و یحتمل فی الثوب الغلیظ وجوب إدخال الماء فیه من الجیب لتحقق الجریان و یحتمل أنّ المراد بالغسل فوق الثیاب نشر الثوب علیه بحیث لا یمس جلده و وضع الماء علی الثوب بحیث یقع علی المیت أو وضعه من تحته و الظاهر أنه لا بأس بجمیع ما تقدم أنه مع المماسة فهل یطهر الثوب بالتبعیة بعد الغسل أو یحتاج إلی عصر فقط أو یحتاج إلی ماء و عصر جدیدین؟ وجوه

ص: 283

أقواها الأوّل لترک بیان الغسل و العصر للثوب فی الأخبار فی مقام الحاجة إلی بیانه و لأنه لو بقی نجساً لنجس المیت بعد طهره و لا یقوله أحد.

خامسها: یجوز للمالک تغسیل مملوکته الغیر مزوّجة و المعتدة

للأصل و العمومات و فتوی الأصحاب و هل یجوز تغسیلها له لأنها فی معنی الزّوجة فی إباحة اللمس و النظر و لاستصحاب أحکام الملک أو لا یجوز لانتقالها إلی غیره و انقطاع الاستصحاب أو الفرق بین أم الولد فیجوز لعدم انتقالها إلی ملک آخر و انعتاقها لا یمنع استصحاب الحل حال الحیاة و انقطعت العصمة کالزوجة بالنسبة إلی الزوج و لما ورد من علی بن الحسین (علیهما الصلاة و السلام) أوصی بتغسیل أم ولده له؟ وجوه أظهرها الوسط و فی الأخیر قوة فی مقام تنعتق أم الولد علی ولدها و أما فی مقام لا تنعتق فضعفه غیر خفی.

سادسها: یجوز لأحد الزوجین دواماً أو متعة ما دامت الزوجیة أو فی العدة الرجعیة تغسیل الآخر فی الجملة

بالإجماع و الأخبار إنما الکلام أنه هل یجوز اختیاراً أو فی حال الاضطرار و هل یجوز مع التجرید حتی العورة أو من فوق الثیاب عورة أو غیرها و الأظهر الجواز مطلقاً علی کل حال أما شموله لحال الاختیار و الاضطرار فیدل علیه الأخبار و فتوی مشهور الأخیار و عمومات الأدلة الشاملة لجمیع المکلفین فإن وقع بقید فی بعض الأخبار فهو فی کلام السائل و لا یجدی نفعاً لمن خصه بحالة الاضطرار و أما شموله لحالتی التجرید و من فوق الثیاب فهو الموافق للاستصحاب و فتوی مشهور الأصحاب و جملة من إطلاقات أخبار الباب بل التصریح فی بعضها کقوله فی الصحیح (عن الرجل یخرج فی السفر معه امرأته یغسّلها قال (نعم)) و فیه تصریح بجواز التجرید للمرأة لقوله بعد ذلک یلقی علی عورتها خرقة و فی الصحیح الآخر عن الرجل یصلح له أن ینظر إلی امرأته حین تموت أو یغسّلها و عن المرأة هل تنظر إلی مثل ذلک فی زوجها حین یموت قال لا بأس بذلک و هو کالصریح فی جواز التجرید لهما معاً لإشعار سیاق السؤال عن النظر فی مثل هذا المقام من المرأة و سیاق الجواب باتحاد حکم التغسیل و النظر بالنسبة إلیهما و ذهب جمع من اصحابنا إلی اشتراط کون تغسیل کل

ص: 284

منهما الآخر من وراء الثیاب للأخبار الآمرة بتغسیل الرجل زوجته من وراء القمیص و فی بعضها من فوق الدرع و فی بعضها من وراء الثوب و فی بعضها یدخل زوجها یده تحت قمیصها و الآمرة بعدم النظر إلی شعرها و شی ء منها و الأخبار الآمرة بتغسیل الزوجة لزوجها من فوق الثیاب أیضا فیحمل المطلق علی المقید و یضعف بأن الأخبار کما فیها المطلق فیها ما هو ظاهر فی جواز التجرید فیکون بین الادلة تعارض المتباینین و مقتضی القواعد الترجیح للموافق للعمومات و فتوی المشهور و المخالف للعامة و هو الجواز مطلقاً أو حمل ما دل علی التغسیل من وراء الثیاب علی الاستحباب جمعاً بین الأدلة و ربما یستشعر ذلک من الأخبار و أما ما ورد فی الصحیحین من جواز تغسیل الزوجة للزوج لانها منه فی عدّه دون العکس لأنّها لیست منه فی عدّة فمطروح أو محمول علی التقیة أو علی الکراهة لمعارضته لفتوی المشهور و إطلاق الأخبار و ما جاء فی تغسیل علی (علیه السلام) لفاطمة (علیها السلام) و حملها علی الاضطرار (لأنّ الصّدیقة لا یغسلها إلّا الصّدیق) بعید کما أن حمل المنع فی الصحیحین علی التغسیل مجردة من الثیاب بعید أیضاً بعد ما ذکرناه و الظاهر أنه لا فرق فی الزوجة بین خروجها من العدة و بین عدمه و فی بعض الأخبار ما یشعر بتخصیص الجواز فی زمن العدة لتعلیل الجواز بکونها فی عدة منه و هو الاحوط و لا بین تزویجها بآخر بعد خروجها من العدة و بین عدمه و لکن علی إشکال لشبهة انقطاع الزوجیة عنها بعد التزویج بالکلیة و لا فرق فی الزوج بین تزویجه بعد موتها بأختها أو رابعة و بین عدمه نعم المطلقة البائنة لا علاقة بینها و بین الزوج قطعاً و المراد بالثیاب ما شمل المقنعة علی کما الظاهر یشعر به النهی عن النظر إلی شعرها و ذکر القمیص فی بعض الأخبار بخصوصه من قبیل المثال و فی ستر الوجه و الکفین و ظاهر القدمین کلام مرّ مثله و فی إجزاء تغمیض العینین و وضع خرقة علی الید عن سترها و ستره بالثیاب وجه قوی و فی طهارة الثوب بالتبعیة عند الفراغ من الغسل لنفسه أو بالعصر أو بماء آخر و العصر وجوه أقواها الأوّل کما تقدم و الخنثی المشکل فی حکم الرجال إذا غسلته النساء و فی حکم النساء إذا غسلته الرجال یعمل منه بالاحتیاط و کذا لو کان غاسلًا أیضاً یلزم علیه العمل بالاحتیاط.

ص: 285

سابعها: و إن کان صحیحاً لکنه لا یسقط عن الغیر

و یشترط فیه العقل و یشترط الإسلام بل و الإیمان بالمعنی الاخص فلا عبرة بعسل من خرج عنهما لعدم صحة عمله و مقتضی القواعد سقوط الغسل عند فقد المسلم إلّا أنّه ورد فی بعض الأخبار جوازه فی المماثل عند الاضطرار بعد اغتساله و نسب الحکم به إلی علمائنا و هو فتوی الاساطین و الحکم إن بقی علی مخالفته القواعد من عدم صحته العبادة من الکافر و من لزوم طهارة ماء الغسل اقتصرنا علی مورد النص من کون الکافر نصرانیاً و غایة ما یلحق به الیهود فی وجه و من کونه ذمّیاً لکونه هو المتعارف زمن الصدور و من کونه مماثلًا فلا یجزی غیر المماثل و لو کانت زوجة أو ذات رحم و لا غیر المماثلة و لو کان رحماً أو زوجاً لعدم شمول النص لهما و من لزوم اغتساله قبل ذلک و کأنه لتنظیف بدنه عن النجاسة الخارجة من وقوع الغسل بعد أمر المسلم أو المسلمة له لأنّه المتیقّن من الفتوی بل المطّرح به فیها و المتیقن من النص و إن نزلنا الروایة علی وفق القاعدة من تولی الکافر التقلیب و النظر و تولی المسلم النیة و الصب علیه کان لا فرق بین الروایة و بین غیره سیما إذا أمکن مع عدم مباشرة الماء من الکافر فی جمیع هذه الغسلات و علی کلا التقدیرین فلا إعادة بعد تمام الغسل لاقتضاء فعل المأمور به الإجزاء و الأحوط الإعادة عند وجود المسلم قبل التکفین بل قبل الدفن.

ثامنها: من وجب علیه القتل غسل نفسه و حنطها و کفنها

ثمّ أقیم علیه الحد فإذا مات صلی علیه و دفن من غیر إعادة غسل لفتوی الاصحاب و الإجماعات المنقولة فی الباب و لروایة مسمع فی المرجوم و المرجومة و المقتص منه بأنهما یفعلان ذلک و لا فرق بینهما و بین غیرهما بتنقیح المناط و اتحاد السبب و فتوی المشهور علی الظاهر و الظاهر أنّ هذا الغسل کغسل المیت عدداً و کیفیة لظاهر الروایة من أنّه غسل الأموات مقدم علیه و لوضعه مع الحنوط و الکافور و لأنه المتیقن فی اسقاط الغسل بعد الموت فظهور الوحدة فی غسل الأحیاء و أصالة البراءة و إطلاق النص یحکم علیها ما ذکرناه کما أنّ الظاهر من الأخبار و سقوط غسله بعد الموت لتعقیب الصلاة علیه بعد رجمه فی روایة و للتصریح بعدم احتیاجه إلی غسل بعد موته لأنّه قد غسل بماء طاهر إلی یوم القیامة فی

ص: 286

أخری و لو مات بعد غسله بسبب غیر الحد وجب علیه غسل الأموات الحقیقی علی وفق القاعدة و هل هو رخصة أو عزیمة ظاهر الخبر الثّانی و هل یفتقر صحته إلی أمر الحاکم أو نائبه أم لا یفتقر؟ ظاهر الخبر و الاصل یقضیان بعدم الافتقار و هل یجب علی الحاکم أمره بذلک ام لا یبنی علی العزیمة و الرخصة علی الأظهر فالأول علی الأوّل و الثّانی علی الثّانی و هل یجب أن ینوی فیه البدلیة عن غسل المیت أو رفع الحدث المستقبل أو لا یجب و الظاهر عدم الوجوب و هل یسقط به الاغسال الباقیة عن المیت لو کانت کجنابة أو حیض أو مس أو لا یسقط؟ و الظاهر عدم السقوط للاستصحاب و الأمر به فی الرّوایة لا یقضی باسقاط غیره و هل یجوز أن یدخل معه أغسال أخر فی نیة لو کانت علیه؟ الظاهر ذلک من الروایات تداخل الأغسال و هل یحکم بطهارة بدنه بعد موته و عدم وجوب الغسل علی من مسه ظاهر الخبر ذلک و الاحتیاط غیر خفی و لو اغتسل لرجم فقتل قصاصاً أو العکس ففی الإجزاء نظر و لا یبعد الإجزاء و الاحتیاط مطلوب.

تاسعها: یجب علی الغاسل إذا مَسّ المیت قبل تمام تغسیله و بعد برده. الغُسل للمس

و کذا کل ماس للمیت کذلک لفتوی المشهور و الأخبار المتکثرة الآمرة بالغسل للماس بعد البرد و النافیة له ما دامت الحرارة عن غیر معارض لها یعتد به فالقول بالاستحباب ضعیف و لا فرق بین المسلم و الکافر و الفرق من حیث أنّ الکافر لا یطهر فهو کالبهیمة و لا یوجب مسّه غسلًا ضعیف و الأحوط الغسل أیضاً یمس المیمم لعدم انصراف ادلة قیام التیمم مقام الماء لمثل هذا المقام و فی القول بعدم وجوب الغسل علی من مسه قوة و مس الجزء المغسول قبل تمام الغسل کمسه قبل الغسل و هل یجب علی من مس المغتسل فی حیاته کالمرجوم أم لا؟ وجهان أقواهما العدم و أحوطهما نعم و کذا (الشهید و المعصوم) لأنّهما طاهران مطهران إلّا أنّه قد ورد أنّ علیاً (علیه السلام) قد اغتسل بعد ما غسّل رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و یجب الغسل علی من مسّ قطعة فیها عظم تام أو بعض عظم من حیّ و میت لفتوی الاصحاب و الإجماع المنقول فی الباب و الروایة المعتبرة بالفتوی الدالة علی أنّ مس القطعة التی فیها عظم موجب للغسل و الخالیة عنه

ص: 287

غیر موجبة له و أما العظم المجرد غیر السن ففی الغسل منه و عدمه وجهان من دوران الغسل معه وجوداً و عدماً فهو الأقوی فی التأثیر و من أصالة البراءة و طهارة ما لا تحله الحیاة و لو تنجس فإنما ینجس بنجاسة عرضیّة تقضی بالغَسْل لا بالغُسل و الدوران ممنوع لاحتمال کون العلة هی المجموع المرکب فالثانی أقوی و علی الأوّل فلو وجد عظم فی مقابر المسلمین احتمل وجوب الغسل بمسه لأصالة عدم غسله و احتمل العدم ترجیحاً للظاهر و أصالة صحة فعل المسلمین و هو الأظهر و لو وجد فی مقبرة کفاراً أو مقبرة مشترکة وجب الغسل بمسه للأصل هذا کله فی العظم المنفصل و أما المتصل فلا یبعد وجوب الغسل بمسه لصدق مس المیت علیه و کذا الظفر إذا کان متصلًا و کذا الشعر علی الأحوط و لو کان الظفر و الشعر منفصلین فلا إشکال فی عدم لزوم الغسل بمسهما و السیرة و الأصل دالان علی ذلک و کذا السن من المنفصل من الحیّ لقیام السّیرة علی عدم الغسل منه مع شدة الحاجة إلی بیان حکمه و المسیس بما لا تحله الحیاة لا بأس به فی عظم أو ظفر أو شعر لانصراف الأدلة إلی المس بما فی شأنه الإحساس و الأحوط فی غیر الشعر الا غسل تقصیاً عن شبهة الإطلاق.

القول فی التحنیط

و هو واجب علی حد واجبات تجهیز المیت لظاهر الأخبار الآمرة و الإجماع المنقول و فتوی الفحول و الواجب منه المسمی المعتد به فی التأثیر لا مجرد المماسة بجزء لا یعتد به و لا یلزم فیه قدر خاص و وجوبه کالواجبات الکفائیة التی لا یشترط فیها النیة فیکفی مجرد إیقاعها فی الوجود و الأحوط تقدیمه علی جمیع أجزاء الکفن لتقدیمه فی الرویة و أکثر الفتوی و لا یبعد جواز تأخیره عن الاتزار بل عن القمیص و فی بعض إشعار بذلک أیضاً و لکن الاحتیاط فی تقدیمه لدفع شبهة الوجوب الشرعی دون الشرطی إذ من البعید عدم الاجتزاء به لو وقع بعد التکفین بحیث یجب إعادته و إعادة التکفین أو التکفین وحده و الواجب فیه الکافور لا غیر للأخبار و فتوی الأخیار و وضعه فی المساجد السبعة للأخبار و فتوی الأصحاب و الإجماع المنقولة فی الباب و لا یجب استیعابها للأصل و ظاهر فتوی الکثیر منهم و یستحب فی غیره مما جاء الأمر به

ص: 288

و لم یجی ء نهی عنه مثل المفاصل و وسط الراحة و الصدر و الرأس و اللحیة و العنق و اللبة و باطن القدمین و الأحوط إضافة طرف الأنف إلی المساجد و لو لا فتوی الاصحاب باستحباب تحنیط ما زاد علی المساجد لوجب الأخذ بظاهر الأمر و لکن لم أرَ عاملًا بظاهرها ممن یعتد به و أما ما نهی عنه فیحمل ما جاء به الأمر علی التقیة لفتوی العامة بذلک و یمکن حمل أخبار النهی علی الکراهة و الأمر علی الجواز و یمکن حمل أخبار النهی علی وضعه فیها کفمه و منخره و عینه و مسامعه و الأخبار الآمرة علی وضعه علیها و الأجود الأوّل و یستحب أن یکون قدر الحنوط درهماً و أفضل منه اربعة و أکمل منه ثلاثة عشر درهما و ثلث لفتوی الأصحاب و فی الأخبار و بدل الدرهم و الأربعة دراهم مثقال و اربعة مثاقیل فظاهرها المثقال الشرعی و هو الذهب الصنمی و فی بعض الأخبار أقل ما یجزی مثقال و نصف و الأخذ بالکل و حمل الاختلاف علی مراتب الفضل هو الأولی.

القول فی التکفین

اشارة

و هو واجب إجماعاً من المسلمین علی النحو ما قدمناه فی الحنوط و الظاهر أنه من الحقائق الشرعیة المجملة الا مفتقرة إلی بیان الشارع فما بیّن منه بعموم أو إطلاق غیر ما هو بیّن بشهرة أو إجماعات منقولة علی خلافهما أخذنا به و ما وَهَنَ الظّن به من أغراض الاصحاب عنه أو الإفتاء فی المشهور بخلافه أو جریان السیرة علی عکسه طرحناه و رجعنا فیه إلی قواعد المجمل اللازم الاحتیاط فیه من الأخذ بمورد الیقین فالمشکوک بجزئیة جزء و شرطیته شرط و الأخبار و فتوی الاصحاب دالة علی أنه یجب فی التکفین عدد مخصوص و جنس مخصوص و وصف مخصوص و وضع مخصوص فهنا أمور.

أحدها: فی جنسه

و الظاهر وجوب کونه مما یصلی فیه اختیاراً للرجل سواء سواء فی ذلک الامرأة و الرجل فلا یجوز فی غیره لعدم انصراف إطلاق الاخبار إلیه أعراض الاصحاب عن فهمه من أخبار التکفین و استمرار السیرة علی خلافة و للنهی عن السرف و تبذیر المال و إتلافه فلا یجوز العدول عن ذلک إلّا بدلیل یفید الظّن بجوازه

ص: 289

و لیس فی اطلاقات التکفین ما یقضی شمولها بغیر ما تصح به الصلاة فلا یصح التکفین بالحریر المحض و لا بالذهب و لا بالجلود التی لا یؤکل لحمها و لا یشعرها و لا و لا بصوفها و لا بالنجس مضافاً إلی وجوب إزالة النجاسة عن الکفن مضافاً إلی ورود النهی عن خصوص التحریر علی وجه الإطلاق من دون تفصیل بین الذکر و الأنثی و دعوی جواز تکفین الانثی به لاستصحاب جواز لبسها له حال الحیاة ترده الأخبار المطلقة و الإجماع المنقول و فتوی الفحول و ما ورد من أنّ المرأة تکفن کما یکفن الرجل و لا یصح ایضا التکفین بالجلود المأکول لحمها بل شعرها ما عدا الصوف و الوبر و لا بالخوص و لا بالقطن غیر المنسوج و لا باللیف و لا بالصوف قبل نسخه کل ذلک لشک فی شمول الأدلة لمثله و یجوز بالصوف المنسوج و الوبر علی الأظهر و الکتان و إن کان الأفضل القطن و یشترط کونه محللا عیناً و منفعة و کونه خالیاً عن تحجیر رهانة أو دین أو شبههما و کونه ساتراً لانصراف الإطلاق إلیه و لان المقصود منه الستر للمیت و لما یظهر من الأخبار أیضاً و لما تشعر به جملة من کلمات الاصحاب حیث اشترطوا جواز الصلاة به و قد یناقش فی اشتراط الستر فی کل ثوب منه و غایة الأمر اشتراط الستر بالمجموع للأخبار الآمرة بالتکفین فی ثلاثة أثواب یواری بها بدنه أو اشتراط ستر المئزر الساتر للعورة و لکن الأظهر و الأحوط ما ذکرناه و لو فقد ما تجوز الصلاة به انتقل إلی ما لا یتجوز به ما عدا الحریر لتعلق النهی الأصلی به و کذا المغصوب عیناً أو منفعة و یلحق بهما الذهب علی الأظهر و یجب أن یلاحظ الاقرب لما تجوز فیه الصلاة فالأقرب لعموم لا یسقط و لأنّ المستفاد من الأخبار تحصیل الستر مهما أمکن.

ثانیها: فی کمیته
اشارة

و الأقوی و الأظهر من الأخبار و فتاوی الاصحاب و الإجماع المنقول و السیرة المتلقاة من آل الرسول (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و عمل الإمامیة و طریقة الاثنی عشریة أنها ثلاثة أثواب.

أحدها: المئزر

و یطلق علیه لفظ الإزار فی کلام اللغویین و الفقهاء و الأخبار إطلاقاً شائعاً ذائعاً بحیث یحصل الظّن بکونه حقیقة فیه علی وجه الاختصاص أو الاشتراک بینه و بین الشامل للبدن و لکنه فیه أظهر و أشهر فما ورد هنا فیهِ بلفظ الازار یراد المئزر

ص: 290

و لو لم یکن إلّا فهم الاصحاب ذلک منه و النصوص الواردة فی باب ستر العورة فی الحمام و الواردة فی کراهة الاتزار فوق القمیص و الواردة فی ثوبی الاحرام لکفی فی تعیین إرادة ذلک منه و مع ذلک ففی الأخبار هاهنا ما یدل علی ذلک کقوله فی الصحیح فی تکفین المرأة إنّه درع و منطق و خمار و لفافتین و المنطق هو المئزر و لا فارق بین الرجل و المرأة فمن یعتد به و قوله (علیه السلام) فی الصحیح (خذ خرقة فشد علی مقعدته و رجلیه قلت فالإزار قال إنّها لا تعد شیئاً انما تصنع لتضم ما هناک و ان لا یخرج منه شی ء) فتوهم الراوی فی کفایة الخرقة عنه دلیل علی إرادة المئزر منه و إرادة اللفافة من لفظ الإزار بعیدة عن محل التوهم و فی الموثق تبسط اللفافة طولا ثمّ تذر علیها من الذریرة ثمّ الازار طولا حتی تغطی الصدر و الرجلین ثمّ الخرقة عرضها قدر شبر و نصف ثمّ القمیص فإنّ فی عدوله عن لفظ اللفافة و تنصیصه علی تغطیة الصدر و الرجلین خاصه ظهور فی ارادة المئزر و فی آخر یکفن المیت فی خمسة اثواب قمیص لا یزر علیه و ازار و خرقة یعصب بها وسطه و برد یلف فیه فإنّ فی تخصیص اللف بالبرد اشعار بعدمه فی المئزر کالقمیص و فی (الصحیح أنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) کفن فی ثوبی الاحرام) و فی الصحیح الآخر (عن ابی الحسن الأوّل قال سمعته یقول انی کفنت ابی فی ثوبین شطویین کان یحرم فیهما و ثوبا الاحرام ازار یأتزر به و رداء و عمامة لمن لا رداء له) فظهر مما ذکرناه انه یجب فی هذا الثوب أن یکون علی هیئة المئزر المتعارف بأن یغطی ما بین السرة و الرکبة فلا یکفی الاقل لظهور ذلک من الأخبار و لا یجب الاکثر و إن استحب کونه من الصدر الی نصف الساق بل الی القدم مع الوصیة أو اذن الورثة و ما ذهب الیه بعض الاصحاب من التخییر بین الثوبین و القمیص أو الثلاثة اثواب الشاملة اخذاً باطلاق الأخبار الآمرة بالاثواب الثلاثة و الاخبار الآمرة بالثوبین و القمیص و حمل ما جاء بلفظ الازار علی الثوب الشامل للبدن کما یستعمل کثیراً سیما فی مثل هذا الیوم ضعیف لأنّ اطلاق الثوب محمول علی مقیده و لا اقل من ضعف الظّن بإرادة المطلق مما ذکرناه سابقاً فیعود کالمجمل فیجب الاخذ فیه من باب المقدمة بالمتیقن فتوی و روایة و هو ما ذکرناه و أما إطلاق لفظ الازار علی الشامل فهو مسلم إلّا أنّه لا

ص: 291

یعادل ما ذکرناه کثرة و قرینة نعم فی الحسن ثمّ یکفن بقمیص و لفافة و برد یجمع به الکفن ربما دلّ علی عدم المئزر و لکن لا یبعد إرادة ما یلف به الحقوان و هو المئزر لعدم تعبیره باللفافتین مع انه انسب لقوله (علیه السلام)) بعد ذلک برد یجمع به الکفن و لو کان غیره جامعاً لما خصصه بالذکر).

ثانیها: القمیص

و هو ثوب یصل الی نصف الساق لانصراف الاطلاق إلی مثله و یستحب وصوله إلی القدم مع الوصیة أو إذن الوارث و دلت علیه الأخبار و کلام الاصحاب و الاحتیاط فالقول بإجزاء ثوب شامل عنه لإطلاق اخبار الثیاب ضعیف نعم فی الأخبار قلت یدرج فی ثلاثة أثواب (قال لا بأس به و القمیص أحب إلیّ) و لکنّه مع ضعفه عن المقاومة لما ذکرناه محتمل لحمل القمیص علی الذی یصلی فیه لتقدم السؤال أولا عن الثیاب التی یصلی فیها و فی آخر أ یکفن فی ثلاثة اثواب بغیر قمیص قال لا بأس بذلک و القمیص أحب إلیّ و هو اضعف من سابقه.

ثالثها: اللّفافة

و تسمی الإزار و یدل علی وجوبها النص و الاجماع و یشترط فیها شمولها لجمیع البدن عرضاً و طولًا و لو بالخیاطة و الاظهر وجوب الزیادة بحیث یمکن عقدها فی الراس و الرجلین و یمکن وضع احد جانبیها علی الآخر عرضاً لتعارف ذلک منها شرعاً و عادةً و لا یجب غیر ما ذکرناه من الثیاب للاخبار و الحاضرة فی الثلاثة و فتوی الاصحاب بذلک فما ورد من الزائد بلفظ الامر یراد منه الاستحباب و لا یجزی الثوب الواحد إلّا مع الاضطرار لعموم لا یسقط و لوجوب ستره مهما امکن و لو لم یوجد إلّا قطعه وجب تخصیصها بالعورة و من اکتفی بالثوب الواحد للصحیح الکفن المفروض ثلاثة اثواب أو ثوب تام لا أقل منه ضعیف عن مقاومة ما قدمناه مع احتمال حمله علی التقیة أو علی معنی الواو من عطف الخاص علی العام فیکون مؤکداً للثلاثة و یذل علیه وروده بلفظ الواو فی کثیر من النسخ أو علی الضرورة.

ثالثها: فی وصفه

و یجب کونه من الأوسط قیمة فلا یجوز أخذ الأعلی إلّا من الوصیة أو رضی الوارث و الأحوط أن لا یختار الأدنی للمیت لانصراف اللفظ إلی المتوسط و یغنی بالمتوسط هو اللائق بحال المیت عرفاً شرفاً و صنعته فلا یجوز أخذ

ص: 292

الأعلی للادنین و الأحوط عدم أخذ الأدنی للأعلین و وضعه علی ما یفهم من کلام الأصحاب و من سیرة الإمامیّة وضع المئزر تحت و فوقه القمیص و فوقه اللفافة لفافةٌ و تحت المئزر خرقة الفخذین المستحبة و فوق اللفافة أخری مندوبة فی الأخبار ما یدل علی وضع القمیص تحت المئزر و الخرقة فوقه و الجمع بینهما بالتحیز ضعیف فالعمل بما علیه الأصحاب اولی و یستحب للرجل زیادة علی ثلاثة أثواب وضع خرقة لربط فخذیه و حبره عبرته و عمامته و یخرج طرفاها من الحنک و یلقیان علی صدره و بعضهم جعل الحبرة أحد الثلاثة للأخبار الدالة علی ذلک و لکن فتوی الأصحاب و الإجماع المنقول و خبر أبی الحسن (علیه السلام) الدال علی المغایرة و یدل علی العمامة الإجماع و الأخبار و تزاد للمرأة لفافة لثدییها تشد من خلفها لئلا تبدو ثدیاها و تزاد أیضاً غطاءً أو لفافة أخری مخیراً بینهما و تبدل العمامة بالقناع کل ذلک للأخبار و فتوی جملة من الأصحاب و المعارض ضعیف و المنع من المشکوک به لاستلزامه تضییع المال المحترم مردود بأنه لجلب النفع الأخروی فلا تضییع و لا إسراف و یستحب أن یکون الکفن قطناً أبیضاً للإجماع و فتوی الأصحاب و إن یطیب بالذریرة و للإجماع و فتوی الأصحاب و هو طیب معروف مع عدمه فلا یبعد قیام غیره مما شاکله مقامه و أن یکتب بالتربة الحسینیة فلان (شهد أن لا إله إلّا الله و یشهد أن محمداً رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)) و إن یکون ذلک علی المئزر و إلّا فعلی غیره و یکتب ایضا دعاء الجوشن و القرآن کله و أسماء الأئمة (علیهم السلام) کل ذلک لإشعار بعض الأخبار به و لفتوی الأصحاب و للتیمّن و التبرک و دفع الضرر ببرکات المکتوب فهو جلب نفع أخروی من دون احتمال ضرر و ما یقال من أنّ الأسماء الشریفة لو وضعت فی الکفن و لاقاها صدید ابن آدم و قذارته کان مما ینافی احترامها مردود بأن الاستعمال للتوقی عن الضرر یرتفع قبح الإهانة و یصیرها فی جانب التعضی لا الإعانة علی أنّه بعد ورود جواز کتابة (اسم الله تعالی) کما فی الأخبار و فتوی الأصحاب لا معنی للتوقف فیما سواه و یستحب أن یوضع علی فرجه قبلًا و دبراً و بین ألیتیه قطن للأخبار و فتوی الأصحاب و یستحب أن توضع معه

ص: 293

جریدتان للإجماع و الأخبار خضراوتان کما دلّ علیه الخبر و فتوی الأصحاب طول کل واحد منهما قدر عظم ذراع للخبر و الفتوی و إلّا فقدر شبر للصحیح توضع أحدهما من ترقوة جانبه الأیسر بین قمیصه و أزراره و الأخری مع ترقوة جانبه الأیمن یلصقها بجلده للروایة و فتوی جملة من الأصحاب بل نسب للمشهور و ذکر لها فی الأخبار و فتاوی الأصحاب هیئات أخر فلا یبعد جوازها إلا أن ما ذکرناه أولی لفتوی المشهور و عملهم و یستحب أن یکونا من جرید النخل فإن فقد فمن السدر فإن فقد فمن الخلاف فإن فقد فمن غیره من الشجر الرطب کل ذلک للأخبار و فتوی الأخیار (و یُکرَه بلّ خیوط الکفن و وضع اکمام للقمیص المستجد و إن یکفن بالکتان و أن یکفن بالسواد کل ذلک للاخبار و فتوی الاصحاب).

القول فی الدفن:

اشارة

و هو واجب إجماعاً من المسلمین و المراد به مجرد وقوعه فی الخارج کیف اتفق و حقیقته الشرعیة و العرفیّة المشروطة بذلک المواراة فی الأرض بحیث تحرس جثته من السباع و رائحته عن الانتشار.

و فیه أمور

أحدها: تجب مواراة المیت المسلم و من بحکمه فی الأرض

علی الکیفیة المعهودة بحیث یحفظ جسمه من السباع المعتادة و رائحته من الانتشار علی النحو المعهود و لا عبرة ببعض السباع التی لا یحفظ منها إلا القدر العمیق نعم لو علم ذلک فی حیوان خاص فلا یبعد وجوب حفظه مما لا عبرة بظهور بعض الرائحة الخارقة للعادة و الظاهر أن الوصفین مثلًا زمان غالباً و لا یکفی أحدهما عن الآخر و یدل علی اشتراطهما الإجماع و بعض الأخبار و کونه المعهود من فعل الأئمة (علیهم السلام) و لا یجزی حلول الوصفین من دون صدق الدفن عرفاً کوضعه فی بناء أو تابوت أو بیت و حجرة ضیقة أو غیر ذلک للإجماع و التأسی و کذا لا یجزی وضعه فی سرداب مبنی بابه أو شبه ذلک لعدم صدق الدفن و الإقبار بل الظاهر وجوب صدق الدفن فی القبر عرفاً فلا یجزی ما لم یسمی بذلک کالموضوع علیه تراب کثیراً أو حائط ینهدم علیه.

ص: 294

ثانیها: یجب الاستقبال به إلی القبلة

بأن یضطجع علی الجانب الأیمن و یستقبل بمقادیمه القبلة للتأسی و الأخبار و الإجماع المنقول و فتوی الفحول و ما دل علی الاستقبال بالمیت مطلقاً یدل علی ذلک أیضاً.

ثالثها: یسقط وجوب الاستقبال عند التعذر

فیؤخذ بما هو الأقرب فالأقرب إلی الهیئة المعهودة لعموم (لا یسقط) و لأن المقصود مواراته مهما أمکن.

رابعها: من مات فی البحر و أمکن دفنه خارجه وجب

للقواعد المقررة و إلا ثقل و طرح فی الماء کما دلت علیه الأخبار و فتوی الأصحاب و لا فرق بین البحر و غیره من المیاه للمساواة بینهما و هل یجب الاستقبال به عند طرحه الظاهر العدم و الأحوط نعم و لو أمکن وضعه فی وعاء أو خابیة و یرمی مستقبل القبلة جاز قطعاً للصحیح الدال علی ذلک و فتوی الأصحاب بذلک و هل یجب لأقربیته لهیئة الدفن و هیئة المستقبل و لزیادة صیانته عن الحیوانات و عن هتک حرمته مقتضی القواعد وجوبه یقیناً فیقدم علی وضعه من دون ذلک فإن لم یمکن وضع کما ذکرناه أولًا و لکن مشهور الأصحاب علی التخییر جمعاً بین الروایات فاتباعهم أقوی و الترتیب أحوط.

خامسها: الذّمیة الحامل من مسلم بنکاح صحیح إذا ماتت و مات الذی فی بطنها دفنت فی مقابر المسلمین

احتراماً للمسلم و للإجماع المنقول و فتوی الفحول و لخبر أحمد (أ یشیم الأمر بدفنه معها) و الظاهر أنّ الدفن بمقابر المسلمین و إن لم یصرح فیه من الخبر و قیل بشق بطنها و إخراجه و دفنه فی مقابر المسلمین دونها و یرده الخبر المعتبر بفتوی الأصحاب و أنه قد یکون هتکاً لحرمة الولد و لا فرق بین موتها قبل ولوج الروح فی الولد و بعده عملًا بإطلاق النص و الفتوی و لا یبعد إلحاق المتولد من زنا بمن تولد بنکاح صحیح عملًا بإطلاق الإجماع و کثیر من الفتوی و بقاء احترامه للإسلام لا للتبعیة لأن ولد الزنا لا یتبع أبویه بل لقوله (علیه السلام): (کل مولود یولد علی الفطرة) و هل یلحق غیر الذمیة بها لاحترام الولد و التساوی فی الکفر بعد الموت أو لا یلحق للأصل و اختصاص الخبر و الکثیر من الفتوی بها فیشق بطن غیر الذمیة و یخرج الولد وجهان أقواهما الأول و إذا دفنت الذمیة یجب الاستدبار بها للقبلة علی جانبها الأیسر

ص: 295

یستقبل بالولد علی جانبه الأیمن لأن وجهه لظهرها و الظاهر اتفاق الأصحاب علیه و الاحتیاط یقضی به و لا یجوز دفن غیر ما ذکرناه من الکفار فی مقابر المسلمین لتأذیهم منه و لفتوی الأصحاب و الإجماع المنقول فی الباب و لو دفن جاز نبشه بل ربما یجب علی الدافن و الأحوط وجوبه علی غیره و لا یبعد إجراء الحکم لغیر الإمامیة مع الإمامیة للمشارکة فی الحکم مع عدم التقیة نعم لو اختلط الکفار فی المسلمین وجب دفنهم فی مقابر المسلمین لأهمیة احترام المسلم من خشیة ضرر الکافر و قد یقال بوجوب دفنهم فی مقبرة ثالثة لم تنسب لأحد منهم.

القول فی مسائل متفرقة

الأولی: الواجب علی المسلمین و علی الولی من الأمور المتعلقة بالمیت هو نفس الفعل

لأبذل المال له من ماء غسل أو خلیط أو حنوط أو کفن أو أرض دفن أو التی من مندوب أو مفروض أضر بالحال بذله أم لم یضر للأصل و فتوی الأصحاب و منقول الإجماع فی الکفن و لو لم نعثر علی فارق بین الکفن و غیره.

الثانیة: یخرج الکفن من صلب مال المیت مقدماً علی المیراث و الوصیة و الدّین

للصحیح فیمن مات و علیه دَین بقدر ثمن کفنه قال: (یجعل ما ترک فی ثمن کفنه) و الخبر الآخر (أول شی ء یبدأ به فی المال الکفن ثمّ الدین ثمّ الوصیة و لو لم یکن له مال یفی بالکل وجب بعض و حکم غیر الکفن حکم الکفن فی وجوب إخراجه من صلب المال مقدماً علی غیره حتی أرض الدفن لو لم یتیسر مکان مباح من مقبرة و نحوها لتنقیح المناط بل الأولویة القطعیة و لو لم یکن له مال دفن عاریاً کما إذا لم یکن له ماء و حنوط و أرض للدفن فإنه لا یجب علی الناس بذل ذلک له نعم یجب نقله إلی أرض یمکن دفنه فیها بثمن لا یضر بالحال إذا تعذرت الأرض و لا فرق فی تقدیم الکفن علی الدین بین کونه موجوداً فیکون کثوب المفلس و بین ما لم یکن موجوداً فتؤخذ قیمته لإطلاق النص و الفتوی و لا بین کون الدین قرضاً أو غصباً أو دیة أو جبایة أو غیرهما نعم لو کان کفنه مرهوناً فی حیاته أو کان قیمة الکفن من ماله کذلک أو کان میراثه عبداً تعلقت برقبته جنایة قبل موته أو بعده أو کان ماله محجراً علیه فی حیاته لفلسه ففی

ص: 296

تقدیم الکفن علیه إشکال لعدم انصراف الأخبار لما ذکرنا فیبقی عموم الأدلة الدالة علی إثبات أحقیته تلک من غیر معارض و یجوز تکفین من لم یکن له مال و سائر تجهیزه من الزکاة و لو بدون أذن الحاکم للخبر الدال علی ذلک المعلل بأن حرمته حیّاً کحرمته میتاً و الظاهر أن الخبر لبیان الحکم لا للرخصة من الإمام (علیه السلام) (و هل ینوبه من سهم الفقراء أو من سهم فی سبیل الله؟ لا یبعد الأول و الأحوط الثانی).

الثالثة: کفن العبد بأقسامه علی مولاه

لوجوب نفقته علیه و للإجماع و کذا مؤن تجهیزه و لو کان مبعضاً وجب علی مولاه بنسبة الرقیة و الباقی من ماله أو من متبرع أو من الزکاة فإن لم یفِ نصیب الرقیة بما ینفقه من بعض غسل أو کفن حیث لا یوجد له تتمة بما ذکرنا سقط عن المولی.

الرابعة: کفن الزوجة علی زوجها

و لو کان لها مال للإجماع المنقول و فتوی الفحول و الخبر المعتبر بالفتوی و العمل الدال علی ذلک و یلحق به سائر مؤن التجهیز لتنقیح المناط القطعی و مقتضی إطلاق الفتوی و النص شمول الحکم للصغیرة و الغیر المدخول بها و الناشز و المتمتع بها و المطلقة رجعیة و لکن انصرافه إلی الناشز و المتمتع بها مع عدم وجوب النفقة علیه لهما حال الحیاة محل کلام و الأحوط تسریة الحکم إلیهما و لو أعسر الزوج وجب من مالها علی النحو المتقدم و لو زاد مالها وجب علی الزوج مما یرثه منها و الأمة المزوجة یقوی وجوب تکفینها علی زوجها دون مالکها و یحتمل تبعیته للملک و الاحتیاط فی تراضیهما و لا یجب بذل مئونة التجهیز لباقی الأقارب وجبت نفقتهم أم لا دخلوا فی العیال أم لا و لکن السیرة قاضیة بلزوم تکفین الأطفال الصغار علی آبائهم و هو أحوط مع الإمکان.

الخامسة: إذا مات ولد الحامل فی بطنها و خشی علیها من الضرر أخرج صحیحاً إن أمکن

و إلا قطع و أخرج بالرفق إجماعاً و تسقط حرمة النظر إلی العورة و اللمس لها نعم یجب تحری المحلل أولًا ثمّ المماثل ثمّ المحارم ثمّ الأجانب و فی الخبر المعتبر فتوی و عملًا فی المرأة فی بطنها الولد فیتخوف علیها قال: (لا بأس أن یدخل الرجل یده فیقطعه و یخرجه إذا لم ترفق به النساء) و هل یجب علی المحلل الإجابة إذا

ص: 297

دعی و کان عارفاً؟ وجهان من الأصل و فی الأمر بصیانته العرض و الغیرة علی الأهل و هو الأحوط و لو ماتت هی دونه و علم ببقائه حیّاً وجب شق بطنها من أحد الجانبین إن لم یمکن إخراجه من دون شق و إخراجه حیّاً و إن علم موته بعد ذلک بلحظة توصلًا إلی إحیاء لنفس المحترمة مهما أمکن و للإجماع المنقول و الأخبار المستفیضة ففی الصحیح عمن تموت و ولدها یتحرک قال یشق عن الولد و لا یبعد وجوب الشق من الجانب الأیسر للرضوی و لبعد المثلة عنها قرب الولد من الجانب الأیسر علی الأظهر و أفتی به جملة من الأصحاب و یجب خیاطة المحل للبعد عن المثلة و تسهیل الغسل و (مرسل ابن أبی عمیر) الآمر به و هو فی قوة الصحیح فعدم بیانه فی الأخبار الأخر لا یعارض ما ذکرنا من دلیل الوجوب و إن ماتا معاً دفنا معاً و حرم الشق للمثلة من غیر داع إلیها لأنه کالجزء منها نعم لو سقط قبل دفنها جری علیها أحکام الأموات و إن لم یعلم موته و حیاته أمکن وجوب الشق للاستصحاب و الأقوی العدم ترجیحاً للظاهر من عدم بقائه حیّاً و لظهور الأخبار فی الولد الحی.

السادسة: إذا ابتلع المیت مالًا خطیراً من ماله

قوی القول بجواز شق بطنه صیانة للمال المحترم عن التلف و یمکن القول بإخراجه من الثلث إن أمکن إخراجه منه لو کان مریضاً و إلا شق بطنه و یمکن القول بعدم الشق لأن المانع الشرعی کالمانع العقلی و إن ابتلع مغصوباً کان للمغصوب منه شق بطنه لإذهاب حرمته و یحتمل إخراجه من أصل المال و من الثلث لو کان مریضاً.

السابعة: لو أحدث المیت بعد غسله حدثاً

لم یجب إعادته و کذا لو أحدث فی أثنائه علی الأقوی کل ذلک للاستصحاب و لإطلاق الأخبار و عدم البیان فی مقام البیان و تشبیه غسل المیت بغسل الجنابة لا یقضی بإجراء قواطعه و موانعه علیه و لو تنجس الکفن بالحدث وجب غسله و کذا یجب غسل البدن للخبر المعتبر بالفتوی إن بدا من المیت شی ء بعد غسله فاغسل الذی بدا منه و إن طرح فی القبر قرض الکفن من مکان التنجس و لا یجب ترقیعه للأخبار الدالة علی قرض الکفن مطلقاً المقیدة بوضعه فی القبر للرضوی المعمول به عند جملة من الأصحاب و لأنه وجه جمع بین الأخبار

ص: 298

الآمرة بالغسل و الأخبار الآمرة بالقرض و یؤیده الاعتبار و مقتضی إطلاقها عدم الاحتیاج إلی ترقیع مکان القرض بل فی جوازه إشکال و یمکن الجمع بین الأخبار بحمل ما دل علی الغسل علی الجسد و ما دل علی القرض علی الکفن أو بحمل الأخبار علی التخییر و لکن الأوجه ما ذکرنا و لو لاقی بدن المیت نجاسة بعد الدفن فالظاهر سقوط حکمها لعدم البیان فی مقام البیان و لأنّهُ صار معرضاً لأمثالها و یحتمل الفرق بین النجاسة الخارجة فیجب غسلها أو الداخلة فلا یجب و الأوجه ما ذکرناه.

الثامنة: المحرم کالمحُل فی الأحکام حتی ستر الرأس

للإجماع و الأخبار غیر أنه (لا یقرب طیباً) کما فی الصحیح و غیره و فتوی الأصحاب و إطلاقها یقضی بعدم الفرق بین الکافور و غیره فی الغسل و غیره و فی بعض نفی خصوص الحنوط أیضاً و من أصحابنا من أوجب کشف رأسه و منهم من أزاد کشف الرجلین لإشعار النهی عن مسه بطیب علی بقاء إحرامه و هو مردود بما ذکرنا.

التاسعة: لا یجوز نبش القبر
اشارة

إجماعاً من المسلمین و ظاهر إطلاق الإجماع أن النبش محرمٌ أرید إخراج المیت بذلک النبش أم لا و هل النبش إلی نفس المیت أم لا و لکن لا یخلو تحریم الأخیر من إشکال للشک فی شمول معقد الإجماع و ما دل علی قطع ید النباش لا یدل علی تحریم النبش لاحتمال کونه من جهة السرقة

و یستثنی من ذلک أمور:
أحدها: لو وقع فی القبر ما له قیمة من وارث أو غیره

فإنه یجوز النبش تقدیماً لدلیل احترام المال و لو أوقع المالک المال باختیاره لینبش القبر ففی جوازه إشکال و لو بذلت القیمة لصاحب المال لم یجب قبولها للواقع منه باضطرار و فی الواقع منه باختیار و لا یخلو وجوب القبول من قرب.

ثانیها: لو دفن بأرض مغصوبة

فإنه یجوز للمالک إخراجه و لا یجب علیه قبول القیمة و لو دفن بإذنه أو أذن فی الأثناء لم یجز له العدول بعد الطم و مع الوضع قبل الطم لا یخلو عدم جواز العدول من وجه.

ص: 299

ثالثها: لو دفن بأرض معارة للدفن

بأن یدفن فیها ثمّ ینقل لأحد المشاهد فإنه یجوز للمعیر إخراجه عند حلول وقته و لو قیل بالعدم کان وجهاً.

رابعها: لو کفن بمغصوب أو ابتلع مغصوباً

کان للمالک نبش القبر و أخذ ماله و لا یجب علیه قبول القیمة.

خامسها: لو کُفّن فی مذهب أو حریر

فإنه یقوی جواز نبشه و تکفینه جدیداً و ربما الحق به جمیع ما لا یجوز التکفین به و ربما یفرق بین التکفین بغیر الجائز اختیاراً فیجوز النبش و بین التکفین اضطراراً فلا یجوز و الأقوی عدم الجواز مطلقاً إلا فیما کانت حرمته أصلیة کالحریر و شبهه فإن القول به قوة.

سادسها: لو بُلیَ المیت عرفاً و صارت عظامه رمیماً

کالتراب أو استحالت تراباً جاز نبش قبره لخروجه عن (اسم المیت) و لو بقیت عظامه عرفاً و لو صغاراً علی الظاهر حرم نبشه.

سابعها: یجوز نبشه للشهادة علی عینه

لتحقیق میراث أو مال أو اعتداد تقدیماً لحق الشهادة و شکاً فی شمول الإجماع.

ثامنها: یجوز نبشه عند نسیان تکفینه أو استقباله القبلة

فی وجه قوی و إجرائه للغسل و الصلاة لا وجه له یُعتدُّ به.

تاسعها: یجوز النبش لو کان فی دار فبیعت

فإن للمشتری ذلک فی وجه و الأوجه العدم إلا أنه یثبت له خیار مع الجهل.

عاشرها: إذا خیف علیه أو علی کفنه من الهوام أو السرقة

أو الحرق أو الغرق أو من ظالم فإنه یجوز نبشه لحفظه.

حادی عشرها: إذا أرید نقله إلی مکان شریف

کالمشاهد المشرفة و نحوها فإنه یجوز نبشه فی وجه.

ثانی عشرها: یجوز نبشه لو حصلت بعض القرائن المفیدة للظن بحیاته

علی الأظهر.

ص: 300

ثالث عشرها: یجوز نبشه للشهادة علی جرح أو قتل و نحوهما.
رابع عشرها: یجوز نبشه لو وضع فی موضع مشکوک بقبریته

کالموضوع فی سرداب و نحوه.

خامس عشرها: یجوز نبشه لوضع بناء علی قبره

لئلا یندرس رمسه و ینسی اسمه فی وجه.

سادس عشرها: یجوز نبشه لدفن میت آخر لیس له مدفن بالکُلیّة معه

علی وجه قوی إلی غیر ذلک.

سابع عشرها: لا یجوز نقل المیّت بعد دفنه

إجماعاً منقولًا و شهرة محصلة و تحریمه لنفسه بمقتضی إطلاق الفتوی لا للنبش فلو کان منبوشاً بریح أو نبشه نابش حرم نقله أیضاً و یجوز نقله و إن استلزم النبش إلی المشاهد المشرفة علی الأظهر لذکرهم ورود الرخصة به مع عدم ردهم له و للشک فی شمول الإجماع لمثل ذلک و لما ورد من نقل (نوح عظام آدم) و ان ورد أنه فی تابوت و نقل (موسی عظام یوسف) و إن ورد أنه فی صندوق مرمر و احتمال الاختصاص فی تلک الشریعة مدفوع بأن الظاهر من نقله بقاء حکمه و یؤیده الاستصحاب و احتمال البلاء یدفعه أنها عظام الأنبیاء و أنه موضوع فی صندوق.

الحادی عشر: یقوی القول بحرمة نقل الموتی قبل دفنهم

أیضاً لمنافاته لوجوب التعجیل للمیت و حرمة التأنی به و للأمر من النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و علی (علیه السلام) بدفن الأجساد بمصارعها و لاستلزام النقل هتک حرمة المؤمن و إظهار رائحته و المثلة به نعم لو توقف الدفن علی النقل لعدم وجود أرض أو لقبحها أو لتشویه المیت بها أو لعدم حفظها المیت من سارق أو سبع أو سیل أو نحو ذلک جاز النقل و یجوز النقل للأماکن القریبة قطعاً لعدم انصراف أدلة النهی إلیها و یجوز النقل للأماکن المشرفة لجریان سیرة الإمامیة به من غیر إنکار من الأئمة (علیهم السلام) و العلماء و للخبرین المتقدمین و لما ورد من نقل (یعقوب یوسف إلی بیت المقدس) و للإجماع المنقول و لأنه وسیلة إلی نفع و دفع

ص: 301

ضرر أخرویین للتمسک بأهل الشفاعة و القرب إلیهم و لحدیث الیمانی لما أقدم بجنازة إلیه إلی الغری حیث أوصاه بذلک فأقره أمیر المؤمنین (علیه السلام) و دفن معه و لما ذکر فی الغریة أنه قد وردت رخصة بذلک و لما ورد فی بعض الأخبار من نقل من مات بعرفات إلی الحرم و بالجملة فکان الأمرین للشیعة من الضروریات و الظاهر أنه لا فرق بین قرب المکان و بین بعده و لا بین تأدیته للمثلة بالمیت و ظهور رائحته و بین عدمها نعم لا یبعد اختصاص ذلک بمشاهد أهل العصمة سیما لو کانت الدار بعیدة.

الثانیة عشر: لا یجوز دفن میت فی قبر آخر

و إن لم یستلزم النبش المحرم لسبق حق الأول و اختصاصه به فلا تجوز مزاحمته و للإجماع المنقول علی لسان بعض الفحول و أما دفن میتین فی قبر واحد مکروه لمکان النهی عنه و لفحوی ما دل علی کراهة حمل المیتین علی جنازة واحدة و لاحتمال تأذی أحدهما بالآخر و افتضاضه عنده و لا یحرم للأصل و ضعف نهوض الدلیل بالتحریم.

خاتمة فی بعض المندوبات

یستحب تشییع الجنازة إذا کان مؤمناً للإجماع و النصوص و یکره الرکوب للإجماع و النصوص و الظاهر أنه مکروه عبادة و یستحب المشی خلفها عرفاً لا بحیث یخرج فی البعد عن هیئة المشیع فإن لم یکن خلفها مشی علی جانبیها لدلالة الأخبار علی ذلک و یکره المشی أمامها جمعاً بین الأخبار المجوزة و الأخبار الناهیة مع أن المشی أمامها من شعار العامة أو الرشد فی خلافهم و الظاهر أن الکراهة کراهة العبادة و یکره کراهة حقیقیة المشی أمام جنازة المخالف للتعلیل باستقبال ملائکة العذاب و یستحب تربیع الجنازة بمعنی حملها من الجوانب الأربع للأخبار و فتوی الأصحاب و الظاهر أنه یستحب الاستدارة علیها مع ذلک مختتماً بما بدأ مرة أو مرتین أو أزید و الأخبار فی کیفیة التربیع مختلفة ککلام الأصحاب و المشهور نقلًا بل ربما یدعی تحصیلًا و نقل علیه الإجماع البدأة بمقدم السریر الأیمن علی عاتقه الأیسر ثمّ بمؤخره ثمّ بمؤخر الأیسر علی عاتقه الأیمن إلی أن یرجع فیجتمع إلی مقدمة یسار الحامل مع یسار المحمول مع یمین السریر بناء علی أن السریر کالدابة السائرة و المیت مستلقی علیها فیمینه

ص: 302

یساره و یساره یمینه و الظاهر أن السریر قبل ذلک فی الزمن السابق کان له أربعة أرجل کهیئة الدابة و أما تابوت الیوم فالظاهر أن یمینه و یمین المیت سواء و قد ورد أیضاً ما یدل علی الحکم المزبور کقوله (علیه السلام): (السنة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأیمن) فیراد بالجنازة السریر لا المیت لقوله (علیه السلام) (مما یلی یسارک) و لقوله (علیه السلام) فی المرسل (ابدأ بالید الیمنی ثمّ الرجل الیمنی ثمّ ارجع من مکانک إلی میامن المیت) فإن الأمر بالرجوع إلی میامن المیت دلیل علی یمین السریر فی الأول و قیل فی معنی التربیع عکس الأول و نقل علیه الشهرة و أید بالاعتبار لاجتماع یمین الحامل و المیت مع یسار السریر دون الأول لاجتماع یسارهما مع یمینه و الأول أولی و ایّد أیضاً بالتحقیق الاستدارة المأمور بها معه من غیر تکلف دون المذکور سابقاً لأن استدارة الرحی إلی الیسار غالباً و فی الجمیع نظر و یستحب حفر القبر قامة أو إلی الترقوة للإجماع المنقول (و روایة الأذرع الثلاث) و لا یبعد استحباب القامة إلی الرأس و إلی الثدی و لکن الأول أفضل و هذا فی الأرض المعتدلة فلو کانت رطبة یخرج ماؤها قریباً استحب دون ذلک أو کانت رملًا مهیلًا ضعیفة الحفظ من السباع استحب فوق ذلک و یستحب اللحد إجماعاً فتوی و نصاً و هو حفیرة واسعة بقدر ما یجلس المیت نحو القبلة و یکره الشق إلا للبدن لأمر الباقر (علیه السلام) بالشق له و یستحب أن یتحفی النازل إلی القبر و یحل أزراره و یکشف رأسه للأخبار و فتوی الأصحاب و أن یدعو عند نزوله بالمأثور و یکره نزول ذی الرحم القبر إلا الولد مع والده علی الأظهر للأخبار و فتوی جملة من الأصحاب إلا إذا کان المیت امرأة فالمحارم و الزوج أولی بإنزالها للأخبار و فتوی الأصحاب و یستحب إذا أرید دفنه أن یجعل المیت عند رجلی القبر أی بابه إن کان رجلًا للأخبار و إن کانت امرأة فقدامه للرضوی و فتوی المشهور و یستحب أن ینقل المیت مرتین و یوضع و یصبر هنیئة و ینزل فی الثالثة للرضوی و فتوی الأصحاب و یستحب إنزاله سابقاً برأسه إن کان رجلًا و أخذها عرضاً إن کانت امرأة و أن یحل عقدة کفنه بعد نزوله و أن یلقنه الولی أو من بأمره أصول دینه و أن یجعل معه تربة الحسین (علیه السلام) و أن یشرح اللحد و ینضد باللبن و أن یخرج من قبل رجلیه و أن یهیل الحاضرون التراب علیه بظهور الأکف مسترجعین

ص: 303

و أن لا یهیل ذو رحم و أن لا یوضع علی القبر غیر ترابه و أن یلقنه الولی بعد انصرافهم عنه أصول الدین و أن یرفع القبر قدر أربع أصابع منفرجات و أن یکون سطحاً مربعاً و أن یضع الحاضرون الأیدی علیه مترحمین له و یکره فرش القبر بالساج و تجصیصه باطناً بل و ظاهراً سوی العلماء و شبههم و یکره تجدید القبر بعد اندراسه و جمیع ذلک دلت علیه الأخبار و فتوی الأخیار فلا محیص عنها.

القول فی التیمم

اشارة

و هو لغة القصد و شرعاً قصد أفعال مخصوصة علی وجه مخصوص أو أفعال مخصوصة مقترنة بالقصد و هو فی الحقائق الشرعیة الموضوعة للصحیح علی الصحیح و مشروعیة ثابتة بالکتاب و السنة قال سبحانه و تعالی: (وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضیٰ) نبه بدلالة الإیماء علی أن الممنوع من استعمال الماء مع وجوده من مرض حالی أو استقبالی یتوقع باستعمال الماء أو من خوف العطش عند إتلافه و ما شابه ذلک من العوارض ثمّ قال: (أَوْ عَلیٰ سَفَرٍ) نبه بذکر السفر لأنه مظنة عدم الماء فی السفر البری علی عدم وجوده أو وجوده و عدم إمکان الوصول إلیه لعدم الآلة أو لقطع طریقه من سبع أو لص أو ظالم أو لکونه مال الغیر أو لکونه نجساً أو لضیق الوقت عن استعماله و ما شابه ذلک ثمّ قال: (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً) و أراد بعدم الوجدان ما یشمل ما دل علیه ذکر المرض و السفر تأکیداً لکون الحکم معلقاً علیهما لا لأنفسهما بل لعدم القدرة علی الماء و ذکر الغائط و الجنابة تبینها علی قیامه مقام رافع الأصغر و الأکبر أو بمعنی الواو و وسط ذکرهما تنبیهاً علی ترتیب التیمم علی عدم وجدان الماء لا علیهما ثمّ قال سبحانه و تعالی: (فَتَیَمَّمُوا) أی اقصدوا، (صَعِیداً) أی وجه الأرض کما عن المشهور بین اللغویین و الفقهاء أو التراب الخالص کما عن بعض ثمّ قال: (طَیِّباً) أی طاهراً خالصاً من غیر الأرض ثمّ قال: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَ أَیْدِیکُمْ) أی ببعضها مبتدئین منه أو من بعضه و یمکن إرادة نفس الفعل من قوله تعالی: (فَتَیَمَّمُوا) فیکون صعیداً منصوب بإسقاط الخافض و دلّ علی مشروعیة التیمم الإجماع و السنة الدالة علی أنه بمنزلة الماء و أنه یجزیک الصعید عشر سنین و أنه أحد الطهورین و أن الأرض مسجد و طهور و لو لا

ص: 304

الإجماع و جملة من الأخبار الدالین علی کونه مبیحاً لا رافعاً لکان حکمه حکم الماء

و الکلام فیه فی مواضع:

أحدها: یشرع التیمم عند فقدان الماء إلی آخر الوقت

أما بالکلیة أو فقدان ما یسع لطهارته و لا یجب علی من وجد الماء لبعض طهارته استعماله فی البعض وضوءاً أو غسلًا لأن الطهارة لا تتبعض و لعدم الأمر به فی مقام البیان و لظاهر اتفاق الأصحاب و لظاهر الصحیح أن من أجنب فی سفره و لم یکن عنده ما یکفیه إلا للوضوء قال: (یتیمم و لا یتوضأ) و نحوه غیره و فی الخبر فیمن تری الطهر و لیس عندها ماء یکفیها لغسلها قال: (إذا کان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله ثمّ التیمم) و ضعف الدلالة فی الأول بعدم البیان و فی الثانی بتقدیم غسل الفرج علی غسل بعض الأعضاء مجبور بفتوی الأصحاب فظهر ضعف القول بوجوب غسل المقدور فی الغسل لعموم (لا یسقط) و (ما لا یدرک) و ما جری علیه الماء فقد طهر هذا إذا کان مکلفاً بطهارة واحدة کوضوء أو غسل جنابة و أما لو کان مکلفاً بطهارتین فإن وسع الماء للغسل دون الوضوء وجب قطعاً حتی لو قلنا باشتراکهما فی الرفع و وجب التیمم للوضوء و إن وسع للوضوء دون الغسل قوی القول بالوجوب أیضاً لأن کلًا منهما عبادة لا تسقط بامتناع الأخری و لظاهر فتوی المشهور و اختار بعضهم العدم لامتناع رفع الأصغر مع بقاء الأکبر فیجب حینئذ تیممان عن الغسل و الوضوء و یسقط الوضوء و هو قوی لو لا ما قدمناه علی أنه إنما یتمشی فیما إذا کان الوضوء رافعاً أما لو کان مبیحاً کوضوء الاستحاضة و غسلها فلا لإمکان ترکّب الاستباحة من ماء و تراب علی أن یکون مبیح الأکبر (التراب) و مبیح الأصغر (الماء) و بالجملة فالأقوی بمقتضی عموم الأدلة و الاحتیاط جواز ترکب الطهارة من مائیتین رافعین و مائیتین مبیحتین و من ترابین مبیحین و من مائیة کبری رافعة و ترابیة صغری مبیحة و من ترابیة کبری مبیحة و مائیة صغری رافعة و من مائیة کبری مبیحة و ترابیة صغری مبیحة و کلها واقعة و الظاهر أن الفقهاء لا یتناکرونها ثمّ أن من قدر علی إیجاد الماء بحفر أو بشراء لا یضر بالحال ثمنه یسمی واجداً عرفاً و أما ما وجد بثمن مضر بالحال أو کان فی قبوله منة عظیمة أو کان

ص: 305

محتاجاً لخلق جدید من إحالة هواء أو إذابة أجسام فالظاهر صدق عدم وجدان الماء و لا یجب إیجاد مقدمة الواجب المشروط نعم لو أمکن خلط المطلق بمضاف لیکون کله مطلقاً کان الوجوب أقرب لأقربیة کون ذلک واجباً مطلقاً بالنسبة إلی ذلک و کذا لو کان عنده ثلج و شبهه بل وجوبه متعین و لو لم یکن الثمن مضراً بالحال وجب الشراء و لو بأضعاف مضاعفة للإجماع المنقول و فتوی المشهور و الأخبار الدالة علی ذلک ففی الصحیح فیمن احتاج الوضوء إلی الصلاة و هو لا یقدر علی الماء فوجد قدر ما یتوضأ به و هو قادر بمائة درهم أو ألف قال: (یشتری قد أصابنی مثل هذا فاشتریت) و غیره نعم فی صورة الضرر لا یجب الشراء لحدیث نفی الضرر و العسر و الحرج و فتوی المشهور و ظاهر الإجماع المنقول بل ربما کان محرماً لو فعل حراماً و اشتری و بعد ذلک توضأ کان الوضوء صحیحاً و لو لم یکن فی العطاء منه وجب القبول کالماء المبذول للمثوبة أو المبذول للزوار و المترددین أو الأضیاف أو کهبة الوالدین فی وجه قوی هذا کله فی المال المبذول فی المعاوضة اختیاراً و أما المال المأخوذ قهراً بسبب الوضوء فلا یتفاوت الحال فی تسویفه التیمم بین قلیله و کثیره للإجماع المنقول علی أن الخوف من اللصوص موجب للتیمم و للخبر فیمن کان الماء علی یمین الطریق و یساره قال: (لا أراه یغرر بنفسه فیعرض له لص أو سبع) و لأن فی السلب و النهب غضاضة و مهانة یستباح معها کثیر من المحضورات کما یرشد إلیه باب وجوب التقیة و لو توقف علی اقتراض للثمن و کان معسراً لم یجب علیه القرض لأن إیجاد غیر الموجود غیر واجب.

ثانیها: یجب عند فقدان الماء الطلب له مع الإمکان و عدم الضرر به

فی جهة یعلم وجوده بها و فی جهة لا یعلم وجوده بها معیناً فیجب من باب المقدمة و فی جهة یشک فی وجوده بها مطلقاً و لا یجوز التّمسک بأصالة عدم وجوده للإجماع المنقول و فتوی الفحول و الأخبار کالحسن (إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب ما دام الوقت) و ما ورد فی الخبر (لا تطلب الماء یمیناً و شمالًا و لا بئراً إن وجدته علی الطریق فتوضأ به و إن لم تجده فامض) محمول علی صورة حصول الخوف من سبع و شبهه کما ورد فی الخبر (لا تطلب و لکن تیمم فإنی أخاف علیک التخلف عن أصحابک فتغتسل و یأکلک

ص: 306

السبع) و مقتضی إطلاق الفتوی و النص و الاحتیاط من باب المقدمة و لو المقدمة الاحتمالیة وجوب طلب الماء حتی یحصل القطع أو الظن الشرعی بعدمه و ربما دل علیه (فلیطلب ما دام فی الوقت) سواء کان دوام الوقت ظرفاً للطلب أو کان ظرفاً للوجوب للأمر بالطلب و إرادته فی الجملة و الاجتزاء بمسماه بعید و حیث إنه لم یجد تعین حمله علی أن نهایة القطع بالعدم علی أن من لم یطلب لا یصدق علیه أنه غیر واجد للماء أیضاً فظهر أن الطلب واجب لصحة التیمم إلا أن یحصل القطع بالعدم و یکفی فیه القطع العادی بحیث تطمئن نفسه بالعدم و المراد بالقطع بالعدم هو القطع بعدم وجوده فی ذلک الزمن و عدم حصوله إلا أن یمضی زمن کثیر من الوقت لیعتد به و إلی أن یمضی الوقت کله کما هو الأظهر و الأحوط فإذا قطع بذلک ساغ له التیمم و لا یجب علیه التأخیر إلی الضیق و ربما کان القول بجواز البدار للتیمم عند القطع بعدم وجود الماء فی مکانه و عدم العلم به فی جهة یمکنه الذهاب إلیها و إن کان یرجو حصوله بعد ذلک من مار أو مستطرق أو وجوده فی الطریق بعد ذلک فی غیر ما دل الدلیل علی وجوب الطلب بقدره قویاً فی النظر و ربما کان فتوی المشهور علیه فیراد فی الطلب فی کلامهم هو الطلب الخاص الذی جاءت به الروایة و لکن الأظهر و الأحوط ما ذکرناه و علی کل تقدیر فقد ورد الأمر للمسافر بطلب غلوة سهم فی الحزونة و غلوة سهمین إن کانت سهولة و هی و إن کانت سکونیة و لکنها منجبرة بفتوی الأصحاب و الإجماعات المنقولة فی الباب و نقل عن (ابن إدریس) أنه ادعی تواترها فالأخذ بها متعین و لکن علی ما اخترناه منه وجوب الطلب حتی یحصل القطع و الیأس بعدم وجود الماء و عدم حصوله فی جمیع الوقت تکون الروایة مخصصة لذلک الحکم فی المسافر فقط و یبقی الحاضر و من بحکمه علی القاعدة فی وجوب الطلب إلی حد الیأس و کذا الأعمی و الخائف و العاجز عن الطلب و من کان فی لیل لا یبصر شیئاً علی القاعدة أیضاً و یحتمل کفایة الاستنابة لهم ممن یوثق به و علی الوجه الآخر و هو کفایة عدم وجدان الماء و عدم العلم به فی جهة فی صحة التیمم و إن احتمل حصوله بعد ذلک و وجوده فی مکان آخر کان الطلب المأمور به خاصاً بالمسافر و تنزل الإجماعات الدالة علی وجوب

ص: 307

الطلب علی الطلب المخصوص فی الروایة و فیه مع ضعفه أنه یلزم أن یکون المسافر أسوأ حالًا من الحاضر و المراد بالسهلة هی الخالیة عن صعوبة الوطء من شجر و حجر و علو و هبوط و غیر ذلک و بضدها الحزونة و المراد بالغلوة قدر الرمیة 0 المتعارفة من الرامی المعتدل و الجذب المعتدل بالآلة المعتدلة فی الهواء المعتدل و معرفته موکولة للعرف و مع الشک یأخذ بالیقین و تقدیره بشی ء معلوم غیر معلوم کما قدره بعضهم ثمّ أن الظاهر من الروایة کون الطلب فی جهة واحدة کاف فی صحة التیمم و لکن ظاهر الأصحاب و الإجماع المنقول فی الباب هو وجوب الطلب فی الجهات الأربع الامام و الخلف و الیمین و الشمال و ان تکون متقاطعة علی طریقة زوایا القوائم عرفاً لا علی طریقة الحادة و المنفرجة و یجتزأ بقطع الأربع بذهابین و إیابین بان یذهب بواحدة و یرجع بأخری و الأولی جعل الأربع ثمانیا بتفریق الذهاب و الإیاب و یحتمل وجوب الطلب ذلک القدر علی جهة الاستدارة من طرف الحد و یحتمل وجوب طلب ذلک المقدار مستدیراً فیکفی فی الجهة المسامتة أقل من ذلک و یحتمل وجوب طلب کل جزء جزء مما بینه و بین الحد و ربما یحصل العلم بجمیع أجزاء الأرض الداخلة فی الحد عند الطلب فی الأربع جهات لأن الماء لا یکاد یخفی و احتمال کفایة الجهتین من الیمین و الیسار أو الثلاث دون الخلف ضعیف و الجهة المعلومة عدم وجود الماء فیها یسقط عنها الطلب کلًا أو بعضاً کما أنه عند العلم بوجوده فی مکان متجاوز للحد وجب طلبه و کذا لو کان من باب الشبهة المحصورة فإنه یجب التتبع حتی یحصل القطع بالعدم و ربما کان الظن مثله و تجوز الاستنابة لمن یوثق به و الأحوط استنابة العدلین و الأعمی یکفیه الواحد علی الوجه المتقدم و لو أخل بالطلب فعل حراماً و یفسد تیممه لفقدان شرطه مع السعة لأن الظاهر من الأمر به هو الشرطیة لا التعبدیة و لأن الأصل حرمة التیمم مع رجاء الماء خرج المسافر مع الطلب هذا المقدار فیبقی الباقی و لو أخل به حتی ضاق الوقت صح تیممه علی الأصح و لا إعادة علیه کما هو المشهور سواء ضاق عن الطلب أو عن الاستعمال لصدق عدم الوجدان علیه و الامتثال یقضی بالإجزاء و دعوی شرطیة الطلب حتی عند الضیق ممنوعة و لو کانت الأرض مرکبة من السهلة

ص: 308

و الحزنة أخذ من کل بنسبتها و الأحوط مراعاة الغلوتین فی المرکب بجهة واحدة کأن کان نصف سهلة و نصفاً حزنة و لو عجز عن الطلب إلا بمقدار النصف لم یجتزئ به و رجع إلی القاعدة و لو طلب فاحتمل بعد طلبه تجدد الماء وجب علیه التجدید ما لم یلزم العسر و الحرج و یجتزأ بالطلب قبل الوقت إذا لم یحتمل وجود ماء جدید بعد الوقت و لو طلب حتی ضاق الوقت عن الطهارة المائیة نفسها فتیمم و صلی و وجد الماء فی رحله صحت صلاته لمصادفتها الأمر الواقعی و کذا لو قصر فی الطلب حتی ضاق الوقت فتیمم و صلی و وجد الماء فی رحله و لو طلب فلم یجد فتیمم فی السعة فصلی فوجد الماء فی موضع طلبه من دون تقصیر منه لخفاء الماء فالوجه (الصحة) و الأحوط (الإعادة) سیّما مع بقاء الوقت و لو وجده فی رحله بعد طلبه و کان الوقت فی سعة فالوجه الإعادة لوجود الماء و إن خفی علیه و الأصل فی الشرائط الواقع دون ما ظهر لدی المکلف و للخبر فیمن معه ماء فنسیه فتیمم و وجد الماء فی رحله قبل أن یخرج الوقت قال: (علیه أن یتوضأ و یعید) و یمکن القول بعدم الإعادة لأن المرء متعبد بقطعه و الأصل فی الامتثال الإجزاء و لأنه یصدق علیه أنه لم یجد الماء و الروایة ضعیفة لا تصلح لهدم ذلک و یمکن الفرق بین الناسی فیعید أخذاً بمنطوق الروایة و غیره فلا یعید و لو قصر فی الطلب فضاق الوقت عن الطلب لا عن استعمال الماء فتیمم و صلی فوجد الماء فی رحله فإن کان ناسیاً فالأظهر الإعادة للروایة و فتوی المشهور و علی الظاهر و إن لم یکن ناسیاً فوجهان أحوطهما الإعادة إلحاقاً بالناسی و لو ضاق الوقت عن استعمال الماء أیضاً فالأقوی الصحة مطلقاً کما قدمنا و ذهب بعضهم و نسب للمشهور إلی وجوب القضاء و عدم الصحة مستندین للروایة المتقدمة و فیه أنه مع الضیق عن الاستعمال یلزمه التیمم علی کل حال فلا معنی للقضاء بعد صحة الأداء و الروایة موردها السعة دون الضیق عن الاستعمال و لو کان عند المکلف ماء أو مر بماء فأراق الأول و لم یستعمل الثانی فإن فعل ذلک قبل الوقت تیمم عند عدم الوجدان و لا إثم علیه و صح تیممه إن لم یعلم بعدم الماء بعد دخول الوقت و مع العلم بعدمه احتمل القول بالجواز و صحة التیمم للأصل و عمومات أدلة التیمم و احتمل القول بحرمة

ص: 309

الإراقة و صحة التیمم أیضاً لاهتمام الشارع بالصلاة و کونها أعظم الفرائض فتجب مقدمتها مع العلم بعدمها فی الوقت قبل الوقت و یؤیده ما ورد من المنع من السفر إلی أرض لا ماء فیها و إنه هلاک للدین و إطلاقها شامل لذلک و هو الأقوی نعم لو کانت صنعته فی ذلک المکان کالحطاب قوی القول بالجواز دفعاً للضرر و إن فعل ذلک بعد دخول الوقت فإن کان راجیاً للماء فحکمه کذلک و إن علم بعدمه أثم لتفویته الواجب بعد تعلقه به و لخطابه بحفظه من باب المقدمة و صح تیممه عند فقدان الماء لعموم الأدلة و الامتثال یقضی بالإجزاء و قیل بوجوب الإعادة لتعلق الخطاب بذمته بالطهارة المائیة و الشک فی حصول الانتقال إلی الترابیة مع تفویت الواجب بنفسه فلا یکون فعله عذراً مسوغاً لذلک و فیه أن العذر المسوغ هو نفس عدم الوجدان و یکمن الفرق هاهنا بین التیمم حال الضیق عن الاستعمال إعادة و بین التیمم فی السعة ثمّ یجد الماء فی الوقت بعد ذلک فیعید استصحاباً للأمر الأول و انکشاف بقاءه و هو أحوط و مثل ما ذکرنا من علم کون الماء بمکان یمکن الوصول إلیه فأهمل حتی ضاق الوقت عن الوصول فإن الوجه صحة التیمم و عدم الإعادة.

ثالثها: مما یسوغ له التیمم ضیق الوقت عن استعماله مع إدراک رکعة من فرضه أو مع إدراک جمیعه

و هو الأقوی أو ضیق الوقت عن الوصول إلیه مع استعماله و إدراک رکعة لو علمه فی مکان أو ضیق الوقت عن طلبه فی الجهات الأربع و استعماله و إدراک رکعة لو لم یعلمه أو ضیق الوقت عن التفحص عنه حتی یعثر علیه لو علمه فی مکان محصور مشتبه و لا یتفاوت بین کون الضیق ناشئاً عن تفریطه أو غیر ناشئ عن ذلک کل ذلک لعموم المنزلة و لأنه طهور واحد الطهورین و أنه یجزی عشر سنین و لأن مشروعیته للمحافظة علی أداء الفرض فی وقته کما یفهم من الأخبار و الآثار و لأن الصلاة لا تسقط بحال و الصلاة من دون طهور و التراب موجود لا یلتزمه أحد و لأن من بعد عنه الماء بحیث أنّه لو سعی إلیه لفات الوقت وجب علیه التیمم اتفاقاً فهذا مثله و لأن رب الصعید و رب الماء واحد و لأن الظاهر أن مشروعیة التیمم عند عدم التمکن من الماء علی جمیع الأنحاء فالقول بوجوب الطهارة المائیة و القضاء لعدم الدلیل علی

ص: 310

مشروعیة التیمم هاهنا و عدم تسویغ ضیق الوقت للتیمم ضعیف کالفرق بین ضیق الوقت عن الوصول إلیه فیسوغ التیمم لعدم وجدان الماء و إن کان قریباً و بین ضیقه عن استعماله فلا یسوغ لأنه واجد للماء و یجری الحکم لکثیر من الشرائط إذا لم یتسع الوقت لتحصیلها کإزالة النجاسة و تحصیل الساتر و نحوهما فإنه یسقط وجوب تحصیلها اهتماماً بإیجاد الصلاة مهما أمکن و لو تطهر بالماء من کان فرضه التیمم صحت طهارته علی الأقوی لعموم الأدلة و لأن الأمر بالشی ء لا یقضی بالنهی عن ضده و کونه غیر مخاطب بالطهارة المائیة لهذه الصلاة لا یقضی بأنه غیر مخاطب مطلقاً نعم الأحوط أن لا ینوی الطهارة لهذه الصلاة الخاصة.

رابعها: مما یسوغ له التیمم عدم الوصول إلیه

لخوف سبع أو لص للأخبار و فتوی الأصحاب و کذا لو وجد بثمن یضر بالحال فی الحال أو المال بحیث کان ضرر المال متوقعاً عادةً مظنوناً لا مجرد الخوف من الفقر لأن الله هو الغنی و الرزاق قلیلًا کان أو کثیراً و یختلف بالنسبة إلی أحوال الناس فرب شی ء یضر بشخص دون آخر و لا یتفاوت الضرر بین کونه علی نفسه أو أهله لجوع أو ذلة أو مهانة أو تأدیة لذل السؤال أو إعواز نفقة أو شبه ذلک و الدلیل علی ذلک فتوی مشهور الأصحاب و الأخبار العامة النافیة للضرر و الضرار و فحوی ما دلَّ علی جواز التیمم للخوف علی المال و إن قل و لخبر الدعائم إلا أن یکون فی دفعه الثمن ما یخاف منه علی نفسه التلف إن عدمه و العطب فلا یشتریه و تیمم بالصعید و یصلی و اقتصر بعضهم علی ما ذکر فی هذا الخبر فقط و یرده ما ذکرناه و ذهب بعضهم إلی جواز التیمم من تجاوز العوض عن قیمة المثل کثیراً استناداً إلی تجویز التیمم مع الخوف علی المال الیسیر فالکثیر بالطریق الأولی لأن المال قلیله و کثیره محترم لکفر مستحله و فسق غاصبه و جواز الدفاع عنه و هو ضعیف للأخبار الدالة علی وجوب بذل المال الکثیر فی ماء الوضوء المعتبرة بنفسها و بفتوی الأصحاب نعم لو أجحف کثیراً کأن تصل الثلاث أکف إلی ألف دینار ربما أشکل فیه الحال لعدم وجود النظر له فی أبواب الفقه و لعدم ذکرهم لمثله فی لباس أو مکان أو ماء لرفع الخبث أو دلیل علی القبلة أو أرض یسجد علیها أو آلة لتحصیل الماء أو لتحصیل غیره من

ص: 311

الشرائط أو لتحصیل کف من تراب للتیمم و لو وجب بذل الکثیر علی کل جزء جزء من هذه الأمور لذکروه فی أکثر المقامات بل ربما یدعی قیام السیرة علی خلافه بل ربما یدعی أن بذل ألف دینار فی کف من تراب أو کف من ماء تسعه عرفاً فلا یسوغ شرعاً و ربما یظهر من بعضهم الإجماع علی أن الزیادة لو أجحفت بالحال تسقط وجوب البذل و مع ذلک فالتخطی عما نطقت به الأخبار و دلت علیه کلمات الأصحاب لا وجه له و من عدم إمکان الوصول عدم الآلة لاستخراج الماء من دلو أو رشاً أو غیرهما للإجماع و الأخبار الدالة علی التیمم لمن لم یکن عنده دلو و قد مر بالبئر و أنه لا یقع فی البئر و لا یفسد علی القوم ماءهم.

خامسها: مما یسوغ التیمم عدم وجود الماء المحلل بملک أو إباحة

أو إذن فحوائیة علمیة أو ظنیة جرت السیرة علی العمل بها أو بإذن الحقیة کاستعمال الأنهار و العیون المملوکة فی الطرق فإن المعلوم من سیرة المسلمین استعمالها مع القطع بالإذن الفحوائیة و مع عدمه بل و مع القطع بعدم الرضا لإذن المالک الحقیقی بها کما یشهد به فعل الأئمة (علیهم السلام) و سائر الشیعة و الأخبار الواردة فی أن الناس و المسلمین شرکاء فی الماء و الکلأ و ربما نقل علیه الإجماع هذا کله إذا لم یجحف المتناول و إلا حرم و الأحوط التجنب مع النهی من المالک و کذا لو مع العلم بأنه لا یقام و نحو ذلک و کذا عدم وجود الماء الطاهر إجماعاً و لو کان عنده نجس و طاهر و احتاج الشرب شرب الطاهر و تیمم و لا یجوز له شرب النجس للنهی عنه و المنهی عنه مسوغ للتیمم کما من الأخبار و کلام الأخیار و لو کان عنده ماء طاهر و ثوب نجس أو کان بدنه نجساً فهل یغسل به النجس و یتیمم أو یتوضأ أو یصلی بالنجاسة وجهان أقواهما وجوب غسل النجاسة و التیمم لأن الأدلة و إن کان بینها تعارض إلا أن المفهوم من أدلة التیمم أنه ینتقل إلیه مع الموانع الشرعیة و العرفیة فکلما کان اضطراراً شرعاً أو عرفاً مساغ له التیمم علی أن الظاهر أن الحکم اتفاقی.

سادسها: مما یسوغ به التیمم التألم الشدید علی البدن

و إن کان لا یغشی معه من المرض علی الأقوی لعموم نفی الضر و العسر و الحرج و لأنه قد یکون أقوی من المرض

ص: 312

فعلی هذا لو أصابه برد شدید أو حر شدید فی الحمامات أو حرکة عنیفة فی المسیر إلی محل الماء أو تعب شدید فی الغسل لکبر و عجز ساغ له التیمم کما یفهم ذلک فی الأخبار عموماً و خصوصاً لدخوله فیمن خاف علی نفسه من البرد و کلام جملة من الأخیار و قیل بلزوم المائیة للعمومات و صحیح ابن مسلم فیمن تصیبه الجنابة فی أرض باردة و لا یجد الماء و عسی أن یکون جامداً قال: (تغتسل علی ما کان) و فیه أن العمومات مخصوصة و الروایة معارضة بصحیحته الأخری عمن یجنب و لا یجد إلا الثلج أو ماءً جامداً قال: (هو بمنزلة الضرورة یتیمم) فلتحمل الروایة علی القدرة علی ذلک لبعض الأمزجة.

سابعها: مما یسوغ التیمم الخوف علی النفس نفسه أو نفس غیره المحترمة

من إنسان أو حیوان محترم علی الأظهر أو علی ماله أو مال غیره المحترم أو عرضه أو عرض غیره المحترم و إلحاق المال بالنفس یمکن الاستدلال علیه بروایة اللص و بغیرها مما جاء باحترام المال و لزوم حفظه و الدفاع عنه و کذا العرض إلا أن تسویغ التیمم لحفظ مال الغیر لا یخلو من إشکال و لو کان الخوف جبناً کان لاعتبار به فیقوی نفسه علی ما لا یخاف منه عادة إلا إذا أدت شدة الجبن إلی الوقوع فی الجنون أو مرض آخر کما رأیناه من بعض أهل الأوهام من الجن و الملائکة.

ثامنها: مما یسوغ له التیمم خوف العطش علی نفسه

و إن لم یهلکه و یکفی مجرد التألم منه لإطلاق الفتوی و صحیح ابن سنان (و إن خاف عطشاً فلا یهرق منه قطرة و لیتیمم بالصعید) و الظاهر أن الخوف من عطش رفیقه و دابته المحترمین مسوغ للتیمم أیضاً لأن حفظ المسلم و حفظ المال المحترم أهم من الصلاة و الطهارة و لذا تقطع الصلاة لأجلهما و لو فی ضیق الوقت و لدخولهما تحت قوله (و إن خاف عطشاً) و لا یتفاوت بین ما أمکن تذکیته من دوابه و بین ما لم یمکن إلا أن ما یمکن تذکیته و أکل لحمه بحیث یمکن الجمع بین استعمال الماء و عدم إذهاب المال و رفع حرمته فالأحوط استعمال الماء و ذبحه قبل تلفه و لو خاف علی دابة غیره من رفقائه فإن لم یمکن تذکیتها و کانت محترمة قوی القول بجواز دفع الماء لها و التیمم و فی الوجوب وجه و إن أمکن ذلک فجواز بذل

ص: 313

الماء لها و التیمم لا یخلو من إشکال و أما الحیوان الغیر المحترم کالحربی و المرتد و الکلب العقور و الخنزیر و المؤذی فلا یجوز دفع الماء له و فیمن وجب علیه القتل لحد أو قصاص إشکال و الأقوی بقاء حرمته إلی حین القتل.

تاسعها: مما یسوغ له التیمم زیادة المرض للمریض باستعمال الماء

أو عسر علاجه أو تألمه باستعماله له أو خوف استمراره أو خوف التلف بسببه لنص الکتاب و الإجماع إلا فیمن أجنب مختاراً و النصوص الواردة فی المجدور و الکسیر و المبطون و من به جروح و قروح أو خاف علی نفسه من البرد و العمومات النافیة للعسر و الحرج و الضرر و الناهیة عن إلقاء النفس فی التهلکة و کذا خوف حدوث المرض باستعمال الماء و إن کان صحیحاً قبل استعماله للعمومات و فحوی الأخبار الواردة فی الصوم و الواردة هاهنا و لدخوله فی الخوف من البرد المسوغ للتیمم و لأن حفظ الصحة یساوی دفع المرض فی کون کل منهما مطلوباً للنفس إن لم یکن أولی و لاتفاق الأصحاب علی ذلک بحسب الظاهر و یتحقق خوف المرض من الصحیح و خوف الزیادة من المرض بحصول الظن به بل و الشک لأن الشاک فی المخوف خائف و الضرر المشکوک به مخوف هذا إذا صدر من معتدل المزاج جبناً و شجاعة فلو کان جباناً کثیر الخوف رجع إلی عامة الناس فإن حکموا بأنه مخوف ترکه و إلا عمله و کذا المتجاوز عنه فی الشجاعة حد التهور مع احتمال دوران الحکم مدار الخوف مطلقاً و مع الجهل و عدم المعرفة بحال نفسه یرجع إلی أهل الخبرة المفید قولهم الظن أو الخوف واحداً أو متعدداً مسلماً عدلًا أو فاسقاً أو کافراً و لو لم یفد قولهم الظن أو الخوف فإن کان المخبر عدلین وجب الأخذ بقولهما و إن کان عدلًا واحداً جمع بین الوضوء و التیمم و الرجوع إلی ما ذکرنا من قول الأطباء و أهل الخبرة قضت به الأخبار فی کتاب الصوم و کلمات الأصحاب و المراد بالمرض هو ما یسمی مرضاً عرفاً بحیث یعتد به و یهتم بحاله فلو کان المرض یسیراً جداً کألم لحظة فی جزء من البدن أو حصول رجفة فی الأعضاء من البرد أو اختلاج أو همول عین أو أنف یسیراً أو غیر ذلک فلا یعتد به و یجب استعمال الماء تمسکاً بالقاعدة و شکاً فی الخروج عنها للشک فی شمول الإطلاق لمثله و لو حصل له

ص: 314

الخوف فاستعمل الماء بطل عمله لتوجه النهی إلیه و لو وافق الواقع من عدم حصول ما خاف منه و لو لم یحصل له الخوف فاستعمل الماء صح استعماله و لو خالف الواقع من حصول ما لم یخف منه لدوران الأمر مدار الخوف و کذا الخوف من العطش و البرد و الخوف علی النفس و علی العرض و علی المال و احتمال أن الحکم معلق علی ترتیب الأمر المخوف واقعاً لأن الأصل فی الشرائط و الموانع الواقعیة ضعیف لمخالفته الأخبار و کلام الأصحاب من تعلیق الحکم علی نفس الخوف وجوداً و عدماً و الامتثال قاض بالإجزاء و النهی قاض بالفساد و أما حدوث الشین فی الوجه کالتفطیر و الانکماش فقد نقل الإجماع علی جواز التیمم معه و ظاهر إطلاق الإجماع أن الشین مسوغ للتیمم مطلقاً و هو مع حصول الضرر به من سیلان دم أو تشویه خلقة أو حدوث ورم لا إشکال فیه و مع عدم ذلک کالواقع معتاداً فی البلاد الباردة ففی تسویغه للتیمم إشکال و الأقوی عدم جواز التیمم معه و مقتضی إطلاق النصوص و الفتاوی و الکتاب عدم الفرق فی جواز التیمم للمریض بین أن یجنب اختیاراً أو اضطراراً بعد الوقت أو قبل الوقت و نسب للشیخین القول (بأن من أجنب مختاراً یجب علیه الغسل و إن خشی التلف للمرفوعتین من المجدور إصابته جنابة إن أجنب نفسه فلیغتسل و إن احتلم فلیتیمم) و الصحیحین فی أحدهما عن المجنب یتخوف أن یصیبه عنت من الغسل لأنه فی أرض باردة قال: (یغتسل و إن أصابه ما أصابه) و فی الآخر تصیبه الجنابة فی أرض باردة فقال: (اغتسل علی ما کان فإنه لا بد من الغسل) و هذا القول ضعیف لضعف المرفوعتین سنداً و دلالة لاحتمال إرادة أنه إذا أجنب نفسه کان قادراً علی تحمل الغسل دون ما إذا احتلم لضعف الصحیحتین دلالة لاحتمال أن المشقة هو البرد نفسه و لم یبلغ إلی حیث لا یمکن تحمله أو إلی ترتیب ضرر علیه و مع ذلک فهما معارضتان بعمومات أدلة نفی العسر و الحرج و الضرر و سهولة الشریعة کتاباً و سنةً و بالأخبار الصحیحة و المعتبرة الدالة علی أن من أصابته جنابة فی لیلة باردة و یخاف علی نفسه إن هو اغتسل قال: (یتیمم فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد) و بالأخبار الدالة علی جواز الجنابة لمن کان فاقد الماء و أنه حلال یؤجر علیه فإنها ظاهرة فی تسویغ التیمم لأن القائل

ص: 315

بمنعه و وجوب الغسل إنما یقوله عقوبة له علی تعمده الجنابة و تقصیره نعم ما دل علی التیمم و الاغتسال بعد ذلک و إعادة الصلاة محمول علی الندب لفتوی المشهور بعدم الإعادة للصلاة و لأن الامتثال مقتضٍ للإجزاء و الأخبار الدالة علی عدم وجوب الإعادة للصلاة.

عاشرها: مما یسوغ له التیمم عدم التمکن من الطهارة الشرعیة

لتقیة غیر تقیة المخالفین من یهود أو نصاری أو ملل أخر فإن التوضؤ و الغسل علی طریقهم لم تثبت مشروعیته فالعدول للتیمم من الأمور اللازمة و کذا یسوغ التیمم لمن منعه الزحام یوم الجمعة أو عرفة و قد ضاق علیه الوقت للأخبار و فتوی الأصحاب و فی بعض الأخبار أنه یعید و هو محمول علی الندب أو علی أن الصلاة مع العامة فیصلی معهم صورة ثمّ یعیدها و مما یسوغ له التیمم تأدیة استعمال الماء إلی الإفساد علی المستطرقین و المارین من المسلمین کالدخول إلی الآبار الموضوعة فی الطرق و العیون و القنوات للأخبار الناهیة عن الوقوع فی البئر و أن یفسد علی القوم ماؤهم.

القول فیما یتیمم به

اشارة

و فیه مباحث:

أحدها: یجب التیمم بالصعید الطیب

إجماعاً کتاباً و سنة و فتوی، و الصعید هو التراب کما نص علیه جملة من اللغویین و جملة من الفقهاء و حکی عن الأصمعی و أبی عبیدة و هو المتیقن من وضع اللفظ بعد الشک فی أنه موضوع للعام أو الخاص و هو المتیقن من إرادة أهل اللغة له حملًا للمطلق علی المقید و إن کانا لیسا من متکلم واحد فی وجه قوی و هو الظاهر من إطلاق الأرض لأنّه فردها الظاهر و هو المتیقن من إرادته بعد الشک فی إرادة العام أو الخاص و بعد الشک فی المعنی الحقیقی و المجازی و بعد الإجمال الناشئ من الشک فی إرادة المعنی الخاص من المشترک اللفظی أو المعنوی لو کان أحدهما و هو الظاهر من الآیة بعد رجوع الضمیر فی (منه) إلی الصعید و هو الظاهر من قوله فی الصحیح (فلیمسح من الأرض) لظهور تبعیضیة الجار و الظاهر من الصحیح فی قوله (إن الله عز و جل جعل التراب طهوراً کما جعل الماء طهوراً)

ص: 316

و الصحیح الآخر (إذا کانت الأرض مبتلة لیس فیها تراب و لا ماء فانظر إلی أجف موضع تجده) و الخبر الآخر عن الرجل لا یصیب الماء و التراب أ یتیمم بالطین؟ قال: (نعم) و فی آخر (رب الماء رب التراب) و هو الظاهر من أخبار العلوق المشترط فی التیمم و هو الموافق للاحتیاط و وجوب الفراغ الیقین المسبب عن الشغل الیقین و الصعید أیضاً هو الأرض کما نص علیه جمع من اللغویین و الفقهاء و هو الموافق للإجماع المنقول علی إنه کذلک عند أهل اللغة و هو الموافق للأخبار الدالة علی جواز التیمم بالحجر علی وجه الإطلاق کالمروی عن علی (علیه السلام) أ یتیمم بالصفا البالیة علی وجه الأرض قال: (نعم) و فیه لا یجوز بالرماد لأنه لا یخرج من الأرض و الموثق فیمن تمر به جنازة و هو علی غیر وضوء قال: (یضرب بیدیه علی حائط لبن و یتیمم) و لا قائل بالفرق المؤیدة بفتوی المشهور و الإجماع المنقولین و هو الموافق للصحاح الآمرة بالتیمم بالأرض کقوله: (إن رب الماء هو رب الأرض) و قوله: (فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض) و هذا أقوی إلا أن الأول أقوی دلیلًا لأشهریة تفسیر الصعید بالتراب فی کلام أهل اللغة و لأقربیته من وجه الأرض حیث قالوا أن الصعید هو التراب لأنه یصعد من وجه الأرض و لظهور إرادة التراب ممن غبر بوجه الأرض أو الأرض من أهل اللغة و الفقهاء و الروایات لأن فردها الظاهر و الغالب و لظهور الأخبار فی إرادته غیر ما قدمناه کقوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فی الروایة المشهورة (خلقت لی الأرض مسجداً و ترابها طهوراً) و هی ظاهرة فی تخصیص الطهوریة بالتراب و قوله (علیه السلام): (الطین صعید طیب و ماء طهور) و قوله (علیه السلام): (ثمّ أهوی بیده إلی الأرض فوضعها علی الصعید) و لأن عمار تمعک فی التراب فأذری به الرسول (صلّی الله علیه و آله و سلّم) من حیث أنه تمعک و تمعکه فی التراب دلیل علی أن استعمال التراب کان معلوماً لدیهم إلی غیر ذلک من الأخبار الناصة علی التراب فحمل لفظ الصعید لو کان مجملًا أو کان مطلقاً و لفظ الأرض المطلق علی المقید مما لا محیص عنه لأولویته من حمل لفظ التراب علی إرادة الأعم منه و هو وجه الأرض لبعد إرادة العام من الخاص فی أبواب المحاورات و لبعد الأخذ بالمطلق علی إطلاقه و إبقاء المقید علی حاله فی الخطابات العرفیة و الشرعیة فالأقوی

ص: 317

الأخذ بأدلة وجوب التیمم بالتراب و حمل ما جاء فی الحجر و شبهه علی حالة الاضطرار و ینبغی أن یعلم أن المراد بالتراب ما قابل الحجر عرفاً فیدخل فیه التراب المتماسک و إن کان فی غایة الصلابة کالمدر و شبهه و لا یشترط فی التراب أن یکون هائلًا علی الأظهر نعم لو اشترطنا العلوق لزم الضرب علی هائل فی الجملة و هو بحث آخر غیر ما نحن فیه و لو سحق الحجر فعاد تراباً فإن صدق علیه اسم التراب صح به التیمم و إلا فلا و یمکن أن یقال أن الحجر بعد سحقه یکون تراباً مطلقاً و لکن علی تأمل.

ثانیها: یشترط إطلاق التراب

فلا یکفی التراب المضاف من أنواع الأرض أو مما نبت فیها أو مما خرج عنها و یشترط طهارته لقوله تعالی: (طَیِّباً)، و للاحتیاط و لأنه طهور و لفتوی الأصحاب و المشتبه المحصور یجب اجتنابه مع الاختیار و مع الاضطرار یحتمل الوجوب من باب المقدمة و یحتمل العدم إلحاقاً له بالماء لوجوب إراقته و الأول أقوی و یشترط إباحته لتعلق النهی بغیر المباح فتفسد العبادة و یشترط سلامته من خلیط لا یدخل تحت اسمه و لا یستهلک فیه و یشترط جفافه لانصراف لفظه إلیه و یشترط عدم الحائل بینه و بین الکف بحیث یستبین من تبن أو حب أو حصی کباراً و غیر ذلک و سیجی ء تمام الکلام إن شاء الله تعالی.

ثالثها: لو فقد التراب جاز التیمم بالحجر

للإجماع المنقول و فتوی الفحول و لأنه مع امتناع المقید یقوم مقامه المطلق و للأمر بالتیمم بالأرض مطلقاً فیحمل علی إرادة التراب مع الاختیار و غیره مع الاضطرار و للأخبار المجوزة للتیمم المحمولة علی حالة الاضطرار و الظاهر أنه لو دار الأمر بین التیمم به مسحوقاً و بینه غیر مسحوق قدم المسحوق منه لأقربیته من التراب بل یمکن القول بأنه بعد السحق یعود تراباً مطلقاً لاحتمال أن الحجر تراب اکتسب رطوبة و عملت فیه حرارة الشمس حتی تحجر فإذا انسحق عاد تراباً و یظهر من بعضهم أن الرمل و السبخ تراب ما عدا الملح الذی یظهر علی وجه السبخة فإنه لیس منه و ما عدا الحصی الکبار فی الرمل فإنه لیس منه إلا إذا أسحق فلا یبعد القول بصیرورته تراباً و الأحوط تجنبه بل الأحوط تجنب الأرض السبخة و إن نقل الإجماع علی جواز التیمم بها و الظاهر منه و لو فی الاختیار لقول أبی

ص: 318

عبیدة أن الصعید هو التراب الخالص الذی لا یخالطه سبخ و لا رمل و الأحوط بل الأظهر تجنب الرمل علی ما اخترناه و إن نقل الإجماع أیضاً علی جواز التیمم به علی وجه الإطلاق للصحیح الناهی عن الصلاة علی الزجاج لأنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان و لمقابلة الرمل بالتراب عرفاً و لقول الشاعر:

عدد الرّمل و الحصی و التراب

و علی القول بجواز التیمم بالأرض مطلقاً فلا إشکال و شبهة خروج الرمل عن مسمی الأرض ضعیفة جداً و روایة المسخ لا عامل علیها.

رابعها: تراب الخزف و الآجر و الطین المشوی لیس من التراب المطلق

بل یلحق بأصله فإن جوزنا التیمم بالأرض اختیاراً جاز و إلا فلا و احتمال أنها بالسحق تعود تراباً مطلقاً لا یبنی علیه و أما احتمال خروجها بالطبخ عن مسمی الأرض فلا یجوز التیمم بها مطلقاً واضح البطلان و یرده الاستصحاب و کلام الأصحاب و تراب الحصی المسحوق یلحق بأصله و لیس من التراب المطلق.

خامسها: تراب الحصی و النورة لیسا من التراب المطلق

لا قبل الطبخ و لا بعده کما یشهد به العرف و إن کان تراب النورة أقرب لصدق الترابیة من تراب الجص و ما جاء فی الخبرین من جواز التیمم بالجص و النورة و لا یجوز التیمم بالرماد لأنه لم یخرج من الأرض محمول علی إرادة الجواز فی الجملة و هو جائز عند فقد التراب المطلق کالأخبار الواردة فی جواز التیمم بالحجر و منع بعضهم من التیمم بهما مطلقاً لخروجهما عن الأرض و کونهما من المعدن و بعضهم منع من التیمم بهما مطلقاً بعد الإحراق لخروجهما بالطبخ عن مسمی الأرض و نسب للمشهور و یردهما حکم العرف بالأرضیة و الاستصحاب و الخبران المذکوران فی الباب إلا أن الاحتیاط و لزوم الفراغ الیقین من الشغل الیقین یقضی بالاجتناب.

سادسها: کلما خرج عن مسمی الأرض نبت فیها أم لا، لا یجوز التیمم فیه

کسحیق الإشنان و الدقیق و المعادن مسحوقة أم لا و الرماد إذا کان من غیر الأرض و سحیق الفحم إجماعاً و نصاً کتاباً و سنة و تجویز الإسکافی للتیمم بالمعادن لأنها تخرج

ص: 319

من الأرض شاذ لأن العبرة بمسماها لا بما یخرج منها و ما استند إلیه من مفهوم الخبر ضعیف سنداً و دلالة و أما رماد الأرض نفسها فالظاهر أنه کذلک لخروجه عن مسماها عرفاً و احتمال بقائه تحت مصداقها و إن جری علیه اسم آخر للاستصحاب ضعیف نعم لو شک بعد إحراق الأرض فی خروجها عن مسماها و تسمیتها رماداً کان الأصل عدم الخروج.

سابعها: لو فقد المتیمم التراب المطلق

وجب الرجوع إلی تراب الأرض مطلقاً و لو فقده وجب الرجوع إلی مسمی الأرض من حجر و غیره مما یسمی أرضاً فلو فقده وجوب الرجوع إلی التیمم بالغبار للإجماع المنقول و فتوی الأصحاب و الأخبار فمنها الصحیح عن المواقف إن لم یکن علی وضوء و لا یقدر علی النزول کیف یصنع قال: (یتیمم من لبده أو سرجه أو عرف دابته فإن فیها غباراً و لیصلِ) و فی آخر (فان کان فی ثلج فلینظر لبد سرجه فلیتیمم من غباره أو شی ء مغبر و إن کان فی حال لا یجد إلا الطین فلا بأس أن یتیمم به) و فی الموثق (ان کان الثلج فلینضر لبد سرجه فلیتیمم من غباره أو من شی ء معه و ان کان فی حال لا یجد الا الطین فلا بئس ان یتیمم به) و فی آخر (إذا کنت فی حال لا تقدر إلا علی الطین فتیمم به فإن الله أولی بالعذر إذا لم یکن معک ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه و تتیمم به) و الأقوی و الأظهر و الأشهر إن التیمم بالغبار مرتبة متأخرة عن التیمم فی الأرض و هو الذی تقضی به القواعد و نقل علیه الإجماع و دل علیه الصحیح (إذا کانت الأرض مبتلة لیس فیها تراباً و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتیمم منه و إن کان فی ثلج فلینظر لبد سرجه فلیتیمم من غباره أو شی ء مغبر فالقول بمساواة الغبار للتراب) لا یعتمد علیه و الاستناد إلی أنه تراب لا وجه له لأن الغبار حقیقة أخری مغایرة للتراب و لا أقل من الشک فی صدق اسم التراب المطلق علیه نعم لو فرض أن الغبار کثیراً و عرف أن أصله من التراب جاز التیمم به قطعاً و یجب تقدیمه علی الحجر قطعاً أو الخزف و الأقوی تأخیر مرتبة الطین عنه للأخبار المتقدمة و فتوی المشهور و ما تشعر به بعض الأخبار من تقدیم الطین علی الغبار ضعیف لضعفها سنداً و دلالة و الظاهر أن کیفیة التیمم بالغبار هو أن ینفض الثوب أو ما شابهه

ص: 320

حتی یعلو علیه شی ء من الغبار فیتیمم به و هو الظاهر من الأخبار و أما احتمال نفضه بحیث یطیر فی الهواء فیضرب علیه فی الهواء بعید کاحتمال أنه یکفی الضرب علی نفس المغبر من دون نفض له فإنه بعید أیضاً و الأظهر أنه لو علم أن الغبار الذی فی الموضع غیر تراب مطلق بل غبار نورة أو جص أو شبههما کان التیمم به فی المرتبة الثانیة و لو علم أنه غبار غیر الأرض من دقیق أو أشنان لم یجز به التیمم مطلقاً مع احتمال جوازه مطلقاً و کفایة صدق اسم الغبار علیه فتتساوی أفراده فی الحکم و الأقوی عدم لزوم الترتیب بین أفراد المضروب و إن ظهر من بعضهم لزوم الترتیب و النصوص ظاهرة فی عدم لزوم الترتیب بین أفراد المضروب و إن ظهر من بعضهم لزوم الترتیب و النصوص ظاهرة فی عدم لزوم الترتیب نعم ینبغی التحری لما کان أکثر غباراً فالأکثر و هکذا.

ثامنها: لو فقد التراب وجب التیمم بالوحل

و هو الطین و الأخبار المتقدمة و الإجماع نطقت به و کیفیته علی ما یظهر من الأخبار و هو ضرب الیدین علیه و المسح بهما سواء بقی علوق منه بالکف أو لم یبق و الأحوط بقاء شی ء من أثره بالکف فللمتیمم حینئذٍ أن یضرب یدیه علیه و یمسح بها وجهه و له أن یضرب یدیه علیه و یفرکهما حتی لا یبقی طین و یمسح وجهه و لو قدر علی تجفیف الطین بحیث یکون تراباً وجب لأنه فی المرتبة الأولی و لو قدر علی تجفیفه بحیث یخرج عن مسمی الطین إلی مسمی الأرض وجب أیضاً لأنهما فی المرتبة الثانیة و عن الشیخ (رحمه الله) فی التیمم فی الوحل انه یضع یده علی الوحل ثمّ یفرکهما و یتیمم به فإن رجع إلی ما ذکرناه أخذنا به و إلا طرحناه.

تاسعها: لو لم یوجد شی ء مما ذکرنا إلا الثلج

قیل و نسب للمشهور أنه یکون کفاقد الطهورین فلا یجب علیه استعمال الثلج و لا یجب علیه التأدیة للصلاة لانتفاء المشروط عند عدم القدرة علی الشرط و لأن الطهارة من شرائط الوجوب فإذا لم تحصل لم یجب مشروطها فالطهارة الترابیة أو المائیة من حیث هما شرط وجوب کالوقت و الطهارة المائیة فقط شرط صحته یجب لها البدل و القول بوجوب الأداء ضعیف و الاستناد إلی أن الصلاة لا تسقط بحال ضعیف أیضاً لأن ذلک فیما جعله

ص: 321

الشارع شرط صحة دون غیره إنما الکلام فی وجوب القضاء و عدمه فقیل بالعدم للأصل و لأن فوت الأداء لا یقضی بوجوب القضاء بل القضاء یحتاج إلی أمر مستأنف و قیل بوجوب القضاء و هو الأشهر نقلًا و الأحوط عملًا أخذاً بعمومات الأدلة الدالة علی أن من فاتته صلاة فلیقضها کما فاتته و صدق الفوت متحقق هاهنا علی الأظهر فظهر أن القول بوجوب الأداء فقط و القول بوجوب الأداء و القضاء و القول بعدم وجوبهما کله ضعیف و قیل یجب التیمم بالثلج للاحتیاط و لما ورد فی الصحیح فیمن أجنب و لم یجد إلا الثلج أو ماء جامداً قال: (هو بمنزلة الضرورة یتیمم) و القول الأول أقوی للأصل و فتوی المشهور و ضعف الروایة دلالة لاحتمال الأمر بالتیمم بغیره نعم لو أمکن إذابة الثلج بحیث یمکن الغسل به وجب قطعاً و لو أمکن أخذ نداوة منه بحیث یبل بها الأعضاء من دون إجراء أو أمکن مسح الأعضاء بحیث یؤثر فیها انتشاراً للرطوبة فهل یجب ذلک و یقدم علی التیمم لعموم (لا یسقط) و (ما لا یدرک) و لعدم القطع بدخول الجریان فی مفهوم الغسل لغة و شرعاً و لظاهر صحیح (علی بن جعفر) عن المجنب أو علی غیر وضوء و لم یجد إلا ثلجاً أو صعیداً أیهما أفضل یتیمم أم یمسح بالثلج وجهه قال: (الثلج إذا بل رأسه و جسده أفضل و إن لم یقدر علی أن یغتسل به تیمم) و نحوه غیره و فی آخر فیمن لا یجد إلا الثلج قال: أدلک به جلدی قال: (نعم) أو لا یجب للأصل و للشک فی شمول العموم لمثل هذا المقام و لضعف الروایات دلالة لقوله فی الأولی (و إن لم یقدر علی أن یغتسل یتیمم) فهو قرینة علی إرادة الغسل من لفظ (بل رأسه و جسده) و علی إرادة الإیجاب فی قوله (أفضل) و لاحتمال إرادة الغسل فی لفظ الدلک لحصول الجریان من الثلج إذا مس الجلد بحرارة و هذا هو الأقوی و الأحوط الجمع بین المسح بالثلج و التیمم و الصلاة ثمّ الغسل.

القول فی کیفیة التیمم

اشارة

و فیه مباحث:

أحدها: تجب فی التیمم النیة

للإجماع و لأنه عبادة بالمعنی الأخص فیجب فیها النیة إجماعاً و لأن الفراغ الیقین فی العبادة موقوف علیها و لأن ما یشک فی شرطیته شرط و هی عبارة عن قصد الفعل فی الجملة مع نیة القربة و العبودیة و الامتثال لحضرة

ص: 322

ذی الجلال و لا یجب فیها نیة الوجه من وجوب و ندب بل لو نوی الخلاف فلا بأس به إلا أن یجعل نیة الخلاف وصفاً للمنوی فالأظهر البطلان لتأدیته إلی نیة عمل غیر مشروع و قصد فعل لا یمکن وقوعه و لو من جهة النیة و هل تجب نیة الاستباحة؟ الظاهر عدم الوجوب، لان الاستباحة کالرفع من الآثار المترتبة علی نفس الفعل قهراً فلا حاجة إلی نیتها و احتمال لزوم نیة الاستباحة لتشخیص المنوی عن غیره لاشتراک التیمم بین المبیح و غیره ضعیف لأن التیمم عند عدم التمکن من الماء لا یکون إلا مبیحاً و عند التمکن منه لا یکون إلا صوریاً و لا تجب نیة رفع الحدث لأن التیمم غیر رافع حقیقة إجماعاً إلا إذا أرید من الرافع رفع المانعیة عن فعل المشروط به إلی زمن انتفاضه فإنه یصح و لکن یغنی عنه نیة الاستباحة بل هو معناه و لو نوی الرفع الحقیقی به لغت نیته و صح عمله عمداً أو جهلًا أو نسیاناً إذا جعل الرفع غایة له ما لم تدخل تحت عبادة الجاهل و لو جعل نیة الرفع وصفاً له فنوی التیمم الرافع کان القول بالفساد قویاً نعم لو ضمها إلی الاستباحة توجهت الصحة ترجیحاً لجانب الصحة مهما أمکن و هل یجب فیه نیة البدلیة مطلقاً لقوله (إنما الأعمال بالنیات) أو لا یجب مطلقاً لحصول المنوی فی الجملة فلا حاجة إلی أمر آخر أو الفرق بین ما إذا قلنا باتحاد صورة التیمم مطلقاً فلا یحتاج لأنه ماهیة واحدة یقع أثرها بحسب ما تصادفه فإن کان أصغر استبیحت به الصلاة عن الأصغر و إن کان أکبر استبیحت به الصلاة عن الأکبر و بین ما إذا قلنا باختلاف صورته فضربة للبدل عن الوضوء و ضربتان للبدل عن الغسل فیحتاج إلی نیة البدلیة لکونهما ماهیتین مختلفتین فیجب تمییز أحدهما عن الآخر أو الفرق بین ما إذا وجب علی المکلف تیممان فیجب نیة البدلیة للتمییز و بین ما لم یجب إلا واحد فلا یجب لانصرافه إلیه و أصالة عدم وجوب التعیین وجوه أحوطها بل أظهرها الأخیر و یجوز تداخل التیممات عن أغسال متعددة یصح فیها التداخل لعموم البدلیة و یجب استدامة حکم النیة کما تقدم فی الوضوء و یجب مقارنتها لأول أجزاء التیمم فإن کان هو الضرب وجب مقارنتها للضرب و إن کان غیره وجب مقارنتها له أیضاً و علی القول بأن النیة هی الداعی یسهل الخطاب غایة السهولة.

ص: 323

ثانیها: یجب المباشرة فی التیمم

للإجماع و الاحتیاط و التأسی و العمل المعهود و ظاهر الخطاب و عدم تیقن الفراغ بغیره إلا مع العجز فتجوز التولیة بمعنی أن یرفع أعضائه شخص ثمّ یمسح بهما و إن لم یمکن تولی غیره الضرب بیدیه و مسح أعضائه بها کتیمم المیت و الأول هو المقدم لأنه هو المتیقن به فراغ الذمة بعد شغلها.

ثالثها: تجب الموالاة فی التیمم مطلقاً

سواء کان بدلًا عن الغسل أو الوضوء و المراد بها الموالاة العرفیة لا الحکمیة و الدلیل علی وجوب الموالاة الاحتیاط و لأنه المعهود و المتیقن للفراغ و لظاهر الإجماع المنقول و لفتوی المشهور من الفحول و للتأسی بما فعله الأئمة (علیهم السلام) فی مقام البیان للنقل عنهم (علیهم السلام) أنهم تابعوا فی تیممهم و لظاهر الآیة وقع العطف فیها بالفاء المقتضیة لتعقیب العمل المرکب و لا یتم إلا بمعاقبة أجزائه بعضها ببعض و هذا لا یخلو من نظر.

رابعها: یجب الترتیب بین الأعضاء الآتی ذکرها إن شاء الله تعالی

للإجماع المنقول و فتوی جمهور الفحول و لظاهر الآیة فی تقدیم الوجه أما لأن الواو للترتیب أو لقوله (علیه السلام): (ابدءوا بما بدأ الله تعالی) و للأخبار الظاهرة فی الترتیب فی الضرب ثمّ مسح الوجه ثمّ مسح الیدین و فی الخبر المعتبر أنه مسح الیسری علی الیمنی و الیمنی علی الیسری و هو ظاهر فی الترتیب فی مقام البیان و لقیامه مقام ما یجب ترتیبه بل ربما یدعی أن عموم المنزلة یقضی به أیضاً یجب الابتداء بالأعلی بالنسبة إلی الأجزاء الآتیة إن شاء الله تعالی للاحتیاط و فتوی الأصحاب و الفراغ الیقین و عموم المنزلة و التأسی بالمعلوم من فعلهم و فعل التابعین لهم و إن لم یصرحوا به لفظاً بل ربما کان معلوماً لدیهم فی الزمان السابق و لقوله فی بعض الروایات فمسح وجهه و یدیه فوق الکف قلیلًا و هی ظاهرة فی الابتداء بالأعلی و لا قائل بالفصل.

خامسها: یشترط طهارة الأعضاء الماسحة و الممسوحة

للاحتیاط و لفحوی البدلیة و لتوقف الفراغ الیقین علیه و لفحوی اشتراط طیب التراب و لو لم یمکن إزالة النجاسة وجب المسح علی النجس إلا إذا أدی النجس إلی سرایته النجاسة إلی التراب فإنه یسقط حکم التیمم و ترجع المسألة إلی حکم فاقد الطهورین و لو کانت علی محال التیمم

ص: 324

جبیرة طاهرة وجب المسح علیها لعموم المنزلة و البدلیة عن الوضوء و الغسل و إن کانت نجسة وضع علیها طاهرة و مسح علیها.

سادسها: یجب علی المتیمم ضرب الیدین علی الأرض

سواء کانت الأرض فوق الیدین أو تحتها أو مسامتة لهما و الأخبار للإجماع و الاحتیاط الواجب و للتأسی و لأنّه المعهود فلا یکفی استقبال العواصف و لا ضرب الأرض علی الیدین و لا وضع تراب علیهما و لا غیر ذلک و نعنی بالضرب هو الوضع علی الأرض باعتماد سواء حصل له صوت أو لا و الظاهر أنه لا یکفی مجرد الوضع للمتمکن من الضرب لکثرة التعبیر بالضرب فی الفتوی و الروایة فیحمل علیه ما جاء بلفظ الوضع حملًا للمطلق علی المقید و لکونه هو المعهود و للاحتیاط فی مقام فراغ الذمة و إن کان القول بجواز مجرد الوضع لحصول الغرض منه بالمماسة و لإطلاق الآیة و حمل ما دل علی الضرب علی الاستحباب قوی إلا أن الأول أقوی و یجب أن یکون بالیدین معاً للأخبار و فتوی الأصحاب و للتأسی و کونه المعهود و یجب أن یکون دفعة لا مرتباً لظاهر الأخبار فإن من وضع یدیه و ضرب بکفیه و تضرب بکفیک هو الدفعة و الإطلاق منصرف إلیه لأنه المعهود من فعل الأئمة (علیهم السلام) و الإمامیة و یقضی به الاحتیاط و یجب أن یکون الضرب بکلتا الیدین بباطنهما لأنه هو المنصرف إلیه الإطلاق و هو المعهود من فعلهم (علیهم السلام) و هو الموافق للاحتیاط و لو تعذر الباطن وجب الانتقال إلی الظاهر لعموم (لا یسقط) و (ما لا یدرک) و ربما شمله إطلاق الآمر بالیدین لتوجهه إلی المختار و المضطر فالمختار بباطنهما و المضطر بظاهرهما و مقطوع الید یکتفی بالواحدة لعموم (لا یسقط) و للاحتیاط و مقطوعهما ینتقل إلی الزند للعموم المذکور و للاحتیاط و القول بانتقاله إلی أن تیممه غیره قوی أیضاً و الأحوط الجمع و القول بسقوط مسح الجبهة فقط هاهنا لعدم الأمر بها فقط فیسقط فرض الصلاة بسقوطها ضعیف و یجب استیعاب الکفین عند الضرب لظاهر الأخبار و الاحتیاط و لأنه المعهود، نعم یستثنی من ذلک ما لا یصل إلی الأرض عادة عند الضرب من الأجزاء الداخلة فی الکف الشبیهة بالبواطن لجریان السیرة علی عدم التفحص عنها و لا یجب کون الضرب علی الأرض نفسها بل لو

ص: 325

وضع التراب فی إناء لأجزأ الضرب علیه قطعاً بل أکثر المرضی لا یتمکنون إلّا من ذلک و لا یشترط العلوق کما ذهب إلیه المشهور للأصل و خلو الأخبار عن الأمر به فی مقام البیان و لاستحباب النفض المدلول علیه بالفتوی و الروایة فلو کان العلوق معتبراً لما أمر بما کان عرضة لزواله و لجواز التیمم بالحجر أما بالمرتبة الأولی أو الثانیة و الغالب خلوه عن التراب العالق و لأن الضربة الواحدة کافیة و الغالب عدم بقاء شی ء منها لمسح الیدین و الظاهر من المشترطین للعلوق هو اشتراط المسح به لا مجرد نفس کونه عالقاً عند الضرب و قیل باشتراطه بل و لزوم المسح به لروایة زرارة و فیها فلما أن وضع الوضوء عن من لم یجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً لأنه قال (بوجوهکم) ثمّ وصل بها (و أیدیکم منه) أی من ذلک التیمم لأنه علم أن ذلک أجمع لا یجری علی الوجه لأنه یعلق من ذلک الصعید ببعض الکف و لا یعلق ببعضها و ظاهر الآیة أن (من) للتبعیض کما صرح به (صاحب الکشاف) و إن المراد بالتیمم الراجع إلیه ضمیر الجار هو (المتیمم به) لأنّ (من) لابتداء الغایة (و الضّمیر) للمعنی المصدری أو (المتیمم منه) الذی هو الصعید و یؤید الروایة الاحتیاط و یقین الفراغ به و کون التراب بمنزلة الماء فیجری علیه ما یجری علی الماء من لزوم تأثیره فی المحل بل ربما یقال أن الظاهر من أخبار التیمم و الأمر باستعمال التراب و وصفه بالطهوریة و غیر ذلک هو أن المسح به و إن استعماله علی نحو استعمال الماء و لا ینافی ذلک جواز التیمم بالحجر عند فقد التراب لأنا نشترط أیضاً استعمال حجر له تأثیر فی الید مهما أمکن نعم لو لم یمکن جاز استعماله فی المرتبة الثانیة و یمکن الاستدلال علیه بقوله (علیه السلام): (ثمّ مسح وجهه و کفیه و لم یمسح الذراعین بشی ء) و بأن استحباب النفض دلیل علی لزوم العلوق لأن النفض لا یزیله أصلًا بل یزید ما یؤدی للتشویه فالأمر بالنفض فی الروایة ظاهر فی ملازمته للضرب للأمر به بعده فیفهم منه لزوم العلوق معه لأنه إن اتفق العلوق استحب النفض و هو ظاهر و حینئذٍ فاشتراط العلوق أقوی و اشتراط المسح به أیضاً قوی و هو الأحوط.

ص: 326

سابعها: ذهب جمع من أصحابنا و نسب للمشهور إلی کفایة الضربة الواحدة للوجه و الکفین فی الوضوء

و وجوب التعدد مرتین فی الغسل مستندین إلی مناسبة الخفیف للأخف و الثقیل للأثقل و للاحتیاط فی الجملة و للجمع بین الأخبار الدالة علی المرة بحملها علی الوضوء و الدالة علی المرتین بحملها علی الغسل و بما رواه فی المنتهی عن الشیخ فی الصحیح عن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله (علیه السلام) (إن التیمم من الوضوء واحدة و من الجنابة مرتان) و بما روی فی الصحیح عن التیمم قال: (هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة تضرب بیدیک مرتین ثمّ تنفضهما نفضة للوجه و مرة للیدین) و بالإجماع المنقول فی الأمالی بأنه من دین الإمامیة و فی الجمیع نظر لضعف التعلیل عن جعله من الدلیل و لمعارضته الاحتیاط باحتیاط أقوی منه یظهر لک من الأدلة إن شاء الله تعالی و لعدم ثبوت روایة المنتهی فی جمیع الکتب فلا یحصل ظن بل شک بصحتها فالظاهر أنه اشتباه بالروایة الأخری و لإجمال الروایة الأخری لاحتمال کون الواو (فی) (و الغسل) معطوفاً علی الوضوء لا استئناف و هو مقتضی للتسویة بینهما و یکون دلیلًا علی المرتین لهما معاً أما علی المذهب المعروف بحمل النفضة و المرة علی الضربة أو علی ما لا یقوله أحد بجعل الضربتین متلاحقتین متقدمتین و توزیع النفضتین علی الأعضاء الثلاثة فی المسحین و لعدم ثبوت الإجماع المنقول أما لعدم کون لفظ من دین الإمامیة من ألفاظه و أما لعدم تحققه مع مخالفة الأساطین له و لورود الموثق و الرضوی بالمنع من التفرقة بین تیمم الوضوء و الغسل و إنهما سواء فظهر بذلک ضعف القول بالتفصیل و ذهب جمع من الفحول إلی اتحاد الضربة للمسحین للأخبار البیانیة الواردة فی کیفیة التیمم من حیث هو و فی کیفیته فی مقام الجنابة الخالیة عن ذکر الضربة الأخری فمنها الصحیح فی وصف التیمم (ثمّ أهوی بیدیه إلی الأرض فوضعها علی الصعید ثمّ مسح جبینه بأصابعه و کفیه إحداهما بالأخری ثمّ لم یعد ذلک) و الظاهر أن التتمة من کلام الإمام (علیه السلام) و إن المراد بما لا یعاد هو الضرب لأنه هو الملحوظ فی البیان و منها الموثق عن التیمم (و ضرب بیدیه الأرض ثمّ رفعها فنفضها ثمّ مسحها علی جبهته و کفیه مرة واحدة) و نحوه الآخر و الظاهر الواحدة و لبیان الضرب لأنه محل

ص: 327

التوهم بین العامة و الخاصة دون المسح له و لا توهم فی تکراره سیما و السائل عن مثل ذلک زرارة و اشباهه و هم من أفقه الناس فلا یتوجه سؤالهم إلا عما کان مشتبهاً علیهم لا ما کان معلوماً عندهم عدمه کالمسح علی جمیع البدن أو المسح متعدداً علی أن وحدة الضرب منقول عن علی (علیه السلام) و ابن عباس و عمار و قد نقله العامة و هو دلیل علی أنه معروف بین علماء الإمامیة کما أن غیره معروف أنه من مذهب العامة و ذهب جمع من أصحابنا إلی تعدد الضرب مطلقاً فی وضوء و فی غسل للاحتیاط و لأن المشکوک بجزئیته فی مقام العبادة جزء و بشرطیته شرط و للصحیح عن التیمم قال: (مرتین للوجه و الیدین و الآخر التیمم ضربة للوجه و ضربة للکفین و الجزء الآخر (تضرب بکفیک علی الأرض مرتین ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهک و ذراعیک) و الآخر (تضرب بیدیک مرتین ثمّ تنفضهما نفضة للوجه و مرة للیدین) و فی الجمیع نظر لمعارضة الاحتیاط باحتیاط الموالاة و احتیاط التشریع و معارضة الأخبار بالأخبار المتقدمة و هی مرجوحة بالنسبة إلیها لموافقتها لفتوی أکثر العامة سیما و فی بعضها الذراعین و هو من مذهبهم و لضعف دلالة کثیر منها علی الکیفیة المعهودة من المرتین بل الظاهر من بعضها أن الضربتین متقدمتان و متلاحقتان و من بعضها أن الضربتین خاصة بالبدل عن الغسل و فی بعضها الإجمال لاحتمال المرتین للضرب و احتمالها للمسح و احتمالهما لبیان القول و فی بعضها احتمال إرادة المسحتین من الضربتین لصدق الضرب علیه فحمل هذه الأخبار علی التقیة أو علی الاستحباب أولی و ذهب بعض إلی تثلیث الضرب موزعاً علی المسح تمسکاً بروایة شاذة لم یعمل علیها أحد ممن یعتمد علیه و الأحوط الإتیان بالضربتین لعدم تحقق فوات الموالاة بالضربة المتوسطة بل الظاهر عدم فواتها و أحوط منه ضربة للوجه و الیدین ثمّ ضربة للیدین و أحوط منه أن یؤتی بتیممین أحدهما یشتمل علی ضربة و الآخر علی ضربتین.

ثامنها: یجب مسح الجبهة

إجماعاً منقولًا بل محصلًا و شهرة محصلة و هو مقطوع به من النص و الفتوی إنما الکلام فی وجوب الزیادة علیها فالمشهور لزوم الاقتصار علیها و من فقهائنا القدماء من أضاف إلیها الحاجبین و الجبینین و منهم من أضاف إلیها

ص: 328

باقی الوجه مخیراً بینها و بینه أو معیناً للوجه دونها و الأخبار فی ذلک مختلفة فمنها ما تضمنت مسح الوجه و هی أکثرها و منها ما تضمن لفظ الجبین مفرداً و هی جملة أخری و منها ما تضمنت لفظ الجبینین تثنیة و منها ما تضمن فی نسخة التهذیب لفظ الجبهة و فی نسخة التهذیب الأخری و نسخ الکافی لفظ الجبین و الجمع بینها بقرینة فتوی المشهور و ضعف القول بما دلت علیه الأخبار و شذوذ القول باستیعاب الوجه و عدم القول بوجوب جبین واحد و بالإجماع المنقول علی نفی الزائد علی الجبهة التی هی من القصاص إلی طرف الأنف و بالمحکی عن العمانی من تواتر الأخبار بمسح الجبهة و الکفین فی تعلیم عمار و بالرضوی تمسح بها وجهک موضع السجود من قدام الشعر إلی طرف الأنف الحمل علی إرادة الجبهة من لفظ الجبین و لفظ الوجه لاستعمال لفظ الجبین فی الجبهة و کذا لفظ الجبینین و قد ورد فی المعتبرة استعماله کذلک کالموثق (لا صلاة لمن لا یصیب أنفه جبینیه) و نحوه غیره و کذا استعمال لفظ الوجه فیها عرفاً و شرعاً کالصحیح (خر وجهک إلی الأرض من غیر أن ترفعه) و قوله (أنی آجر أن أضع وجهی موضع قدمی) و یؤیده إرادة الجبهة من الوجه خصوص الصحیح المفسر للآیة الدالة علی أن الباء للتبعیض و الأحوط المسح علی الجبینین مع الجبهة أخذاً بالمجمع علیه من الجبهة و بما دلت علیه أخبار الجبینین و لأن استعمال لفظ الجبینین فیما یعم الجبهة و الجبینین أکثر من استعماله فیما یخص الجبهة و لظاهر إجماع الأمالی علی وجوب مسح الجبینین و للتخلص من شبهة الخلاف و أحوط منه إضافة الحاجبین للمرسل (یمسح الرجل علی جبینه و حاجبیه) و للتخلص من شبهة فتوی الصدوق بهما و لقربهما للإتیان بهما من باب المقدمة و احتیاط الوجه لا وجه له و الواجب المسح بباطن الکفین لأنه هو المعهود و المنصرف إلیه إطلاق الفتوی و الروایة و أن یکون بهما جمیعاً للأخبار الدالة علی المسح بهما معاً و الظاهر منها هو الدفعة و المعهود ذلک أیضاً و لا یشترط تنصیف الممسوح علی الکفین بحیث یأخذ کل منهما نصفاً لعدم الدلیل و عدم معهودیته بخصوصه و الإطلاق یقضی بنفیه.

ص: 329

تاسعها: یجب مسح ظاهر الکفین إلی رءوس الأصابع ما عدا ما لا یصل إلیه المسح

بحیث یکون کالباطن للأخبار الدالة علی وجوب مسح الکفین و الإجماع المحکی علیه و فتوی المشهور به و الظاهر من الکل هو الظاهر و هو المعهود من فعلهم و من السیرة المعلومة و علی الکفین بحمل ما جاء بوجوب مسح الیدین و ما جاء بمسح الذراعین شاذ لم یعمل به إلا شاذ من أصحابنا فأما أن یحمل علی إرادة الکفین لعلاقة المجاورة أو یطرح أو یحمل علی التقیة کما یحمل ما جاء من المسح ببعض الکف من موضع القطع علی موضعه عند العامة من أصل الکف لا من رءوس الأصابع فالقول بلزوم المسح من أصول الأصابع لذلک ضعیف جداً و الواجب المسح بباطن الکف علی ظاهر الأخری و الواجب أیضاً استیعاب ظهر الکف لظاهر الأخبار لأن المسح یقضی بالاستیعاب و لأنه المعهود و للإجماع المنقول و یجب تقدیم الیمنی علی الیسری لأنه المعهود و للتأسی و لعموم المنزلة و لأن الله یحب التیامن فی کل شی ء و للإجماع المنقول و فتوی المشهور و الاحتیاط و لا یجب استیعاب الماسح للمسح للأصل و عدم الشک المعتبر من روایة أو فتوی بخلافه و لأن إطلاق الماسح لا یقضی بالاستیعاب فالأقوی عدم وجوب استیعاب الماسح للمسح سواء فی ذلک الجبهة و الیدان لما قدمنا و للخبر (ثمّ مسح جبینه بأصابعه و لصعوبة استیعاب الماسح فی المسح سیما فی الجبهة نعم الأولی جر الماسح علی الممسوح من أوله حتی ینتهی بجره إلی آخره و لو تعذر المسح علی ظاهر الکفین انتقل إلی باطنهما لعموم (لا یسقط) و للاحتیاط مع احتمال سقوط المسح علی الکفین و الاجتزاء بالجبهة و یکفی المسح علی ظاهر الشعر مطلقاً لخلو الأخبار عن وجوب تخلیله فی مقام البیان و للسیرة علی عدم التخلیل سواء فی ذلک شعر الوجه و غیره و التیمم عن الجنابة و غیره و یجب المسح علی ما نبت فی محل المسح من ثآلیل و غدد و ید أصلیة أو زائدة لعموم (و أیدیکم) و للاحتیاط و لا یجب تطهیر البدن قبل التیمم من غیر محال المسح من ماسح أو ممسوح للأصل و خلو الأخبار البیانیة و لعدم وجوبه فی المبدل عنه و لو قلنا بوجوبه فی غسل الجنابة لا نقوله هاهنا لما ذکرناه

و هاهنا مسائل:

اشارة

ص: 330

أحدها: یجری فی التراب ما یجری فی الماء

من وجوب السعی إلیه و من وجوب شرائه و لو بأضعاف ثمنه و من وجوب طلبه إلی وقت الضیق فینتقل إلی المراتب الأخر مع احتمال التمسّک بالأصل عند عدم وجوده و احتمال إجراء حکم الماء علیه من طلبه غلوة أو غلوتین و یجری فی انتقاله إلی مراتبه الأخر من جهة الموانع ما ذکرناه من الانتقال إلیه من جهة موانع الماء.

ثانیها: الأظهر و الأشهر و الذی دلت علیه الأخبار من أن (التیمم بمنزلة الماء)

و أنه (یکفیک الصعید عشر سنین) و أنه (جعل التراب طهوراً کما جعل الماء طهوراً) و أنه (غسل المضطر و وضوئه) إن التراب کالماء فکلما یکون استعمال الماء سبباً لاستباحته یکون استعمال التراب علی الوجه المخصوص سبباً لاستباحته فیجوز التیمم للصلوات المفروضة الیومیة و غیرها من کسوفیة و خسوفیة قضائیة و أدائیة سواء قلنا بمضایقة وقت القضاء أو لا أو غیر مفروضة من نافلة راتبة أو ابتدائیة أو ذات سبب کصلاة الاستسقاء و الزیارة و نحوهما و لغیر الصلوات کمس مصحف أو قراءة عزائم أو سجود سهو أو دخول للمسجدین أو الحضرات المشرفة أو لبث فی غیرهما من المساجد أو للکون علی الطهارة أو لتکمیل بعض الغایات أو لغیر ذلک و بالجملة فکلما یستباح بالطهارة المائیة یستباح بالطهارة الترابیة و لکن هذه العمومات و الإطلاقات کلها واردة مورد التیمم الشرعی الصحیح إجماعاً فلا یصح التمسک بها لإثبات ماهیة التیمم و صفاته أو أجزائه أو نفی جزء أو شرط أو وصف أو قید مشکوک به لأن أدلة التیمم الشرعی واردة علی تلک العمومات و هو مجمل لوضعه للصحیح علی الصحیح فتعود کلها مجملة بالنسبة إلیه نعم بعد حصول التیمم الشرعی یصح التمسک بها لإثبات الأثر المترتب علی المائیة الصحیحة لأنه بمنزلته فظهر ما ذکرنا صحة الاستدلال بالعمومات علی استباحة التیمم لکل ما یستباح بالمائیة و لا یصح الاستدلال بها علی نفی تقییده بوقت أو وصف أو شرط أو غیر ذلک و حینئذ فلو شککنا فی صحة التیمم للعبادة المؤقتة قبل وقتها منعنا صحتها و لم یکن لنا التمسک بالعمومات فلا یصح التیمم لفریضة أو نافلة قبل وقتها و یصح فیما لا وقت له عند إرادة فعله لا قبله بکثیر کالنوافل

ص: 331

المبتدئة و مس المصحف و غیر ذلک لأنه هو المتیقن و المعهود و یصح فیما له سبب کالزلزلة و الزیارة و الاستسقاء و الجنازة عند حصول هذه من تجهیز المیت و الخروج إلی الصحراء أو الدخول إلی الحضرة و یصح و إن لم یترتب علیه المسبب استصحاباً لصحته بعد مشروعیته من غیر تفاوت فی الحکم بین مسوغات التیمم من فقدان ماء أو خوف مرض أو عطش أو غیر ذلک.

ثالثها: ظهر مما قدمنا أن من تیمم تیمماً مشروعاً جاز له الدخول فیه فی کل مشروط بالطهارة

ما لم ینتقض تیممه بأحد النواقض للاستصحاب و لعمومات الأدلة و لخصوص الصحیح یصلی الرجل بتیمم واحد صلاة اللیل و النهار قال: (نعم) و الآخر فی الرجل یتیمم قال: (یجزیه ذلک إلی أن یجد الماء) و الآخر عن الرجل لا یجد الماء أ یتیمم لکل صلاة؟ قال: (لا هو بمنزلة الماء) و ما ورد فی الصحیح من الأمر بالتیمم لکل صلاة یراد به کفایة التیمم لکل صلاة عند الحدث کقوله: (یجزیک الصعید عشر سنین) و خبر السکونی أن التیمم لا یتمتع به إلا صلاة واحدة و نافلتها لا یسکن إلیه فی معارضة ما قدمنا فیحمل علی التقیة لموافقته لمذهب العامة.

رابعها: ظهر مما قدمنا جواز اللبث فی المساجد للجنب المتیمم

للعمومات المتقدمة و فتوی الأصحاب خلافاً لفخر المحققین حیث منع استناد الآیة حیث أن الله تعالی منع القرب إلیها و جعل الغایة الاغتسال و أراد بالصلاة مواضعها و إلا للزم التکریر لذکره لها بعد ذلک و للأخبار المشعرة بذلک و الجواب إن ذلک عام مخصوص بما قدمناه و ظهر أیضاً مما قدمناه وجوب تیمم المجنب للصوم لعموم المنزلة و لأن الغسل ماء فهو بمنزلته و لأنه من جملة ما یقع فی العشر سنین مما استظهر (صاحب المدارک) من الفرق بین ما یتوقف استباحته علی الطهارة المائیة فإنه یستباح به التیمم لعموم الأدلة و بین ما یتوقف علی نوع خاص منها کالغسل للصوم فلا یستباح به إذ لا ملازمة بینهما غیر ظاهر و علی نحو حمل کلامه و بأی طور فسر فهو منظور فیه.

خامسها: ظهر مما ذکرنا عدم جواز التیمم لفریضة قبل وقتها

و جوازه مع الضیق و إلا لانتفت فائدته إنما الکلام فی جوازه مع السعة فقیل بالجواز مطلقاً و قیل بالمنع مطلقاً

ص: 332

و قیل بالتفصیل بین الیأس من الماء أو البئر فیجوز مع السعة و بین الرجاء فلا یجوز و الظاهر أنه لا فرق فی الحکم بین کون المسوغ للتیمم هو فقدان الماء أو غیره من الأسباب لظاهر الاتفاق و المنقول من الوفاق و إن کان الظاهر من الأدلة و الفتاوی تخصیص الخلاف بالفاقد احتج أهل التوسعة بقوله تعالی: (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلٰاةِ)، حیث أوجب التیمم عند إرادة القیام من غیر تفصیل بین السعة و الضیق و الجواب عنه بأن الاستدلال بها موقوف علی جواز إرادة المکلف للصلاة حال السعة و هو أول الکلام مدفوع بأن تحریم الإرادة لا یستلزم عدمها و الحکم معلق علی وجودها لا علی تحلیلها و تحریمها و الحق إن الآیة من قبیل المجمل لأن المأمور به هو التیمم الصحیح و کونه فی السعة صحیحاً أول المسألة و استندوا أیضاً لإطلاقات الکتاب و السنة الدالة علی دخول الوقت بالزوال و نحوه و یتیمم العاجز استعمال الماء و الصلاة بعده من دون تقیید و فیه نظر لأن جمیعها مقید بالتیمم الصحیح و فی کون التیمم صحیحاً مع السعة أول الکلام و استندوا إلی لزوم العسر و الحرج فی لزوم التأخیر غالباً سیما للاعوام الغیر العارفین آخر الوقت من انتصاف اللیل و شبهه و سیما لأهل الأمراض و الأغراض الذین یشق علیهم التأخیر و إلی لزومه لتفویت کثیر من المندوبات و الأعمال و فیه أنه لا حرج و لا عسر فی التأخیر لسهولة الطریق إلی معرفة الوقت الأخیر غالباً و ما لم یعرف بالقطع فالطریق إلیه الظن و لا یلزم من التأخیر فوات المندوبات لأن المندوبات یجوز التیمم لها عند ضیق وقتها أو عند الحاجة إلیها بل یجوز فی السعة علی وجه لاختصاص ظاهر الأخبار بالفریضة بل إن التیمم لها مما یسوغ الدخول فی الفریضة لجواز صلاة الفریضة بالتیمم لغیرها فی حال السعة علی الأقوی علی أن هذا المستدل ممن یقول بمضایقته لقضاء و عدم جواز الأداء لمن علیه قضاء و لم یرکن إلی هذا الدلیل للقول بخلافه و استندوا للأخبار الخاصة الدالة علی أنّ من تیمم و صلی فی السعة لا شی ء علیه و لو کانت صلاته باطلة لوجبت علیه الإعادة و لزمه القضاء ففی الخبر أتیمم و أصلی ثمّ أجد الماء و قد بقی علی وقت قال: (لا تعد الصلاة) من دون استفصال فی أن التیمم کان مع ظن الضیق أو مع عدمه و الموثق فی رجل تیمم و صلی ثمّ أصاب الماء

ص: 333

و هو فی وقت قال: (مضت صلاته) و الظاهر منها أن قوله (و هو فی وقت) قید لإصابة الماء لا للتیمم و الصلاة لخلو القید عن الفائدة و فی الآخر فیمن لا یجد الماء و تیمم و صلی ثمّ أتی بالماء (و علیه شی ء من الوقت) یمضی علی صلاته أم یتوضأ و یعید قال: (یمضی) فإن الظاهر من قوله و علیه شی ء من الوقت و من قوله (و یعید) بقاء الوقت و الموثق فیمن تیمم و صلی ثمّ أصاب الماء و هو فی وقت قال: (قد مضت صلاته) و فی الموثق الآخر ثمّ بلغ الماء قبل أن یخرج الوقت قال: (لیس علیه إعادة الصلاة) و هما ظاهران فی أن القید لبلوغ الماء و إصابته لا للصلاة و الصحیح أصاب الماء و قد صلی بتیمم و هو فی وقت قال: (تمت صلاته و لا إعادة علیه) و الصحیح الآخر عن رجل یأتی الماء و هو جنب و قد صلی قال: (یغتسل و لا یعید الصلاة) و الصحیح الآخر أجنب فتیمم بالصعید و صلی ثمّ وجد الماء قال: (لا یعید) و فی الآخر (فإذا وجد الماء فلیغتسل و لا یعید) إلی غیر ذلک من الأخبار الظاهرة فی ذلک و الصریح جملة منها و لا یعاد منها الصحیح فیمن تیمم و صلی فأصاب بعد صلاته ماء قال: (إذا وجد الماء قبل أن یمضی الوقت توضأ و أعاد و إن مضی الوقت فلا إعادة) و الموثق فیمن تیمم و صلی ثمّ أصاب الماء قال: (أما أنا أنی کنت أتوضأ و أعید) لحملها علی الندب سیما و الأخیر ظاهر فیه علی الإعادة فی الأول لمکان نفس الصلاة بتیمم فتکون مندوبة لا لفعلها فی السعة و إلا لکانت باطلة علی القول بالمضایقة فتجب الإعادة فی الوقت و خارجه و قد یؤید الأخبار المتقدمة ما ورد من أن الإمام إذا کان مجنباً یتیمم و یصلی بالقوم إذ من البعید تأخیر صلاة المأمومین لأجله إلی عند ضیق الوقت مع تطهیره بالطهارة الاضطراریة فالظاهر منه أن صلاته واقعة فی السعة و فی جمیع هذه الأخبار نظر لأنها لم تدل علی جواز التأخیر نصاً بل غایة ما تدل علی إمکان وقوعه و هو محتمل لوجوه: احدها لکونه جائزاً فی السعة و یمکن أن یکون لظن الضیق ثمّ انکشفت التوسعة فإن الأقوی هاهنا الصحة و یمکن أن یکون للعلم أو الظن بعدم الماء فیکون الجواز مقصوراً علی صورة خاصة و یمکن غیر ذلک من الأمور المجوزة غایة ما فی الباب إن فی هذه الأدلة ظهور ما و هو لا یعارض النص الصریح الدال علی المنع کما سیجی ء لأن النص لا یعارض

ص: 334

الظاهر و احتج أهل المضایقة و الظاهر أنهم یریدون به الضیق إلا عن التیمم و أداء الفریضة تامة لا عن التیمم و أداء رکعة بالاحتیاط و بالشهرة المنقولة بل المحصلة و بالإجماعات المنقولة و بالأخبار المتکثرة کصحیح ابن مسلم (إذا لم تجد الماء و أردت التیمم فأخر التیمم إلی آخر الوقت فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض) و حسنة زرارة (إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب ما دام فی الوقت فإن خاف أن یفوته الوقت فلیتیمم و لیصلِ فی آخر الوقت) و مفهومه أصرح من منطوقه و الموثق (إذا تیمم الرجل فلیکن ذلک فی آخر الوقت فإن فاته الماء فلم تفته الأرض) و فی آخر أ یتیمم و یصلی؟ قال: (لا حتی آخر الوقت فإن فاته الماء فلم تفته الأرض) و فی آخر (لیس ینبغی لأحد أن یتیمم إلا فی آخر الوقت) و فی الجمیع نظر لضعف الإجماع و الشهرة بمصیر أکثر المتأخرین إلی خلافهما و لمعارضة الأخبار بظاهر الأخبار المتقدمة فیجمع بینهما بحمل الأمر فی هذه علی الندب لکثرة استعماله فیه سیما مع ظهوره فی بعض الأخبار من لفظ (لا ینبغی) و من ما یظهر من بعض تعالیلها أیضاً احتج أهل التفصیل بأخبار أهل المنع لظهورها فی أن التأخیر لرجاء الحصول لقوله فیها فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض و بأنه من المستبعد بعد حصول الیأس من الماء لزوم التأخیر تعبداً لعدم الدلیل الواضح علیه سوی الضعیف من الأخبار لأن الصحیح منها ظاهره أن التأخیر لاحتمال حصول الماء لا للتعبد و بأنه جمع بین الأخبار الظاهرة فی الجواز و الأخبار الظاهرة فی المنع و الأقوی فی النظر هو الرکون لهذا التفصیل و الأحوط التأخیر مطلقاً و الظاهر عدم الفرق فی هذا الحکم بین جمیع الأسباب المسوغة للتیمم لإطلاق بعض الأخبار المتقدمة و فتاوی بعض الأصحاب و الإجماعات المنقولة فی الباب کما أنه لا فرق فی الصلوات المؤقتة بین کونها یومیة أو غیرها و بین کونها فریضة أو نافلة راتبة لإطلاق بعض الأخبار المتقدمة و لإلغاء الفارق بینها نعم ما کان وقته بالعمر کالقضاء علی القول بالتوسعة و کالنوافل المبتدئة و غیر الصلوات مما لا وقت له فالظاهر عدم جریان الخلاف فیه بل یجوز التیمم عند إرادة فعله إذ من البعید التزام وجوب تأخیر القضاء إلی ظن الفوت لمن فرضه التیمم و التزام ترک النوافل المبتدئة و ترک الأعمال المندوبة بل هو خلاف مذاق أهل

ص: 335

الشرع و الشریعة بل لا یبعد أن النوافل و الأعمال کل الأوقات أوقات ضیق بالنسبة إلیها فیشرع لها التیمم لذلک و الأقوی علی القول بالضیق إن من ظنه لإمارة فی صحو أو فی غیم فتیمم و صلی ثمّ انکشف فساد ظنه أنه یعید لأن المشروط عدم عند عدم شرطه و الظن مصحح للإقدام لا مثبت للصحة و ذهب بعض إلی عدم وجوب الإعادة استناداً إلی أن المرء متعبد بظنه و فیه أن مورده جواز الإقدام لا صحة الفعل و إلی أن الامتثال یقضی بالإجزاء و فیه أن مورد ذلک هو الأمور الواقعیة و إلی أن الأصل فی الشرائط العلمیة و فیه أن الأصل فی الشرائط أن تکون واقعیة و إلی ظاهر الأخبار المتقدمة النافیة للإعادة بحملها علی الصلاة و التیمم لظن الضیق و فیه أن الاستدلال بها فرع ظهورها فی ذلک لا فرع حملها علی ذلک.

سادسها: ینقض التیمم الحدث الأکبر و الأصغر و وجود الماء

لفتوی الأصحاب و الإجماع المنقول فی الباب و الصحیح الدال علی بقاء أثر التیمم ما لم یحدث أو یصیب الماء و إن لم یستعمله و ظاهر إطلاق النص و الفتوی إن الحدث الأصغر ناقض للتیمم عن الأکبر سواء کان الأصغر رافعه رافع الأکبر کغسل الجنابة أو کان رافعه غیر رافع الأکبر و حینئذ فلو تیمم عن الجنابة و أحدث بالأصغر عاد حکم الجنابة بنفسها لأنه یعود حکم الأصغر و تلقی الإباحة للأکبر و کذا لو تیممت المرأة عن الحیض فأحدثت عاد حکم حدث الحیض و احتاجت إلی تیممین و علی ما ذکرنا فمن تیمم عن الجنابة فأحدث أعاد التیمم سواء کان عنده ماء لوضوئه أم لم یکن و لا یجوز له الوضوء و حکمه کحکم من وجد عنده ماء یکفیه للوضوء ابتداء و کان مجنباً فإنه لا یجوز له التیمم و الوضوء و فی ذلک نطقت الأخبار و فتاوی الأصحاب و قد یقال أن الحدث الأصغر و الأکبر ناقض للتیمم المبیح عن الأصغر للإجماع المنقول علی أن الحدث ناقض و الروایة الدالة علی أن (المتیمم یصلی ما لم یحدث أو یصیب الماء) و المتیقن منهما نقض الحدث الأصغر المبیح عن الأصغر بقرینة (یصلی ما لم یحدث) و کذا الحدث الأصغر و الأکبر مجانساً أو غیر مجانس ینقض التیمم المبیح عن الجنابة لفتوی المشهور و الاحتیاط و لبقاء حدث الجنابة مع التیمم إجماعاً و غایة ما أفاداه

ص: 336

التیمم هو حصول الاستباحة و قد زالت بطرو ناقضها و دعوی تجزئة الاستباحة فتبقی بالنسبة للأکبر و تنتقض بالنسبة إلی الأصغر خلاف فتوی الفقهاء و الروایات الدالة علی لزوم التیمم للمجنب المتمکن من ماء الوضوء و لا فرق فی المنع من التجزئة بین الابتداء و الاستدامة و حکی عن المرتضی لزوم الوضوء لمن أحدث بالأصغر بعد التیمم عن الجنابة و مقتضاه لزوم التیمم لمن فقد الماء بقدر الوضوء عنه أیضاً مستنداً إلی أن التیمم رافع للجنابة و عند صدور الحدث لا یتحقق إلا الحدث الأصغر فیفتقر إلی رافعه و هو الوضوء عند وجود الماء و یلزمه التیمم عند رفعه و هو ضعیف لمنع ارتفاع الحدث بالتیمم إجماعاً و النصوص الدالة علی وجوب الغسل عند وجدان الماء و تدل علیه أیضاً لأن الغسل لو لم یجب للجنابة لوجب لوجدان الماء فیلزم أن یکون وجدان الماء حدثاً و هو باطل قطعاً و إجماعاً و لأن حدثیته توجب استواء المتیممین فیه لاستواء نسبتهم إلیه مع أن المجنب لا یتوضأ و المحدث لا یغتسل إجماعاً و یمکن (الانتصار للمرتضی) بأنه یرید بالرفع رفع المانعیة إلی وجود الماء لا رفع نفس المانع و رفع المانعیة مستصحب حتی یعلم رفعها و لم یعلم رفعها بحدوث الحدث الأصغر و إنما علم حدوث مانعیته لا عود مانعیة الأکبر أو یرید بالرفع رفع المانع إلی وجود الماء و مع ارتفاع المانع یشک فی عوده مع الحدث الأصغر و إنما المعلوم عود أثر نفس الحدث لا عود الحدث الأول و لکن التخطی عما علیه الجمهور و ظواهر الأخیار لا معنی له و أما الحدث الأصغر بالنسبة إلی التیمم عن الأکبر غیر الجنابة أو الحدث الأکبر غیر المجانس فالمانع أن یمنع ناقضیتهما للتیمم و ذلک لجواز التیمم عن الأکبر غیر الجنابة فیستباح به دخول المساجد و قراءة العزائم و یبقی الحدث الأصغر بحاله فلا تجوز الصلاة إلا بتیمم آخر و متی جاز فی الابتداء جاز و لم ینقضه فی الاستدامة و ینزل فتوی الفقهاء و الروایة بأن التیمم ینقضه الحدث علی إرادة التیمم عن الجنابة أو المجانس فینقض الحدث الأصغر التیمم عن الأصغر و الأکبر التیمم عن الأکبر المجانس لأن کل حدث ینقض کل تیمم و مع ذلک فالتعدی عما علیه إطلاق الفتوی و الروایة لا یخلو من إشکال.

ص: 337

سابعها: یجوز تیمم واحد عن أغسال متعددة یجوز تداخلها

فینوی بالتیمم البدلیة عن غسل واحد تداخلت فیه أغسال أو ینوی البدلیة عن جمیع الأغسال أو ینوی تیمماً واحد تتداخل فیه تیممات متعددة بدلًا عن أغسال متعددة کل ذلک لعموم المنزلة و التداخل فیه رخصة لا عزیمة و الأحوط الإتیان بالنیة الأولی و لا یجوز تداخل التیمم عن وضوءات متعددة بنذر و شبهه و لا تداخله عن غسل و وضوء و یجوز تداخله عن وضوءات متعددة لأغسال متعددة متداخلة لجواز تداخل أصله و إذا تیمم عن غسل الجنابة و غیره لم یحتج إلی تیمم آخر عن الوضوء لغیر الجنابة.

ثامنها: الحدث الأصغر لا ینقض التیمم الصوری

کالتیمم للنوم و للصلاة علی الجنازة علی وجه و کذا لا ینقض ما کان بدلًا عن غسل أو وضوء غیر رافعین و لا مبیحین عند عدم وجود الماء بناء علی عموم بدلیة التیمم عن کل مائیة صوریة أو حقیقیة رافعة أو مبیحة أو غیرهما کما هو الأقوی لورود التیمم للمجنب للنوم عند فقدان الماء فغیره بطریق أولی و لعموم المنزلة القاضیة بذلک و لأن التراب طهور فکلما کان فیه تطهیر قام مقامه و لأنه یجزی عشر سنین و من البعید ترک أکثر المندوبات فیها و حینئذ فلا ینتقض التیمم الغیر رافع و لا مبیح کتیمم الحائض بدلًا عن الوضوء و تیمم المجنب للأکل و الشرب و التیمم للزیارة و دخول المشاهد بدلًا عن الغسل و التیمم بدلًا عن غسل الجمعة إذا وقع الحدث فی أثنائه و التیمم بدلًا عن الغسل للسعی إلی رؤیة المصلوب و التیمم بدلًا عن الغسل عند احتراق القرص و التیمم بدلًا عن أغسال الأزمان أو الأمکنة المندوبة إذا وقع الحدث فی أثناء ذلک التیمم.

تاسعها: یستحب التیمم للنوم و لو مع وجود الماء

و قد ورد أنه (یتیمم من دثاره) و کذا یندب التیمم للجنازة و قد ورد أنه (یضرب بیدیه علی حائط لبن فلیتیمم به) و لو لا فتوی المشهور و الإجماع المنقول علی استحبابهما مع وجود الماء و مع عدمه لکان تقییده بعدم وجدان الماء أو خوف فوت الجنازة حسن.

عاشرها: إذا اجتمع میت و محدث و جنب و کان عندهم ماء لا یکفی إلا أحدهم

فإن کان ملکاً لأحدهم اختص به و یحرم بذله لغیره بعد دخول الوقت و الیأس من الماء و فی

ص: 338

جوازه قبله مع الیأس وجه و الأحوط عدمه و لو کان مباحاً وجبت المبادرة إلیه بعد دخول الوقت فمن حازه ملکه و جری فیه الکلام السابق و ظاهر الروایة فی تقدیم الجنب مطلقاً متروک و لو حازوه دفعة ملکوه علی وجه الشرکة و لکل منهم الخیار فی بذل حصته لمن شاء و کذا لو کان مملوکاً لهم ابتداء و کذا لو کان مملوکاً لغیرهم و أراد بذله فإن له بذله لمن شاء و لا یجب علیه للأصل و العموم و ضعف الروایة عن إثبات الوجوب مع عدم القول به من الأصحاب و هل هو علی سبیل التخییر من دون أولویة لتزاحم الحقوق و تساویها أو إن الجنب أولی للصحیح القاضی بتقدیمه و تیمم المیت و المحدث المعقل بأن غسل الجنابة فریضة و غسل المیت سنة و نحوه غیره من الأخبار المتکثرة المشهورة نقلًا و فتوی المؤیدة بالاعتبار و هو تعلق الخطاب بالحی دون المیت فیقدم علیه و لأن غسل الجنابة یفید طهارة البدن و استباحة العبادة دون غسل المیت فلا یفید إلا الأول و بهذا یظهر ضعف القول بتقدیم المیت للخبر الآمر بتقدیمه و لعدم إمکان استدراک طهارة المیت دون الجنب فیقدم علیه لضعف الخبر و التعلیل عن مقاومة ما قدمنا و کذا ضعف القول بالتخییر من دون أولویة لتعارض الأخبار و لأنه لا معارضة مع وجود المرجح لأحدها و کذا ضعف ترجیح المحدث بالأصغر لضعف مستنده و عدم معرفة قائل به من أصحابنا فلا بد من طرح الخبر الدال علیه و من هنا یعرف حکم الماء الموصی به أو المنذور للأحوج أو الراجح شرعاً و نحو ذلک و لو أمکن استعماله للجمیع بأن یجمع الماء المستعمل فیستعمله الآخر فالظاهر أنه یکون هو الأرجح و لو اجتمع معهم محدث بالأکبر غیر الجنابة أو اجتمع معهم متنجس بثیابه أو بدنه أو کان الموجود غیر الماء من تراب و نحوه عند فقده فلا یبعد أولویة الجنب مطلقاً لمکان التعلیل لو اجتمع میت و محدث بالأصغر فقط أو بالأکبر غیر الجنابة أو میت و متنجس أو محدث بالأصغر أو الأکبر مع متنجس أو محدثان بالأکبر غیر الجنابة مع بعضهم بعضاً أو غیر ذلک فالظاهر تقدیم ما هو فریضة دون ما هو سنة و إلا نظر للأهم فالأهم و لا یجوز مالک الماء إذا وقعت حصته به بذله لعموم الأدلة و فتوی الأصحاب و ظاهر الروایة متروک و لو فعل حراماً و بذله حل للمبذول له علی الأقوی.

ص: 339

حادی عشرها: من تیمم تیمماً صحیحاً موافقاً للأدلة الشرعیة و صلی مضی علی تیممه و صحت صلاته

للإجماع و الأخبار و کلام الأصحاب و لاقتضاء الامتثال الإجزاء و من تیمم تیمماً عذریاً ظاهریاً تخیل مطابقته للدلیل الشرعی فأخطأ فی ظنه کان علیه بمقتضی القواعد إعادة الصلاة لأن الشرائط الأصل فیها أن تکون واقعیة لا علمیة إلا ما أخرجه الدلیل و علی ما ذکرنا فمن تیمم لفقد الماء حقیقة فی الضیق أو السعة فصلی مضت صلاته و لا شی ء علیه و نسب لبعض الأصحاب القول بالإعادة للصحیح و الموثق الدالین علی الإعادة فی الوقت دون خارجه کما فی الصحیح و لا یخفی ضعفه علی القول بالتوسعة لعدم مقاومة الخبرین للأخبار المتکثرة الدالة علی عدم الإعادة فلتحمل علی الاستحباب و نسب للمرتضی القول بأن الحاضر إذا تیمم لفقد الماء و صلی وجبت علیه الإعادة إذا وجده و هو ضعیف لخلوه عن المستند و نسب للشیخ وجوب الإعادة علی من تعمد الجنابة و تیمم خوفاً علی نفسه من البرد أو غیره و صلی تمسکاً بالروایة الدالة علی ذلک و هو ضعیف لعدم صلاحیة الروایة لمعارضة الأدلة القویة فلتحمل علی الندب و نسب للشیخ أن من منعه زحام الجمعة تیمم و صلی ثمّ یعید للروایة الدالة علی ذلک و ضعفه ظاهر لعدم قوة الروایة لمعارضة الأدلة المتقدمة و نسب للشیخ أن من کان علیه ثوب نجس لا یقدر علی نزعه فصلی فیه یعید الصلاة عند التمکن من غسله و هو ضعیف لعدم مقاومته لما دل علی الإجزاء و عدم الإعادة و نسب لابن الجنید وجوب الإعادة علی من تیمم لغلو قیمة الماء فصلی یعید الصلاة إذا وجده بثمن مناسب و هو ضعیف خال عن الدلیل و نسب للمشهور إن أخل بالطلب حتی ضاق الوقت فتیمم و صلی ثمّ وجد الماء فی محل الطلب أو فی رحله یعید عند وجدانه لروایة أبی بصیر الواردة فیمن تیمم و صلی و قد نسی الماء فذکره بعد ذلک أنه یعید و هو قوی إلا أن حمله علی الندب عند ضیق الوقت أولی.

ثانی عشرها: لو وجد المتیمم الماء بعد فقده و تمکن من استعماله

فأما أن یجده قبل دخوله فی الصلاة حال السعة فلا شک فی انتقاض تیممه و وجوب استعمال الماء حتی أنه لو لم یستعمله ففقده بعد ذلک لزمه تیمم جدید و یدل علی ذلک إجماع الأصحاب

ص: 340

و الصحیح قلت: (فإن أصاب الماء و رجا أن یقدر علی ماء آخر و ظن أنه یقدر علیه فلما أراده تعسر علیه ذلک قال: (ینقض ذلک تیممه و علیه أن یعید التیمم) و أما أن یجده بعد تمام الصلاة و الأظهر هنا و الأشهر مضی الصلاة من غیر إعادة خلافاً لشاذ من أصحابنا و قد تقدم و أما أن یجده قبل الصلاة و لکن فی الضیق عن استعماله و إدراک تمام الصلاة أو إدراک رکعة علی الوجهین فالظاهر هاهنا عدم انتقاض التیمم و لزوم البدار إلی الصلاة لأهمیة أدائها عند الشارع و الظاهر کفایة الضیق عن إدراک المائیة و جمیع الصلاة فی عدم انتقاض التیمم و لا الضیق عن المائیة و إدراک رکعة هذا کله بالنسبة إلی هذه الصلاة التی یرید فعلها فی الوقت و أما بالنسبة إلی غیرها من الصلوات فهل ینتقض التیمم بالنسبة إلیها أو یبقی حکمه کما إذا فقد الماء بعد هذه الصلاة بلا فصل وجهان أوجههما عدم الانتقاض مطلقاً لأن المانع الشرعی کالمانع العقلی إلا فی صورة ما إذا تمکن من الصلاة و استعمال المائیة فی أثنائها من دون إبطال لها کما إذا أمکن فعلها من دون فعل کثیر أو لزوم استدبار أو غیره من قواطع الصلاة فإن القول بالانتقاض هاهنا قوی لحصول الطهارة المائیة و إمکان فعلها و کذا لا ینتقض التیمم لو وجده قبل الصلاة بمقدار زمان لا یتمکن من الطهارة به لقصره فإنه لا ینتقض التیمم أیضاً استصحاباً بحکمه و ما جاء من أن الماء ناقض عند وجوده منزل علی صورة إمکان استعماله وسعة الوقت له و أما أن یجده فی الوقت الموسع و هو فی مقدمات الصلاة قبل انتهاء تکبیرة الإحرام فالظاهر هاهنا الانتقاض لعدم انعقاد الصلاة قبل انتهاء تکبیرة الإحرام و لا یتفاوت الحال بین کون المقدمات مما یحرم قطعها أو مما لا یحرم لأن تحریم القطع لیس من مسوغات التیمم لبطلان العمل فی نفسه فلا یدخل تحت (و لا تبطلوا أعمالکم) و یتمشی الحکم لکل عمل یحرم قطعه فإن الظاهر أن الماء ینقض التیمّم فیبطل العمل المبنی علیه ما لم یکن العمل وقته مضیقاً فیفاجئه الماء عند الضیق و لا یتمکن فیه من استعماله حال تلبسه به فإنه یکون حکمه حکمه الصلاة حینئذ و عدم انتقاض التیمم بالماء للمصلی فی الجملة إنما جاء به الدلیل کما سیجی ء إن شاء الله تعالی لا لأجل تحریم قطعها و المراد بانتقاض التیمم و بطلان العمل انتفاضه من حینه لا

ص: 341

من أصله فیصح ما مضی من العمل و یبطل الباقی ما لم تکن الموالاة شرطاً فیه بحیث لا یمکن تجزیه و أما أن یجده بعد الدخول فی الصلاة و انعقادها بتمام تکبیرة الإحرام سواء قرأ أو لم یقرأ و الظاهر هاهنا انتقاض تیممه للدلیل الدال بإطلاقه علی أن وجود الماء ناقض فهو کالحدث ناقض متی وقع و لا یعارض ذلک ما دل علی تحریم إبطال العمل و علی تحریم إبطال الصلاة لانصرافهما إلی صدور الإبطال و القطع بالاختیار بعد ثبوت الصحة و أما لو جاء البطلان لنفسه من جهة فقدان شرط أو وجود مانع فذلک بطلان لإبطال فلا یدخل تحت ما دل علی منع الإبطال و دعوی أن النهی عن الإبطال جاء علی سبیل الإطلاق فیکون الإبطال ممنوعاً منه شرعاً و المانع الشرعی کالمانع العقلی مسوغ للتیمم و لا ینتقض التیمم ما دام متحققاً فلا تنتقض الصلاة مردودة بأن تحریم الإبطال موقوف علی صحة التیمم فلو توقفت صحة التیمم علیه دار و کذا لا یعارضه استصحاب إباحة التیمم أو استصحاب صحة الصلاة لأن الإباحة و الصحة إنما وقعا علی وجه خاص و هو ما دام الماء مفقوداً و أما مع وجوده فیتغیر الموضوع و ینقطع الاستصحاب و کذا لا یعارضه روایة (محمد بن حمدان) الدالة علی أن من تیمم و دخل فی الصلاة فأتی له بالماء یمضی فی الصلاة و لیس ینبغی لأحد أن یتیمم إلّا فی آخر الوقت و کذا روایة (الفقه الرضوی) الدالة علی ذلک لضعفها سنداً لاشتراک (محمد بن حمدان) بین الهندی الثقة و بین غیره و لا قرینة تعین أنه الثقة و لمعلومیة ضعف الرضوی و ضعفهما دلالة لأنهما مطلقان و قد جاء ما یقیدهما من التفصیل بین الوصول إلی الرکوع فلا یتنقض التیمم و بین عدم الوصول فینتقض المقید و أقوی دلالة من المطلق و الجمع بحمل المطلق علی المقید خیر من إبقاء المطلق علی إطلاقه و حمل المقید علی الندب کما حقق فی محله سیما لو کان المقید أقوی سنداً و أکثر عدداً کما هو هاهنا هکذا و لاحتمال حمل روایة (محمد بن حمدان) علی ضیق الوقت و کذا لا یعارضه ما ورد فی الصحیح فیمن تیمم و صلی رکعتین ثمّ فاجأه الماء أنه یمضی فی صلاته فیتمها و لا ینقضها لمکان أنه دخلها و هو علی طهور لأن عموم هذا التعلیل مخصوص بما دل علی التفصیل بین الوصول إلی محل الرکوع و بین عدمه

ص: 342

و الخاص مقدم علی العام مع احتمال إرادة الدخول فی الرکوع من لفظ دخلها لأنه هو الفرد الأکمل و قد ورد أن أول الصلاة الرکوع و أنه ثلثها و أما أن یجد الماء بعد أن رکع و الأظهر هاهنا المضی علی الصلاة و عدم الإعادة للأخبار الدالة علی ذلک و فیها الصحیح و الحسن فهی أقوی سنداً من غیرها و أصرح دلالة فلا یعارضها الخبر الدال علی أن من تیمم و صلی رکعة و مر بنهر قال: (فلیغتسل و لیستقبل الصلاة و الخبر الآخر أن من صلی رکعة بتیمم و جاء رجل معه ماء قال: (یقطع الصلاة و یتوضأ و یبنی علی واحدة لضعفها عن المعارضة سنداً و دلالة فلیحملا علی إرادة التلبس بالرکعة لإتمامها علی أن الأخیر لا قائل به ممن یعتد به و کذا لا یعارضها الصحیح الدال علی أن من صلی رکعتین بتیمم یمضی و لا یعید لأنا نقول به فهو مؤید لنا لا ناف لما قلنا و علی ما ذکرنا من أن الأصل انتقاض الصلاة إلا ما خرج بالدلیل من الوصول إلی حد الرکوع کان الواجب الاقتصار علی مورد الیقین من الخارج و هو وجدان الماء لفاقده بعد أن رکع فلا یسری لمن برأ من مرضه أو أمن من خوفه أو غیر ذلک بل تبقی هذه علی القاعدة من الفساد و یحتمل فیها الصحة و عدم الانتقاض بمجرد الدخول فی الصلاة بناء علی استصحاب الصحة و إن الصلاة علی ما افتتحت به و إنهم لم یعدوا من قواطعها برء المریض و أمان الخائف المتیممین و یحتمل إلحاقها بالفاقد للماء تسویة بینهما فی الحکم و إلغاء للفارق لاستوائهما فی العلة ابتداء فلیتساویا استدامة و لا فرق فیما قدمناه من الحکم بین النافلة و الفریضة لإطلاق الأخبار و یجوز العدول بعد وجدان الماء بعد الرکوع إلی فریضة أخری سواء قلنا أن التیمم انتقض بالنسبة إلی غیرها من الفرائض أو لم نقل و ذلک لوحدة المعدول عنه و المعدول إلیه و هل یجوز العدول لواجد الماء قبل الرکوع للنافلة جمعاً بین عدم قطع الصلاة و بین بطلان الفریضة أم لا وجهان أقواهما الأخیر لعدم ثبوت أن ذلک من مقامات العدول و من احدث فی أثناء صلاته المتیمم لها ثمّ وجد الماء بطلت صلاته مطلقاً لمکان الحدث سهواً کان الحدث أو عمداً وفاقاً لفتوی الأصحاب و للإجماع المنقول علی أن ناقض الطهارة مبطل للصلاة و المنقول علی أن الفعل الکثیر مبطل لها فلا یمکنه البناء و لا یمکنه التطهیر فی الأثناء و للأخبار الدالة علی

ص: 343

أن الحدث ناقض و مبطل للصلاة الموافقة لفتوی الأصحاب البعیدة عن فتاوی العامة و نسب للشیخین القول بأن من أحدث سهواً و وجد الماء یخرج و یتوضأ فی أثناء صلاته و یبنی علی ما فعله بالتیمم لورود روایات صحیحة بذلک و هی و إن کانت مطلقة فی حالتی العمد و السهو إلا أن الإجماع المحقق الدال علی بطلان الصلاة بالحدث عمداً مخصص لها فی حالة العمد و تبقی حجة فی حالة السهو فقط و هذا القول ضعیف جداً مخالف لفتوی الأصحاب و الأخبار المتکثرة فی الباب و الروایة الدالة علیه مطروحة متروکة موافقة للتقیة أو محمولة علی صحة ما صلاه بالتیمم من الصلوات التامة الماضیة لا صحة ما صلی من الصلاة التی أحدث فیها و هو حمل ظاهر من الأخیار لمن تأمل فیها بعین الاعتبار و فی هذا البحث تأیید لجواز التیمم فی السعة مع الیأس بل مطلق و للأصحاب أقوال فی المتیمم إذا صلی و وجد الماء فی الأثناء لا حاجة للتعرض لذکرها.

القول فی النجاسات

و فیه مباحث

أحدها: کل ما لیس له نفس سائلة فبوله و خرءه طاهران

لطهارة میتته و للسّیرة القاضیة بذلک و للزوم العسر و الحرج لولاه للأصل المحکم و انصراف ما دل علی النجاسة لغیره و ما لا یؤکل لحمه من ذی النفس السائلة و هی التی یخرج دمها من العروق بقوة و دفع و غیر ذی النفس السائلة ما خرج برشح فبوله و خرئه نجس للإجماع بقسمیه ما عدا ما وقع الخلاف فیه من بعض الموارد و لا یتفاوت علی الظاهر بین خروجه من المحل المعتاد و بین عدمه و کل ما یؤکل لحمه فبوله و خرئه طاهران للأصل و الإجماع بقسمیه عدا ما وقع الخلاف فیه من بعض الموارد و الأخبار.

منها: ما دل علی نجاسة بول الإنسان فقط.

و منها: ما دل علی نجاسة البول مطلقاً و ترک الاستفصال فیها دلیل العموم و أکثریة دوران بول الإنسان فی سائر الأزمان لا یصرف إلیه الإطلاق بحیث یکون غیره نادراً لا ینصرف إلیه.

ص: 344

و منها: ما دل علی طهارة بول ما یؤکل لحمه منطوقاً و نجاسة بول ما لا یؤکل مفهوماً کقوله (علیه السلام): (لا تغسل ثوبک من بول شی ء یؤکل لحمه).

و منها: ما دل علی نجاسة عذرة الإنسان.

و منها: ما دل علی نجاسة العذرة مطلقاً فیفید العموم بترک الاستفصال.

و منها: ما دل علی طهارة کل ما یخرج مما یؤکل لحمه منطوقاً فیدل علی نجاسة ما یخرج مما لا یؤکل لحمه مفهوماً.

و منها: ما دل علی نجاسة عذرة الکلب و السنور و الفارة.

و منها: ما دل علی نجاسة بول السنور إلی غیر ذلک من الأخبار المتفرقة فی المقامات المتعددة المستفاد منها علی سبیل القطع نجاسة ما ذکرناه من البول و الغائط و النجاسة و إنْ لم تذکر فی اکثر الأخبار بلفظها و لکن لها لوازم شرعیة یفهم من الأمر بها تحقق حصولها و فهم الفقهاء منها ذلک مما یعین إرادة النجاسة منها لأنّ فهمهم فی مثل هذه المقامات هو المعتبر و علیه المعول فمن اللوازم الآمر بغسل الثوب أو البدن أو الإِناء و من اللوازم الآمر بالنزح للبئر علی الأقوی و من اللوازم الآمر بإعادة الصلاة و من اللوازم الآمر بإهراق الماء و طرح الطعام الملاقی له و من اللوازم النهی عن استعمال الماء الملاقی له فی وضوء و غسل و شبههما و هذه و إنْ کان کل واحد لازماً اعم إلّا أنّ منها ظاهر فی الملازمة و المساواة کالغسل و شبهه.

و منها: ما یعضد دلالته الإجماع.

و منها: ما یعضد دلالته اجتماع أمرین أو اکثر أو اجتماع أمور یقطع باجتماعها بموصول النجاسة و لا یتفاوت الحال من غیر ما یؤکل لحمه أصالة أو عارضاً کالجلال و علی کل حال فالظاهر نجاسة بول ما لا یؤکل لحمه و خرؤه من ذی النفس السائلة مطلقاً لما ذکرناه خلافاً لجمع من أصحابنا فحکموا بطهارة (رجیع الطیر) مطلقاً للأصل و لقوله (علیه السلام) فی الموثق (کل شی ء یطیر فلا بأس بخرئه و بوله) و لقوله فی الصحیح عن الرجل یری فی ثوبه خرء الطیر و غیره هل یحکه و هو فی صلاته قال لا بأس و هو ضعیف لانقطاع الأصل بما ذکرناه و لمعارضة الموثق بالإجماعات المنقولة و العمومات المسلمة الموافقة لفتوی الإمامیة الدالة علی نجاسة بول ما لا یؤکل لحمه مطلقاً المنضم

ص: 345

إلیها الإجماع علی عدم الفرق بینه و بین الخرء و الأدلة الدالة علی نجاسة العذرة الشاملة لخرء الطیر کما نص علیه اللغویون و الفقهاء و یجب اتباعهم فی بیان الموضوعات الظنیة فإنکار شمول العذرة لغیر عذرة الإنسان لا یُسمع فی مقابلة المثبتین و بالجملة فبین العمومات و الصحیح المتقدم عموم من وجه و الترجیح لجانیها لشذوذه و قلة العامل به و موافقته لفتوی العامة و یضعفه أیضاً ما ورد فی طهارة خرء الخطاطیف من التعلیل بأنّه مما یؤکل لحمه و لو کان کل الطیر کذلک لما کان للتعلیل معنی و الشیخ (رحمه الله) وافقنا فی نجاسة بول الخشاشیف للأمر بغسل الثوب منه فی روایة (داود البرقی) مع أنّه قد ورد فی روایتین ما یؤذن بطهارته و لکنه عمل بما دل علی النجاسة لقوله بما ذکرنا فظهر أنّ الراجح ما استندنا إلیه و أما الصحیح فلا دلالة فیه علی طهارة الخرء و إلّا لکان فیه دلالة علی طهارة غیره من کل شی ء بل هو مسوق للسؤال عن جواز مثل هذا الفعل فی الصلاة و عدمه بقرینة ما بعده و هل یجوز برفع طرفه إلی السماء و لئن سلمنا فلا بد من إرادة مأکول اللحم من الطیر لأنّ غیره لا تجوز الصلاة بفضلاته حتی نسیاناً علی الأظهر فالأولی من الجواب بیان بطلان الصلاة به لا حکه و ذهب بعض أصحابنا إلی طهارة بول الصبی الرضیع استناداً لروایة نافیة لغسل الثوب منه و هی ضعیفة سنداً و دلالة لأنّ نفی الغسل لا یدل علی الطهارة لثبوت بدله و هو الصب من حسنة الحلبی المؤذنة بالنجاسة المؤیدة بما قدمنا من العمومات و ذهب الشیخان إلی نجاسة خرء الدجاج إذا لم یکن جلالًا استناداً لروایة (فارس) الناهیة عن الصلاة به و هی ضعیفة سنداً و عدداً مطرحة أو محمولة علی الجلال أو علی ذرق لا یستحیل عن النجاسة فلا تعارض الأصول و العمومات و ذهب بعض أصحابنا إلی نجاسة ابوال الخیل و البغال و الحمیر للأمر بالغسل من ابوال الدواب و البغال و الحمیر فی الحسن و الآمر بغسل ما أصابه ابوال الخیل و البغال و الأمر بالغسل عن بول الحمیر و البغل و الفرس إلی غیر ذلک من الأخبار و الکل ضعیف لمعارضته هذه الأخبار و للأصل و القواعد و عموم أخبار طهارة ابوال ما یؤکل لحمه و طهارة ما یخرج منه إذ الظاهر من أکل اللحم و عدمه ما ساغ شرعاً أکله و ما لم یسغ لا ما اعتید أکله و ما لم یعتد و یدل علیه نفی العسر و الحرج لملازمة الناس لمباشرتها غالباً و یدل علیه السیرة المستقیمة بمباشرتهن

ص: 346

و عدم التوقی عنهن و لتوفر الدواعی لاشتهار حکمهن و عدم خفائه و یدل علی طهارة ابوالهن و ارواثهن ما روی فی الصحیح إلی (صفوان) فی الدواب و قد بالت وراثت فیصبح فیری أثرها فقال لیس علیک شی ء و روایة مغلی ابن خنیس ظاهراً فی بول الحمار و الواقع علی الوجه و الثیاب فقال لیس علیکم شی ء و روایة الحلبی لا بأس بروث الحمیر و اغسل ابوالها و کذا مضمون روایات أخر دالة علی طهارة الروث دون البول فما دل علی طهارة الروث یدل علی طهارة البول بضمیمة الإجماع المرکب و یطرح ما دل علی نجاسة البول فقط فالقول بالتفصیل کما ذهب إلیه بعض المتأخرین ضعیف جداً و مما یدل علی الطهارة أیضاً ما ورد بجواز الصلاة بروث و بول و کل شی ء من مأکول اللحم.

ثانیها: المنی من کل ذی نفس سائلة نجس

للإجماع المنقول و فتوی الأصحاب و الأخبار الدالة علی نجاسته و إنّه اشد من البول فمنی کل ذی نفس اشد من بوله فظهر ضعیف من خص نجاسة المنی بالإنسان أو بما لا یؤکل من الحیوان لانصراف الإطلاق إلی منی الإنسان إذ لا وجه للانصراف بعد حکایة الإجماع و فتوی الأصحاب نعم منی غیر ذی النفس السائلة حکمه حکم بوله و دمه و میتته للأصل و انصراف الإطلاق لغیره و کذا غیر المنی و البول و الغائط مما یخرج من المخرجین فإنّه طاهر للأصل و فتوی الأصحاب و الأخبار المتکثرة فی الباب فما یعارضها کأخبار و نجاسة ابوال الدواب محمول علی التقیة أو الاستحباب.

ثالثها: الدم نجس فی الجملة

اشارة

إجماعا محصلًا و منقولًا و الأخبار متظافرة بذلک و هو أقسام لأنّه أما أن یکون مشتبها أو معلوماً و المعلوم أما أن یکون خلقیاً من غیر الحیوان کالدم المخلوق فی السماء أو الأرض کما ورد بنزوله عند قتل (سید الشهداء) (علیه السلام) و استحالة بعض الأشیاء و أما أن یکون من حیوان غیر ذی نفس سائلة سمکاً أو غیره أو یکون من حیوان ذی نفس سائلة و هو أما مأکول اللحم أو غیر مأکول اللحم و الدم الخارج منه أما مسفوح و هو المنصب من عرق من عروق الحیوان أو غیر مسفوح و غیر المسفوح أما أن یکون متخلفاً بعد الذبح الشرعی لمأکول اللحم أو بعده لغیر مأکول اللحم أو متخلفاً بعد الذبح الغیر مشروع لمأکول اللحم أو لغیره أو غیر

ص: 347

متخلف بعد الذبح کالخارج من الجلد بجرح أو قرح أو رعاف و شبهها أو یکون مبدأ لحیوان فهذه أقسام:

أحدها: الدم المشتبه بین الطاهر و النجس

فإنّ کان من المشتبه المحصور وجب اجتنابه من باب المقدمة و إنْ کان من غیر المحصور فالظاهر طهارته للأصل و نقل علیه الإجماع و دعوی أنّ الأصل فی الدماء النجاسة إلّا ما خرج بالدلیل للأخبار الآمرة بغسله و إعادة الصلاة منه من دون استفصال عن رجاله فی العلم و الجهل بل الظاهر من بعض الأخیار أنّه مجهول کما ورد فی الأخبار من نجاسة ما فی منقار الطیر من الدم مع عدم العلم بأنّه من الطاهر أو من النجس لأنّه یفترس ما کان دمه طاهراً و نجساً دعوی غیر مسموعة فی معارضة ما ذکرناه و ترک الاستفصال من الأخبار و کذا ترک التفصیل فی قوله إلّا أنّ تری فی منقاره دماً لا یدل علی العموم بالنسبة إلی مجهول الحال لانصراف الدم فی السؤال و الجواب إلی الفرد المتکرر المتکثر الخارج من الإنسان أو من الحیوان ذی النفس المحکوم بنجاسته کما هو الظاهر الیوم فی السؤال و الجواب فالمراد بما یقع فی السؤال و الجواب هو لا غیره.

ثانیها: الدم من غیر ذی النفس السائلة

و لا شک فی طهارته ما عدا السمک للأصل و الإجماع بقسمیه و لزوم العسر و الحرج فی مثل البق و البرغوث و الدود و لا قابل بالفصل و للأخبار الواردة فی طهارة دم البراغیث و إنْ تفاحش و کذا البق و لا فارق بینهما و بین غیرهما.

ثالثها: الدم المخلوق لنفسه و لم یخرج من حیوان

و الظاهر الحکم بطهارته للأصل و عدم انصراف أدلة نجاسة الدم إلی مثله قطعاً.

رابعها: دم السمک

و هو طاهر للأصل و الإجماع المنقول و الخبر و ظاهر قوله تعالی: (أُحِلَّ لَکُمْ صَیْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَکُمْ) لاستلزام التحلیل الطهارة و ظاهر قوله تعالی: (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) و دم السمک لیس بمسفوح و الظاهر أنّه حلال أیضا لعدم ثبوت استخباثه.

ص: 348

خامسها: الدم المتخلف فی الذبیحة بعد التذکیة الشرعیة مما یؤکل لحمه

و هو طاهر حلال للإجماع المنقول و فتوی الفحول و لعدم عده من محرمات الذبیحة و لجریان السیرة علی أکله تبعاً للحم.

سادسها: الدم المسفوح من الحیوان ذی النفس السائلة نجس

فتوی و نصاً من غیر إشکال.

سابعها: المتخلف فی الذبیحة بعد التذکیة الغیر مشروعة

و هو نجس إجماعا لأنّه دم میته.

ثامنها: المتخلف فی الذبیحة بعد التذکیة الشرعیة مما لا یؤکل لحمه

و هو نجس للإطلاق و الإجماع المنقول علی نجاسة الدم و اطلاق کثیر من الأخبار بذلک فالأصل نجاسة کل دم من الحیوان إلّا ما أخرجه الدلیل.

تاسعها: الدم الخارج من الحیوان و لم یکن مسفوحاً

بل خرج برعاف أو غیره من جرح و شبهه و الظاهر نجاسته للإجماع المنقول و فتوی الفحول و ظاهر الأخبار أیضاً.

عاشرها: الدم المتکون من الحیوان و لیس خارجاً منه کالعلقة

و الظاهر نجاستها للإجماع المنقول علی نجاسة الدم مطلقا و علی نجاسة العلقة خصوصاً و لأنّ مبدأه أقوی مما یخرج منه و لظاهر إطلاق جملة من الأخبار و فی حکم العلقة ما یوجد فی البیضة من الدم المتکون فیها بعد العلم بأنّه مبدأ نشوء حیوان و مع عدم العلم فلا یبعد القول بالطهارة إلّا أنّ الأخذ بظاهر إطلاق الإجماع و جملة من الأخبار و هو الأحوط ..

رابعها: المیتة نجسة

اشارة

إجماعاً ما عدا میتة غیر النفس السائلة و الکلام یقع فیها فی مواضع:

أحدها: فی میتة الإنسان

و هی نجسة إجماعاً منقولًا علی لسان جماعة من أصحابنا و أفتی به أصحابنا أیضاً و دلت علیه الأخبار المتکثرة ففی الخبر الأمر بغسل الثوب الذی أصاب المیت قبل غسله و فی الصحیح الأمر بغسل الید إذا أصابت جسد المیت قبل أن یغسل و فی الحسن الأمر بغسل ما أصاب ثوب المیت و الذی فی الأخبار و صرحت به

ص: 349

الأصحاب هو طهارته بعد غسله و إنْ نجاسته قبل الغسل و هل یشترط فی نجاسته برد جسده لاستصحاب الحیاة و للمنع من غسله مع الحرارة و الظاهر أنّ الغسل للنجاسة فلا نجاسة مع الحرارة و لاستصحاب الطهارة و لظاهر الأخبار النافیة للبأس عن مسه بحرارته و تقبیله فی تلک الحال کما ورد من تقبیل أبی عبد الله لابنه إسماعیل و نفی البأس عن مس المیت بحرارته أو لا یشترط لإطلاق الأخبار و صدق الموت علیه و الإجماع المنقول و التوقیع إذا مس میتاً بحرارته لم یکن علیه إلّا غسل یده و الثانی أقوی و الأوّل أحوط.

ثانیها: فی القطعة المبانة من الحیوان

و الأقوی نجاستها سواء قطعت من حی أو میت و سواء قطعت من إنسان أو غیره و سواء قطعت بعد أن کانت میتة حال اتصالها أو قطعت حیة فماتت کل ذلک لاستصحاب نجاستها لو قطعت من میت مع عدم تبدل الموضوع و للإجماع المنقول علی نجاستها مطلقاً و لفتوی المشهور بل المجمع علیه و للأخبار الدالة علی أنّه إذا قطعت من الرجل قطعة فهی میتة و إنْ ما أخذت الحبالة من الحیوان فقطعته فهو میته و إنْ آلیات الغنم المقطوعة میتة و إنّه لا ینتفع به و لا قائل بالفرق بین المنصوص علیه و غیره و فی الخبر أو ما علمت أنّه یصیب الید و الثوب و هو حرام إلی غیر ذلک من الأخبار فإذا صدق علیها لفظ المیتة حقیقة أو استعارة جری علیها أحکام المیتة التی أظهرها الحرمة و النجاسة کما سیجی ء إن شاء الله تعالی و فی الخبر المتضمن للتقریع فی إصابة البدن و الثوب أیضا دلیل علی النجاسة فدعوی أنّ نجاسة المیتة لم یقم علیها شاهد من عموم أو إطلاق سوی الإجماع المشکوک فی شموله لمحل النزاع ضعیف لما سیجی ء إن شاء الله تعالی بل یمکن الاستدلال علی نجاسة القطع بان المفهوم من بعض الأخبار کقوله (علیه السلام) (أن الصّوف لیس فیه روح إنّ الموت هو السبب لنجاسة المحل) فلا فرق بین حلوله فی الجمیع أو الأجزاء نعم یستثنی مما ذکرنا الأجزاء المتساقطة من الحیوان عادة من الأجزاء الصغار کالثآلیل و القطع الساقطة من الرجل أو الید عند غسلهما أو الملاصقة للشعر أو الظفر سواء سقطت فماتت أو ماتت فسقطت فإنّها طاهرة لعدم شمول دلیل النجاسة لها من النص و الإجماع و للزوم العسر و الحرج فی

ص: 350

الحکم بنجاستها و لجریان السیرة علی معاملتها معاملة الطاهر لعدم انفکاک الناس عنها غالباً فی أوقات الصیف و العرق و الحمامات و ربما یستدل بفحوی الصحیح فیمن یقطع الثالول أو ینتف بعض لحمه و هو فی الصلاة قال: إن لم یتخوف أن یسیل الدم فلا بأس و هو و إنْ کان ظاهره تعلق السؤال بجواز الفعل و عدمه لا طهارة المقطوع و عدمها و لکن قوله فی الجواب إنْ لم یتخوف أن یسیل الدم فلا بأس مع ترکه أو یتنجس بمسه مع أنّ الغالب مسه برطوبة و التنجس به لو کان نجساً دلیل علی طهارته.

ثالثها: میتة الحیوان غیر الإنسان إذا کانت له نفس سائلة نجسة

إجماعا منقولًا بل محصلًا و یدل علی ذلک الأخبار الدالة عن المنع عن استعمال الماء الواقعة فیها میتة سیما إذا تغیر و أنتن و الدّالة علی أنّ کل شی ء ینفصل من الشاة فهو ذکی و إنْ أخذته بعد أن یموت فاغسله و الأخبار الدالة علی لزوم نزح البئر من میتة الإنسان و الدابة و الفارة و الطیر و الحمار و البقرة و الجمل و السنور و الحمامة و الدجاجة و غیر ذلک و الأخبار الناهیة عن أکل السمن و الزیت و العسل إذا وقعت فیها فارة أو جرذ أو دابة فتموت فیها و إنْ الزیت یستصبح به و هی أخبار متکثرة و الأخبار الآمرة باهراق المرق و غسل اللحم إذا وقعت فی القدر فارة و الأخبار الناهیة عن الأکل فی أوانی أهل الذمة لأنّهم یأکلون فیها المیتة و الدم و لحم الخنزیر و الأخبار الناهیة عن استعمال الیات الغنم المقطوعة و أنّه یحرم إصابتها للثوب و البدن و الأخبار الدالة علی عدم نجاسة الماء إذا کان اکثر من راویة إلّا أن یجی ء ریح یغلب علی ریح الماء و الأخبار الآمرة بغسل الثیاب و ما أصابه الماء الذی تفسخت فیه الفارة و الأخبار الناهیة عن الوضوء و الشرب من ماء قد وقعت فیه دابة میتة و قد تغیر ریحه أو طعمه و الأخبار الدالة علی أنّ الماء لا یفسده إلّا ما کان له نفس سائلة و إنْ ما لیس له نفس فلا بأس به و الأخبار الناهیة عن استعمال جلد المیتة و الانتفاع بها إلی غیر ذلک فإنّ المفهوم من استقراء جمیع الجزئیات الواردة فی الأخبار المثبت للحکم الکلی فی سائر أفراد ما له نفس سائلة المقترن بعدم القول بالفصل ممن یعتد به إن کل میتة ذی النفس السائلة نجسة و لفظ النجاسة و إنْ لم یذکر بصریحه و لکنها تثبت من المفهوم فی بعض و من إثبات اللوازم فی بعض آخر و من مجموع

ص: 351

اللوازم یثبت التواتر المعنوی أیضاً فإذا انضم إلی ذلک فهم الأصحاب و الإجماع المنقول و فتوی الفحول کان إرادة النجاسة منها أمراً مقطوعاً به لا یعتریه تشکیک المشکک.

رابعها: میتة غیر ذی النفس السائلة

و الأقوی طهارتها مطلقاً للأصل و عدم شمول ما دل علی نجاسة المیتة لها و عدم انصراف الإطلاق إلیها و للإجماع المنقول و فتوی الفحول و للأخبار النّافیة للبأس عن میتتها و عدم إفساد الماء بها و ما دل علی إراقة ما وقع فیه بعض الحیوان من عقرب و شبهه محمول علی الندب و الإرشاد إلی عدم التضرر بسؤره.

خامسها: الأظهر أنّ نجاسة المیتة و المیت کسائر النجاسات تنجس ما تلاقیه برطوبة

و ینجس الملاقی غیره مع الملاقاة برطوبة أیضا و لا تنجس ما تلاقیه بیبوسة لإطلاق الفتوی و النص بنجاستهما منطوقاً مفهوماً و لا تعقل من النجاسة إلّا ما تنجست المباشر مع الرطوبة سیما فیما دل علی نجاسة المیتة فإنّ أکثرها واردة فی الملاقی للمائع أو الرطب دون الجاف و الیابس بل عدم تنجس الیابس بالمباشرة أمراً معلوما فی ذلک الیوم فی جمیع النجاسات لا یحتاج له إلی بیان فأدلة التنجیس خاصة بالملاقاة برطوبة و منصرفة إلیها فما ورد من الأمر بغسل الثوب أو الید بملاقاة المیت مطلقاً منصرف إلی ذلک و الأصل الطهارة علی أنّ ما ورد من أنّ کل یابس ذکی مخصص لذلک الإطلاق و مقدم علیه لأنّه معتبر معمول علیه بین الأصحاب بل متفق علی مضمونه و بما ذکرنا ظهر ضعف القول بأن نجاست المیت معنویة لا توجب غسل الملاقی کما سبق إلی بعض الأوهام و کذا ضعف القول بان نجاسة المیت تؤثر مع الرطوبة و الیبوسة عند ملاقاتها لجسم آخر نعم ذلک الملاقی لا یؤثر إلّا مع الرطوبة فیه أو فی ملاقیه استناداً لقوله (علیه السلام) فیمن مس ثعلباً أو أرنبا أو شیئاً من السباع حیّاً أو میتاً قال لا یضره و لکن یغسل یده لضعف الروایة سنداً و لاشتمالها علی ما لا نقول به و لظهور السؤال عن المس برطوبة لأنّه محل الشک یومئذ و کذا ضعف القول بان نجاسة تؤثر مع الرطوبة و الیبوسة فی الملاقی فقط و أما الملاقی فلا یؤثر فی ملاقیه شیئاً إلّا إذا أصابه المیت برطوبة

ص: 352

و أصاب الملاقی له برطوبة فلو أصابه المیت بیبوسة لم یؤثر فی الملاقی شیئاً و کذا ضعف القول بوجوب الغسل لملاقی المیت تعبداً من دون حصول النجاسة و ثبوت آثارها لخروج هذه الأقوال عن ظاهر النصوص و الفتاوی من إثبات النجاسة للمیتة و المیت اللازمة لغیر هذه الأحکام المذکورة فی هذه الأقوال الضعیفة.

سادسها: ما لا تحله الحیاة من المیتة من الأجزاء المتصلة بها حال حیاتها من إنسان أو غیره طاهر

سواء انفصل عنها حال الحیاة أو انفصل عنها بعد الموت أو بقی متصلًا بها للإجماع المنقول و فتوی الفحول و للأصل فی محل الشک فی شمول ما دل علی نجاسة المیتة لها و للأخبار الدالة علی ذلک مفهوماً و منطوقاً فمنها الصحیح النافی للبأس عن الصلاة فی صوف المیتة لأنّ الصوف لا روح فیه و یفهم من نفی البأس و من التعلیل نفی النجاسة و شمولها لجمیع الأفراد و الصحیح النافی للبأس عن اللبن و الصوف و الشعر و عظام الفیل و البیض و الحسن الدال علی أنّ اللبن و اللبأ و البیضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و کل ما یفصل من الشاة و الدابة فهو ذکی و إنْ أخذته منه بعد أن یموت فاغسله و فی رابع خمسه أشیاء ذکیة الإنفحة و البیض و الصوف و الشعر و الوبر و فی خامس عن السن و اللبن و البیضة و الانفحّة من المیتة و الشعر و الصوف فقال کله ذکی و فی سادس الشعر و الصوف و الوبر و الریش و کل نابت لا یکون میتاً و فی سابع عن البیضة من بطن المیتة قال تأکلها و فی ثامن عن الأنفحة لیس بها بأس أنّ الانفحة لیس فیها عروق و لا فیها دم و لا لها عظم و فی تاسع فی بیضة من است دجاجة قال إنْ کان اکتست الجلد الغلیظ فلا بأس بها و فی عاشر عشرة أشیاء من المیتة ذکیة القرن و الحافر و العظم و السن و الأنفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الریش و البیض إلی غیر ذلک من الأخبار و الإشکال فی هذا الحکم فی الجملة إنما الإشکال فی أنّ البیضة هل یشترط فی طهارتها اکتسائها الجلد الغلیظ کما فی الروایة و فتوی جملة من الأصحاب أو الأعلی کما فی فتوی جملة آخرین أو الصلب کما فی فتوی غیرهم و الظاهر أنّ المراد واحد و هو القشر الأبیض الذی إذا خرج جمد و إنْ لم یکن جامداً ما دام فیها علی ما یقال مع احتمال الفرق بین الغلیظ و الأعلی بان یکون لها قشر دقیق تحتانی جداً ثمّ

ص: 353

یکون فوقه آخر غیر غلیظ ابتداء ثمّ یغلظ بعد ذلک فیکون غلیظاً أو لا یشترط اکتساء الجلد الغلیظ لأصل الطهارة و عدم شمول ما دل علی نجاسة المیتة لها و حیلولة الجلد بینها و بین نجاسة المیتة فلا تنفعل و إنْ کان رقیقاً و لإطلاق الأخبار بطهارة البیضة مطلقاً و ضعف الروایة المتقدمة عن التقید و الأقوی الاشتراط للروایة المنجبرة بالفتوی و الاحتیاط الموافقة لما دل علی نجاسة المیتة و للشک فی مانعیة الجلد الرقیق عن وصول النجاسة فیقید بها إطلاق الأخبار الدالة علی نفی البأس عنها و یبقی الإشکال أیضا فی أنّه هل یجب غسلها عند أخذها أو لا و ینشأ الإشکال من إطلاق الفتوی و النصوص بحلیة البیضة و نفی البأس عنها و طهارتها و من أنّ الحلیة و الطهارة الذاتیة لا تنافی النجاسة العارضیة من ملاقاة المیتة برطوبة الثابتة بالقاعدة المسلمة عند الأصحاب من أنّ النجس ینجس مع الملاقاة برطوبة الموافقة للاحتیاط المؤیدة بحسنة حریز المتقدمة الدالة علی الأمر بغسل ما یؤخذ من الشاة بعد أن تموت فیحمل ما دل علی أنّ المأخوذ ذکی علی طهارته فی نفسه کما هو ظاهر فالحکم بنجاستها بالملاقاة هو الأقوی و یبقی الإشکال أیضاً فی اللبن بعد ثبوت طهارته الذاتیة فی أنّه طاهر غیر منفعل بملاقاة المیتة لإطلاق الأخبار بحلیته فإنّه ذکی للإجماع المنقول علی طهارته أو أنّه نجس للقاعدة المسلمة بین الأصحاب من انفعال الرطب بالنجاسة و من نجاسة المیتة الموافقة للاحتیاط و المفهومة من الأخبار و المؤیدة بالاعتبار و الدال علیها فحوی الأمر بغسل ما یؤخذ من المیتة و المشعر بها ما ورد فی الخبر عن لبن شاة میتة قال هو الحرام محضاً و الخبر الذاکر لجواز الانتفاع بالشعر و الوبر و الانفحّة و القرن قال و لا یتعدی إلی غیرها و العاضد لها إجماع (ابن إدریس) المنقول علی النجاسة فالنجاسة أقوی و تحمل الأخبار الدالة علی الطهارة علی إرادة الطهارة الذاتیة و یکون ترک التعرض للنجاسة العارضیة لظهوره و معلومیة حاله أو تطرح الأخبار الدالة علی طهارته مطلقاً لمعارضتها لما هو أقوی منها أو تحمل علی إرادة المشارفة علی الموت من لفظ المیتة و یبقی الإشکال أیضاً فی أنّه هل یشترط فی طهارة المأخوذ من المیتة من الشعر و الصوف و الوبر الجز أو یکفی القلع و منشأ الإشکال من إطلاق النص و الفتوی بالطهارة من دون استفصال و من أنّه یلحق به أجزاء غیر مستحیلة من أجزاء المیتة فلا یصح استعمالها و الأقوی الأوّل مع الشک

ص: 354

فی الالتحاق لأصالة عدمه و لصدق الشعر و نحوه علیه عرفاً فیدخل تحت ما دل علی الطهارة لهذه الأشیاء نعم مع العلم بالتحاق غیر المستحیل من الأجزاء المیتة فإنّه یجب اجتنابها حینئذٍ و یبقی الإشکال أیضاً فی أنّ ما یؤخذ هل یجب غسله مطلقاً للروایة الآمرة بغسله و لاتصاله بالنجس فینفعل بملاقاته أو لا یجب مطلقاً للأصل و حمل الروایة علی الندب أو علی ما مس المیتة برطوبة کالبیضة و شبهها أو علی ما اخذ قلعاً لمباشرة أصوله لجلد المیتة برطوبة أو یجب غسل ما اخذ قلعاً لمباشرته المیتة دون ما اخذ جز للأصل و الأقوی الوسط لأصل الطهارة و عدم تسلیم مباشرة أصولها لجلد المیتة برطوبة و الروایة محمولة علی ما قدمنا و الاحوط الأخیر و یبقی الإشکال فی أنّ طهارة هذه الأشیاء شاملة لما یؤخذ من میتة ما لا یؤکل لحمه لإطلاق جملة من الأخبار أو خاصة بمیتة ما یؤکل لحمه لاختصاص مورد الروایات بها و لأنّها المتیقن من الخروج عن القاعدة وجهان و الأقوی لإطلاق الفتوی و جملة من النصوص و یشعر به عموم التعلیل الوارد من الأخبار و أیضاً و یبقی الإشکال و أیضاً فی تحقیق الأنفحة بعد أن دل علی طهارتها الإجماع و الأخبار و کلام الأصحاب فی أنّها هی کرش الحمل و الجدی ما لم یؤکل کما نطقت به کلمات جملة من أهل اللغة و یساعده الاعتبار أیضا لأنّه لو کان من المائعات لتنجس نجاسة لا تقبل التطهیر أو أنّها شی ء یخرج من بطن الجدی اصفر یعصر فی صوفه مبتلة فی اللبن فیغلظ کالجبن کما ذکره جملة من أهل اللغة أیضا و ربما کان فی بعض الروایات دلیل علیه حیث أنّ فیها أنّها تخرج من بین فرث و دم و إنّه یعمل منها الجبن و الظاهر أنّه یعمل من هذا الأصفر و لکن الرکون إلی الثّانی و الحکم بالطهارة مما ینافی القواعد المتقدمة المسلمة التی لا یعارضها النص فضلًا عن المجمل المشتبه و الأخذ بالأوّل لا یخلو أیضاً من إشکال لمکان الإجمال إلّا أنّ الاحوط الأخذ بالأوّل مع لزوم غسلها ثمّ أنّ المقطوع به من کلام الأصحاب فتوی و المنقول علیه الإجماع و الموافق للاستصحاب و المنصوص علیه فی الأخبار الحاکمة بنجاسة المیتة مطلقاً و الحاکمة بعدم الانتفاع بالمیتة مطلقاً و الحاکمة بعدم جواز الصلاة بجلد المیتة و لو دبغ سبعین مرة إلی غیر ذلک و نقل عن (ابن الجنید) القول بطهارة جلد المیتة إذا دبغ استناداً لبعض الروایات الشاذة روایة و فتوی و عملًا الموافقة للعامة فلا تصلح لأنّ تکون

ص: 355

معارضاً لما تقدم و یبقی الکلام فی طهارة فارة المسک بعد القطع بطهارة المسک فتوی و نصاً سواء اخذ من حی أو من میت مذکی أو غیر مذکی فقیل بطهارتها مطلقاً و إنْ أخذت من میتة أو قطعت من حی و ربما نقل علیه الإجماع و دل علیه الصحیح النّافی للبأس عن الصلاة و فی الثیاب فارة مسک و قیل بنجاستها إن انفصلت بعد الموت و إلّا فطاهرة استناداً إلی أنّها جزء من المیتة و کل جزء نجس و للصحیح فیمن یصلّی و معه فارة مسک قال لا بأس بذلک إذا کان ذکیاً فإنّ الظاهر منه إرادة أنّه مذکی لا أنّه لم تصبه نجاسة من خارج لأنّ النجاسة الخارجیة لا تمنع الصلاة فی المحمول و إنما تمنعها المیتة و الحق أن یقال موافقاً للقواعد أنّ الفارة إن کانت مما تحله الحیاة فهی نجسة عیناً لا تقبل التطهیر سواء أخذت من حی أو میت ما لم تؤخذ من مذکی و ما دل علی جواز الصلاة بها مطلقاً أما مقید بما إذا کانت من مذکی کما دلت علیه الروایة الثانیة أو أنّه مستثنی من حکم المحمول من المیتة فی الصلاة و علی أی تقدیر فجواز الصلاة بها لا یدل علی طهارتها و إنْ کانت مما لا تحله الحیاة فهی طاهرة ذاتاً و إنْ وجب غسلها إذا أخذت من میتة و جازت الصلاة بها مطلقاً غسلت أم لم تغسل و الظاهر أنّ فارة المسک مما یحلها الحیاة فهی نجسة ذاتاً مع الموت و لم یثبت إجماع أو دلیل صالح علی طهارتها بحیث یخصص عموم أدلته نجاسة المیتة.

خامسها: الکلب و الخنزیر البریان نجسان

للإجماع بل الضرورة و للأخبار الدالة علی ذلک صریحاً بلفظ النجاسة و لازماً من الأمر بغسل ما لاقاهما فلا إشکال فی نجاستهما و ظاهر النص و الفتوی و الإجماع المنقول نجاستهما بجمیع أجزائهما لتعلیق الحکم علی الاسم الشامل لجمیع أجزائهما مما فیه روح و مما لا روح فیه لأنّهما مرکبان من الجزءین معاً و إنْ صدق الاسم مع انتفاء أحد الأجزاء إذ لا یشترط فی الجزء انتفاء الکل بانتفائه فلا شک أنّ الشعر من الکلب و إنْ لم یکن من البدن بل من النابت فیه و للأخبار الآمرة بغسل الید من شعر الخنزیر إذا أراد الصلاة أو مطلقاً و هی معتبرة مستفیضة منجبرة بفتوی الأصحاب و عملهم بعیدة عن مذهب العامة ظاهرة الدلالة فی النجاسة لکان الأمر بالغسل الظاهر فیها باتفاق أصحابنا و لا یعارض ذلک ما ذهب إلیه (المرتضی) من طهارة ما لا تحله الحیاة منهما للأصل و دعوی الإجماع و إنْ ما لا تحله

ص: 356

الحیاة لا یدخل فی الکلب و إنْ حکمه حکم ما لا تحله الحیاة من المیتة و الجمیع کما تری لا یخفی ضعفه بعد ما قدمنا نعم فی الخبرین عن الحبل من شعر الخنزیر یستسقی به الماء من البئر أ یتوضأ من ذلک الماء؟ قال (لا بأس و هما مع موافقتهما للتقیة صالحان لإرادة نفی البأس عن ماء البئر لا عن المأخوذ عن المأخوذ و لکنه لا ینفعل لکثرته أو لعدم ملاقاته للماء ثمّ أنّ الظاهر اختصاص الحکم بالبریین کما قدمنا و أما البحریین فلا یبعد طهارتهما للأصل و عدم انصراف إطلاق اللفظ إلیهما لو کان اللفظ حقیقة فیهما علی سبیل التواطؤ أو الاشتراک اللفظی و لو قلنا بمجازیة اللفظ بالنسبة إلیهما فلا إشکال فی عدم شمول الحکم لتقدم إرادة الحقیقة علی إرادة المجاز و عدم جواز استعمال اللفظ فی معنییه الحقیقی و المجازی و الاحوط تجنبهما لشبهة صدق الاسم و فتوی بعض الأصحاب.

سادسها: عرق الجنب من الحرام إذا أجنب فعرق أو عرق بعد أن أجنب نجس علی الأشهر

سواء کان من زنا أو لواط أو لحق بإدخال أو إنزال و فی إلحاق الأُمناء بالنظر أو اللمس أو التذکر إشکال و الظاهر الإلحاق و یدل علی أصل الحکم الأخبار الناهیة عن الصلاة به حتی یغسل و الناهیة عن الصلاة مطلقاً و هما من لوازم النجاسة فی هذا المقام بقرینة فتوی المشهور و ضعف سند الروایات مجبور بشهرة الفتوی کضعف الدلالة فی بعضها و بالإجماع المنقول علی النجاسة بل هو الحجة بنفسه و یؤید النجاسة أیضا ما ورد من النهی عن غسالة ماء الحمام معللًا باغتسال الزانی فیها و المجنب من حرام و مع ذلک فالقول بالطهارة أیضاً لا یخلو من قوة للأصل و ضعف الأخبار و انهدام قوة الانجبار بعد شیوع حکم النجاسة و انتشارها بین الخاص و العام و کان ینبغی لتوفر الدواعی إلی حکمها أن یکون من ضروریات الإسلام و کیف و لم یرد فیها خبر صحیح و لا لفظ صریح علی أنّه یلزم الحرج علی المباشرین للعصاة من الزناة و هم لا ینفک عن مباشرتهم أحد فی اغلب الأوقات و یؤیده أیضاً ما ورد من نفی البأس عن القمیص یعرق به الجنب و من أنّ العرق بالثوب من المجنب لیس شی ء فإنّه بإطلاقه شامل للحزام و لغیره و علی کل حال فلا یلحق بعرق الجنب من عرق فأجنب و لا یلحق به علی

ص: 357

الأظهر وطء الحائض أو الوطء فی الصوم لانصراف الأدلة المانعة لغیرهما و لا وطء الصبی بالنسبة إلیه.

سابعها: عرق الإبل الجلالة نجس

لفتوی مشهور المتقدمین و ربما یظهر من بعضهم دعوی الإجماع علیه للصحیحین الأمرین بغسل ما أصاب من عرقها و فی أحدهما الإبل و الآخر مطلق الجلالة و أفتی به بعض الأصحاب إلّا أنّ المشهور تخصیص الحکم بالأوّل و علی کل حال فالأخذ بالصحیحین المؤیّدین بما ذکرنا و بالبعد عن العامة و بالاحتیاط هو الأظهر و إنْ کان القول بالطهارة للأصل و فتوی المشهورین المتأخرین و حمل الأمر بالغسل علی الندب لا یخلو من قوة.

ثامنها: غیر الکلب و الخنزیر من أنواع الحیوان غیر الإنسان لیس بنجس

لفتوی الأصحاب و الأخبار و الأصول العقلیة و النقلیة کما أنّ ما یخرج من الحیوان غیر البول و الغائط و الدم و المنی أیضاً طاهر للأخبار و فتوی الأصحاب و الأصول العقلیة و النقلیة فمن حکم بنجاسة المسوخ استناداً لما لا یصلح سنداً أو بنجاسة الثعلب و الأرنب و الفارة و الوزغة استناداً لبعض أخبار آمرة بغسل الید و الثوب إذا مسّا بعضهما و بطرح الخبر الذی تیقن حکم ما أکلت منه بعضها و باهراق الماء الواقع فیه بعضها و بنزح ثلاث دلاء من البئر الواقع فیه بعضها کلها ضعیفة عن مقاومة القول بالطهارة المفتی بها فی المشهور و الموافقة للأصول العقلیة و النقلیة فلیحمل بعضها علی الندب و بعضها علی التقیة أو بنجاسة لبن الجاریة استناداً لروایة سکونیة لا یسکن إلیها و لا یعتمد فی مقابلة ما قدمنا علیها و کذا الحکم بنجاسة بعض ما یخرج من الذکر من مذی أو وذی لأخبار لا تصلح لمعارضة ما ذکرناه و قد تقدم الکلام فیها نعم لا یبعد القول بنجاسة الحیوان المتولد من نجسین إذا لم یصدق علیه اسم حیوان طاهر لحصول التبعیة من غیر معارض و للاستقراء الدال علی أنّ التبعیة فی الحیوان أصل و یحتمل الطهارة للأصل و عدم صدق اسم نجس العین و مدار النجاسة علی حصول اسمه و أما المتولد من طاهر و نجس فلا شک فی طهارته ما لم یدخل تحت اسم نجس العین و أما المتولد بین نجسین و قد دخل تحت اسم حیوان طاهر فالأقوی طهارته کما أنّ المتولد بین طاهرین أو طاهر أو نجس و قد دخل تحت اسم نجس العین نجس علی الأظهر.

ص: 358

تاسعها: الکافر نجس بجمیع أجزائه مما تحله الحیاة و مما لا تحله

اشارة

لصدق اسم الکافر علی جمیع أجزائه و إنْ بقی الصدق عند انتفاء بعضها و معنی الکفر قائم بالموصوف به جملة و لا خصوصیة لحلول الحیاة فی بعض دون آخر کما نسب (للمرتضی) و لا فرق فی الکافر بین الحربی و الذمی و المعاهد و بین الکتابی و غیره و بین الأصلی و المرتد و بین الفطری و الملی و بین من کان کفره لجحود أو شک متعلقین بالربوبیة أو الرسالة أو بلوازمهما المعلومة من الدین ضرورة أو متعلقین بما علم من الدین ضرورة من غیرهما من أحوال المعاد أو الفروع الضروریة و الدلیل علی ثبوت الحکم فی الجملة إطلاق فتاوی الأصحاب و الإجماعات المتکثرة المنقولة فی الباب و عموم الکتاب قال سبحانه و تعالی: (إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ) الدالة علی نجاسة المشرک و یتم فی غیره بعدم قول بالفصل بینه و بین غیره و إنْ قیل بالفصل بالنسبة إلی مورد آخر و یراد بالنجاسة المعنی الشرعی لظهور اللفظ الصادر من الشارع بإرادته و لدلالة تفریع (فلا یقربوا المسجد الحرام) علیه و لبعد إرادة بیان معنی القذارة أو بیان معنی الخبث الباطنی عن طریقة الحکمة الشرعیة و الأحکام القرآنیة فی الأوّل و عن استعمال لفظ النجاسة الوارد فی الکتاب و السنة فی الثّانی و یراد بالمشرک من جعل لله شریکاً فی قدمه أو فی تصرفه أو ولدا و نحوه فقد أطلق لله تعالی لفظ الإشراک علی الیهود حیث قالوا (عُزَیْرٌ ابْنُ اللّٰهِ) و علی النصاری حیث قالوا (الْمَسِیحُ ابْنُ اللّٰهِ) فقال: (تَعٰالیٰ عَمّٰا یُشْرِکُونَ*) و یدل علی ذلک أیضا الأخبار الناطقة صریحاً و فحوی بنجاسة جملة من أصناف الکفار اللازم من القول بنجاستهم نجاسة غیرهم ففی الموثق عن سؤر الیهودی و النصرانی یؤکل و یشرب قال لا و فی الصحیح فیمن صافح مجوسیاً قال یغسل یده و فی ثالث النهی عن الأکل من الطعام الذی یطبخون و فی رابع النهی عن الصلاة فی ثیاب الیهودی و النصرانی و النهی عن أکل المسلم مع المجوس فی قصعة واحدة و عن الصلاة فی الثوب الذی اشتری من النصرانی حتی یغسله و فی خامس النهی عن مواکلة المجوسی و إنْ یرقد معه و إنْ یصافحه و فی سادس النهی عن مخالطة المجوسی و الأکل من طعامهم و فی سابع النهی عن الوضوء بماء یدخل فیه النصرانی أو الیهودی یده إلّا أنّ یضطر و عن اغتسال المسلم مع النصرانی فی الحمام إلی غیر ذلک فمجموع ما ذکرناه و ما لم نذکره من الأخبار

ص: 359

یستفاد القطع بنجاسة الیهود و النصاری لأنّ إثبات هذه اللوازم بقرینة ما قدمنا تدل علی ثبوت ملزومها قطعاً و إذا ثبت نجاسة هذین الصنفین ثبت فی غیرهما بطریق أولی لعدم القائل بنجاستهما و طهارة غیرهما و مما یدل علی نجاسة غیرهما أیضا ما جاء فی الناصب و کفره و النهی عن الاغتسال بغسالة الناصب و الأمر بغسل الید عند مصافحته و إنّه شر من الیهودی و النصرانی و المجوسی و إنْ الله لم یخلق خلقاً انجس من الکلب و إنْ الناصب انجس منه و کذا الإجماعات المنقولة الدالة علی نجاسة الکافر مطلقاً و کذا قوله تعالی: (کَذٰلِکَ یَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لٰا یُؤْمِنُونَ) و ذهب جمع من أصحابنا إلی طهارة أهل الکتاب استناداً للأصل و قوله تعالی: (وَ طَعٰامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتٰابَ حِلٌّ لَکُمْ) فإنّ الظاهر من تخصیصهم بالذکر طهارة سؤرهم و إلّا لم یکن للتخصیص فائدة و الأخبار الدالة علی نفی البأس عن مواکلة الیهودی و النصرانی إذا کان من طعامکم و عن مواکلة المجوسی إذا توضأ و عن النصرانیة تخدمک و هی لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة إذا غسلت یدیها و عن عمل الیهودی و النصرانی خیاطة و صفارة و الدالة علی جواز الوضوء من إناء شرب فیه یهودی و علی جواز الأکل و الشرب مع أهله النصاری و علی أنّ طعام أهل الکتاب لا تاکله و لا تترکه تقول إنّه حرام و لکن ترکه تتنزه عنه أنّ فی آنیتهم الخمر و لحم الخنزیر إلی ذلک و الکل ضعیف لانقطاع الأصل و لعدم دلالة الآیة علی الطهارة لأنّ المراد بالحل الحل الذاتی و هو لا ینافی النجاسة العارضة و تخصیص أهل الکتاب بالذکر لکونهم الموجودین فی زمن النزول و المخالطین للمسلمین یومئذ أو یراد بطعام أهل الکتاب الحبوب إما لکونه حقیقة فیهما بالغلبة بعد أن کان لکل ما یطعم کما نبه علیه جملة من أهل اللغة و أما لکونه المراد هاهنا مجازاً بقرینة الأخبار المفسرة بالحبوب أو الحبوب و أشباهها أو الحبوب و البقول أو العدس و الحمص و غیر ذلک و لمعارضة الأخبار بالأخبار المتقدمة الموافقة للکتاب الدالة علی نجاسة أهل الکتاب و المخالفة للعامة لأنّهم یذهبون إلی الطهارة و الموافقة لفتوی الأصحاب بل الإجماع المحصل بل ضرورة الشیعة و سیرتهم و فی الخبر أما أنا فلا أدعوه و لا أواکله و إنی لأکره أن احرم علیکم شیئاً تصنعونه فی بلادکم ما یشعر بصدور هذه الأخبار تقیة علی أنّ اکثر أخبار الطهارة ضعیفة الدلالة قابلة للتأویل و الحمل علی

ص: 360

المباشرة من غیر رطوبة أو برطوبة فی غیر مأکول أو مشروب أو ملبوس فلیس لها قابلیة المعاوضة لما ذکرناه و ینبغی أن یعلم أنّ غیر من جحد ضروریاً من ضروریات الدین من فرق المسلمین ظاهر سواء کان ممن جحد النص علی خلافة سید الوصیین أو جحد أحد الأئمة (علیهم السلام) من بعده لأصالة الطهارة من غیر معارض من إجماع منقول أو شهرة محصلة أو أولویة إذ لیس لشرف (الإسلام) أمر من أهل الذمة و للزوم الحرج و العسر فی الحکم بنجاستهم و لعدم التجنب عنهم من الأئمة (علیهم السلام) و أصحابهم فی سائر الأعصار و الأمصار علی وجه یظهر أنّه لیس لمکان التقیة و الاضطرار و الآثار المنقولة من مباشرة سید المرسلین لجملة ممن جحد النص و طائفة من المنافقین و للأخبار المتکثرة الحاکمة بحل ما یوجد فی أسواق المسلمین و طهارته مع القطع بندرة الإمامیة فی تلک الأزمان و الأصقاع و للمعتبرة الدالة علی إسلامهم من حیث الشهادتین الدالة علی أنّ الإسلام (شهادة أنّ لا أله إلّا الله و محمدٌ رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)) و أنّه به حقنت الدماء و علیه جرت المناکحة و المواریث و علی ظاهره عامة الناس و هی متکثرة بأسانید مختلفة و تعابیر متقاربة مؤیدة بفتوی المشهور و عمل الجمهور فإذا ثبت إسلامهم ثبتت طهارتهم للأصل و الأخبار الدالة علی طهارة سؤر المسلم و أنّه احب من الوضوء من رکو ابیض مخمّر و غیر ذلک و لهذا ظهر ضعف قول من حکم بنجاسة المجبرة و من حکم بنجاسة المخالفین الذین جحدوا النص و من حکم بنجاسة من جحد أیّ إمام کان للروایات المتکثرة الدالة علی أنّ من عرف علیاً کان مؤمناً و من أنکره کان کافراً و من جهله کان ضالًا و علی أنّه باب من أبواب الجنة من دخله کان مؤمناً و من خرج من بابه کان کافراً و علی أنّ من عرفنا کان مؤمناً و من أنکرنا کان کافراً و علی أنّ من تبع علیاً کان مؤمنا و من جحده کان کافراً و من شرک فیه کان مشرکاً و علی أنّه باب الهدی من خالفه کان کافراً و من أنکره دخل النار و علی أنّ الکفر بعلی (علیه السلام) کفر بالله و الشرک به شرک بالله و الشک فیه شک فی الله و الإلحاد فیه الحاد فی الله و الإنکار له إنکار لله و علی أنّ الله تعالی عرف إیمانهم بموالاتنا و کفرهم بها إذ أخذ علیهم المیثاق فی عالم الذر إلی غیر ذلک من الأخبار من هذا القبیل و للأخبار الدالة علی أنّ من جحد النص و قدم الجبت و الطاغوت أو بغض الشیعة فهو ناصب و إنْ الناصبی لا یحتاج إلی امتحان اکثر من

ص: 361

تقدیم الجبت و الطاغوت و اعتقاده بإمامتهما و إنْ الناصبی من نصب لکم و هو یعلم أنکم متولونا و تتبرءون من أعدائنا و الدالة علی أنّ کل ناصب کافر و إنّه نجس و إنّه انجس من الکلب و إنْ الناصبی یمنع لطف الإمامة و هو عام و الیهودی یمنع لطف النبوة و هو خاص فثبت بذلک أنّ کل مخالف ناصبی ما عدا المستضعف کما دلت علی خروجه الأخبار و کل ناصبی نجس إجماعاً و الذی یدل علی مساواة باقی الأئمة (علیهم السلام) لعلی (علیه السلام) جملة مما تقدم و جملة من الأخبار الأخر الدالة علی أنّ الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أوّلنا و إنْ قوماً یفتنون بموسی اشر من النصاب و إنْ الزیدیة و الواقفیة و النصاب بمنزلة واحدة إلی غیر ذلک و الجواب عن الجمیع أنّ إطلاق الکافر و الناصب علی من جحد النص أو جحد إماما مجاز للمبالغة فی عنادهم و فسقهم و قبیح مالهم و سوء مصیرهم لأنّ الحق أنّهم مخلدون فی النار فی الآخرة بل تجری علیهم أحکام الکفر بعد انقطاعهم من الحیاة و یدل علی ذلک إطلاق الکافر علی تارک الصلاة أو الزکاة أو الحج فی الأخبار المتکثرة من غیر قرینة و لکن فتوی الأصحاب و الأدلة المتقدمة قرینة التجوز کما أنّها قرینة علی صرفها فی الأخبار الأُخر أیضاً و إلّا فالمتبادر من الکافر و المنصرف إلیه الإطلاق هو ما ضاد الإسلام و باینه حتی أنّ من أنکر ضروریاً من ضروریات الدین إنما جاء کفره من جهة کشفه عن إنکار الدین اللازم منه إنکار صاحبه الذی جاء به فالکافر المطلق هو من لم یتسمی بالإسلام و غیره ممن أطلق علیه الکافر أما کافر مضاف أو أنّه أطلق علیه اللفظ مجازاً و کذا اللفظ الناصب فإنّه حقیقة فی العدو لأهل البیت لأنّ النصب هو العداوة فإطلاقه علی غیر هم من باب المجاز و المبالغة و یمکن أن یقال أن الکافر المطلق لا یجامعه وصف الإسلام و الکافر المضاف یجامعه و المتیقن من دلیل نجاسة الکافر هو الکافر المطلق الذی لا یجامعه وصف الإسلام و أما من جامعه وصف الإسلام فهو طاهر للأصل و عدم شمول دلیل النجاسة له و علی کل حال فالمقطوع به الآن طهارة المخالفین أما لکونهم مسلمین أو للشک فی شمول دلیل الکفار لهم أو لأنّ الضرورة و التقیة أجرت علیهم أحکام من الطهارة و المیراث و حقن الدم و عصمة المال کما التزمه جماعة ممن حکم بکفرهم و أما المجبرة من المخالفین فقد حکم الشیخ بکفرهم لنسبتهم القبیح إلیه سبحانه و تعالی من أنّ إیجاد المعاصی و القبائح

ص: 362

و الکفر بمشیئته و إرادته و هو مناف لضرورة العقل و النقل و لقوله تعالی (سَیَقُولُ الَّذِینَ أَشْرَکُوا لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ مٰا أَشْرَکْنٰا وَ لٰا آبٰاؤُنٰا وَ لٰا حَرَّمْنٰا مِنْ شَیْ ءٍ کَذٰلِکَ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فإنّه سبحانه و تعالی جعل تکذیبهم کتکذیب الذین من قبلهم و هو التکذیب المطلق المتعلق بالعقل و النقل من الرسل و الکتب و فیه أنّا لا نسلم أنّ القول بالجبر ضروری الفساد بین المسلمین بحیث لا یتناکرونه بینهم بل هو من المسائل النظریة بین المعتزلة و الإمامیة و الأشاعرة و إنْ کان فساده قطعیاً علی أنّ القول بالجبر من المتشابه فی کلامهم و مما اختلفت فیه تفاسیرهم فالحکم بکفرهم بمجرد دعوتهم الجبر مشکل و أما المجسمة فالقائلون منهم بأنّه جسم لا کالأجسام مخالفون للدلیل القطعی قطعاً و أما کونهم مخالفین لضرورة المسلمین بحیث یحکم بکفرهم فلا یخلو من إشکال و أما القائلون منهم بأنّه جسم کالأجسام و کذا المشبهة له سبحانه فالظاهر أنّهم کالغلاة یحکم بکفرهم لإنکارهم ما علم من الدین ضرورة و من أنکر المعاد الجسمانی أو الجنة و النار الجسمانیین فقد أنکر ضروریاً و أما من جعل المعاد الجسمانی علی غیر النحو المعروف بین العلماء بان ادعی أنّ المعاد جسم خالص عن الأخلاط و المرکبات بل و العناصر أو ادعی أنّ الجنة و النار أجسام علی غیر طریقة الأجسام و کذا الصراط و المیزان و الصحف و ماء الکوثر و کذا قدم العالم علی نحو آخر و کذا الکلام النفسی و کذا الرؤیة الغیر بصریة و کذا الحلول و الاتحاد لا علی النحو المعلوم عند عامة الناس بل ادعی معان أخر لا یصل إلیها النظر و نحو ذلک فالظاهر أنّه علی الإسلام لیس منکراً لضروری من ضروریاته نعم من ادعی أنّ الأمور الأولیة أمور معنویة و لیس لها فی المحسوسات و المشاهدات مدخلیة و جعلها عبارة عن معانی خفیة و أوّل ما جاء السمع به إلی ما لا یقبله السمع و کذا من ادعی أنّ الأمور الأخیرة حقیقیة فإنّه یحکم بکفره و نجاسته و الظاهر أنّ المدار فی کفر الإنکار لضروری من ضروریات الدین هو الکشف عن إنکار سید المرسلین أما قطعاً أو عملًا بالظاهر مع من لم یعلم حاله لأنّ الأصل الطهارة و بقاء صفة الإسلام و لا نخرج عن ذلک إلّا مع القطع بطرق صفة الکفر و لم یعلم طروها من الإجماع و کلام الأصحاب إلّا فیما هو المتیقن و المتیقن من الخروج عن صفة الإسلام إلی صفة الکفر هو من کان إنکاره کاشفاً قطعاً أو کان علی ظاهر

ص: 363

الکشف ممن لا یعلم حاله و حینئذ ممن علمنا أنّ إنکاره لشبهة تمکنت منه أو کان شکه لذلک سیما فیمن یتطلب الحق و هو فی طریق النظر کان مسلماً طاهراً علی الأظهر نعم من کان فی طریق النظر غیر معتقد لأحد الأصول الدینیة الإسلامیة کان نجساً محکوماً بکفره و إنْ قلنا بعذره و من أنکر قطعیاً لا یحکم بکفره إلّا إذا علم أنّ إنکاره بعد قطعیته فیکشف عن إنکار الرسالة و یلحق بالناصب السّاب لله تعالی بلفظ صریح فی السب بعید عن احتمال التأویل أو للنبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أو الأئمة (علیهم السلام) أو للزهراء (علیها السلام) أو إهانة أحدهم أو الاستخفاف به بقول أو فعل و ربما یلحق بهم باقی الأنبیاء و الملائکة المقربین و کذا الهاتک لحرمة الدین بقول أو فعل کالبیت أو القرآن و شبههما من سب أو وضع فی القاذورات و شبهها و یدل علی ذلک فی الجملة ما ورد أنّ الکفر بعلی (علیه السلام) کفر بالله و إنْ الساب لعلی (علیه السلام) ساب للنبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و السب للنبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) سب لله تعالی و یضم إلی ذلک أنّهم طینة واحدة و إنْ آخرهم کأوّلهم و من أنّ الظاهر أنّ السب نصب من السّاب أیضاً فیدخل فی حکم النواصب و هم کفار نجسون و ربما کان فی سبهم هتک حرمة للدین و من هتک الحرمة فقد کفر للخبر و قد یؤید الحکم بکفرهم الحکم بقتل الساب فإنّ الظاهر منه أنّه لمکان الکفر و الارتداد لا لکونه حداً نعم یشکل الحکم بنجاسة الساب لباقی الأنبیاء و الملائکة المقربین (علیهم السلام) و کذا الهاتک لحرمة النعمة و من وضعها فی القذارة و سحقها بالنعال و شبه ذلک من إطلاق اسم الکفر علیه و من أصالة بالطهارة.

تذییل: أولاد الکفار الغیر بالغین و مجانینهم کالکفار فی الأحکام

و إنْ لم یتصفوا بصفة الکفر و کان حکم النجاسة دائراً مدارها فی الکافر لاتفاق الأصحاب علی تبعیتهم لهم من غیر مخالف یعتد به و للأخبار الدالة علی التبعیة لآبائهم و إنّهم کفار و إنّهم یدخلون مدخل آبائهم و إنْ أولاد المشرکین مع آبائهم فی النار و إنْ أولاد المؤمنین یلحقون بآبائهم و أولاد المشرکین بآبائهم و للسیرة المعلومة من معاملتهم فی الأحکام معاملة آبائهم فی سائر الإعصار و الأمصار فلا وجه للإشکال من نجاستهم حینئذٍ استنادا لأصل الطهارة و دوران النجاسة مدار صفة الکفر و لیس فلیس لما قدمناه من

ص: 364

الأدلة الدالة علی نجاستهم و ربما یؤیده أنّ أطفالهم من الحیوان المتولد بین نجسین فیتبعه فی الحکم إذا لم یصدق علیه وصف آخر و لو سبی ولد الکافر فالظاهر لحوقه بالمسبی فی الطهارة لرفع العسر و الحرج و للسیرة القاضیة بمساورتهم من غیر نکیر و للشک فی شمول دلیل التبعیة لمثلهم و لانقطاعه عن أبویه فلا یجری فیه الاستصحاب و أما أطفال المؤمنین فالمقطوع به تبعیتهم لآبائهم فی جمیع الأحکام فی الدنیا و الآخرة إلّا أنّه قد ورد فی جملة من الأخبار أنّ الأطفال تؤجج لهم نار فمن دخلها کان من أهل الجنة و من امتنع کان من أهل النار محمول علی أولاد الکفار فقط أو علی أولاد المسلمین الذین خرجوا عن الإیمان و لم یتصفوا بالکفر أو علی جمیع الأطفال و لکن أولاد المؤمنین یدخلون النار و أولاد الکفار یمتنعون.

عاشرها: یظهر من بعض الأخبار و کلام جملة من الأخیار أنّ ولد الزنی نجس و أنّه کافر و إنْ سؤره نجس

و ظاهرها أنّه لا یختار الإسلام باختیاره فتکون الأخبار کاشفة عن ذلک و إلّا فالقول بکفره و دخوله النار مع کونه مسلماً مؤمناً ظاهر البطلان عقلًا و نقلًا کالقول بأنّه مجبور علی الکفر ذاتاً و طبعاً و مع ذلک یعاقب تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً و الأقوی حمل الأخبار علی الکراهة لمعارضتها عموم الکتاب و السنة و فتوی الأصحاب و سیرة المسلمین و عدم اشتهار الحکم بالنجاسة مع توفر الدواعی إلی اشتهاره أو علی ولد الزنی عن الکفار و النصاب حمل ما جاء من عدم دخوله الجنة أنّه یثاب بثواب آخر غیر الجنة لا أنّه یدخل النار.

حادی عشرها: الخمر نجس

للإجماع المنقول و فتوی الفحول و لوصفه بالکتاب (بالرجس) الذی إذا تعلق بالأعیان کان الظاهر منه النجاسة الحسیة فی الخبر النهی عن الصلاة فیه معللًا بأنّه رجس و للأخبار الدالة علی غسل الثوب منه و من النبیذ و المسکر إذا عرف موضعه و إلّا غسل الثوب کله و إنْ صلی فیه أعاد الصلاة و علی النهی عن الصلاة فی ثوب أصابه خمر أو مسکر حتی یغسل کما فی الموثق و علی أنّه بمنزلة شحم الخنزیر أو لحم الخنزیر کما فی الصحیح و علی أنّه بمنزلة المیتة کما فی آخر و علی الأمر بغسل الإِناء منه کما فی آخر و علی الأمر بغسل الثوب المعاد لمن یشرب الخمر قبل الصلاة فیه کما فی الصحیح و علی النهی عن الشرب بأوانی الخمر کما فی صحیح آخر

ص: 365

و علی نزح البئر من صب الخمر فیها کما فی أخبار آخر إلی غیر ذلک من الأخبار المتکثرة الدالة علی النجاسة الموافقة لفتوی المشهور و عملهم و دلیل الاحتیاط و المخالفة لمذهب رؤساء العامة و کبارهم و عملهم و إنْ کانت المسألة فیما بینهم محل خلاف فلا یعارض ذلک ما ورد فی عدة أخبار من الحکم بالطهارة و أفتی بمضمونها طائفة من أصحابنا کالصحیح النافی للبأس عن الصلاة فی ثوب أصابه خمر قبل غسله لأنّ الثوب لا یسکر و الموثق النافی للبأس عن الثوب الذی یصیبه المسکر و النبیذ و الصحیح الآمر بالصلاة فی الثوب الذی یصیبه الخمر و المسکر إلّا أنّ تقذره فتغسل منه من موضع الأثر و الصحیح النافی للبأس عن الثوب یصب علیه الخمر إلّا أن تشتهی أن تغسله و الخبر النافی للبأس عن الصلاة فی الثوب یصیبه الخمر و ودک الخنزیر قبل غسله و الصحیح النافی للبأس عن الصلاة فی ثوب قد أصابه أو أصاب الرجل ماء المطر یصب فیه الخمر قبل غسله و الخبر النافی للبأس عن الامتشاط فی الخمر إلی غیر ذلک لضعف هذه الأخبار سنداً و دلالة و فتوی و عملًا عن مقاومة الأخبار الأولیة سیما و فی الأخبار الأولیة ما یدل علی حصول الاختلاف بین الأصحاب فی حکم الخمر فی زمن الأئمة (علیهم السلام) و کذا الاختلاف فی الروایات أیضاً (کصحیحة ابن مهزیار) و (خیران الخادم) و إنّهم سألوا إمام العصر (علیه السلام) فأفتی لهم بالأخذ بأخبار النجاسة و طرح أخبار الطهارة و من اللازم عندنا مع عدم المعارض الأخذ بقول الإمام (علیه السلام) المتأخر سیما إذا کان قوله (علیه السلام) نصاً فی اطراح بعض الأخبار دون بعض و حینئذٍ فحمل أخبار الطهارة علی التقیة لکون عمل الرؤساء و الحکام من الأمویین و العباسیین علیه أولی بل لو لا ضرورة العین القاضیة بحرمتها لأحلها أئمتنا (علیهم السلام) للتقیة و ما مال إلیه بعض أصحابنا من حمل أخبار النجاسة علی الندب جمعاً بین الأخبار ضعیف لا یلتفت إلیه لأنّ الجمع فرع المقاومة و لا مقاومة بینهما و لأنّ من أخبار النجاسة ما لا یقبل الحمل لاشتماله علی تشدید و مبالغة کقوله (علیه السلام) فی النبیذ ما یبل المیل ینجس حباً من ماء و لا قائل بنجاسته و طهارة الخمر و لکان ینبغی أنّ الأئمة (علیهم السلام) عند الرجوع إلیهم فی مقام اختلاف الأخبار الجواب باستظهار الاستحباب لا الحکم بالنجاسة علی أنّ ما ورد عن یونس من الاغتمام و تأخیر الصلاة حین أصاب ثوبه فقاعاً إلی أن یغسله

ص: 366

و استناده فی نجاسته إلی روایته عن (هشام بن الحکم) عن أبی عبد الله (علیه السلام) (أن الفقاع خمر مجهول ما یدل علی معروفیة نجاسة الخمر و مسلمیته).

ثانی عشرها: کل مسکر مائع بالأصالة نجس

للإجماع المنقول و فتوی الفحول و للأخبار الدالة علی وجوب غسل الثوب من النبیذ المسکر کما فی بعض و لا قائل بالفرق أو من النبیذ یعنی المسکر کما فی بعض آخر و علی النهی عن الصلاة فی ثوب أصابه خمر أو مسکر کما فی ثالث و علی أنّ القطرة من المسکر لو قطرت علی حب لأهریق کما فی رابع و لإطلاق لفظ الخمر علی المسکر المائع إطلاقا متعارفاً شائعاً نص علیه أهل اللغة ففی المجمع و الخمر فیما اشتهر بینهم کل شراب مسکر فظاهره أنّه مشهور و فی الصحاح سمیت الخمر (لأنّها ترکت و اختمرت) و فی الغریبین الخمر ما خامر العقل و فی القاموس الخمر ما أسکر من عصیر العنب أو عامّ کالخمرة و العموم أصحّ لأنّها حرمت و ما بالمدینة خمر عنب و ما کان شرابهم إلّا البسر و التمر سمیت لأنّها تخمر العقل و تستره أو لأنّها ترکت حتی أدرکت و اختمرت أو لأنّها تخامر العقل أی تخالطه و فی الأخبار أیضاً ما یدل علی ذلک:

فمنها: إنّ ما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر.

فمنها: کل مسکر خمر.

فمنها: ما ورد فی تفسیر قوله تعالی (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ) أما الخمر فکل مسکر من الشراب إذا خمر فهو خمر و إنما کانت الخمر یوم حرمت بالمدینة فضیخ البسر و التمر إلی آخر الحدیث و فیه مواضع من الدلالة غیر ما ذکرنا.

فمنها: عن ابن عباس فی تفسیرها یرید بالخمر جمیع الأشربة التی تسکر.

فمنها: الصحیح قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (الخمر من خمس العصیر من الکرم و النقیع من الزبیب أو التبع من العسل و المرز من الشعیر و النبیذ من التمر).

فمنها: الخبر قال سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) یقول (إنّ من العنب خمراً و إنْ من الزبیب خمراً و إنْ من التمر خمراً و إنْ من الشعیر خمراً).

فمنها: الخبر عن علی بن الحسین (علیهما السلام) (الخمر من خمسة أشیاء من التمر و الزبیب و الحنطة و الشعیر و العسل) و زاد فی روایة سادساً الذرة.

ص: 367

فمنها: الخبر ثمّ أنّ إبلیس (لعنه الله) بعد وفاة آدم (علیه السلام) ذهب فبال فی أصل الکرمة و النخلة فجری الماء فی عودها ببول عدو الله فمن ثمّ یختمر العنب و التمر فحرم الله علی ذریة آدم (علیه السلام) کل مسکر لأنّ الماء جری ببول عدو الله فی النخلة و العنب و صار کل مختمر خمراً فالمفهوم من کلام جملة من أهل اللغة و من هذه الأخبار أنّ الخمر حقیقة فی کل مسکر فلا یعارضه ما نقل عن جماعة أخری من اللغویین و ما یظهر من بعض الأخبار من عطف المسکر علیها أنّها هی المتخذة من عصیر العنب لا غیر کما ذهب إلیه بعض الأصحاب و ادعی أنّ العرف یساعده أیضاً و وجه عدم المعارضة أنّ من فسرها بکل مسکر مثبت و من فسرها بالأخص کالنافی و المثبت مقدم علی النافی فی نقله و لا اقل من حصول التعارض فیرجح الوضع العموم مما جاء فی الأخبار سلمنا کونها حقیقة فی الأخص و لکن لا نسلم کونها مجازاً فی غیره بل نقول هی مشترک بینهما لفظاً جمعاً بین کلامهم و لکنه یراد فی الأخبار عند إطلاق الخمر هو المعنی العام بقرینة الأخبار الأخر المبینة لإرادة کل مسکر من لفظها فی الکتاب و السنة سلمنا أنّه مجاز لکنا نقول هو مجاز مشهور ینصرف إلیه إطلاق اللفظ فی الکتاب و السنة سلمنا أنّه غیر مشهور أو مشهور لا ینصرف إلیه الإطلاق و لکن لا نسلم أنّه لم یصیر حقیقة شرعیة لکثرة استعماله فی الکتاب و السنة فی المعنی الأعم و لا نعنی بالحقیقة الشرعیة إلّا ذلک سلمنا أنّه لم یصیر حقیقة شرعیة و إنّه باق علی مجازیته و لکن لا نسلم أنّه لا یراد هذا المجاز من لفظ الخمر فی الأخبار الدالة علی نجاستها بل الظاهر إرادته بقرینة الأخبار الأُخر و کلام الأصحاب سلمنا عدم إرادة العموم من لفظ الخمر لکن لا نسلم أنّ حکمه غیر حکم الخمر من النجاسة لإطلاق لفظ الخمر علیه فی الأخبار قطعاً فأما أن یراد بیان وضع لفظ الخمر له أو بیان مشابهته لها و استعارتها له فعلی الأوّل لا إشکال فی النجاسة و علی الثّانی فالظاهر مساواة المشتبه للمشتبه به و مساواة المستعار له و المستعار منه فی جمیع الأوصاف أو فی الأوصاف الظاهرة و لا شک أنّ النجاسة من الأوصاف الظاهرة المنصرف إلیها إطلاق التشبیه و أما المسکر الجامد بالأصالة فلا شک فی طهارته للأصل و عدم انصراف أدلة التحریم إلیه و لفتوی الأصحاب و لو ماع بالعرض فالاحوط تجنبه تخلصاً من شبهة عدم الحکم له.

ص: 368

ثالث عشرها: الفقاع نجس

للإجماع و فتوی الأصحاب و الأخبار الدالة علی أنّه خمر مجهول کما فی روایة (و أنّه حرام و هو خمر) کما فی ثانیة (و هو خمر استصغره الناس) کما فی ثالثة (و هو خمر و فیه حد شارب الخمر) کما فی رابعة (و لا تقربه فإنّه الخمر) کما فی خامسة (و هو الخمر بعینها) کما فی سادسة (و هو خمر مجهول و فیه حد شارب الخمر) کما فی سابعة (و لو أنّ لی سلطاناً علی أسواق المسلمین لرفعت عنهم هذه الخمرة) کما فی ثامنة و فی بعض الأخبار من غیر طرقنا أنّ الفقاع هی الغبیراء التی نهی النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) عنها و إنْ الغبیراء هی الاسکرکة و إنْ الاسکرکة هی الخمر و إنْ الفقاع نبیذ الشعیر فإذا نشأ فهو خمر و حیث إنّه صدق علیها لفظ الخمر کانت أما خمراً حقیقة أو مجازا علی وجه الاستعارة و هو قاض بعموم التشبیه فثبت له جمیع أحکام المشتبه به أو أوصافه الظاهرة و من أظهر أوصاف الخمر النجاسة فلا إشکال فی الحکم إنما الإشکال فی أنّ الفقاع هل یدور الحکم من التحریم و النجاسة علیه من حیث هو أو إذا اتصف بالاسکار ظاهر إطلاق النص و الفتوی الأوّل و الظاهر أنّه مع النشیش و الغلیان یکون مسکراً و یستعمل للاسکار عند کثیر من الناس و هل تحریمه مدار النشیش و الغلیان أو یدور مدار نفس صدق الاسم أو أنّ ما لم یکن فیه نشیش و غلیان لیس بفقاع لأنّه مأخوذ من مفهومه أن یعلو علی رأسه مثل الزبد کما صرح به بعضهم وجوه أقواها الأوّل لما ورد فی الصحیح إلی ابن أبی عمیر کان یعمل (لأبی الحسن) فقاع فی منزله قال ابن أبی عمیر و لم یعمل فقاع یغلی و فی آخر لا تقرب الفقاع إلّا ما لم تضر آنیته أو کان جدیداً و الظاهر أنّه لخوف نشیشه و لکن إطلاق الفتوی و الروایة یقضیان بحرمته مطلقاً فعلی هذا یشکل ما یصنعه الأطباء من ماء الشعیر إلّا أن یقال أنّ له عملًا آخر به یسمی فقاعاً و مع الشک فالأصل الطهارة و من هنا یظهر إشکال آخر و هو أنّه هل یختص بالمتخذ من الشعیر أو أنّه لا یختص بذلک بل یدور مدار الاسم کالمتخذ من الحنطة و غیرها ثمّ إذا جعلناه دائراً مدار الاسم فهل نحکم علی ما یسمی الیوم فقاعاً فی الأسواق أنّه هو الفقاع المحرم لأصالة عدم النقل أو نجری الأصل فیما علمنا أنّه من الشعیر أو ما لم نعلم حاله و أما ما علمنا أنّه من غیر الشعیر فلا یثبت أنّه فقاع و الأصل الطهارة وجهان أحوطهما الأوّل.

ص: 369

رابع عشرها: عصیر العنب نجس إذا غلا و اشتد

أی ثخن بعد غلیانه و صار له قوام لفتوی مشهور الأصحاب و للإجماع المنقول فی الباب و لملازمة الاسکار عند الاشتداد غالباً علی الظاهر فیدخل فی المسکر لأنّ المراد المسکر المنشئانیة للاسکار و إنْ لم یکن مسکراً فی جمیع الأطوار و للموثق علی نسخة التهذیب عن الرجل من أهل المعرفة یأتینی بالبختج و یقول قد طبخ علی الثلث و أنا أعرف أنّه یشربه علی النصف فقال خمر (لا تشربه) و البختج هو عصیر العنب المطبوخ علی ما حکی فإطلاق الخمر علیه یقضی بثبوت أحکامها لهو مطلقاً أو الظاهرة فقط و من الظاهرة النجاسة و لا ینافی نقصان لفظ الخمر من الروایة فی نسخة الکافی لترجیح المثبت علی النافی و لخبر أبی بصیر عن الطلا إن ذهب منه اثنان و بقی واحد فهو حلال و ما کان دون ذلک فلیس فیه خیر و الطلا هو المطبوخ من عصیر العنب علی ما حکی و للأخبار الدالة علی أنّ الخمر من خمسة وعد منها العصیر من العنب خرج ما قبل غلیانه و اشتداده فیبقی الباقی و قد یناقش فی الإجماع المنقول بحصول الظن بعدم تحققه لإنکار الشهید (رحمه الله) القول بنجاسة العصیر غیر المسکر عن غیر ابن حمزة و المحقق و فی الخبر بضعف الظن بما فی نسخة التهذیب مع عدم وجودها فی الکافی الذی هو اضبط علی أنّ التشبیه یکفی فیه أظهر الأفراد الذی هو الحرمة و فی الخبر بضعف الدلالة لأنّه مع حرمته لا خیر فیه و فی الأخبار الدالة علی الخمر من خمسة یراد بها حالة الاسکار و التخمر کما هو المفهوم من لفظ الخمر لا مطلقاً کما هو الحال فی بقیة الخمسة من النقیع و البتع و نحوها هذا إنْ قلنا أنّ العصیر جملة مبتداه و إنْ قلنا أنّه بدل من الخمسة فلا دلیل فیها و مع هذه المناقشة فالأقوی الحکم بالنجاسة لأنّ التخطی عما نسب للمشهور و أشعرت به الروایات و نقل علیه الإجماع لا وجه له هذا کله مع الغلیان و الاشتداد و أما لو غلی و لم یشتد و قلنا بعدم التلازم بین الغلیان و الاشتداد کما تخیله بعضهم فالظاهر بقاءه علی الطهارة لعدم دلیل یرکن إلیه علی نجاسته بل الظاهر من لفظ الطلا و البختج هو ما کان له نوع اشتداد فی الجملة کما أنّه لا إشکال فی طهارة ما عدا العصیر العنبی من الحصرمی و الزبیبی و التمری و نحو ذلک للأصل و عدم المخرج عنه من فتوی أو روایة مضافاً إلی أنّه یظهر من بعضهم الإجماع علی طهارة ما عدا العنبی و سیما التمری و فی الخبر أنّ

ص: 370

النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) یسأل عن التمر المطبوخ فی الماء فأجابهم بأنّه یسکر فقیل نعم فقال کل مسکر حرام و دعوی أنّ العصیر الزبیبی بل التمری نجس لما ورد من بول إبلیس (لعنه الله) فی شجرتیهما دعوی باطلة لأنّ ذلک البول لیس بنجس بل هو من المعانی الخفیة و لأنّ البول إنما یظهر أثره بعد التخمیر کما دلت علیه الروایات و لأنّ البول استحال إلی الطاهر فالأصل الطهارة حتی یقوم شاهد علی النجاسة و الظاهر أنّ المراد بالعصیر العنبی المحرم شربه إجماعاً و المحکوم بنجاسته علی الأقوی هو ما سمی عصیراً عرفاً و هو الماء المستخرج من العنب بعصر أو دق أو غمز أو تثقیل أو بتنقیع له بعد یبسه فیستخرج ماءه أو بوضعه علی نار فیخرج منه و العصیر و إنْ کان هو المعصور لغة إلّا أنّ الباقی یشارکه فی الاسم عرفاً أو فی الحکم قطعاً من غیر عثور علی خلاف فیه فعلی ذلک لا یحکم بنجاسة الماء الملقی فیه بعض حبات لم تخرج اسم الماء عن إطلاقه و إنْ غلی الماء و اشتد و لا بماء ألقیت فیه حبات إحالته خلًا قبل صدق العصیر علیه لقلة ممازجة ماء العنب للماء و لا بمائع آخر من دبس أو دهن القی فیه عنب یابس فغلی من دون غلیان مائه أو ماء مطلق قد مازجه و الاحتیاط فی بعض الصور لا ینبغی أن یترک و المراد بالغلیان أن یصیر أعلاه أسفله و بالعکس و النشیش أن یصیر أسفله أعلاه و الظاهر أنّه مقارب للغلیان و لا یتفاوت الحال بین کونه یغلی لنفسه أو بنار أو بشمس أو غیر ذلک نعم یختص الغلیان حرمة و نجاسة بما استخرج من العنب و لو بممازجة الماء المطلق فلا یسری إلی العنب نفسه لو غلی ماؤُه الذی هو فیه من دون خروج أجزاء من مائه إلی خارج.

القول فی المطهرات

و هی أنواع.

أحدها: الماء المطلق العاری عن ممازجة ما یسلبه الإطلاق عرفاً

و هو رأس المطهرات و أکملها و به امتن الله علی عباده و لکن المتیقن من دلیل التطهر به هو کونه مطهراً فی الجملة فهو بالنسبة إلی المطهر و إلی کیفیة التطهیر مجمل لا عام حتی یستدل به علی جواز التطهیر لکل شی ء بکل حال علی تحویل یحتاج فی مقام الشک إلی بیان و سیجی ء التفصیل إن شاء الله تعالی و لا یجوز التطهیر بغیر الماء المطلق من المیاه المضافة

ص: 371

و المائعات لاستصحاب النجاسة إلّا مع یقین المزیل و لفتوی الأصحاب إلّا ممن لا یعتد به و لسیرة المسلمین و عملهم و لاختصاص الأخبار بالماء المطلق.

ثانیها: الشمس مطهرة فی الجملة للنجاسة الخالیة عن الجرم المانع عن ذهاب حکمها

بإشراق عینها علیها و تجفیفها بها للإجماع المنقول و فتوی الفحول و الشهرة المحصلة و لزوم العسر و الحرج لولاه بل ربما یدعی أنّ سیرة المسلمین علیه و للخبر المنجبر بما ذکر و هو ما أشرقت علیه الشمس فقد طهر و للصحیح عن البول یکون علی السطح أو فی المکان الذی أصلی فیه فقال إذا جففته الشمس فصلّ علیه فهو طاهر و الظاهر أنّ المراد بلفظ الطاهر هو المعنی الشرعی المنصرف إلیه الإطلاق دون المعنی اللغوی کما قد یتخیل و اختصاصها بالبول یدفعه عدم القول بالفصل و تنقیح المناط و کذا خصوص السطح و للصحیح الآخر عن السطح یصیبه البول أ یصلی فیه؟ قال: (إن کان تصیبه الشمس و الریح و کان جافاً فلا بأس و الظاهر ملازمة الصلاة للسجود فی زمن الصدور) و للموثق الناهی عن الصلاة فی الموضع القذر الذی لا تصیبه الشمس و قد یبس حتی یغسله و فیه عن الشمس هل تطهر الأرض قال إذا کان الموضع قذراً من البول أو غیر ذلک فأصابته الشمس ثمّ یبس الموضع فالصلاة علی الموضع جائزة فإنّ الحکم بعدم جواز الصلاة أوّلًا إلی حال الغسل و السؤال عن الطهارة ثانیاً و الجواب بجواز الصلاة ظاهر فی إرادة الطهارة دون مجرد جواز الصلاة عفواً و إنْ کان المحل نجساً أو أنّ السجود علی غیر تلک الأرض لأنّ الظاهر من الصلاة علیها هو السجود علیها کما هو المعلوم أیام الصدور بل یکفی فی الاستدلال علی الطهارة جواز الصلاة الظاهر فی جواز السجود المتفق علی اشتراط طهارة محله و اطلاق جواز الصلاة من دون تفصیل بین مماسته برطوبة و عدمها و دعوی أنّ العدول فی الجواب عن سؤال الطهارة إلی جواز الصلاة مما یؤذن ببقاء النجاسة و جواز الصلاة عفواً غیر مسموعة لبعدها عن المطابقة للسؤال و لأنّ المفهوم عرفاً من هذا الجواب أنّه جواب باللازم لإفادة السائل الملزوم لأنّه عدول إلی جواب آخر و لا ینافی الاستدلال بهذه الروایة ما فی ذیلها من أنّه إذا کان الموضع قذراً و إصابته الشمس و لم ییبس فلا تجوز الصلاة فیه و إنْ کانت رجلک رطبة أو جبهتک أو غیر ذلک منک ما یصیب ذلک الموضع القذر فلا تصلی علیه

ص: 372

و إنْ کان عین الشمس إصابته حتی ییبس فإنّه لا یجوز لرجوع إلّا بذلک إلی الموضع القذر غیر الیابس لجهة غیر یابس و لکن لا تتعدی منه النجاسة و لکن إذا کانت الجبهة رطبة تعذر لسقوط و إنْ کان عین الشمس إصابته فی المروی فی آخر أبواب الزیادات من التهذیب فیضعف الظن بصحته و لتبدیل العین بالغین المعجمة العین المهملة الرائج فی نسخة أخری فلا یصلح أن یکون ذیلها مع ذلک معارضاً لصدورها و لتذکیر الضمیر فی إصابة و المتیقن من هذه الأخبار و الإجماعات المحکیة و الشهرة المستفیضة تطهیر الشمس بعینها لا بحرارتها و إنْ تکون مستقلة لا منضمة إلی ریح أو شبهه بحیث یستند التحقیق إلی المجموع و إنْ تجفف الرطوبة عرفاً بحیث تذهب عین النجاسة و إنْ لم تضر یابسة أصلًا و رأسا و إنْ یکون النجس أرضاً من بناء أو غیره و إنْ یکون متواصلا فی الأرض و البناء أو مفصولًا من القطع الکبار التی لا یمکن نقلها و غسلها و إنْ یکون مع عدم وجود أجزاء عینیة من النجاسة و أما کون النجس بولًا دون غیره فهو ملغی قطعاً خلافاً للمنقول عن العلامة (رحمه الله) و مع اجتماع هذه الأمور لا إشکال فی الحکم إنما الإشکال فی غیر الأرض من المثبت فیها من الأخشاب و الأبواب أو النّابت فیها کالأشجار و النخیل و الثمرة أو المفروش علیها من الحصر و البواری مع عسر نقلها عادة و الأظهر الحکم فیها بالتطهیر أیضاً لعموم أدلة نفی العسر و الحرج و لملازمة الأرض غالباً لما یثبت فیها من الأشیاء الخارجة عنها مع ترک الاستفصال و للشهرة المحکیة بل المحصلة سیما من المتأخرین و للإجماع المنقول علی الحصر و البواری المتنجسة بالبول و لعموم ما أشرقت علیه الشمس فقد ظهر المنجبر بما ذکرنا کالرضوی فیما عدا الثیاب و کون الخارج اکثر من الداخل لا یقدح فی الحجیة بعد انجباره بما تقدم سیما و إنْ الظاهر مما أشرقت علیه ما کان معداً للإشراق کالأرض و شبهها و للصحاح النافیة للبأس عن الصلاة علی البواری یصیبها البول أو یبل قصبها بماء قذر إذا جفت من غیر أن تغسل و ظاهرها الطهارة لظهور نفی البأس عن الصلاة فی نفیه عن السجود لتلازمها فی الزمن الأوّل غالباً و لترک التفصیل فیها بین کون المباشر رطباً أو لا فی مقام البیان و احتمال أنّ السؤال کان لاحتمال اشتراط طهارة مکان المصلی فی غیر موضع الجبهة فیکون الجواب علی طبقه بعید بالنسبة إلی ما ذکرنا نعم یخرج من هذه الأخبار الجفاف بغیر الشمس

ص: 373

لشذوذ القول به و ضعفه و متروکیته و یبقی حکم الجفاف بالشمس داخلًا فیها علی أنّ هذه کالمطلق و ما دل علی تطهیر الشمس بالجفاف کالمقید فسیحمل ما کان کالمطلق علی ما کان کالمقید و یؤید عموم الحکم للحصر و البواری و المثبت فی الأرض قوله فی الصحیح المتقدم أو المکان الذی یصلی علیه و ربما استدل بعضهم علی طهارة ما جففته الشمس من غیر ما انعقد الإجماع علی بقاء نجاسته بأصالة الطهارة عند الشک ببقاء النجاسة و عدمها أما لعدم حجیّة الاستصحاب أو لحجیته فی نفسه و لکن لمعارضته باستصحاب طهارة الملاقی لا یثمر تنجیساً فیه و هذه الثمرة هی العمدة فی إثبات الطهارة و النجاسة و هو ضعیف لحجیة الاستصحاب عندنا و لجریان أحکام المستصحب علی الملاقی و إنْ کانت طهارته مستصحبة لأنّ استصحاب النجاسة وارد و الموارد من الاستصحابین یحکم علی المورود و اکثر لوازم الأصول من هذا القبیل و لو لم نحکم الوارد علی المورود فیها لبطلت ثمرات الأصول أصلًا و رأساً فظهر بمجموع ما ذکرنا بطلان القول بعدم تطهیر الشمس لما جففته مطلقاً و إنْ جازت الصلاة علیه استناداً فی جواز الصلاة للأخبار المتقدمة و فی بقاء النجاسة إلی (مضمر بن بزیع) عن الأرض و السطح یصیبه البول و ما أشبهه هل تطهره الشمس من غیر ماء قال کیف یطهر من غیر ماء و لا دلیل فیه علی بقاء النجاسة لظهور إرادة أنّ تطهیر الشمس لا یکون إلّا لما کان ماء أو رطباً کالماء فتجففه إلّا أنّ الماء مطهر له دون الشمس و إلّا لکان التعبیر بغیر هذه العبارة کأن یقول هل تطهره الشمس أو یطهره الماء أو شبهها أولی علی أنّه موافق لمذهب جملة من العامة علی ما حکی و کذا بطلان القول باختصاص تطهیر الشمس بالتجفیف للبول خاصة أو هو مع الماء النجس خاصة أو ما عدا الخمر خاصة أو اختصاصه بالأرض خاصة أو بها و بالحصر و البواری خاصة أو بالاثنین خاصة و کذا بطلان القول بتطهیرها لما ینقل من حجر الاستنجاء إذا کانت نجاسته حکمیة أو لغیر القطن و الکتان مما عمل من نبات الأرض من خشب و خوص و لیف و شبهها و کذا بطلان احتمال تطهیر الریح المصاحب للشمس و إنْ أوهمته الروایة المتقدمة و نقل عن الشیخ الفتوی به و لکنه شاذ متروک لا یعتد به نعم الریح التی لا تنفک عنه الشمس غالباً لا بأس بها لاستناد التجفیف إلی الشمس و ینبغی أن یعلم أنّ نفس عین الشمس

ص: 374

هی المطهرة فلو کان دونها حاجب کثیف لم یحصل بها التطهیر و لو کان خفیفاً غیر مانع من إشراق الشمس عرفاً فلا بأس به و الظاهر إنّها مطهرة للظاهر و الباطن المستند بتجفیفه إلی إشراقها علی ظاهره و إلّا لقلت الثمرة بل انتفت فی اغلب المواضع نعم ذو الوجهین کالحائط و الحصیر لا یطهر إلّا وجهه الظاهر إذا وصلت النجاسة إلی الوجه الآخر مع احتمال تطهیرها للوجهین فی الحصیر و شبهه و الظاهر أنّ الأحجار المرمیة فی الأرض ما لم تکن من وجه الأرض أو البناء لا تطهرها الشمس إلّا إذا بنیت و ابتلت وجفت و الظاهر أنّه لا بد من العلم باستناد التجفیف إلی الشمس فلو شک لم یطهره و لو قیل بکفایة الظن هنا و الظاهر کان قویاً لقلة الفائدة لو لا ذلک و لما تشعر به بعض الأخبار عند التأمل و الظاهر أنّ المثبت فی الأرض لفائدة أخری من قیر أو آنیة یسقی دواب أو خشب صندوق علی ضریح و شبهه حکمه حکم الأرض و الاحتیاط لا یخفی.

ثالثها: الأرض مطهرة فی الجملة

إجماعاً فتوی و روایة عامة کقوله (علیه السلام) (جعلت لی الأرض مسجداً و طهوراً) و خاصة متضمنة لأنّ الأرض یطهر بعضها بعضاً و معناه أما أنّ البعض یطهر لما تنجس من البعض منها فعدل إلی ذلک للاختصار کما یقال الماء یطهر البول أی للمتنجس منه و علی ذلک فیختص تطهیرها لما تنجس منها و لکن بإلغاء الفارق و عدم القول بالفرق یتم المطلوب و أما أنّ البعض یطهر بعضاً من الأشیاء فیکون من قبیل المجمل المفتقر إلی بیان و أما لأنّ بعضها یطهر بعضاً منها أی من الأجزاء المتعلقة بما تطهره الأرض من قدم أو خف أو نحوهما و أما أنّ بعضها یطهر بعضاً منها باعتبار انتقال النجاسة من أرض إلی أخری مرة بعد مرة إلی أن تستحیل و تستهلک و أما لأنّ أصل الأشیاء هو الأرض فالمطّهر و المطهر أرض (منها خلقناکم و فیها نعیدکم) و علی کل حال فوجه دلالتها علی التطهیر بها ظاهر و الحکم مختص بما یسمی أرضاً من حجر أو تراب أو طین مفخور و لا یسری للمعادن و النباتات اقتصاراً علی المورد المدلول علیه بالدلیل و ما ورد فی صحیح زرارة من الأمر بمسح الرجل حتی یذهب أثرها و یصلی لمن ساخت رجله بالعذرة محمول علی ما هو المتعارف و نطقت به الأخبار من مسحها فی الأرض نعم ما ذکرناه من حصول التطهیر بالأرض مجمل بالنسبة إلی الکیفیة و إلی نفس ما یطهر بها و الظاهر فی الأوّل من مجموع الأخبار و کلام

ص: 375

الأخیار أنّ کیفیة التطهیر بها هو أن یستند إزالة النجاسة إلیها کالغسل بالماء سواء کان بدلک أو مسح أو مشی أو نحو ذلک و الوارد فی الأخبار المسح و المشی و شبهها مثلهما لأنّ المفهوم من النصوص و الفتاوی ذلک و لا تقدیر فی المشی علی الأقوی فما دلت علیه (صحیحة الأحول) من اشتراط وطئ خمسة عشر ذراعاً و نسب (لابن الجنید) القول به محمول علی بیان الإرشاد إلی ما تزول به النجاسة غالباً أو علی الاستحباب لعدم قابلیة الروایة لتقید ما ذکرنا و الظاهر أیضاً أنّه لا یتفاوت فی التطهیر بها بین النجاسة الحکمیة و النجاسة العینیة إذا زال أثرها بها و لا بین کون النجاسة رطبة أو جافه نعم لو بقیت رطوبة النجاسة العینیة کرطوبة البول أو العذرة فالاحوط توقف التطهیر علی التجفیف و لو کانت الرطوبة من متنجس فلا إشکال فی حصول الطهارة لإطلاق الأخبار و کلام الأصحاب و هل یشترط طهارة الأرض المطهرة للشک من حصول التطهیر مع القطع بالنجاسة و استصحابها و لبعد تطهیر النجس و لظهور أنّ الأرض طهور هو الظاهر المطهر و لإشعار التشبیه فی قوله (علیه السلام) (جعل التراب طهوراً) کما جعل الماء طهوراً بمساواته للماء و الماء النجس لا یفید طهارة إجماعاً و لقوله (علیه السلام) فی المروی عن (دعائم الإسلام) (إذا مشی علی أرض نجسة ثمّ طاهرة طهرت قدمه) و لإشعار صحیحة الأحول فی السؤال عمن وطأ أرضاً نظیفة بعد ما وطأ قذرة بتوقف التطهیر علی نظافة الأرض أو لا یشترط لإطلاق الأخبار و کلام جملة من الأخیار و ترک الاستفصال فیها فی مقام البیان دلیل علی عدم الاشتراط وجهان أظهرهما و أحوطهما الأوّل و هل یشترط جفاف الأرض للشک فی حصول الطهارة فی المبتلة بعد القطع بها و لقوله (علیه السلام) فی روایة (المعلی بن خنیس) أ لیس وراءه شی ء جاف؟ قلت بلی قال لا بأس و قوله (علیه السلام) فی المروی فی مستطرفات السرائر أ لیس تمشی بعد ذلک فی أرض یابسة؟ قلت بلی فقال لا بأس أنّ الأرض إلی آخره و لأنّ الأرض الجافة ابلغ فی حصول التطهیر أو لا یشترط لإطلاق جملة من الأخبار و فتوی الاکثرین من الأصحاب و حمل ما دل علی الجفاف علی الاستحباب و الإرشاد وجهان أقواهما و أحوطهما الأوّل و لو کانت الأرض وحلًا أو طیناً فلا شک بعدم تطهیرها علی کلا القولین کما أنّ الیبس الکلی الزائد علی مرتبة الجفاف لا یشترط أیضاً علی کلا

ص: 376

القولین علی الأظهر و أما بالنسبة إلی ما یطهر بها فالأصل یقتضی بالاقتصار علی مورد الیقین من الدلیل و المفهوم من الأدلة و کلام الأصحاب أنّ الأرض تطهر ما تمسه مما یطأها سواء فی ذلک القدم و النعل و الخف و القبقاب و خشبته الأقطع و نحو ذلک ما یوطأ بالقدم أو بالید أو بالرکبة أو بالبطن لمن یمشی علی یدیه أو رکبتیه أو بطنه و لا یتعدی إلی ملابس القدم أو عکاز الشخص أو حدیدة بالرمح أو غیر ذلک و لا یقتصر علی اسفل الخف و النعل کما عن بعض أو علی الأوّل کما عن آخر أو الثانی کما عن ثالث أو إضافة القدم إلیهما فقط کما عن رابع و لعل من اقتصر أراد المثال لعموم الدلیل لکل ما یوطأ من لزوم العسر و الحرج لو لا ذلک و من سیرة المسلمین المستمرة علی الدخول فی المساجد و الأماکن المشرفة مما یطئونه من دون غسل من غیر إنکار من قوله (علیه السلام) (فی الرجل یطأ علی الموضع الذی لیس بنظیف ثمّ یطأ بعده مکاناً نظیفاً قال لا بأس) و الآخر (أن بیننا و بین المسجد زقاقاً قذراً قال لا بأس) إن الأرض یطهر بعضها بعضاً فإنّ ترک الاستفصال فی مقام البیان دلیل العموم فی المقال علی أن یتفتح المناط بین أفراد ما یوطأ کأنّه قطعی فما نقل من الإجماع علی خصوص القدم و النعل و الخف و ما دل من الأخبار علی النعل کقوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فی النعلین (فلیمسحهما و لیصل) و قوله (علیه السلام) (إذا وطأ أحدکم الأذی بخفیه فإنّ التراب له طهور) و فی الخبر عنه (علیه السلام) (أنی وطأت عذرة نجفی و مسحته حتی لم أرَ فیه شیئاً) ما تقول فی الصلاة فیه فقال لا بأس فإنّ الظاهر من نفی البأس أنّه من حیث النجاسة المنافیة للصلاة الکاملة لا من حیث العفو عن نجاسته ما لا تتم الصلاة فیه و کذا ما دل علی القدم کقوله (علیه السلام) (فیمن مر حافیاً علی ما تقاطر من خنزیر أ لیس وراءه شی ء جاف قلت بلی قال لا بأس إنّ الأرض یطهر بعضها بعضاً) و الآخر (فیمن مر علی زقاق یبال فیه و لیس علیه حذاء و هو یرید المسجد فقال أ لیس یمشی بعد ذلک فی أرض یابسة قلت بلی قال لا بأس إنّ الأرض) إلی آخره و الآخر فیمن ساخت رجله فی العذرة إنّه یمسحها حتی یذهب أثرها و یصلی لا ینافی ما ذکرناه من العموم لکونه أکثرها قضایا واقعیة واقعة فی السؤال فلا تخصص ما دل علی الإطلاق نعم هی نافیة للقول بالتخصیص بأحد ما ذکرناه سابقاً.

ص: 377

رابعها: النار مطهرة لما إحالته رماداً أو دخاناً

لفتوی المشهور و الإجماع المنقول و للصحیح (عن الجص یوقد علیه العذرة و عظام الموتی یجصص به المسجد اسجد علیه؟ قال فکتب إلیه بخطه إنّ الماء و النار قد طهراه) و فی آخر عن الجص یطبخ بالعذرة أ یصلح أن یجصص به المسجد قال لا بأس و جواز تجصیص المسجد به و السجود علیه مع مخالطته لاجزاء رماد النجس من رماد العذرة و عظام الموتی دلیل علی طهارتهما لأنّ عدم جواز تلویث المسجد بالنجاسة و عدم جواز السجود علی النجس أمران معلومان فجواز السجود علی شی ء و تلویث المسجد به من لوازم الطهارة قطعاً و ربما أمکن الاستدلال بهما علی طهارة الدخان أیضاً لمروره علی الجص غالباً و بقاء أجزاء منه فیه و لا مکان رطوبة الجص عند ملاقاة الدخان فینجس به مع أنّ الإمام (علیه السلام) ترک الاستفصال فیه و کذا قوله (علیه السلام) فإنّ الماء و النار قد طهراه دلیل علی طهارة الرماد لأنّ الجص لم تتحقق نجاسته سابقاً بغیر مخالطة أجزاء الرماد له کی یحسن السؤال عنه فحمل الروایة علی تطهیر الماء و النار له بالطبخ و الحکم بنجاسته سابقاً عدول عن مقطوع به فی کلام الأصحاب من تطهیر الاستحالة إلی موهوم و هو التطهیر بالطبخ کما ذهب إلیه بعضهم و إنْ کان قد یشعر به ظاهر الروایة نعم استناد التطهیر إلی الماء و النار معاً ربما یبعده علی کلا الوجهین لأنّ الماء المتأخر عن الطبخ لا مدخلیة له فی التطهیر علی کل حال فلا بد أن یحمل أنّ استناد التطهیر أصالة إلی النار و مجاز إلی الماء من باب عموم المجاز و یکون المراد بالتطهیر فیه التنظیف و رفع القذارة الحاصلة من الرماد أو الاستعداد للطهارة عند تجفیف الشمس له بعد رطوبته لاحتمال تخلف بعض الأجزاء الغیر مستحیلة فیکون المراد باستناد التطهیر للماء من جهة ذلک و یلحق بذلک دخان الدهن النجس و بخار الماء النجس و العذرة النجسة لأصل الطهارة و عدم صدق لفظ النجس و یدل علی الإلحاق السیرة المعلومة من عدم توقی الدخاخین و الأبخرة الحاصلة من الأعیان النجسة و المیاه النجسة فی الحمامات و عند التخلی فی الشتاء لتصاعد أبخرة النجاسة إلی بدن الإنسان أو ثیابه و حینئذ فما استشکله بعضهم من طهارة الدخان المتصاعد من الدهن النجس لتصاعد بعض أجزاء منه قبل الاستحالة بواسطة سخونة النار و کذا ما استشکله بعض آخر من طهارة الرماد لا وجه له

ص: 378

و الاستناد هنا للاستصحاب بعید عن الصواب لتغییر الموضوع و دوران الحکم مدار النوع نعم یجی ء الإشکال فیما لو صیرت النار النجاسة فحما من حصول الاستحالة بتبدل الاسم و الصورة و من استصحاب النجاسة و الشک فی تبدل الموضوع لعدم التلازم بین تبدل الصورة و الاسم و تبدله لجواز بقاء الذات و تبدل الصورة فقط و یکون تبدل الاسم تابعاً لتبدلها و الأقوی الأوّل و الاحوط الأخیر هذا کله فی عین النجاسة و أما المتنجس فلا إشکال بدخانه و بخاره و طهارتهما لما ذکرناه من إطلاق الفتوی و قضاء السیرة بطهارتهما بل ربما کان الحکم بطهارتهما لمکان الأولویة من دخان عین النجاسة و أما الفحم منه بل الرماد أیضاً فالأقوی نجاستهما للشک فی تعیین الموضوع أوّلًا و لأنّ حکم النجاسة تابع لنفس الجسم المتنجس فلا تزول بتبدل الموضوع ثانیاً ضرورة أنّ النجس غیر المتنجس لأنّ النجس نجاسته تابعة لنوعه و المتنجس تابعة لشخصه و کذلک الآجر و الخزف المعمولان من الطین النجس فإنّ الأقوی عدم تطهیر النار لهما سواء قلنا ببقاء اسم الأرضیة فیهما أو قلنا بخروجهما من مسمی الأرض لأنّ نجاستهما تابعة لنفس الشخص لا للنوع کی ینقطع حکم استصحاب النجاسة فیهما و دعوی طهارتهما استناد الإجماع المنقول من الشیخ علی الطهارة و للروایة المطهرة للجص بالنار و لأصالة الطهارة فی مقام الشک و لمعارضته استصحاب نجاسة المحل لاستصحاب طهارة الملاقی ضعیفة لضعف الإجماع المنقول بعد العلم بضعف مستنده و فتوی جمع من الفحول بخلافه و ضعف دلالة الروایة علی المطلوب بعد ما قدمنا من بیان معناها و الأخذ بمجرد قوله الماء و النار طهراه بان یجعل کل ماء و نار مطهرین و یترک ما یفهم من سیاقها و من السؤال المتضمنة له بعید کل البعید لصیرورة هذه الفقرة کالمجمل بعد ملاحظة سیاقها و السؤال فلا یصلح التمسک بها لإثبات طهارة ما نحن فیه أو العجین مثلًا إذا خبز أو غیر ذلک و أما الطعن فی الاستصحاب فهو اضعف شی ء فی الباب لعموم أدلته لما ثبت بالإجماع أو بغیره من الأدلة و لما کان الشک فیه فی عروض القادح أو قدح العارض و أما استصحاب طهارة الملاقی فاستصحاب نجاسة المحل وارد علیه و الوارد حاکم علی المورود علیه و کذلک العجین النجس سواء جفت رطوبته أو بقی رطباً للاستصحاب و فتوی أکثر الأصحاب و الأخبار کالصحیح الآمر ببیعه ممن یستحل المیتة و الآخر الآمر

ص: 379

بدفنه و عدم بیعه و الآخر الدال علی أنّه فسد و إنّه یباع علی الیهود و النصاری بعد ما تبین لهم نعم فی الصحیح عن (ابن أبی عمیر) فی عجین خبز و علم أنّ الماء کانت فیه میتة قال إذا أصابته النار فلا بأس و فی آخر فی عجین عجن بماء بئر یموت فیها الفأرة أو غیرها من الدواب قال إذا أصابته النار فلا بأس بأکله و کلاهما لا یقاومان ما قدمنا مضافاً إلی احتمال کون المیتة میتة ما لا نفس له و کون البئر غیر متغیرة بالنجاسة و الظاهر أنّ بیعه جائز لأنّه لیس من المائعات التی لا تقبل التطهیر بل یمکن تطهیره و انتفاع الدواب به و الأمر ببیعه علی الیهود و النصاری بعد إعلامهم محمول علی الندب لأنّ شبیه الشی ء منجذب إلیه و کذا الأمر بدفنه لحسن تخلیص المسلمین من وقوعهم فی استعمال النجس.

خامسها: الاستحالة

و هی الانتقال من حقیقة إلی حقیقة أخری لا مجرد طریان اسم آخر کالحنطة و الدقیق و العجین و الخبز و هی مطهرة فی الجملة إجماعاً محصلًا و منقولًا بل کلما دل علی طهارة الأشیاء أو طهارة المستحیل إلیه من ملح کاستحالة الکلب ملحاً أو حیوان کاستحالة النطفة حیواناً أو دوداً أو تراباً کاستحالة العذرة أو المیتة أو الدم دوداً أو تراباً أو روث حیوان آخر أو دمه أو فضلته کاستحالة الماء النجس بولًا لما یؤکل لحمه أو الطعام النجس روثاً له أو الدم النجس ما لیس له نفس سائلة کالبق و البرغوث أو جزء من البقول و الخضراوات کاستحالة الماء النجس جزء من ماء الزرع أو الخضر و هکذا و استصحاب وصف النجاسة هاهنا مقطوع أیضاً لتبدل الموضوع عرفاً و انقطاع الاستصحاب بتبدله و لا یدور الأمر فی الاستصحاب مدار تبدل الموضوع حقیقة واقعیة لأنّه أمر لا یعلمه إلّا علام الغیوب و لا مدار تبدل الأسماء فقط لعدم تبدل الموضوعات العرفیة بتبدلها و هذا کله فی عین النجاسة الدائر وصف النجاسة مدار نوعها ظاهراً و أما المتنجس الدائر وصف النجاسة مدار شخصه و ذاته فإنّ استصحاب النجاسة فیه غیر منقطع و تبدل موضوعه لا یدل علی تبدل حکمه اللاحق لا من حیثیة نفسه بل من حیث لحوق وصف خارجی مشکوک فی بقائه فی الآن الثّانی بل یجری فیه الاستصحاب فعلی ما ذکرنا فاستحالة المتنجس لا تقضی بطهارته من جهة الاستصحاب للنجاسة مع عدم القطع بالمزیل و لکن الإجماع و السیرة القطعیة

ص: 380

قاضیان بطهارة المستحیل من المتنجس استحالة یبعد عنها الموضوع الأوّل أصلًا و رأسا کاستحالة الماء النجس بولًا لحیوان أو لبناً و الطعام النجس روثاً أو الخبز النجس دوداً و الماء النجس جزء من زرع أو بقل أو خضر أو شبه ذلک و هذا الإشکال فیه کما لا إشکال فی بقاء النجاسة لو استحال الحطب أو الحجر أو اللّحم الطّعام المتنجسات رماداً أو فحماً علی الظاهر و یبقی الإشکال فی مثل استحالة الحطب المتنجس دخاناً أو الماء النجس بخاراً أو الدهن النجس دخاناً سیما لو عاد الدخان جرماً و البخار ماء و هکذا و لا یبعد هنا الطهارة أیضاً للزوم العسر و الحرج لو لا ذلک و لتوفر الدواعی إلی بیان حکم النجاسة فیه لو کان نجساً و لیس فی الأخبار و منه عین و لا اثر و للسیرة القاضیة بالطهارة کما قضت بها فی القسم الأوّل و المقام یحتاج إلی تأمل فی المقام و یشترط فی طهارة الکلب فی المملحة عدم انفعالها به و إلّا بقی حکم النجاسة کما أنّ محل العذرة الرطبة عند استحالتها باق علی حکمه و الطهارة بالتبعیة هنا غیر معقولة و لا دلیل علیها و کثیر مما ذکرنا یمکن إدخاله فی الانتقال لا فی الاستحالة و یکون الدلیل علیه ما ذکرناه

سادسها: الانقلاب من المطهرات

للإجماع بقسمیه و لما مر فی الاستحالة و للأخبار الدالة علی طهارة الخمر عند انقلابه خلًا و ظاهرها عدم الفرق بین انقلابه بنفسه أو بعلاج (کحسن زرارة) عن الخمر یجعل خلًا قال لا بأس و فی الموثق (عن العصیر یصیر خلًا قال إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس) و فی آخر (العصیر یصب علیه الخل أو شی ء یغیره حتی یصیر خلًا قال لا بأس) و فی آخر عن الخمر خذها و افسدها و یطهر ما یعالج به تبعاً لطهارتها و کذا أوانیها و آلاتها لإطلاق الأدلة و لمکان التلازم بین طهارة الحال و المحل و لا فرق بین استحالة ما یعالج به خمراً أوّلًا و بین استحالته خلًا قبل استحالتها أو بعدها و بین عدم استحالته لما ذکرناه نعم لو طرحت فیها أجسام طاهرة لا للعلاج فتنجست فیها فإنّ استحالت معها خلًا فالظاهر طهارتها لعدم زیادة الفرع علی الأصل و یحتمل بقاؤها علی النجاسة لأنّ المتیقن من (طهارة الخمر) بالانقلاب و طهارة الآلات و الأوانی هو ما إذا انفرد لنفسه أو جامعه ما یعالج به لا مطلقاً و إنْ لم تستحل معها خلًا فوجهان من طهارتها تبعاً کالأوانی و الآلات و من استصحاب حکم نجاستها فینجس

ص: 381

الخل بها و الاحوط الأخیر و لو وقعت فیها أجسام نجسة فإنّ کانت للعلاج و استحالت خمراً ثمّ استحالت معها خلًا فالأظهر الطهارة و إنْ لم تستحل معها خلًا فوجهان و الاحوط الحکم بالنجاسة و إنْ لم تکن للعلاج فإنّ استحالت خمراً ثمّ استحالت خلًا فالأظهر الطهارة و إنْ لم تستحل خمراً بل استحالت معها خلًا فوجهان أحوطهما النجاسة و إنْ بقت من دون استحالة فلا یبعد الحکم بالنجاسة استصحاباً لحکمها فینجس الخل به هذا لو کانت أجسام متنجسة و لو کانت أجسام نجسة عیناً فبقیت غیر مستحیلة إلی حین التخلیل فلا شک بتنجس الخل منها و کحکم الخمر حکم العصیر فی طهارته بالتخلیل للروایة و فتوی الأصحاب بل ربما یدعی أنّه أولی من الخمر فی حصول الطهارة بتخلیله و لا یتفاوت فی تطهیر الخمر بالعلاج بین صب الخمر علی الخل أو صبه علی الخمر و بین غلبة الخمر علی العکس و بین استهلاک الخمر فی الخل و بین العکس لإطلاق الروایات و الفتوی فی طهارة الخمر بالعلاج الذی منه الامتزاج الصادق علی الکثیر و القلیل و حینئذ فیطهر الکثیر من الخمر بعد تنجیسه بوضع قلیل من الخل علیه لو انقلب ذلک الخمر خلًا و طریقة معرفة انقلاب الخمر خلًا عند الاشتباه القطع به عند أهل المعرفة و العمل و إلّا فیجب الانتظار إلی زمن القطع و لا بکفی فی معرفة الانقلاب انقلاب الخمرة الصرفة إذا وقع الشک فی انقلاب الخمر الممزوجة کما عن الشیخ و دلت علیه روایة لضعف الروایة بإعراض الأصحاب عنها و نقل الإجماع علی خلافها بل لا بد من القطع بانقلاب الممزوجة سواء انقلبت الصرفة المأخوذة منها أم لا و علی ذلک فلو أدیر خمر من إناء علی إناء فیه خل وجب انتظار الإِناء الثّانی إلی استحالة الخمر فیه و لا یدور الحکم باستحالته مدار انقلاب الخمر المأخوذ منه فإنّ استحال و إلّا فلا و اعلم أنّه قد ورد فی بعض الأخبار الصحیحة و الموثقة المنع من الخمر المعالج بالخل و إنْ الحلال هو ما یجی ء من قبل نفسه و لکنه ضعیف عن مقاومة الأخبار المتقدمة المنجبرة بالفتوی و ظاهر الإجماع فتحمل هذه الأخبار علی الکراهة أو علی ما یغلب علیها من الخل فیظن الانقلاب و لیس کذلک أو علی ما کان المعالج به نجساً أو علی ما کان المعالج قبل علاجه نجساً بغیر النجاسة الخمریة.

ص: 382

سابعها: الإسلام مطهر للکافر

إجماعاً محصلًا و منقولًا و لفوات وصف الکفر المتیقن للنجاسة عند الإسلام فیتبعه حکم النجاسة و لا یجری الاستصحاب هنا لتبدل الموضوع لأنّ الحکم معلق علی النوع لا علی الشخص نفسه و لأنّ الإسلام یجب ما قبله و سؤره احب من رکو ابیض مخمر و یتبعه فی الطهارة عرقه و رطوباته المتصلة به بل و لا یبعد إلحاق ثیابه المتصلة به حال الإسلام و أما ثیابه المنفصلة و فراشه و أوانیه و جمیع ما باشره حال الکفر فالظاهر بقاؤه علی النجاسة و هذا حکم جار فی جمیع أنواع الکفر إذا اسلم عنها صاحبها ما عدا المرتد الفطری الذی لا توبة له فإنّه یبقی علی نجاسته و یتعلق به الخطاب بالإسلام و الخطاب بالفروع و إنْ لم یمکن وقوعها منه لوقوع نفسه فی ذلک بالاختیار و ما بالاختیار لا ینافی الاختیار و لا نرید بتعلق الخطاب و التکلیف به الحقیقیین کی یلزم التکلیف بالمحال و خلو الخطاب عن الفائدة کما أورده بعضهم بل نرید به الخطاب العقابی بمعنی أنّه یعاقب علی ترک الإسلام و الفروع و إنْ لم یکونا مقدورین له لصدور الکفر منه بالاختیار و قد یقال أنّ المرتد الفطری یقبل من الإسلام و العبادات و یعود طاهراً بعد إسلامه لعموم أدلة العقل و النقل الدالة علی حسن التوبة و فضله تعالی وسعت رحمته و عموم التکلیف لکل أحد و إنْ المسلم طاهر لا ینجس و إنْ الله تعالی إما أن یسقط عنه التکلیف أصلًا و هو مخالف لعموم الکتاب و السنة و إما أن یکلفه فیأتی بما کلف به و مع ذلک لا یقبله منه فهو مناف لظاهر الدلیل العقلی و النقلی أیضاً من أنّه لکل امرئ ما سعی و من یعمل مثقال ذرة و أما أن یکلفه بمشروط و لکن لما لم یأتِ بشرطه کان فاسداً فهو أیضاً مناف لظواهر الأدلة العقلیة و النقلیة من قبیح الخطاب بالمشروط مع علم الأمر بانتفاء شرطه و التزام أنّه قد فوت الشرط باختیاره فیصبح تعلق الخطاب به ممنوع لأنّ التکلیف العارضی کالتکلیف الأصلی لا یجوز تعلقهما بما لا یطاق و التعلق بان الخطاب و التکلیف عقابین لا حقیقیین خلاف ظاهر الکتاب و السنة الدالة علی الخطاب و التکلیف أوّلًا و عوده إلی نفی التکلیف و الخطاب عنه ثانیاً و هو مناف لأدلة العقل و النقل ظاهراً فلم یبق حینئذ ما ینطبق علی قواعد العدل و عموم الکتاب و السنة سوی القول بقبول توبته و بصحة عباداته و بطهارة بدنه لتوقف صحة عباداته علیها و لدخوله فی المسلمین المحکوم بطهارتهم و ما دل علی

ص: 383

وجوب قتله مطلقاً و بینونة زوجته و قسمة مواریثه مطلقاً لا یدل علی نجاسته و لا علی بقاء کفره لجواز عدم قبول توبته بالنّسبة إلی الأحکام الثّلاثة الأوّل دون الطّهارة و النجاسة و دون قبول توبته باطناً و دون قبول عباداته واقعاً جمعاً بین ما قضت به القواعد و بین ما دلت علیه الأخبار من لزوم قتله و بینونة زوجته و قسمة مواریثه و المقام لا یخلو من إشکال.

ثامنها: زوال عین النجاسة الخارجیة و الداخلیة عن بدن الحیوان الصامت مطهر له

لفتوی الأصحاب و الإجماعات المنقولة فی الباب و لزوم العسر و الحرج المنفیین لولاه و السیرة المستقیمة القطعیة علی مباشرة الحیوان مع العلم بتلویث رجلیه و یدیه و تلویث مخرجیه من عذرة أو بول أو منی و تلویث فمه من أکل الجیف و العذرات و تلویث جسمه بالدم و القذرات مع عدم بقائها و زوالها من دون غسل عن المباشرة و تجنب عن ماء شربت منه أو وقعت فیه مضافاً إلی ما جاء فی الأخبار و من طهارة سؤر الهرة و نحوها و طهارة الطیر إلّا أن یری فی منقاره دماً و نحو ذلک بل قد یدعی أنّ بدن الحیوان لا ینجس أصلًا و رأساً لأنّ دعوی أنّ کل نجس ینجس کل شی ء حتی الحیوان محل کلام و الاستقراء و الإجماع الدالان علی نجاسة المتنجسات و کذا الأخبار عامة لغیر الحیوان و شمولها للحیوان غیر ثابت من نص أو إجماع و الأصل الطهارة.

تاسعها: زوال العین النجسة من الباطن مطهّر له

لفتوی الأصحاب و الإجماع المنقول فی الباب و للموثق فیمن یسیل من انفه الدم هل علیه أن یغسل باطنه فقال إنما علیه أن یغسل ما ظهر منه و للخبرین الدّالین علی أنّ اللّازم غسل ما ظهر من المقعدة دون ما بطن و نفی الغسل فی الأخبار بضمیمة کلام الأخیار یدلُّ علی الطّهارة کما یدلُّ لزوم الغسل علی النّجاسة و احتمال سقوط الغسل عفواً عن النّجاسة فی الصّلاة بعید عن سیاق الرّوایة و فتوی الأصحاب بل ربما یقال بلزوم الإغراء بالجهل لو کانت النّجاسة باقیة لظهور السّؤال فی الخبر عن النّجاسة و جواز المباشرة لا عن جواز الصلاة فیها و عدمه و یدل علی الحکم المزبور و السّیرة القطعیّة بعدم غسل ما باشره الباطن المارّ علیه شی ء من النَّجاسة من مذی أو ودی أو قیح من قبل أو دبر و لم نرَ أحداً غسل باطن عینیه أو باطن أنفه أو أذنه إلّا أعیب علیه و نسب للوسواس بل ربما یدعی أنّ

ص: 384

الباطن لا ینجس کی یحتاج إلی التطهیر إذ لا عموم فی کل نجس ینجس کل شی ء و لیس إلّا الإجماع و الاستقراء و هما ممنوعان فی المقام و ربما یقال زیادة علی ذلک أنّ النجاسة ما دامت فی الباطن لیست نجسة لأنّه لا یقال عرفاً للحیوان أنّه حامل للنجاسة و لا یقال أنّه ادخل نجاسة غیر ملوثة لمسجد و شبهه أو صلی بنجاسة محمولة مثلًا أو أنّها نجسة لا تنجس لعدم عموم أو إجماع دالین علی أنّ کل نجاسة فی کل محل تنجس و الأدلة الدالة علی تنجیس النجاسات منصرفة إلی النجاسات الخارجة عن محلها لا الکائنة فیها سیما فیما لم تخرج من باطن إلی آخر کالعذرة فی المعدة و الدم فی الجلد نعم لو انتقل من باطن إلی آخر کدم الأضراس النازل إلی الفم و الصدد الصاعد إلیه أو دم الدماغ النازل إلی الفم أو الأنف و نحو ذلک کان القول بنجاسته و تنجیسه لما یدخل إلیه من الخارج و إنْ خرج غیر متلوث له وجه قوی و أما نفس الباطن فلا ینجس به قطعاً و علی ما ذکرنا فالاحوط تنظیف ما یکون بین الأسنان من الغذاء لو لاقته نجاسة من الفم أو لاقته نجاسة فی الفم دخلت إلیه من الخارج لأنّ ما یدخل فی الباطن من الخارج غیر ما یکون باطناً و یشتد الاحتیاط فیما لو کانت النجاسة من خارج و المتنجس من الخارج أیضاً و الفرق بین الظاهر و الباطن عرفی و مع الشک فوجهان من التمسک بأصالة الطهارة و توقف الحکم بالتنجیس علی الظاهر و لم یثبت و من ظواهر الأمر بغسل الملاقی للنجاسة خرج الباطن قطعاً و یبقی المشکوک به و هو الاحوط فعلی ذلک ما یکون بین الظفر و اللحم ینبغی الاحتیاط بغسله بل لا یبعد الوجوب و تکفی فی غسله الإصابة دون الأجراء للسّیرة و دفع العسر و الحرج و کذا یکفی الإصابة فی غسل الوسخ الکائن بینهما و لا یحتاج إلی تخلیله و قلعه لما ذکرناه و لو عاد الباطن ظاهراً جری علیه حکم الظاهر و لو انعکس بعد أن تنجّس فلا یبعد أنّه کذلک و الاحوط غسله و باطن الجرح لا یبعد أنّه من الباطن و لکنّ الاحتیاط فی غسله لأنّه بانشقاقه عاد کالظّاهر.

عاشرها: الغیبة من المسلم عن الناظر

سواء کان حاضراً أو غاب حقیقة مطهرة لبدنه مع احتمال التطهیر منه و علمه بالنجاسة سواء اخبر بطهارته أم لم یخبر و لو لم یحتمل التطهیر فی حقه أو احتمل و لکن اخبر بالنجاسة أو کان لم یعلم بالنجاسة فالأقوی فی جمیع الصور الحکم ببقاء نجاسته کما أنّه لو اخبر بالتطهیر حکم بطهارته

ص: 385

و ربما یلحق به الفعل القائم مقام القول من الدخول فی المشروط بالطهارة و الدلیل علی الطهارة فیما ذکرنا سیرة المسلمین و طریقتهم المستقیمة علی مباشرة من علمت نجاسته فی وقت سابق من دون سؤال و استفصال حال بل لو سئل عن ذلک سائل لعد من أهل الوسواس و لأنّا نعلم أنّ کل أحد یبول و یتغوط و یباشر النجاسة و یمنی و تحیض المرأة و تستحاض و تباشر ولدها و غیر ذلک من مباشرة أنواع النجاسات لیلًا و نهاراً و مع ذلک نباشرهم أکلا و شرباً و لو دخل أحدهم فی ماء قلیل أو صبه علی جسمه لباشرناه من غیر إنکار من أحد من العلماء بل المحتاطین أیضاً و نقطع أنّ هذا الأمر مُتلقّی یداً عن یدٍ إلی بدء الإسلام بل لا یبعد لتسریة السّیرة لثیاب المسلم اللّابس لها و لفراشه المستعمل له بل لا یبعد تسریتها إلی غیبته مع جهله بالنجاسة و عدم علمه بها فی بدن أو ثوب و لکن الاحتیاط فی عدم قطع الاستصحاب بغیر ما یقطع به و إنْ استوجهه جماعة و أیدوه باستصحاب طهارة الملاقی و السیرة و لکن قد عرفت ما فی استصحاب طهارة الملاقی و السیرة مع الجهل یشک فی تحققها فالاحتیاط الشدید فیما تذکرنا و الأعمی کل أحد غائب بالنسبة إلیه مع احتمال التطهیر و قد یحصل القطع بالحکم بالطهارة الغیبة الطویلة من المسلم مع جهله بالنجاسة من السیرة القاطعة أیضاً و کذلک الحکم بطهارة المجانین و الأطفال مع غیبتهم الطویلة عن الإنسان و رجوعهم مع عدم تحقق العلم منهم بالنجاسة.

حادی عاشها: ذهاب الثلثین مطهر للعصیر إذا کان بالشمس أو النار

للإجماع و الأخبار و لو کان بغیرهما فإنّ کان مع الغلیان فالظاهر أنّه مثلهما و إنْ کان بدونه کتصفیق الریاح فالأظهر أنّه لا عبرة به.

ثانی عشرها: زوال التغیر مطهر للماء مع اتصاله بالمعصوم أو بلوغه کراً علی وجه.

ثالث عشرها: نزح جمیع البئر مع التغییر مطهر لها

و کذا نزح المقادیر علی القول بنجاستها.

رابع عشرها: خروج دم المذبح بتمامه مطهر لباقی الدم المتخلف فی الذبیحة

إجماعاً و کذا دم النحر و هو فیما یؤکل لحمه مما تخلف فیما یؤکل منه لا إشکال فیه و فی

ص: 386

غیر مأکول اللّحم أو فی المأکول إذا تخلف فیما لا یؤکل کالطحال إشکال و الاحوط تجنُّبهما.

خامس عشرها: الحجر و ما شابهه من آلات الاستنجاء مطهرة لمخرج الغائط

بالنص و الإجماع.

سادس عشرها: الانتقال مطهر

و إنْ لم تتحقق معه الاستحالة کانتقال دم الإنسان لحیوان آخر بحیث صار جزءاً منه أو بوله أو عذرته لبطن حیوان آخر و لکن الظاهر هنا اشتراط التغیر و الاستحالة بحیث یکون المنتقل جزءاً ممن انتقل إلیه و دلیل التطهیر فی الانتقال فی الجملة عمومات أدلة طهارة المنتقل إلیه و السیرة القاضیة بالحکم بالطهارة و نفی العسر و الحرج القاضیین بطهارته.

سابع عشرها: استبراء الجلال مطهر لعرقه و بوله و خرئه بما یسمی عرفاً أنّه غیر جلال

و إنّه خرج عن ذلک الوصف إلی غیره و یحصل استبراء الناقة بأربعین یوماً و البقرة بعشرین و الأربعون أحوط و البطة بخمسة و الدجاجة بثلاثة و الاحوط مراعاة العرف بعد إکمال العدد.

ثامن عشرها: اتصال الرطوبة بالمسلم عن کفره مطهر لها

و إنْ تکن من بدنه إجماعاً و یمکن إدخالها فیما یطهر تبعاً.

تاسع عشرها: انفصال ماء الغسالة یطهر للرطوبة الباقیة علی المحل المغسول بعد نجاسته

و کذا الماء المتقاطر عادة بعد انفصال الماء الذی یغسل به.

العشرون: التبعیة مطهرة لآلات العصیر بعد طهره و لأوانی الخمر بعد استحالته

و لآلات البئر بعد نزحها و حواشیها بل و ثیاب النازح و لیدین غاسل المیت بل و ثیابه و لساجة المیت و آلة التقلیب بعد غسله و لثیاب الکافر و لأولاده الصغار عند إسلامه بل و لمملوکه و الحکم فی الجملة إجماعی و تدل السیرة علی جملة مما ذکرناه من الأفراد إلّا أنّه ینبغی الاحتیاط فی کثیر من المواد و تفصیلها فی مواردها (إن شاء الله تعالی) و لو قلنا أنّ التیمم للمیت قائم مقام الغسل کان من جملة المطهرات (التیمم).

ص: 387

القول فی أحکام التطهیر بالماء:

أحدها: وجب تطهیر البدن و الثوب عن البول فی غیر الاستنجاء و بول الصبی بالغسل بالماء مرتین عرفاً

فالمنقول الإجماع و فتوی المشهور و الاحتیاط و استصحاب النجاسة إلّا مع القطع بالمزیل و الأخبار المتکثرة ففی أحدها البول یصیب الجسد قال صب علیه الماء مرتین و الثوب یصیبه البول قال اغسله مرتین و فی الآخر الثوب یصیبه البول قال اغسله مرتین و فی الثالث الثوب یصیبه البول قال اغسله فی المرکن مرتین فإنّ غسلته فی ماء جارٍ فمرة و فی الرابع البول یصیب الثوب قال اغسله مرتین و فی الخامس البول یصیب الجسد قال صب علیه الماء مرتین و الثوب یصیبه البول قال (اغسله مرتین) فمن اکتفی بالمرة کالعلامة (رحمه الله) لإطلاق الأمر و لحصول التنظیف المطلوب من الغسل بها أو اکتفی بالمرة فی البدن دون الثوب لما ذکرنا فی البدن و لورود الصحاح من لزوم التثنیة فی الثوب (محجوبان) بالأخبار المنجبرة بفتوی الأصحاب و الاحتیاط و الإجماع المنقول و الاستصحاب و الشک فی الاستصحاب و جعل هذا مما تعلق الشک به ابتداء لوقوع الشک فی وجوب المرة أو المرتین و الأصل البراءة من التکلیف الزائد لا وجه له بعد ثبوت حجیة الاستصحاب و إنْ الشغل الیقین محتاج للفراغ الیقین و إنّه لا فرق بین الشک فی عروض القادح أو قدح العارض فینقطع أصل البراءة حینئذ بالاستصحاب المحکم فی مثل هذا المقام و أما ما جاء من الإطلاق فمحمول علی المقید جمعاً و احتمال أنّ لفظ مرتین من کلام الراوی بعید عن سیاق الأخبار سیما روایة المرکن نعم الاکتفاء فی الاستنجاء من البول بمرة واحدة قوی لانصراف هذه الأخبار الآمرة بالمرتین لغیر مورد الاستنجاء و لفتوی جملة من الأصحاب الموجبین للمرتین هاهنا بالمرة هناک لظهور الأخبار هناک بالمرة کقوله (علیه السلام) فی حد الاستنجاء حتی تبقی ما ثمة و قوله (علیه السلام) یجزی مثلًا ما علی الحشفة و ظاهره أنّ المثلین لتحقق الغسل الواحد لأنّه کنایة عن الغسلتین لعدم تحقق الغسل بالمثل و لقوله (علیه السلام) فی المرسل یجزی من البول أن تغسله بمثله و لإطلاقات الأمر بالغسل من دون بیان أصلًا و حینئذ فتخصیص هذه الأخبار لغیر الاستنجاء قوی جداً و یبقی الإشکال فی أمور.

ص: 388

منها: أنّه هل یلحق بالبدن غیره من الأجسام الصلبة و بالثوب غیره من الأجسام الرخوة أم لا و الوجه الإلحاق لاستصحاب النجاسة و عدم زوالها إلّا بالمزیل القطعی و لتنقیح المناط لظهور أنّ الثوب مثال لغیره و البدن کذلک و تخصیصهما بالذکر لغلبة دورانهما و الاحتیاج إلیهما فی التطهیر و التنجیس و اطلاقات الأمر بالغسل مقیدة بما ذکرنا و لا اقل أنّ ما ذکرناه مما یوهن الظن بالإطلاق فلا یکون حجة فیه سیما و الظاهر أنّ فتوی المشهور علی ذلک أیضاً.

و منها: أنّه هل یکفی التقدیر فی المرتین لتنزیل قدر زمانهما منزلتهما و لأنّ العلة إرادة التنظیف بهما و هو حاصل التقدیری و لأنّ استمرار الماء بقدر المرتین و قدر القطع الحاصل بینهما أقوی من المرتین المفصول بینهما من غیر ماء و لما نقل عن الشهید أنّه روی أنّ الغسلتین إحداهما للإزالة و الأخری للإنقاء و ذلک حاصل فی التعدد التقدیری و لأنّه من البعید أنّ إجراء الماء زمناً طویلًا لا یفید مفاد إجرائه فی زمانین قصیرین بینهما انقطاع فی الجملة أو لا یکفی أخذا بظاهر الدلیل مع تحکیم استصحاب النجاسة فیجب الاقتصار علی المنصوص وجهان أقواهما هذا فیما لا یحتاج إلی عصر و أما ما یحتاج إلی عصر فیکفی فیه التعدد التقدیری فی الصب دون العصر لافتقار العصر إلی تحققه حساً و لا معنی للاکتفاء بالعصر التقدیری قطعاً.

و منها: أن حکم التعدد هل یخص القلیل فقط لظهور الأخبار به و لروایة المرکن و حکم الکثیر الراکد لحکم الجاری فی سائر الأحکام و لأنّ النجاسة لو دخلت بنفسها الکثیر لاستهلکت به فکیف لو دخلت مستهلکة فی المتنجس و لإطلاق أدلة الغسل خرج القلیل لانصراف أخبار المرتین إلیه و بقی الباقی و للسیرة القاضیة بطهارة الأجسام عند ملاقاتها للکثیر من غیر اعتبار التعدد کأراضی الحیاض و الحمامات و الأنهار و الآبار و غیرهن حتی یعدون الملزم للتعدد من أهل الوسواس أو یخص الراکد فقط و لو کان کثیراً لاختصاص الروایة بالجاری فلا یتسری إلی غیره أو لا بد من التعدد فی الکل لإطلاق الأخبار و استصحاب النجاسة أو الفرق بین ما تعاقبت الجریات فیه فیطهر بالمرة لکونه کالمتعدد و کذا ما حرک الإِناء فیه من الکثیر و بین ما لم یتعاقب فیحتاج إلی التعدد

ص: 389

وجوه و أقوال أقواها الأوّل، و یؤیده أنّه فتوی المشهور و ربما یظهر من بعضهم نقل الإجماع و لا یتفاوت فی هذا الحکم بین ما یحتاج إلی العصر و بین ما لا یحتاج إلیه.

و منها: أن حکم التعدد هل یختص ببول الإنسان لانصراف الأخبار إلیه و أصالة البراءة من التعدد أو یعم کل بول ما لا یؤکل لحمه و لإطلاقها و الشک فی الانصراف لأنّ کثرة الوجود لا تستلزمه و للاحتیاط اللازم بعد ثبوت النجاسة و لقوله (علیه السلام) عن بول السنور و الکلب و الحمار و الفرس قال (کأبوال الإنسان) و اشتماله علی ما لا نقول به لا یرفع حجیة فی الباقی و الأخیر أقوی و نسب للمشهور.

ثانیها: لا یجب التعدد فی الغسل فی غیر البول من أنواع النجاسات عدا ما استثنی

لإطلاق الدلیل و فتوی الأصحاب (وَ یُرِیدُ اللّٰهُ بِکُمُ الْیُسْرَ) و لحصول الغرض من التنظیف المقصود من الأمر بالغسل و وجوب التعدُّد من البول للدلیل و قیل بالوجوب للاحتیاط و لمفهوم الموافقة أو الأولویّة لأنّ غیره أشدُّ تأثیراً منه و لما ورد أنّه ذکر المنی فشدده و جعله أشدُّ من البول و لفحوی التعلیل من بعض الأخبار فی غسل البول مرتین فإنما هو ماء و فی الجمیع نظر لمعارضته دلیل الاحتیاط بما ذکرنا مضافاً إلی أنّه لو کان حکم سائر النجاسات کذلک لما خفی مع توفر الدواعی إلی بیانه و لما خَصّ التعدُّد فی الأخبار بالبول دون غیره و لإلغاء مفهوم المساواة و الأولویة فی أحکام النجاسات کما یرشد إلیه أحکام البئر و غسل الولوغ و شبههما و لاختصاص الروایة فی المنی دون غیره و لظهورها فی المبالغة دون الحقیقة و إلّا لزادَ علیه و لظهورها فی شدة النّفرة و النّجاسة و هما لا یستلزمان تعدد الغسل أو فی شدة اللزوجة المحتاجة إلی فرک و دلک و نحوها لا إلی مجرد التکرار و لعدم ظهور التعلیل فی الروایة الأخیرة فی خفة البول کی یکون الحکم فی غیره اشد فلعله تعلیل لشدته لأنّ الماء ینفذ فی الجسم و یدخل فی جمیع أقطاره علی أنّه یلزم منه و من الروایة السابقة زیادة غیر البول علیه و لا قائل به ممن یعتد به و مع ذلک فالاحتیاط فی التعدد سیما فیما له قوام و ثخن کالمنی و الدّم مما لا ینبغی أنّ یترک بل أفتی العلامة (رحمه الله) بلزومه.

ثالثها: یجب العصر فی الغسل بالماء القلیل فی الثیاب

و کل ما یمکن عصره مما لا ینحدر عنه ماء الغسالة لصقالته کالفرش و الصوف و الشعر و البسط و یقوم مقام العصر

ص: 390

الغمز و اللّی و التثقیل فیما لا یمکن عصره أو مطلقاً و الدلیل علی لزومه بعد فتوی الأصحاب و ظاهر الإجماع المنقول فی الباب و الشهرة المحصلة و عمل المتشرعین و استصحاب حکم النجاسة إنّ غسل ما یرسب فیه ماء الغسالة لا یتبادر منه إلّا دخول العصر فیه أما لأنّه جزء تضمنی له أو لأنّه شرط فی صدقیه أو لأنّه الفرد الظاهر من الأوامر التی یراد بها التنظیف المنصرف إلیه الإطلاق و لا أقل من الشّک فی تحقق ماهیة الغسل بدونه و الأصل عدمه لکونه بالنسبة إلیه کالمجمل و ما شک فی جزئیته جزء عند تعلّق الشّک فی تحقق الماهیة و الأخبار الفارقة بین الصب و الغسل کالخبر الآمر بالصب علی الجسد و الغسل للثوب و الآخر فی بول الصبی یصبّ علیه الماء و إنْ کان قد أکل فاغسله غسلًا و الآخر عن الثوب إن أصابه الکلب برطوبة فاغسله و إنْ کان جافاً فصب علیه تدل علی دخول العصر فیه إذ لا قائل بدخول غیره من الممیزات علی أنّ ماء الغسالة نجس و المتیقن من تطهیر الثوب و طهارة ما بقی منه من الأجزاء المائیة هو ما کان بعد عصره لا قبله و إنْ أجزاء النجاسة یستصحب وجودها و لا یحصل الیقین بخروجها إلّا بیقین عرفی أو شرعی کالعصر و شبهه و الأقوی بعد القول بلزوم العصر إن یحکم بلزومه بعد کل غسلة متعددة أو متحدة فلا یکفی عصر واحد بین الغسلتین فیما یجب فی التعدّد و إنْ لا یجزی الجفاف عنه بشمس أو غیرها و إنْ یتعقب الغسل و لا یتراخی عنه بزمان یجف به من الماء ما یعتدّ به و لا یشترط المبالغة فیه بل یکفی الحد الوسط و ما یخرجه القویُّ بقوة بعد ذلک فهو طاهر طهره الانفصال هذا کله فی الماء القلیل و أما الکثیر فالأظهر الاکتفاء بمجرد استیلائه علی المتنجس من دون عصر مطلقاً إلّا إذا توقف إخراج أجزاء النجاسة علیه فیلزم من باب المقدمة و نسب إلی المشهور ذلک بل الظاهر أنّ الشهرة علیه بل قیل أنّه موضع وفاق و یدل علیه أنّ العصر لإخراج ماء الغسالة النجس و الماء لم ینجس فی الکثیر و إنّه لإخراج أجزاء النجاسة القاصر عن إخراجها مجرد انصباب الماء القلیل أو لا یبقی جزء مستهلک بعد زوال الغیر فی الکثیر کی یفتقر إلیه و لأنّ النجاسة لو کانت منفردة و قد ذهبت عینها لاستهلکت فیه فبالأولی إذا کانت قائمة بجسم آخر و لکنُّه یشکل علی ما ذکرنا من دخول العصر فی مسمی الغسل لأنّ الحکم یتفرقه العرف بین دخول العصر فی القلیل دون الکثیر تمحل سیّما لو

ص: 391

کان کل منهما راکداً و لکن أحدهما کرّ و الآخر دونه بکف فإنّ الحکم بتسمیة استیلاء الأوّل علی الثّوب غسلًا و إنْ لم یعصر دون الثّانی تحکم فإنّ الاحوط العصر فی الکثیر سواء کان جاریاً أم لا و لو کان فی نفس الماء کفرک الثوب داخل الماء و یصیر الفرق بین الکثیر و القلیل هو جواز العصر داخل الماء فی الکثیر دون القلیل لو جوزنا ورود المغسول علیه و لا یجب الدلک فی غیر الثیاب و نحوها من جسم أو آنیة إلّا إذا توقّف ازالة النجاسة علیه لإطلاق الأخبار و فتوی الاصحاب و عدم دخوله فی مسمی الغسل کأصل البراءة منه فالقول باعتباره للاستظهار فی رفع النجاسة (و لروایة عمار) فی قدح الخمر لا یجزیه حتی یدلکه بیده ضعیف لعدم وجوب الاستظهار و عدم توقفه علی الدلک و لضعف الروایة عن مقاومة ما قدمناه و لاختصاصها بالخمر و قدح الخشب و لا یبعد لصوق اجزاء منه فیه موقوف زوالها علی الدلک و لإمکان حملها علی الندب جمعاً و قد یظهر من بعض الأخبار و افتی به بعض الاصحاب کفایة الصب فی المحشو و شبهه عن التثقیل و الغمز کقوله (علیه السلام) فی الصحیح عن الفراش المحشو قال (یغسل ما ظهر منه فی وجهه) و فی الموثق عن الفرو و ما فیه من الحشو قال (اغسل ما اصاب منه و مس الجانب الآخر فإنّ اصبت مس شی ء منه فاغسله و إلّا فانضحه بالماء) و فی الآخر عن الفراش کثیر الصوف فیصیبه البول قال (یغسل الظاهر ثمّ یصب علیه الماء فی المکان الذی اصابه البول حتی یخرج من جانب الفراش الآخر) و لکن حملها علی ما افتی به المشهور و دلّ علیه الاحتیاط و ساعده العرف من إرادة المعنی الحقیقی من الغسل المذکور فیها المرکّب من الصّب و إخراج ماء الغسالة بدق و غمز و شبههما أولی سیّما و فی الأخیرین ما یشعر بذلک مقابلة النضح للغسل فی الأوّل و الصّب للغسل فی الثّانی و قوله (علیه السلام) فیه (حتی یخرج من الجانب الآخر و خروج الماء المصبوب بعد صبّهِ غسل).

رابعها: یسقط العصر فی بول الصّبی الرّضیع

سواء رضع من حلیب أمّه أو من غیره من حیوان أو إنسان علی إشکال فی الحیوان المسلم دون الکافر دون المصاحب للنجاسة الذی لم یأکل الطعام بحیث کان الأکل له شأناً و دیدناً کما هو الظاهر من قول القائل أکل الصبی و لم یأکل و یکفی فیه الصب لفتوی الاصحاب و الإجماع المنقول فی

ص: 392

الباب و الخبر المعتبر عن بول الصبی قال تصب علیه الماء فإنّ کان قد أکل فاغسله غسلًا و الغلام و الجاریة مشرع سواء و لضعف نجاسته فیناسبه الاجزاء بالصّب و لدلیل الیسر و ما ورد من الأمر بالغسل من بول الصبی فی الموثق محمول علی من یأکل الطعام أو علی إرادة الصب من الغسل جمعاً و ما ورد من الأمر بالعصر بعد الصب فی الآخر محمول أیضاً علی ذلک أو علی الندب أو علی بقاء غیر البول فیخرج حینئذٍ من باب المقدمة و لا یلحق بهذا الحکم الصبیة لخروجها عن موضع النص و تسویة الغلام للجاریة فی الخبر لا یدل علی تسویة الصبی للصبیة إن لم یدل علی العدم و یحتمل ارادة التسویة فی الغسل دون الصب و یدل علی عدم التسویة الأخبار الناصة علی أنّ بول الجاریة یغسل منه الثوب و إنْ لم تطعم معللًا بان لبنها یخرج من مثانة أمها و إنْ بول الصبی ینضح و بول الجاریة یغسل و إنّه انما یغسل من بول الانثی و حکم الخنثی حکم الصبیّة علی الظاهر للاحتیاط و لا یتفاوت الحال فی الصبی بین کونه فی الحولین أو ازید ما دام لم یتغذ بالطعام بحیث یأکله بشهوة و ارادة سواء شرب معه اللبن أم لا و لا عبرة بالاکل النادر و الا لزم دخول من حنک بالتمر ساعة المیلاد فیه و لا یلتزمه احد و اشترط (ابن ادریس) کونه فی الحولین و هو قوی لأنّه حد الرضاع شرعاً و المنصرف الیه اطلاق الصبی ما لم یأکل و الاحتیاط یساعده إلّا أنّ العمل علی ما أطلقه المشهور اقوی (نعم) لو تجاوز فی الرضاع کثیراً إلی سبع سنین أو ثمان اشکل دخوله فی اطلاق الفتوی و النص و هل یشترط فی الصب خروج الماء من الجانب الآخر للاحتیاط و لنجاسة الماء بالملاقاة فیلزم اخراجه و لأنّه شرع للتنظیف و لا یحصل التنظیف به إلّا أن یخرج و یخرج معه الاجزاء البولیة أو لا یشترط لإطلاق الفتوی و النص فی الاجتزاء بالصب من دون ذکر الخروج و عدمه بل الظّاهر منه عدم الخروج للأمر بالرش و النضح فی بعض الأخبار و الآمر بالصب و الآمرة بالصب و النضح هنا فی بعض الأخبار و احتمال أنّ الصب فی الفتوی و الروایة یقابل به الغسل الداخل فیه العصر لا مجرد انفصال الماء فیکون انفصال الماء و خروجه لازماً لما ذکرناه من الأدلة بعید عن الظاهر فی کلام الاصحاب و فتواهم و من ظهور أنّ هذا الحکم للتخفیف و التسهیل و عن الأخبار المتضمنة للنضح و ربما جعل بعضهم الفرق بین الغسل و الصب هو انفصال ماء الغسالة

ص: 393

بعد استیلائها علی المحل و تقاطرها فی الأوّل و عدمه فی الثّانی و لکنا لا نقول به لاختیارنا أنّ العصر داخل فی مفهومه فی الماء القلیل سیما عند استعلائه علی المحل کما أنّ حمل النضح علی الاستمرار علیه کی یتکاثر فینفصل من الجانب الآخر بعید ایضاً لا نقول به و حینئذ فالاقوی عدم الاشتراط و هل یشترط ایضاً استیعاب المحل فی الصب لظاهر الاطلاق و للاحتیاط أو لا یشترط لشمول الأمر للمستوعب و غیره مضافاً للأمر بالنضح و الرش علی ما روی و هما لا یقضیان بالاستیعاب سیما الرش فی عرفنا الیوم و النضح هو الرش علی ما فسره أهل اللغة وجهان أقواهما الأوّل لأنّ حمل النضح علی صبّ الماء قلیلًا و الأخذ بظاهر الفتوی و النصّ من الأمر بالصب أولی من حمل الصبّ علی الرش الغیر قاضی بالاستیعاب لضعف روایته فتوی و عملًا و احتیاطاً و هل یسقط التعدد من بول الصبی الظاهر إطلاق الأخبار و صرح به بعض الاصحاب و نقل علیه من بعض المتأخرین ظاهر الإجماع و لانصراف الأمر بالمرتبین لبول الکبیر أو لا یسقط للاحتیاط و لتخصیص اطلاق الأخبار بما دل علی المرتین و المنع من انصرافها إلی بول الکبیر و هذا هو الاقوی.

خامسها: یکفی فی الغسل ازالة العین

و إنْ بقی اللون و الرائحة لفتوی الأصحاب و الإجماع المنقول فی الباب و قوله (علیه السلام) (حتی ینقی ما ثمة قلت) فإنّه ینفی ما ثمة و یبقی الریح قال لا ینظر الیها و فی آخر فی الدم لا یضرُّک أثره و فی آخر لا شی ء علیه من الریح و نقل الإجماع علی عدم الفرق بین الریح و غیره و فی الخبرین فی دم الحیض الذی لم یذهب أثره اصبعه بمشق و الصبغ غیر مطهر قطعاً مضافاً إلی أصل البراءة من لزوم ازالة الأثر بعد تحقق إزالة العین عرفاً المامور بها فی النص و الفتوی نعم لو بقی للنجاسة أثر عرفاً ناشئ من تخلف اجزائها الدقیقة فی المحل وجب اخراجه و لو بمعاون من صابون أو اشنان و ذلک کثیر و دعوی أنّ الأغراض دلیل علی بقاء الأجسام فیلزم إزالة الطعم و اللّون لدلالتهما علی بقاء الأثر غیر مسموعة بعد ما ذکرناه من أنّ المدار علی حصول النجاسة عرفاً و زوالها کذلک و الملازمة الحکمیة لو سلمناها لا اعتبار بها فی الأحکام الشرعیة.

ص: 394

سادسها: المائع لا یقبل التطهیر مع بقائه علی حالته

و عدم تغییر صورته سواء کان ماء مضافاً (کماء الورد) و شبهه أو غیره کالدبس و الدهن و العسل و الشمع و مثلها العجین و الطین لاستصحاب نجاسته و عدم دلیل علی إمکان تطهیره سوی عموم تطهیر الماء و هو کالمجمل بالنسبة للمتعلق و هو ما یطهره و بالنسبة إلی کیفیة التطهیر به إذ لم یرد فی کیفیة التطهیر سوی الغسل و النضح و الرش و الصب و نحو ذلک لافراد یتعلق بها من ثوب أو بدن أو اناء أو أرض و شبهها و لم یجی ء من الشارع (أنّ الماء مطهر لکل شی ء) فی أی نحو علی أی کیفیة فالمشکوک فیه یبقی علی نجاسته و لو سلمنا أنّ هناک فرداً متیقناً فی کیفیة التطهیر و هو مماسة کل جزء من أجزاء الماء لکل جزء من أجزاء النجس لأشکل الأمر فی تطهیر المائع ایضاً لأنّه أن مازج القلیل انفعل القلیل به فلم یفده التطهیر لعدم إمکان انفصاله عنه بعد ذلک کباقی المغسولات و إنْ مازج الکثیر فإنّ سلبه الإطلاق عند المزج بقی علی نجاسته لعدم العلم بمداخلة المطلق فی أجزائه قبل أن یسلبه إطلاقه فیبقی علی استصحاب النجاسة و أصالة بقاء الإطلاق إلی حین الخروج معارض بظهور مقارنة الخروج عن الإطلاق للمزج بل ربما یقال هو المقطوع به و إنْ لم یسلبه الإطلاق استهلک المائع فی الماء و بطل حکمه و ذهبت فائدته نعم قد یفید ذلک الماء الکثیر طعماً أو لوناً أو نحو ذلک و هو قلیل الثمرة بل لا یکاد تظهر له ثمرة هذا إذا علم بمداخلة الکثیر لجمیع اجزائه و لو شک فی المداخلة کالدهن المنصب فی الماء الکثیر فإنّه لا یقطع بمداخلة الماء لجمع أجزاء الدهن اشکل حکم تطهیره بالقائه فیه و إنْ لم یسلب الماء الکثیر اطلاقه نعم لو جمد المائع فتنجس فإنّ کان صقیلًا کالشمع و الصابون فی الشتاء و الملح و الشب و الزاج التی فیها صلابة إذا اصابتها النجاسة بعد جمودها جاز تطهیرها مطلقاً و إنْ اصابتها قبل جمودها فإنّ تقاطرت کانت کالمائع و إنْ کانت بحیث ینحدر عنها ماء الغسالة جاز تطهیر ظاهرها بالماء القلیل و الکثیر و إنْ لم یکن صقیلًا کالدهن و الدبس فی الشتاء فإنّ لم تنفذ النجاسة فیه بل مست السطح الظاهر جاز تطهیره بالکثیر و فی جوازه بالقلیل إشکال و الأحوط ترکه.

سابعها: ما تنفذ فیه النجاسة من الاجسام و ترسب فیه الغسالة

و لا یمکن اخراجها بالعصر کالأرض و المدر أو القرطاس و الطین الیابس و الخبز و بعض الفواکه و الحلوی

ص: 395

و القند و السکر المتماسک و الصابون و نحو ذلک فهذه إن أصابتها النجاسة حال میعانها فجمدت کالحلوی و الخبز و الطین و کان الماء بحیث ینفذ فیها و هی متماسکة جاز تطهیرها بالکثیر بوضعها فیه إلی أن ینفذ الماء الکثیر فی جمیع اجزائها و إنْ لم تتماسک کالملح غالباً و القند و الحلوی کان حکمها حکم المائع و إنْ لم ینفذ فیها الماء فإنّ لم یتقاطر جاز تطهیر ظاهرها بالقلیل و الکثیر و إنْ تقاطرت لم یطهر ظاهرها بالقلیل قطعاً و فی الکثیر علی الأظهر و إنْ اصابتها النجاسة بعد جمودها کالخبز و الصابون و الطین الجامد و الأرض جاز تطهیرها بالکثیر إما بکر أو ماء مطر بحیث ینفذ الماء إلی ما سرت فیه النجاسة منها و فی تطهیرها بالقلیل إشکال و کذا الباذنجان المطبوخ و الیقطین و ما شابههما من الفواکه مما یکون مطبوخاً و دعوی أنّ أوامر الغسل تشملها لأنّ الثوب و البدن فی الأخبار مثال و إنْ الرطوبة الباقیة فیها من ماء الغسالة لا تزید علی الرطوبة الباقیة فی المحشو و شبهه بعیدة لانصراف أدلة الغسل لما یغسل عرفاً و یصدق علیه ذلک و عموم مطهریة الماء لمثل ذلک مشکوک فیه و لعدم القطع بازالة ماء الغسالة للنجاسة و خروج ما یمکن اخراجه منها نعم یمکن القول بلزوم العسر و الحرج لو قلنا بعدم قبولها التطهیر لعدم تیسر الماء الکثیر فی أغلب البلدان و یلزم من بقائها علی النجاسة إتلاف کثیر من المال و الامتنان بطهارة الماء یدل علی شمول نفعه فیکفی حینئذٍ القاء الماء القلیل علیها بحیث یصل إلی المحل الذی وصلت إلیه النجاسة و غمزه فی الجملة فیما یمکن غمزه لاخراج ما تیسر إخراجه من ماء الغسالة و ما لا یمکن غمزه یطهر بوصول الماء إلیه کالأرض الرخوة لرفع الحرج و احتیاج الناس إلی تطهیر الأرض و عدم تمکنهم من ملاقاتها للملأ الکثیر و للحدیث المروی عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) (باهراق ذنوب الماء علی بول الاعرابی فی المسجد) و قد شهد الشهید (رحمه الله) بمقبولیته و لنا أن نقول بطهارة سطحها الاعلی و استقرار النجاسة فی الاسفل سیما علی القول بنجاسة ماء الغسالة جمعاً بین الحکم بنجاستها و تطهیرها النجس بانحدارها عنه إلی الاسفل و علی الوجه الأوّل یکون تطهیر الأرض بالماء القلیل خارجاً عن الحکم بنجاسة ماء الغسالة بالدلیل و یحکم بطهارته فی هذا المقام أو یحکم بنجاسته و لکن یطهره الجفاف و یؤید ما ذکرنا ما ورد فی الأخبار و فیها الصحیح من الأمر برش بیت المجوسی و الصلاة فیه و ما ورد فی

ص: 396

الصحیح من التعلیل لتطهیر السطح بماء المطر ما اصابه من الماء اکثر منه و هذا کله فی الأرض الرخوة التی لا ینحدر عنها ماء الغسالة و أما الصلبة التی ینحدر عنها ماء الغسالة لتسریحها فی الجملة فالظاهر جواز تطهیرها بالماء القلیل و إنْ لم تکن صخراً أو حصیً أو قیراً أو شبههما للضرورة و العسر و الحرج و لخروج ماء الغسالة فی الجملة.

ثامنها: ما انتقع بالنجاسة من الحبوب

(کالحنطة و الرز و السمسم و شبهها) أو طبخ فی الماء النجس کذلک و کذا اللحوم المطبوخة یطهر بتنقیعه بالکثیر بحیث یصل الماء إلی ما وصلت الیه النجاسة قطعاً و هل یطهر بالقلیل ام لا؟ وجهان أقواهما إنّه یطهر إذا علم نفوذ الماء إلی ما نفذت فیه النجاسة و مثله المفخور من آجر و خزف لو نفذت فیه النجاسة إلی الداخل و الأولی تجفیفه ثمّ غسله بحیث ینفذ الماء فیه و کلما ازداد فی التجفیف و أجراء الماء علیه کان أولی، هذا إنْ علم نفوذ ماء الغسالة إلی داخله و إلّا طهُر السطح الاعلی منه دون ما بطن و حیال طهارته تبعاً ممنوع.

تاسعها: قد ورد فی جملة من الأخبار الأمر بالرّش و النّضح لمحتمل النّجاسة

أو لمظنونها مع الیبوسة أو الرطوبة کما ورد الأمر برش بیت المجوسی و الصلاة فیه إذا لم نقل إنّ الرش یفیده طهارة و ورد فی الصحیح أنّ من لم یستیقن أنّ ثوبه اصابه منی فلینضحه بالماء و ورد أنّ الخنزیر إذا أصاب الثوب جافّاً ینضحه بالماء فی جملة من الأخبار و ورد أنّ الفارة الرطبة إذا مشت علی الثوب فإنّ رأی اثرها غسله و إنْ لم یرَ ینضحه و ورد أنّ المصلی فی ثوب المجوسی یرشه بالماء و ورد أنّ الثوب و البدن إذا لم یستیقن أنّه أصابهما بول ینضحهما بالماء و ورد أنّ من لم یستیقن أنّ ثوبه أصابه منی فلینضحه بالماء و ورد فی ثوب أصابته جنابة أو دم و إنْ کان یری أنّه أصابه شی ء فنظر فلم یرَ شیئاً أجزأه أن ینضحه بالماء و ورد فیمن أصاب ثوبه أبوال الدواب و فیه و إنْ شککت فانضحه و ورد فی تطهیر الفرش فإنّ اصبت مس شی ء فاغسله و إلّا فانضحه و ورد فیمن وقع ثوبه علی کلب میت أنّه ینضحه و یصلی فیه و ورد أنّ المذی إذا أصاب الثوب ینضحه بالماء و ورد الأمر بنضح بول البعیر و الشاة و ورد فی عرق الجنب أنّه احب أن یرشه بالماء فلیفعل و ورد فیمن یجد الندا و الصفرة فی المقعدة و کان یعمل و جرح أنّه یرشه بالماء و ورد فی الخصی یبول فیری البلل بعد البول فقال (یتوضأ و ینضح

ص: 397

ثوبه فی النهار مرة) و ورد أنّ الکلب إذا مس الثوب جافاً (صب علیه الماء) و ورد (أنّ الکلب إذا مس الثوب یابساً أنّه ینضحه) و ورد (أنّ الکلب یصیب الثوب قال انضحه و إنْ کان رطباً فاغسله) إلی غیر ذلک من الأخبار و الظاهر أنّ الرّش و النّضح و الصّب یراد بها معنی واحد و هو وضع الماء علی المحلّ مع استیعابه دون مجرد التقاطر من دون استیعاب کما هو المفهوم من لفظ الرش فی عرفنا الیوم بل ربما یدعی أنّه فی اللغة کذلک و إنْ النضح و الرش و الصب سواء فی الاستیلاء إلّا أنّ الصب ماخوذ فیه الکثرة و الانصباب و الظاهر أنّ جمیع ذلک محمول علی الندب و التنزه عن حصول النفرة من مماسة حیوان أو توهم اصابة نجاسة أو ازالة دسومة عالقة أو لسکون النفس عن التنجس أو لتخفیفها لو کانت موجودة أو غیر ذلک و حملها علی ظاهرها من الوجوب کما افتی بعض الاصحاب بکثیر من مواردها ضعیف لمعارضته لفتوی المشهور و عمومات الادلة الدالة علی طهارة تلک الاشیاء و الدالة علی احتیاج المتنجس إلی (غسل) و لا شی ء من الرش و النضح بغسل و احتمال التعبد کنزح البئر یبعده فتوی الاصحاب بل الاتفاق الظاهر فی الباب و الإجماعات المنقولة علی عدم وجوب جلها بل کلها.

عاشرها: إذا علم موضع النجاسة غسله قطعاً فی ثوب أو بدن

و یجوز غسل البعض و تأخیر البعض و لا تسری النجاسة إلی ما طهر خلًا فالمن منع غسل بعض الثوب دون بعض و إنْ جهلها غسل جمیع ما یقع فیه الاشتباه من ثوب أو بدن للإجماع المنقول و فتوی الفحول و الاحتیاط اللّازم من باب المقدمة و النصوص المستفیضة کالصحیح الآمر یغسل الثوب کله إن خفی مکان المنی و الآخر الأمر بغسل الثوب من الناحیة التی یری أنّه أصابه حتی یکون علی یقین من طهارته إلی غیر ذلک من الأخبار المعتبرة المنجبرة بفتوی الاصحاب و القواعد و الاحتیاط فما تخیله بعضهم من الاکتفاء بغسل مقدار النجاسة وضع الاشتباه أی موضع کان و یرتفع یقین النجاسة) و لا یلزم یقین الرفع ضعیف لا یلتفت الیه و لو وقعت النجاسة فی احد الثوبین و اشتبهت وجب غسلهما علی نحو ما تقدم من الدلیل و ما تخیله بعضهم من التخیر و التمسک بالأصل ضعیف جداً و إنْ تعذر غسلهما صلی بهما الصلاة الواحدة للاحتیاط القاضی

ص: 398

به باب المقدمة و للحسن الآمر بالصلاة بهما جمیعاً و لیس المراد اجتماعهما لبطلانه قطعاً و قیل یطرحهما و یصلی عریاناً و ذکر ان فیه روایة مرسلة و إنْ تعدد الصلاة یفوت الجزم الواجب فی النیة و کلاهما ضعیف لضعف الروایة و منع فوات الجزم أو تسلیمه و لکنه جاز للضرورة أو جاز لأنّ به استیفاء الأفعال دون الصلاة عریاناً علی أنّه ینتقض بالصلاة عریاناً أیضاً من جهة التردد فی صحتها.

حادی عشرها: یغسل الإِناء من ولوغ الکلب ثلاثاً

للإجماع المنقول و فتوی الفحول بل الإجماع المحصل و الصحیح الأمر بصبّ الماء الذی من فضل الکلب و غسله بالتراب أوّل مرة ثمّ بالماء مرتین و الأمر بالماء مرتین و إنْ لم یوجد فی النسخ المشهورة فی الحدیث إلّا أنّه مروی فی الخلاف و المعتبر و مؤید بالرضوی المنجبر فهو معتبر قطعاً و یجب أن یکون أوّلهن بالتراب لفتوی المشهور و عمل الجمهور و الاحتیاط و الصحیح المتقدم خلافاً لمن اوجب التوسط لروایة مرسلة ضعیفة شاذة لا تعارض ما تقدم و خلافاً لمن خیر فیها لإطلاق الرضوی و بعض کلمات الاصحاب و هو ضعیف لحمل المطلق علی المقید عند المقاومة فکیف و لا مقاومة مع أنّه فی الرضوی قدّم التراب و ظاهر الترتیب الذکریُّ یفید الترتیب الحکمی و ذهب ابن الجنید إلی وجوب السبع للروایتین الآمرتین بالسبع و إنْ أوّلهن بالتراب کما فی احدهما و هو ضعیف لضعفهما و قصور سندهما عن إثبات السبع لأنّ الرّاوی فی أحدهما (أبو هریرة) و قد روی الثلاثة مرة و الثلاث و الخمس و السبع أخری و الروایة الثّانیة غیر صحیحة فحملهما علی الندب لا بأس به لمکان الاستظهار و الجمع بین الأخبار و هنا أمور.

منها: هل یشترط مزج التراب بالماء لتحصیل حقیقة الغسل أو اقرب مجازاته و لحمل الباء فی قوله (علیه السلام) فی الصحیح (و اغسله بالتراب) علی المصاحبة فیکون الظرف حالًا من الغسل المدلول علیه بالأمر کقوله (علیه السلام) (دخلت علیه بثیاب السفر) و یکون المراد اغسله بالماء حال کونه مصاحباً للتراب أو لا یشترط لأنّ حمل التراب علی حقیقیته و استعمال الغسل فی مطلق المطهر خیر من إبقاء الغسل علی حقیقته و التجوز فی التراب باستعماله فی الطین لمعروفیة المجاز الأوّل و کثرته دون الثّانی علی أنّ التجوز بالغسل حاصل علی کل حال لأنّه حقیقته باجراء الماء المطلق أو کل ماء لا کل

ص: 399

مائع کالطین کما فی هذا المقام و خیال أقربیته التجوز بالمائع من التجوز بالمطهر مطلقاً ممنوع بنفسه الأوّل و ممنوع بترجیحه علی استعمال التراب فی حقیقته ثانیا و مستلزم للمجازین من مجازیة الغسل و مجازیة التراب ثالثا و حمل الباء علی المصاحبة لا یجدی ایضاً لأنّه مستلزم لاخراج الماء و التراب و الغسل عن الحقیقة لأنّ الماء بعد مزجه بالتراب خرج عن کونه ماء مصاحباً للتراب و عن کونه تراباً و عن کونه غسلًا بالماء المصاحب نعم لو اکتفینا فی الغسل بالتراب بتبلیله بحیث لا یخرج عن کونه تراباً کان أقرب للتنظیف و أقرب للتجوز فی الغسل و لیس فیه خروج عن الاحتیاط و أما إبقاء الماء علی إطلاقه و إضافة شی ء من التراب إلیه فهو خروج عن ظاهر النصّ و الفتوی و الاحتیاط.

و منها: أنّه هل یشترط طهارة التّراب للاحتیاط و لظهور الأمر به کظهوره فی الماء و لإشعار قوله (علیه السلام): (و ترابها طهوراً) و هو الطّاهر المطهّر و لاستبعاد تطهیر ما هو نجس عند الشّارع کما هو المعلوم من استقراء المطهّرات أو لا یشترط للإطلاق و لأنّه جزء من المطهّر لا مطهّر و لأنّ الفرض منه التنظیف دون التطهّر و هو ممّا یحصل بالنجس و یرفع النفرة الحاصلة من مماسّة الکلب و الثّانی قویّ و الأوّل أحوط.

و منها: هل یشترط إطلاق التراب اقتصاراً علی مورد النص و الفتوی فی التطهیر بعد استصحاب النجاسة أو یکفی مطلق التراب مطلقاً أو مضافاً کتراب المعادن و الاشنان و شبهها لأنّ الفرض حصول التنظیف و ربما کان غیر التراب أقوی من تحصیله و فی الثّانی قوّة و الأوّل أحوط.

و منها: أنّه مع عدم إمکان الماء یبقی الإِناء نجساً قطعاً لأنّه حکم وضعی لا یرتفع إلّا بسببه و ما ورد من لا ضرر و لا اضرار و إنْ الضرورات تبیح المحظورات و من نفی العسر و الحرج فهو وارد فی الغالب فی موارد الأحکام التکلیفیة لا الوضعیة کما فهم الاصحاب ذلک منه بل ظاهرهم قریب الاتفاق علی ذلک و هذا المقام من المواضع التی لا تجری فیها تلک العمومات فیستصحب حکم النجاسة إلی حصول القطع بالمزیل و أما عدم التراب فهل سقط حکمه لتلک العمومات المتقدمة و لوجود الماء فی الغسلتین الأخیرتین أو یقوم مقامه الغسل بالماء لأنّه الأصل فی الغسل و غیره انما یثبت مع إمکانه

ص: 400

أو یقوم مقامه تراب مضاف لأنّ المقصود التنظیف و هو مما یحصل به فإنّ لم یحصل فالماء فإنّ لم یکن سقط حکمه و اکتفی بالغسلتین أو أنّه یبقی نجساً لاستصحاب النجاسة و توقف التطهیر علی شرط غیر ممکن و المشروط عدم عند عدم شرطه و العمومات المتقدمة لا تجری فی الأحکام الوضعیة فی النجاسة و شبهها وجوه أحوطها الأخیر و فی قیام التراب المضاف مقام المطلق قوة.

و منها: أنّه لو تکرر الولوغ فهل یکفی لجمیعها عمل واحد لأنّ المقصود التنظیف التنظیف و هو ما یحصل فی التّداخل و لأنّه کسائر النجاسات و هی مما تتداخل لظاهر الفتاوی و النصوص و إنْ قلنا باصالة عدم التداخل فی غیرها أو لا یکفی لأصالة عدم التداخل و أصالة تعدد المامور به عند تعدد الأمر و الأقوی و الأظهر و الأشهر الأوّل و الأصل فی الثّانی مقطوع بما ذکرنا نعم لو ولغ فی الأثناء احتاج إلی استئناف العمل.

و منها: إنّ الغسل بالکثیر هل یسقط التعدّد بالتراب و الماء لانصراف أوامر التعدّد للقلیل فی ذلک الیوم فیبقی أنّه لا یحتاج فی الکثیر إلّا لمجرد الغسل الحاصل من ادخاله الماء مرة و لاستبعاد بقاء نجاسة الملاقی للمعتصم بعد استیلائه علیه و ذهاب عین النجاسة منه أو سقط التعدّد بالماء لصیرورته کالبول الساقط فیه التعدّد لو غسل بالکثیر دون التراب لاستصحاب حکمه و استصحاب النجاسة أو لا یسقط شیئاً للاحتیاط و ظاهر الأمر وجوه أحوطها الأخیر و أقواها الوسط.

و منها: أنّه هل یختص بهذا الحکم الولوغ و هو ما سمی ولوغاً عرفاً و هو ادخال الکلب طرف لسانه فی الإِناء و تحریکه لیشرب منه لأنّه المتیقن من الفتوی و الروایة و لانصراف لفظ فضله الیه فی الصحیح المتقدم أو یشمل شربه علی أیّ نحو کان و لطعه للاناء من غیر شرب و کذا لحسه له بلسانه لشمول لفظ فضله لهما و لمساواتهما فی العلّة و هی وصول الرطوبة اللزجة للاناء و هذا الأخیر أقوی، نعم لو وقع اللعاب لا علی الوجه اللطع و اللحس احتمل اجراء الحکم الولوغ علیه لوجود العلة و للاحتیاط و احتمل عدمه منعاً لتنقیح العلة و قطعیتها ابتداء فلا یجب له إلّا ما یجب لسائر النجاسات أما عرقه و بوله و خرؤه و فضلاته و وقوع أحد أجزائه و کله فالحقها جماعة بولوغه لمفهوم الموافقة لأنّ لا رطوبة فمه أطیب من غیرها لمکان الهیثة و لهذا قیل إنّ

ص: 401

نکهته أطیب من نکهة غیره من الحیوانات فإذا وجب لولوغه وجب لغیره بمفهوم الموافقة و منع جماعة الحاقها و جعلوها کسائر النجاسات و هو الاقوی و الأوّل أحوط لروایة الرضوی المذکور فیها الوقوع و لاحتمال إرادة السؤر من لفظ الفضل فی الصحیح و للاحتیاط.

و منها: أنّه هل یلزم التراب بالماء المطلق للاحتیاط و ظهور لفظ الغسل فیه أو یکفی خلطه بکل ماء یؤثر تنظیفاً لأنّه هو الفرض من الغسل بالتراب وجهان اقواهما الثّانی و احوطهما الأوّل.

و منها: أنّه هل یجب التجفیف بعد الغسل للاناء کما فی الرضوی أو لا یجب للأصل و البناء علی الاخیر.

و منها: إنّه لو خیف علی الإِناء من الفساد باستعمال التراب أو لا یمکن غسله بالتراب إلّا یکسره فهل یسقط حکمه و یبقی الماء مرتین أو یعود ثلاثاً و الاولی بدل التراب لأنّ حکمة الشارع تقضی بالتطهیر و عدم اتلاف المال و لیس طریق سواه سیّما لو لم یکن ماء کثیر جاری و نحوه أو یبقی نجساً للاستصحاب و عدم دلیل دال علی ارتفاع الحکم الوضعی بالعمومات الدالة علی سهولة الشریعة و عدم الضّرر و الضّرار و الأخیر أحوط.

و منها: هل یکفی مسه بالتُّراب و تحریک الإِناء به أو یکفی مسّه فقط بحیث یوضع فیه و یکفی أو لا بد من امرار الید علی التّراب لیکون أقرب إلی هیئة الغسل وجوه اقواها الأوّل و أحوطها الأخیر و لو أوجبنا مزج التُّراب بالماء جاءت الوجوه أیضاً إلّا أنّ فی الوسط قوة و امرار الید فی الأوانی الضیّقة متعسِّر غالباً.

و منها: هل حکم ماء الولوغ کالولوغ أو کباقی النّجاسات و الأقوی الأخیر و الأحوط الأوّل بالنّسبة إلی الإِناء دون غیره فلا یفتقر إلی التعدد.

و منها: إنّه لو وقعت فی الإِناء نجاسة مع الولوغ تداخلت و بقی حکم التعفیر بالتراب لازماً مع احتمال لزوم التعدد بتعدُّد النجس و لکنه بعید.

و منها: إنَّ الحکم هل یختص بباطن الإِناء أو یسری إلی الظّاهر وجهان أحوطهما الأخیر و أقواهما.

ص: 402

و منها: هل یسری الحکم إلی ما شابه الإِناء من جورب و خفّ أو لا؟ وجهان أقواهما الأخیر و أحوطهما الأوّل.

و منها: لو انکسر الإِناء فهل یجری فی رضاضه ذلک للاستصحاب و الاحتیاط أو لا یجری للأصل؟ تفسیر الموضوع وجهان أقواهما الثّانی و أحوطهما الأوّل اما لو ولغ بغیر الإِناء فعاد اناء فالاقوی عدم اجراء حکم الإِناء و الأحوط إجزاءه علیه.

ثانی عشرها: یغسل الإِناء من ولوغ الخنزیر

بل من شربه و لطعه و لحسه سبعاً للاحتیاط و فتوی المشهور من المتاخرین نقلًا و الصحیح عن خنزیر یشرب من الإِناء قال یغسل سبع مرات و السبع قید للفعل لا للقول قطعاً و ذهب المحقق (رحمه الله) إلی الاکتفاء بالواحدة و حمل الصحیح علی الندب لعدم افتاء المتقدمین بمضمونها فیعود الحکم فیه کسائر النجاسات فیجب فیه الغسل مرة و هو قوی إلّا أنّ الأوّل اقوی و احوط و الشیخ جعل حکم الخنزیر حکم الکلب لصدق الکلب علیه و فیه منع ذلک و لوجوب غسل الإِناء ثلاثاً من کل نجاسة و ولوغ الخنزیر أحدها و فیه منع الأصل أو تسلیمه و تخصیصه بالروایة علی أنّه لا یُطابق مُدّعاه من أنّه کالکلب لوجوب التعفیر فیه دون باقی النجاسات و فی الحاق الخنزیر البحری بالبری وجه یقضی به الاحتیاط.

ثالث عشرها: یغسل الإِناء من الخمر سبعاً

(لموثق عمار) فی الإِناء یشرب فیه النبیذ قال یغسله سبع مرات و للاحتیاط و لفتوی المشهور نقلًا و لا فارق بین النّبیذ و الخمر بل و کل مسکر لأنّ کل مسکر خمر فتجری علیه أحکامه و قیل ثلاثاً (لموثق عمار) الآخر عن اناء یشرب فیه خمراً إنّه یُغسّله ثلاث مرات و حمل الزائد فی الاولی علی الندب جمعاً و هو قوی لو لا الاحتیاط و دعوی الشهرة و یمکن تخصیص الأوّل بالنبیذ و الثانی بالخمر إلّا أنّه لا فارق بینهما ممن یعتد به فالقول به مشکل و قیل بالمرة استضعافاً للروایات و عملًا بعموم ما دلَّ علی وجوب غسل الإِناء مرة و قیل بالمرتین استضعافاً لهما و رکوناً إلی لزوم المرتین فی الإِناء مطلقاً و الأقوی ما ذکرناه و الظاهر سقوط السبع فی الغسل بالماء الکثیر لاستهلاک النجاسة فیه فبالطریق الاولی المتنجس.

رابع عشرها: یغسل الإِناء من موت الفارة و الجرذ سبعاً

(لروایة عمار) الآمرة بغسل الإِناء سبعاً لموت الجرذ و لا فارق بین الجرذ و الفارة ممن یعتد به و الجرذ ضرب من

ص: 403

الفار و قیل بالاکتفاء بالمرة استضعافاً للروایة و هو قوی لعدم ثبوت شهرة تجبرها و قیل بالمرتین لذلک و لوجوب غسل الإِناء من کل نجاسة کذلک و قیل بالثلاث لذلک و لوجوب غسل الإِناء من کل نجاسة کذلک.

خامس عشرها: یغسل الإِناء من سائر النجاسات ثلاثاً

للاحتیاط و لموثق عمار عن الکوز یکون قذراً کیف یغسل و کم مرة یغسل قال ثلاثاً یصب فیه الماء ثمّ یحرک فیه ثمّ یفرغ منه ذلک إلی آخره و نُسِبَ للمشهور ذلک و نقل علیه الشیخ (الإجماع) و قیل بالمرتین لوجوب الغسل من سائر النجاسات مرتین لمفهوم الموافقة من وجوبهما فی البول فی الثوب و البدن فغیر البول اقوی منه کما أنّ الإِناء اولی منهما لحکم الشارع بالتعدد فیه فی مقامات متعددة و قیل بالمرة استضعافاً (لروایة عمار) و الإجماع المنقول بروایة المرسلة الآمرة بالواحدة المؤیدة بنقل (ابن ادریس) (الإجماع) علی مضمونها الموافقة لدلیل الیسر المنقول علیها الشهرة بل و ربما یدعی أنّ العمل علیها و هذا القول قوی و لا یبعد البناء علیه فی غیر البول نعم فی نجاسة البول لا بد من التّعدّد للأمر به فی الثوب و البَدن و تنقیح المناط بل مفهوم الموافقة یقضیان بسرایة حکمهما للاناء و شبهه و مع ذلک فلا شک أنّ الثلاث احوط مطلقاً و من بعدها المرّتان بعد إزالة العین و من بعدها المرتان واحدة للإزالة و الأُخری للانقاء و من بعد ذلک لا بد من الواحدة المزیلة و هی الواجبة کما قویناه اخیرا و طریق تطهیره اما بالصب علیه فیجری الماء علیه و ینحدر أو یصب فیه و یحرک و یفرغ أو یملأ و یفرغ بنفسه أو بآلة إذا لم یمکن طرحه و تفریغه و اذا توقف ازالة النجاسة أو المتنجس علی الدلک وجب تبعاً و لو غسل بالکثیر بطل حکم التعدد دون الدلک اللازم تبعاً لما تقدم من انصراف ادلة التعدد للقلیل دون الکثیر فیکفی فی الکثیر حصول مسمی الغسل لإطلاق الادلة و لاستهلاک نفس النجاسة لو وقعت فیه و طهارتها فطهارة المتنجس اولی.

ص: 404

القول فی أحکام النجاسات

اشارة

و فیه ابحاث:

احدها: أن کل ما یحکم بنجاسته یؤثر فی الملاقی نجاسة مع الرطوبة فی أحدهما القابلة للتاثیر

و کل ما یحکم بنجاسته لا یؤثر مع الیبوسة فهنا کلیّتان:

اما الاولی: فیدل علیها فتوی الفحول سوی من شذ و الإجماع المنقول و استقراء الأخبار فی جمیع المتنجسات و عمل المسلمین فی سائر الاوقات بحیث لا یتناکرونه بینهم و لا یتعدونه.

و أما الثانیة: فیدل علیها الأصل و فتوی الفحول إلّا من شذ فی بعض الموارد و أصالة عدم السرایة و ظهور الأخبار الدالة علی التنجیس فی الملاقاة برطوبة و الأصل الطهارة و التفصیل فی کثیر من الأخبار بین المس برطوبة فیجب الغسل و إلّا فالرش و النضح الظاهران فی الندب و لقوله (علیه السلام) (کل یابس ذکی) المعتبر بین الأصحاب المنجبر بما تقدم فیقدم علی ما دل علی الأمر بغسل ما أصاب بعض النجاسات کالمیت و نحوه علی وجه الإطلاق و تقیده و إنْ کان بینهما عموم من وجه لرجحانه علیه أو یحمل علی الندب و خالف بعض الأصحاب فی مواضع ادعوا أنّها خرجت عن عموم تلک القاعدتین (کابن إدریس) حیث حکم بان ما لاقی بدن المیت ینجس برطوبة و یبوسة و لکنه لا ینجس برطوبة أو یبوسة مستنداً للأصل و عدم عموم الدلیل الدال علی أنّ کل نجس ینجس و العلامة حیث حکم بان ملاقاة المیت یبوسة تنجس الملاقی و الملاقی لا ینجس غیره برطوبة و لا یبوسة و هما محجوجان بما تقدم و الحکم بان الأمر بالغسل تعبدی فی مماسة المیت مطلقاً أو مع الیبوسة لو قلنا به مخالف لفهم الاصحاب من الأخبار و لحکمهم بالنجاسة فی جمیع الأعصار و کالعلامة و الشهیدین و نسب للمحقق و ادعی بعضهم أنّه المشهور حیث حکموا بتأثیر نجاسة المیت من الإنسان مع الیبوسة أخذا بإطلاق الأخبار الآمرة بغسل ما مس المیت من دون استفصال ثمّ أنّ الملاقی هل ینجس مع الرطوبة خاصة أو لا ینجس قولان أیضاً و کالعلامة أیضاً حیث حکم بتأثیر نجاسة المیتة من غیر الإنسان مع الیبوسة أو الرطوبة لإطلاق روایة آمرة بغسل ما مسها

ص: 405

من دون استفصال ثمّ أنّ الملاقی هل ینجس مع الرطوبة أو لا ینجس مطلقاً وجهان أیضاً لأهل هذا القول و الکل ضعیف محجوج بما تقدم و إطلاق الأخبار مقید بحال الرطوبة بل منصرف إلیه فلا یصلح حجة و کالخراسانی حیث حکم أنّ المتنجس إذا أزیلت عنه عین النجاسة لا تتعدی نجاسته إلی ما یلاقی موضعها و هو خلاف الإجماع بقسمیه و خلاف المعهود من سیرة المسلمین و طریقتهم و خلاف ما دلت علیه الأخبار من وجوب غسل الفرش و الأوانی و نحوها فإنّه لو لم یکن الأمر بغسلها للتحفظ من سریان نجاستها لما کان له فائدة لعدم استعمالها فی مشروط بالطهارة و لو عم کلامه المتنجس من المائع و الجامد لکان خلاف ضرورة المسلمین و أخبار السادة المعصومین (علیهم السلام) و ما یظهر من بعض الأخبار من ذلک لا یراد به ظاهرة قطعاً بل یراد به معانی أُخر کقوله (علیه السلام) (فیمن یبول و لا یقدر علی الماء إذا بلت و تمسحت فامسح ذکرک بریقک فإنّ وجدت شیئاً فقل هذا من ذاک) فإنّه من المحتمل بل الظاهر أنّ المسح لغیر محل البول کی إنّه إذا حصلت رطوبة فشک أنّ الرطوبة من محل البول و غیره بنی علی طهارتها و احتمال أنّ المسح لمحل البول حفظاً لبقاء الطهارة الحدیثة لیکون حجة لطهارة المحل بعد التمسح یبعده عدم ذکر الوضوء فی الروایة و عدم القدرة علی الماء المذکور فهیأه له و عدم ذکر الاستبراء الذی هو أقوی الأسباب المقتضیة لعدم الانتقاض و عدم دلالة التمسح للحیلة المزبورة علی عدم تنجس الثوب و قوله (علیه السلام) فیمن بال و لم یجد ماء فمسح ذکره بحجر و قد عرق ذکره و فخذاه قال یغسل ذکره و فخذیه فإنّه المحتمل بل الظاهر أنّ إلفاء عطف علی المتقدم و هو یقتضی لتعقیب و الواو عطف علی مدخولها فیقضی أنّ العرق بعد التمسح فیکون دلیلًا لنا و احتمال أنّ الواو للحال فیکون المأمور بغسله الذکر و الفخذین دون ما باشرهما بعید عن الظاهر و قوله (علیه السلام) فی هذه الروایة و سألته عمن مسح ذکره بیده ثمّ عرقت یده فأصاب ثوبه قال (لا یغسل ثوبه فإنّه من المحتمل بل الظاهر أنّ مسحه من دون رطوبة أو مسحه برطوبة و لکن لم یمس الثوب بالجزء النجس) و قوله (علیه السلام) فی روایة سماعة فیمن یبول و یتمسح بالأحجار ثمّ یجی ء منه بلل ما یفسد سراویله قال لا بأس) فإنّه من المحتمل بل الظاهر من نفی البأس أنّه مع عدم العلم یکون البلل من المخرج أو نفی البأس عن الانتقاض لو کان متیمماً أو أنّ

ص: 406

متعلق التمسح مخرج الغائط و ذکر البول کنایة الجمیع بقرینة التمسح و قوله (علیه السلام) فیمن یبول فلا یجد الماء فأصاب یده شیئاً من البول نجسه بالحائط و التراب ثمّ تعرق یده فیمسح بها وجهه أو جسده أو ثوبه قال لا بأس فإنّه من المحتمل بل الظاهر عدم العلم بان المسح کان بالجزء النجس بقرینة قوله (علیه السلام) شیئاً و علی کل حال فالمسألة لا إشکال فیها.

ثانیها: تثبت النجاسة بالقطع علی النحو المعتاد من الأشخاص

فلا عبرة بقطع أهل الوسواس و تثبت بالظن الشرعی کشهادة العدلین لعموم حجیة شهادتهما و للقطع الحاصل من الاستقراء بقبول شهادتهما و لقبولهما فی إثبات النجاسة فی مقام دعوی العیب الحاصل منها قطعاً فلتقبل فی غیرها و للخبرین الدالین علی حلیة کل شی ء حتی تقوم بینة علی أنّه میتة و إنّه حرام و غیر ذلک و هل تقبل شهادتهما تعبداً أو لحصول الظن أو تعبداً ما لم یحصل الظن بخلافهما و یستراب بشهادتهما وجوه ثلاثة أقواها الأخیر لما سیجی ء إنشاء الله تعالی فی باب القضاء من أنّ الحاکم لو استراب فی الشهادة وقف عن الحکم خلافاً لمن أوجب علیه إمضاء الحکم تعبداً و بما ذکرنا من الحجیة یخصص عموم کل شی ء لک طاهر حتی تعلم أنّه نجس أو یحمل العلم علی ما هو الأعم منه و مما قام مقامه من الظن الواجب الأخذ به لشیوع إطلاقه علی ذلک شرعاً کتاباً و سنة بل و عرفاً و تثبت بشهادة العدل الواحد علی الأظهر إذا لم یسترب بخبره و لم یحصل الظن بعدمه لعموم حجة خبر العدل و لوجوب الأخذ به فیما هو الأقوی فلیثبت فی الأضعف و لوجوب الأخذ به فی الأصل فبالأولی فی الفراغ و لبعض الأخبار الدالة علی قبول شهادته فیما هو أقوی من ذلک کقبوله فی عزل الوکیل و فی استبراء الأمة و فی إنفاذ الوصیة و تثبت أیضاً بقول صاحب الید عدلًا أو فاسقاً ما لم یظن بخلافه أو یسترب بخبره لقبول خبر ذی الید فی جمیع الأشیاء من تذکیة و حلیة و حرمة و تطهیر و ملک و تملیک کما دل علی ذلک استقراء الأخبار و ورد أیضاً أنّ المعیر لو اعلم المستعیر بنجاسته ثوبه المستعار بعد ما صلی به أعاد الصلاة و السیرة القطعیة قاضیة بقبول أخبار صاحب الید فی حلیة و حرمة و طهارة و نجاسة و بیع و شراء و غیر ذلک و المراد بصاحب الید هو المالک و المتصرف و إنْ لم یکن مالکاً کالمستعیر و الودعی و الوکیل و یلحق به

ص: 407

الغاصب للسیرة القاضیة بقول اخبارهم و هل یشترط فی قبول خبر الشاهدین أو الواحد أو ذی الید ذکر السبب لاختلاف الانظار فی النجاسة و فی انواعها و فی کیفیة التنجیس و الأصل الطهارة أو لا یشترط لظهور اخباره فی نجاسته واقعاً المعلومة أو المظنونة بطریق شرعی حجة علیه و علی المخبر وجهان أظهرهما الثّانی و هل تثبت النجاسة بالظن لأنّ المرء متعبد بظنه و لرجحانه و الاخذ بالمرجوح قبیح أو لا یثبت للاخبار الدالة علی الطهارة إلی العلم بالنجاسة و الدالة علی طهارة الثوب المعار للذمی حتی یحصل الیقین بأنّه نجسه و الدالة علی جواز استعمال الثیاب و الصلاة فیها المأخوذة من المجوس أو التی عملها المجوس الشاربون للخمر و الآکلون للمیتة و الدالة علی جواز الاخذ مما فی ید المسلمین و لو کانوا مستحلین للمیتة من دون مسالة و الاخبار فی هذا المضمون اخبار کثیرة و هی معتضدة بالاصول و فتوی الفحول و ظاهر الکتاب و عمل الاصحاب فالرکون الیها اقوی بل هو المقطوع به و ما ورد فی بعض الأخبار من الأمر بغسل الثوب المعار لشارب الخمر قبل الصلاة به و غسل الثوب الماخوذ من النصرانی قبل الصلاة به و غسل الثوب الماخوذ من النصرانی قبل لبسه و الصلاة به محمول علی الندب للاحتیاط لا تقدیماً للظاهر علی الأصل کما قد یتوهم لأنّ الظاهر لم یجعله الشارع حجة مطلقاً فکیف یعارض الحجة و لو کانت النجاسة تثبت بالظن کما ظنه بعض الاصحاب و إنْ الظاهر یقدم فیها علی الأصل لما بقی للمسلمین سوق و لا حکم بطهارة جواریهم و اطفالهم و نسائهم و الاعراب و أهل البادیة و العامة المستحلین لکثیر من المحارم و المطهرین لکثیر من النجاسات و العوام الغیر عارفین بالأحکام و الحبشة و السودان و الفسقة الغیر معتنین بالأحکام و اکثر أهل البادیة المباشرین للکلاب و الممارسین للیهود و النصاری و النساء الحیض و المباشرات للاطفال و المباشرین نزح النجاسات و الخدمة فی الحمامات و بالجملة فالحکم بثبوت النجاسة بالظن افراط کما أنّ الحکم بعدم ثبوتها إلّا بالقطع الحقیقی و لا یکفی الظن الشرعی تفریطه نسأل الله تعالی لتجنب عن جادة الافراط و التفریط نعم یندب التوقی من سؤر المتهم فی النجاسة و المظنون فیه ذلک للاخبار فی بعض الموارد و الاحتیاط هذا کله فی الموارد الخاصة و أما الموارد العامة کالاخذ مما یوجد فی الاسواق و ما یجلب من دیار الکفار أو من دیار المسلمین المتهمین

ص: 408

فی مباشرة النجاسات فالظاهر عدم مشروعیة الاحتیاط فیه و لا یندب التجنب عنه للسیرة القاضیة بذلک و عمل الاصحاب الائمة (علیهم السلام) و العلماء من قدیم الزمان إلی الآن و لا یجب اخبار من تلوث بالنجاسة للأصل و لورود النهی عن اخباره فی الصحیح عن الرجل یری فی ثوب اخیه دماً و هو یصلی قال لا یؤذیه حتی ینصرف و فی آخر عمن اعار ثوبه و صلی المستعیر فیه و هو لا یصلی فیه قال لا یعلمه و نظیرهما ما ورد من اغتسال الباقر (علیه السلام) و إنّه بقیت لمعة لم یصیبها الماء فقیل له فقال ما علیک لو سکت و لو لا فتوی الاصحاب و السیرة علی جواز الاعلام لکان القول بعدم الجواز متعیناً و الأظهر حملها علی الکراهة لمکان الاذیة و لو کان فی عدم التنبیه اذیة ارتفعت الکراهة و الظاهر عدم التفاوت فی عدم وجوب الاعلام بین أن یکون مع جهل النجاسة أو مع نسیانها و بین النجاسة و غیرها من الشرائط من ستر أو استقبال و نحوهما لعدم کونه منکراً فی الجمع فلا یجب النهی عنه کما لا یجب ایقاظ النائم لتادیة فرض أو حق دنیوی أو أخروی نعم یجب تنبیه الغافل فیما کان من الموضوعات العامة المؤیدة لسرایة الضرر و مشیوع المنکر کالغناء و الزنا و اللواط و قتل النفس و شبهها و یجب تعلیم الجاهل فی الحکم الشرعی لما ورد من وجوب العلم و التعلیم و التعلم لو لا ذلک لما ارسلت الرسل و انزلت الکتب و دونت الصحف و یحرم اغراء الغیر بأکل المحرم کتقدیم الطعام النجس للغیر أو المیتة أو الخبائث و کذا بیعها للنهی عن الضرر و الاضرار و من غش المسلمین فلیس منهم و للاخبار الناهیة عن بیع العجین النجس و الدهن و الزیت و العسل إلّا مع البیان لمن اشتراه.

ثالثها: یثبت التطهیر بعد العلم بحصول النجاسة بخبر العدلین قطعاً

و بخبر الواحد و بخبر ذی الید کل ذلک للاخبار و سیرة المسلمین علی قبول اخبار ذی الید فی حرمة و حلیته و تذکیة و تطهیر و تنجیس و الاخبار الواردة فی جواز الاخذ مما فی ید المسلمین فی الاسواق مع الشک بالتذکیة و عدمها و فی جواز الاخذ بقول المسلم فی تطهیر العصیر إنّه علی الثلث و فی جواز اخذ ما یعلم أنّها مما تنجست قبل اخباره بطهارتها و من اقسام ذی الید الوکیل فی التطهیر و إنْ کان فاسقاً لمشروعیة الوکالة فی الطهارة و قبول خبر الوکیل فیما وکل فیه کما سیأتی فی باب الوکالة إنشاء الله تعالی لأنّ الوکیل امین

ص: 409

مصدق و لأنّ الوکیل ذو ید فیما وکل فیه و للسیرة القاطعة علی قبول اخبار النساء و الجواری و الغلمان فی التطهیر اما لکونهن وکیلات فیما یتعلق بهذه الامور أو لأنّهن ذوات ید حیث أنّ المالک جعل متعلق امور البیت تحت یدهن و فی تصرفهن و یؤید ما ذکرنا ما یفهم من الأخبار من أنّ کل ذی عمل مؤتمن علی عمله و مصدق فیه کالاخبار الواردة فی القصارین و الجزارین و فی تطهیر الجاریة ثوب سیدها و إنْ الحجام مؤتمن فی تطهیر موضع الحجامة إذا لم یکن صبیاً و ظاهره اعم من العدل و الفاسق و الظاهر أنّ المستعیر صاحب ید فیصدق اخباره بالتطهیر حتی بالنسبة إلی المالک و لا یبعد أنّ الغاصب کذلک و أما المالک بالنسبة إلی المستعیر إذا لم یکن له ید حین الاعارة ففی تصدیق خبره وجهان احوطهما العدم.

رابعها: یجب ازالة النجاسة عن الثوب و البدن قلیلها و کثیرها فی الصلاة و الطواف

للإجماع و الاخبار و المراد بالثوب ما یسمی ثوباً عرفاً و لو طال إلّا إذا خرج بطوله عرفاً عن الثوب بحیث زاد القمیص اذرعاً یجر علی الأرض و العمامة کذلک و ما ذهب الیه ابن الجنید من طهارة کل نجاسة نقصت عن سعة الدرهم ما عدا الحیض و المنی مخالف للإجماع الشیعة و اخبارهم بل و ضرورة مذهبهم و تأویله بالعفو اولی و یجب ازالة النجاسة عن الاماکن المشرفة من مصحف و بدن نبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و کعبة و مسجد و مأکول و مشروب کل ذلک للإجماع و الاخبار و هل المحرم نفس ادخالها للاماکن المشرفة مثل الحضرات و المساجد أو مع التلویث ظاهر بعض الأخبار و الإجماع المنقول الاطلاق و لکن الأصل و انصراف الأخبار و الإجماع للملوث و ما دل علی جواز دخول المستحاضة للمساجد مع أنّ التلویث و لزوم العسر و الحرج غالباً لادخال الخف و النعل و شبههما إلی المساجد و هما لا یؤمنان من النجاسة غالباً دلیل علی أنّ الحکم مخصوص بالنجاسة الملوثة.

خامسها: یستثنی من الحکم المتقدم امور:

منها: تعلق النجاسة بما لا تتم الصلاة به لصغره مع بقائه علی کیفیته کالتکة و القلنسوة و الجورب و الخف و نحوهما و سیجی ء حکمها فی کتاب الصلاة إن شاء الله تعالی.

ص: 410

و منها: الجروح (خ) و القروح (م) و هما معفو عنهما فی الجملة و لیس حکمهما کحکم باقی النجاسات و لا باقی الدماء لفتوی الاصحاب و الإجماع المنقول بل المحصل و الاخبار المستفیضة ففی الصحیح عن الرجل یخرج به القروح فلا تزال تدمی کیف یصلی قال یصلی و إنْ کانت الدماء تسیل و فی الصحیح الآخر الرجل به الدمامیل و القروح فجلده و ثیابه مملوءة دماً و قیحاً و ثیابه بمنزلة جلده قال یصلی فی ثیابه و لا شی ء علیه و لا یغسلها و فی الصحیح الآخر الجرح یکون فی مکان لا یقدر علی ربطه قلیل منه الدم فیصیب ثوبی قال دعه فلا یضرک إلّا تغسله و فی الموثق الرجل به جرح سائل فاصاب ثوبه من دمه فلا یغسله حتی یبرأ و ینقطع الدم و فی الموثق الدمامیل تکون بالرجل فتنفجر فی الصلاة قال یمسحه و یمسح یده بالحائط أو بالأرض و لا یقطع الصلاة و فی آخر أنّ صاحب القرحة التی لا یستطیع صاحبها ربطها و لا حبس دمها یصلی و لا یغسل ثوبه إلّا کل یوم مرة و فی آخر مثله و فی آخر أنّ الامام (علیه السلام) أخبر أنّ بثوبه دماً فقال أنّ بی دمامیل فلست اغسل ثوبی حتی تبرأ و مقتضی اطلاق الأخبار و ارادة الیسر و رفع العسر و الحرج و سهولة الشریعة ثبوت العفو عن هذا الدم الصادر من جرح کبیر أو صغیر بفعل المکلف نفسه أو بغیره اختیاراً أو اضطراراً باطناً کان الجرح أو ظاهراً علی إشکال فی الباطن کالبواسیر و اشکل منه قرحة الریة و ذات الجنب تفطیراً کانت الجروح أو غیرها فی ثوب أو بدن شقت ازالتها أم لا لها فترة ینقطع بها مقدار الصلاة ام لا یمکن ابدال الثوب ام لا یمکن تخفیف النجاسة ام لا یمکن غسل البعض دون البعض ام لا یمکن الاحتفاظ من سیلان الدم ام لا یمکن غسل ما سوی الدرهم ام لا و أم سیلانها أم لا امکن غسل الثوب کل یوم مرة ام لا فیما عدا الروایتین المعارضتین بما هو اقوی منهما خالطة عرق من البدن ام لا کان معه قیح ام لا امکن علاجه و برءه ام لا وضع علیه دواء ام لا خشی الضرر من تطهیره أو التحفظ من سیلانه بعصائب ام لا تجاوز محله إلی محل آخر ام لا تجاوز بنفسه أو لا برا بعضها إذا کانت فی محل واحد عرفاً أم لا نعم لو کانت فی محلین کان لکل حکمه نعم الغایة فی العفو البرء عرفاً لمجموع الجرح المتحد عرفاً و لکل واحد من المتعدد و لا یجب غسل الثوب کل یوم مرة کما مال الیه بعض المتأخرین للخبرین المتقدمین لضعفهما عن مقاومة الأخبار المتکثرة المعتبرة

ص: 411

المنجبرة بفتوی الاصحاب و عملهم علی أنّه لا عامل بهما ممن یعتد به و لا یجب تخفیف النجاسة و إنْ اشعرت به روایة المسح بالحائط إلّا أنّها لضعفها سنداً و شذوذها حکماً و معارضتها بالإجماع المنقول علی عدم وجوب التخفیف وجب طرحها و کذا لا یجب الابدال لخلو الأخبار المتکثرة عن الأمر به و لا تعصیب الجرح و لا تقلیل الدم و لا یشترط المشقة فی الازالة و إلّا لم یعف عنه کما اشترطه بعضهم استظهار أنّ الأخبار المذکورة و فیه أنّ الأخبار مطلقة و لو دار الأمر فیها مدار المشقة لذکرت فی الجواب أو فی السؤال أو لعلق العفو علی حصولها فی خبر من الأخبار و کذا لا یشترط استمرار سیلانها و عدم انقطاعها للاخبار الدالة علی أنّ غایة العفو البرء و الظاهر من البرء ما هو اعم من الانقطاع و عدمه و حمل البرء علی الانقطاع ارتکاب تاویل لا حاجة الیه و تعلق السؤال فی الأخبار علی الجرح الذی لا یرقی و علی الجرح السائل و علی عدم القدرة علی الربط و غیر ذلک لا ینافی عموم الجواب المعمول علیه عند جملة من الاصحاب و نسبة اشتراط دوام السیلان و عدم الانقطاع إلی المشهور لا یقوی علی ما قدمنا مضافاً إلی قوله (علیه السلام) و إنْ کانت الدماء تسیل أنّه مع عدم السیلان فالعفو اقوی هذا و لکن التعدی عما نسب للمشهور بل المشهور تحصیلًا و عما وافق الاحتیاط و عمومات الادلة الدالة علی عدم جواز الصلاة بالنجس من اشتراط عدم الانقطاع و استمرار السیلان عرفاً و عدم صدق أنّها رقت علیها لیس بجید بل التعدی عن اشتراط حصول المشقة بالتطهیر و التنظیف تنزیلًا للاخبار علی الفرد المتعارف منها و عملًا بالاحتیاط لیس بجید أیضاً و یکون حاصل الفرق بین دمی الجروح و القروح و غیرها هو العفو عنهما مع المشقة فی الجملة و غیرهما لا تصح الصلاة به إلّا مع خوف الضرر الذی لا یتحمل عادة و إنْ هذین الدمین لا یجب تبدیل الثوب منهما و لا یجب التحفظ عن سرایة النجاسة منهما مهما امکن کما یجب و المسلوس و المستحاضة و لا یجب عدم مباشرتهما بجزء خارج من البدن عن محلهما و لا تجب الصلاة عاریاً إذا تلوث الثوب بدمهما و لم یمکن تبدیله و لا نزعه و الشک فی البرء و عدمه و الانقطاع و عدمه یجری فیه الاستصحاب و الاحتیاط لا یخفی و الشک فی کون الدم منهما أو من غیرهما لا یقضی بالعفو بل یقدم جانب الاحتیاط و یختص العفو بالصلاة مطلقاً و یقوی الحاق الطواف و لو خالط الدم

ص: 412

نجاسة أخری فالأظهر عدم العفو و لو کان الدم منه قبل اسلامه فاسلم فالأظهر العفو و الاحوط التجنب و لو برأ فی اثناء الصلاة فإنّ امکن التطهیر و التخفیف من دون ابطال للصلاة وجب و إلّا فالاحوط الاتمام و الاعادة و لو انفصل الدم عن البدن أو الثوب إلی الأرض أو مکان آخر کان حکمه کحکم سائر النجاسات و لا عفو فیه.

و منها: ما دون الدرهم من الدم فإنّه معفو عنه فی الجملة للإجماع المنقول و فتوی الفحول بل الإجماع المحصل و الاخبار و المتظافرة کالصحیح الرجل یکون فی ثوبه نقطة الدم لا یعلم به ثمّ یعلم فینسی أن یغسله فیصلی ثمّ یذکر بعد ما صلی أ یعید الصلاة قال یغسله و لا یعید صلاته إلّا أن یکون مقدار الدرهم مجتمعاً فیغسله و بعید الصلاة و فی آخر لا بأس بان یصلی الرجل فی الثوب و فیه الدم متفرقاً شبه النضح و إنْ کان قد رآه صاحبه قبل ذلک فلا بأس به ما لم یکن مجتمعاً قدر الدرهم إلی غیر ذلک و لکن المقام بتوقف علی بیان امور:

أحدها: المراد بالدرهم هاهنا الدرهم الوافی و هو البَغلّی بتشدید اللام و فتح الغین و الباء نسبة إلی بغل قریة فی الجامعین أو بفتح الباء و تسکین الغین نسبة إلی رأس البغل لشبهه به أو إلی قریة ببابل متصلة بالجامعین تسمی بغل أو إلی عامله المسمی بذلک أو إلی رأس البغل ضرب للثانی سکة کسرویة فسمیت فی الاسلام بغلیة و الوزن سواء و هو عبارة عن المضروب من ثمانیة دوانیق المقابل للطبری المضروب من اربعة و الاسلامی المضروب من ستة و قدر بأخمص الراحة أیضاً المنخفض منها و بسعة العقد الاعلی من الابهام و بسعة العقد الاعلی من الوسطی أو السبابة و یعتبر فیها مستوی الخلقة أو بالدینار أو بدرهم و ثلث و قیل أنّ الدرهم الوافی غیر البغلی و هو خلاف ظاهر المشهور و حمل الروایات علی الوافی الذی هو البغلی أو ما قاربه دون الطبری المقابل له دل علیه فتوی فحول الاصحاب و الشهرة محصلة به و الرضوی و الروایة العامیة عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) دالتان علیه و نقل علیه الإجماع و اقوی تقدیراته الأوّل و نسب للمشهور و شهد ابن ادریس برؤیته کذلک إلّا أنّه ذکر أنّه منسوب إلی القریة القدیمة لا إلی ابی البغل من کبار أهل الکوفة لتقدم هذه الدراهم علی الکوفة و أهلها

ص: 413

فلا یصح نسبته الیه و رده الشهید بقدم المسمی و حدوث الاسم و نقل بعضهم أنّ المسموع من المشایخ تشدید اللام و فی کونه بسعة الدینار روایة إن أصاب ثوبک قدر دینار من الدم فاغسله و لا تصل فیه حتی تغسله و لکنها ضعیفة و الدینار أیضاً یختلف فی السعة و علی کل حال فهو بالنسبة إلی التقدیر کالمجمل لعدم القطع بسعته و ما نسب للمشهور من تقدیره باخمص الراحة أیضاً کالمجمل لأنّه تحقیق فی تقریب فلا بد من الرجوع للقاعدة و هی البناء علی عدم العفو إلّا بالقدر الیقینی بالنسبة إلی اجمال التقدیر و کذا بالنسبة إلی اختلاف المقدر فیؤخذ باقل راحة من راحات مستوی الخلقة و یحکم بعدم العفو عند بلوغها مع احتمال الاخذ باوسعها فیحکم بالعفو إلی بلوغه و الأوّل احوط و قد یستشکل فی حمل الدرهم علی البغلی مع أنّ صدورها فی زمن الصادق (علیه السلام) و ینبغی أن یحمل اللفظ علی ما هو فی زمن الصدور و هو الدرهم الاسلامی الذی هو عبارة عن ثلاثة ارباع البغلی و قد یجاب بأنّهم حاکون ما هو فی زمن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و فیه أنّهم حاکون المعنی لا اللفظ فیحمل اللفظ علی ما هو عندهم و الحق فی الجواب أنّ ما ذکرناه سابقاً قرینة علی ارادة المعنی الخاص و لا شک أنّ المراد بالتقدیر هاهنا السعة لأنّ الدم لیس مما یوزن بل مما یری و لاتفاق الاصحاب علی ذلک و لأنّه المتبادر فی مثل هذا المقام.

ثانیها: البدن کالثوب فی الحکم و إنْ اختصت الروایات بالثوب إلّا أنّ فتوی الاصحاب و ظاهر الإجماع المنقول فی الباب قوله (علیه السلام) فی الخبر حککت جلدی فخرج منه دم فقال إذا اجتمع منه قدر حمصة فاغسله و إلّا فلا و فیه دلالة علی العفو عما یکون فی البدن فی الجملة و یضم الیه أنّه لا قائل بخصوص قدر الحمصة لأنّ المانع من العفو عنه یمنع عنه مطلقاً فلتجعل الحمصة کتابة عن قدر الدرهم سعة لأنّ وزن الحمصة إذا انتشر لنفسه یتسع مقدار الدرهم غالباً أو یقال أنّ ما کان قدر الحمصة هو قدر الدرهم تقدیراً و إنْ لم یکن فعلًا و الأمر هاهنا یدور مدار التقدیر و لا یشترط بلوغ سعة الدرهم فعلًا کما نقوله فی المتفرق و علی کل تقدیر فلا یرد أنّ قدر الحمصة قد یزید علی سعة الدرهم و إنْ الاکثر منها قد ینقص فلا عبرة بها وزناً و لا رؤیة لما ذکرناه من أنّ

ص: 414

الأمر یدور مدار الغالب علی أنّه قد نقل أنّ فی بعض النسخ بدل الحاء خاء و یراد بها اخمصة الراحة و یؤید ما ذکرناه من الالحاق اشتراک الثوب و البدن فی مشقة الازالة المسوغة للعفو و ربما تکون العلة مفهومة فی هذه المقامات المستثنیات.

ثالثها: دم الحیض لا یعفی عن قلیله و کثیره لفتوی الاصحاب و الإجماعات المنقولة فی الباب و اطلاق الأخبار کالنبوی حتیه ثمّ اقرصیه ثمّ اغسلیه و الامامی (علیهما السلام) تغسل ما اصاب ثوبها من الدم و الرضوی الناص علی وجوب الغسل تقلیله و کثیرة و الخبر لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلّا دم الحیض فإنّ قلیله و کثیره فی الثوب أن رآه و إنْ لم یره سواء و هذه الأخبار و إنْ ضعفت مجبورة بالفتوی و العمل علی أنّ الأخبار العفو منصرفة إلی غیر دم الحیض سؤالًا و جواباً لورودها فی الذکور و الظاهر عدم تلوثهم به و الإجماع هنا علی المساواة فیبقی عموم المنع فی الدم و وجوب الاحتیاط فی الفراغ الیقین سالماً عن المعارض یلحق بدم الحیض دم النفاس لأنّه حیض فی المعنی کما تقدم و للإجماع المنقول و فتوی الفحول و الاحتیاط و عموم الادلة السالمة عن العارض و الأظهر الحاق دم الاستحاضة للإجماع المنقول و الاحتیاط و صدق کل منهما علی الآخر فی الأخبار و ربما یلحق بدم الحیض دم نجس العین للاحتیاط و انصراف الادلة الدالة علی العفو إلی غیره و لورود النهی عن الصلاة فی کل شی ء مما لا یؤکل لحمه فسیجی ء المانع لا من حیث الدم بل من حیث کونه فضلة ما لا یؤکل لحمه أو من حیث تزاید نجاسته و ربما یسری المنع لکل ما لا یؤکل لحمه و إنْ لم یکن نجس العین لانصراف الفتوی و الروایة للعفو عن الدم من حیث هو دم فلا یسوغ اطلاقة کل مانع و لأنّ الأخبار مسوقة لبیان حکم الدم لا حکم غیره و هو قوی لمن اراد الاحتیاط و لکن ابن ادریس نقل الإجماع علی مساواة نجس العین لغیره فی العفو و مع ذلک فالاخذ باطلاقات العفو عن الدم من دون تفصیل و استفصال مع توفیر الدواعی إلی البیان لمکان الحاجة اقوی من الاخذ بعموم النهی عن الصلاة فی کل شی ء مما لا یؤکل لحمه لقوتها علیه سنداً و دلالة حیث أنّ اکثر الأخبار واردة مورد الفضلات من بول و خرء و شبهها فلا تشمل الدم و دعوی تضاعف النجاسة فی نجس العین بحیث یکون للدم من

ص: 415

اجلها حکم آخر ممنوعة و بهذا یمکن القول بالعفو عن دم ما لا یؤکل لحمه مطلقاً سیما لو کان طاهراً.

رابعها: الأظهر أنّ عدم العفو شامل للمجتمع و المتفرق فی الثوب أو البدن أو المجموع منهما لأنّ الثوب و البدن بمنزلة شی ء واحد فیلاحظ مجموعها و کذا الثیاب المتعددة خلافاً لمن حکم بالعفو عن المتفرق مطلقاً أو بشرط التفاحش و یدل علی عدم العفو الاحتیاط و عمومات الادلة و شهرة الفتوی به بین المتأخرین و الغاء الفارق من حیث کونه نجاسة اصابت ما لا یجوز تلوثه فی الصلاة و إنْ قدر الدرهم ملغًی و إلّا لوجب أن یکون علی شکله من تدویر أو تربیع و أم یکون لا عبرة بالمستطیل جداً و لا قابل به و من حکم بالعفو استند لمرسل جمیل قال لا بأس ما لم یکن مجتمعاً قدر درهم و إلی الخبر الصحیح یغسله و لا یعید الصلاة إلّا أن یکون قدر الدرهم مجتمعاً فیغسله و یعید الصلاة علی أن یکون مجتمعاً خبراً لیکون أو خبراً بعد خبر أو حالًا محققة لا مقدرة لظهور اتحاد زمان الإجماع و الکون مقدار درهم مع أنّ تغایرهما شرط فی المقدرة و لامتناع المحققة فی النقط المتفرقة و اید ذلک بفتوی مشهور المتقدمین أیضاً و فیه أنّ مجتمعاً یجوز أن یکون حالًا محققة و یتناول المتفرق الذی عند اجتماعه یکون قدر درهم کما یتناول المستطیل و شبهه لأنّه یکون المعنی إلّا أن یکون قدر درهم حال اجتماعه فیقدر المستقیل حالًا للقابلیة المحققة فیه فیکون حالًا محققة و یجوز أن یکون حالًا مقدرة بقرینة السؤال عن نقطة الدم و اشتراط اختلاف الزمان بینها و بین عاملها بالفعل ممنوع بل اختلافهما و لو تقدیراً کاف و لا شک أنّ زمان حصول نقط الدم غیر زمان الاجتماع التقدیری قطعاً و متی قام الاحتمال بطل الاستدلال لارتفاع الظهور حینئذ إذا کان الاحتمالان مساویاً علی أنّ المرسل ضعیف و بتأیّده بفتوی المشهور بعارضه فتوی مشهور المتأخرین علی خلافه بل یمکن أن یقال أنّ الظاهر من قوله (علیه السلام) مجتمعاً فی الروایتین هو الاجتماع فی الثوب لا الاجتماع فی مکان واحد بقرینة السؤال عن نقط الدم فی الثوب و یکون معنی الإجماع فیه الحصول فیه و هو معنی لا ینکر من ظاهر اللفظ و بالجملة فالمقام لا یخلو من اجمال فلا یجوز ترک الاحتیاط و عمومات الادلة لاجله.

ص: 416

خامسها: ما ذکرنا مخصوص بما دون الدرهم و أما ما کان فوق الدرهم فلا کلام فی عدم العفو عنه إذا کان مجتمعاً للإجماع و الاخبار و لو کان متفرقاً فقولان تقدم الکلام فیهما و أما قدر الدرهم نفسه إذا کان مجتمعاً أو متفرقاً بناء علی أنّ الحکم المتفرق حکم المجتمع فهل بعض عنه للأصل و للخبر فی الدم یکون فی الثوب أنّ کان اقل من قدر الدرهم فلا یعید الصلاة و إنْ کان اکثر من قدر الدرهم و کان رآه فلم یغسله حتی صلی فلیعد صلاته و للحسن أیضاً فی الدم یکون فی الثوب قال و ما لم یزد علی قدر الدرهم فلیس بشی ء رأیته أو لم تره فاذا کنت قد رأیته و هو اکثر من مقدار الدرهم فضیعت غسله و صلیت فیه فاعد ما صلیت فیه أو لا یعفی عنه للإجماع المنقول و فتوی المشهور و لانقطاع الأصل بوجوب الاحتیاط فی مقام شغل الذمة و معارضة الأخبار بما هو اقوی منها سنداً و عدداً و دلالة و موافقة للمشهور و فتوی و روایة و موافقة للاحتیاط و عمومات الادلة الدالة علی اشتراط صحة الصلاة بالطاهر و لزوم الاعادة من النجس الدلة علی أنّ العفو مقصور علی ما دون الدرهم و إنْ الدرهم موجب الفساد الصلاة و اعادتها فی محل تجب فیه الاعادة فیجب الاخذ بما هو اقوی و اشهر و اطراح ما هو اضعف و تنزیله علی ارادة الدرهم و اکثر فی قوله (علیه السلام) و إنْ کان اکثر من درهم و الدرهم فما زاد فی قوله (علیه السلام) و ما لم یزد علی قدر الدرهم فلیس بشی ء و هو وارد فی باب المحاورات و نظیرة قوله تعالی: (فَإِنْ کُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اثْنَتَیْنِ) مریداً بها الاثنین فما فوق علی أنّ الروایة الاولی مع ضعفها یعارض مفهوم صدرها مفهوم عجزها و الترجیح للأوّل لاعتضاده بما ذکرنا من المرجحات و الثانیة غیر صریحة و غایتها العموم القابل للتخصیص بما تقدم بحمل ما لم یزد و ما لیس باکثر من درهم علی خصوص الناقص عنه جمعاً مع أنّ الثانیة مرویة فی الکافی و الفقیه الذین هما اضبط من التهذیب باسقاط الواو فی و ما لم یزد و زیادة و ما کان اقل من ذلک فلیس بشی ء بعد قوله (علیه السلام) ما لم یزد علی مقدار الدرهم فسبیلها سبیل الروایة السابقة و لا یبعد أنّ ترک ذکر الواسطة فی الروایتین لاجل ندرتها و غلبة تحقق الأمرین فلیس فیهما علی هذا ذکر حکمها لو لم نقل بدلالتهما علی عدم العفو عنها.

ص: 417

سادسها: لا یعتبر قدر العلق فی الدم و لو وصل إلی الاربعة اصابع بل العبرة بالسعة و لا بوجهی الثوب إذا فشا من الظاهر إلی الباطن خفیفاً کان الثوب أو کثیفاً و الاحوط فی الکثیف التجنب و لو تلطخ وجها الثوب بدمین متغایرین فالظاهر احتساب کل منهما دماً مستقلًا و لو کان الثوب طبقات متکثرة فحزمة الدم کان دماً واحداً و لو انفصل احتسب دماء متعددة و لو اتصل المنفصل فالاحوط احتسابه کذلک دماء متعددة و لو اشتبه الدم بین المعفو عنه و غیره احتمل الحکم بالعفو لأنّه من المشتبه الغیر محصور لأنّ المعفو عنه غیر محصور الفرد و یحتمل عدمه لأنّه من المحصور نوعاً و للاحتیاط الواجب لفراغ الذمة و الأوّل اقوی لأنّ العام المخصوص بفرد أو من دین إذا شک فی بعض من افراده الحق بالاعم الاغلب سیما لو کان التخصیص بالاستثناء و شبهه لا بالشرط و نحوه و لو حک الدم فبقیت نجاسته فقط احتمل العفو الحاقاً للفرع بأصله و الاضعف الزوال بالاقوی لوجودها و یحتمل العدم للاحتیاط و لزوم الاقتصار و علی القدر الیقین و لو تنجس مائع بالدم لم یجری حکم الدم علیه و لو کان دم طاهر کان کذلک مع احتمال العفو و لو خالط الدم شی ء طاهر من بصاق و نحوه و کان لا یبلغ الدم معه علی الدرهم قوی العفو لحصول ذلک غالباً فتحصل المشقة باشتراط عدمه و لأنّه لا یزید علی الثوب و البدن و لا یزید الفرع علی أصله و إنْ بلغ الدم معه الدرهم و ما زاد احتمل العفو تنزیلًا له منزلة الثوب و البدن و احتمل عدمه لتنجیس الثوب و البدن بنجاسة أخری غیر الدم و عدم زیادة الفرع علی أصله لیست قاعدة شرعیة و احتمل الفرق بین ما لازم الدم عادة کعرق و صدید و بصاق فیحکم بالعفو و بین غیره فلا عفو و هو الاقوی و لو شک فی بلوغ الدم مقدار الدرهم قوی البناء علی اصالة عدم البلوغ.

و منها: أنّه یعفی عن النجاسة الواقعة فی المحمول لانصراف ادلة المنع للملبوس قضاء لحق فی و اشباهها الظاهرة فی الظن فیه و لا یتفاوت فی المحمول بین السلاح و غیره و إنْ صدق علی جملة منه الملبوس کالسیف و القوس إلّا أنّه لیس من الصدق المنصرف الیه الاطلاق نعم قد یجری الحکم لمثل الدرع و البیضة و شبههما و یعفی عن طرق الملبوس الخارج عن الملبوس المعتاد لطوله کما تقدم و یعفی عن النجاسة فی الباطن

ص: 418

سواء کانت النجاسة داخلة أو خارجة و سواء قلنا أنّ الباطن ینجس أو لا و سواء کان الباطن مما یبین کالفم أو لا کالمعدة فلا یجب لفظ النجاسة و لا اخراجها و لا قیها لعدم انصراف الادلة الیها بل ربما یدعی الاتفاق علی ذلک سیما إذا کان فی البواطن التی لا تبین فإنّ الحکم بعدم التنجیس لا شک فیه و یعفی عن النجاسة المحمولة نفسها إذا لم تلوث البدن أو الملبوس لعدم الدلیل علی المنع فلو حمل عذرة یابسة أو قاذورة فیها دم أو بول فلا بأس و لو جبر عظمة بعظم نجس العین فلا بأس فی الصلاة سواء اکتسی اللحم فصار من البواطن ام لا نعم کونه مما لا یؤکل لحمه یشکل حمله و اتصاله فی البدن و یعفی عما لا تتم الصلاة منفرداً به ما دام علی هیئة من الملابس للإجماع و الاخبار ففی الموثق (لا یجوز الصلاة به وحده فلا بأس أن یکون علیه الشی ء مثل القلنسوة و التکة و الجورب و الآخر کلما کان) کلما کان علی الانسان أو معه مما لا یجوز الصلاة فیه وحده فلا بأس أن یصلی فیه و إنْ کان قذراً مثل القلنسوة و التکة و الکمرة و النعل و الخفین و ما اشبه ذلک و الآخر فیمن یصلی فی الخف و فیه قذر قال إذا کان مما لا یتم الصلاة فیه فلا بأس و الآخر وقعت قلنسوتی فی البول فوضعتها علی رأسی فصلیت قال لا بأس إلی غیر ذلک من الأخبار المعتضدة بفتوی الاصحاب و مقتضی اطلاقها عدم الفرق بین کونها ملبوسة فی محالها کالقلنسوة فی الراس و الخف فی القدم أو فی غیر محالها کالعکس أو کانت محمولة بل العفو عن المحمول اولی و المتبادر من الأخبار العفو عما لا تتم الصلاة به لصغره لا لرقته و إنْ یبقی علی کیفیته فلو فرض أنّه إذا تغیر عن کیفیته صار بحیث أنّه یسر لا یعتد به کما إذا وضع طوله بعرضه و خیط مثلًا.

و منها: أنّه یعفی عن ثوب المربیة للصبی إذا کان لها ثوب واحد إذا غسلته فی الیوم مرة للإجماع المنقول و فتوی الفحول و الخبر عن امرأة لیس لها إلّا قمیص واحد و لها مولود فیبول علیها کیف تصنع قال تغسل القمیص فی الیوم مرة و یؤیده رفع العسر و الحرج و ارادة الیسر و عدم المشقة و کونه کدم الجروح و القروح و لکن هل یشمل الحکم بول الصبیة لشمول لفظ المولود لها و للاتحاد فی المشقة ام یقتصر علی الصبی للاحتیاط و انصراف المولود الیه کما قیل و للفرق بین البولین فی کفایة الصب و عدمه

ص: 419

و الاصفرار و الثخانة فی بول الصبیة دون الصبی و الاخیر احوط و هل یشترک المربی مع المربیة فی الحکم للاتحاد فی المشقة و ارادة الیسر و الغاء الفارق أو لا یشترک اقتصاراً علی المورد الخاص للاحتیاط و لعدم ثبوت العلة القطعیة فی الأصل و هل یشمل الحکم المولود المتعدد لأنّه اقوی فی ارادة الیسر و حصول المشقة ام لا یشمل اقتصاراً علی المورد الیقین و لاحتمال غلط نجاسة الاثنین فما فوق و هل یشمل الحکم البدن لما ذکرناه أو یقتصر علی الثوب و الاحتیاط یقضی بالاقتصار علی مورد الیقین فیهما و هل الثیاب المتعددة مع الحاجة الیها کالثوب الواحد لمساواتها فی حصول المشقة أو لا لخروجها عن مورد النص و الفتوی اما مع عدم الحاجة فلا شک فی عدم الالحاق و هل یشترط فی العفو عدم قدرتها علی آخر بشراء أو استیجار لتمکنها من دفع المشقة و ارتکاب الیسر أو لا یشترط لإطلاق النص و الاقوی الاخیر و الاحوط الأوّل و هل یجب الغسل ام یکفی الصب إذا لم یأکل الطعام الصبی و الظاهر وجوب الغسل هنا الآن الاکتفاء بالصب هناک فیها إذا تکرر لا فیما یکتفی به فی الیوم الواحد و هل المراد بالیوم ما یشمل اللیل لإطلاق لفظ الیوم علی ما یشمله أو یختص الیوم بغسل و اللیل بآخر أو لا یجری الحکم إلی اللیل مطلقاً لخروجه عن مورد الروایة و الاخیر ضعیف و الوسط احوط و الأوّل اقوی و هل یختص الحکم بمن کان لا یأکل الطعام أو بمن کان فی السنتین و إنْ اکل أو بمن کان جامعاً لهما وجوه احوطها الاخیر و اقواها الأوّل و هل یشمل الحکم تعدد المربی ام یختص بالمربی الواحد و الاقوی الأوّل و الاحوط الاخیر و هل یسری الحکم للغائط الاقوی العدم و هل یسقط العفو بمخالطة نجاسة أخری داخلیة الاحوط ذلک و لو کانت خارجیة فلا إشکال بعدم العفو و هل یجب أن تغسله آخر النهار فتصلی جمیع الصلوات به بعد غسله و تکون فائدة الحکم التخفیف برخصة تاخیر الصلاة أو أنّها تغسله أیضاً وقت شاءت و لو بعد تلوثه مرة واحدة فیجوز لها الصلاة حینئذ به و إنْ کان متلوثاً و لها أن تؤخر غسله إلی العصر بعد أن نصلی به فیکون غسل العصر شرطاً فی صحة الصلاة الماضیة و عدمه کاشف عن بطلانها و إنْ شرط صحة الصلاة المتقدمة العزم علی الغسل المتأخر لا نفس الفعل و لا یبعد ذلک و أما الصلاة المستقبلة فلا شک فی توقف صحتها علی الغسل و الظاهر أنّ الکسر فی

ص: 420

الیوم یلفق من یوم آخر و الظاهر أنّه لا تفاوت بین الفرض و النقل و هل یشترط تعدد الغسل الاقوی الاشتراط و احتمال أنّ المرة فی الخبر قید للغسل بعید.

و منها: النجاسة التی لا یمکن ازالتها عن الثوب و البدن فانه معفو عنها إجماعاً لأنّ الضرورات تبیح المحظورات و ما جاء فی المسلوس من أنّ الله تعالی اولی بالعدد دلیل علی ذلک هذا إن لم یمکنه نزع الثوب و الصلاة عاریاً و إلّا جاء الخلاف من تقدیم الصلاة عاریاً أو تقدیم الصلاة بالثوب النجس کما سیجی ء إن شاء الله تعالی و لا تعاد الصلاة بالثوب النجس المضطر إلی لبسه و لم یمکن من غسله للاجزاء الظاهر من حصول الامتثال و لفتوی المشهور خلافاً للشیخ حیث حکم بالاعادة استناداً لروایة آمرة بالاعادة لمن صلی بثوب نجس و تیمم و هی ضعیفة سنداً و دلالة لاحتمال الاعادة لمکان التیمم أو لمکان الثوب النجس و التیمم.

و منها: ثوب الخصی الذی یتواتر بوله یعفی عنه إذا غسله فی النهار مرة للمشقة و ارادة الیسر و للخبر عن الخصی یبول و یری البلل بعد البلل قال یتوضأ و ینضح

و به فی النهار مرة واحدة و افتی به جمع من الاصحاب و لکنه لضعفه سنداً و قلة العامل به و اجمال دلالته لاحتمال أنّ النضح من جهة البلل الغیر مقطوع به أنّه من البول و لاشتماله علی النضح دون الغسل و لإجمال لفظ المرة فی کونها قیداً للنضح أو النضح فی النهار و لمخالفته للقواعد الموجبة لغسل النجاسة مهما امکن و لما قدمنا من وجوب تخفیف النجاسة و الاحتفاظ منها فی السلوس و المبطون کان العمل بمضمونه مشکلًا جداً و حمله علی الندب عند الشک فی البلل اولی کما جاء فی غیرها من الأخبار و إنْ قلنا به فی الجملة فلا بد من ارادة الغسل من النضح و لا بد من المرتین لیوافق القواعد و حمله علی الرخصة لتاخیر الصلاة و جمعها هو الاوجه.

سادسها: لو صلی بالنجاسة فی ثوبه أو بدنه الغیر المعفو عنها

اشارة

فاما أن یصلی عالماً بها عامداً عالماً بحکمها أو جاهلًا به أو یصلی جاهلًا بها أو یصلی ناسیاً لها ثمّ الجاهل و الناسی اما أن یستمر حاله إلی ما بعد الفراغ أو یتفطن فی الاثناء فهنا امور:

ص: 421

أحدها: أن یصلی عالماً بالحکم و الموضوع

و لا شک فی بطلان صلاته للإجماع بقسمیه و للاخبار المتکثرة الآمرة باعادة الصلاة لمن رأی منیّاً فی ثوبه فصلی و لمن رأی دماً فصلی و غیر ذلک.

ثانیها: أن یصلی جاهلًا بحکمها

و الأظهر وجوب الاعادة علیه فی الوقت و خارجه للإجماع المنقول و فتوی الفحول و لإطلاق الأخبار الآمرة بالاعادة علیه الشاملة للقضاء باطلاقها و لأنّ الأصل فی الشرائط الواقعیة دون العلمیة و لأنّ الأصل عدم الخروج من العهدة فظهر بذلک ضعف مذهب من صحح عبارة الجاهل مطلقاً و اسقط القضاء و الاعادة و کذا مذهب من اسقط القضاء لاحتیاجه إلی أمر جدید و لانصراف الاوامر فی الاعادة إلی الفعل فی الوقت و اقتضاء الأمر الاجزاء و وجه ضعفهما ظاهر مما قدمنا نعم یسقط العقاب عن الجاهل إذا کان جهله ساذجاً غیر متفطن للسؤال لأنّ الله تعالی اولی بالعذر و متی تفطن فلله علیه الحجة البالغة کما ورد أنّ الله یحتج بالمصلی علی أهل بیته و أهل محلته و جیرانه و یحتج علیهم بهدیه و صلاحه.

ثالثها: من صلی جاهلًا بالنجاسة حتی اتم

لا یعید فی خارج الوقت إجماعاً منقولًا و شهرة محصلة بل إجماعاً محصلًا و الاخبار المستفیضة الدالة علی عدم الاعادة مطلقاً شاملة له و کذا لا یعید ما دام فی الوقت وفاقاً للمشهور حتی کاد أن یکون إجماعاً و للاخبار المستفیضة النافیة للاعادة الظاهرة فی بقاء الوقت ففی الصحیح فی المنی و إنْ نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثمّ صلیت فیه ثمّ رأیته بعد فلا اعادة علیک و کذا البول و فی الآخر فی الدم و إنْ لم یکن رآه حتی صلی فلا یعید الصلاة و فی ثالث عن من صلی و فی ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو کلب قال إن کان لم یعلم فلا یعید و فی رابع عمن صلی و فی ثوبه جنابة أو دم حتی فرغ من صلاته ثمّ علم قال قد مضت صلاته و لا شی ء علیه و فی خامس فیمن نظر فلم یجد شیئاً ثمّ صلی فوجد قال تغسله و لا تعید الصلاة و فی سادس إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلی فیه و هو لا یعلم فلا إعادة علیه و فی سابع

فیمن صلی فی ثوب آخر ایاً ما ثمّ اخبره أنّه لا یصلی فیه قال لا یعید شیئاً من صلاته إلی غیر ذلک و لا یعارض ذلک ما ذهب الیه الشیخ (رحمه الله) من وجوب الاعادة فی الوقت

ص: 422

استناداً إلی لزوم الاعادة علی من علم بالاثناء فکذا هنا لضعف المذهب و المستند لبطلان الملازمة نعم ورد فی خبرین احدهما فی الثوب تصیبه الجنابة و لم یعلم بها حتی یصلی فیعلم قال بعید إذا لم یکن علم و ثانیهما فیمن صلی و فی ثوبه جنابة أو بول قال علم به أو لم یعلم فعلیه اعادة الصلاة إذا علم و هما ضعیفان لا یقابلان قویاً واحداً فکیف بتعدد فلتحمل الاولی علی ما إذا لم یعلم حال الصلاة و قد سبقه العلم أو علی الندب أو علی الاستفهام بحذف الهمزة من یعید أو علی زیادة حرف النضیر و توهم الراوی و تحمل الثانیة علی الندب أو علی عدم العلم حال الاشتغال بالصلاة أو غیر ذلک علی أنّ موردها شامل للوقت و خارجه و تخصیصها لا دلیل علیه و عمومها مخلف للإجماع و ظاهر اطلاق النص و الفتوی شمول الحکم لجاهل النجاسة مطلقاً سواء تفطن لها أم لا و سواء تفطن فشک بها أو تفطن فظن بها و سواء اجتهد من عند التفطن شاکاً أو ظاناً فلم یری ثمّ رأی أو لم یجتهد فبنی علی الأصل ثمّ رأی و الظاهر أنّ الحکم کذلک للاطلاقات المتقدمة القویة و للاخبار الدالة علی النهی عن الفحص و السؤال عن النجاسة إلّا مرة بالبناء علی اصالة الطهارة المشعرة بالعفو فی حالة الجهل مطلقاً إلّا أنّ الشهید (رحمه الله) فی الذکری تبعاً للمحکی عن جملة من القدماء خص الحکم بعدم الاعادة فی الجهل الساذج و عدم التفطن أو التفطن و الظن و لکن مع الاجتهاد و النظر فلم یر شیئاً و أما مع التفطن و الظن و عدم الاجتهاد فعلیه الاعادة بل یظهر من بعضهم أنّه مع التفطن و عدم الاجتهاد یجب علیه الاعادة و لو مع الشک بالنجاسة دون الظن بل و مع الظن بعدمها و المستند فی ذلک روایة منصور الصقیل فیمن اصابته جنابة فی اللیل فاغتسل فلما اصبح نظر فاذا فی ثوبه جنابة قال إن کان حین قام فنظر فلم یر شیئاً فلا اعادة علیه و إنْ کان حین قام لم ینظر فعلیه الاعادة و مثله مرسلًا فی الفقیه و روایة محمد بن مسلم و إنْ انت نظرت من ثوبک فلم تصبه ثمّ صلیت فیه ثمّ رأیته بعد فلا اعادة علیک و مفهومه صریح فی ذلک و ظاهر هذه الروایات لزوم الاعادة فی الوقت و خارجه و إنْ الاعادة تدور مدار عدم النظر و عدمها مدار النظر و اطلاقها یشمل الجهل و الشک و الظن و إنْ کان سیاقها ظاهراً فی المتفطن و علی کل حال فهی و إنْ کانت خاصة و تلک عامة و مقتضی قواعد الجمع حمل العام علی الخاص إلّا أنّ الحمل مشروط

ص: 423

بمقاومة الخاص للعام و مع عدم حصول المقاومة لا یحصل التعارض فلا یجب الجمع بل اما أن یطرح أو یحمل علی الندب فی صورة الاعادة لا القضاء لأنّه المتیقن الارادة من الأخبار و یمکن حمل هذه الأخبار علی صورة النسیان بعد الاعتقاد بحصول النجاسة إلّا أنّه حین نظر فلم یجد شیئاً یعود شاکاً فتکون صلاته کصلاة الجاهل بالنجاسة و إنْ لم ینظر فقد بقی علی اعتقاده إلی أن بنی فصلی فوجد ما اعتقده فوجبت علیه الاعادة.

رابعها: من صلی بالنجاسة ناسیاً بعد العلم

فالاقوی أنّ علیه الاعادة فی الوقت و خارجه قضاء الحق الشرطیة فإنّ الأصل فیها الواقعیة و انتفائها موجب لانتفاء المشروط و هو موجب لصدق الفوت و من فاتته فریضة فلیقضها و لعموم الادلة الدالة علی اعادة من صلی بنجاسة خرج ما خرج بالدلیل و بقی الباقی و لخصوص حسنة محمداً بن مسلم فی الدم و إنْ کنت قد رأیته و هو اکثر من مقدار درهم فضیعت غسله و مضیت فیه صلوات کثیرة فاعد و ظاهرها شامل للوقت و خارجة و صحیحة علی بن جعفر فیمن احتجم فاصاب ثوبه دم قال إن کان رآه فلم یغسله فلیقض جمیع ما فاته علی قدر ما کان یصلی و لا ینقص منه شیئاً و إنْ کان رآه و قد صلی فلیعتد بتلک الصلاة و للإجماع المنقول عن ابن ادریس و للشهرة المنقولة هاهنا و فی بحث ناسی الاستنجاء فإنّ الظاهر اتحاد المسألتین و للاخبار الواردة فی الاعادة مطلقاً هاهنا و فی باب الاستنجاء.

و منها: خبراً فی بصیر فی الدم قال و إنْ علم قبل أن یصلی و نسی فعلیه الاعادة.

و منها: روایة سماعة فی الدم نسی أن یغسله حتی یصلی قال یعید صلاته عقوبة لنسیانه و ظاهر التعلیل العموم أیضاً.

و منها: صحیحة الجعفی فی الدم و إنْ کان اکثر من قدر درهم و کان رآه و لم یغسله حتی یصلی فلیعد صلاته.

و منها: صحیح ابن یعفور فی نقط الدم یعلم به ثمّ ینسی أن یغسله فیصلی فیه ثمّ یذکر قال یغسله و لا یعید صلواته إلّا أن یکون مقدار الدرهم مجتمعاً فیغسله و یعید صلواته.

ص: 424

و منها: صحیح زرارة اصاب ثوبه دم رعاف و غیره أو منی و نسی و صلی به و ذکر قال تعید الصلاة و تغسله إلی غیر ذلک من الأخبار المتکثرة الدالة باطلاقها علی الاعادة مطلقاً فلا یعارضها ما دل علی عدم وجوب الاعادة مطلقاً و افتی الشیخ (رحمه الله) بمضمونه کصحیح العلا عن الرجل یصیب ثوبه الشی ء ینجسه فینسی أن یغسله فیصلی فیه ثمّ یذکر یعید الصلاة قال لا یعید قد مضت الصلاة و کتبت له و کعموم رفع القلم عن الناسی لضعفهما عن المقاومة لما هو اکثر عدداً و اصح سنداً و لما هو المشهور بل کان أن یکون متفقاً علیه بین القدماء مضافاً إلی شذوذ العامل بالصحیح و ندرة العامل بعموم رفع القلم فی رفع القضاء و شبهه نعم یستدل به لرفع الاثم و المؤاخذة نعم ذهب جملة من المتأخرین و نسب لمشهورهم التفصیل بین بقاء الوقت فتجب الاعادة و بین خروجه فلا تجب جمعاً بین الأخبار الاولیة المثبتة للاعادة مطلقاً و بین الصحیح الاخیر النافی له و لاحتیاج القضاء لأمر صریح مثبت له و لا صراحة فی الأخبار الاولیة بالعموم و لروایة علی بن مهزیار کتب الیه سلیمان بن راشد یخبره أنّه بال فی ظلمة و إنّه اصاب کفه برد نقطة من البول لم یشک أنّه اصابه و لم یره و إنّه مسحه بخرقة ثمّ نسی أن یغسله و تمسح بالدهن فمسح به کفیه و وجهه و رأسه ثمّ توضأ وضوء الصلاة فصلی الجواب ما توهمت مما اصاب یدک فلیس بشی ء إلّا ما تحقق فإنّ تحققت ذلک کنت حقیقاً أن تعید الصلوات التی کنت صلیتها بذلک الوضوء ما کان منهن فی وقتها و ما فات وقتها فلا اعادة علیک لها من قبل أنّ الرجل إذا کان ثوبه نجساً لم یعد الصلاة إلّا ما کان فی وقت و اذا کان جنباً أو علی غیر وضوء فعلیه اعادة الصلوات المکتوبات التی فاتته لأنّ الثوب خلاف الجسد و الکل ضعیفاً لأنّ الجمع فرع التکافؤ أوّلًا و الصحیح الاخیر لا یکافئ فی تلک الأخبار علی أنّ تلک الأخبار فیها ما هو صریح فی شمول الاعادة للوقت و خارجه فلا یمکن الجمع و محتاج إلی شاهد یدل علیه و لیس إلّا المکاتبة و هی مع ضعفها سنداً قد اشتملت علی ما یقضی بظاهره بخلاف القواعد من اشتراط طهارة محل الوضوء و من اشتراط الطهارة نفس الماء لتنجسه لوروده علیها و من أنّ ذلک الوضوء الذی توضأه اما أن یکون صحیحاً فلا معنی لإعادة الصلاة بذلک الوضوء بعینه لإشعاره بان منشأ الاعادة هو نفس الوضوء لفساده و أما أن یکون فاسداً فلا معنی

ص: 425

للحکم بان ما فات وقتها لا قضاء فیها و حمل الوضوء بعینه علی التمسح و التدهن حمل بعید خبراً و من أنّ مسح الید بالراس تقضی نجاستها لمکان نجاسة الرطوبة لملاقیه و من أنّ قوله (علیه السلام) کنت حقیقاً أن تعید الصلوات التی صلیتهن بذلک الوضوء یعطی أنّه لو احدث عقیب ذلک الوضوء و توضأ وضوء آخر و صلی لا یعید صلواته و الجواب بالتزام عدم اشتراط طهارة محلل الوضوء و إنْ الماء الواحد یرفع الحدث و الخبث و بان قوله (علیه السلام) فإنّ تحققت ذلک یراد به تحققت وصول البول إلی غیر محال الوضوء و بأنّه یمکن أن یکون مسح الراس علی غیر المحل النجس لامکان عدم استیعاب الدهن النجس للرأس و بامکان ارادة الوضوء النوعی الخاص الواقع بعد التدهن و قیل تطهیر البدن فی قوله (علیه السلام) ذلک الوضوء بعینه کله تکلف بعید لا یساعده دلیل و لا ظهور خطاب و علی کل حال فصلاحیة الروایة للشهادة بجمیع الأخبار کما ذکروه مع هذا الاجمال و الاختلال بعیدة عن الخیال کما أنّ الاقتحام علی حمل الروایات الآمرة بالاعادة علی الندب مع کثرتها و وضوحها و شذوذ العامل بغیرهما مما دل علی عدم الاعادة مطلقاً أو دل علی التفصیل من القدماء مخالفاً لطریقة الفقهاء و الفقاهة بعید عن طریقة الاستدلال.

خامسها: أن یری النجاسة فی الاثناء

و قد علم سبقها فنسیها و صلی و الاقوی هاهنا وجوب الاعادة و بطلان الصلاة لما تقدم من وجوب الاعادة علی الناسی و لفقدان الشرط فی الجزء فیبطل الکل و للصحیح (عن رجل ذکر و هو فی الصلاة أنّه لم یستنج قال ینصرف و یستنجی و یعید الصلاة) و الآخر (و إنْ کنت رایته قبل أن تصلی فلم تغسله ثمّ رأیته بعد و انت فی صلاتک فانصرف و اغسله واعد صلاتک (و الثالث فی الدم و المنی قلت و إنْ رأیته فی ثوبی و انا فی الصلاة قال تنقض الصلاة) و الرابع (فی الدم ینسی یغسله حتی یصلی قال یعید الصلاة عقوبة لنسیانه) و جمیع ما دل علی بطلان الصلاة فی الاثناء مع رؤیة النجاسة و کان جاهلًا بها تدل علی صورة النسیان بطریق اولی.

ص: 426

سادسها: أن یراها فی الاثناء و یعلم بحدوثها أو لا یعلم بسبقها أو حدوثها حین العلم بها

و الاقوی هنا و الاشهر أنّه إن مکنه ازالتها بغسل و شبهه أو طرح الثوب مع لیس غیره أو بقاء غیره وجب ذلک و صحت صلاته و استمر علیها و إنْ لم یمکنه ازالتها إلّا بفعل القاطع لصلواته من المنافیات لها وجب القطع و الاعادة لأنّ النجاسة إن کانت سابقة فهو جاهل بالنجاسة و الجاهل لا إعادة علیه مع فعل الکل فالبعض بالطریق الأولی و الباقی تدارکه ممکن و إنْ حدثت فی الاثناء کما یقضی به أصل التأخر لم یکن مصلی بالنجاسة سابقاً و لا لاحقاً و للصحیح و إنْ لم تشک ثمّ رأیته رطباً قطعت الصلاة و غسلته ثمّ بنیت علی الصلاة لانک لا تدری لعلة شی ء اوقع علیک و للحسن فی الدم إن رأیته و علیک ثوب غیره فاطرحه وصلی و إنْ لم یکن علیک غیره فامض فی صلاتک و لا اعادة علیک و تضمن آخره ما لا نقول به لا ینافی فی الاستدلال بصدره و للصحیح عن الرجل یأخذه الرعاف فی الصلاة قال ینفتل منها فیغسل انفه و یعود فی صلواته فإنّ تکلم فلیعد صلواته و نحوه الصحیح الآخر و هما و إنْ اطلقا البناء مع عدم الکلام إلّا أنّه یلحق به غیره من المبطلات بالإجماع و بمفهوم الصحیح لو أنّ رجلًا رعف فی صلواته و کان عنده ماء أو من یشیر الیه بماء فیتناوله فمال برأسه فغسله فلیبنِ علی صلاته و لا یقطعها و فیه دلالة علی لزوم القطع إن لم یکن کذلک مضافاً إلی أنّه مع عدم امکان التطهر و البناء یلزم علیه الصلاة بالنجاسة الدال علی منعها عمومات الادلة و خصوصاتها و احتمال أنّ المانع الشرعی کالمانع العقلی فیکون مضطراً للصلاة بالنجاسة ضعیف لأنّ هذا بطلان فیها لا ابطال لها.

سابعها: أن یعلم بها فی الاثناء و یعلم بسبقها علی حالة علمه

اما فی ابتداء صلواته أو فی اثنائها و هنا یقوی القول بلزوم الابطال و الاعادة من رأس سواء امکن ازالتها من دون فعل مناف أو لم یکن لقوله (علیه السلام) فی الصحیح إن رأیته أیضاً المنی فی ثوبی و انا فی الصلاة قال تنقض الصلاة و الآخر إن رأیت المنی قیل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک اعادة الصلاة و حملها علی الصلاة مع عدم النظر کما زعمه بعض المتأخرین بعید النظر و الثالث رجل صلی بثوب فیه جنابة رکعتین ثمّ علم به قال علیه أن یبتدئ

ص: 427

الصلاة و لا یعارضها الحسن فی الدم إن رأیته و علیک ثوب غیره فاطرحه و صل لحمله علی عدم العلم بالسبق بقرینة قوله (علیه السلام) فی الصحیح و تعید إذا شککت فی موضع منه ثمّ رأیته و إنْ لم تشک ثمّ رأیته رطباً قطعت الصلاة و غسلته ثمّ بنیت علی الصلاة لانک لا تدری لغسله شی ء اوقع علیک و قیل نسب للمشهور بأنّه إن أمکنه النزع أو الغسل بلا فعل مناف لزمه ذلک و صحت صلواته و إلّا وجب علیه القطع و الاستیناف لإطلاق الحسنة إن رأیته و علیک ثوب غیره فاطرحه و صلی و لفحوی الأخبار الحاکمة بعدم الاعادة علی الجاهل بالنجاسة حتی فرغ من صلواته لأولویة المعذوریة فی البعض مع امکان تدارک الباقی بالطهارة من المعذوریة فی مجموع العبادة و هو حسن لو لا الأخبار المتقدمة المائزة بین الصورتین و الملزمة بعدم الاعادة فی الصورة الاولی و الاعادة فی هذه الصورة فحمل الحسنة علی الصورة الاولی و الاخذ بالاخبار الموافقة للاحتیاط اولی علی أنّ الشهرة غیر محققة و مع ذلک فالجمع بین الأخبار بما ذکرنا مما لا ینبغی المحیص عنه و الملازمة المذکورة بین الکل و الابعاض ممنوعة.

ثامنها: جمیع ما ذکرناه انما یجری فی حال الاختیار

و اما فی حال الاضطرار و عدم امکان التطهیر فالصلاة صحیحة فی النجس للإجماع و الخبر عن الثوب یصیبه البول و الجنابة و لیس عنده غیره قال یصلی فیه إذا اضطر الیه و لا یتفاوت الحال بین کونه عالماً أو جاهلًا أو ناسیاً کما إذا صلی مع الجهل و النسیان فتبین أنّه غیر ممکن من التطهیر أو الابدال أو الصلاة عاریاً بناء علی تقدیم الصلاة علی الصلاة فی النجس و مبنی المسألة علی أنّ من لم یجد إلّا الثوب النجس و امکن نزعه فهل یقدم الصلاة بالنجس للاهتمام تحصیل الشرائط و الاجزاء مهما امکن و للاخبار المستفیضة الدالة علی أنّه یصلی فی الثوب و لا یصلی عریاناً أو یقدم الصلاة عریاناً للاخبار الدالة علی لزوم الصلاة عاریاً و طرح النجس المنجبرة بفتوی المشهور و الإجماع المنقول أو یتخیر بین الصلاة عاریاً و الصلاة فی الثوب النجس جمعاً بین الصحاح الدالة علی الصلاة فی الثوب و الاخبار المنجبرة الدالة علی الصلاة عاریاً و هو الاقوی فی النظر لو حصل التکافؤ إلّا أنّ حصوله فی معارضته المشهور لا یخلو عن القصور.

ص: 428

تاسعها: کثیر مما ذکرنا انما یجری فی حال السعة

و أما حال الضیق عن الاستیناف بحیث لم یبق من الوقت مقدار رکعة و حال الضیق عن ازالة النجس أو تبدیل الثوب فالظاهر صحة صلاة العالم بالنجاسة فی الاثناء إذا لم یسبق له علم قبل دخوله فی الصلاة سواء علم بسبقها أو لحوقها أو لم یعلم للادلة القطعیة الدالة علی وجوب الصلاة فی اوقاتها المعینة و اشتراطها بازالة النجاسة علی هذا الوجه غیر معلوم بل الاستقراء القطعی الحاصل من تتبع العفو من الشارع عن کثیر من الشرائط و الاجزاء لتحصیل الصلاة فی وقتها یدل علی صحة الصلاة عند الضیق و ما دل علی وجوب الازالة و إلّا فالاستیناف لا ینصرف لهذا الفرد الخفی بل هو ظاهر فی السعة و لا یبعد أن یحمل علیه قوله (علیه السلام) فی الرجل یصلی فابصر فی ثوبه دماً قال یتم و کذا قوله (علیه السلام) إن رأیت فی ثوبک دماً و أنت تصلی و لم تکن رأیته قبل ذلک فأتم صلواتک نعم لا تصح صلاة الناسی إذا قلنا بلزوم الإعادة علیه وقتاً و خارجاً کما یدل علیه تمام الخبر المتقدم و قوله (علیه السلام) فیه و إنْ رأیته قبل أن تصلی فلم تغسله ثمّ رأیته بعد و انت فی صلواتک فانصرف و اغسله واعد صلواتک فإنّه باطلاقه شامل لذلک و إنْ قلنا بلزوم الاعادة علیه فی الوقت فقط دون خارجه قوی أیضاً القول بصحة صلواته فی الضیق بحیث لا یمکنه ادراک رکعة من الوقت عند الاستیناف لصیرورة تذکره بمنزلة التذکر بعد خروج الوقت.

عاشرها: لو صلی بالنجاسة عن جهل بالحکم و لکن مع العذر الشرعی

لاشتباه فی تقلید أو اجتهاد فالظاهر أنّ علیه الاعادة کالجاهل الأصلی و لو صلی بالنجاسة معتقداً تطهیرها بنفسه أو بغیره فبان خطأه فإنّ کان لا عن طریق شرعی فالظاهر أنّه کالناسی و إنْ کان عن طریق شرعی کشهادة عدلین أو اخبار ذی الید فالظاهر أنّه کالجاهل لیس علیه اعادة و ما ورد من انی آمر الجاریة فتغسل ثوبی من المنی فلا تبالغ فی غسله فأصلی فیه فاذا هو یابس قال اعد صلواتک اما انک لو کنت انت غسلت لم یکن علیک شی ء فمحمول علی صلواته فیه قبل اخبارها له أو علی اطلاعه علی عدم المبالغة فیه قبل غسله بحیث حصل له الظن ببقاء النجاسة قبل صلاته به و یراد بقوله (علیه السلام) لو انک

ص: 429

باشرت غسله لم یکن علیک شی ء من نفی الشی ء ففی بقاء النجاسة فی المحل لأنّه لو تولاها الاصیل لم یبق فی المحل شیئاً و لو صلی بالنجاسة معتقداً لجواز الصلاة فیها لتقیة أو مرض أو غیرهما فبان خطأه فالأظهر أنّه کالناسی لأنّ الشرائط تدور مدار الواقع و لخبر ابی بصیر الدال علی الاعادة مع العلم و عدمه إذا علم بها و فی خبر سماعة یعید صلواته کی یهتم بالشی ء عقوبة لنسیانه و الاخبار المفصلة بین الطلب للنجاسة و النظر و الاجتهاد فلا اعادة و بین عدمها فالاعادة و الاخبار العامة الدالة علی شرطیة الطهارة للصلاة و الاعادة مع النجاسة علی سبیل الاطلاق کلها تدل علی أنّ الأصل الاعادة إلّا ما خرج بالدلیل و اعلم أنّ المراد بالوقت و خارجه هو ظرفیة الوقت للتذکر فإنّ تذکر فیه اعاد فیه و لو لم یعد وجب علیه القضاء خارج الوقت و إنْ قلنا أنّ التذکر فی الوقت موجب للاعادة فی الوقت دون خارجه و إنْ تذکر فی خارجه لم یجب علیه القضاء لو قلنا بایجاب التذکر للفعل فی الوقت دون خارجه و إنْ قلنا بایجابه لهما وجب علیه القضاء نعم لو کان التذکر فی الوقت و لکن فی زمن لا یمکنه تدارک العمل و لو رکعة منه فالظاهر أنّ حکمه حکم من تذکر خارج الوقت کما إذا تذکر سابقة فی الوقت المختص باللاحقة و لو تذکر فی اثناء العمل الذی یعاد فی الوقت دون خارجه عند ضیق وقته عن الاستیناف و الاعادة فلا یبعد صحة العمل و وجوب اتمامه و عدم الاعادة لأنّه بمنزلة من تذکر خارج الوقت و من تذکر خارج الوقت صح عمله فی الوقت.

سابعها: أوانی الکفار و سایر ما یستعملونه طاهرة إذا لم تعلم نجاسته

و إنْ ظهرت أو ظن بها عدا الجلود الغیر معلوم تذکیتها و الدلیل علی الطهارة الأصل و عمومات الادلة و الإجماع منقولًا بل ربما یدعی أنّه محصلًا و الاخبار المستفیضة الدالة علی جواز استعمال ما استعملوه من ثوب و نحوه و لا قائل بالفرق ممن یعتد به و حکی عن الشیخ النهی عن استعمال اوانی المشرکین و نقل علیه الإجماع و تدل علی ما قاله الأخبار الناهیة عن الاکل من طعامهم الذی یطبخونه و الاکل و الشرب فی اوانیهم و الآمرة بغسل الثوب المعار للذمی و لکنه ضعیف إذ الإجماع المنقول فی مقابلة فتوی معظم الفحول لا یفیدوهما فی الحکم فضلًا عن الظن و الاخبار قاصرة عن معارضته

ص: 430

تلک الأخبار المعتضدة بفتاوی الأخبار فلا بد من حملها علی الندب أو علی حالة العلم بالمباشرة و حصول التنجس بل هو الظاهر لدی کل ماهر.

ثامنها: یلحق بأحکام النجاسات تحریم اوانی الذهب و الفضة و تحریمهما فی الاکل و الشرب

بل فی مطلق الاستعمال مما دلت علیه الأخبار و نقلت علیه الإجماعات و افتی به المشهور فدعوی اختصاص التحریم بالاکل و الشرب ضعیفة و قد ورد أنّهما متاع الذین لا یوقنون و لا یحرم استعمال المفضض و المذهب للأصل و فتوی مشهور المتأخرین و الصحیح فی القدح فیه ظبة من فضة قال لا بأس و الحسن لا بأس أن یشرب الرجل فی القدح المفضض و اعزل فمک عن موضع الفضة فما ورد من النهی عن المفضض اکلًا و شرباً فی الصحیح أو الحسن و الموثق محمول علی الکراهة جمعاً لعدم قوته علی ما دل علی الکراهة نعم الاحوط عزل الفم عن موضع الفضة للأمر به فی الحسن و فتوی جمع من الاصحاب به و القول بالکراهة للأصل و اطلاق الصحیح بل عمومه الناشئ من ترک الاستفصال اقوی و المذهب کالمفضض بل اقوی منه فی الحکم و المخلوط منهما مثلهما و المخلوط بغیرهما لا بأس به ما لم یکن الخلیط مستهلکاً و الإِناء المرکب من احدهما و من غیرهما کأن یکون اعلاه فضة و اسفله معدناً آخر أو بالعکس لا بأس به و المرصع لا بأس به و ما کان موضوعاً علی غیر وضع الآنیة کأن یکون لا اسفل له أو یکون محزماً لا یصلح لکونه آنیة لا بأس به و اقتنائها لا لغرض الاستعمال لا یبعد القول بجوازه و لکن الاحوط اجتنابه لکونه متاع الذین لا یوقنون و لفتوی جملة من الاصحاب و لورود النهی عنها المتعلق بالذات فیشمل جمیع الانتفاعات و الاقتناءات و المراد بالآنیة ما تسمی علافاً بذلک من ظروف أو اوعیة کثر استعمالها أو قل کانت من المتداولة فی البیت ام لا کانت لها اسماء خاصة کصحن و کمکة و صینیة و ابریق و حب و معجنة و نحوها أم لا و الظاهر أنّها عبارة عما جمعت اموراً من الظرفیة و کون المظروف مما یرفع و یوضع فلا بأس بفص الخاتم و عکوز الرمح و ظبة السیف و الخلخال الموضوع فیه شی ء و الحرز کحرز الجواد (علیه السلام) و قاب الساعة المتصل بها و کونها غیر جزء للمظروف کقاب الساعة الفوقانی و شبهه و کونها علی صورة اوانی متاع البیوت من اکل و شرب و طبخ و احراز فلا بأس براس الشطب و رأس النارجیل

ص: 431

و ما کان علی طریقة الثیاب أو الحلی و یدخل فیها المکحلة و ظرف الغالیة و اوانی الروائح و الطیب المتخذة للنساء غالباً و یخرج عنها سفرة الطعام التی لا حاشیة لها و یدخل فیها آنیة الآنیة کاوانی القهوة المتخذة لوضع الاوانی فیها و الجاون و بیت الرحی و شبههما علی الأظهر و لو توضأ من أنیة فضة أثم مع العلم فإنّ کان لا یمکنه الوضوء من غیرها فسد وضوؤه لتعلق الخطاب به بالتیمم و إنْ امکنه احتمل الصحة لتعلق النهی بالاستعمال الذی هو الاخراج و الادخال دون نفس الافعال و هو أمر خارج عن العبادة و احتمل البطلان لتعلق النهی بالمقدمة فلا یکون ذوها مأموراً به فیفسد لعدم تعلق الأمر أو لأنّ نفس الوضوء استعمال و هو منهی عنه و الاخیر احوط و الأوّل أقوی.

تم کتاب الطهارة و هو المجلد الاول من کتاب انوار الفقاهة

و الحمد الله اولًا و آخراً

ص: 432

[دلیل الکتاب]

الموضوع ..... الصفحة

الطهارة ..... 1

بحث الوضوء الواجب ..... 2

بحث الوضوء المندوب ..... 4

فوائد ..... 5

بحث ..... 8

بحث ..... 9

بحث فی التیمم ..... 14

بحث فی نذر الطهارة ..... 17

الماء المطلق و المضاف ..... 18

بحث من طهوریة الماء ..... 20

بحث ..... 20

بحث ..... 21

بحث ..... 28

فوائد ..... 30

بحث فی النجاسة ما دون الکر ..... 31

فوائد ..... 36

بحث فی الماء الکر ..... 42

بحث فی حدّ الماء الکُر ..... 43

بحث آخر فی حد الکر ..... 45

بحث فی أحکام ماء البئر ..... 49

بحث فی احکام البئر ..... 50

فوائد ..... 54

ص: 433

بحث فی الماء النجس لا یرفع حدثاً و لا خبثاً ..... 70

أحکام الماء المضاف ..... 75

بحث فی احکام ماء الاستنجاء ..... 80

بحث فی الماء المستعمل فی غسل الخبث ..... 81

بحث فی أحکام ماء الغسالة ..... 84

بحث فی أحکام ماء الحمام ..... 88

بحث فی أحکام ماء المطر ..... 89

بحث فی احکام السؤر ..... 90

فوائد ..... 91

بحث فی نواقض الطهارة ..... 95

مباحث ..... 96

بحث فی أحکام التخلی ..... 101

القول فی الوضوء ..... 114

فروض الوضوء ..... 114

الأول: فی النیة ..... 114

الثانی: غسل الوجه ..... 136

الثالث: غسل الیدین ..... 140

الرابع: مسح الرأس ..... 147

الخامس: مسح الرجلین ..... 155

السادس: الترتیب ..... 163

السابع: المباشرة ..... 164

الثامن: الموالاة ..... 165

فائدة ..... 169

ص: 434

القول فی غسل الجنابة و وجوبه ..... 191

القول فی غسل الحیض ..... 217

القول فی الاستحاضة ..... 256

القول فی النفاس ..... 264

فوائد ..... 264

القول فی غسل الأموات ..... 268

القول فی الغاسل ..... 279

القول فی التحنیط ..... 287

القول فی التکفین ..... 288

القول فی الدفن ..... 293

القول فی مسائل متفرقة ..... 295

خاتمة ..... 301

القول فی التیمم ..... 303

القول فیما یتیمم به ..... 315

القول فی کیفیة التیمم ..... 321

القول فی النجاسات ..... 343

مباحث ..... 343

القول فی المطهرات ..... 370

أحکام التطهیر بالماء ..... 387

أحکام النجاسات ..... 404

ابحاث ..... 404

دلیل الکتاب ..... 432

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.